Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة تسع وخمسمائة سنة عشر وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة487 وسنة488
سنة489 وسنة490
سنة491 وسنة 492
سنة493
سنة494
سنة485
سنة496 وسنة497 وسنة498
سنة499
سنة500 وسنة501
سنة502
سنة503 وسنة504
سنة505 وسنة506
سنة507 وسنة508
سنة509 وسنة510
سنة511 وسنة512

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة تسع وخمسمائة
ذكر انهزام عسكر السلطان من الفرنج

قد ذكرنا ما كان من عصيان إيلغازي وطغتكين على السلطان، وقوة الفرنج، فلما اتصل ذلك بالسلطان محمد جهز عسكراً كثيراً، وجعل مقدمهم الأمير برسق بن برسق، صاحب همذان، ومعه الأمير جيوش بك والأمير كنتغدي، وعساكر الموصل والجزيرة، وأمرهم بالبداية بقتال إيلغازي وطغتكين، فإذا فرغوا منهما قصدوا بلاد الفرنج، وقاتلوهم، وحصروا بلادهم.
فساروا في رمضان من سنة ثمان وخمسمائة، وكان عسكراً كثير العدة، وعبروا الفرات، آخر السنة، عند الرقة، فلما قاربوا حلب راسلوا المتولي لأمرها لؤلؤاً الخادم، ومقدم عسكرها المعروف بشمس الخواص، يأمرونهما بتسليم حلب، وعرضوا عليهما كتب السلطان بذلك، فغالطا في الجواب، وأرسلا إلى إيلغازي وطغتكين يستنجدانهما، فسارا إليهم في ألفي فارس، ودخلا حلب، فامتنع من بها حينئذ عن عسكر السلطان، وأظهروا العصيان، فسار الأمير برسق بن برسق إلى مدينة حماة، وهي في طاعة طغتكين، وبها ثقله، فحصرها، وفتحها عنوة، ونهبها ثلاثة أيام، وسلمها إلى الأمير قرجان، صاحب حمص.
وكان السلطان قد أمر أن يسلم إليه كل بلد يفتحونه، فلما رأى الأمراء ذلك فشلوا وضعفت نياتهم في القتال، بحيث تؤخذ البلاد وتسلم إلى قرجان، فلما سلموا حماة إلى قرجان سلم إليهم إياز بن إيلغازي، وكان قد سار إيلغازي، وطغتكين، وشمس الخواص، إلى أنطاكية واستجاروا بصاحبها روجيل، وسألوه أن يساعدهم على حفظ مدينة حماة، ولم يكن بلغهم فتحها.
ووصل إليهم بأنطاكية بغدوين، صاحب القدس، وصاحب طرابلس، وغيرهما من شياطين الفرنج، واتفق رأيهم على ترك اللقاء لكثرة المسلمين، وقالوا إنهم عند هجوم الشتاء يتفرقون، واجتمعوا بقلعة أفامية، وأقاموا نحو شهرين، فلما انتصف أيلول، ورأوا عزم المسلمين على المقام، تفرقوا، فعاد إيلغازي إلى ماردين، وطغتكين إلى دمشق، والفرنج إلى بلادها.
وكانت أفامية وكفرطاب للفرنج، فقصد المسلمون كفرطاب وحصروها، فلما اشتد الحصر على الفرنج، ورأوا الهلاك، قتلوا أولادهم ونساءهم وأحرقوا أموالهم، ودخل المسلمون البلد عنوة وقهراً، وأسروا صاحبه، وقتلوا من بقي فيه من الفرنج، وساروا إلى قلعة أفامية، فرأوها حصينة، فعادوا عنها إلى المعرة، وهي للفرنج أيضاً، وفارقهم الأمير جيوش بكل إلى وادي بزاعة فملكه.
وسارت العساكر عن المعرة إلى حلب، وتقدمهم ثقلهم ودوابهم، على جاري العادة، والعساكر في أثره متلاحقة، وهم آمنون لا يظنون أحداً يقدم على القرب منهم.
وكان روجيل، صاحب أنطاكية، لما بلغه حصر كفرطاب، سار في خمسمائة فارس وألفي راجل للمنع، فوصل إلى المكان الذي ضربت فيه خيام المسلمين، على غير علم بها، فرآها خالية من الرجال المقاتلة، لأنهم لم يصلوا إليها، فنهب جميع ما هناك، وقتل كثيراً من السوقية، وغلمان العسكر، ووصلت العساكر متفرقة، فكان الفرنج يقتلون كل من وصل إليهم.
ووصل الأمير برسق في نحو مائة فارس، فرأى الحال، فصعد تلاً هناك، ومعه أخوه زنكي، وأحاط بهم من السوقية والغلمان، واحتموا بهم، ومنعوا الأمير برسق من النزول، فأشار عليه أخوه ومن معه بالنزول والنجاة بنفسه، فقال: لا أفعل، بل أقتل في سبيل الله، وأكون فداء المسلمين، فغلبوه على رأيه، فنجا هو ومن معه، فتبعهم الفرنج نحو فرسخ، ثم عادوا وتمموا الغنيمة والقتل، وأحرقوا كثيراً من الناس. وتفرق العسكر، وأخذ كل واحد جهة.
ولما سمع الموكلون بالأسرى المأخوذين من كفرطاب ذلك قتلوهم، وكذلك فعل الموكل بإياز بن إيلغازي قتله أيضاً، وخاف أهل حلب وغيرها من بلاد المسلمين التي بالشام، فإنهم كانوا يرجون النصر من جهة هذا العسكر، فأتاهم ما لم يكن في الحساب، وعادت العساكر عنهم إلى بلادها.(4/436)
وأما برسق وأخوه زنكي فإنهما توفيا في سنة عشر وخمسمائة، وكان برسق خيراً، ديناً، وقد ندم على الهزيمة، وهو يتجهز للعود إلى الغزاة، فأتاه أجله.
ذكر ملك الفرنج رفنية وأخذها منهم
في هذه السنة، في جمادى الآخرة، ملك الفرنج رفنية من أرض الشام، وهي لطغتكين، صاحب دمشق، وقووها بالرجال والذخائر، وبالغوا في تحصينها، فاهتم طغتكين لذلك، وقوي عزمه على قصد بلاد الفرنج بالنهب لها والتخريب، فأتاه الخبر عن رفنية بخلوها من عسكر يمنع عنها، وليس هناك إلا الفرنج الذين رتبوا لحفظها، فسار إليها جريدة، فلم يشعر من بها إلا وقد هجم عليهم البلد فدخله عنوة وقهراً، وأخذ كل من فيه من الفرنج أسيراً، فقتل البعض، وترك البعض، وغنم المسلمون من سوادهم، وكراعهم، وذخائرهم ما امتلأت منه أيديهم، وعادوا إلى بلادهم سالمين.
ذكر وفاة يحيى بن تميم وولاية ابنه علي
في هذه السنة توفي يحيى بن تميم بن المعز بن باديس، صاحب إفريقية، يوم عيد الأضحى، فجأة، وكان منجم قد قال له في منستير مولده إن عليه قطعاً في هذا اليوم، فلا يركب، فلم يركب، وخرج أولاده وأهل دولته إلى المصلى، فلما انقضت الصلاة حضروا عنده للسلام عليه وتهنئته، وقرأ القراء، وأنشد الشعراء، وانصرفوا إلى الطعام، فقام يحيى من باب آخر ليحضر معهم على الطعام، فلم يمش غير ثلاث خطا حتى وقع ميتاً وكان ولده علي بمدينة سفاقس، فأحضر وعقدت له الولاية، ودفن يحيى بالقصر، ثم نقل إلى التربة بمنستير، وكان عمره اثنتين وخمسين سنة وخمسة عشر يوماً، وكانت ولايته ثماني سنين وخمسة أشهر وخمسة وعشرين يوماً، وخلف ثلاثين ولداً، فقال عبد الجبار بن محمد بن حمديس الصقلي يرثيه ويهنيء ابنه علياً بالملك:
ما أغمد العضب إلا جرد الذكر، ... ولا اختفى قمر حتى بدا قمر
بموت يحيى أميت الناس كلهم، ... حتى إذا ما علي جاءهم نشروا
إن يبعثوا بسرور من تملكه ... فمن منية يحيى بالأسى قبروا
أوفى علي، فسن الملك ضاحكة، ... وعينها من أبيه دمعها همر
شقت جيوب المعالي بالأسى فبكت ... في كل أفق عليه الأنجم الزهر
وقل لابن تميم حزن ما دهما، ... فكل حزن عظيم فيه محتقر
قام الدليل ويحيى لا حياة له، ... إن المنية لا تبقي، ولا تذر
وكان يحيى عادلاً في رعيته، ضابطاً لأمور دولته، مدبراً لجميع أحواله، رحيماً بالضعفاء والفقراء، يكثر الصدقة عليهم، ويقرب أهل العلم والفضل، وكان عالماً بالأخبار، وأيام الناس، والطب، وكان حسن الوجه، أشهل العين، إلى الطول ما هو.
ولما استقر علي في الملك جهز أسطولاً إلى جزيرة جربة، وسببه أن أهلها كانوا يقطعون الطريق، ويأخذون التجار، فحصرها، وضيق على من فيها فدخلوا تحت طاعته، والتزموا ترك الفساد، وضمنوا إصلاح الطريق، وكف عنهم عند ذلك، وصلح أمر البحر، وأمن المسافرون.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في رجب، قدم السلطان محمد بغداد، ووصل إليه أتابك طغتكين، صاحب دمشق، في ذي القعدة، وسأل الرضا عنه، فرضي عنه السلطان، وخلع عليه، ورده إلى دمشق.
وفيها أمر الإمام المستظهر بالله ببيع البدرية، وهي منسوبة إلى بدر غلام المعتضد بالله، وكانت من أحسن دور الخلفاء، وكان ينزلها الراضي بالله، ثم تهدمت وصارت تلاً، فأمر القادر بالله أن يسور عليها سور، لأنها مع الدار الإمامية، ففعل ذلك، فلما كان الآن أمر ببيعها فبيعت، وعمرها الناس.
وفيها، في شعبان، وقعت الفتنة بين العامة، وسببها أن الناس لما عادوا من زيارة مصعب اختصموا على من يدخل أولاً، فاقتتلوا، وقتل بينهم جماعة، وعادت الفتن بين أهل المحال كما كانت، ثم سكنت.
وفيها أقطع السلطان محمد الموصل وما كان بيد آقسنقر البرسقي للأمير جيوش بك، وسير ولده الملك مسعوداً، وأقام البرسقي بالرحبة، وهي إقطاعه، إلى أن توفي السلطان محمد، وكان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها توفي إسماعيل بن محمد بن أحمد بن ملة الأصبهاني، أبو عثمان بن أبي سعيد الواعظ، سمع الكثير، وحدس ببغداد وغيرها، وعبد الله بن المبارك بن موسى السقطي، أبو البركات، له رحلة، وله تصانيف، وكان أديباً. (4/437)

ثم دخلت سنة عشر وخمسمائة
ذكر قتل أحمديل بن وهسوذان

في هذه السنة، أول المحرم، حضر أتابك طغتكين، صاحب دمشق، دار السلطان محمد ببغداد، وحضر جماعة الأمراء، ومعهم أحمديل بن إبراهيم بن وهسوذان الروادي، الكردي، صاحب مراغة وغيرها من أذربيجان، وهو جالس إلى جانب طغتكين، فأتاه رجل متظلم، وبيده رقعة، وهو يبكي، ويسأله أن يوصلها إلى السلطان، فأخذها من يده، فضربه الرجل بسكين، فجذبه أحمديل وتركه تحته، فوثب رفيق للباطني وضرب أحمديل سكيناً أخرى، فأخذتهما السيوف، وأقبل رفيق لهما وضرب أحمديل ضربة أخرى، فعجب الناس من إقدامه بعد قتل صاحبيه، وظن طغتكين والحاضرون أن طغتكين كان المقصود بالقتل، وأنه بأمر السلطان، فلما علموا أنهم باطنية زال هذا الوهم.
ذكر وفاة جاولي سقاوو وحال بلاد فارس معه
في هذه السنة توفي جاولي سقاوو، وكان السلطان ببغداد عازماً على المقام بها، فاضطر إلى المسير إلى أصبهان ليكون قريباً من فارس، لئلا تختلف عليه، وقد ذكرنا حال جاولي بالموصل إلى أن ملكت منه وأخذها السلطان، فلما قصد السلطان ورضي عنه أقطعه بلاد فارس، فسار جاولي إليها، ومعه ولد السلطان جغري، وهو طفل له من العمر سنتان، وأمره بإصلاحها، وقمع المفسدين بها، فسار إليها، فأول ما اعتمده فيها أنه لم يتوسط بلاد الأمير بلدجي، وهو من كبار مماليك السلطان ملكشاه، ومن جملة بلاده كليل وسرماه، وكان متمكناً بتلك البلاد.
وراسله جاولي ليحضر خدمة جغري، ولد السلطان، وعلم جغري أن يقول بالفارسية خذوه، فلما دخل بلدجي قال جغري، على عادته: خذوه، فأخذ وقتل، ونهبت أمواله.
وكان لبلدجي، من جملة حصونه، قلعة إصطخر، وهي من أمنع القلاع وأحصنها، وكان بها أهله وذخائره، وقد استناب في حفظها وزيراً له يعرف بالجهرمي، فعصى عليه، وأخرج إليه أهله وبعض المال، ولم تزل في يد الجهرمي حتى وصل جاولي إلى فارس فأخذها منه، وجعل فيها أمواله.
وكان بفارس جماعة من أمراء الشوانكارة، وهم خلق كثير لا يحصون، ومقدمهم الحسن بن المبارز، المعروف بخسرو، وله فسا وغيرها، فراسله جاولي ليحضر خدمة جغري، فأجاب: إنني عبد السلطان، وفي طاعته، فأما الحضور فلا سبيل إليه، لأنني قد عرفت عادتك مع بلدجي وغيره، ولكنني أحمل إلى السلطان ما يؤثره. فلما سمع جاولي جوابه علم أنه لا مقام له بفارس معه، فأظهر العود إلى السلطان، وحمل أثقاله على الدواب، وسار كأنه يطلب السلطان، ورجع الرسول إلى خسرو فأخبره، فاغتر وقعد للشرب، وأمن.
وأما جاولي فإنه عاد من الطريق إلى خسرو جريدة في نفر يسير، فوصل إليه وهو مخمور نائم، فكبسه، فأنبهه أخوه فضلوه، فلم يستيقظ، فصب عليه الماء البارد، فأفاق، وركب من وقته وانهزم، وتفرق أصحابه، ونهب جاولي ثقله وأمواله، وأكثر القتل في أصحابه، ونجا خسرو إلى حصنه، وهو بين جبلين، يقال لأحدهما أنج.
وسار جاولي إلى مدينة فسا فتسلمها، ونهب كثيراً من بلاد فارس منها جهرم، وسار إلى خسرو، وحصره مدة، وضيق عليه، فرأى من امتناع حصنه وقوته، وكثرة ذخائره ما علم معه أن المدة تطول عليه، فصالحه ليشتغل بباقي بلاد فارس، ورحل عنه إلى شيراز، فأقام بها، ثم توجه إلى كارزون فملكها، وحصر أبا سعد محمد بن مما في قلعته، وأقام عليها سنتين صيفاً وشتاء، فراسله جاولي في الصلح، فقتل الرسول، فأرسل إليه قوماً من الصوفية، فأطعمهم الهريسة والقطائف، ثم أمر بهم فخيطت أدبارهم وألقوا في الشمس فهلكوا، ثم نفذ ما عند أبي سعد، فطلب الأمان فأمنه، وتسلم الحصن.
ثم إن جاولي أساء معاملته، فهرب، فقبض على أولاده، وبث الرجال في أثره، فرأى بعضهم زنجياً يحمل شيئاً، فقال: ما معك؟ فقال: زادي، ففتشه، فرأى دجاجاً، وحلواء السكر، فقال: ما هذا من طعامك! فضربه، فأقر على أبي سعد، وأنه يحمل ذلك إليه، فقصدوه، وهو في شعب جبل، فأخذه الجندي وحمله إلى جاولي فقتله.
وسار إلى داربجرد، وصاحبها اسمه إبراهيم، فهرب صاحبها منه إلى كرمان خوفاً منه، وكان بينه وبين صاحب كرمان صهر، وهو أرسلانشاه بن كرمانشاه بن أرسلان بك بن قاورت، فقال له: لو تعاضدنا لم يقدر علينا جاولي، وطلب منه النجدة. (4/438)
وسار جاولي بعد هربه منه إلى حصار رتيل رننه، يعني مضيق رننه، وهو موضع لم يؤخذ قهراً قط، لأنه واد نحو فرسخين، وفي صدره قلعة منيعة على جبل عال، وأهل داربجرد يتحصنون به إذا خافوا، فأقاموا به، وحفظوا أعلاه.
فلما رأى جاولي حصانته سار يطلب البرية نحو كرمان، كاتماً أمره، ثم رجع من طريق كرمان إلى داربجرد، مظهراً أنه من عسكر الملك أرسلانشاه، صاحب كرمان، فلم يشك أهل الحصن أنهم مدد لهم مع صاحبهم، فأظهروا السرور، وأذنوا له في دخول المضيق، فلما دخله وضع السيف فيمن هناك، فلم ينج غير القليل، ونهب أموال أهل داربجرد وعاد إلى مكانه، وراسل خسرو يعلمه أنه عازم على التوجه إلى كرمان، ويدعوه إليه، فلم يجد بداً من موافقته، فنزل إليه طائعاً، وسار مع إلى كرمان، وأرسل إلى صاحبها القاضي أبا طاهر عبد الله بن طاهر قاضي شيراز، يأمره بإعادة الشوانكارة لأنهم رعية السلطان، يقول: إنه متى أعادهم عاد عن قصد بلاده، وإلا قصده، فأعاد صاحب كرمان جواب الرسالة يتضمن الشفاعة فيهم، حيث استجاروا به.
ولما وصل الرسول إلى جاولي أحسن إليه، وأجزل له العطاء، وأفسده على صاحبه، وجعله عيناً له عليه، وقرر معه إعادة عسكر كرمان ليدخل البلاد وهم غارون، فلما عاد الرسول وبلغ السيرجان، وبها عساكر صاحب كرمان، ووزيره مقدم الجيش، أعلم الوزير ما عليه جاولي من المقاربة، وأنه يفارق ما كرهوه، وأكثر من هذا النوع، وقال: لكنه مستوحش من اجتماع العساكر بالسيرجان، وإن أعداء جاولي طمعوا فيه بهذا العسكر، والرأي أن تعاد العساكر إلى بلادها.
فعاد الوزير والعساكر، وخلت السيرجان، وسار جاولي في أثر الرسول، فنزل بفرج، وهي الحد بين فارس وكرمان، فحاصرها، فلما بلغ ذلك ملك كرمان أحضر الرسول وأنكر عليه إعادة العسكر، فاعتذر إليه. وكان مع الرسول فراش لجاولي ليعود إليه بالأخبار، فارتاب به الوزير، فعاقبه، فأقر على الرسول، فصلب، ونهبت أمواله، وصلب الفراش، وندب العساكر إلى المسير إلى جاولي، فساروا في ستة آلاف فارس.
وكانت الولاية التي هي الحد بين فارس وكرمان بيد إنسان يسمى موسى، وكان ذا رأي ومكر، فاجتمع بالعسكر، وأشار عليهم بترك الجادة المسلوكة، وقال: إن جاولي محتاط منها، وسلك بهم طريقاً غير مسلوكة، بين جبال ومضايق.
وكان جاولي يحاصر فرج، وقد ضيق على من بها، وهو يدمن الشرب، فسير أميراً في طائفة من عسكره ليلقى العسكر المنفذ من كرمان، فسار الأمير، فلم ير أحداً، فظن أنهم قد عادوا، فرجع إلى جاولي وقال: إن العسكر كان قليلاً، فعاد خوفاً منا، فاطمأن حينئذ جاولي، وأدمن شرب الخمر.
ووصل عسكر كرمان إليه ليلاً، وهو سكران، نائم، فأيقظه بعض أصحابه وأخبره، فقطع لسانه، فأتاه غيره وأيقظه وعرفه الحال، فاستيقظ وركب وانهزم، وقد تفرق عسكره منهزمين، فقتل منهم وأسر كثير، وأدركه خسرو وابن أبي سعد الذي قتل جاولي أباه، فسارا معه في أصحابهما، فلم ير معه أحداً من أصحابه الأتراك، فخاف على نفسه منهم، فقالا له: إنا لا نغدر بك، ولن ترى منا إلا الخير والسلامة، وسارا معه، حتى وصل إلى مدينة فسا، واتصل به المنهزمون من أصحابه، وأطلق صاحب كرمان الأسرى وجهزهم، وكانت هذه الوقعة في شوال سنة ثمان وخمسمائة.
وبينما جاولي يدبر الأمر ليعاود كرمان، ويأخذ بثأره، توفي الملك جغري ابن السلطان محمد، وعمره خمس سنين، وكانت وفاته في ذي الحجة سنة تسع وخمسمائة، ففت ذلك في عضده، فأرسل ملك كرمان رسولاً إلى السلطان، وهو ببغداد، يطلب منه منع جاولي عنه، فأجابه السلطان أنه لا بد من إرضاء جاولي وتسليم فرج إليه، فعاد الرسول في ربيع الأول سنة عشر وخمسمائة، فتوفي جاولي، فأمنوا ما كانوا يخافونه، فلما سمع السلطان سار عن بغداد إلى أصبهان، خوفاً على فارس من صاحب كرمان.
ذكر فتح جبل وسلات وتونس
في هذه السنة حصر عسكر علي بن يحيى، صاحب إفريقية، مدينة تونس، وبها أحمد بن خراسان، وضيق على من بها، فصالحه على ما أراد. (4/439)
وفيها فتح أيضاً جبل وسلات بإفريقية، واستولى عليه، وهو جبل منيع، ولم يزل أهله، طول الدهر، يفتكون بالناس، ويقطعون الطريق، فلما استمر ذلك منهم سير إليهم جيشاً، فكان أهل الجبل ينزلون إلى الجيش، ويقاتلون أشد قتال، فعمل قائد الجيش الحيلة في الصعود إلى الجبل من شعب لم يكن أحد يظن أنه يصعد منه، فلما صار في أعلاه، في طائفة من أصحابه، ثار إليه أهل الجبل، فصبر لهم، وقاتلهم فيمن مع أشد قتال، وتتابع الجيش في الصعود إليه، فانهزم أهل الجبل، وكثر القتل فيهم، ومنهم من رمى نفسه فتكسر، ومنهم من أفلت، واحتمى جماعة كثيرة بقصر في الجبل، فلما أحاط بهم الجيش طلبوا أن يرسل إليهم من يصلح حالهم، فأرسل إليهم جماعة من العرب والجند، فثار بهم أولئك بالسلاح، فقتلوا بعضهم، وطلع الباقون إلى أعلى القصر، ونادوا أصحابهم من الجيش، فأتوهم وقاتلوهم: بعضهم من أعلى القصر، وبعضهم من أسفله، فألقى من فيه من أهل الجبل أيديهم، فقتلوا كلهم.
ذكر الفتنة بطوس
في هذه السنة، في عاشوراء، كانت فتنة عظيمة بطوس، في مشهد علي بن موسى الرضا عليه السلام.
وسببها: أن علوياً خاصم، في المشهد، يوم عاشوراء، بعض فقهاء طوس، فأدى ذلك إلى مضاربة، وانقطعت الفتنة، ثم استعان كل منهما بحزبه، فثارت فتنة عظيمة حضرها جميع أهل طوس، وأحاطوا بالمشهد وخربوه، وقتلوا من وجدوا، فقتل بينهم جماعة ونهبت أموال جمة، وافترقوا.
وترك أهل المشهد الخطبة أيام الجمعات فيه، فبنى عليه عضد الدين فرامرز بن علي سوراً منيعاً يحتمي به من بالمشهد على من يريده بسوء، وكان بناؤه سنة خمس عشرة وخمسمائة.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة وقعت النار في الحظائر المجاورة للمدرسة النظامية ببغداد، فاحترقت الأخشاب التي بها، واتصل الحريق إلى درب السلسلة، وتطاير الشرر إلى باب المراتب، فاحترقت منه عدة دور، واحترقت خزانة كتب النظامية، وسلمت الكتب، لأن الفقهاء لما أحسوا بالنار نقلوها.
وفيها توفي عبد الله بن يحيى بن محمد بن بهلول أبو محمد الأندلسي، السرقسطي، وكان فقيهاً، فاضلاً، ورد العراق نحو سنة خمسمائة، وسار إلى خراسان، فسكن مرو الروذ، فمات بها، وله شعر حسن، فمنه:
ومهفهف يختال في أبراده، ... مرح القضيب اللدن تحت البارح
أبصرت في مرآة فكري خده، ... فحكيت فعل جفونه بجوارحي
ما كنت أحسب أن فعل توهمي ... يقوى تعديه، فيجرح جارحي
لا غرو إن جرح التوهم خده، ... فالسحر يعمل في البعيد النازح
وفيها، في شعبان، توفي أبو القاسم علي بن محمد بن أحمد بن بيان الرزاز، ومولده في صفر سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وهو آخر من حدث عن أبي الحسن بن مخلد، وأبي القاسم بن بشران.
وفيها توفي أبو بكر محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني، رئيس الشافعية، بمرو، ومولده سنة ست وأربعين وأربعمائة، وسمع الحديث الكثير وصنف فيه، وله فيه أمال حسنة، وتكلم على الحديث، فأحسن ما شاء.
وفيها توفي محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني أبو الخطاب الفقيه الحنبلي، ومولده سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وتفقه على أبي يعلى بن الفراء.

This site was last updated 07/27/11