Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الفترة الثالثة من حياة القديس يوحنا ذهبى الفم : فترة الشموسية والقسوسية381- 398 م

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 3000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
يوحنا ذهبى الفم للأنبا غريغوريوس
يوحنا يترهبن
يوحنا شماساً وقساً
فترة الأسقفية
نفى يوحنا ونياحتة
ثورة بقيصرية كبادوكية
ذهبى الفم بالقوقاز
رسائل القديس يوحنا
ألامه بالمنفى بالقوقاز
موقف أسقف روما
نياحة القديس يوحنا
أقوال وكتابات يوحنا

Hit Counter

 

الفترة الثالثة من حياة القديس يوحنا ذهبى الفم -  فترة الشموسية والقسوسية (381- 398 م)

وبعد قبول يوحنا سر المعمودية المقدس وفى سنة 370 م

رسمه الأسقف ملاتيوس شماساً Magnastes قضى ثلاث سنوات في الأسكيتيريون ( 369 - 372 م ) ، وكتب فى هذه المدة مقالات تدل على علمه الغزير بالكتب المقدسة وروحانيته العالية وعمق ثقافته.

وكان معه فى معموديته رفقة شلّة من الشباب الراغبين في التروّض على حياة مسيحية أشد ورعاً، وكانوا يمارسون فيه نمطاً من الحياة التوحيدية وكان ليوحنا صديق اسمه باسيليوس تعلم معه في مدرسة ليبانيوس وكان من النوابغ، غير أنه هجر العالم وعكف على دراسة الكتب المقدسة، فأثَّر اعتزاله الدنيا في نفس صديقه، لشدّة ما كان بينهما من روابط الألفة، وبقيت صداقتهما ثابتة الأركان. وصار باسيليوس يتردد على يوحنا، حتى إن الشابين لم يقدرا في ما بعد أن يفترقا ولو ساعة. فحذا يوحنا حذو صديقه باسيليوس وهجر العالم، وأقبل على الله بكل همّته، وخصص نفسه بكليتها لعبادته، وغيَّر اخلاقه وثيابه، كما فعل باسيليوس، ولبس رداء أسود، وتجرد لممارسة فلسفة سامية، ولزم الصمت وعكف مع صديقه على مطالعة الكتب المقدسة.

ثم أنشأ بالاشتراك مع باسيليوس صديقه أخوية نسكية ضمت بعض رفاقهما في التلمذة أمثال ثيودوروس أسقف موبسوسته فيما بعد ومكسيموس أسقف سلفكية أسورية. وخضعت فيما يظهر إلى ديودوروس و كرتيريوس الراهبين الرئيسين

وكان معلمه وصديقه وأسقفه الذى دربه هو الأسقف ملاتيوس . واندفع يوحنا في مدرسة معلمه الجديد بكل حماسة السن الصغير، فأصبح تلميذاً خاصاً للأسقف القديس ، يعايشه فى إيمانه ومحبته للرب يسوع ،  وأوكل ملاتيوس أمر توجيه يوحنا إلى أشهر وأقدر أستاذ لاهوت في أنطاكيا، وهو ثيودوروس، الذي عرف، وهو تلميذ مدرسة أنطاكيا، أن يغرس حب الكتاب المقدس في قلب يوحنا، ويطلعه بعمق على اسرار الدين المسيحي، وأن يقود خطواته في طريق تعليم الناس، وإرشادهم إلى طريق القداسة  .
قليلاً فقليلاً اشتهر يوحنا الذهبي الفم، وأخذ الشعب يطالب بيوحنا وباسيليوس للكهنوت، وبعد ذلك بلغ مسمعَي يوحنا خبر انتخابه وصديقه باسيليوس للكهنوت، فحزن لذلك وشق الأمر عليه جداً، لاعتقاده أنه غير أهل لهذا الشرف السامي أستشاره صديقه في ذلك فنصحه بالقبول، وكتمه قصده، مخافة أن يحرم كنيسة الله كاهناً ورِعاً تقياً فاضلاً. وفي اليوم المعين ذهب باسيليوس وارتسم، أما يوحنا فاختبأ، فلامه صديقه وعاتبه. وهام يوحنا في الصحراء، لم يجد مكاناً أكثر أماناً من القفر، وإلتجأ أولاً إلى أحد أدياره يريد أن يعيش عيشة القداسة، ويتأمل في معاني الكهنوت والأسقفية، وعكف على ذلك من 374 إلى 380 م، وقد قضى أربع سنوات تحت قيادة راهب، واثنتين حبيساً، وحيداً في منسك فقير.

، وكان بالدير رجل عابد حبيس سريانى اسمه أنسوسينوس، أبصر فى إحدي الليالي الرسولين بطرس ويوحنا قد دخلا علي ذهبي الفم، فدفع له يوحنا إنجيلا وقال له: "لا تخف من ربطته يكون مربوطا ومن حللته يكون محلولا."

رسامة يوحنا كاهناً ويصبح صاحب الفم الذهبى

اضعفت النسك والتقشف جسد يوحنا، وأنهكت قواه، فاصيب بصداع شديد، وألم في معدته، وسببت له وجعاً، وسقط مريضاً ، فجسمه لم يقوى على التقشف. ورجليه أصبحتا ضعيفتين لم يقويا على حمله  يُخيل للناظر إليه أن لا لحم له ولا دم يجري في عروقه. ولم يدرِ وقتها أن الله افتقده لما رأى ثمره نضج وقد حان الوقت ليرفع صوته ويسطع نوره في أفق الكنيسة. فاضطر إلى العودة إلى أنطاكيا، على أمل نيل الشفاء العاجل. ولما كان موقناً أن عناية الله تدعوه إلى الرجوع إلى وسط إخوانه، عاد ظافراً بجسده المقهور، وحاملاً قلباً مطهراً من كل عاطفة دنيوية، إلى شاطى العاصي.

ودعي ملاتيوس لحضور المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية وترأس أعماله. واصطحب معه الكاهن فلابيانوس يمينه. ووكل السهر على شؤون الكنيسة إلى يوحنا. ثم توفي ملاتيوس أثناء انعقاد المجمع، فبكاه يوحنا حيث أنه كان أباه ومرشده ،  وكانت إرادة الرب أن اشتهر أمر يوحنا

أجمع آباء أنطاكية على رسامة فلافيان (فلابيانوس) أسقفاً خلفاً له ، وهذا بدوره قام برسامة الشماس يوحنا كاهناً  سنة 386م  بعد أن رأى محبة يوحنا لخدمة الرب يسوع بكل أمانه ، على أن القديس مع كونه بلغ السنة الثانية والاربعين، ومن تواضعه كان لا يحسب نفسه أهلاً لنوال هذه البركة ولا يستحق هذه الرتبة الجليلة، ولو لم يلجأ فلابيانس بعد الإلحاح على يوحنا، إلى الأمر الصريح لما استطاع إقناعه بقبول هذه الدرجة السامية ،  وضع الأسقف فلافيان يده عليه في كنيسة القديس بولس سنة 386. أى بعد خمسة أعوام فى الخدمة الدياكونية المملوءة ثناءاً أحنى القديس يوحنا ركبتيه أمام المذبح لكى توضع عليه اليد ويحمل موهبة الكهنوت ، ثم يقوم ويقبل الأسقف وأخوته الشمامسة قبلة السلام فى يوم حافل إحتشدت فيه الكنيسة بالشعب المحب للرب ، وبعد رسامته وكل إليه الخدمة والوعظ بين الشعب ،  وكان الوعظ مختصاً على الأساقفة فقط فى ذلك الوقت ، ومن ذلك الوقت توافد الناس جموعاً وأفراداً لسماع عظاته والسير تبعاً لخطواته فى الإيمان وعندئذ أطلقوا عليه أسم " فم الذهب " (5) لأن الأقوال التى كانت تتدفق من فمه كانت مثل الذهب النقى ، وكان شديد التحذير بالنسبة للخطاة وخاصة الأغنياء منهم ، فكان ينتهز الفرصة ليقبح سامعيه ويذكر أنواع الرزائل والمآثم بكيفية مريعه التى كان يمارسها الكثير فى ذلك العصر  مما أدى إلى أن يحبه الكثيرين من محبى البر أما بعض الأغنياء ومحبى الأثم فكانوا يضايقونه .

كيف كانت أنطاكية فى ذلك الوقت ؟

 صور يوحنا ذهبى الفم مدينة أنطاكية كالآتى :-

*** بلغ عدد سكان مدينة أنطاكية 250 ألف نسمة نصفهم مسيحيين وقلة من اليهود والباقى وثنيين .

*** إشتهرت بالمسارح والملاهى والأندية وكان عدد كبير من المسيحيين يرتادون ملاهيها ومسارحها .

*** إنقسم المسيحيين ثلاثة جماعات :

1 - جماعة الأرثوذكس المعتدلين تحت رئاسى الأسقف ملاتيوس يتمسكون بقانون الإيمان النيقاوى

2 - جماعة الأريوسيين برئاسة أودكسيوس .

3 - جماعة الإستاسيون Eustathians وكانت هذه المجموعة تحت قيادة كاهن أسمه بولينوس Paulinaus وهم ليسوا أريوسيين وإن كان لهم إتجاهات أريوسية (7)

 وبقي يوحنا الذهبي الفم يخدم كنيسة أنطاكيا اثنتي عشرة سنة، يعلم الشعب ويبنيه بفضائله ويعزيه بمحبته ، فأوكلت إليه مهمة مساعدة المحتاجين، فوزع الصدقات وزار المرضى والحزانى ، ولما شاخ فلابيانس الأسقف وضعف صوته، وَكَل إلى القديس يوحنا الوعظ، فكلل الله أعماله بالنجاح. وكان من عادته أن يعظ في ايام السبت والأحد، وكل يوم من أيام الصوم الكبير إن لم يمنعه المرض .

وكان يشرح الكتاب المقدس على المبادئ الصحيحة والأساسيات البسيطة التى بيت عليها المسيحية الإيمان وكان يحاول دائماً ألا يخرج على النصوص الكتابية ، بل يستمر فى شرحها حتى يخرج منها كنوز المعانى التى لا يراها القارئ العادى ، ولم يكن يخشى إستخدام الألفاظ الخاصة وتقبيح تصرفات أهل العالم بكل جرأة وحرية ، وكان ينطق بها علناً فى مواعظة .

ولم يكن يستعمل الألفاظ المبهمة التى تحتمل عدة معانى ، أو الإستعارات الواردة فى الكتاب المقدس كما هى والتى كثيراً ما كان يستعملها الأساقفة فى الوعظ فى ذلك الزمان ،  بل كان يترجمها إلى الشعب إلى اللغة الدارجة التى كان عامة الشعب يستعملها ، ويفسرها لهم حتى تكون حتى تكون معروفة للسامعين بمعناها الحرفى الأصلى . 

فكان يقود الشعب لطريق الخلاص عن طريق كلماته الذهبية التى كانت تخرج من فمه ذهبية المعنى .

وكان أزيكوس مرشده الذى رأى فى رؤيا إلهية يوحنا وبطرس الرسولين، حيث سلمه الأول كتابا يساعده فى فهم الكتاب المقدس، والثانى مفاتيحا دليل السلطان المعطى له من الأله.

إلقاء ثمانية عظات على سفر التكوين، تبعها بتسع عظات عن (استحالة إدراك طبيــــعة الإله).

تمرد فى أنطاكية

فى عام 387 كان هناك بوادر تمرد وإضطراب في إنطاكيا فقد كانت حاشية ثيودوثيوس تشتهر بالرشوة. وكتب ليبانيوس الفيلسوف إلى الامبراطور يقول: "حكامك الذين تبعثهم إلى الولايات ليسوا سوى قتلة".

وفى سنة 378 شرعت الحكومة المركزية تتهيأ للاحتفال بمرور عشر سنوات على حكم الامبراطور وبإتمام السنة الخامسة لإشراك ابنه اركاديوس بالسلطة. ففرضت الضرائب لجمع ألأموال لإقامة هذا الاحتفال. فاستثقل الأنطاكيون هذه الترتيبات المالية الجديدة وتقدم أعيانهم إلى عامل الأمبراطور في أنطاكية يسألونه رفع هذا العبء. ولكن الحاكم لم يجرأ على فعل ذلك ،  فلجأ الشعب إلى الكنيسة وأيضا لم يستجب الإمبراطور مما أدى إلى تظاهرات كبيرة ، ومما زاد الطين بله أن جباة الضرائب عنفاً شديداً فأمسوا هدفاً للشتائم واللعان. واشتدت وطأة هذا الظلم على الفقراء. فأخذوا يتجولون في الشوارع وجعلوا يشتمون الامبراطور وأسرته. وحطموا تماثيلهم النحاسية ولا سيما الامبراطورة بلاكلَّة التي كانت قد غمرت الأنطاكيين بالإحسانات. فجروا تماثيلها في الأوحال والأقذار ثم كسروها قطعاً. واختبأ رجال السلطة في منازلهم وحذا حذوهم سائر الأعيان، فأمست المدينة في يد أهل الفوضى. فنهبوا ودمروا وخربوا ، الأمر الذي كان يعاقب عليه بالموت ، ثم أفاقوا فتأملوا مرتجفين وتوقعوا نزول العقاب فهجر بعضهم المدينة وهرب آخرون إلى الهضاب المجاورة.

وتقطر قلب أسقف أنطاكية فلابيانوس وخشيَ سطوة الأمبراطور وأشفق على خرافه من أن يؤخذ البريء بذنب الجريء. وقر قراره أن يطرق بابا الأمبراطور نفسه ويلتمس العفو منه بعد أن طلب منه ذلك القديس الذهبي الفم وترجاه،  بعد أن كان قد زوده بالكلمات التي سيقولها في حضرة الإمبراطور ليحنن قلبه ويستعطفه .

فسار أسقف أنطاكية فلابيانوس في الشتاء وهو الشيخ الكهل مسرعاً ليسبق السعاة المنفذين لإنذار ثيودوسيوس بما جرى. فشخصت أعين الأنطاكيون إلى خليفته الذهبي الفم. فاقتدى هذا بأصحاب أيوب ولزم جنب الصمت سبعة أيام ثم أخذ يعزي نفوسهم مؤكداً حماية يسوع مذكراً ببلايا أيوب والفتيان الثلاثة الذين ظلوا يسبحون الرب في وسط أتون النار.

وبلغ الأمبراطور ثيودوسيوس الخبر قبل وصول السعاة وقبل وصول أسقف أنطاكية فلابيانوس. فاستشاط غضباً وجزم بأن ينزع عن أنطاكية جميع امتيازاتها وينقل عاصمة المشرق إلى اللاذقية وأوفد إليها قائدين كبيرين هما الليبيكوس وقيصاريوس. فلما وصلا إلى أنطاكية في الثاني والعشرين من شباط سنة 378 أعلنا سقوط امتيازات أنطاكية وأقفلا الملاعب والمشاهد والميدان والحمامات. وشرعا ينقبان عن المجرمين. ووقعت الشبهات على كثيرين من وجهاء المدينة لتقاعسهم عن قمع الهيجان. فأوثقوا وطرحوا في السجون وحجز على أموالهم وطردت نساؤهم من بيوتهم ولم يجرؤ أحد أن يَقبلهن عنده خشية أن ينهم بمشاركة أزواجهن.

فتولى الذهبي الفم التعزية بنفسه. وتذكر الذهبي الفم أن هناك أناس يعطون حياتهم بسهولة من أجل الرب، هؤلاء هم العائشون في البراري والجبال، المتوحدون. فالنساك هم خزانة عقيدة الرسل وتعاليمهم. والأمر الصعب في هذا هو العثور عليهم، إلا أن قديسنا نفسه كان متوحد ويعرف كيف يجد هؤلاء المصارعين الروحيين. فبعث رسالة إليهم يحثهم على الظهور في أنطاكية لتخليص أخوتهم من التعذيب والموت.

 


وكان نعرفه أن الخبر وصل إلى الجميع وبدأت تحركات الرهبان والمتوحدين نحو المدينة. جاء القديسون لنيقذوا من الموت أناساً لا يعرفونهم ولم يرونهم قط ولا تربطهم بهم إلا رابطة المحبة في المسيح. لقد أحبوهم حتى أنهم أتوا ليبذلوا حياتهم.
فكانوا أعظم من الملائكة، كانوا أبطالاً وملائكة، مجردون من الأشياء المادية ومسلحون بدرع الإيمان وخوذة الخلاص.
وكان أحدهم يدعى مكدونيوس. لا يعرفه أحد إلا أن اسمه كان معروفاً للجميع. هو أول من ظهر في أنطاكية. ورأى في الساحة العامة المرسلين الأمبراطوريين على حصانيهما. فاعترض طريقهما وأمرهما بالترجل وتكلم كمن له سلطان. وأمرهما بالرجوع عن أنطاكية إلى القسطنطينية وطلب إبلاغ رسالته إلى الأمبراطور بأنه كونه امبراطوراً لا يعطيه الحق اطلاقاً بقتل أي إنساناً واحداً. صحيح أن الأنطاكيين حطموا بعض التماثيل، وهذا غير مستحسن، إلا أن الأنطاكيين أنفسهم رفعوا كثيراً من التماثيل، تماثيل أجمل من التي تحطمت. هل يقدر الأمبراطور أن يعيد تكوين إنسان قتله؟ هل يقدر أن يعيد شعرة واحدة سقطت من رأس الرجل؟ إذا كان الأمبراطور لا يستطيع إعادة إنسان للحياة فإنه لا يحق له مطلقاً أن يقتل إنساناً. يجب على الأمبراطور أن يعيد السيف إلى غمده ويكفّ عن تقتيل الناس. كل إنسان مخلوق على صورة الله. كل إنسان نسخة عن الله. وقال مكدونيوس يجب أن يفهم الأمبراطور أنه لا يحق له أن يمحو من سفر الحياة ولا صورة إنسانية لأن الصورة الإنسانية هي نموذج عن صورة الله... وبعد أن انتهى من كلامه، ذهب. ووعداه بأنهما لا يمسان أحداً بسوء قبل أن يرفعا كلمته إلى الأمبراطور. إلا أن حماسهما قد خف في تبليغ الرسالة.

وقابل الذهبي الفم موقفة الأساقفة والنساك والرهبان في هذا الحادث الجلل بموقف كبار الوثنيين. فقال في إحدى مواعظه ما معناه: أين هم الآن أولئك الرجال أصحاب الطيالس الطويلة واللحى العريضة الذين كانوا يتمشون شامخي الأنوف في الأندية العمومية وفي يدهم عصاً! أين هم في ساعة الأحزان والذعر؟ لقد هجروا المدينة عند حلول الخطر وفروا إلى المغاور والأودية إخفاء لعار ضعفهم. ولم يأتِ لإغاثة الشعب في ضيقه إلا محبو الحكمة الحقيقية حكمة الصليب هؤلاء النساك مستودعو كنز تعليم الرسل وورثة غيرتهم وشجاعتهم. وكفي بالحوادث صوتاً يفحم كل خصم - نخبة النخب 29.
ووصل فلابيانوس إلى القسطنطينية وهرع إلى البلاط. وكان قد عانى من التعب أشده. فلما أبصره ثيودوسيوس تصدع قلبه أسفاً فذكر الامتيازات والإحسانات التي غمر بها أنطاكية وقال أهذا هو عرفان الجميل؟ فردّ عليه الأسقف الشيخ بخطاب طويل. وأفضل ما جاء فيه قوله: "إني لست فقط رسول شعب أنطاكية بل أيضاً سفير الله، أتيت باسمه أُنبئك أنك إن غفرت للناس سيئاتهم وهفواتهم غفر لك أبوك السماوي مساوئك وزلاتك.... فبمثل ما تحكم الآن يحكم عليك...."
وعاد فلابيانوس إلى أنطاكية حاملاً العفو واحتفل بعيد الفصح المجيد فانبرى الذهبي الفم يرد آيات الشكر والتسبيح لأن شعب أنطاكية كان ميتاً فعاش وضالاً فوجد.

**********

الأحداث الهـــــــــامة :
+ نياح نكتاريوس بطريرك القسطنطينية، واختيار يوحنا خلفا له بواسطة أتروبيوس الذى سمعه مرة وأعجب به. ورعايته لشعبه بالحب وظهور الثمر، وتزاحم الجموع حول منبره.
واهتمامه بالعذارى والأرامل اهتماما روحيا خاصا وفى رعايته لهن :
1- منعهن من البيوت والملاعب والحمامات العامة.
2- منع الآباء من قبولهن فى بيوتهم.
3- أوجب عليهن العمل.
4- نصح بالزواج ثانية للحدثات غير القادرات على السلوك باحتشام.
+ اهتمامه برعاية الفقراء، والصرف على المستشفى. وفى اهتمامه هذا، وبجانب حياة النسك وعدم البذخ التى عاشها ، فإنه :
1- باع المرمر الخاص بالقصر الأسقفى.
2- ألغى النفقات الباهظة فى الولائم والاستقبالات الكبرى، ورفض أن يأكل مع أحد.

*** ثيئودور الراهب الذى جذبته الشهوة وراء امرأة جميلة أراد أن يتزوجها، وسقط فى اليأس، والذى أظهر إمكانية يوحنا كطبيب روحى حكيم يعالـج هذا الضعف فى مقالين أرسلهما له، وقد أثمرتا توبة وعودة إلى الرهبنة.
*** ستاجير الراهب الذى مارس النسك بعنف، وأصيب بالصرع واتهم أن به روح نجس، فيأس وأنكر عناية الله وفكر فى الانتحار، فكتب له فم الذهب يشجعه فى مقال من ثلاث كتب.

*** الشماسة أولمبياس التى أخرجت دررا من قلب فم الذهب فى رسائله لها.

*******************

المــــــــــراجع

(1) محاضرة للمطران يوحنا يازجي - ليون انتيباس – قنشرين

(2) ليبانيوس Libanius فيلسوف وثنى سوفسطائى ولد فى أنطاكية سنة 315 م

(3) كتاب القديس يوحنا ذهبى الفم ، القديسة الشهيدة مارينا - مكتبة المحبة  - 1998م  - بقلم ملاك لوقا ، قام بكتابة العشرات من الكتيبات الصغيرة عن حياة القديسين وغيرها التى يقدر على شرائها متوسطى الدخل مما أثرت فى نفوس الشباب وفى نشر المعرفة المسيحية فى مدارس الأحد بالكنيسة القبطية والكاتب له تاريخ طويل فى خدمة الكنيسة

(4) سيرة القديس ذهبى الفم وصلت إلينا عن طريق بلاديوس أسقف هيلينوبوليس  Palladius of Helenopolis ويعد بلاديوس أشهر مؤرخ للرهبنة فى مصر حيث ألف كتاب " تاريخ الرهبنة فى مصر " The History of the monks in Egypt .

وقد ولد الأسقف القديس بلاديوس أسقف هيلينوبوليس فى غلاطية سنة 364م وفى عام 388م زار مصر وتعرف على الكثير من الرهبان وإلتقى بالقديس مكاريوس الكبير عاو 390م

(5) فم الذهب أو ذهبى الفم فى اليونانية Chrysostom - وبالإنجليزية Golden Mouthed - وبالفرنسية Bouche D or

(6) راجع كتاب أبونا تادرس يعقوب عن ذهبى الفم

(7) راجع كتاب أقوال الآباء وكتاراتهم للقمص تادرس يعقوب الملطى

مـــراجع أخرى للبحث

* القديس يوحنا - القمص تادرس يعقوب 

 * كتاب القديس يوحنا الذهبي الفم لـ لأب فيرجبيل جيورجيو
* الأقمار الثلاثة وآباء القرون الأربعة الأولى لـ إيما غريب خوري
* كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى الدكتورأسد رستم
* يوحنا‏ ‏الذهبي‏ ‏الفم بقلم‏ ‏الأنبا‏ ‏غريغوريوس [1], [2], [3]
* في توبة أهل نينوى للقدّيس يوحنا الذهبي الفم [4]

(8)  تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا طبع مكتبة المحبة سنة 1983 م

This site was last updated 10/06/09