Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

 الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر - 162

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس ستجد تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 3000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
صلاح الدين الأيوبى156
العزيز عثمان 157
الملك منصور على 158
الملك العادل 159
الملك الكامل 160
الملك العادل الصغير161
الملك الصالح 162
السلطان توران شاه 163
السلطانة شجرة الدر 164

Hit Counter

 

****************************************************************************************

 الجزء التالى عن الأسرة الأيوبية الذين حكموا مصر بعد إحتلالهم مصر وهم يدينون لخلافة الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

****************************************************************************************

يها خلع الملك العادل المذكور من ملك مصر بأخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب حسب ما تقدم ذكره‏.‏
وفيها هجم الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبك على دمشق ومعه أسد الدين شيركوه صاحب حمص وملكها في يوم الثلاثاء سابع عشرين صفر‏.‏

وفيها توفي الملك ناصر الدين أرتق صاحب ماردين الأرتقي كان الملك المعظم عيسى بن العادل تزوج أخته وهي التي بنت المدرسة والتربة عند الجسر الأبيض بقاسيون ولم تدفن فيها لأنها نقلت بعد موت زوجها المعظم إلى عند أبيها بماردين فماتت هناك‏.‏ وكان ناصر الدين المذكور شيخًا شجاعًا شهمًا جوادًا ما قصده أحد وخيبه‏.‏ قتله ولده بماردين خنقًا وهو سكران‏.‏
وفيها توفي الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن محمد بن أسد الدين شيركوه ابن شادي الأيوبي صاحب حمص أعطاه ابن عم أبيه السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب حمص بعد وفاة أبيه محمد بن شيركوه في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة فأقام بها إلى هذه السنة وحفظ المسلمين من الفرنج والعرب ومات بحمص في يوم الثلاثاء العشرين من شهر رجب ودفن بها‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وثماني أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وتسع عشرة إصبعًا‏.‏
سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر هو السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن السلطان الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شادي الأيوبي سلطان الديار المصرية‏.‏
وقد تقدم أن الملك الصالح هذا ولي الشرق وديار بكر في أيام والده الملك الكامل سنين وذكرنا أيضًا ما وقع له بعد موت الكامل مع أخيه العادل ومع ابن عمه الملك الناصر داود وغيرهما في ترجمة أخيه العادل مفصلًا إلى أن ملك الديار المصرية في يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة سبع وثلاثين وستمائة‏.‏
ومولده بالقاهرة في سنة ثلاث وستمائة وبها نشأ واستخلفه أبوه على مصر لما توجه إلى الشرق فأقام الصالح هذا بمصر مع صواب الخادم لا أمر له ولا نهي إلى أن عاد أبوه الكامل إلى الديار المصرية وأعطاه حصن كيفا فتوجه إليها ووقع له بها أمور ووقائع مع ملوك الشرق بتلك البلاد في حياة والده حتى مات أبوه ووقع له ما حكيناه إلى أن ملك مصر ولما تم أمره بمصر أصلح أمورها ومهد قواعدها‏.‏
قلت‏:‏ والملك الصالح هذا هو الذي أنشأ المماليك الأتراك وأمرهم بديار مصر وفي هذا المعنى يقول بعضهم‏:‏ الصالح المرتضى أيوب أكثر من تركٍ بدولته يا شر مجلوب ًلا آخذ الله أيوبًا بفعلته فالناس كلهم في ضر أيوب وقال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين الذهبي في تاريخه - بعد أن ذكر من مبدأ أمره نبذة إلى أن قال -‏:‏ ‏"‏ ثم ملك مصر بلا كلفة واعتقل أخاه ثم جهز من أوهم الناصر بأن الصالح في نية القبض عليه فخاف وغضب فأسرع إلى الكرك‏.‏
ثم تحقق الصالح فساد نيات الأشرفية وأنهم يريدون الوثوب عليه فأخذ في تفريقهم والقبض عليهم فبعث مقدم الأشرفية وكبيرهم يبك الأشقر نائبًا على جهة ثم سير من قبض عليه ثم مسكهم عن بكرة أبيهم وسجنهم وأقبل على شراء المماليك الترك والخطائية واستخدم الأجنادة ثم قبض على أكبر الخدام‏:‏ شمس الدين الخاص وجوهر النوبي وعلى جماعة من الأمراء الكاملية وسجنهم بقلعة صدر بالقرب من أيلة وأخرج فخر الدين ابن الشيخ من سجن العادل فركب ركبة عظيمة ودعت له الرعية لكرمه وحسن سيرته فلم يعجب الصالح ذلك وتخيل فأمره بلزوم بيته‏:‏ واستوزر أخاه معين الدين‏.‏
ثم شرع يؤمر غلمانه يعني مماليكه فأكثر من ذلك وأخذ في بناء قلعة الجزيرة واتخذها سكنًا وأنفق عليها أموالًا عظيمة وكانت الجزيرة قبلًا متنزها لوالده فشيدها في ثلاثة أعوام وتحول إليها‏.‏
وأما الناصر داود فإنه اتفق مع عمه الصالح إسماعيل والمنصور صاحب حمص فاتفقوا على الصالح أيوب‏.‏
وأما الخوارزمية فإنهم تغلبوا على عدة قلاع وعادوا وخربوا البلاد وكانوا شرًا من التتار لا وفي سنة إحدى وأربعين وقع الصلح بين الصالحين والمنصور صاحب حمص على أن تكون دمشق للصالح إسماعيل وأن يقيم هو والحلبيون والحمصيون الخطبة في بلادهم لصاحب مصر وأن يخرج ولد الملك الصالح أيوب الملك المغيث من اعتقال الملك الصالح إسماعيل - والملك المغيث هو ابن الملك الصالح نجم الدين كان معتقلًا قبل سلطنته في واقعة جرت‏.‏
قلت‏:‏ يعني أن الصالح قبض عليه لما ملك دمشق بعد خروج الصالح من دمشق قاصدًا الديار المصرية قبل أن يقبض عليه الناصر داود وقد ذكرنا ذلك كله في ترجمة العادل مفصلًا‏.‏
قلت وكذلك أطلق أصحاب الصالح مثل حسام الدين بن أبي علي ومجير الدين بن أبي ذكرى فأطلقهم الملك الصالح إسماعيل وركب الملك المغيث وبقي يسير ويرجع إلى القلعة ورد على حسام الدين ما أخذ منه‏.‏
ثم ساروا إلى مصر واتفق الملوك على عداوة الناصر داود وجهز الصالح إسماعيل عسكرًا يحاصرون عجلون وهي للناصر وخطب لصاحب مصر في بلاده وبقي عنده المغيث حتى تأتيه نسخ الأيمان ثم بطل ذلك كله‏.‏
وقال ابن واصل‏:‏ فحدثني جلال الدين الخلاطي قال‏:‏ كنت رسولًا من جهة الصالح إسماعيل فورد علي منه كتاب وفي طيه كتاب من الصالح نجم الدين إلى الخوارزمية يحثهم على الحركة ويعلمهم أنه إنما صالح عمه الصالح ليخلص ابنه المغيث من يده وأنه باق على عداوته ولا بد له من أخذ دمشق منه فمضيت بهذا الكتاب إلى الصاحب معين الدين فأوقفته عليه فما أبدى عنه عذرًا يسوغ‏.‏
ورد الصالح إسماعيل
  ف المغيث بن الصالح نجم الدين إلى الاعتقال وقطع الخطبة ورد عسكره عن عجلون وأرسل إلى الناصر داود واتفق معه على عداوة صاحب مصر وكذلك رجع صاحب حلب وصاحب حمص عنه وصاروا كلمة واحدة عليه واعتقلت رسلهم بمصر واعتضد صاحب دمشق بالفرنج وسلم إليهم القدس وطبرية وعسقلان‏.‏
وتجهز صاحب مصر الملك الصالح هذا لقتالهم وجهز البعوث وجاءته الخوارزمية فساقوا إلى غزة واجتمعوا بالمصريين وعليهم ركن الدين بيبرس البندقداري الصالحي‏.‏
قلت‏:‏ وبيبرس هذا هو غير بيبرس البندقداري الظاهري وإنما هذا أيضًا على اسمه وشهرته وهذا أكبر من الظاهر بيبرس وأقدم وقبض عليه الملك الصالح بعد ذلك وأعدمه‏.‏ انتهى‏.‏
قال ابن واصل‏:‏ وتسلم الفرنج حرم القدس وغيره وعمروا قلعتي طبرية وعسقلان وحصنوهما ووعدهم الصالح إسماعيل بأنه إذا ملك مصر أعطاهم بعضها فتجمعوا وحشدوا وسارت عساكر الشام إلى غزة ومضى المنصور صاحب حمص بنفسه إلى عكا وطلبها فأجابوه‏.‏
قال‏:‏ وسافرت أنا إلى مصر ودخلت القدس فرأيت الرهبان على الصخرة وعليها قناني الخمر ورأيت الجرس في المسجد الأقصى وأبطل الأذان بالحرم وأعلن الكفر‏.
وقدم - وأنا بالمقدس - الناصر داود إلى القدس فنزل بغربيه‏.‏
وفيها ولى الصالح نجم الدين قضاء مصر للأفضل بعد أن عزل ابن عبد السلام نفسه بمديدة‏.‏
ولما عدت الخوارزامية الفرات وكانوا أكثر من عشرة آلاف ما مروا بشيء إلا نهبوه وتقهقر الذين بغزة منهم وطلع الناصر إلى الكرك وهربت الفرنج من القدس فهجمت الخوارزمية على القدس وقتلوا من به من النصارى وهدموا مقبرة القمامة وجمعوا بها عظام الموتى فحرقوها ونزلوا بغزة وراسلوا صاحب مصر يعني الملك الصالح هذا فبعث إليهم بالخلع والأموال وجاءتهم العساكر وسار الأمير حسام الدين بن أبي علي بعسكر ليكون مركزًا بنابلس وتقدم المنصور إبراهيم على الشاميين يعني لقتال المصريين وكان شهمًا شجاعًا قد انتصر على الخوارزامية غير مرة وسار بهم ورافقته الفرنج من عكا وغيرها بالفارس والراجل ونفذ الناصر داود عسكرًا فوقع المصاب بظاهر غزة فانكسر المنصور إبراهيم شر كسرة‏.‏
وأخذت سيوف المسلمين الفرنج فأفنوهم قتلًا وأسرًا ولم يفلت منهم إلا الشارد وأسر أيضًا من عسكر دمشق والكرك جماعة من المقدمين‏.‏
قال ابن واصل‏:‏ حكي لي عن المنصور أنه قال‏:‏ والله لقد قصرت ذلك اليوم ووقع في قلبي أنه لا ننتصر لانتصارنا بالفرنج - قلت‏:‏ عليه من الله ما يستحقه من الخزي‏.‏ وإيش يفيد تقصيره بعد أن صار هو والفرنج يدًا واحدة على المسلمين‏!‏ - قال‏:‏ ووصلت عسكر دمشق معه في أسوأ حال‏.‏
وأما مصر فزينت زينة لم ير مثلها وضربت البشائر ودخلت أسارى الشام الفرنج والأمراء وكان يومًا مشهودًا بالقاهرة‏.‏
ثم عطف حسام الدين بن أبي علي وركن الدين بيبرس فنازلوا عسقلان وحاصروها وبها الفرنج الذين تسلموها فجرج حسام الدين وامتنعت عليهم عسقلان لحصانتها ‏"‏ ثم ترحلوا إلى نابلس وحكموا على فلسطين والأغوار إلا عجلون فهي بيد سيف الدين بن قليج نيابة عن الناصر داود‏.‏
ثم بعث السلطان الملك الصالح نجم الدين ابن الشيخ على جيشه وأقامه مقام نفسه وأنفذ معه الخزائن وحكمه في الأمور وسار إلى الشام ومعه الخوارزمية فنالوا دمشق وبها الصالح إسماعيل والمنصور صاحب حمص فذل الصالح إسماعيل وبعث وزيره أمين الدولة مستشفعًا بالخليفة ليصلح بينه وبين ابن أخيه الملك نجم الدين فلم يظفر بطائل ورجع واشتد الحصار على دمشق وأخذت بالأمان لقلة من مع صاحبها ولعدم الميرة بالقلعة ولتخلي الحلبيين عنه فترحل ولما رأت الخوارزمية أن السلطان قد تملك الشام بهم وهزم أعداءه صار لهم عليه إدلال كثير مع ما تقدم من نصرهم له على صاحب الموصل قبل سلطنته وهو بسنجار فطمعوا في الأخبار العظيمة فلما لم يحصلوا على شيء فسدت نيتهم له وخرجوا عليه وكاتبوا الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري وهو أكبر أمراء الصالح نجم الدين أيوب وكان بغزة فأصغى إليهم - فيما قيل - وراسلوا صاحب الكرك فنزل إليهم ووافقهم‏.‏
وكانت أمه أيضًا خوارزمية وتزوج منهم ثم طلع إلى الكرك واستولى حينئذ على القدس ونابلس وتلك الناحية وهرب منه نواب صاحب مصرة ثم راسلت الخوارزمية الملك الصالح إسماعيل وهو في بعلبك وحلفوا له فسار إليهم واتفقت كلمة الجميع على حرب الصالح صاحب مصر فقلق الصالح لذلك وطلب ركن الدين بيبرس فقدم مصر فاعتقله وكان آخر العهد به‏.‏
ثم خرج بعساكره فخيم بالعباسة وكان قد نفذ رسوله إلى الخليفة المستعصم يطلب تقليدًا بمصر والشام أو الشرق فجاءه التشريف والطوق الذهب والمركوب فلبس التشريف الأسود والعمامة والجبة وركب الفرس بالحلية الكاملة وكان يومًا مشهودًا ثم جاء الصالح والخوارزمية ونازلوا دمشق وليس بها كبير عسكر وبالقلعة الطواشي رشيد وبالبلد نائبها حسام الدين بن أبي علي الهذباني فضبطها وقام بحفظها بنفسه ليلًا ونهارًا واشتد بها الغلاء وهلك أهلها جوعًا ووباء‏.‏
قال‏:‏ وبلغني أن رجلًا مات في الحبس فأكلوه كذلك حدثني حسام الدين بن أبي علي فعند ذلك اتفق عسكر حلب والمنصور صاحب حمص على حرب الخوارزمية وقصدوهم فتركوا حصار دمشق وساقوا أيضًا يقصدونهم فالتقى الجمعان ووقع المصاف في أول سنة أربع وأربعين على القصب وهي منزلة بريد من حمص من قبليها فاشتد القتال والصالح إسماعيل مع الخوارزمية فانكسروا عندما قتل مقدمهم حسام الدين بركة خان وانهزموا ولم تقم لهم بعدها قائمة وقتل بركة خان مملوك من الحلبيين وتشتتت الخوارزمية وخدم طائفة منهم بالشام وطائفة بمصر وطائفة مع كشلوخان ذهبوا إلى التتار وخدموا معهم وكفى الله شرهم‏.‏
وعلق رأس بركة خان على قلعة حلب‏.‏
ووصل الخبر إلى القاهرة فزينت وحصل الصلح التام بين السلطان يعني الصالح نجم الدين أيوب وبين صاحب حمص والحلبيين‏.‏
وأما الصالح إسماعيل فإنه التجأ إلى ابن أخته الملك الناصر صلاح الدين صاحب حلب‏.‏
وأما نائب دمشق حسام الدين فإنه سار إلى بعلبك وحاصرها وبها أولاد الصالح إسماعيل فسلموها بالأمان ثم أرسلوا إلى مصر تحت الحوطة هم والوزير أمين الدولة والأستادار ناصر الدين بن يغمور فاعتقلوا بمصر‏.‏ وصفت البلاد للملك الصالح‏.‏
وبقي الملك الناصر داود بالكرك في حكم المحصور ثم رضي السلطان على فخر الدين ابن الشيخ وأخرجه من الحبس بعد موت أخيه الوزير معين الدين وسيره إلى الشام واستولى على جميع بلاد الناصر داود وخرب ضياع الكرك ثم نازلها أيامًا وقل ما عند الناصر من المال والذخائر وقل ناصره فعمل قصيدة يعاتب فيها السلطان فيما له عنده من اليد من الذب عنه وتمليكه ديار مصر وهي‏:‏ قل للذي قاسمته ملك اليد ونهضت فيه نهضة المستأسد عاصيت فيه ذوي الحجى من أسرتي وأطعت فيه مكارمي وتوددي يا قاطع الرحم التي صلتي بها كتبت على الفلك الأثير بعسجد إن كنت تقدح في صريح مناسبي فاصبر بعزمك للهيب المرصد عمي أبوك ووالدي عم به يعلو انتسابك كل ملك أصيد صالًا وجالًا كالأسود ضواريا فارتد تيار الفرات المزبد دع سيف مقولي البليغ يذب عن أعراضكم بفرنده المتوقد فهو الذي قد صاغ تاج فخاركم بمفضل من لؤلؤ وزبرجد ثم أخذ يصف نفسه وجوده ومحاسنه وسؤدده إلى أن قال‏:‏ يا محرجي بالقول والله الذي خضعت لعزته جباه السجد والله يابن العم لولا خيفتي لرميت ثغرك بالعداة المرد لكنني ممن يخاف حرامه ندمًا يجرعني سمام الأسود فأراك ربك بالهدى ما ترتجي لنراك تفعل كل فعل مرشد لتعيد وجه الملك طلقًا ضاحكًا وترد شمل البيت غير مبدد كي لا ترى الأيام فينا فرصة للخارجين وضحكة للحسد لا زال هذا البيت مرتفع البنا يزهى بعد آخر أمجد قال‏:‏ ثم إن السلطان طلب الأمير حسام الدين بن أبي علي وولاه نيابة الديار المصرية واستناب على دمشق الصاحب جمال الدين يحيى بن مطروح ثم قدم الشام وجاء إلى خدمته صاحب حماة الملك المنصور وهو ابن اثنتي عشرة سنة وصاحب حمص وهو صغيرًا فأكرمهما وقربهما ووصل إلى بعلبك ثم رد إلى الشام ثم رجع السلطان ومرض في الطريق‏.‏
قال ابن واصل‏:‏ حكى لي الأمير حسام الدين قال‏:‏ لما ودعني السلطان قال‏:‏ إني مسافر وأخاف أن يعرض لي موت وأخي العادل بقلعة مصر فيأخذ البلاد وما يجري عليكم منه خير فإن مرضت - ولو أنه حمى يوم - فأعدمه فإنه لا خير فيه وولدي توران شاه لا يصلح للملك فإن بلغك موتي فلا تسلم البلاد لأحد من أهلي بل سلمها للخليفة‏.‏ انتهى‏.‏
قال‏:‏ ودخل السلطان مصر وصرف حسام الدين عن نيابة مصر بجمال الدين ابن يغمور وبعث الحسام بالمصريين إلى الشام فأقاموا بالصالحية أربعة أشهر‏.‏ قال ابن واصل‏:‏ وأقمت مع حسام الدين هذه المدة وكان السلطان في هذه المدة وقبلها مقيمًا بأشمون طناح‏.‏
ثم في السنة خرج الحلبيون وعليهم شمس الدين لؤلؤ الأميني فنازلوا حمص ومعهم الملك الصالح إسماعيل يرجعون إلى رأيه فحاصرها شهرين ولم ينجدها صاحب مصرة وكان السلطان مشغولًا بمرض عرض له في بيضه ثم فتح وحصل منه ناسور بعسر بولٍ وحصلت له في رئته بعض قرحة متلفة لكنه عازم على إنجاد صاحب حمص‏.‏
ولما اشتد الحصار بالأشرف صاحب حمص اضطر إلى أن أذعن بالصلح وطلب العوض عن حمص تل باشر مضافًا إلى ما بيده وهو الرحبة وتدمر فتسلمها الأمير شمس الدين لؤلؤ الاميني وأقام بها نوابًا لصاحب حلب‏.‏
فلما بلغ السلطان أخذ حمص وهو مريض غضب وعظم عليه وترحل إلى القاهرة فاستناب بها ابن يغمور وبعث الجيوش إلى الشام لاستنقاذ حمص‏.‏
وسار السلطان في محفة وذلك في سنة ست وأربعين وستمائة فنزل بقلعة دمشق وبعث جيشه فنازلوا حمص ونصبوا عليها المجانيق منها منجنيق مغربي ذكر الأمير حسام الدين أنه كان يرمي حجرًا زنتة مائة وأربعون رطلًا بالدمشقي ونصب عليها قرابغا اثني عشر منجنيقًا سلطانية وذلك في الشتاء‏.‏
وخرج صاحب حلب بعسكره فنزل بأرض كفر طاب ودام الحصار إلى أن قم البادرائي للصلح بين صاحب حلب والسلطان على أن تقر حمص بيد صاحب حلب فوقع الاتفاق على ذلك وترحل السلطان عن حمص لمرض السلطان ولأن الفرنج تحركوا وقصدوا مصر وترحل السلطان إلى الديار المصرية كذلك وهو في محفة‏.‏
وكان الناصر صاحب الكرك قد بعث شمس الدين الخسروشاهي إلى السلطان وهو بدمشق يطلب خبزًا بمصر والشوبك وينزل له عن الكرك فبعث السلطان تاج الدين بن مهاجر في إبرام ذلك إلى الناصر فرجع عن ذلك لما سمع حركة الفرنج وطلب السلطان نائب مصر جمال الدين بن يغمور فاستنابه بدمشق وبعث على نيابة مصر حسام الدين بن أبي علي فدخلها في المحرم سنة سبع وأربعين وسار السلطان فنزل بأشموم طناح ليكون في مقابلة الفرنج إن قصدوا دمياط‏.‏
وتواترت الأخبار بأن ريدا فرنس مقدم الأفرنسيسية قد خرج من بلاده في جموع عظيمة وشتى بجزيرة قبرص وكان من أعظم ملوك الفرنج وأشدهم بأسًا - وريدا بلسانهم‏:‏ الملك - فشحنت دمياط بالذخائر وأحكمت الشواني ونزل فخر الدين ابن الشيخ بالعساكر على جزيرة دمياط فأقبلت مراكب الفرنج فأرست في البحر بإزاء المسلمين في صفر من السنة‏.‏
ثم شرعوا من الغد في النزول إلى البر الذي فيه المسلمون وضربت خيمة حمراء لريدا فرنس وناوشهم المسلمون القتال فقتل يومئذ الأمير نجم الدين ابن شيخ الإسلام والأمير الوزيري - رحمهما الله تعالى - فترحل فخر الدين ابن الشيخ بالناس وقطع بهم الجسر إلى البر الشرقي الذي فيه دمياط وتقهقر إلى أشمون طناح ووقع الخذلان على أهل دمياط فخرجوا منها طول الليل على وجوههم حتى لم يبق بها أحد وكان هذا من قبيح رأي فخر الدين فإن دمياط كانت في نوبة سنة خمس عشرة وستمائة أقل ذخائر وعددًا وما قدر عليها الفرنج إلا بعد سنة وإنما هرب أهلها لما رأوا هرب العسكر وضعف السلطان فلما أصبحت الفرنج ملكوها صفوًا بما حوت من العدد والأسلحة والذخائر والغلال والمجانيق وهذه مصيبة لم يجر مثلها‏!‏ فلما وصلت العساكر وأهل دمياط إلى السلطان حنق على الشجعان الذين كانوا بها وأمر بهم فشنقوا جميعًا ثم رحل بالجيش وسار إلى المنصورة فنزل بها في المنزلة التي كان أبوه نزلها وبها قصر بناه أبوه الكامل‏.‏
ووقع النفير العام في المسلمين فاجتمع بالمنصورة أمم لا يحصون من المطوعة والعربان وشرعوا في الإغارة على الفرنج ومناوشتهم وتخطفهم واستمر ذلك أشهرًا والسلطان يتزايد مرضه والأطباء قد آيسته لاستحكام المرض به‏.‏
وأما صاحب الكرك يعني الملك الناصر داود فإنه سافر إلى بغداد فاختلف أولاده فسار أحدهم إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب وسلم إليه الكرك ففرح بها مع ما فيه من الأمراض وزينت بلاده وبعث إليها بالطواشي بدر الدين الصوابي نائبًا‏.‏ وقدم عليه أولاد الناصر داود فبالغ الملك الصالح في إكرامهم وأقطعهم أخبازًا جليلة‏.‏ ولم يزل يتزايد به المرض إلى أن مات وأخفي موته على ما سيأتي ذكره‏.‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
قال ابن واصل في سيرة الملك نجم الدين أيوب هذا‏:‏ وكان مهيبًا عزيز النفس عفيفًا طاهر اللسان والذيل لا يرى الهزل ولا العبث شديد الوقار كثير الصمت اشترى من المماليك الترك ما لم يشتره أحد من أهل بيته حتى صاروا معظم عسكره ورجحهم على الأكراد وأمرهم واشترى وهو بمصر خلقًا منهم وجعلهم بطانته والمحيطين بدهليزه وسماهم ‏"‏ البحرية ‏"‏‏.‏
حكى لي حسام الدين بن أبي علي‏:‏ أن هؤلاء المماليك مع فرط جبروتهم وسطوتهم كانوا أبلغ من يعظم هيبته كان إذا خرج وشاهدوا صورته يرعدون خوفًا منه وأنه لم يقع منه في حال غضبه كلمة قبيحة قط أكثر ما يقول إذا شتم‏:‏ يا متخلف وكان كثير الباه بجواريه فقط ولم يكن عنده في آخر وقت غير زوجتين‏:‏ إحداهما شجرة الدر والأخرى بنت العالمة تزوجها بعد مملوكه الجوكندار وكان إذا سمع الغناء لا يتزعزع ولا يتحرك وكذلك الحاضرون يلتزمون حالته كأنما على رؤوسهم الطيرة وكأن لا يستقل أحدًا من أرباب دولته بأمر بل يراجعون القصص مع الخدام فيوقع عليها بما يعتمده كتاب الإنشاء وكان يحب أهل الفضل والدين وما كان له ميل لمطالعة الكتب وكان كثير العزلة والانفراد وله نهمة باللعب بالصوالجة وفي إنشاء الأبنية العظيمة الفاخرة‏.‏ انتهى كلام ابن واصل‏.‏
وقال غيره‏:‏ وكان ملكًا مهيبًا جبارًا ذا سطوة وجلالة وكان فصيحًا حسن المحاورة عفيفًا عن الفواحش أمر مماليكه الترك وجرى بينه وبين عمه الملك الصالح أمور وحروب إلى أن أخذ نقابة دمشق عام ثلاثة وأربعين وذهب إسماعيل إلى بعلبك ثم أخذت من إسماعيل بعلبك وتعثر والتجأ إلى ابن أخته الناصر صاحب حلب‏.‏
ولما خرج الملك الصالح هذا من مصر إلى الشام خاف من بقاء أخيه الملك العادل فقتله سرًا ولم يتمتع بعده ووقعت الأكلة في فخذه بدمشق‏.‏
ونزل الأفرنس ملك الفرنج بجيوشه على دمياط فأخذها فسار إليه الملك الصالح في محفة حتى نزل المنصورة عليلًا ثم عرض له إسهال إلى أن مات في ليلة النصف من شعبان بالمنصورة وأخفي موته حتى أحضروا ولده الملك المعظم توران شاه من حصن كيفا وملكوه‏.‏
وقال سعد الدين‏:‏ إن ابن عمه فخر الدين نائب السلطنة أمر بتحليف الناس لولده الملك المعظم توران شاه ولولي عهده فخر الدين فتقرر ذلك وطلبوا الناس فحضروا وحلفوا إلا أولاد الناصر داود صاحب الكرك توقفوا وقالوا‏:‏ نشتهي أن نبصر السلطان فدخل خادم وخرج وقال‏:‏ السلطان يسلم عليكم وقال‏:‏ ما يشتهي أن تروه في هذه الحالة وقد رسم لكم أن تحلفوا‏.‏
فحلفوا وكان للسلطان مدة من وفاته ولا يعلم به أحد وزوجته شجرة الدر توقع مثل خطه على التواقيع - على ما يأتي ذكره - ولما حلف أولاد الناصر صاحب الكرك جاءتهم المصيبة من كل ناحية لأن الكرك راحت من يدهم واسودت وجوههم عند أبيهم ومات الملك الصالح الذي أفلوه وأعطوه الكرك ثم عقيب ذلك نفوهم من مصر‏.‏
ثم إن الأمير فخر الدين نفذ نسخة الأيمان إلى البلاد ثم كل ذلك والسلطان لم يظهر موته‏.‏
قال‏:‏ وكانت أم ولده شجرة الدر ذات رأي وشهامة فدبرت أمر الملك الصالح وأخفت موته‏.‏
وهي التي وليت الملك مدة شهرين بعد ذلك وخطب لها على المنابر بمصر وغيرها - على ما يأتي ذكر ذلك في محله إن شاء الله تعالى‏.‏ ثم ملك بعدها الأتراك إلى يومنا هذا‏.‏ انتهى‏.‏
وقال الشيخ شمس الدين يوسف بن قزأرغلي في تاريخه مرآة الزمان - بعد ما ذكر اسم الملك الصالح ومولده قال -‏:‏ ولما ملك مصر اجتهد في خلاص ولده المغيث فلم يقدر‏.‏
قلت يعني المغيث الذي كان حبسه الملك الصالح إسماعيك بقلعة دمشق في مبادئ أمر الملك الصالح‏.‏
قال‏:‏ وكان مهيبًا هيبته عظيمة جبارًا أباد الأشرفية وغيرهم‏.‏
وقال جماعة من أمرائه‏:‏ والله ما نقعد على بابه إلا ونقول من هاهنا نحمل إلى الحبوس وكان إذا حبس إنسانًا نسيه ولا يتجاسر أحد أن يخاطبه فيه وكان يحلف أنه ما قتل نفسًا بغير حق‏.‏
قال صاحب المرآة‏:‏ وهذه مكابرة وغيرهم ولو لم يكن إلا قتل أخيه العادل لكفى‏.‏
قال‏:‏ وكانت عشيقته شجرة الدر تكتب خطًا يشبه خطه فكانت تعلم على التواقيع وكان قد نسر مخرج السلطان وامتد إلى فخذه اليمنى ورجله ونحل جسمه وعملت له محفة يركب فيها وكان يتجلد ولا يطلع أحد على حاله ولما مات حمل تابوته إلى الجزيرة فعلق بسلاسل حتى قبر في تربته إلى جانب مدرسته بالقاهرة‏.‏
قلت‏:‏ وذكر القطب اليونيني في كتابه الذيل على مرآة الزمان قال في ترجمة البهاء زهير كاتب الملك الصالح قال‏:‏ فلما خرج الملك الصالح بالكرك من الاعتقال وسار إلى الديار المصرية كان بهاء الدين زهير المذكور في صحبته وأقام عنده في أعلى المنازل وأجل المراتب وهو المشار إليه في كتاب المرج والمقدم عليهم وأكثرهم اختصاصًا بالملك الصالح واجتماعًا به‏.‏
وسيره رسولًا في سنة خمس وأربعين وستمائة إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب يطلب منه إنفاذ الملك الصالح عماد الدين إسماعيل إليه فلم يجب إلى ذلك وأنكر الناصر هذه الرسالة غاية الإنكار وأعظمها واستصعبها وقال‏:‏ كيف يسعني أن أسير عمه إليه وهو خال أبي وكبير البيت الأيوبي حتى يقتله وقد استجار بي‏!‏ والله هذا شيء لا أفعله أبدًا‏.‏
ورجع البهاء زهير إلى الملك الصالح نجم الدين بهذا الجواب فعظم عليه وسكت على ما في نفسه من الحنق‏.‏
وقبل موت الملك الصالح نجم الدين أيوب بمديدة يسيرة - وهو نازل على المنصورة - تغير على بهاء الدين زهير وأبعده لأمر لم يطلع عليه أحد‏.‏
قال‏:‏ حكى لي البهاء أن سبب تغيره عليه أنه كتب عن الملك الصالح كتابًا إلى الملك الناصر داود صاحب الكرك وأدخل الكتاب إلى الملك الصالح ليعلم عليه على العادة فلما وقف عليه الملك الصالح كتب بخطه بين الأسطر‏:‏ ‏"‏ أنت تعرف قلة عقل ابن عمي وأنه يحب من يعظمه ويعطيه من يده فاكتب له غير هذا الكتاب ما يعجبه ‏"‏ وسير الكتاب إلى البهاء زهير ليغيره والبهاء زهير مشغول فأعطاه لفخر الدين إبراهيم بن لقمان وأمره بختمه فختمه وجهزه إلى الناصر على يد نجاب ولم يتأمله فسافر به النجاب لوقته واستبطأ الملك الصالح عود الكتاب إليه ليعلم عليه ثم سأل عنه بهاء الدين زهير بعد ذلك وقال له‏:‏ ما وقفت على ما كتبته بخطي بين الأسطر‏.‏
قال البهاء زهير‏:‏ ومن يجسر أن يقف على ما كتبه السلطان بخطه إلى ابن عمه‏!‏ وأخبره أنه سير الكتاب مع النجاب فقامت قيامة السلطان وسيروا في طلب النجاب فلم يدركوه ووصل الكتاب إلى الملك الناصر بانكرك فعظم عليه وتألم له ثم كتب جوابه إلى الملك الصالح وهو يعتب فيه العتب المؤلم ويقول له فيه‏:‏ والله ما بي ما يصدر منك في حقي وإنما بي اطلاع كتابك على مثل هذا‏!‏ فعز ذلك على الملك الصالح وغضب على بهاء الدين زهير وبهاء الدين لكثرة مروءته نسب ذلك إلى نفسه ولم ينسبه لكاتب الكتاب وهو فخر الدين بن لقمان - رحمه الله تعالى -‏.‏
قال‏:‏ وكان الملك الصالح كثير التخيل والغضب والمؤاخذة على الذنب الصغير والمعاقبة على الوهم لا يقبل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يرعى سالف خدمة والسيئة عنده لا تعذر والتوسل إليه لا يقبل والشفائع لديه لا تؤثر فلا يزداد بهذه الأمور التي تسل سخائم الصدور إلا انتقامًا‏.‏
وكان ملكًا جبارًا متكبرًا شديد السطوة كثير التجبر والتعاظم على أصحابه وندمائه وخواصه ثقيل الوطفة لا جرم أن الله تعالى قصر مدة ملكه وابتلاه بأمراض عدم فيها صبره‏.‏
وقتل مماليكه ولده توران شاه من بعده لكنه كان عنده سياسة حسنة ومهابة عظيمة وسعة صدر في إعطاء العساكر والإنفاق في مهمات الدولة لا يتوقف فيما يخرجه في هذا الوجه وكانت همته عالية جدًا وآماله بعيدة ونفسه تحدثه بالاستيلاء على الدنيا بأسرها والتغلب عليها وانتزاعها من يد ملوكها حتى لقد حدثته نفسه بالاستيلاء على بغداد والعراق وكان لا يمكن القوي من الضعيف وينصف المشروف - من الشريف وهو أول من استكثر من المماليك من ملوك البيت الأيوبي ثم اقتدوا به لما آل الملك إليهم‏.‏ قلت‏:‏ ومن ولي مصر بعد الصالح من بني أيوب حتى اقتنى المماليك‏!‏ هو آخر ملوك مصر ولا عبرة بولاية ولده الملك المعظم توران شاه اللهم إن كان الذي بالبلاد الشامية فيمكن وأما بمصر فلا‏.‏
وكانت ولايته بمصر تسع سنين وسبعة أشهر وعشرين يومًا لأنه ولي السلطنة في عشرين ذي الحجة سنة سبع وثلاثين ومات في نصف شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة‏.‏ انتهى‏.‏
قال‏:‏ ولما مات الملك الصالح نجم الدين لم يحزن لموته إلا القليل مع ما كان الناس فيه من قصد الفرنج الديار المصرية واستيلائهم على قلعة منها ومع هذا سر معظم الناس بموته حتى خواصه فإنهم لم يكونوا يأمنون سطوته ولا يقدرون على الاحتراز منه‏.‏
قال‏:‏ ولم يكن في خلقه الميل لأحد من أصحابه ولا أهله ولا أولاده ولا المحبة لهم ولا الحنو عليهم على ما جرت به العادة‏.‏ وكان يلازم في خلواته ومجالس أنسه من الناموس ما يلازمه إذا كان جالسًا في دست السلطنة‏.‏ وكان عفيف الذيل طاهر اللسان قليل الفحش في حال غضبه ينتقم بالفعل لا بالقول
قلت‏:‏ وهذا شأن الناس في أفعال ملوكهم والحاكم أحد الخصمين غضبان منه إذا حكم بالحق فكيف السلطان‏!‏ وفي الجملة هو عنده أعظم ملوك بني أيوب وأجلهم وأحسنهم رأيًا وتدبيرًا ومهابة وشجاعة وسؤددًا بعد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وهو أخو جده الملك العادل أبي بكر بن أيوب ولو لم يكن من محاسنه إلا تجلده على مقابلة العدو بالمنصورة وهو بتلك الأمراض المزمنة المذكورة وموته على الجهاد والذب عن المسلمين‏.‏
ما كان أصبره وأغزر مروءته‏!‏ ولما مات رثاه الشعراء بعدة مراثٍ‏.‏
 


وهي سنة ثمان وثلاثين وستمائة‏.‏
فيها سلم الملك الصالح إسماعيل الشقيف لصاحب صيداء الفرنجي وعزل عز الدين بن عبد السلام عن الخطابة وحبسه وحبس أيضًا أبا عمرو بن الحاجب لأنهما أنكرا عليه فعله فحبسهما مدة ثم أطلقهما وولى العماد ابن خطيب بيت الأبار الخطابة عوضًا عن ابن عبد السلام‏.‏
وفيها ظهر بالروم رجل تركماني يقال له البابا وادعى النبوة وكان يقول قولوا‏:‏ لا إله إلا الله البابا ولي الله واجتمع إليه خلق كثير فجهز إليه صاحب الروم جيشًا فالتقوا فقتل بينهم أربعة آلاف وقتل البابا المذكور‏.‏
قال أبو المظفر‏:‏ ‏"‏ وفيها ذكر أن بمازندران - وهي مدينة العجم - عين ماء يطلع منها في كل ست وثلاثين سنة حية عظيمة مثل المنارة فتقيم طول النهار فإذا غربت الشمس غاصت الحية في العين فلا ترى إلا مثل ذلك الوقت وقيل‏:‏ إن بعض ملوك العجم جاء بنفسه إليها في مثل ذلك اليوم وربطها بسلاسل حتى يعوقها فلما غربت الشمس غاصت في العين وهي إلى الآن إذا طلعت رأوا السلاسل في وسطها ‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ ولعلها لم تتعرض لأحد بسوء وإلا فكان الناس تحيلوا في قتلها وفيها وصل الملك الناصر داود من مصر إلى غزة وكان بينه وبين الفرنج وقعة وكسرهم فيها وغنم منهم أشياء كثيرة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وتسع أصابع‏.‏
السنة الثانية من سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر وهي سنة تسع وثلاثين وستمائة‏.‏
فيها شرع الملك الصالح المذكور في عمارة المدارس بين القصرين من القاهرة وشرع أيضًا في بناء قلعة الجزيرة وأخذ أملاك الناس وأخرب نيفًا وثلاثين مسجدًا وقطع ألف نخلة وغرم عليها خراج مصر سنين كثيرة فلم تقم بعد وفاته وأخربها مماليكه الأتراك سنة إحدى وخمسين
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإحدى وعشرون

السنة الثالثة من سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر وهي سنة أربعين وستمائة‏.‏
فيها كان الوباء ببغداد وتزايدت الأمراض‏.‏ وتوفي الخليفة المستنصر وبويع ابنه المستعصم‏.‏
وفيها عزم الملك الصالح المذكور على التوجه إلى الشام فقيل له‏:‏ البلاد مختلة والعساكر مختلفة فجهز إليها العساكر وأقام هو بمصر‏.‏
والمستنصر بالله أبو جعفر منصور بن الظاهر وله اثنتان وخمسون سنة توفي في جمادى الآخرة وكانت خلافته ثلاث عشرة سنة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏
السنة الرابعة من سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر وهي سنة إحدى وأربعين وستمائة‏.‏
فيها ترددت الرسل بين السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب المذكور وبين عمه الملك الصالح إسماعيل صاحب الشام في الصلح وكان الملك المغيث بن الصالح نجم الدين هذا في حبس الصالح إسماعيل صاحب الشام بدمشق فأطلقه الصالح إسماعيل وخطب للصالح هذا ببلاده ثم تغير ذلك كله وقبض الصالح إسماعيل ثانيًا على الملك المغيث بن الصالح نجم الدين وحبسه‏.‏
قال أبو المظفر - رحمه الله -‏:‏ ‏"‏ وفيها قدمت القاهرة وسافرت إلى الإسكندرية في هذه السنة فوجدتها كما قال الله تعالى‏:‏ ذات قرار ومعين معمورة بالعلماء مغمورة بالأولياء الذين هم في الدنيا شامة‏:‏ كالشيخ محمد القباري والشاطبي وابن أبي أسامة‏.‏
وهي أولى بقول القيسراني رحمه الله في وصف دمشق‏:‏ أرض تحل الأماني من أماكنها بحيث تجتمع الدنيا وتفترق إذا شدى الطير في أغصانها وقفت على حدائقها الأسماع والحدق قلت‏:‏ وأين قول أبي المظفر من قول مجير الدين بن تميم في وصف الإسكندرية‏:‏ لما قصدت سكندرية زائرًا ملأت فؤادي بهجة وسرورا ما زرت فيها جانبًا إلا رأت عيناي فيها جنة وحريرا وفيها صالح صاحب الروم التتار على أن يدفع إليهم في كل يوم ألف دينار وفرسًا ومملوكًا وجارية وكلب صيد وكان صاحب الروم يومئذ ابن علاء الدين كيقباذ وهو شاب لغاب ظالم قليل العقل يلعب بالكلاب والسباع ويسلطها على الناس فعضه بعد ذلك سبع فمات فأقام انتهى‏.‏
وكان مظفر الدين هذا قد جاء إلى ابن عمه الملك المعظم لما وقع بينه وبين الملك الكامل صاحب مصر ما وقع فأحسن إليه المعظم ثم عاد إلى مصر لما مات الملك الأشرف موسى شاه أرمن فأقام بها عند الكامل إلى أن عاد صحبته إلى دمشق وأقام بها إلى أن مات الكامل فملكوه دمشق حسب ما حكيناه في ترجمة الكامل والعادل ابنه ووقع له بعد ذلك أمور‏.‏ وكان جوادًا كما اسمه ويحب الصالحين والفقراء‏.‏ قال أبو المظفر‏:‏ ‏"‏ إلا أنه كان حوله من ينهب الناس ويظلم وينسب ذلك إليه ‏"‏‏!‏‏.‏
قلت‏:‏ ثم قبض عليه عمه الملك الصالح إسماعيل واعتقله فطلبه الفرنج لصحبة كانت بينهم فخنقه ابن يغمور وقال‏:‏ إنه مات وكان ذلك في شوال ودفن بقاسيون دمشق في تربة المعظم‏.وأما ابن يغمور فإنه حبس بإذن الصالح بقلعة دمشق ثم شنقه الملك الصالح أيوب لما ملك دمشق‏.‏ بعث به ابن شيخ
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وقيل أكثر‏.‏ مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثماني أصابع‏.‏
السنة الخامسة من سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر وهي سنة اثنتين وأربعين وستمائة‏.‏
وفيها توفي الملك المغيث عمر بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب الترجمة مات في حياة والده الملك الصالح في حبس دمشق - بعد أن عجز والده في خلاصه - في يوم الجمعة ثاني عشرين شهر ربيع الآخر وحمل إلى تربة جده الملك الكامل محمد فدفن بها وكان شابًا حسنًا عاقلًا دينًا‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع سواء‏.‏ مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا سواء‏.‏
السنة السادسة من سلطنة الملك الصالح وهي سنة ثلاث وأربعين وستمائة‏.‏
فيها كان الحصار على دمشق من الخوارزمية‏.‏ وفيها كان الغلاء العظيم بدمشق وبلغت الغرارة القمح ألفًا وستمائة درهم وأبيعت الأملاك والأمتعة بالهوان‏.‏ وفيها أيضًا كان الغلاء بمصر وقاسى أهلها شدائد‏.‏
‏ أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

السنة السابعة من سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر وهي سنة أربعة وأربعين وستمائة‏.‏

فيها توفي الملك المنصور صاحب حمص واسمه إبراهيم بن شيركوه بن محمد بن أسد الدين شيركوه الكبير أخو أيوب‏.‏ كان المنصور هذا شجاعًا متواضعًا موافقًا للملك الصالح إسماعيل ومصاهرًا له‏.‏ ومات بدمشق في يوم الأربعاء حادي عشر صفر وحمل في تابوت إلى حمص ومات وله عشرون سنة‏.‏ وقام بعده على حمص ولده الأشرف موسى فأقام بها سنتين وشهورًا وأخذت منه‏.‏ وفيها تسلم السلطان الملك الصالح أيوب قلعة الصبيبة من ابن عمه الملك السعيد ابن الملك العزيز ثم أخذ السلطان أيضًا حصن الصلت من الملك الناصر داود صاحب الكرك‏.‏ وفيها قدم رسولان من التتار إلى بغداد أحدهما من بركة خان والآخر من باجو فاجتمعا بالوزير مؤيد الدين ابن العلقمي فتغمت على الناس بواطن الأمور‏.‏ وفيها أخذت الفرنج مدينة شاطبة من بلاد المغرب صلحًا ثم أجلوا أهلها بعد سنة عنها‏.‏ فما شاء الله كان‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع سواء‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وتسع أصابع‏.‏
السنة الثامنة من سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر نوهي سنة خمس وأربعين وستمائة‏.‏
فيها نزل الوزير فخر الدين ابن الشيخ بعسكر الصالح نجم الدين المذكور على طبرية ففتحها عنوة وحاصر عسقلان وقاتل عليها قتالًا عظيمًا وأخذها المسلمون‏.‏
وفيها وجه الملك الصالح نجم الدين تاج الدين بن مهاجر من مصر إلى دمشق ومعه المبارز نسيبه ومعهما تذكرة فيها أسماء جماعة من أعيان الدماشقة بأن يحملوا إلى مصر فحملوا وهم‏:‏ محيي الدين بن الزكي وابن الحصيري وابن العماد الكاتب وبنو صصرى الأربعة وشرف الدين بن المعتمد وابن الخطيب العقرباني والتاج الإسكندراني الملقب بالشحرور وأبو الشامات والحكيمي مملوك إسماعيل وغازي والي بصرى وابن الهاب المحتسب وأخرج العماد ابن خطيب بيت الأبار من جامع دمشق وولى العماد الحرستاني الخطابة عوضه‏.‏ وسبب حمل هؤلاء الجماعة إلى مصر أنه نقل إلى الملك الصالح أيوب أنهم خواص الصالح إسماعيل فخاف أن يجري ما جرى في النوبة الأولى من أخذ دمشق‏.‏ ولما وصلوا إلى مصر حبس منهم السلطان الملك الصالح جماعة فأقاموا في الحبس إلى أن مات الملك الصالح فأخرجوا وعادوا إلى دمشق‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع سواء‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وتسع عشرة إصبعًا‏.‏
 
السنة التاسعة من سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر وهي سنة ست وأربعين وستمائة‏.‏
فيها قايض الملك الأشرف موسى صاحب حمص تل باشر بحمص مع الملك الناصر يوسف ابن العزيز بن الظاهر بن صلاح الدين صاحب حلب ولذلك خرج الملك الصالح نجم الدين أيوب هذا من مصر بالعساكر حسب ما ذكرناه في ترجمته ثم عاد مريضًا لما بلغه مجيء الفرنج إلى دمياط‏.‏
وفيها أخذ الملك الصالح نجم الدين المذكور من الأمير علاء الدين ايدكين البندقداري الذي وفيها زار الملك الصالح في عوده إلى مصر القدس الشريف وأمر أن يذرع سوره فجاء ستة آلاف ذراع فأمر بأن يصرف مغل القدس في عمارته‏.‏
وتصدق السلطان الملك الصالح بألفي دينار في الحرم وزار الخليل - عليه السلام - ثم عاد إلى مصر‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وأربع وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏
السنة العاشرة من سلطنة الملك الصالح نجم الدين أيوب على مصر وهي سنة سبع وأربعين وستمائة‏.‏
قال‏:‏ وفيها ولدت امرأة ببغداد ابنين وبنتين في جوف وشاع ذلك فطلبوا إلى دار الخلافة وأحضروا وقد مات واحد فاحضر ميتًا فتعجبوا وأعطيت الأم من الثياب والحلي ما يبلغ ألف دينار‏.‏
وفيها توجه الملك الناصر داود صاحب الكرك إلى الملك الناصر يوسف صاحب حلب وبلغ السلطان الملك الصالح نجم الدين ذلك فأرسل إلى نائبه ابن يغمور بدمشق بخراب دار أسامة وقطع شجر بستان القصر الذي للناصر داود بالقابون وخراب القصر ففعل ذلك‏.‏
وفيها سار الملك الظاهر شادي والملك الأمجد ابنا الملك الناصر داود المقدم ذكره من الكرك إلى مصر وسلما الكرك إلى السلطان الملك الصالح نجم الدين بغير رضا أبيهما الناصر فأعطى الملك الصالح للظاهر بن الناصر داود عوضًا عن الكرك خبز مائتي فارس بمصر وخمسين ألف دينار وثلاثمائة قطعة قماش والذخائر التي بالكرك وأعطى لأخيه الأمجد إخميم وخبز مائة وخمسين فارسًا بمصر فلم تطل مدتهم بمصر ومات الملك الصالح وزال ذلك كله من أيديهم حسب ما تقدم ذكره وحسب ما يأتي ذكره أيضًا‏.‏
 وتوفىالسلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل بن العادل بالمنصورة في شعبان وله أربع وأربعون سنة‏.‏
والأمير مقدم الجيوش فخر الدين يوسف ابن شيخ الشيوخ صدر الدين الجوييي في ذي القعدة شهيدًا يوم وقعة المنصورة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏

******************************************************************************

قال المقريزى  المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  الجزء الثالث  ( 921 من 761 )  : " الروضة اعلم أنّ الروضة تُطلق في زماننا هذا على الجزيرة التي بين مدينة مصر ومدينة الجيزة وعرفت في أوّل الإسلام بالجزيرة وبجزيرة مصر ثم قيل لها جزيرة الحصن وعرفت إلى اليوم بالروضة ... وبها بنى الملك الصالح نجم الدين أيوب القلعة الصالحية وبها إلى اليوم مقياس النيل وسأورد من أخبار الروضة هنا ما لا تجده مجتمعًا في غير هذا الكتاب‏.‏

*******************************************************************************

قال المقريزى  المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  الجزء الثالث  ( 921 من 761 )  : " قال ابن المتوّج‏:‏ ثم اشترى الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب جزيرة مصر المعروفة اليوم بالروضة في شعبان سنة ست وستين وخمسمائة وإنما سميت بالروضة لأنه لم يكن بالديار المصرية مثلها وبحر النيل حائز لها ودائر عليها وكانت حصينة وفيها من البساتين والعمائر والثمار ما لم يكن في غيرها ولما فتح عمرو بن العاص مصر تحصن الروب بها مدّة فلما طال حصارها وهرب الروم منها خرّب عمرو بن العاص بعض أبراجها وأسوارها وكانت مستديرة عليها واستمرّت إلى أن عمر حصنها أحمد بن طولون في سنة ثلاث وستين ومائتين ولم يزل هذا الحصن حتى خرّبه النيل ثم اشتراها الملك المظفر تقيّ الدين عمر المذكور وبقيت على ملكه إلى أن سيّر السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ولده الملك العزيز عثمان إلى مصر ومعه عمه الملك العادل وكتب إلى الملك المظفر بأن يسلم لهما البلاد ويقدم عليه إلى الشأم فلما ورد عليه الكتاب ووصل ابن عمه الملك العزيز وعمه الملك العادل شق عليه خروجه من الديار المصرية وتحقق أنه لا عود له إليها أبدًا فوقف هذه المدرسة التي تعرف اليوم في مصر بالمدرسة التقوية التي كانت تعرف بمنازل العزو وقف عليها الجزيرة بكاملها وسافر إلى عمه فملْكه حماه ولم يزل الحال كذلك إلى أن ولى الملك الصالح نجم الدين أيوب فاستأجر الجزيرة من القاضي فخر الدين أبي محمد عبد العزيز بن قاضي القضاة عماد الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد العليّ بن عبد القادر السكريّ مدرّس المدرسة المذكورة لمدّة ستين سنة في دفعتين كل دفعة قطعة فالقطعة الأولى من جامع غين إلى المناظر طولًا وعرضً من البحر إلى البحر واستأجر القطعة الثانية وهي باقي أرض الجزيرة بما فيها من النخل والجميز والغروس فإنه لما عمر الملك الصالح مناظر قلعة الجزيرة قطعت النخيل ودخلت في العمائر وأمّا الجميز فإنه كان بشاطىء بحر النيل صف جميز يزيد على أربعين شجرة وكان أهل مصر فرجهم تحتها في زمن النيل والربيع قُطعت جميعها في الدولة الظاهرية وعمر بها شواني عوض الشواني التي كان قد سيرها إلى جزيرة قبرس ثم سلم المدرّس التقوية القطعة المستأجرة من الجزيرة أوّلًا في سنة ثمان وتسعين وستمائة وبقي بيد السلطان القطعة الثانية وقد خربت قلعة الروضة ولم يبق منها سوى أبراج قد بنى الناس عليها وبقي أيضًا عقد باب من جهة الغرب يقال له باب الإصطبل وعادت الروضة بعد هم القلعة منها منتزهًا يشتمل على دور كثيرة وبساتين عدّة وجوامع تقام بها الجماعات والأعياد ومساجد وقد خُرب أكثر مساكن الروضة وبقي فيها إلى اليوم بقايا‏.‏

*******************************************************************************

قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 139 من 167 ) : " السلطان الملك الصالح نجم الدين أبو الفتوح أيوب‏:‏ فاستولى على قلعة الجبل في يوم الأحد رابع عشر ذي القعدة وجلس على سرير الملك بها وكان قد خطب له قبل قدومه فضبط الأمور وقام بأعباء المملكة أتم قيام وجمع الأموال التي أتلفها أخوه وقبض على الأمراء ونظر في عمارة أرض مصر وحارب عربان الصعيد وقدم مماليكه وأقامهم أمراء وبنى قلعة الروضة وتحول من قلعة الجبل إليها وسكنها وملك مكة وبعث لغزو اليمن وعمر المدارس الصالحية بين القصرين من القاهرة وقرّر بها دروسًا أربعة للشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة وفي أيامه نزل الفرنج على دمياط في ثالث عشري صفر سنة سبع وأربعين وعليهم الملك روادفرنس وملكوها وكان السلطان بدمشق فقدم عندما بلغه حركة الفرنج ونزل أشموم طناح وهو مريض فمات بناحية المنصورة مقابل الفرنج في يوم الأحد رابع عشر شعبان منها وكانت مدّة سلطنته بعد أخيه تسع سنين وثمانية أشهر وعشرين يومًا فقامت أم ولده خليل واسمها شجرة الدر بالأمر وكتمت موته واستدعت ابنه توران شاه من حصن كيفا وسلمت إليه مقاليد الأمور‏.‏ فقام من بعده ابنه‏.‏
*******************************************************************************

موت الملك الصالح
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 153 من 167 ) : " قبة الصالح‏ الذى دفن فيه الملك الصالح :‏ هذه القبة بجوار المدرسة الصالحية كان موضعها قاعة شيخ المالكية بنتها عصمهّ الدين والدة خليل شجرة الدر لأجل مولاها الملك الصالح نجم الدين أيوب عندما مات وهو على مقاتلة الفرنج بناحية المنصورة في ليلة النصف من شعبان سنة سبع وأربعين وستمائة فكتمت زوجته شجرة الدر موته خوفًا من الفرنج ولم تعلم بذلك أحدًا سوى الأمير فخر الدين بن يوسف بن شيخ الشيوخ والطواشي جمال الدين محسن فقط فكتما موته عن كلّ أحد وبقيت أمور الدولة على حالها وشجرة الدر تخرج المناشير والتواقيع والكتب وعليها علامة بخط خادم يقال له سهيل فلا يشك أحد في أنه خط السلطان وأشاعت أن السلطان مستمرّ المرض ولا يمكن الوصول إليه فلم يجسر أحد أن يتفوّه بموت السلطان إلى أن أنفذت إلى حصن كيفا وأحضرت الملك المعظم توران شاه بن الصالح وأما الملك الصالح فإن شجرة الدرّ أحضرته في حراقة من المنصورة إلى قلعة الروضة تجاه مدينة مصرمن غير أن يشعر به أحد إلاّ من أيتمنته على ذلك فوضع في قاعة من قاعات قلعة الروضة إلى يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر رجب سنة ثمان وأربعين وستمائهّ فنُقل إلى هذه القبة بعدما كانت شجرة الدرّ قد عمرتها على ما هي عليه وخلعت نفسها من سلطنة مصر ونزلت عنها لزوجها عز الدين أيبك قبل نقّله فنفله الملك المعز أيبك ونزل ومعه الملك الأشرف موسى ابن الملك المسعود وسائر المماليك البحرية والجمدارية والأمراء من قلعة الجبل إلى قلعة الروضة وأخرج الملك الصالح في تابوت وصلى عليه بعد صلاة الجمعة وسائرالأمراء وأهل الدولة قد لبسوا البياض حزنًا عليه وقطع المماليك شعور رؤوسهم وساروا به إلى هذه القبة فدفن ليلة السبت فأصبح السلطانان ونزلا إلى القبة وحضر القضاة وسائر المماليك وأهل الدولة وكافة الناس وغلقت الأسواق بالقاهرة ومصر وعمل عزاء للملك الصالح بين القصرين بالدفوف مدّة ثلاثة أيام اَخرها يوم الاثنين‏.‏
ووضع عند القبر سناجق السلطان وبقجته وتركاشه وقوسه ورتب عنده القرّاء على ما شرطت شجرة الدرّ في كتاب وقفها وجعلت النظرفيها للصاحب بهاء الدين عليّ بن حنا وذريته وهي بيدهم إلى اليوم وما أحسن قول الأديب جمال الدين أبي المظفر عبد الرحمن بن أبي سعيد محمدبن محمدبن عمربن أبي القاسم بن تخمش الواسطيّ المعروف بابن السنيرة الشاعر لما مرّ هو والأمير نور الدين تكريت بالقاهرة بين القصرين ونظر إلى تربة الملك الصالح هذه وقد دفن بقاعة شيخ المالكية فأنشد‏:‏ بنيتَ لأربابِ العلوم مدارسًا لتنجو بها مِن هولِ يوم المهالِكِ‏.‏ وضاقَت عليكَ الأرضُ لم تلق منزلًا تحلُّ به إلاّ إلى جنبِ مالِكِ‏.‏

وذلك أن هذه القبة التي فيها قبر الملك الصالح مجاورة لإيوان الفقهاء المالكية المنتمين إلى الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه فقصد التورية بمالك الإمام المشهور ومالك خازن النار أعاذنا اللّه منها‏.‏

This site was last updated 03/19/10