Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الحرب العالمية الثانية وتقييد الحريات فى مصر

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك -

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
هتلر
حرب الإذاعات
متحف العالمين للحرب العالمية
الحرب وتقييد حرية الصحافة
تطهير ألغام المحور والحلفاء
إعلان الحرب على ألمانيا
لشيخ أمين حسنين ورومل
الملك والألمان والإنجليز
إنتحار رومل
سير الحرب 1
الملك فاروق والألمان
الملك فاروق مع تشرشل
هتلر ومفتى القدس
نصب تذكاري لإيطاليا
New Page 3287
New Page 3288
New Page 3289
ألغام الحلفاء والمحور
الألمان وغزو مصر

Hit Counter

الأهرام 23/5/2007م السنة 131 العدد 43998 عن مقالة بعنوان " ديوان الحياة المعاصرة - الحرب وتقييد الحريات‏!‏ " بقلم العلامة المؤرخ : د يونان لبيب رزق - الحلقة‏684‏
بداية الحرب العالمية

بدت نذر الحرب العالمية الثانية في الأفق بعد دخول القوات الألمانية في عمليات غزو واسعة للأراضي البولندية في أول سبتمبر عام‏1939,‏ بعد الاختلاف حول ممر دانزج الذي كانت قد حصلت عليه حكومة وارسو بمقتضي التسويات التي أبرمت في أعقاب الحرب الأولي ليكون لها منفذ علي بحر البلطيق‏,‏ وهو الممر الذي كان يخترق الأراضي الألمانية‏,‏ مما لم يكن محل رضاء من الحكومة النازية التي تولت الحكم في برلين‏1933.‏
وقف العالم كله في تلك اللحظات علي أطراف أصابعه‏,‏ فقد كان يعلم من التحذيرات المتتالية من الحكومتين البريطانية والفرنسية لهتلر بعدم الإقدام علي هذا العمل أن الدولتين الغربيتين الكبيرتين اللتين سبق لهما دخول الحرب السابقة كتفا إلي كتف‏,‏ لن يسكتا علي هذا العمل‏,‏ وأن حربا كبري جديدة في الطريق‏,‏ وقد تحسب لها الجميع بمن فيهم مصر التي كانت قد ارتبطت قبل ذلك بثلاث سنوات‏(1936)‏ بمعاهدة‏'‏ الصداقة والتحالف‏'‏ مع بريطانيا‏,‏ التي كانت تلزمها بمساندة حليفتها إذا ما اشتبكت في حرب‏.‏
تاثير الحرب على مصر  / تقييد الحريات : تقييد حرية الصحافة
في القاهرة كانت قد تشكلت قبل ذلك بأيام قليلة‏(18‏ أغسطس‏)‏ وزارة‏'‏ علي ماهر‏'‏ الثانية بعد استقالة وزارة محمد محمود باشا‏,‏ والتي بادرت بعد بدء الغزو الألماني للأراضي البولندية‏,‏ وقبل أن تشتبك بريطانيا معها في الحرب‏,‏ بإعلان الأحكام العرفية في البلاد‏,‏ وبعد‏72‏ ساعة فقط قامت الحرب‏,‏ وفي ذات الوقت صدر أمر من الحاكم العسكري‏,‏ الذي هو علي ماهر نفسه‏,‏ بفرض نظام‏'‏ الرقابة‏'‏ الذي نشرته الأهرام في اليوم التالي تحت عنوان طويل‏:‏ فرض الرقابة علي الصحف ورسائل البريد والبرقيات والمخاطبات التليفونية والسينما والإذاعة ـ إنشاء مصلحة للرقابة وتعيين الرقيب العام‏'.‏
وتم تشكيل المصلحة الجديدة علي وجه السرعة‏,‏ وقد ضمت ثلاثة أقسام‏;‏ مراقبة النشر ومراقبة البريد ومراقبة المواصلات السلكية واللاسلكية‏,‏ والملاحظ أن الوجود الإنجليزي كان قويا في المصلحة الجديدة‏,‏ فقد رأس القسم الأخير المستر جون وب المفتش العام لمصلحة التلغرافات والتليفونات‏,‏ ثم أن اللجنة الاستشارية التي أصدر الحاكم العسكري أمرا بتشكيلها لمعاونة الرقيب العام والتي ضمت ثلاثة أعضاء‏,‏ كان منهم‏'‏ الأونورابل سيسل كامبل عضو مجلس الإدارة المنتدب لشركة ماركوني‏'.‏
ويعنينا هنا الاختصاص الأول للمصلحة الجديدة المتعلق بمراقبة النشر‏,‏ فهو الذي تعقب الصحف وقام بتعطيلها أو مصادرتها‏,‏ والذي اختار مدير المصلحة الجديدة‏,‏ حسن فهمي رفعت باشا وكيل وزارة الداخلية‏,‏ محمد شعير بك مدير عام قسم التفتيش بوزارة الداخلية لرئاسته‏.‏
وقد خول الأمر العسكري الصادر بتشكيل مصلحة الرقابة لمديرها‏'‏ أن يعطل الجرائد والمطبوعات الدورية إما نهائيا أو بصفة مؤقتة‏,‏ وله أن يضبط آلات الطبع وأدواته‏,‏ وأن يستولي علي الأماكن التي استخدمت في الشئون التي تقع مخالفة لأحكام الرقابة‏'.‏
ويلفت النظر هنا أمران‏:‏
‏*‏ إن رئيس الوزراء‏,‏ دولة علي ماهر باشا الذي أصدر الأمر في عهد وزارته الثانية‏,‏ هو نفسه الذي أحسن معاملة الصحف وقت وزارته الأولي‏(30‏ يناير ـ‏9‏ مايو‏1936)‏ وشجع الصحفيين علي إقامة نقابتهم‏,‏ حتي أن أغلب الصحف قرظته وأضفت عليه من عبارات المديح والثناء ما كان يستحقه في هذه المناسبة‏,‏ وما لم يعد يستحقه في عهد وزارته الثانية‏.‏
وقد تناسي هؤلاء الذين يمدحون أو يغضبون من اختلاف مواقف الرجل أن طبيعة الوضع خلال المرة الثانية قد اختلف كثيرا عن طبيعته إبان وزارته الثانية‏,‏ فهو عندما تولي هذا المنصب الرفيع في المرة الأولي كانت البلاد في مرحلة انتقال‏,‏ إذ كان الملك فؤاد طريح الفراش في أيامه الأخيرة‏,‏ وقد نزعت كل مخالبه‏,‏ وكان دور الوزارة انتقاليا بأن تجري الانتخابات لتشكيل وزارة جديدة تقوم علي مفاوضة الإنجليز‏,‏ الأمر الذي دفع الرجل إلي اختيار الوزراء من شخصيات مستقلة‏,‏ ولما كان الجميع يعلمون أن الانتخابات سوف تأني بوزارة وفدية‏,‏ وأن مهمة الوزارة الماهرية الثانية مؤقتة‏,‏ فقد حرص رئيسها علي أن يترك أثرا طيبا‏,‏ مما يفسر سياساته تجاه الصحافة‏.‏

في الوزارة الثانية تغير الوضع بـ‏180‏ درجة‏,‏ الملك فؤاد كان قد رحل وخلفه فاروق الذي بدأ عهده بسلسلة من الخلافات مع الوزارة النحاسية‏,‏ كان منها تعيين علي ماهر رئيسا للديوان الملكي دون استشارة الحكومة الوفدية‏,‏ الأمر الذي أغضب النحاس باشا‏,‏ وهي الخلافات التي انتهت بإقالة الوزارة في‏30‏ ديسمبر‏1937,‏ وتولي محمد محمود باشا رئاسة الوزارة الجديدة‏,‏ بينما ظل رئيس الديوان في مربضه بقصر عابدين ينتظر الفرصة المواتية للقفز مرة أخري علي كرسي صاحب الدولة‏,‏ حتي واتته باستقالة محمود باشا‏,‏ ولم يكن هذه المرة ضيفا مؤقتا علي هذا الكرسي‏,‏ كما كان الحال في المرة السابقة‏,‏ ولم يكن دوره التمهيد لوصول الوفد إلي الحكم‏,‏ بل أصبح دوره منع الحزب الشعبي الكبير من تحقيق هذا الهدف‏!‏
‏*‏ إن المرة الوحيدة التي اتفق فيها الطرفان‏,‏ علي ماهر باشا والسير مايلز لامبسون السفير البريطاني في العاصمة المصرية علي إجراء من إجراءات وضع المحالفة موضع التنفيذ كانت وضع القيود الرقابية علي الصحف‏,‏ بحكم اتفاق المصالح‏,‏ أما فيما عدا ذلك فقد اختلفا علي طول الخط‏,‏ وفي مسائل كان يبدو أن لا اختلاف عليها‏,‏ مثل أن تعلن مصر الحرب مشاركة لحليفتها‏,‏ كما تنص المعاهدة‏,‏ بالعكس فقد أخذ الرجل بالاتفاق مع الملك فاروق يسوف في هذه الخطوة‏,‏ ويدفع رجلا مثل الشيخ مصطفي المراغي شيخ الأزهر‏,‏ وكان معروفا بعلاقته الوثيقة بالقصر‏,‏ أن يطلق قولته أن مصر تدخل حربا‏'‏ لا ناقة لها فيها ولا جمل‏',‏ وهو الأمر الذي أدي في النهاية إلي الإطاحة بالوزارة الماهرية بعد أن وجهت السفارة البريطانية إنذارا للملك‏.‏
ثم أنه أدي من ناحية أخري إلي تخلي الإنجليز أنفسهم عن هذا الطلب بعد أن رأوا أن ما سينتج عن إعلان مصر الحرب علي دولتي المحور سيرتب لها مطالب بعد الحرب‏,‏ وبعد أن امتنعت سائر الوزارات التي خلفت علي ماهر عن اتخاذ هذه الخطوة حتي لا تبدو أقل وطنية منه‏,‏ وزارة حسن صبري ووزارة حسين سري‏,‏ بل والوزارة الوفدية نفسها التي تولت الحكم في أعقاب حادثة‏4‏ فبراير‏1942,‏ حين أرغم لامبسون الملك فاروق علي استدعاء النحاس‏,‏ والتي استمرت حتي أكتوبر‏1944‏ التزمت بنفس الموقف‏..‏ رئيس الوزراء الوحيد الذي أقدم علي هذه الخطوة كان شقيق علي ماهر الدكتور أحمد ماهر باشا رئيس السعديين والذي دفع حياته ثمنا لها‏.‏

***‏

الصورة المقابلة : صفحة من جريدة الأهرام بتاريخ 4/9/1939 م

الأهرام وتقييد حرية الصحافة
يؤكد الإطلاع علي أعداد الأهرام خلال الفترة المنقضية بين إقالة الوزارة النحاسية وقيام نظام الرقابة في الظروف السابق الإشارة إليها‏,‏ أن محاولة تكميم الصحافة الوفدية كان هدفا أصيلا من أهداف وزارتي محمد محمود باشا الثالثة والرابعة‏,‏ كما كانت هدفا من أهداف وزارة علي ماهر‏.‏
فقد شنت الصحف المنتمية للحزب الكبير‏,‏ سواء الناطقة بلسانه مثل‏'‏ الوفد المصري‏',‏ أو التي أعلنت أنها تسير علي مبادئه مثل‏'‏ المصري‏',‏ حملة شديدة علي الحكومات التي خلفت الوزارة النحاسية‏,‏ الأمر الذي دفع الصحف المدافعة عن الحكومة والمنحازة إلي القصر‏,‏ علي رأسها البلاغ والدستور‏,‏ إلي الدفاع ورد الصاع صاعين‏,‏ والذي دفع حكومة محمد محمود الثانية إلي التفكير في إصدار قانون‏'‏ لجرائم النشر‏'.‏
وبذكاء واضح نجحت الأهرام‏,‏ وفي الباب الثابت الذي احتل الصفحة الثالثة تحت عنوان‏'‏ أقوال الصحف العربية والإفرنجية‏'‏ أن تقدم تسجيلا أمينا لهذه المعركة‏,‏ دون أن يبدو منها انحياز لأي من الطرفين‏..‏
الاهرام فى 4/9/1939
فقد تابعت في الأسابيع الأولي من عام‏1939‏ المذكرة الإيضاحية التي كانت قد وضعتها الوزارة المحمودية عن‏'‏ المحاكمة في جرائم النشر‏'‏ والتي علقت عليها‏'‏ المصري‏'‏ بمقال افتتاحي تحت عنوان‏'‏ اكشفوا القناع‏-‏ تشريعات لبلد همجي‏-‏ إلي أي مصير يسوقون البلاد‏,‏ ولأي نظام يمهدون؟‏'.‏ اتهمت فيه الوزارة أنها مصممة علي السير قدما في إصدار التشريعات الاستثنائية وأنها‏'‏ تريد أن تعجل بمحاكمة الصحفي والكاتب والمؤرخ لقوة الردع‏,‏ وشدة أثر الوازع‏,‏ وتترك القاتل والمزور والسفاك ومدمني المخدرات‏'.‏
وجاء الرد عاجلا‏..‏ جريدة‏'‏ البلاغ‏'‏ رأت أن المصري قد تناست أنها اندفعت في حملتها علي سمعة البلاد‏,‏ وأنها جعلت من نفسها نذير شؤم يصيح في الناس بإشاعات السوء‏'‏ فكانت تنشر كل يوم أرقاما كاذبة ولكنها مزعجة‏,‏ وكنا نحن نطلب منها أن تتئد وتتقي الله في وطنها فلم تكن ترعوي أو تزدجر أو تفكر‏'.‏
وعندما أصرت‏'‏ المصري‏'‏ علي موقفها وصادرت الحكومة أحد أعدادها فعقدت علي المصادرة مقالا جاء فيه أن المصادرة تمت بالطريق الإداري وبغير أمر النيابة واختتمته بالقول‏'‏ إن الحقيقة الساطعة التي يدركها المصريون جميعا في هذه الأيام أن الوزارة الحاضرة أصبحت في حال من التخاذل والاضطراب تدفعها إلي الفزع من كل كلمة تكتب وكل كلمة تقال‏',‏ ردت‏'‏ الدستور‏'‏ بأن المصادرة كانت واجبة ولا عيب فيها‏'‏ وإنما العيب في استحقاق المصادرة وفي إهمال الحكومات لها حين يكون إهمالها مجازفة بأقدس الحرمات وأحق الأمور بالصيانة والاحتراس‏',‏ بينما وصفت‏'‏ البلاغ‏'‏ موقف المصري من مصادرتها بأنه‏'‏ لون من الصياح الصبياني‏,‏ والعويل المتكلف‏'‏ وأهابت بالحكومة بأن تجعل الجيش والدفاع في حرز حريز‏'‏ وأن تقضي علي الفساد بقوة وحزم وسرعة‏,‏ فقد أصبح الحال لا يطاق‏,‏ ولا يعد الصبر عليه إلا تقصيرا خطيرا‏'.‏


واستمر الحال علي ما هو عليه من شد وجذب حتي يوم‏5‏ مارس‏1939‏ حين أن أقر مجلس الوزراء مشروع قانون بتعديل بعض مواد جرائم النشر في قانون العقوبات‏,‏ وقد تضمن تغليظا في العقوبات لبعض مواد هذا القانون‏..‏
‏1)‏ أن يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل خمسين جنيها ولا تزيد عن مائتي جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من أهان أو سب بإحدي الطرق المنصوص عليها الأسرة المالكة أو البرلمان أو أحد المجلسين أو الوزارة أو أية هيئة نظامية أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة‏.‏
‏2)‏ مع عدم الإخلال بالمسئولية الجنائية بالنسبة لمؤلف الكتابة يعاقب صاحب الجريدة ورئيس التحرير أو المحرر المسئول بصفتهم فاعلين أصليين للجرائم التي ترتكب بواسطة صحفهم‏.‏
‏3)‏ إذا تضمن العيب أو القذف أو السب طعنا في عرض الأفراد أو خدشا لسمعة العائلات يعاقب بالحبس والغرامة معا علي ألا تقل الغرامة في حالة النشر في إحدي الجرائد أو المطبوعات عن نصف الحد الأقصي وألا يقل الحبس عن ستة أشهر‏.‏
‏4)‏ يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد عن ستة شهور وبغرامة لا تقل عن عشرين جنيها كل من نشر وقائع تتصل بحياة الأفراد الخاصة بصورة سيئة‏.‏
‏5)‏ وتنطبق نفس المادة علي القذف أو السب في سيرة الأموات إذا كان يوجب احتقار ورثتهم الأحياء عند أهل وطنهم‏.‏

وكما كانت الأهرام حريصة في أن تتخذ موقفا وسطا بين الحكومة المحمودية وبين الصحافة الوفدية‏,‏ فإنها حرصت في نفس الوقت علي أن تنشر لكتابها ممن يدافعون عن موقف الحكومة وممن لا يذهبون إلي ما ذهبت إليه من تقييد حرية الصحافة‏..‏
من الأولين كان الأستاذ أحمد محمد الصاوي في عاموده‏'‏ ما قل ودل‏'‏ الذي ذكر بأن له أصدقاء أبوا أن تدخل أخواتهم الجامعة‏,‏ مع تفوقهن في الدراسة الثانوية حتي‏'‏ لا تصبح أسماء عائلاتهم علي جميع الألسن تتندر بها الناس‏,‏ ويعدونها موضوعا للعبث والخوض والهوان‏'.‏ ومن الأخيرين كان الأستاذ محمد زكي عبد القادر في عاموده‏'‏ نحو النور‏'‏ الذي رأي في التعديل الجديد شيئا من الغموض‏'‏ ولا شك أن رجال الصحافة والنيابة والقضاء سيجدون كثيرا من المشقة في تطبيقها وفهمها‏',‏ وضرب مثلا علي ذلك ما نص عليه القانون من عقاب كل من نشر شيئا يخالف التوقير الواجب لحياة الملك الخاصة‏.‏كما رأي فيه أيضا مخالفة لقاعدة هامة مقررة في المواد الجنائية وهي‏:‏ أن حسن النية مفترض في المتهم ما لم يقم الدليل علي ما ينقضه‏,‏ وسلطة الاتهام هي المطالبة بنقضه‏.‏


وكما يحدث في مثل هذه المناسبات أن تبدأ القوي المحافظة في الهجوم باسم الدين علي أية كتاب أو مقال لا يري رأيها وتصبح رقابة داخل الرقابة‏..‏ ويقدم ما نشرته الأهرام خلال شهري مارس وإبريل‏1939‏ تسجيلا لإحدي هجمات هذه القوي التي تتكرر حتي اليوم‏..‏
في عددها الصادر يوم‏13‏ من الشهر الأول ذكرت أن لفيفا من طلبة كلية الآداب بعثوا ببرقية إلي شيخ الأزهر جاء فيها أن رواية‏'‏ جان دارك‏'‏ وكتاب‏'‏ محادثات‏'‏ اللذين يطالعهما طلاب القسم الإنجليزي فيهما ما يمس الدين الإسلامي‏,‏ الأمر الذي دفع الشيخ إلي إرسال مذكرة لرئيس الوزراء تتضمن فحوي البرقية وتطالب بإزالة أسباب الشكوي‏.‏ وتضيف الأهرام أنه في صباح اليوم التالي امتلأت الإدارة العامة بالأزهر بوفود الطلاب الذين جاءوا لاستنكار تدريس الكتابين‏,‏ في نفس الوقت أرسل كثير من العلماء والطلبة في الكليات الأزهرية برقيات الاحتجاج إلي رئاسة مجلس الوزراء والقصر الملكي‏.‏
ردت الجامعة علي ذلك باجتماع بين مديرها‏,‏ لطفي السيد‏,‏ وعميد كلية الآداب‏,‏ طه حسين للتحقيق في الموضوع الذي انتهي أنه ليس في كلية الآداب كتب مقررة علي النحو المعروف وأن الأمر لا يعدو أن الأساتذة يوجهون تلاميذهم إلي الكتب والروايات التي يرون أنها تساعدهم علي تذوق آداب الأمم المختلفة‏,‏ ونوه رد الجامعة بأن رواية جان دارك للكاتب الأيرلندي برنارد شو قد ترجمت إلي العربية وأذيعت منذ وقت طويل‏.‏ الطريف أن علماء المعهد الديني في الإسكندرية أرسلوا برقيات احتجاج بنفس المعني تذرعا بأن الرواية والكتاب يدرسان بكلية الآداب بالإسكندرية‏,‏ الأمر الذي ثبت عدم صحته‏!‏
نفس الحكاية تكررت بالنسبة لكتاب هـ‏.‏ج‏.‏ ولز‏'‏ مختصر تاريخ العالم‏'‏ فقد أرسل شيخ كلية الشريعة ببعض الصفحات التي استخرجها منه إلي شيخ الأزهر وقد رأي فيها ما يمس الدين الإسلامي‏,‏ وهو ما فعله نفس الشيخ‏,‏ واسمه محمد مأمون الشناوي‏,‏ بالنسبة لكتاب ألفه كاتب إنجليزي اسمه‏'‏ روم لاند‏'‏ تحت عنوان‏'‏ البحث عن الغد‏'‏ وتضمن حديثا للدكتور طه حسين تعرض فيه للشعور الإسلامي‏,‏ وانتهت نفس النهاية‏,‏ ولكنها الأصوات التي تتعالي دائما في فترات التخلف الفكري‏.‏

***‏
ومع اقتراب نذر الحرب وكانت حكومة محمد محمود لا زالت تعاني في الحكم وتجاهد من أجل إصدار القانون الذي وضعت مشروعه‏,‏ انتقلت القضية إلي أروقة البرلمان‏,‏ وكان من بين المواد التي عرضت للمناقشة في مجلس النواب المادة الخاصة بعقوبة القذف أو السب في سيرة الأموات‏,‏ وقد طالب الأستاذ محمود غنام‏,‏ عضو المجلس إضافة فقرة لهذه المادة تفيد بأنها لا تسري علي الأبحاث التاريخية‏
وهو الطلب الذي رد عليه وزير العدل ردا مطولا خلص فيه إلي وصف الرغبة في الإضافة بأنه لون من التزيد فالمتوفي لا يخرج عن أحد رجلين‏;‏ فرد عادي مر علي مسرح الحياة ولم يشترك في العمل العام‏'‏ فإذا قذفته فإنما تتناول أعماله الخاصة التي لا تهم التاريخ‏'‏ وإما شخص عام فإن تناول حياته إما أن يكون بحق‏'‏ فلا عقاب عليه وحقوق التاريخ قد ضمنت لأنني لا أتصور تاريخا قوامه الكذب والأباطيل‏,'‏ أما إذا كان الشخص الذي عرض له إنما هو شخص يطعن في أحواله الخاصة‏,‏ فكل قذف فيه يستنكره الشعور العام ولا علاقة له بالتاريخ إطلاقا‏'.‏
وقامت الحرب بعد ذلك ونشأت مشكلة جديدة خاصة فيما يتصل بنشر محاضر جلسات مجلس الشيوخ‏,‏ فإنه بعد إقالة وزارة النحاس وإجراء حكومة محمد محمود التي أعقبتها الانتخابات ولجأت فيها إلي التزوير السافر تمكنت من تحجيم الوجود الوفدي في مجلس النواب‏,‏ وهو ما لم تستطعه بالنسبة لمجلس الشيوخ الذي ظل شوكة في حلقها‏,‏ الأمر الذي دفع الرقيب إلي أن يحظر علي الصحف نشر بعض محاضر جلسات هذا المجلس الأخير‏
مما دفع بعض الأعضاء إلي الاعتراض علي منع الصحافة من نشر الاستجوابات التي تقدم فيه‏,‏ خاصة وقد ذكر أحدهم أن رئيس الوزراء‏,‏ علي ماهر‏,‏ قد سبق له وصرح بأن ما يدور في البرلمان لن تمتد إليه يد الرقابة‏,‏ ووافق وزير الشئون البرلمانية‏,‏ محمد علي علوبة‏,‏ أن يد الرقيب لن تمتد للاستجواب الذي قدمه الأستاذ يوسف الجندي حول الإجراءات التي اتخذت مع الصحافة خلال الأسابيع الأخيرة‏,‏ ولا الاستجواب المقدم من الدكتور محمد حسين هيكل حول التعليم الأولي والإلزامي‏.‏
في الجلسة التالية ظل الموضوع مطروحا حين ألقي وزير الشئون البرلمانية بيانا جاء فيه أن‏'‏ الرقيب لا يتعرض بشيء من الحذف أو التعديل لجدول الأعمال بالبرلمان‏'‏ أما الأسئلة والاستجوابات فلا يعرض الرقيب إلا لما يراد نشره منها علي حدة قبل أن يتلي في الجلسات ويكون عرضه في إحدي جلستين اثنتين‏:‏ الأسئلة والاستجوابات التي لا تكون مدرجة بجدول أعمال المجلس فعلا فلا يعرض لها الرقيب بالمنع‏,‏ والأسئلة والاستجوابات التي تكون متضمنة أمورا تقضي تعليمات الرقيب العام بعدم إذاعتها‏.‏
وتدخل هيكل باشا الذي قال أن المسألة ليست اتفاقا بين المجلس ورئيس الوزارة إنما هي حق مقرر للمجلس بنص الدستور‏'‏ لا يجوز بحال من الأحوال باسم الأحكام العرفية أو باسم الحرب أن يحدد أو يقيد‏',‏ وذكر أنه ما دامت جلسات البرلمان علنية فمن حق الأمة جمعاء الإطلاع علي أعمال المجلس لأنها ليست ملكا له ولا للحكومة وإنما هي ملك للمصريين عامة‏'‏ فلابد من أن يطلعوا عليها وعلي موقف الحكومة حيالها‏',‏ وختم بالقول أنه لا يجوز أن تمتد يد الرقابة إلي أي عمل في المجلس‏.‏
وقد حدث مشهد غريب في البرلمان يوم‏11‏ مارس عام‏1940‏ حين وافق مجلس النواب بإجماع الأعضاء الحاضرين وبعد المناداة بالاسم‏(143‏ حاضرا‏)‏ علي القانون‏,‏ بينما وعلي الجانب الآخر من البرلمان كانت المناقشات محتدمة في مجلس الشيوخ بعد أن قدم عضوا المجلس‏,‏ محمد بسيوني ويوسف الجندي استجوابا لرئيس الوزراء بشأن الإجراءات التي اتخذت مع الصحافة‏.‏
بسيوني‏:‏ قدمنا هذا الاستجواب ولم نرد به إلا لفت نظر الحكومة إلي ما حصل من ضغط علي حرية الصحافة‏'‏ ضغطا كاد يذهب بأثر الفائدة المرجوة من خدمة الصحافة العامة‏..‏ الصحافة التي توضح السبيل للحكومة والأفراد وتنير الطريق وتنتقد أعمال الوزارة‏,‏ فما كان صالحا تؤيده وما كان غير صالح تنقده‏.‏
وأضاف أنه لا لزوم للأحكام العرفية إلا في حدود المسائل العسكرية طبقا للمعاهدة مع الحليفة ورأي أن الحكومة شددت الخناق علي صحف المعارضة فلا تسمح لها بانتقاد عمل من أعمال الحكومة مما جعل أمر الرقابة أكثر من اللزوم‏,‏ وتلا فقرات من مقالات منع الرقيب نشرها عن المعاهدة وعن الديموقراطية‏,‏ وذكر أن الرقيب حذف عنوانا نصه‏'‏ الأمة مصدر السلطات‏'.‏
وانتهي حضرة الشيخ المحترم‏,‏ بسيوني بك‏,‏ إلي القول أن الرقابة لا تساوي في المعاملة والتشدد بين صحف المعارضة والصحف المؤيدة للحكومة‏'‏ مع أن المساواة في الظلم عدل‏,‏ ألا يؤدي هذا إلي جرح في النفس ومرارة في قلوب فريق كبير من الأمة‏,‏ وإذا تركت مرارة النفوس تنمو لن ينتج عن هذا خير لهؤلاء أو أولئك‏',‏ وقد حدث أثناء إلقاء الرجل لكلمته أن قام أحد الشيوخ الموالين للحكومة‏,‏ عباس الجمل‏,‏ محتجا علي قراءة المستجوب لبعض العبارات الممنوعة من النشر في الصحف ووصفها بمناورة مقصود بها نشر هذه المقالات بعد أن منعتها الرقابة‏,‏ فصاح بسيوني بك فيه‏'‏ اتق الله في نفسك وأمتك‏.‏ لعن الله قوما ضاع الحق بينهم‏'.‏
في جلسة اليوم التالي انبري المستجوب الثاني يوسف الجندي بك الذي قال بعد مقدمة طويلة عن تاريخ الرقابة علي النشر أنه كان مفهوما من إعلان الأحكام العرفية تنفيذا للمعاهدة حماية الضرورات العسكرية إذ لا حق للحليفة أن تطلب الرقابة علي الصحف إلا لهذه الغاية وحدها‏,‏ وإن ترك حرية حذف الأخبار للرقيب بحجة كذبها وصدقها في منتهي الخطورة‏'‏ فإن حكومات كثيرة وفي عهود كثيرة كانت تصدر بلاغات رسمية تكذب فيها أخبارا نعلم جميعا أنها أخبار صحيحة‏'.‏
ولما كان أنطون الجميل بك رئيس تحرير الأهرام عضوا في المجلس فكان لا بد أن يدلي بدلوه‏,‏ ليس من موقع المعارض إنما من موقع الصحفي صاحب المصلحة‏,‏ فقال كلمة جاء فيها‏'‏ إن الرقابة علي الصحف من مستلزمات الأحكام العرفية ونحن راضون بالرقابة الحكيمة الرشيدة بمنع الكتابة المثيرة للخواطر المقلقة للأمن العام‏..‏ ولكن الرقابة التي لا يرضاها صحفي هي التي تتخطي دائرة اختصاصها‏,‏ فتصل أحيانا إلي حد السخافة‏..‏ وأن جميع الصحف في‏'‏ الهوا سوا‏'‏ فما يصيب اليوم إحدي الصحف يصيب غيرها غدا‏'‏ وحذر من أن الغلو في الرقابة يساعد علي انتشار الإشاعات التي تكون أكثر ضررا من منح الصحافة حرية القول‏.‏
علي خلاف الكلمات التي ألقيت من سائر الأعضاء والتي تنادي بكف يد الرقابة عن الصحف قام عضو المجلس وهيب دوس بك يكيل لها ألوانا من الاتهامات‏'‏ فأثار احتجاج المجلس وقامت ضجة تعذر معها علي الرجل أن يواصل حملته‏,‏ وغادر كثير من حضرات الشيوخ قاعة الاجتماع احتجاجا وانسحب مندوبو الصحف البرلمانيون من شرفة المجلس احتجاجا‏,‏ ولم يعودوا إلا بعد نزول المتحدث عن منصة الخطابة‏',‏ وكان مشهدا لا ينسي في دفاع البرلمان عن حرية الصحافة‏.

===========================================================

This site was last updated 10/26/08