Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الفترة الخامسة من حياة القديس يوحنا ذهبى الفم : فترة النفى حتى النياح 403- 407

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات 

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
يوحنا ذهبى الفم للأنبا غريغوريوس
يوحنا يترهبن
يوحنا شماساً وقساً
فترة الأسقفية
نفى يوحنا ونياحتة
ثورة بقيصرية كبادوكية
ذهبى الفم بالقوقاز
رسائل القديس يوحنا
ألامه بالمنفى بالقوقاز
موقف أسقف روما
نياحة القديس يوحنا
أقوال وكتابات يوحنا

نفى القديس يوحنا الذهبي الفم مرتين الأولى فى بداية عام 403م   بناء على حكم مجمع السنديان ولكنه عاد بعد حدوث زلزال ورجاء الأمبراطوره والشعب لعودته بدون عقد مجمع آخر بالرغم من عدم قانونية مجمع السنديان ، وفى نهاية نفس السنة صممت الأمبراطورة إيدوكسيا AELIA EUDOXIA زوجة الإمبراطور أركاديوس Arcadius على عقد مجمع آخر ونفيه وهذا ما حدث.  

التمثال سبب غضب الإمبراطورة من القديس يوحنا

وفى خريف عام 403م أمر الإمبراطور أركاديوس Arcadius بصناعة تمثال من الفضة (1) للأمبراطورة إيدوكسيا AELIA EUDOXIA نصب على عمود من البروفير، قائم على قاعدة مرتفعة حفرت عليها وزينت بنقوش جميلة (2) ، وأقيم هذا التمثال فى اكبر ساحات المدينة بجوار كنيسة القديسة صوفيا (أكبر كنائس العالم القديم ) بحاذاه مجلس الشيوخ ، وحدث أنه فى حفل تنصيب التمثال أن حضر الشعب  وإمتلأت الساحة بالمجون والخلاعة وتحولت الساحة إلى مسارح وإمتلأت بالراقصات الماجنات ، فلم يطق القديس يوحنا الذهبي الفم هذه الأعمال الخاطئة بجانب الكنيسة فأخذ ينهى ويوبخ هذه الأعمال ويحرمها .

ولم تتأسف الإمبراطورة على ما حدث بجانب الكنيسة بل أنه ما سمعته فتح جراحها القديمة ، ولم يتوقف القديس يوحنا الذهبي الفم عن التلميح عنها فى عظاته وقد وقف يوم عيد يوحنا المعمدان وبدأ عظته بهذه الكلمات اللاذعة (3) : " هوذا هيروديا تثور من جديد ، إنها تعود فترقص ، إنها تطلب رأس يوحنا من جديد فى طبق "  

المجمع هو الطبق

وكان المجمع و الطبق الذى أعدته الإمبراطورة للتخلص من يوحنا ذهبى الفم ، وصممت الأمبراطورة إيدوكسيا على عقد مجمع فى القسطنطينية ذاتها وقد اصرت فى هذه المرة على التخلص من القديس يوحنا الذهبي الفم نهائياً وأرسلت إلى بابا الأسكندرية ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 ولكنها أخفقت فى إقناعه بحضور هذا المجمع ولكنه أرسل مندوبيين عنه للتصويت على قرارات المجمع ، وأوعزت إلى الإمبراطور على ان يدعو الأساقفة ، فجاءوا يتوافدن على العاصمة وكان يتقدمهم بلا شك سيفريان أسقف جباله المقيم بالبلاط والذى كان قلبه مملوء حسداً وحقداً وكراهية على البار القديس يوحنا

من بين الذين قبلوا الدعوة :

ليونتوس Leontius أسقف أنقرة ، أكاكوس Acacus  أسقف بيرية حلب ، أنتيخوس أسقف عكة ، أمونيوس  أسقف لاذيقية بيسيدية ، بريسو Briso  أسقف فيلبى . 

وفى أواخر سنة 403 م عقد هذا المجمع وحضره حوالى 100 أسقفاً ، ولم يجد هؤلاء الأساقفة ما يناقشونه بشأن القديس يوحنا ، فأعلنوا أنه لم يجب أن يتسلم شئون رعاية كنيسة القسطنطينية دون أن يبرئه مجمع آخراً ( ملاحظة من الموقع : بالرغم من عدم قانونية مجمع السنديان طبقاً لقرارات مجمع نيقية لأنه لم يكن مجمعاً بالمعنى المتعارف عليه ولأنه كان تدخل من اسقف الأسكندرية على شئون إيبروشية أخرى ) ولكن قرر هذا المجمع تأييد قرار مجمع السنديان وقال أن قرارات مجمع السنديانه ما زالت قائمة ، وبهذا أصبح القرار له سند قانونى كنسى ، ولكن لم يكن ممكناً نفى الأب البطريرك القديس يوحنا ذهبى الفم فالإمبراطور يعرف تماماً ما سيجره عليه مثل هذا التصرف لقداسة ذهبى الفم فى عيون أهل القسطنطينية .

وفى عيد الميلاد لسنة 4004 لم يحضر الإمبراطور أركاديوس Arcadius الإحتفالات الكنسية بالكاتدرائية ، كما لم يشترك فى تناول الأسرار المقدسة كعادة الأباطرة ، فإهتز وضع القديس يوحنا ذهبى وضعفت مكانتة فى الأزمة القائمة ، فعدم حضور الأمبراطور معناه إعتبار يوحنا محروما ومعزولاً عن كرسيه ، وانه لا يأخذ الأسرار من أسقفاً محروماً .

طرد القديس يوحنا ذهبى الفم والأكليروس من الكنائس

وفى عيد الفصح كان قد فرض حصار على البطريرك القديس يوحنا ذهبى الفم وأصبح شبه معتقل فى دار الأسقفية ، ولا يسمح له بالمغادرة وممارسة الطقوس والخدمة الكنسية (4) ولكنه خرج لخدمة عيد الفصح وكان الإمبراطور أركاديوس بالكنيسة فأمره بالخروج منها ، فلم يمتثل القديس يوحنا وأجابه قائلاً (5) : لقد تسلمت الكنيسة من يسوع المسيح ، ولا أستطيع التقصير فى خدمتها ، فإن أردت لى أن أترك هذه الحظيرة المقدسة أطردنى بالقوة ، .. وجاء سبت النور ، وكانت الكنيسة تستعد لتعميد طالبى العماد والسهر طوال ليلة العيد ، فطرد الأمبراطور القديس يوحنا ذهبى الفم من الكنيسة ، وحددت أقامته ، وحظر عليه الخروج من الكنيسة (6) كما طرد الإكليروس المواليين له من جميع كنائس القسطنطينية .

وذهب الكهنة المطرودين بالشعب الذى يريد العماد إلى الحمام الكبير الذى شيده قسطنطين الكبير وتحول إلى كنيسة وإرتفعت الترانيم والألحان وتعمد الكثيرين وبدات خدمة العيد ، ولكن سرعان ما صدرت الأوامر الإمبراطورية بطردهم من هناك أيضاً فهجم الجند على الشعب والكهنة والشمامسة وأوسعوا فيهم ضرباً وطردوا الإكليروس بثياب الخدمة وبدلاً من الترانيم والألحان صعد إلى الرب عويل الشعب وصراخهم وذعرهم وتلطخت المعمودية بالدماء (7) 

الشعب والحكم

خلت معظم كنائس القسطنطينية من الشعب ، وكان كثير منهم يخرج خارج العاصمة يقيمون الذبائح خارج أسوارها ، وكانوا يعقدون الإجتماعات السرية متى كان ذلك آمنا من عيون رجال القصر - وكانوا يغيرون أماكن إجتماعاتهم من حين لآخر ، ولتمسك الشعب ببطريركهم أطلق عليهم أعداء يوحنا ومضطهديه إسم اليوحناويين(8) Johnites

محاولة إغتيال القديس يوحنا ذهبى الفم

سجل لنا المؤرخ سوزومين محاولة إغتيال للقديس يوحنا لم يحقق فيها وقال : " أن عبداً كان يجرى متجهاً لدار الأسقفية ، وكان إذا ما قابله أحداً ليسأله عن قصده كان يشهر خنجره ، ويطعنه به .. فتجمهر الشعب حوله وإستطاعوا الإمساك به وتقييده ، وأسلموه للقصر الإمبراطورى ، وقد إتهمه الشعب بمحاولة قتل القديس يوحنا ، وطلبوا التحقيق معه والحكم عليه ، وفعلاً هدأ الوالى روعهم وألقى به فى السجن ، بعد أن أعلن لهم أن العدالة ستأخذ مجراها .

إنتشر هذا الحادث فى العاصمة وخاف الشعب على حياة بطريركهم المعتقل جاخل دار الأسقفية ، فحرسوه بأنفسهم ، وتناوب حراس الشعب حراسة دار الأسقفية ليلاً ونهاراً (9)

ولما تأزمت الأمور ، كتب القديس يوحنا رسائل وجهها إلى أنوسنت  Innocent أسقف روما وفنسريوس  Vensrius أسقف ميلان وكروماتيوس Chromatius أسقف أكويلية ، يخبرهم بالأحداث طالباً ضرورة تدخلهم الإضطرابات وعمل شئ لتهدئة النفوس بالقسطنطينية ، وكانت الرسائل هادئة فى عرض القضية .

وفى يوم الخميس بعد العنصرة مباشرة حدث أن أكاكيوس هو وأعوانه دخلوا إلى الإمبراطورأركاديوس Arcadius يتعجلوا قرار النفى حيث كان الجميع خائفاً من حدوث شئ بعد النفى كما حدث فى المرة الأولى حيث حدثت زلزلة ، وقد أعلنوا مسئوليتهم الخاصة فى هذا الأمر أمام الإمبراطور ، الذى بدوره أصدر أمراً بإستدعاء أحد كبار رجاله من المقبولين للقديس يوحنا يطلب منه ترك الكنيسة من أجل السلام العام (10) فخضع الأب البطريرك للظلم الجائر إذ فضل أن يخرج متألما خير من أن يتألم أو يضطهد أو يموت أحد من الشعب.

وتجمع الشعب بالكاتدرائية حالما عرفوا بالخبر يريد أن يرى أسقفه للمرة الأخيرة ، قبل البطريرك يوحنا أسقفته القبلة المقدسة وهو يقول لهم : " أترككم الآن ، أنتظروا رجوعى إليكم " ثم دخل المعمودية وإستدعى الشماسة أولمبياس وزميلاتها حيث قال لهن : " تعالوا يا بناتى وأسمعوا لى ، لقد تحدد مصيرى ،، لقد إنتهى طريقى ، فقد لا أرى وجهكن مرة أخرى ، رجائى إليكن أن لا تترك واحدة منكن خدمتها فى الكنيسة ، فإنه أيا كان الأسقف الذى يرس بعدى إخضعن له كما ليوحنا تماماً ، طالما لا يمتلئ الكرسى بالدسائس ويختار بتذكية جماعية ، لأنه ينبغى أن يكون للكنيسة اسقفاً بهذا تجدن رحمة ، إذكرونى فى صلواتكن "

وهنا بكت الشماسات ووقعن على قدميه .. أما هو فقد فخرج من المعمودية من باب آخر حتى لا يراه الشعب وإنطلق إلى الميناء لكى تبحر به السفينة إلى بيثينية .

الكاتدرائية تحترق

خشى أعداء البطريرك القديس يوحنا ذهبى الفم أن يسعى الشعب وراء بطريركه ويرجعه كما حدث فى المرة الماضية ويلزمه بالعودة معه فسراً ، فصدرت الأوامر بإغلاق أبواب الكاتدرائية على من بداخلها من المصليين ، فإنتشر الخبر فى القسطنطينية وجاء الشعب من كل مكان وركضوا نحو الشاطئ لعلهم يلحقون بأبيهم البار القديس قبل إبحاره ، وتضايق الشعب جداً وحدث سخط فى المدينة ضد الإمبراطور ، أما الذين كانوا بداخل الكاتدرائية فقد شعروا بالخديعة ، فإتجهوا نحو الباب المغلق ودفعوه بكتله من الخشب بعنف فكسروه ، وعندما خرجوا إلى ساحة الكاتدرائية هجوموا بالأحجار من قبل أعداء القديس ويحاولون دفعهم للرجوع مرة أخرى للكاتدرائية .. وفى لحظات إرتفع لهيب النيران فى الكنيسة من كل جهة ولحق بسقفها وأخشابها فى وقت قصير ، وسرعان ما دفعت الرياح النيران لإتجاه مبنى مجلس الشيوخ بالعاصمة . وبقيت النيران مشتعلة طوال الليل ، أى منذ العشية حتى الصباح ..

وقد إتهم أتباع القديس يوحنا أن أعداء القديس هم الذين اشعلوا النيران وحاولوا دفعهم للداخل لقتلهم ، وقال آخرون أن النيران خرجت من تحت المذبح لتعلن غضب الرب على ما حدث للأسقف المظلوم ، أما اعداء القديس فقد إتهموا أتباهع القديس بأنهم هم الذين فعلوا هذا الحريق تنكيلاً بالسلطة ، وكان هذا سبباً للقبض على الكثيرين من مؤيدى القديس يوحنا ذهبى الفم ، وصار الحريق فرصة للتنكيل وتفرقة أتباع يوحنا .

رسامة أسقف بدلاً من القديس ذهبى الفم

وحتى يضعوا الشعب المحب للقديس أمام الأمر الواقع قاموا برسم أرساكيوس Arsacius ليكون اسقفاً على القسطنطينية ، وهو أخ البطريرك السابق ليوحنا " نيكتاروس" كما أنه شيخ يبلغ من العمر 85 سنة وكان طيب القلب ويحمل سمعة حسنة ، ولكنه فيما يبدوا كان يأمل أن يكون بطريركاً بعد اخيه ، وقد أختاروه أعداء القديس يوحنا حتى يفتكوا بأتباع ومحبى القديس يوحنا ، وقد أفسدوا فعلاً سمعة هذا البطريرك الحسنة بالتصرفات التى قام بها رجال الإكليروس فى عهده وتحت أسمه : -

** عندما رفض أتباع يوحنا الإشتراك فى الصلاة معه بإعتباره أسقفاً غير شرعى ، وبدأوا يقاومونه ، فأبلغ السلطات ، فهاجم الجند إجتماعاتهم ، وتعدى الجند الأوامر الصادرة إليهم فقاموا بعمليات سلب ونهب وسرقوا حلى النساء وضربوا ونكلوا بالكثيرين منهم .

وذاق أتباع يوحنا الأمرين كما روى المؤرخ سوزومين ، فإمتنع مؤيدى القديس يوحنا من الظهور فى الأسواق والأماكن العامة ، وأضطر الأخرين من الهروب من المدينة من شدة الإضطهاد .

أبطال وقديسين يقاومون حتى النفس الأخير

1- القديسة نيكارتية Nicarete وهى سيدة تنتمى لإحدى العائلات الشريفة ، لإمتازت بإتضاعها وحسن سلوكها  ، رفضت قبول إقامتها كشماسة أو كبتول تخدم الكنيسة وذلك لإحساسها بعدم الإستحقاق وعاشت حياتها فى بتولية دائمة وضايقها أعداء يوحنا

2 - القارئ (أغنسطس) أتروبيوس : إتهمته السلطات بأنه يعرف من الذى أشعل النيران وعذيته ليعترف بالأسماء ، أما هو فقد عذب ظلماً وطبيعى لم يعترف بأحد فجلدوه بعنف زائد كما مشطوا جنبه ووجهة بأمشاط حديدية ، ووضعت مشاعل بجوار أجزاء حساسة من جسمه ، ولم يتركوه بالرغم من انهم لم يحصلوا منه على أى معلومات وألقوه فى جب بجروحه حتى إنتقلت نفسه .

ويذكر المؤرخ سوزومين قصة الحلم الذى رآه سيسينوس Sisinius أسقف أتباع نوفتيان رأى فى نومه : رجلاً جميلاً يجلس بجوار مذبح الكنيسة التى دشنها أتباع نوفينياس بإسم الشهيد إسطفانوس أول الشهداء ، وكان الرجل يشكو من ندرة وجود إناس أتقياء ، وأنه أخذ يبحث عن إنسان تقى فى كل المينة فوجده ، وإذ به أتروبيوس ، فقام سيسينوس من نومع يبحث عن القارئ أتروبيوس من سجن إلى سجن حتى وجده اخيراً ، وتحدث معه عن الحلم الذى رآه وطلب بدموع أن يصلى من اجله .

3 - القديسة الشماسة أولمبياس Olympias كانت العاصمة كلها تعرفها فقد أوكل إليها بيت العذارى والأرامل ، وإتهمت ضمن المحرضات على إشعال النار فى الكنيسة ، قبض الوالى عليها وضايقها ولكنها صته بجرأة وبتصرفاتها الحكيمة أمامه أدهشت الكثيرين حتى أنها أعلنت أثناء محاكمتها أن : الذى يجب أن يحاكم هو الوالى ... وبعد صراع طويل تركت العاصمة ولم يعرف إذا كانت أجبرت على تركها أم أنها إضطررت أن تتركها برغبتها ، وفى بعدها عن المدينة مركز خدمتها كان قلبها يتحرق من أجل خدمة الكنيسةبالقسطنطينية كما كانت تتألم لأبيها المستبعد بدون ذنب ، ولكن البطريرك القديس يوحنا لم يتركها فى آلامها فأرسل لها عة رسائل من منفاة مملوءة تعزيات ، وتحدث فيها عن فائدة الألام والتجارب والضيقات والشدائد ، وبشرها ببعض الأخبار المفرحة ، مشجعاً إياها على الصبر والجهاد .

4 - الكاهن تيجيريوس   : كان عبداً مسيحياً وأعتق لشدة تقواه وخدماته المملوءة إخلاصاً فرسم قساً ، أضطهد لشدة محبته للقديس يوحنا فجلدوه على ظهره وقيدت رجلاه ويداه وشد جسمه فى عذراء (وهى آله تعذيب يشد عليها الجسم وتمط بحيث تؤلم المفاصل) Rack

هؤلاء التابعين ليوحنا وأضطهدوا هم الذين إستطعنا الحصول عليهم ولكن يوجد غيرهم كثيرين وقد ظلت محبة أهل القسطنطينية حتى أنه بعد نياحة البطريرك أرساكيوس Arsacius وهذه كلمات القديس يوحنا للأساقفة والكهنة والشمامسة : -

" إنكم تحسبون شهداء .. لقد حسب شهيداً ذاك الذى قاوم الزواج غير الشرعى ، هذا الذى عاش فى البرية ووضع فى السجن وقطعت رأسه (يوحنا المعمدان) وأنتم أيضاً تدافعون عن قوانين الاباء التى وطأتها الأقدام ، وعن الكهنوت الذى أهين ودنس ، لقد تألمتم كثيراً من أجل الحق لكى تضعوا نهاية للنميمة الفاضحة .. إذكروا المكافأة التى ستنالونها "  

القديس يوحنا ذهبى الفم فى المنفى

أولاً : فى المنفى فى نيقية

أرسل القديس يوحنا مكبلاً إلى الميناء حيث ألقى فى السجن مدة أربعين يوماً أو أكثر تذوق فيها مرارة الحبس والظلم ، ولكن فى وسط هذا الضيق كان يتفقد أحوال الشعب مهتماً بخلاص من هم فى سوريا وفينيقية ، ولم تستطيع القيود الحديدية ولا المستقبل المجهول أن تكون عائقاً عن تأدية رسالته فى الخدمة وربح النفوس ، وعندما ذهب إلى نيقية إلتقى هناك براهب زاهد .. كان كل حديثهما لا يخرج عن الخدمة والكرازة ، ولما وجد القديس إستعداده للخدمة فى فينيقية أرسله صديقة الكاهن قسطنديوس الذى كان يعمل هناك متكبداً مضايقات الكثيرين من الوثنيين والأخوة الكذبة (10) .

وأرسل القديس يوحنا ذهبى الفم رسالة إلى الكاهن قسطنديوس (11) فيها إرشاد وتشجيع للخدمة قال فى بعض فقراتها : " لا تهمل شيئاً واحداً مما أنت ملتزم به .. إهدم نفاق الوثنيين .. شيد الكنائس .. وإهتم بخلاص النفوس .. أما إذا تغاضينا عن خدمته وأهملنا ما يتعلق بعبادته وخدمة كنيسته ، فإنه لا يمكنا أن نعتذر لديه بإضطرابات الزمن أو شدة الإضطهاد ، لأن بولس الرسول الموثق بالقيود ، ويونان فى بطن الحوت ، والثلاثة فتية فى أتون بابل كانوا يقومون بما يجب عليهم ، إقتد أنت بهم ، مهتماً بأمر الكنائس ، وأكتب لى كم كنيسة بنيت هذا العام؟ ومن هم الذين مضوا إلى بلاد فينيقية ليخدموا هذا الكرم الجديد ؟ وماذا يرجون هناك من خير ؟

وبهذه الرسائل قضى القديس يوحنا وقته فى الإشراف على الكرازة والخدمة وخلاص النفوس حتى أن رسائله التى بلغت حوالى 242 رسالة .

أما عن مشاعره الداخلية فقد كتب القديس يوحنا وصفاً لها فى رسالته إلى الأسقف قرياقوس(Cyriacus  :(12 

" عندما أستبعدت من المدينة لم اقلق بل قلت لنفسى : إن كانت الإمبراطورة ترغب فى نفيى ، فلتفعل ذلك ، فإنه للرب الأرض ! .. وإن كانت تود أن تنشرنى ، فإنى ارى أشعياء مثلاً ! .. وإن كانت تريد إغراقى فى المحيط ، أفكر فى يونان ! .. وإن ألقيت فى النار ، أجد الثلاثة فتية قد تحملوا ذلك فى الأتون ! .. إن وضعت أمام وحوش ضارية ، أذكر دانيال فى جب الأسود ! .. إن أرادت رجمى ، فإن إسطفانوس أول الشهداء أمامى ! .. إن طلبت رأسى ، فلتفعل ، فإن يوحنا المعمدان يشرق أمامى ! .. عرياناً خرجت من بطن أمى وعرياناً أترك العالم .. بولس يذكرنى : إن كنت بعد أرضى الناس لست عبداً للمسيح "

وعندما وصل القديس يوحنا إلى نيقية وضع فى السجن حتى يصدر أمر إمبراطورى بتحديد مكان النفى .

وفى السجن كتب القديس يوحنا رسالته الأولى إلى القديسة الشماسة أولمبياس Olympias شماسته المتألمة لكى يعزيها ويشجعها على مواجهة آلام الظروف الجديدة التى تمر بها وسوف نذكر مقاطع منها لأنه يصف حياته فى سجنه فى نيقية ويقول لها (13) : " كلما قست التجارب إزدادت رسائل التعزية .. إن كنا نبحر فى بحر كهذا ، وسط دوامات و صخور , فى ليلة غير قمرية ظلاماً دامساً ، لكننا افضل حالاً من الذين هم فى داخل الميناء يتأرجحون ! .. تأملى هذا يا سيدتى المحبوبة جداً من الرب ، إرفعى أفكارك عن الإضطرابات ، وتكرمى علينا بإرسال أخبارك ، فمن جهتنا ، نحن بصحة جيدة مملوءون نشاطاً ، بالحقيقة جسدنا قوى ، نستنشق هواءاً نقياً ، والجنود الإمبراطوريون  (14) المرافقون لى فى المنفى يحبوننى للغاية ويتفننون فى خدمتى ، ولا يتركوننى محتاجاً إلى شئ كأنما هم حرسى ! .. شئ واح يؤلمنى : إننى غير مطمئن من جهتك ...

ثانيا : فى المنفى فى كوكوزة ( القوقاز) فى أقصى بلاد أرمينية

وأخيراً أصدر الإمبراطورأركاديوس Arcadius أمراً إلى المتعهد بالبطريرك يوحنا تأمره بالتحرك إلى كوكوزة ( القوقاز) فى أقصى بلاد أرمينية ، كمقر نهائى لنفيه ، وجاءت أيضاً أوامر مشددة ، أن يكون التعامل معه قاسياً ، وأن يواصلوا السفر ليلاً ونهاراً ، إجهاداً للبطريرك الشيخ ، وهكذا كان الحكم البطريرك بقتل البطريرك عن طريق إجهاده بالسفر ليلاً ونهاراً حتى يسقط ميتاً من الإعياء .

وقد حاول القديس يوحنا تغيير مكان نفيه حيث سجل هذا الطلب فى إحدى رسائلة (15) فقال : " لم أستطع ان أحصل على هذا الرجاء البسيط الذى لا يرفض للمجرمين ، وليكن اسم الرب مباركاً "  

ورسائله التالية إلى الشماسة كانت هامة جداً لأنه وصف لها كل ما كان يقابلة فى الطريق

وفى 3 يوليو 407 فى ليلة رحيله من نيقية كتب رسالة إلى الشماسة (16) أولمبياس Olympias

بكاء فى طريق قيصرية

وفى 4 يوليو 407 م كتب رسالة (17) إليها يقول فيها " إنى اتصور ماذا ستكون مشاعرك عندما أرى أفواجاً من لارجال والنساء يتدفقون علينا فى الطريق ، وفى الفنادق ، وفى البلاد (القرى) يروننا ويبكون !! .. إن الذين يروننى مرة يحطمهم الألم فيبكون علينا دون أن يتمالكوا أنفسهم ، بالرغم من توسلاتى إليهم ، إذ كانت دموعهم تنهمر بإستمرار ، كم بالأكثر تكون عاصفة حزنك ؟ ! لكن إعلمى أنه كلما إمتدت العاصفة كلما كثرت المكافئات ، بشرط أن تتحملى هذا بشكر وشجاعة .. لا تتركى نفسك للحزن ، بل إقبلى العاصفة بتعقل ... "

 وعندما وصل إلى قيصرية طتب إليها رسالة يقول فيها : " كل الذين يقابلونا فى الطريق ، ألاتون إلينا من الشرق أو من أرمينيا ، أو من أى بقعة بالأرض ، تنساب دموعهم كالنهر كلما رأونا وكانوا ينوحون وهم يرافقوننا فى الطريق فى أنين !

أقول لكى هذا لكى تعرفى أن لى أحباء كثيرين ، يشاركونا عذابنا ، وهذه تعزية كبيرة لنا ، فلو أن الأمر على خلاف ذلك لكان الوضع ثقيلاً يصعب إحتماله ، وهذا ما يشتكى منه النبى قائلاً : "إنتصرت إنساناً يشاركنى آلامى فلم يكن ، ومعزين فلم أجد " (مز69 : 20)

يالها من تعزية عظيمة أن يجد الإنسان العالم كله يشاركه أحزانه ! ...

إننا نجد أيضاً فى ذكرى الألام مصدراً للفرح المستمر .

إذ تفكرين فى هذا إنزعى عنك غيم الحزن وإكتبى لى بإستمرار عن صحتك ، تأملى هذا أن الأمور المفرحة المحزنة فى الحياة الحاضرة تعبر جميعها ، فإن كان الباب ضيق والطريق كرباً ، فهو مهما يكن من أمر فهو طريق ! إذكرى هذه العبارة التى كررتها لك كثيراً : إن كان الباب واسعاً والطريق رحباً فإنه هو أيضاً مجرد طريق (مت 7: 13)

عندما تتركين الأرض وتنحلين من الجسد ، إبسطى جناح الحكمة ، حتى لا يهلك سواد الدخان !! إنما أمور أرضية ، لا تنسحبى إلى الأرض !

إن رأيتى ظلماً كثيراً صنعوه بنا ، وقد سيطروا على العاصمة ، وتمتعوا بكرامات ، وساروا فى مواكب الحرس ، رددى هذه العبارة " واسع هو الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك "

بالحرى إبكى عليهم ، ونوحى من أجلهم !!

إنهم يصنعون آثام العالم ، وعوض تفكيرهم فى خطاياهم يتمتعون بإحترامات الناس بكونها جزاءاً قد نالوه !! "  

**********************

المــــــــــراجع

(1) Soc 6:18. Soz 8: 20 . Palladius 9- 11.

(2) وجدت هذه القاعدة عام 1848 ووضعت فى متحف القديسة إيرينه  S. Irene بإسطانبول

(3)  6:18. Soz 8: 20 .

(4) Soc. 8:21

(5) Bardy G. : Saint Jenn de Const. 4: 141

(6) الدكتور أسد رستم - مجلد 1 ص 279

(7) Soc 6:18. Palladius 33,34

(8) Sox. 8:21

(9) Soc 6:18. Soz 8: 22. Theod. 5: 34.

(10) Theodoret 5 : 29

(11) قطف الزهار من مروج الأحبار

(12) N& PNF, series 2 , vol 9, p14.

(13) Ep 11ad Olympias PG 52: 609 كتبها فى يونيو 404م

(14) تعبير يونانى يشير إلى مجموعة خاصة من الجند مخصصه لخدمة البلاط الإمبراطورى

(15) Epistle 120. PG 52: 674- 675

(16) Epistle 10. PG 52: 608- 609
(17) Epistle 9.
ad Olympias PG 52: 608

(18) Epistle 9. ad Olympias PG 52: 607- 608
 

 

 

This site was last updated 12/19/11