Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

 السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر - 159

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس ستجد تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 3000 موضوع مختلف

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
صلاح الدين الأيوبى156
العزيز عثمان 157
الملك منصور على 158
الملك العادل 159
الملك الكامل 160
الملك العادل الصغير161
الملك الصالح 162
السلطان توران شاه 163
السلطانة شجرة الدر 164

 

****************************************************************************************

 الجزء التالى عن الأسرة الأيوبية الذين حكموا مصر بعد إحتلالهم مصر وهم يدينون لخلافة الأسرة العباسية السنية الإسلامية من مرجع - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

****************************************************************************************

سلطنة الملك العادل على مصر سنة 695 هـ

سلطنة الملك العادل على مصر هو السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد ابن الأمير أبي الشكر نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان الدويني التكريتي ثم الدمشقي‏.‏
قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي في تاريخه‏:‏ ‏"‏ ولد ببعلبك في سنة أربع وثلاثين وأبوه نائب عليها للأتابك زنكي والد نور الدين محمود وهو أصغر من أخيه صلاح الدين بسنتين وقيل‏:‏ ولد في سنة ثمان وثلاثين وقيل‏:‏ ولد في أوائل سنة أربعين‏.‏
قال أبو شامة‏:‏ توفي الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد وهو بكنيته أشهر‏.‏ ومولده ببعلبك وعاش ستًا وسبعين سنة‏.‏
ونشأ في خدمة نور الدين مع أبيه وإخوته وحضر مع أخيه صلاح الدين فتوحاته وقام أحسن قيام في الهدنة مع الأنكلتير ملك الفرنج بعد أخذهم عكا وكان صلاح الدين يعول عليه كثيرًا واستنابه بمصر مدة ثم أعطاه حلب ثم أخذها منه وأعطاها لولده الظاهر وأعطاه الكرك عوضها ثم حران ‏"‏ انتهى كلام الذهبي‏.‏
وقال الشيخ شمس الدين أحمد بن خلكان - رحمه الله - في وفيات الأعيان‏:‏ ‏"‏ كان الملك العادل قد وصل إلى مصر صحبة أخيه وعمه أسد الدين شيركوه المقدم ذكره‏.‏
وكان يقول‏:‏ لما عزمنا على المسير إلى مصر احتجت إلى جرمدان فطلبته من والدي فأعطاني وقال‏:‏ يا أبا بكر إذا ملكتم مصر أعطوني ملأة ذهبًا‏.‏ فلما جاء إلى مصر قال‏:‏ يا أبا بكر أين الجرمدان‏.‏
فرحت وملأته له من الدراهم السود وجعلت على أعلاها شيئًا من الذهب وأحضرته إليه فلما رآه اعتقده ذهبًا فقلبه فظهرت الفضة السوداء فقال‏:‏ يا أبا بكر تعلمت زعل المصريين!‏ قال‏:‏ ولما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب مصر كان ينوب عنه في حال غيبته بالشام ويستدعي منه الأموال للإنفاق في الجند وغيرهم‏.‏
قال‏:‏ ورأيت في بعض رسائل القاضي الفاضل أن الحمول تأخرت مدة فتقدم السلطان صلاح الدين إلى العماد الأصبهاني أن يكتب إلى أخيه العادل يستحثه على إنفاذها حتى قال‏:‏ يسير لنا الحمل من مالنا أو من ماله‏!‏ فلما وصل الكتاب إليه ووقف على هذا الفصل شق عليه وكتب إلى القاضي الفاضل يشكو من السلطان لأجل ذلك‏.‏
فكتب القاضي الفاضل جوابه وفي جملته‏:‏ ‏"‏ وأما ما ذكره المولى من قوله‏:‏ يسير لنا الحمل من مالنا أو من ماله فتلك لفظة ما المقصود منها من الملك النجعة وإنما المقصود من الكاتب السجعة‏.‏ وكم من لفظة فظة وكلمة فيها غلظة حيرت عيي الأقلام فسدت خلل الكلام‏.‏ وعلى المملوك الضمان في هذه النكتة وقد فات لسان القلم منها أي سكتة ‏"‏‏.‏
قال‏:‏ ولما ملك السلطان يعني صلاح الدين مدينة حلب في صفر سنة تسع وسبعين وخمسمائة كما تقدم ذكره ‏"‏ أعطاها لولده الملك الظاهر غازي ثم أخذها منه و ‏"‏ أعطاها للملك العادل فانتقل إليها وقصد قلعتها يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر رمضان من السنة المذكورة ثم نزل عنها للملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين ثم أعطاه السلطان قلعة الكرك وتنقل في الممالك في حياة السلطان صلاح الدين وبعد وفاته‏.‏
وقضاياه مشهورة مع الملك الأفضل والملك العزيز والملك المنصور وآخر الأمر أنه استقل بمملكة الديار المصرية‏.‏
وكان دخوله إلى القاهرة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وخمسمائة واستقرت له القواعد‏.‏
وقال أبو البركات ابن المستوفي في تاريخ إربل ‏"‏ في ترجمة ضياء الدين أبي الفتح نصر الله المعروف بابن الأثير الوزير الجزري ما مثاله‏:‏ وجدت بخطه خطب للملك العادل أبي بكر بن أيوب بالقاهرة ومصر يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال سنة ست وتسعين وخمسمائة وخطب له بحلب يوم الجمعة حادي عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ‏"‏ - والله أعلم بالصواب - هذا ما ذكره ابن خلكان وهو بخلاف ما ذكرناه من أنه خطب له في عاشر شهر رمضان من السنة ويمكن الجمع بين القولين لأننا قلنا في شهر رمضان تخمينًا لأن الاتفاق كان في شهر رمضان ولعل الخطبة كانت في شوال - انتهى‏.‏
قال‏:‏ ‏"‏ وملك مع ذلك البلاد الشامية والمشرقية وصفت له الدنيا ثم ملك بلاد اليمن في سنة اثنتي عشرة وستمائة ‏"‏ و ‏"‏ سير إليها ولد ولده الملك المسعود صلاح الدين أبا المظفر يوسف ابن الملك الكامل محمد الآتي ذكره‏.‏
وكان ولده الملك الأوحد نجم الدين أيوب ينوب عنه في ميافارقين وتلك النواحي فاستولى على مدينة خلاط وبلاد أرمينية واتسعت مملكته وذلك في سنة أربع وستمائة‏.‏
ولما تمهدت له البلاد قسمها بين أولاده فأعطى الملك الكامل محمدًا الديار المصرية وأعطى الملك المعظم عيسى البلاد الشامية وأعطى الملك الأشرف موسى البلاد الشرقية والأوحد في المواضع التي ذكرناها‏.‏
وكان ملكًا عظيمًا ذا رأي ومعرفة تامة قد حنكته التجارب حسن السيرة جميل الطوية وافر العقل حازمًا في الأمور صالحًا محافظًا على الصلوات في أوقاتها متبعًا لأرباب السنة مائلًا إلى العلماء‏.‏
صنف له فخر الدين الرازي ‏"‏ كتاب تأسيس التقديس ‏"‏ وذكر اسمه في خطبته وسيره إليه من بلاد خراسان‏.‏
وبالجملة فإنه كان رجلًا مسعودًا ومن سعادته أنه كان خلف أولادًا لم يخلف أحد من الملوك أمثالهم في نجابتهم وبسالتهم ومعرفتهم وعلو همتهم ودان لهم العباد وملكوا أخيار البلاد‏.‏
وكانت ولادته بدمشق في المحرم سنة أربعين وقيل‏:‏ ثمان وثلاثين وخمسمائة‏.‏
قلت‏:‏ وافق الذهبي في مولده في السنة مع خلاف ذكره الذهبي فيه وخالفه في المكان الذي ولد فيه فإن الذهبي قال‏:‏ كانت ولادته ببعلبك كما تقدم ذكره‏.‏
قال‏:‏ وتوفي في سابع جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة بعالقين‏.‏
ونقل إلى دمشق ودفن بالقلعة ثاني يوم وفاته ثم نقل إلى مدرسته المعروفة به ودفن بالتربة التي بها وقبره على الطريق يراه المجتاز من الشباك المركب هناك‏.‏
وعالقين بفتح العين المهملة وبعد الألف لام مكسورة وقاف مكسورة أيضًا وياء مثناة من تحتها ساكنة وبعدها نون وهي قرية بظاهر دمشق‏.‏ انتهى كلام ابن خلكان - رحمه الله تعالى - بتمامه‏.‏
وقال غيره‏:‏ ولما افتتح ولده الكامل إقليم أرمينية فرح العادل فرحًا شديدًا وسير أستاداره إيلدكز وقاضي العسكر نجم الدين خليل إلى الخليفة يطلب التقليد بمصر والشام وخلاط وبلاد الجزيرة فأكرمهما الخليفة وأرسل إليه الشيخ شهاب الدين أبا حفص عمر بن محمد السهروردي بالتشريف ومر بحلب ووعظ بها واحترمه الظاهر غازي صاحب حلب وبعث معه بهاء الدين بن شداد بثلاثة آلاف دينار لينثرها على عمه العادل إذا لبس خلعة الخليفة‏.‏
ولما وصل السهروردي إلى دمشق فرح العادل وتلقاه من القصير وكان يومًا مشهودًا ثم من الغد أفيضت عليه الخلع وهي‏:‏ جبة سوداء بطراز ذهب وعمامة سوداء بطراز ذهب وطوق ذهب فيه جوهر وقلد سيفًا محلى جميع قرابه بالذهب وحصان أشهب بمركب ذهب وعلم أسود مكتوب فيه بالبياض ألقاب الناصر لدين الله‏.‏
ثم خلع السهروردي على ولدي العادل‏:‏ المعظم عيسى والأشرف موسى لكل واحد عمامة سوداء وثوبًا أسود واسع الكم وخلع على الصاحب ابن شكر كذلك‏.‏ ونثر الذهب على رأس العادل من رسل صاحب حلب وحماة وحمص وغيرهم‏.‏
وركب الأربعة أعني العادل وولديه وابن شكر الوزير بالخلع ثم عادوا إلى القلعة وقرأ ابن شكر التقليد على كرسي وخوطب العادل‏:‏ بشاهنشاه ملك الملوك خليل أمير المؤمنين‏.‏ ثم قدم السهروري إلى مصر وخلع على الملك الكامل بن العادل‏.‏
وهو يوم ذاك صاحب مصر نيابة عن أبيه العادل كما تقدم ذكره‏.‏
وقال الموفق عبد اللطيف في سيرة الملك العادل‏:‏ ‏"‏ كان أصغر الإخوة وأطولهم عمرًا وأعمقهم فكرًا وأبصرهم في العواقب وأشدهم إمساكًا وأحبهم للدرهم وكان فيه حلم وأناة وصبر على الشدائد وكان سعيد الجد عالي الكعب مظفرًا بالأعداء من قبل السماء وكان نهمًا أكولًا يحب الطعام واختلاف ألوانه وكان أكثر أكله بالليل كالخيل وله عندما ينام رضيع ويأكل رطلًا بالدمشقي خبيص السكر يجعل هذا كالجوارش وكان كثير الصلاة ويصوم الخميس وله صدقات في كثير من الأوقات وخاصة عندما تنزل به الآفات وكان كريمًا على الطعام يحب من يؤاكله وكان قليل الأمراض‏.‏
قال لي طبيبه بمصر‏:‏ إني آكل خير هذا السلطان سنين كثيرة ولم يحتج إلي سوى يوم واحد أحضر إليه من البطيخ أربعون حملًا فكسر الجميع بيده وبالغ في الأكل منه ومن الفواكه والأطعمة فعرض له تخمة فأصبح فأشرت عليه بشرب الماء الحار وأن يركب طويلًا ففعل وآخر النهار تعشى وعاد إلى صحته‏.‏
وكان نكاحًا يكثر من اقتناء السراري وكان غيورا لا يدخل في داره خصي إلا دون البلوغ وكان يحب أن يطبخ لنفسه مع أن في كل دار من دور حظاياه مطبخًا دائرًا وكان عفيف الفرج لا يعرف له نظر إلى غير حلائله‏.‏
نجب له أولاد من الذكور والإناث سلطن الذكور وزوج البنات بملوك الأطراف‏.‏
وكان العادل قد أوقع الله تعالى بغضته في قلوب رعاياه والمخامرة عليه في قلوب جنده وعملوا في قتله أصنامًا من الحيل الدقيقة مرات كثيرة وعند ما يقال إن الحيلة تفت تنفسح وتنكشف وتحسم موادها ولولا أولاده يتولون بلاده لما ثبت فلكه بخلاف أخيه صلاح الدين فإنه إنما حفظ ملكه بالمحبة له وحسن الطاعة ولم يكن - رحمه الله - بالمنزلة المكروهة وإنما كان الناس قد ألفوا دولة صلاح الدين وأولاده فتغيرت عليهم العادة دفعة واحدة‏.‏
ثم إن وزيره ابن شكر بالغ قال‏:‏ وكان العارز يواظب على خدمة أخيه صلاح الدين يكون أول داخل وآخر خارج وبهذا جلبه وكان يشاوره في أمور الدولة لما جرب من نفوذ رأيه‏.‏
ولما تسلطن الأفضل بدمشق والعزيز بمصر قصد العزيز دمشق ووقع له ما حكيناه إلى أن ملكها‏.‏
قال‏:‏ ثم أخذ العادل يدبر الحيلة حتى يستنيبه العزيز على مصر ويقيم العزيز بدمشق ففطن بعض أصحاب العزيز فرمى قلنسوته بين يديه وقال‏:‏ ألم يكفك أنك أعطيته دمشق حتى تعطيه مصرة فنهض العزيز لوقته على غرة ولحق بمصر‏.‏
قال الموفق‏:‏ ومات الملك الظاهر غازي قبله بسنتين فلم يتهن العادل بالملك من بعده وكاد كل واحد منهما ينتظر موت الآخر فلم يصف للعادل العيش بعد موته لأمراض لزمته بعد طول الصحة والخوف من الفرنج بعد طول الأمن‏.‏
وخرجوا يعني الفرنج إلى عكا وتجمعوا على الغور فنزل العادل قبالتهم على بيسان وخفي عليه أن ينزل على عقبة أفيق وكانوا قد هدموا قلعة كوكب وكانت ظهرهم ولم يقبل من الجواسيس ما أخبروه بما عزم عليه الفرنج من الغارة فاغتر بما عودته المقادير من طول السلامة فغشيت الفرنج عسكره على غرة وكان قد آوى إليه خلق من البلاد يعتصمون به فركب مجدًا وماج الفرنج في أثره حتى وصل دمشق على شفًا وهم فدخل إليها فمنعه المعتمد وشجعه وقال له‏:‏ المصلحة أن تقيم بظاهر دمشق‏.‏
وأما الفرنج فاعتقدوا أن هزيمته مكيدة فرجعوا من قرب دمشق بعد ما عادوا في البلاد قتلًا وأسرا وعادوا إلى بلادهم وقصدوا دمياط في البحر فنازلوها‏.‏ وكان قد عرض له قبل ذلك ضعف وصار يعتريه ورم الأنثيين‏.‏ فلما هزته الحيل على خلاف العادة ودخله الرعب لم يبق إلا مدة يسيرة ومات بظاهر دمشق‏.‏ وكان مع حرصه يهين المال عند الشدائد غاية الإهانة ببذله‏.‏
وشرع في بناء قلعة دمشق فقسم أرضها على أمرائه وأولاده وكان الحفارون يحفرون الخندق ويقطعون الحجارة فخرج من تحته خرزة بئر فيها ماء معين‏.‏ قال‏:‏ ودعا مرة فقال‏:‏ الفهم حاسبني حسابًا يسيرًا فقال له رجل ماجن من خواصه‏:‏ يا مولانا إن الله قد يسر حسابك قال‏:‏ ويلك‏!‏ وكيف ذلك قال‏:‏ إذا حاسبك قل له‏:‏ المال كله في قلعة جعبر لم أفرط فيه في قليل ولا كثير‏.‏
وكانت خزائنه بالكرك ثم نقلها إلى قلعة جعبر وبها ولده الملك الحافظ فسول له بعض أصحابه الطمع فيها فأتاها الملك العادل ونقل ما فيها إلى قلعة دمشق فحصلت في قبضة ولده الملك المعظم عيسى فلم ينازعه فيها إخوته وقيل‏:‏ إن الذي سول للحافظ الطمع والعصيان هو المعظم ففعل ذلك الحافظ وكانت مكيدة من المعظم حتى رجع إليه المال ‏"‏‏.‏ انتهى كلام الموفق باختصار‏.‏
وقال أبو المظفر شمس الدين يوسف بن قزأوغلي في تاريخه‏:‏ ‏"‏ سألته عن مولده فقال‏:‏ فتوح الرها يعني سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ‏"‏ - وهذا نقل آخر في مولده - قال‏:‏ وقد ذكرنا أحواله في السنين إلى أن استقر له الملك وامتد من بلاد الكرج إلى همذان والجزيرة والشام ومصر والحجاز ومكة والمدينة واليمن إلى حضرموت وكان ثبتًا خليقًا بالملك حسن التدبير حليمًا صفوحًا مدبرًا للملك على وجه الرضا عادلًا مجاهدًا دينًا عفيفًا متصدقًا آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر طفر جميع ولاياته من الخمور والخواطىء والقمار والمكوس والمظالم‏.‏
وكان الحاصل من هذه الجهات بدمشق على الخصوص مائة ألف دينار فأبطل الجميع لله تعالى‏.‏
وكان واليه على دمشق المبارز والمعتمد أعانه المبارز على ذلك أقام رجالًا على عقاب قاسيون وجبل الثلج وحوالي دمشق بالجامكية والجراية يحرمون أحدًا يدخل دمشق بمنكر‏.‏
بلغني أن بعض المغاني دخلت على العادل في عرس فقال لها‏:‏ أين كنت‏.‏ فقالت‏:‏ ما قدرت أجيء حتى وفيت ما علي للضامن‏.‏
فقال‏:‏ وأي ضامن قالت ضامن القيان فقامت عليه القيامة وطلب المعتمد وعمل به ما لا يليق وقال‏:‏ والله لئن عاد بلغني مثل هذا لأفعلن ولأصنعن‏.‏
ولقد فعل العادل في غلاء مصر عقيب موت العزيز ما لم يفعله غيره كان يخرج في الليل بنفسه ويفرق الأموال في ذوي البيوتات والمساكين وكفن تلك الأيام من ماله ثلاثمائة ألف من الغرباء وكان إذا مرض أو تشوش قال أبو المظفر‏:‏ وقد ذكرنا وصول شيخ الشيوخ إليه بخبر برج دمياط وأنه انزعج وأقام مريضًا إلى يوم الجمعة سابع أو ثامن جمادى الآخرة وتوفي بعالقين‏.‏
وكان المعظم قد كسر الفرنج على القيمون يوم الخميس خامس جمادى الآخرة وقيل يوم الأربعاء‏.‏
ولما توفي العادل لم يعلم بموته غير كريم الذين الخلاطي فأرسل الطير إلى نابلس إلى المعظم فجاء يوم السبت إلى عالقين فاحتاط على الخزائن وصبر العادل وجعله في محفة وعنده خادم يروح عليه وقد رفع طرف سجافها وأظهر أنه مريض ودخلوا به دمشق يوم الأحد والناس يسلمون على الخادم وهو يومئ إلى ناحية العادل ويرد السلام ودخلوا به القلعة وكتموا موته وأمن العجائب أنهم طلبوا له كفنًا فلم يقدروا عليه فأخذوا عمامة الفقيه ابن فارس فكفنوه بها وأخرجوا قطنا من مخدة فلفوه به وصلى عليه وزيره ابن فارس ودفنوه في القلعة‏.‏
قال أبو المظفر‏:‏ وكنت قاعدًا إلى جانب المعظم عند باب الدار التي فيها الإيوان وهو واجم ولم أعلم بحاله فلما دفن أبوه قام قائمًا وشق ثيابه ولطم رأسه ووجهه وكان يومًا عظيمًا وعمل له العزاء ثلاثة أيام بالإيوان الشمالي وعمل له العزاء في الدنيا كلها ونودي ببغداد‏:‏ من أراد الصلاة على الملك العادل الغازي المجاهد في سبيل الله فليحضر إلى جامع القصر فحضر الناس ولم يتخلف سوى الخليفة وصلوا عليه صلاة الغائب وترحموا عليه وتقدموا إلى خطباء الجوامع بأسرهم ففعلوا ذلك بعد صلاة الجمعة‏.‏
وبقي العادل بالقلعة إلى سنة تسع عشرة وستمائة ثم نقل إلى تربته التي أنشأها عند دار العقيقي ومدرسته‏.‏
- قلت‏:‏ لا أعلم ما كان السبب في عدم وجود الكفن القطن للملك العادل مع همة ولده الملك المعظم عيسى وأخذه من عالقين ميتًا في محفة ولم يفطن به أحد‏.‏
وهذا أعظم وأكثر كلفة وأصعب من شراء ثوب بعلبكي وما يحتاج إليه الميت من الحنوط والقطن وغيره فلعل لها عذرًا وأنت تلوم ‏"‏ -‏.‏
قال‏:‏ وكان له عدة أولاد‏:‏ منهم شمس الدين مودود والد الملك الجواد يونس‏.‏
1 -الكامل محمد‏.‏ - 2 - الأشرف موسى‏.‏  - 3 - والمعظم عيسى‏.‏ - 4 - والأوحد أيوب‏.‏  - 5 - والفائز إبراهيم‏.‏ - 6 - وشهاب الدين غازي‏.‏ - 7 - والعزيز عثمان‏.‏  - 8 - والأمجد حسن‏.‏ - 9 - والحافظ أرسلان‏.‏ - 10 - والصالح إسماعيل‏.‏ - 11 - والمغيث عمر‏.‏ - 12 - ومجير الدين يعقوب‏.‏ - 13 - وتقي الدين عباس‏.‏ - 14 - وقطب الدين أحمد‏. - 15 - والقاهر إسحاق‏. وخليل أصغرهم‏.‏
وكان له عدة بنات أفضلهن صفية خاتون صاحبة حلب أم الملك العزيز ‏"‏‏.‏ انتهت ترجمة الملك العادل - رحمه الله تعالى -‏.‏
ولما مات العادل استقر كل واحد من أولاده في مملكته فإنه كان قسم ممالكه في أولاده حسب ما تقدم ذكر ذلك كله في صدر هذه الترجمة فالذي كان بمصر الملك الكامل محمد وبالشام المعظم عيسى وبالشرق الأشرف شاه أرمن وباقي أولاده كل واحد في مملكة أو في خدمة أخ من إخوته‏.‏

*************************************************************************************

محاولة غزو تجار الفرنجة للأسكندرية سنة 612 هـ

وذكر المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الأول  36 / 167 عن غزو تجار الفرنجة فكتب يقول : "وفي سنة اثنتي عشرة وستمائة اجتمع بالإسكندرية ثلاثة آلاف من تجار الفرنج وقدمت بطسة إلى المينا فيها من ملوك الفرنج ملكان فهموا أن يثوروا ويقتلوا أهل البلد ويملكوها فتوجه الملك العادل أبو بكر بن أيوب إليها وقبض على التجار المذكورين وعلى من بالبطسة وأستصفى أموالهم وسجنهم وسجن الملكين وجرت خطوب حتى أطلق السلطان نساءهم وعاد إلى القاهرة‏.‏

********************************************************************************

 

السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر سنة 597 هـ

 السنة الأولى من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة سبع وتسعين وخمسمائة‏.‏
فيها كان هبوط النيل ولم يعهد ذلك في الإسلام إلا مرة واحدة في دولة الفاطميين ولم يبق منه إلا شيء يسير واشتد الغلاء والوباء بمصر فهرب الناس إلى المغرب والحجاز واليمن والشام وتفرقوا وتمزقوا كل ممزق‏.‏
قال أبو المظفر‏:‏ ‏"‏ كان الرجل يذبح ولده الصغير وتساعده أمه على طبخه وشيه وأحرق السلطان جماعة فعلوا ذلك ولم ينتهوا‏.‏
وكان الرجل يدعو صديقه وأحب الناس إليه إلى منزله ليضيفه فيذبحه ويأكله وفعلوا بالأطباء كذلك فكانوا يدعونهم ليبصروا المرضى فيقتلونهم ويأكلونهم وفقدت الميتات والجيف من كثرة ما أكلوها وكانوا يختطفون الصبيان من الشوارع فيأكلونهم‏.‏
وكفن السلطان في مدة يسيرة مائتي ألف وعشرين ألفًا وامتلأت طرقات المغرب والمشرق والحجاز والشام برمم الناس وصلى إمام جامع الإسكندرية في يوم على سبعمائة جنازة‏.‏
وقال العماد الكاتب الأصبهاني‏:‏ ‏"‏ في سنة سبع وتسعين وخمسمائة‏:‏ اشتد الغلاء وامتد البلاء وتحققت المجاعة وتفرقت الجماعة وهلك القوي فكيف الضعيف‏!‏ ونحف السمين فكيف العجيف‏!‏ وخرج الناس حذر الموت من الديار وتفرق فريق مصر في الأمصار ولقد رأيت الأرامل على الرمال والجمال باركة تحت الأحمال ومراكب الفرنج واقفة بساحل البحر على اللقم تسترق الجياع باللقم ‏"‏‏.‏ انتهى‏.‏
قال‏:‏ وجاءت في شعبان زلزلة هائلة من الصعيد هدمت بنيان مصر فمات تحت الهدم خلق كثير ثم امتدت إلى الشام والساحل فهدمت مدينة نابلس فلم تبق فيها جدارًا قائمًا إلا حارة السمرة ومات تحت الهدم ثلاثون ألفًا وهدمت عكا وصور وجميع قلاع الساحل وامتدت إلى دمشق فرمت بعض المنارة الشرقية بجامع دمشق وأكثر الكلاسة والبيمارستان النوري وعامة دور دمشق إلا القليل فهرب الناس إلى الميادين وسقط من الجامع ست عشرة شرفة وتشققت قبة النسر ‏"‏ انتهى كلام صاحب المرآة باختصار فإنه أمعن وذكر أشياء مهولة من هذا النموذج‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان سواء‏.‏ مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الثانية من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة‏:‏

فيها برز العادل المذكور من ديار مصر طالبًا حلب وكان الملك الأفضل بحمص عند شيركوه فجاء إلى العادل فأكرمه العادل وعوضه عن ميافارقين سميساط وسروج ثم سار العادل ونزل على حماة وصالحه الملك الظاهر صاحب حلب وعاد الملك العادل إلى حمص‏.‏ 
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراع واحد وأربع عشرة إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الثالثة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة تسع وتسعين وخمسمائة‏:‏

فيها في ليلة السبت سلخ المحرم ماجت النجوم في السماء شرقًا وغربًا وتطايرت كالجراد المنتشر يمينًا وشمالًا ولم يُرَ هذا إلا عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وفي سنة إحدى وأربعين ومائتين وكانت هذه السنة أعظم‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وست وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا‏.‏
السنة الرابعة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ستمائة‏:‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وست أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإحدى وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الخامسة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة إحدى وستمائة‏:‏

فيها جاءت الفرنج حماة بغتة وأخذوا النساء الغسالات من باب البلد على العاصي وخرج إليهم الملك المنصور بن تقي الدين وقاتلهم وثبت وأبلى بلاء حسنًا وكسر الفرنج عسكره فوقف على الساقة ولولا وقوفه ما أبقوا من المسلمين أحدًا‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وست أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثماني أصابع‏.‏
السنة السادسة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة اثنتين وستمائة‏:‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏
السنة السابعة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ثلاث وستمائة‏:‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏
السنة الثامنة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة أربع وستمائة‏.‏
وفيها اتفق الفرنج من طرابلس وحصن الأكراد على الإغارة على أعمال حمص فتوجهوا إليها وحاصروها فعجز صاحب حمص أسد الدين شيركوه عنهم ونجده ابن عمه الملك الظاهر غازي صاحب حلب فعاد الفرنج إلى طرابلس‏.‏
وبلغ السلطان الملك العادل صاحب الترجمة فخرج إليهم من مصر بالجيوش وقصد وعكا فصالحه صاحبها فسار حتى نزل على بحيرة حمص وأغار على بلاد طرابلس وأخذ من أعمالها حصنًا صغيرًا‏.‏
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا‏

السنة العاشرة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ست وستمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الحادى عشرة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة سبع وستمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم لم يوجد له قاع في هذه السنة‏.‏ مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وأربع أصابع بعد

السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ثمان وستمائة‏.‏

فيها قدم بغداد رسول جلال الدين حسن صاحب الموت يخبر الخليفة بأنهم تبرؤوا من الباطنية وبنوا الجوامع والمساجد وأقيمت الجمعة والجماعات عندهم وصلوا التراويح في شهر رمضان فسر الخليفة والناس بذلك‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة تسع وستمائة‏.‏
فيها اجتمع الملك العادل المذكور وأولاده‏:‏ الكامل والفائز والمعظم على دمياط لقتال الفرنج وكان الأمير أسامة بالقاهرة فاتهم بمكاتبة الملك الظاهر غازي صاحب حلب ووجدوا كتبًا إليه وأجوبة فخرج أسامة المذكور من القاهرة كأنه يتصيد وساق إلى الشام في مماليكه يطلب قلعة كوكب وعجلون‏.‏ وكان ذلك في يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة‏.‏
فأرسل والي بلبيس الحمام إلى دمياط بالخبر فقال العادل‏:‏ من ساق خلفه فله أمواله وقلاعه فقال ولده الملك المعظم عيسى‏:‏ أنا وركب من دمياط يوم الثلاثاء غرة رجب‏.‏
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي‏:‏ وكنت معه فقال لي‏:‏ أنا أريد أن أسوق فابق أنت مع قماشي ودفع لي بغلة وساق ومعه نفر يسير وعلى يده حصان فكان صباح يوم الجمعة بغزة ساق مسيرة ثمانية أيام في ثلاثة أيام فسبق أسامة‏.‏
وأما أسامة فتقطع عنه مماليكه وبقي وحده وكان به مرض النقرس يعني بأسامة فجاء إلى بلد الداروم وكان المعظم أمسك عليه من البحر إلى الزرقاء فرآه بعض الصيادين في برية الداروم فعرفه فقال له‏:‏ انزل فقال‏:‏ هذه ألف دينار وأوصلني إلى الشام فأخذها الصياد وجاء إلى رفاقه فأخذوه على طريق الخليل ليحملوه إلى عجلون فدخلوا به إلى القدس في يوم الأحد في سادس رجب بعد وصول المعظم بثلاثة أيام فتسلمه المعظم وأنزله بصهيون وبعث إليه بثياب وطعام ولاطفه وقال له‏:‏ أنت شيخ كبير وبك نقرس وما تصلح لك قلعة سلم إلي كوكب وعجلون وأنا أحلف لك على مالك وجميع أسبابك وتعيش بيننا مثل الوالد‏.‏
فامتنع وشتم المعظم فبعث به المعظم إلى الكرك فاعتقله بها واستولى على قلاعه وأمواله وذخائره فكان قيمة ما أخذ منه ألف ألف دينار‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإحدى عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الرابعة عشرة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر

الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وإصبع واحدة‏.‏

السنة الخامسة عشرة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة إحدى عشرة وستمائة‏:‏

قلت‏:‏ وفي مدة هذه السنين كلها كان صاحب مصر ولده الكامل محمد بن العادل والملك العادل يتنقل في البلاد غير أنه هو الأصل في السلطنة وعليه المعول ولا تحسب سلطنة الكامل على مصر إلا بعد موت أبيه العادل هذا‏.‏ كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏
فيها ملك اليمن أضسيس بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر صاحب الترجمة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا‏.‏
السنة السادسة عشرة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة اثنتي عشرة وستمائة‏:‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع سواء‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا‏.‏
السنة السابعة عشرة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة ثلاث عشرة وستمائة‏.‏
ومن شعره القصية التي أولها‏:‏ يا شائم البرق من نجدي كاظمةٍ يبدو مرارًا وتخفيه الدياجير وفيها توفي السلطان الملك الظاهر أبو منصور غازي صاحب حلب ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيوب‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وأربع أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏
 السنة الثامنة عشرة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة أربع عشرة وستمائة‏.‏

فيها قدم الملك خوارزم شاه واسمه محمد ابن تكش إلى همذان بقصد بغداد في أربعمائة ألف مقاتل وقيل في ستمائة ألف فاستعد له الخليفة الناصر لدين الله وفرق المال والسلاح وأرسل إليه الشيخ شهاب الدين السهروردي في رسالة فأهانه واستدعاه وأوقفه إلى جانب تخته ولم يأذن له بالقعود‏.‏
قال أبو المظفر‏:‏ - ‏"‏ حكى الشهاب قال - استدعاني فأتيت إلى خيمة عظيمة لها دهليز لم أر في الدنيا مثله والدهليز والشقة أطلس والأطناب حرير وفي الدهليز ملوك العجم على اختلاف طبقاتهم‏:‏ صاحب همذان وأصبهان والري وغيرهم فدخلنا إلى خيمة أخرى إبريسم وفي دهليزها ملوك خراسان‏:‏ مرو ونيسابور وبلخ وغيرهم ثم دخلنا خيمة أخرى وملوك ما وراء النهر في دهليزها كذلك ثلاث خيام‏.‏
ثم دخلنا عليه وهو في خركاة عظيمة من ذهب وعليها سجاف مرصع بالجواهر‏.‏
وهو صبي له شعرات قاعد على تخت ساذج وعليه قباء بخاري يساوي خمسة دراهم وعلى رأسه قطعة من جلد تساوي درهمًا فسلمت عليه فلم يرد ولا أمرني بالجلوس فشرعت فخطبت خطبة بليغة ذكرت فيها فضل بني العباس ووصفت الخليفة بالزهد والورع والتقى والدين والترجمان يعيد عليه قولي‏.‏ فلما فرغت قال للترجمان‏:‏ قل له‏:‏ هذا الذي وصفته ما هو في بغداد‏.‏
قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ أنا أجيء وأقيم خليفة يكون بهذه الأوصاف‏.‏ ثم ردنا بغير جواب‏.‏
فنزل الثلج عليهم فهلكت دوابهم وركب خوارزم شاه يومًا فعثر به فرسه فتطير ووقع الفساد في عسكره وقفت الميرة‏.‏
وكان معه سبعون ألفًا من الخطا فرده الله ونكب تلك النكبة العظيمة ‏"‏‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعًا مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏
السنة التاسعة عشرة من سلطنة الملك العادل أبي بكر بن أيوب على مصر وهي سنة خمس عشرة وستمائة‏.‏

وهي التي مات فيها العادل في جمادى الآخرة حسب ما تقدم ذكره‏.‏
وفيها نزلت الفرنج على دمياط في شهر ربيع الأول وكان العادل بمرج الصفر فبعث بالعساكر التي كانت معه إلى مصر إلى ولده الكامل وأقام المعظم بالساحل بعسكر الشام في مقابلة الفرنج ليشغلهم عن دمياط‏.‏
وفيها استدعى الملك العادل صاحب الترجمة ابنه الملك المعظم المقدم ذكره وقال له‏:‏ قد بنيت هذا الطور وهو يكون سببًا لخراب الشام وقد سلم الله من كان فيه من أبطال المسلمين وسلاح الدنيا والذخائر وأرى من المصلحة خرابه ليتوفر من فيه من المسلمين والعمد على حفظ دمياط وأنا أعوضك عنه فتوقف المعظم وبقي أيامًا لا يدخل إلى أبيه العادل فبعث إليه العادل ثانيًا وأرضاه بالمال ووعده في مصر ببلاد فأجاب المعظم وبعث ونقل ما كان فيه‏.‏
وفيها في يوم الجمعة ثاني عشر شهر ربيع الآخر كسر الملك الأشرف موسى صاحب خلاط وديار بكر وحلب ابن الملك العادل هذا ملك الروم كيكاوس‏.‏
وفيها أيضا بعث الأشرف المذكور بالأمير سيف الدين بن كهدان والمبارز ابن خطلج بجماعة من العساكر نجمة إلى أخيه الملك الكامل بدمياط كل ذلك والقتال عمال بين الملك الكامل والفرنج على ثغر دمياط‏.‏
وفيها في آخر جمادى الأولى أخذ الفرنج برج السلسلة من الكامل فأرسل الكامل شيخ الشيوخ صدر الدين إلى أبيه العادل وأخبره فدق العادل بيده على صدره ومرض من قهره مرض الموت‏.‏
وفيها في جمادى الآخرة التقى الملك المعظم الفرنج بساحل الشام وقاتلهم فنصره الله عليهم وقتل منهم مقتلة وأسر من الداوية مائة فارس وأدخلهم القدس منكسي الأعلام‏.‏
وفيها وصل رسول خوارزم شاه إلى الملك العادل هذا وهو بمرج الصفر فبعث بالجواب الخطيب الدولعي ونجم الدين خليل ابن علي الحنفي قاضي العسكر فوصلا همذان فوجدا الخوارزمي قد اندفع بين يحيى الخطا والتتار وقد خامر عليه عسكره فسارا إلى حد بخارى فاجتمعا بولده الملك جلال الدين فأخبرهما بوفاة العادل صاحب الترجمة مرسلهما فرجعا إلى دمشق‏.‏
وفيها توفي كيكاوس الأمير عز الدين صاحب الروم كان جبارًا ظالمًا سفاكًا للدماء ولما عاد إلى بلده من كسرة الأشرف موسى اتهم أقوامًا من أمراء دولته أنهم قصروا في قتال الحلبيين وسلق منهم جماعة في القدور وجعل آخرين في بيت وأحرقه فأخذه الله بغتة‏.‏ ومات سكران فجأة وقيل‏:‏ بل ابتلي في بدنه وتقطعت أوصاله‏.‏
وكان أخوه علاء الدين كيقباد محبوسًا في قلعة وقد أمر كيكاوس بقتله فبادروا وأخرجوه وأقاموه في الملك‏.‏
وكانت وفاة كيكاوس في وفيها توفي خوارزم شاه واسمه محمد بن تكش بن إيل أرسلان بن أتسز بن محمد بن أنوشتكين السلطان علاء الدين المعروف بخوارزم شاه‏.‏
قال ابن واصل‏:‏ نسبه ينتهي إلى إيلتكين أحد مماليك السلطان ألب أرسلان بن طغرلبك السلجوقي وكانت سلطنة خوارزم شاه المذكور في سنة ست وتسعين وخمسمائة عند موت والده السلطان علاء الدين تكش‏.‏
وقال عز الدين بن الأثير‏:‏ كان صبورًا على التعب وإدمان السير غير متنعم ولا مقبل على اللذات إنما همته في الملك وتدبيره وحفظه وحفظ رعيته وكان فاضلًا عالمًا بالفقه وغيرهما وكان مكرمًا محبًا لهم محسنًا إليهم يحب مناظرتهم بين يديه ويعظم أهل الدين ويتبرك بهم‏.‏
- قلت‏:‏ وهذا بخلاف ما ذكره أبو المظفر مما حكاه عن الشيخ شهاب الدين السهروردي لما توجه إلى خوارزم شاه هذا رسولًا من قبل الخليفة الناصر لدين الله فإنه ذكر عنه أشياء من التكبر والتعاظم عليه وعدم الالتفات له وإنه صار لا يفهم كلام السهروردي إلا بالترجمان ولعله كان فعل ذلك لإظهار العظمة وهو نوع من تجاهل العارف -‏.‏
قال‏:‏ وكان أعظم ملوك الدنيا واتسعت ممالكه شرقًا وغربًا وهابته الملوك حتى لم يبق إلا من دخل تحث طاعته وصار من عسكره‏.‏
ومحق أبوه التتار بالسيف وملك منهم البلاد‏.‏
ووقع له أمور طويلة حتى إنه نزل همذان وكان في عسكره سبعون ألفًا من الخطا فكاتب القمي عساكره ووعدهم بالبلاد فاتفقوا مع الخطا على قتله‏.‏
وكان خاله من الخطا وحلفوه إلا يطلعه على ما دبروا عليه فجاء إليه في الليل وكتب في يده صورة الحال فقام وخرج من وقته ومعه ولداه‏:‏ جلال الدين وآخر ولما خرج من الخيمة دخل الخطا والعساكر من بابها ظنًا منهم أنه فيها فلم يجدوه فنهبوا الخزائن يقال‏:‏ إنه كان في خزائنه عشرة آلاف ألف دينار وألف حمل قماش أطلس وعشرون ألف فرس وبغل وكان له عشرة آلاف مملوك فتمزق الجميع وهرب ولداه إلى الهند وهرب خوارزم شاه إلى الجزيرة وفيها قلعة ليتحصن بها فمات دون طلوع القلعة المذكورة في هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة سبع عشرة وستمائة‏.‏
وفيها توفي الملك القاهر عز الدين مسعود ابن أرسلان بن مسعود بن مودود ابن زنكي أبو الفتح صاحب الموصل وترك ولدًا صغيرًا اسمه محمود فأخرج الأمير بدر الدين لؤلؤ زنكي أخا القاهر من الموصل واستولى عليها ودبر مملكة محمود المذكور‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وست أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وست أصابع‏.‏
*******************************************************************************
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 931من 761 ) : " السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن أيوب‏:‏ فخطب له بديار مصر وبلاد الشام وحران والرها وميافارقين وأخرج المنصور وإخوته من القاهرة إلى الرها واستناب ابنه الملك الكامل محمدًا عنه وعهد إليه بعده بالسلطنة وحلف له الأمراء فسكن قلعة الجبل واستمر أبوه في دار الوزارة وفي أيامه توقفت زيادة النيل ولم يبلغ سوى ثلاثة عشر ذراعًا تنقص ثلاث أصابع وشرقت أراضي مصر إلى الأقل وغلت اوسعار وتعذر وجود الأقوات حتى أكلت الجيف وحتى أكل الناس بعضهم بعضًا وتبع ذلك فناء كبير وامتدّ ذلك ثلاث سنين فبلغت عدة من كفنه العادل وحده من الأموات في مدة يسيرة نحو مائتي ألف وعشرين ألف إنسان فكان بلاء شنيعًا وعقب ذلك تحرك الفرنج على بلاد المسلمين في سنة تسع وتسعين فكانت معهم عدة حروب على بلاد الشام آلت إلى أن عقد العادل معهم الهدنة فعاودوا الحرب في سنة ستمائة وعزموا على أخذ القدس وكثر عيثهم وفسادهم وكانت لهم وللمسلمين شؤون آلف إلى نزولهم على مدينة دمياط في رابع ربيع الأول سنة خمس عشرة وستمائة والعادل يومئذ بالشام فخرج الملك الكامل لمحاربتهم فمات العادل بمرج الصفر في يوم الخميس سابع جمادى الآخرة منها وحمل إلى دمشق فكانت مدة سلطنته بديار مصر تسع عشرة سنة وشهرًا واحدًا وتسعة عشر يومًا وقام من بعده ابنه‏.‏

لسلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر محمد بن أيوب‏:‏ فخطب له بديار مصر وبلاد الشام وحران والرها وميافارقين وأخرج المنصور وإخوته من القاهرة إلى الرها واستناب ابنه الملك الكامل محمدًا عنه وعهد إليه بعده بالسلطنة وحلف له الأمراء فسكن قلعة الجبل واستمر أبوه في دار الوزارة وفي أيامه توقفت زيادة النيل ولم يبلغ سوى ثلاثة عشر ذراعًا تنقص ثلاث أصابع وشرقت أراضي مصر إلى الأقل وغلت اوسعار وتعذر وجود الأقوات حتى أكلت الجيف وحتى أكل الناس بعضهم بعضًا وتبع ذلك فناء كبير وامتدّ ذلك ثلاث سنين فبلغت عدة من كفنه العادل وحده من الأموات في مدة يسيرة نحو مائتي ألف وعشرين ألف إنسان فكان بلاء شنيعًا وعقب ذلك تحرك الفرنج على بلاد المسلمين في سنة تسع وتسعين فكانت معهم عدة حروب على بلاد الشام آلت إلى أن عقد العادل معهم الهدنة فعاودوا الحرب في سنة ستمائة وعزموا على أخذ القدس وكثر عيثهم وفسادهم وكانت لهم وللمسلمين شؤون آلف إلى نزولهم على مدينة دمياط في رابع ربيع الأول سنة خمس عشرة وستمائة والعادل يومئذ بالشام فخرج الملك الكامل لمحاربتهم فمات العادل بمرج الصفر في يوم الخميس سابع جمادى الآخرة منها وحمل إلى دمشق فكانت مدة سلطنته بديار مصر تسع عشرة سنة وشهرًا واحدًا وتسعة عشر يومًا وقام من بعده ابنه‏.‏

********************************************************************************

وزراء اثناء الإحتلال الأيوبى لمصر

قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 153من 167 ) : " عبد الله بن علي بن الحسين بن عبد الخالق بن الحسين بن الحسن بن منصوربن إبراهيم بن عمار بن منصور بن عليّ صفيّ الدين أبو محمد الشنيبيّ الدميريّ المالكيّ المعروف بابن شكر ولد بناحية دميرة إحدى قرى مصر البحرية في تاسع صفر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ومات أبوه فتزوجت أمه بالقاضي الوزير الأعز فخر الدين مقدام ابن القاضي الأجل أبي العباس أحمد بن شكر المالكيّ فرباه ونوّه باسمه لأنه كان ابن عمه فعرف به وقيل له ابن شكر وسمع صفيّ الدين من الفقيه أبي الظاهر إسماعيل بن مكيّ بن عوف وأبي الطيب عبد المنعم بن يحيى وغيره وحدّث بالقاهرة ودمشق وتفقه على مذهب مالك وبرع فيه وصنف كتابًا في الفقه كان كلّ من حفظه نال منه خطأ وافرًا وقصد بذلك أن يتشبه بالوزير عون الدين بن هبيرة كانت بداية أمره أنه لما سلم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أمر الأسطول لأخيه الملك العادل أبي بكر بن أيوب وأفرد له من الأبواب الديوانية الزكاة بمصر والجبس الجيوشي بالبرّين والنطرون والخراج وما معه من ثمن القرظ وساحل السنط والمراكب الديوانية واسنا وطنبدى استخدم العادل في مباشرة ديوان هذه المعاملة الصفي بن شكر هذا وكان ذلك في سنة سبع وثمانين وخمسمائة ومن حينئذِ اشتهر ذكره وتخصص بالملك العادل فلما استقل بمملكة مصر في سنة ست وتسعين وخمسمائة عظم قدره ثم استوزره بعد الصنيعة بن النجار فحل عنده محل الوزراء الكبار والعلماء المشاورين وباشر الوزارة بسطوة وجبروت وتعاظم وصادر كتاب الدولة واستصفى أموالهم ففرّ منه القاضي الأشرف ابن القاضي الفاضل إلى بغداد واستشفع بالخليفة الناصر وأحضر كتابه إلى الملك العادل يشفع فيه وهرب منه القاضي علم الدين إسماعيل بن أبي الحجاج صاحب ديوان الجيش والقاضي الأسعد أسعد بن مماتي صاحب ديوان المال والتجآ إلى الملك الظاهر بحلب فأقاما عنده حتى ماتا وصادر بني حمدان وبني الحباب وبني الجليس وأكابر الكتاب والسلطان لا يعارضه في شيء ومع ذلك فكان يكثر التغضب على السلطان ويتجنى عليه وهو يحتمله إلى أن غضب في سنة سبع وستمائة وحلف أنه ما بقي يخدم فلم يحتمله وولى الوزارة عوضًا عنه القاضي الأعز فخر الدين مقدام بن شكر وأخرجه من مصر بجميع أمواله وحرمه وغلمانه وكان نقله على ثلاثين جملًا وأخذ أعداؤه في إغراء السلطان به وحسنوا له أن يأخذ ماله فأبى عليهم ولم يأخذ منه شيئًا وسار إلى آمد فأقام بها عند ابن أرتق إلى أن مات الملك العادل في سنة خمسين وستمائة فطلبه الملك الكامل محمد بن الملك العادل لما استبدّ بسلطنة ديار مصر بعد أبيه وهو في نوبة قتال الفرنج على دمياط حين رأى أن الضرورة داعية لحضوره بعدما كان يعاديه فقدم عليه في ذي القعدة منها وهو بالمنزلة العادلية قريبًا من دمياط فتلقاه وأكرمه وحادثه فيما نزل به من موت أبيه ومحاربة الفرنج ومخالفة الأمير عماد الدين أحمد بن المشطوب واضطراب أرض مصر بثورة العربان وكثرة خلافهم فشجعه وتكفل له بتحصيل المال وتدبير الأمور وسار إلى القاهرة فوضع يده في مصادرات أرباب الأموال بمصر والقاهرة من الكتاب والتجار وقرّر على الأملاك مالًا وأحدث حوادث كثيرة وجمع مالًا عظيمًا أمدّ به السلطان فكثر تمكنه منه وقويت يده وتوفرت مهابته بحيث أنه لما انقضت نوبة دمياط وعاد الملك الكامل إلى قلعة الجبل كان ينزل إليه ويجلس عنده بمنظرته التي كانت على الخليج ويتحدث معه في مهمات الدولة ولم يزل على ذلك إلى أن مات بالقاهرة وهووزيرفي يوم الجمعة ثامن شعبان سنة اثنتين وعشرين وستمائة وكان بعيد الغور جماعًا للمال ضابطًا له من الإنفاق في غير واجب قد ملأت هيبته الصدور وانقاد له على الرغم والرضي الجمهور وأخمد جمرات الرجال وأضرم رمادًالم يخطر إيقاده على بال وبلغ عند الملك الكامل بحيث أنه بعث إليه بابنيه الملك الصالح نجم الدين أيوب والملك العادل أبي بكر ليزوراه في يوم عيد فقاما على رأسه قيامًا وأنشد زكيّ الدين أبوالقاسم عبد الرحمن بن وهيب القوصيّ قصيدة لولم تُقم للهِ حق قيامِه ماكُنتَ تقعُدُ والملوكُ قيام‏.‏

وقطع في وزارته الأرزاق وكانت جملتها أربعمائة ألف دينار في السنة وتسارع أرباب الحوائج والأطماع ومن كان يخافه إلى بابه وملؤا طرقاته وهو يهينهم ولا يحفل بشيخ منهم وهو عالم وأوقع بالرؤساء وأرباب البيوت حتى استأصل شأفتهم عن اَخرهم وقدّم الأراذل في مناصبهم وكان جلدًا قويًا حل به مرة دوسطاريا قوية وأزمنت فيئس منه الأطباء وعندما اشتدّ به الوجع وأشرف على الهلاك استدعى بعشرة من وجوه الكتاب كانوا في حبسه وقال‏:‏ أنتم في راحة وأنا في الألم كلاّ واللّه واستحضر المعاصير وآلات العذاب وعذبهم فصاروا يصرخون من العذاب وهو يصرخ من الألم طول الليل إلى الصبح وبعد ثلاثة أيام ركب وكان يقول كثيرًا‏:‏ لم يبق في قلبي حسرة إلاّ كون البيسانيّ لم تتمرّغ شيبته على عتباتي يعني القاضي الفاضل عبد الرحيم البيسانيّ فإنه مات قبل وزارته وكان دري اللون تعلوه حمرة ومع ذلك فكان طلق المحيا حلو اللسان حسن الهيئة صاحب دهاء مع هوج وخبث في طيش ورعونة مفرطة وحقد لا تخبو ناره ينتقم ويظنّ أنه لم ينتقم فيعود وكان لا ينام عن عدوّه ولا يقبل معذرة أحد ويتخذ الرؤساء كلهم أعداءه ولا يرضى لعدوه بدون الهلاك والاستئصال ولا يرحم أحدًا إذا انتقم منه ولا يبالي بعاقبة وكان له ولأهله كلمة يرونها ويعملون بها‏.‏

كما يُعمل بالأقوال الإلهية وهي إذا كنت دقماقًا فلا تكن وتدًا وكان الواحد منهم يعيدها في اليوم مرّات ويجعلها حجة عند انتقامه وكان قد استولى على الملك العادل ظاهرًا وباطنًا ولايمكن أحدًا الوصول إليه حتّى الطبيب والحاجب والفراش عليهم عيون له لا يتكلم أحد منهم فضل كلمة خوفًا منه وكان أكبر أغراضه إبادة أرباب البيوت ومحو اَثارهم وهدم ديارهم وتقريب الأسقاط وشرار الفقهاء وكان لا يأخذ من مال السلطان فلسًا ولا ألف دينار ويظهرأمانة مفرطة فإذا لاح له مال عظيم احتجنه وبلغ إقطاعه في السنة مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار وكان قد عمي فأخذ يظهر جلدًا عظيمًا وعدم استكانة وإذا حضر إليه الأمراء والأكابر وجلسوا على خوانه يقول‏:‏ قدّموا اللون الفلاني للأمير فلان والصدر فلان والقاضي فلان وهو يبني أموره في معرفة مكان المشار إليه برموز ومقدّمات يكابر فيها دوائر الزمان وكان يتشبه في ترسله بالقاضي الفاضل وفي محاضراته بالوزير عون الدين بن هبيرة حتى اشتهر عنه ذلك ولم يكن فيه أهلية هذا لكنه كان من دهاة الرجال وكان إذا لحظ شخصًا لا يقنع له إلا بكثرة الغنى ونهاية الرفعة وإذا غضب على أحد لا يقنع في شأنه إلا لمحو أثره من الوجود وكان كثيرًا ما ينشد‏:‏ إذا حقرتَ امرًِا فاحذَز عداوَتَهُ مَنْ يزرعِ الشوكَ لم يحصِدْ به عنبا‏.‏

تَود عدوّي ثم تزعُمُ أنني صديقُكَ إن الرأيَ عنكَ لعازِبُ‏.‏

وأخذه مرّة مرض من حمى قوية وحدث به النافض وهو في مجلس السلطان ينفذ الأشغال فما تأثر ولا ألقى جنبه إلىالأرض حتى ذهبت وهو كذلك وكان يتعزز علىالملوك الجبابرة وتقف الرؤساء على بابه من نصف الليل ومعهم المشاعل والشمع وعندالصباح يركب فلا يراهم ولا يرونه لأنه إمّا أن يرفع رأسه إلى السماء تيهًا وإمّا أن يعرّج إلى طريق غير التي هم بها وإما أن يأمر الجنادرة التي في ركابه بضرب الناس وطردهم من طريقه‏.‏

ويكون الرجل قدوقف على بابه طول الليل إمّا من أوّله أو من نصفه بغلمانه ودوابه فيُطرَدُ عنه ولا يراه وكان له بواب يأخذ من الناس مالًا كثيرًا ومع ذلك يهينهم إهانة مفرطة وعليه للصاحب في كل يوم خمسة دنانير منها ديناران برسم الفقاع وثلاثة دنانير برسم الحلوى وكسوة غلمانه ونفقاته عليه أيضًا ومع ذلك افتنى عقارًا وقرى ولما كان بعد موت الصاحب قدم من بغداد رسول الخليفة الظاهر وهو محيي الدين أبو المظفر بن الجوزيّ ومعه خلعة الخليفة للملك الكامل وخلع لأولاده وخلعة للصاحب صفيّ الدين فلبسها فخر الدين سليمان كاتب الإنشاء وقبض الملك الكامل على أولاده تاج الدين يوسف وعز الدين محمد وحبسهما وأوقع الحوطة على سائر موجوده رحمه اللّه وعفا عنه‏.‏

***********

شهيد الغطاس على باب زويلة
وفى عهد الملك العادل الذى لم يكن اسما على مسمى وفى اوائل القرن الثالث عشر الميلادى ومع بدايات العام الجديد امر الملك ان يعرض عليه المساجين لنظر فى احوالهم فيتسلى قليلا وقد يرأف ببعضهم ..
وكان فى السجن رجل قبطى مسكين يعمل خياطا يدعى اسد .. هذا الرجل كان له عام كامل فى السجن .. لانه كان قد تخاصم مع زوجته التى افترت عليه بالباطل انه انكر المسيح وغير دينه .. وعندما سألوه قال : انه مسيحى فاعتقلوه وصار نسيا منسيا ..حتى ذاك اليوم الذى مثل فيه امام الملك العادل الذى رغبه ووعده بالمال والكسوة ان هو ترك مسيحه فامتنع وقال : ما أنا الا نصرانى وعلى نصرانيتى اموت
فقال له الملك ويلك انكر الان واينما اردت فاذهب اتضل نفسك ولم يجد الملك اذانا صاغية من الخياط القبطى
اجابه : لا لن اترك مسيحى ابدا
ومازال الملك يرغبه ويرهبه حتى كان يوم الغطاس المجيد فامر الملك بقطع رقبته
واحضره القاضى الى باب زويلة .. واحضر شهود الزور وعرض عليه للمرة الاخيرة ان ينكر المسيح فامتنع اسد وقال انجزونى ..اى اسرعوا فتقدم واحد من المماليك ونخسه بالسيف لعله يرتعب ثم ادخل السيف الى نحو 20 سم فى جسمه ولكن اسد وقد اشتهى الشهادة قال
اكمل
فقال له المملوك مد عنقك ..فمد عنقه بشجاعة فضربه المملوك ضربة اطارت رأسه ثم علقوا بدنه على باب زويلة ويقول كاتب السيرة ان الناس مجدوا الله على صبر هذا الرجل وحسن ايمانه .

 

This site was last updated 01/19/14