Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

ثورة فى قيصرية كبادوكية

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
يوحنا ذهبى الفم للأنبا غريغوريوس
يوحنا يترهبن
يوحنا شماساً وقساً
فترة الأسقفية
نفى يوحنا ونياحتة
ثورة بقيصرية كبادوكية
ذهبى الفم بالقوقاز
رسائل القديس يوحنا
ألامه بالمنفى بالقوقاز
موقف أسقف روما
نياحة القديس يوحنا
أقوال وكتابات يوحنا

 

وفى أثناء رحلة القديس يوحنا ذهبى الفم إلى كوكوزة "القوقاز" دخل الجنود الذين ومعهم القديس يوحنا ذهبى الفم إلى قيصرية كبادوك فى يوليو 404م قيل له ان الأسقف فارتريوس ينتظرك ، ولكنه كان يذهب ويجئ من مكان لآخر ومن دير لدير وقيل له أنه يفعل ذلك خشية أن تتاح له فرصة اللقاء معك .. فتعجب القديس مما حدث لأنه لم يكن متوقعا أن يصدر من هذا الأسقف مثل هذا التصرف .

وحدث أنه سمع أن  الأشوريين Isaurians قاموا بالهجوم على قرية كبيرة بقيصرية وأشعلوا النار فيها ، فخرج التربيون (1)  ومعه الجنود .. ولكن المفاجأة المفجعة أن الهجوم لم يكن من الأشوريين بل من جماعة من الرهبان ، إندفعوا نحو البيت الذى كان يقيم فيه القديس يوحنا أثناء رحلته للمنفى ، وهددوا إلى إحراقه إن لم يخرج سريعاً

 بعد وصول القديس يوحنا ذهبى الفم إلى منفاه فى كوكوزة "القوقاز" أرسل رسالة إلى أولمبياس (2) ووصف فيها الثورة التى قادها فارتريوس Pharetrius  أسقف قيصرية كبادوكية  ضده ، الذى كان يذهب إلى الأديرة ليجمع الرهبان الأشقياء ويقول لهم أكاذيب عن القديس يوحنا وأنه هرطوقى خطير يجب ألا يبقى لحظة واحدة فى قيصرية .

وكان القديس يوحنا مريضاً منهك القوى ، ولكن الجنود إضطروا أن يدفعوه للخروج من قيصرية : " أنهم يخشون على حياتهم من الرهبان أكثر من هجوم الأشوريين " وعندما خرج القديس يوحنا ذهبى الفم من هذه المدينة التى لم تقبله نفض غبار رجليه على أعتاب قيصرية ، لينطلق رغم مرضه وتعبه مع ركبه ستة وخمسين يوماً حتى بلغ  كوكوزة "القوقاز"

وبالرغم مما فعله أسقف قيصرية إلا أن الكهنة ذهبوا إلى القديس يوحنا وذكروا له انهم متحدين له فى الشركة وهكذا أزالت هذه الكلمات بعض من الحزن الذى جلبه أسقف قيصرية فى قلب القديس يوحنا وسجل القديس هذا الحدث فقال : " (3) إن كنت تنوحين بسبب ما حدث فى قيصرية فإن موقفك هذا لا يليق بك ، فإن هذه الأحداث بالحقيقة قد ضفرت لى أكاليل نصرة براقة ، حتى أن الجميع يعلنون أسمى ويمدحوننى علناً ، مندهشين ومرتاعين بسبب ما تحملته من سوء معاملة .

عللا أى حال لا تخبرى أحد بذلك ، ولو أن هذه الأمور قد صارت موضوع حديث كثيرين .

إن سيدى بينيوس  Peanius قد أخبرنى بأن كهنة فارتريوس Pharetrius أسقف قيصرية نفسه قد وصلوا إلى الموضع وأعلنوا أنهم متحدون معى فى الشركة ، وليست لهم شركة ولا إتصال ولا علاقة بمن هم ضدى ، لا تخبرى أحداً بشئ من هذا حتى لا نسبب لهم تعباً .

حقاً كل ما جرى كان مؤلماً للغاية ، فإنى إن كنت لا أعود أحتمل شيئاً من الألام بعد ذلك ، فإن ما تحملته يكفينى لنوال مكافئىت بلا حصر ! لقد أصابنى خطر بالغ جداً ، أرجوكى أن تحفظى هذه الأمور فى سرية ، فإنى أقدم لك صورة مختصرة للأحداث لا لكى أحزنك بل بالحرى لكى أسعدك فإنه فى هذه الأمور بالحقيقة يكمن ربحى ! هنا توجد ثروتى ! هنا أجد وسائل الخلاص من خطاياى !

وفى رحلتى إكتنفتنى مثل هذه التجارب من أشخاص لم اكن قط أتوقع منهم هذا ، إذ كنت على أبواب منطقة كبادوكية ، بعدما هربت من ذلك لارجل الذى فى غلاطية (4) الذى كاد أن يهددنى بالموت ، إلتقى بى إناس كثيرون فى الطريق يقولون لى : إن السيد فارتريوس Pharetrius ، يذهب ويجئ فى كل موضع خشية ألا تتاح له فرصة السعادة بلقائك ، وقد بذل كل الجهد الممكن لرؤياك ، أنه يحتضنك ويظهر لك إهتماماً ووداً ، لقد هيأ كل اديرة الرجال والنساء لهذا الغرض .

وعندما سمعت هذا الكلام ساور الشك نفسى ، أن يكون الأمر على خلاف ذلك ، إذ لم اكن أتوقع هذا الإستقبال ، لكنى لم أصارح أحداً ممن بشرونى بهذه الرسالة بما يجول فى خاطرى .

الآن .. قد بلغت قيصرية فى إحدى الأمسيات متأخراً ، وانا فى حالة سيئة للغاية إذ كنت منهكاً ، محموماً فى حرارة مرتفعة جداً ، خائراً ، متألماً جداً .

عثرت على فندق فى مدخل المدينة ، وبعد عذاب شديد وجدت طبيباً يطفئ حرارة هذا الآتون ، إذ كانت الحرارة قد بلغت أقصى درجاتها وأنا فى يومى الثالث من المرض علاوة على هذا كنت متعباص من مجهود الرحلة : مشقة وإجهاد مع عدم وجود معاونين لى ، صعوبة فى الحصول على الضروريات ، بلا طبيب ـ إرهاق مع حر وعدم نوم ، وهكذا دخلت المدينة أقرب إلى جثة إنسان ميت !

عندئذ جائنى حقاً كل هيئة الإكليروس والشعب والرهبان والراهبات والأطباء ، وأولونى إهتماماً عظيماً ، فالكل كان يخدمنى لكل نوع ويقدم لى العون لكن ضغط الحمى الشديدة هدتنى فكنت فى غاية الخطر ، أخيراً هدأ الداء قليلاً ثم زال .

أما فارتريوس Pharetrius فلم يظهر فى أى موضع ، إنما كان ينتظر رحيلى ، دون أن أدرى ما يقصده بذلك .

إذ رأيت مرضى يزول تدريجياً بدات افكر فى الإعداد لرحلتى حتى أبلغ كوكوزة "القوقاز" وأستريح قليلاً من اهوال الطريق ، وبينما أنا أتهيأ لذلك إذ بنبأ يأتينا فجأة أن الأشوريين Isaurians يرابطون فى جماعات بلا حصر لغزو منطقة قيصرية ، وقد احرقوا قرية كبيرة ويرتكبون أعمالاً عنيفة وإذ سمع الحاكم بذلك أخذ جنوده وخرج إليهم ، لقد خشى لئلا يقوم العدو بهجوم على المدينة أيضاً ، إذ كان الجميع فى إضطراب وضيق شديد مدركين أن أرض وطنهم ذاتها فى خطر ، حتى تعهد الشيوخ أنفسهم بحماية الأسوار .

إذ كانت ألأمور هكذا ، رأينا فجأة عند الفجر رعاعاً من الرهبان - يليق بى أن أطلق عليهم هذا اللقب لكى أعبر عن مدى غضبهم - فقد إندفعوا نحو المنزل الذى نقيم فيه ، وهددوا بحرقة ولإستخدام العنف الزائد معنا إن لم نتركه ، ولم يخفف حدة غضبهم الخوف علينا من الأشوريين ولا شدة مرضى ، ولم يكن هناك شئ آخر يجعلهم يتعقلون ، فقد كانوا مصرين فى غضب شديد حتى خاف الجند منهم ، كانوا يهددون بالضرب بل يفتخرون أنهم نجحوا فى ضرب كثير من الجند ضرباً مبرحاً .

إذ سمع الجند ذلك لجأوا إلى وتضرعوا متوسلين : " لو إضطررنا نسقط فى يد الأشوريين Isaurians أنقذنا من هذه الوحوش المفترسة "  

عندما سمع الحاكم بهذا الخبر أسرع غلى المنزل مريداً أن يقدم عوناً ، ولكن لارهبان لم يهتموا بتوسلاته ، حتى خارت قوته تماماً .

لقد أدرك خطورة الموقف فلم يشير على بالخروج فأتعرض لخطر محقق من ( الأشوريين ) ولا أن أبقى فى الداخل بسبب ثورة هؤلاء الرجال ، فبعث إلى  فارتريوس Pharetrius (الأسقف) يرجوه إمهالى أياماً قليلة بسبب مرضى والخطر المحيط بى ، ولكن لم يكن لهذا العمل نتيجة ، بل على العكس فى اليوم التالى وصل الرهبان فى أكثر ثورة ، فلم يجرؤ أحد من الكهنة أن يقف بجوارى ويسندنى ، لكنهم كانوا فى خجل وخزى بسبب تعليمات فارتريوس ، فلم يجرؤ أحد من الكهنة أن يقف بجوارى ويسندنى ، لكنهم كانوا فى خجل وخزى بسبب تعليمات فارتريوس ، فكانوا يبتعدون ويختفون ، حتى إذا ما دعوتهم لا يجيبونى .

ما الداعى للإسترسال فى الحديث ؟ فبينما وأنا وسط هذه المخاوف العظيمة ، والموت يكاد يلاحقنى ، إذ لم اكن قد شفيت من الألام تماماً ، ألقيت بنفسى على (الحمالة) فى الظهيرة ، وحملونى إلى الخارج ، وكان الشعب يصرخ ويزأر ، يصب اللعنات على المتسبب لمثل هذه الأعمال ، وكان كل واحد منهم يبكى وينتحب !!

إذ صرت خارج المدينة تسرب إلى بعض الكهنة تدريجياً وكانوا يرافقوننى وهم يبكون طول الطريق ، وسمعنا البعض يقول : إلى أين تقتادوه ليموت موتاً محققاً ؟ أجابنى أح المحبين لى جداً : أرجوك أن ترحل ولتسقط فى أيدى الأشوريين ، ولكن أبتعد عنا فأينما سقطت تكون فى أمان بعيداً عن أيدينا ! " .

إذ سمعت السيدة الصالحة سيليسيا Seleucia  زوجة سيدى روفينوس الكريمة ، وألصق صديقة إلى ، ورأت ان تعيننا فى هذه الأمور ، رجتنى وتوسلت غلى أن ألجأ إلى منزلها الذى فى ضاحية تبعد حوالى خمسة أميال عن المدينة ، وأرسلت إلى رجالاً يرافقوننى ، فرحلت إلى هناك . 

ناك ايضاً لم تتوقف المؤامرة المدبرة ضدى فإنه ما عرف فارتريوس بما فعلته المرأة حتى هددها - كما قالت ، بتهديدات كثيرة ، أما هى فقد خرجت لتستقبلنى فى بيتها القروى وأنا لا أعلم شيئاً ، إذ أخفت عنى ذلك ، وإنما أخبرت وكيلها المسئول عن البيت عن الأمر وامرته ان يهئ لى كل وسائل الراحة الممكنة ، وأنه جاء بعض الرهبان يهاجموننا ، يشتمون ويسيئون التصرف معنا يلجأ إلى العمال ، يجمعهم من المزارع المجاورة ويصدهم ، علاوة على هذا طلبت غلى أن ألجأ فى بيتها الحصين الذى لا يمكن التغلب على وسائل دفاعه ، فإهرب من أيدى الأسقف ورهبانه .

على أى الحالات ما كنت أميل لهذا ، إنما بقيت فى المنزل لا أدرك شيئاً مما يدبر لأجلى ، فإنه حتى هذه الأمور (خروجنا من المدينة) لم يكن كافياً لتهدئة غضبهم على .

كان فارتريوس يزعج السيدة بتهديداته المستمرة - كما قالت لى - فكان يلزمها بإصرار أن تطردنا من ضاحيتها ، حتى أنه فى نصف الليل ، وانا لا أعلم شيئاً من ذلك - لم تحتمل هذه السيدة مضايقات الأسقف ، وقد أعلمت المحيطين بى - دون أن تخبرنى - بأن البرابرة على الأبواب ، فقد كانت تخجل أن تعترف أنها إلتزمت بهذا العمل .

فى نصف الليل جائنى القس إفيثيوس Evethios  وأيقظنى من نومى وهو يصرخ بصوت عال قائلاً : " أرجوك .. إستيقظ .. البرابرة على الأبواب إنهم قريبون جداً منا " تخيلى ماذا يكون حالى وأنا اسمع هذا الكلام ! إذ سألته : وما اعلمل؟ فإننا لا نستطيع ان نختبئ فى المدينة لئلا تكون نهايتنا أفظع مما يفعله بنا ألشوريون ، إلزمنى بالخروج .

كان الوقت منتصف الليل ، ليلاً مظلماً غير مقمر ، كئيباً وهذا ما زاد موقفنا خطورة ! لم يكن من يرافقنا ولا من يساعدنا بل الكل هجرونا ! مع ذلك تحت ضغط الخوف ، وتوقع الموت العاجل إنتصبت وأضأت المشاعل ، محتملاً ما انا عليه ، لكن الكاهن امرنى بإطفائها لئلا يهتدى البرابرة إلينا على ضوئها ويهاجموننا كما قال فأطفأتها .

وسقطت الدابة على ركبتيها إذ كان الطريق ضيقاً ووعراً ومليئاً بالأحجار ، فسقطت "  كانت تجر تحمل حمالة يرقد عليها القديس يوحنا ذهبى الفمفى مرضه ) وبالكاد نجوت من الهلاك لقد خرجت من الحمالة وصرت على قدمى يشدنى الكاهن إفيثيوس Evethios بسرعة ، إذ نزل هو أيضاً من على دابته ، وكنت أسير بتثاقل كما كان يقودنى ساحباً يدى ، فقد كان السير مستحيلاً فى طريق غاية فى الصعوبة ، وسط جبال وعرة ، وفى منتصف الليل .

تخيلى ماذا تكون ألامى وسط هذه المصائب !! .. الحمى تعذبنى .. ومع جهلى بالخطط المدبرة ضدى كنت أخشى البرابرة وأرتعش متوقعاً السقوط بين ايديهم .

ألا تعتقدى أن هذه الألام وحدها - حتى وإن لم اسقط تحت أى ألام أخرى ، تستطيع ان تمحو خطاياى وتهئ لى الفرصة لنوال المديح من الرب ! إن سبب هذا كله - على الأقل كما أظن - أنه عندما بلغت قيصرية أحاط بى أصحاب المراكز والمثقفون الذين كانوا قبلاً شيوخاً وحكاماً أو تربيونيين Tribunes  بل بالحقيقة زارنى كل الشعب يومياً ، وأعطونى إهتماماً زائداً ، وعاملونى كحدقة أعينهم ، هذا فى رايئ أثار فارتريوس Pharetrius (الأسقف) بشدة ، لإإن حسده الذى أخرجنى من القسطنطينية (6) لم يتوقف بل تتبع خطواتى إلى هنا .

هذا أعتبره غفتراض من جهتى ، لا أستطيع اعلنه بطريقة إيجابية بل مجرد توقع منى ، ماذا أقول عن ألحداث الأخرى التى وقعت لى فى الطريق ، والمخاوف والمخاطر ؟ ! عندما أذكر هذه الأمور يوماً فيوماً ، إذ على الدوام أتأملها ، أطير سعادة ، أثب بالفرح كمن وجد كنزاً عظيماً قد خزن له ، هذا هو حالى ، وهذه هى مشاعرى تجاه هذه الأمور .

أتوسل إليك أن تحتفظى بهذه الأمور لنفسك ولا تخبرى أحداً بها ولو أن اغلب الجند سيملأون المدينة بهذه القصة إذ هم أنفسهم تعرضوا للخطر العظيم .. "  

 

************************

المــــــــــراجع

(1) التربيون Trbune هو شخص مدافع عن حقوق الشعب ومصلحة الإمبراطورية فى المنطقة

(2) Epistle 14.

(3) Ibid

(4) ربما قصد ليونتيوس Leontius  رئيس أساقفة أنقرا بغلاطية ، عدو ذهبى الفم اللدود 

(5) التربيون هو المدافع عن حقوق الشعب ومصالحة عند الرومان .

(6) لم يحضر فارتريوس Pharetrius (الأسقف) المجمع ولكنه ارسل رسالة إلى الساقفة يشجعهم على نفى القديس يوحنا ذهبى الفم قائلاً لهم ان يعتبروه كأنه حاضراً بينهم.

This site was last updated 12/19/11