Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة خمسمائة سنة إحدى وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة487 وسنة488
سنة489 وسنة490
سنة491 وسنة 492
سنة493
سنة494
سنة485
سنة496 وسنة497 وسنة498
سنة499
سنة500 وسنة501
سنة502
سنة503 وسنة504
سنة505 وسنة506
سنة507 وسنة508
سنة509 وسنة510
سنة511 وسنة512

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة خمسمائة
ذكر وفاة يوسف بن تاشفين وملك ابنه علي

في هذه السنة توفي أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، ملك الغرب والأندلس، وكان حسن السيرة، خيراً، عادلاً، يميل إلى أهل الدين والعلم، ويكرمهم، ويصدر عن رأيهم، ولما ملك الأندلس، على ما ذكرناه، جمع الفقهاء وأحسن إليهم، فقالوا له: ينبغي أن تكون ولايتك من الخليفة لتجب طاعتك على الكافة، فأرسل إلى الخليفة المستظهر بالله، أمير المؤمنين، رسولاً ومعه هدية كثيرة، وكتب معه كتاباً يذكر ما فتح الله من بلاد الفرنج، وما اعتمده من نصرة الإسلام، ويطلب تقليداً بولاية البلاد، فكتب له تقليد من ديوان الخلافة بما أراد، ولقب أمير المسلمين، وسيرت إليه الخلع، فسر بذلك سروراً كثيراً، وهو الذي بنى مدينة مراكش للمرابطين، وبقي على ملكه إلى سنة خمسمائة، فتوفي وملك بعده البلاد ولده علي بن يوسف، وتلقب أيضاً أمير المسلمين، فازداد في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه.
وكان يوسف بن تاشفين حليماً، كريماً، ديناً، خيراً، يحب أهل العلم والدين، ويحكمهم في بلاده، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام، فمن ذلك أن ثلاثة نفر اجتمعوا، فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنى الآخر عملاً يعمل فيه لأمير المسلمين، وتمنى الآخر زوجته النفزاوية، وكانت من أحسن النساء، ولها الحكم في بلاده، فبلغه الخبر، فأحضرهم، وأعطى متمني المال ألف دينار، واستعمل الآخر، وقال للذي تمنى زوجته: يا جاهل! ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه؟ ثم أرسله إليها، فتركته في خيمة ثلاثة أيام تحمل إليه كل يوم طعاماً واحداً، ثم أحضرته وقالت له: ما أكلت هذه الأيام؟ قال: طعاماً واحداً، فقالت: كل النساء شيء واحد. فأمرت له بمال وكسوة وأطلقته.
ذكر قتل فخر الملك بن نظام الملك
في هذه السنة قتل فخر الملك أبو المظفر علي بن نظام الملك، يوم عاشوراء، وكان أكبر أولاده، وقد ذكرنا سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وزارته للسلطان بركيارق، فلما فارق وزارته قصد نيسابور، وأقام عند الملك سنجر بن ملكشاه، ووزر له، وأصبح يوم عاشوراء صائماً، وقال لأصحابه: رأيت الليلة في المنام الحسين بن علي، عليه السلام ، وهو يقول: عجل إلينا، وليكن إفطارك عندنا، وقد اشتغل فكري به، ولا محيد عن قضاء الله وقدره! وقالوا: يحميك الله، والصواب أن لا تخرج اليوم والليلة من دارك، فأقام يومه يصلي، ويقرأ القرآن، وتصدق بشيء كثير.
فلما كان وقت العصر خرج من الدار التي كان بها يريد دار النساء، فسمع صياح متظلم، شديد الحرقة، وهو يقول: ذهب المسلمون، فلم يبق من يكشف مظلمة، ولا يأخذ بيد ملهوف! فأحضره عنده، رحمة له، فحضر فقال: ما حالك؟ فدفع إليه رقعة، فبينما فخر الملك يتأملها إذ ضربه بسكين فقضى عليه، فمات، فحمل الباطني إلى سنجر، فقرره، فأقر على جماعة من أصحاب السلطان كذباً، وقال: إنهم وضعوني على قتله، وأراد أن يقتل بيده وسعايته، فقتل من ذكر، وكان مكذوباً عليهم، ثم قتل الباطني بعدهم، وكان عمر فخر الملك ستاً وستين سنة.
ذكر ملك صدقة بن مزيد تكريت (4/406)
في هذه السنة، في صفر، تسلم الأمير سيف الدولة صدقة بن منصور بن مزيد قلعة تكريت، وقد ذكرنا فيما تقدم أنها كانت لبني مقن العقيليين، وكانت إلى آخر سنة سبع وعشرين وأربعمائة بيد رافع بن الحسين بن مقن، فمات، ووليها ابن أخيه أبو منعة خميس بن تغلب بن حماد، ووجد بها خمسمائة ألف دينار سوى المصاغ، وتوفي سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، ووليها ولده أبو غشام.
فلما كان سنة أربع وأربعين وثب عليه عيسى فحبسه، وملك القلعة والأموال، فلما اجتاز به طغرلبك سنة ثمان وأربعين صالحه على بعض المال فرحل عنه.
وخافت زوجته أميرة، بعد موته، أن يعود غشام فيملك القلعة، فقتلته، وكان قد بقي في الحبس أربع سنين، واستنابت في القلعة أبا الغنائم بن المحلبان، فسلمها إلى أصحاب السلطان طغرلبك، فسارت إلى الموصل، فقتلها ابن أبي غشام بأبيه، وأخذ شرف الدولة مسلم بن قريش مالها، ورد طغرلبك أمر القلعة إلى إنسان يعرف بأبي العباس الرازي، فمات بها بعد ستة أشهر، فملكها المهرباط، وهو أبو جعفر محمد بن أحمد نب خشنام من بلد الثغر، فأقام بها إحدى وعشرين سنة ومات، ووليها ابنه سنتين، وأخذتها منه تركان خاتون، ووليها لها كوهرائين.
ثم ملكها بعد وفاة ملكشاه قسيم الدولة آقسنقر، صاحب حلب، فلما قتل صارت للأمير كمشتكين الجاندار، فجعل فيها رجلاً يعرف بأبي المصارع، ثم عادت إلى كوهرائين إقطاعاً، ثم أخذها منه مجد الملك البلاساني، فولى عليها كيقباذ بن هزارسب الديلمي، فأقام بها اثنتي عشرة سنة، فظلم أهلها، وأساء السيرة، فلما اجتاز به سقمان بن أرتق سنة ست وتسعين ونهبها، كان كيقباذ ينهبها ليلاً، وسقمان ينهبها نهاراً.
فلما استقر السلطان محمد بعد موت أخيه بركيارق أقطعها للأمير آقسنقر البرسقي، شحنة بغداد، فسار إليها وحصرها مدة تزيد على سبعة أشهر، حتى ضاق على كيقباذ الأمر، فراسل صدقة بن مزيد ليسلمها إليه، فسار إليها في صفر هذه السنة وتسلمها منه، وانحدر البرسقي ولم يملكها.
ومات كيقباذ بعد نزوله من القلعة بثمانية أيام، وكان عمره ستين سنة، واستناب صدقة بها ورام بن أبي فراس بن ورام، وكان كيقباذ ينسب إلى الباطنية، وكان موته من سعادة صدقة فإنه لو أقام عنده لعرض صدقة لظنون الناس في اعتقاده ومذهبه.
ذكر الحرب بين عبادة وخفاجة
في هذه السنة، في ربيع الأول، كانت حرب بين عبادة وخفاجة، فظفرت عبادة، وأخذت بثأرها من خفاجة.
وكان سبب ذلك أن سيف الدولة صدقة أرسل ولده بدران في جيش إلى طرف بلاده مما يلي البطيحة ليحميها من خفاجة لأنهم يؤذون أهل تلك النواحي، فقربوا منه، وتهددوا أهل البلاد، فكتب إلى أبيه يشكو منهم، ويعرفه حالهم، فأحضر عبادة، وكانت خفاجة قد فعلت بهم العام الماضي ما ذكرناه، فلما حضروا عنده قال لهم ليتجهزوا مع عسكره ليأخذوا بثأرهم من خفاجة، فساروا في مقدم عسكره، فأدركوا حلة من خفاجة من بني كليب ليلاً، وهم غارون، لم يشعروا بهم، فقالوا: من أنتم؟ فقالت عبادة: نحن أصحاب لديون، فعلموا أنهم عبادة، فقاتلوهم، وصبرت خفاجة، فبينما هم في القتال إذ سمع طبل الجيش، فانهزموا، وقتلت منهم عبادة جماعة، وكان فيهم عشرة من وجوههم، وتركوا حرمهم، فأمر صدقة بحراستهن وحمايتهن، وأمر العسكر أن يؤثروا عبادة بما غنموه من أموال خفاجة، خلفاً لهم عما أخذ منهم في العام الماضي.
وأصاب خفاجة من مفارقة بلادها، ونهب أموالها، وقتل رجالها، أمر عظيم، وانتزحت إلى نواحب البصرة، وأقامت عبادة في بلاد خفاجة.
ولما انهزمت خفاجة وتفرقت ونهبت أموالها، جاءت امرأة منهم إلى الأمير صدقة، فقالت له: إنك سبيتنا، وسلبتنا قوتنا، وغربتنا، وأضعت حرمتنا، قابلك الله في نفسك، وجعل صورة أهلك كصورتنا، فكظم الغيظ واحتمل لها ذلك، وأعطاها أربعين جملاً، ولم يمض غير قليل حتى قابل الله صدقة في نفسه وأولاده، فإن دعاء الملهوف عند الله بمكان.
ذكر مسير جاولي سقاوو إلى الموصل وأسر صاحبها جكرمش
في هذه السنة، في المحرم، أقطع السلطان محمد جاولي سقاوو الموصل، والأعمال التي بيد جكرمش، وكان جاولي قبل هذا قد استولى على البلاد التي بين خوزستان وفارس، وأقام بها سنين، وعمر قلاعها وحصنها، وأساء السيرة في أهلها، وقطع أيديهم وجدع أنوفهم وسمل أعينهم. (4/407)
فلما تمكن السلطان محمد من السلطنة خافه جاولي، وأرسل السلطان إليه الأمير مودود بن التونتكين، فتحصن منه جاولي، وحصره مودود ثمانية أشهر، فأرسل جاولي إلى السلطان: إنني لا أنزل إلى مودود، فإن أرسلت غيره نزلت. فأرسل إليه خاتمه مع أمير آخر، فنزل جاولي، وحضر الخدمة بأصبهان، فرأى من السلطان ما يحب، وأمره السلطان بالمسير إلى الفرنج ليأخذ البلاد منهم، وأقطعه الموصل وديار بكر والجزيرة كلها.
وكان جكرمش لما عاد من عند السلطان إلى بلاده، كما ذكرناه، وعد من نفسه الخدمة، وحمل المال، فلما استقر ببلاده لم يف بما قال، وتثاقل في الخدمة وحمل المال، فأقطع بلاده لجاولي، فجاء إلى بغداد، وأقام بها إلى أول ربيع الأول، وسار إلى الموصل، وجعل طريقه على البوازيج، فملكها ونهبها أربعة أيام، بعد أن أمن أهلها، وحلف لهم أنه يحميهم، فلما ملكها سار إلى إربل.
وأما جكرمش فإنه لما بلغه مسيره إلى بلاده كتب في جمع العساكر، فأتاه كتاب أبي الهيجاء موسك الكردي الهذباني، صاحب إربل، يذكر استيلاء جاولي على البوازيج، ويقول له: إن لم تعجل المجيء لنجتمع عليه ونمنعه، وإلا اضطررت إلى موافقته والمصير معه. فبادر جكرمش وعبر إلى شرقي دجلة، وسار في عسكر الموصل قبل اجتماع عساكره، وأرسل إليه أبو الهيجاء عسكره مع أولاده، فاجتمعوا بقرية باكلبا من أعمال إربل.
ووافاهم جاولي وهو في ألف فارس، وكان جكرمش في ألفي فارس، ولا يشك أنه يأخذ جاولي باليد، فلما اصطفوا للحرب حمل جاولي من القلب على قلب جكرمش فانهزم من فيه، وبقي جكرمش وحده لا يقدر على الهزيمة لفالج كان به، فهو لا يقدر أن يركب، وإنما يحمل في محفة، فلما انهزم أصحابه قاتل عنه ركابي أسود قتالاً عظيماً، فقتل، وقاتل معه واحد من أولاد الملك قاورت بك بن داود، اسمه أحمد، فقاتل بين يديه، فطعن فجرح وانهزم، فمات بالموصل، ولم يقدر أصحاب جاولي على الوصول إلى جكرمش، حتى قتل الركابي الأسود فحينئذ أخذوه أسيراً وأحضروه عند جاولي، فأمر بحفظه وحراسته.
وكانت عساكر جكرمش التي استدعاها قد وصلت إلى الموصل بعد مسيره بيومين، فساروا جرائد ليدركوا الحرب، فلقيهم المنهزمون ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
ذكر حصر جاولي سقاوو الموصل وموت جكرمش
لما انهزم العسكر، وأسر جكرمش، وصل الخبر إلى الموصل، فأقعدوا في الأمر زنكي بن جكرمش، وهو صبي عمره إحدى عشرة سنة، وخطبوا له، وأحضروا أعيان البلد، والتمسوا منهم المساعدة، فأجابوا إلى ذلك.
وكان مستحفظ القلعة مملوكاً لجكرمش اسمه غزغلي، فقام في ذلك المقام المرضي، وفرق الأموال التي جمعها جكرمش، والخيول، وغير ذلك على الجند، وكاتب سيف الدولة صدقة، وقلج أرسلان، والبرسقي، شحنة بغداد، بالمبادرة إليهم، ومنع جاولي عنهم، ووعدوا كلاً منهم أن يسلموا البلد إليه. فأما صدقة فلم يجبهم إلى ذلك، ورأى طاعة السلطان، وأما البرسقي وقلج أرسلان فنذكر حالهما.
ثم إن جاولي حصر الموصل، ومعه كرماوي بن خراسان التركماني، وغيره من الأمراء، وكثر جمعه، وأمر أن يحمل جكرمش كل يوم على بغل وينادى أصحابه بالموصل ليسلموا البلد ويخلصوا صاحبهم مما هو فيه، ويأمرهم هو بذلك، فلا يسمعون منه، وكان يسجنه في جب، ويوكل به من يحفظه لئلا يسرق، فأخرج في بعض الأيام ميتاً، وعمره نحو ستين سنة، وكان شأنه قد علا، ومنزلته قد عظمت، وكان قد شيد سور الموصل وقواه، وبنى عليه فصيلاً، وحفر خندقها، وحصنها غاية ما يقدر عليه.
وكان مع جكرمش رجل من أعيان الموصل يقال له أبو طالب بن كسيرات، وبنو كسيرات إلى الآن بالموصل من أعيان أهلها، وكان أبو طالب قد تقدم عند جكرمش، وارتفعت منزلته، واستولى على أموره، وحضر معه الحرب، فلما أسر جكرمش هرب أبو طالب إلى إربل، وكان أولاد أبي الهيجاء، صاحب إربل، قد حضروا الحرب مع جكرمش، وأسرهم جاولي، فأرسل إلى أبي الهيجاء يطلب ابن كسيرات، فأطلقه وسيره إليه، فأطلق جاولي ابن أبي الهيجاء، فلما حضر ابن كسيرات عند جاولي ضمن له فتح الموصل وبلاد جكرمش، وتحصيل الأموال، فاعتقله اعتقالاً جميلاً. (4/408)
وكان قاضي الموصل أبو القاسم بن ودعان عدواً لأبي طالب، فأرسل إلى جاولي يقول له: إن قتلت أبا طالب سلمت الموصل إليك. فقتله وأرسل رأسه إليه، فأظهر الشماتة به، وأخذ كثيراً من أمواله وودائعه، فثار به الأتراك غضباً لأبي طالب ولتفرده بما أخذ من أمواله، فقتلوه، وكان بينهما شهر واحد، وقد رأينا كثيراً، وسمعنا ما لا نحصيه من قرب وفاة أحد المتعاديين بعد صاحبه.
ذكر الحرب بين ملك القسطنطينية والفرنج
في هذه السنة كانت وحشة مستحكمة بين ملك الروم، صاحب القسطنطينية، وبين بيمند الفرنجي، فسار بييمند إلى بلد ملك الروم ونهبه، وعزم على قصده، فأرسل ملك الروم إلى الملك قلج أرسلان بن سليمان، صاحب قونية وأقصرا وغيرهما من تلك البلاد، يستنجده، فأمده بجمع من عسكره، فقوي بهم، وتوجه إلى بيمند، فالتقوا وتصافوا واقتتلوا، وصبر الفرنج بشجاعتهم، وصبر الروم ومن معهم لكثرتهم، ودامت الحرب، ثم أجلت الوقعة عن هزيمة الفرنج، وأتى القتل على أكثرهم، وأسر كثير منهم، والذين سلموا عادوا إلى بلادهم بالشام، وعاد عسكر قلج أرسلان إلى بلادهم عازمين على المسير إلى صاحبهم بديار الجزيرة، فأتاهم خبر قتله، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، فتركوا الحركة وأقاموا.
ذكر ملك قلج أرسلان الموصل
قد ذكرنا أن أصحاب جكرمش كتبوا إلى الأمير صدقة، وقسيم الدولة البرسقي، والملك قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش السلجوقي، صاحب بلاد الروم يستدعون كلاً منهم إليهم ليسلموا البلد إليه. فأما صدقة فامتنع، ورأى طاعة السلطان، وأما قلج أرسلان فإنه سار في عساكره فلما سمع جاولي سقاوو بوصوله إلى نصيبين رحل عن الموصل، وأما البرسقي فإنه كان شحنة بغداد، فسار منها إلى الموصل، فوصلها بعد رحيل جاولي عنها، فنزل بالجانب الشرقي فلم يلتفت أحد إليه، ولا أرسلوا إليه كلمة واحدة، فعاد في باقي يومه.
ثم إن قلج أرسلان لما وصل إلى نصيبين أقام بها حتى كثر جمعه، فلما سمع جاولي بقربه رحل من الموصل إلى سنجار، وأودع رحله بها، واتصل به الأمير إيلغازي بن أرتق وجماعة من عسكر جكرمش، فصار معه أربعة آلاف فارس. فأتاه كتاب الملك رضوان يستدعيه إلى الشام، ويقول له: إن الفرنج قد عجز من بالشام عن منعهم، فسار إلى الرحبة.
وأرسل أهل الموصل وعسكر جكرمش إلى قلج أرسلان، وهو بنصيبين، فاستحلفوه لهم، فحلف، واستحلفهم على الطاعة له والمناصحة، وسار معهم إلى الموصل، فملكها في الخامس والعشرين من رجب، ونزل بالمعرقة، وخرج إليه ولد جكرمش وأصحابه، فخلع عليهم، وجلس على التخت، وأسقط السلطان محمداً، وخطب لنفسه بعد الخليفة، وأحسن إلى العسكر، وأخذ القلعة من غزغلي، مملوك جكرمش، وجعل له فيها دزداراً، ورفع الرسوم المحدثة في الظلم، وعدل في الناس وتألفهم، وقال: من سعى إلي بأحد قتلته، فلم يسع أحد بأحد، وأقر القاضي أبا محمد عبد الله نب القاسم بن الشهرزوري على القضاء بالموصل، وجعل الرئاسة لأبي البركات محمد بن محمد بن خميس، وهو والد شيخنا أبي الربيع سليمان.
وكان في جملة قلج أرسلان الأمير إبراهيم بن ينال التركماني، صاحب آمد، ومحمد بن جبق التركماني، صاحب حصن زياد، وهو خرتبرت.
فأما إبراهيم بن ينال فكان سبب ملكه لمدينة آمد أن تاج الدولة تتش، حين ملك ديار بكر، سلمها إليه، فبقيت بيده، وأما محمد بن جبق فكان سبب ملكه لحصن زياد أن هذا الحصن كان بيد الفلادروس الرومي، ترجمان ملك الروم، وكانت الرها وأنطاكية من أعماله، فلما ملك سليمان بن قتلمش، والد قلج أرسلان هذا، أنطاكية، وملك فخر الدولة بن جهير ديار بكر، ضعف الفلادروس عن إقامة ما يحتاج إليه حصن زياد من الميرة والإقامة، فأخذه جبق، وأسلم الفلادروس على يد السلطان ملكشاه، وأمره على الرها، فلم يزل عليها حتى مات وأخذها الأمير بزان بعده. (4/409)
وكان بالقرب من حصن زياد حصن آخر بيد إنسان من الروم اسمه افرنجي، وكان يقطع الطريق، ويكثر قتل المسلمين، فأرسل إليه جبق هدية، وخطب إليه مودته، وأن يعين كل واحد منهما صاحبه، فأجابه إلى ذلك، فكان جبق يعين افرنجي على قطع الطريق وغيره، وكذلك افرنجي يعين جبق، فلما وثق كل واحد بصاحبه أرسل إليه جبق: إني أريد قصد بعض الأماكن، وطلب أن يرسل إليه أصحابه، فأرسلهم إليه، فلما ساروا معه في الطريق تقدم بكتفهم، وحملهم إلى قلعة افرنجي، وقال لأهليهم: والله لئن لم تسلموا إلي افرنجي لأضربن أعناقهم، ولآخذن الحصن عنوة، ولأقتلنكم على دم واحد. ففتحوا له الحصن، وسلموا إليه افرنجي، فسلخه، وأخذ أمواله وسلاحه، وكان عظيماً، ومات جبق، فولي بعده ابنه محمد.
ذكر قتل قلج أرسلان وملك جاولي الموصل
قد ذكرنا أن قلج أرسلان لما وصل إلى نصيبين سار جاولي عن الموصل إلى سنجار، ثم إلى الرحبة، فوصلها في رجب، وحصرها إلى الرابع والعشرين من شهر رمضان، وكان صاحبها حينئذ يعرف بمحمد بن السباق، وهو من بني شيبان، رتبه بها الملك دقاق لما فتحها، وأخذ ولده رهينة، وحمله معه إلى دمشق، فلما توفي أرسل هذا الشيباني قوماً سرقوا ولده وحملوه إليه، فلما وصل إليه خلع الطاعة للدمشقيين، وخطب في بعض الأوقات لقلج أرسلان. فلما وصل إليها جاولي وحصرها، أرسل إلى الملك رضوان يعرفه أنه على الاجتماع به ومساعدته على من يحاربه، ويشرط عليه أنه إذا تسلم البلاد سار معه ليكشف الفرنج عن بلاده، فلما استقرت القاعدة بينهما حضر عنده رضوان، فاشتد الحصار على أهل البلد، وضاقت عليهم الأمور.
واتفق جماعة كانوا بأحد الأبراج، وأرسلوا إلى جاولي، واستحلفوه على حفظهم وحراستهم، وأمروه أن يقصد البرج الذي هم فيه عند انتصاف الليل، ففعل ذلك، فرفع من في البرج أصحابه إليهم في الجبال، فضربوا بوقاتهم وطبولهم، فخذل من في البلد، ودخله أصحاب جاولي في اليوم الرابع والعشرين من شهر رمضان، ونهبوه إلى الظهر، ثم أمر برفع النهب، ونزل إليه محمد الشيباني صاحب البلد، وأطاعه، وصار معه.
ثم إن قلج أرسلان لما فرغ من أمر الموصل سار عنها إلى جاولي سقاوو ليحاربه، وجعل ابنه ملكشاه في دار الإمارة، وعمره إحدى عشرة سنة، ومعه أمير يدبره، وجماعة من العسكر، وكانت عدة عسكره أربعة آلاف فارس بالعدة الكاملة والخيل الجيدة.
وسمع العسكر بقوة جاولي، فاختلفوا، وكان أول من خالف عليه إبراهيم بن ينال، صاحب آمد، فإنه فارق خيامه وأثقاله وعاد من الخابور إلى بلده، وكذلك غيره، وعمل قلج أرسلان على المطاولة لما بلغه من قوة جاولي وكثرة جموعه، وأرسل إلى بلاده يطلب عساكره لأنها كانت عند ملك الروم نجدة له على قتال الفرنج، كما ذكرناه، فلما وصل إلى الخابور بلغت عدته خمسة آلاف.
وكان مع جاولي أربعة آلاف، من جملتهم الملك رضوان، وجماعة من عسكره، إلا أن شجعانه أكثر، واغتنم جاولي قلة عسكر قلج أرسلان، فقاتله قبل وصول عساكره إليه، فالتقوا في العشرين من ذي القعدة، فحمل قلج أرسلان على القوم بنفسه، حتى خالطهم، فضرب يد صاحب العلم فأبانها، ووصل إلى جاولي بنفسه، فضربه بالسيف، فقطع الكزاغند ولم يصل إلى بدنه، وحمل أصحاب جاولي على أصحابه فهزموهم، واستباحوا ثقلهم وسوادهم، فلما رأى قلج أرسلان انهزام عسكره علم أنه إن أسر فعل به فعل من يترك للصلح موضعاً، لا سيما وقد نازع السلطان في بلاده، واسم السلطنة، فألقى نفسه في الخابور، وحمى نفسه من أصحاب جاولي بالنشاب، فانحدر به الفرس إلى ماء عميق فغرق، وظهر بعد أيام فدفن بالشمسانية وهي من قرى الخابور.
وسار جاولي إلى الموصل، ولما وصل إليها فتح أهلها له بابها، ولم يتمكن من بها من أصحاب قلج أرسلان من منعهم، ونزل بظاهر البلد، وأخذ كل واحد من أصحاب جكرمش الذين حضروا الوقعة مع قلج أرسلان إلى جهة. فلما ملك جاولي الموصل أعاد خطبة السلطان محمد، وصادر جماعة من بها من أصحاب جكرمش، وسار إلى جزيرة ابن عمر، وبها حبشي بن جكرمش، ومعه أمير من غلمان أبيه اسمه غزغلي، فحصره مدة، ثم إنهم صالحوه، وحملوا إليه ستة آلاف دينار، وغيرها من الدواب والثياب، ورحل عنهم إلى الموصل، وأرسل ملكشاه بن قلج أرسلان إلى السلطان محمد.
ذكر أحوال الباطنية بأصبهان وقتل ابن عطاش (4/410)
في هذه السنة ملك السلطان محمد القلعة التي كان الباطنية ملكوها بالقرب من أصبهان، واسمها شاه دز، وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش، وولده، وكانت هذه القلعة قد بناها ملكشاه، واستولى عليها بعده أحمد بن عبد الملك بن عطاش.
وسبب ذلك أنه اتصل بدزدار كان لها، فلما مات استولى أحمد عليها، وكان الباطنية بأصبهان قد ألبسوه تاجاً، وجمعوا له أموالاً، وإنما فعلوا ذلك به لتقدم أبيه عبد الملك في مذهبهم، فإنه كان أديباً بليغاً، حسن الخط، سريع البديهة، عفيفاً، وابتلي بحب هذا المذهب، وكان ابنه أحمد هذا جاهلاً لا يعرف شيئاً، وقيل لابن الصباح، صاحب قلعة ألموت: لماذا تعظم ابن عطاش مع جهله؟ قال: لمكان أبيه، لأنه أستاذي.
وصار لابن عطاش عدد كثير، وبأس شديد، واستفحل أمره بالقلعة، فكان يرسل أصحابه لقطع الطريق، وأخذ الأموال، وقتل من قدروا على قتله، فقتلوا خلقاً كثيراً لا يمكن إحصاؤهم، وجعلوا له على القرى السلطانية وأملاك الناس ضرائب يأخذونها ليكفوا عنها الأذى، فتعذر بذلك انتفاع السلطان بقراه، والناس بأملاكهم، وتمشى لهم الأمر بالخلف الواقع بين السلطانين بركيارق ومحمد.
فلما صفت السلطنة لمحمد، ولم يبق له منازع، لم يكن عنده أمر أهم من قصد الباطنية وحربهم، والانتصاف للمسلمين من جورهم وعسفهم، فرأى البداية بقلعة أصبهان التي بأيديهم، لأن الأذى بها أكثر، وهي متسلطة على سرير ملكه، فخرج بنفسه فحاصرهم في سادس شعبان.
وكان قد عزم على الخروج أول رجب، فساء ذلك من يتعصب لهم من العسكر، فأرجفوا أن قلج أرسلان بن سليمان قد ورد بغداد وملكها، وافتعلوا في ذلك مكاتبات، ثم أظهروا أن خللاً قد تجدد بخراسان، فتوقف السلطان لتحقيق الأمر، فلما ظهر بطلانه عزم عزيمة مثله، وقصد حربهم، وصعد جبلاً يقابل القلعة من غربيها، ونصب له التخت في أعلاه، واجتمع له من أصبهان وسوادها لحربهم الأمم العظيمة للذحول التي يطالبونهم بها، وأحاطوا بجبل القلعة ودوره أربعة فراسخ، ورتب الأمراء لقتالهم، فكان يقاتلهم كل يوم أمير، فضاق الأمر بهم، واشتد الحصار عليهم، وتعذرت عندهم الأقوات.
فلما اشتد الأمر عليهم كتبوا فتوى فيها ما يقول السادة الفقهاء أئمة الدين في قوم يؤمنون بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وإن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، حق وصدق، وإنما يخالفون في الإمام: هل يجوز للسلطان مهادنتهم وموادعتهم، وأن يقبل طاعتهم، ويحرسهم من كل أذى؟ فأجاب أكثر الفقهاء بجواز ذلك، وتوقف بعضهم، فجمعوا للمناظرة، ومعهم أبو الحسن علي بن عبد الرحمن السمنجاني، وهو من شيوخ الشافعية، فقال، بمحضر من الناس، يجب قتالهم، ولا يجوز إقرارهم بمكانهم، ولا ينفعهم التلفظ بالشهادتين، فإنهم يقال لهم: أخبرونا عن إمامكم، إذا أباح لكم ما حظره الشرع، أو حظر عليكم ما أباحه الشرع أتقبلون أمره؟ فإنهم يقولون نعم، وحينئذ تباح دماؤهم بالإجماع. وطالت المناظرة في ذلك.
ثم إن الباطنية سألوا السلطان أن يرسل إليهم من يناظرهم، وعينوا على أشخاص من العلماء منهم القاضي أبو العلاء صاعد بن يحيى، شيخ الحنفية بأصبهان، وقاضيها، وغيره، فصعدوا إليهم وناظروهم، وعادوا كما صعدوا، وإنما كان قصدهم التعلل والمطاولة، فلج حينئذ السلطان في حصرهم، فلما رأوا عين المحاقة أذعنوا إلى تسليم القلعة على أن يعطوا عوضاً عنها قلعة خالنجان، وهي على سبعة فراسخ من أصبهان، وقالوا: إنا نخاف على دمائنا وأموالنا من العامة، فلا بد من مكان نحتمي به منهم، فأشير على السلطان بإجابتهم إلى ما طلبوا، فسألوا أن يؤخرهم إلى النوروز ليرحلوا إلى خالنجان ويسلموا قلعتهم، وشرطوا أن لا يسمع قول متنصح فيهم، وإن قال أحد عنهم شيئاً سلمه إليهم، وأن ما أتاه منهم رده إليهم، فأجابهم إليه، وطلبوا أن يحمل إليهم من الإقامة ما يكفيهم يوماً بيوم، فأجيبوا إليه في كل هذا، وقصدهم المطاولة انتظاراً لفتق أو حادث يتجدد. (4/411)
ورتب لهم وزير السلطان سعد الملك ما يحمل إليهم كل يوم من الطعام والفاكهة، وجميع ما يحتاجون إليه، فجعلوا هم يرسلون، ويبتاعون من الأطعمة ما يجمعونه ليمتنعوا في قلعتهم، ثم إنهم وضعوا من أصحابهم من يقتل أميراً كان يبالغ في قتالهم، فوثبوا عليه وجرحوه، وسلم منهم، فحينئذ أمر السلطان بإخراب قلعة خالنجان، وجدد الحصار عليهم، فطلبوا أن ينزل بعضهم، ويرسل السلطان معهم من يحميهم إلى أن يصلوا إلى قلعة الناظر بأرجان، وهي لهم، وينزل بعضهم، ويرسل معهم من يوصلهم إلى طبس، وأن يقيم البقية منهم في ضرس من القلعة، إلى أن يصل إليهم من يخبرهم بوصول أصحابهم، فينزلون حينئذ، ويرسل معهم من يوصلهم إلى ابن الصباح بقلعة ألموت، فأجيبوا إلى ذلك، فنزل منهم إلى الناظر، وإلى طبس، وساروا، وتسلم السلطان القلعة وخربها.
ثم إن الذين ساروا إلى قلعة الناظر وطبس منهم من أخبر ابن عطاش بوصولهم، فلم يسلم السن الذي بقي بيده، ورأى السلطان منه الغدر، والعود عن الذي قرره، فأمر بالزحف إليه، فزحف الناس عامة ثاني ذي القعدة، وكان قد قل عنده من يمنع ويقاتل، فظهر منهم صبر عظيم، وشجاعة زائدة، وكان قد استأمن إلى السلطان إنسان من أعيانهم، فقال لهم: إني أدلكم على عورة لهم، فأتى بهم إلى جانب لذلك السن لهم لا يرام، فقال لهم: اصعدوا من هاهنا، فقيل إنهم قد ضبطوا هذا المكان وشحنوه بالرجال، فقال: إن الذي ترون أسلحة وكزاغندات قد جعلوها كهيئة الرجال لقلتهم عندهم.
وكان جميع من بقي ثمانين رجلاً، فزحف الناس من هناك، فصعدوا منه، وملكوا الموضع، وقتل أكثر الباطنية، واختلط جماعة منهم مع من دخل، فخرجوا معهم، وأما ابن عطاش فإنه أخذ أسيراً، فترك أسبوعاً، ثم إنه أمر به فشهر في جميع البلد، وسلخ جلده، فتجلد حتى مات، وحشي جدله تبناً، وقتل ولده، وحمل رأساهما إلى بغداد، وألقت زوجته نفسها من رأس القلعة فهلكت، وكان معها جواهر نفيسة لم يوجد مثلها، فهلكت أيضاً وضاعت، وكانت مدة البلوى بابن عطاش اثنتي عشرة سنة.
ذكر الخلف بين سيف الدولة صدقة ومهذب الدولة صاحب البطيحة
في هذه السنة اختلف سيف الدولة صدقة بن مزيد، ومهذب الدولة السعيد ابن أبي الجبر، صاحب البطيحة، وانضاف حماد بن أبي الجبر إلى صدقة، وأظهر معاداة ابن عمه مهذب الدولة، ثم اتفقوا.
وكان سبب ذلك أن صدقة لما أقطعه السلطان محمد مدينة واسط ضمنها منه مهذب الدولة، واستناب في الأعمال أولاده وأصحابه، فمدوا أيديهم في الأموال، وفرطوا فيها، وفرقوها، فلما انقضت السنة طالبه صدقة بالمال، وحبسه، ثم سعى في خلاصه بدران بن صدقة، وهو صهر مهذب الدولة، فأخرجه من الحبس وأعاده إلى بلده البطيحة.
وضمن حماد بن أبي الجبر واسط، فانحل على مهذب الدولة كثير من أمره، فآل الأمر إلى الاختلاف بعد الاتفاق، فإن المصطنع إسماعيل، جد حماد، والمختص محمداً، والد مهذب الدولة، أخوان، وهما ابنا أبي الجبر، وكانت إليهما رئاسة أهلهما وجماعتهما، فهلك المصطنع، وقام ابنه أبو السيد المظفر، والد حماد، مقامه وهلك المختص محمد، وقام ابنه مهذب الدولة مقامه، وصارا يتنازعان ابن الهيثم، صاحب البطيحة، ويقاتلانه إلى أن أخذه مهذب الدولة، أيام كوهرائين، وسلمه إلى كوهرائين، فحمله إلى أصبهان، فهلك في طريقها. فعظم أمر مهذب الدولة، وصيره كوهرائين أمير البطيحة، فصار ابن عمه وجماعة تحت حكمه. (4/412)
وكان حماد شاباً، فأكرمه مهذب الدولة، وزوجه بنتاً له، وزاد في إقطاعه، فكثر ماله، فصار يحسد مهذب الدولة، ويضمر بغضه، وربما ظهر في بعض الأوقات، وكان مهذب الدولة يداريه بجهده، فلما هلك كوهرائين انتقل حماد عن مهذب الدولة، وأظهر ما في نفسه، فاجتهد مهذب الدولة في إعادته إلى ما كان، فلم يفعل، فسكت عنه، فجمع النفيس بن مهذب الدولة جمعاً وقصد حماداً، فهرب منه إلى سيف الدولة بالحلة، فأعاده صدقة ومعه جماعة من الجند، فحشد مهذب الدولة، فأرسل حماد إلى صدقة يعرفه ذلك، فأرسل إليه كثيراً من الجند، فقوي عزم مهذب الدولة على المحاربة لئلا يظن به العجز، فأشار عليه أهله بترك الخروج من موضعه لحصانته، فلم يفعل، وسير سفنه وأصحابه في الأنهر، فجعل حماد وأخوه له الكمناء، واندفعوا من بين أيديهم، فطمع أصحاب مهذب الدولة وتبعوهم، فخرج عليهم الكمناء، فلم يسلم منهم إلا من لم يحضر أجله، فقتل منهم وأسر خلق كثير، فقوي طمع حماد، وأرسل إلى صدقة يستنجده، فأرسل إليه مقدم جيشه سعيد بن حميد العمري، وغيره من المقدمين، وجمعوا السفن ليقاتلوا مهذب الدولة، فرأوا أمراً محكماً، فلم يمكنهم الدخول إليه.
وكان حماد بخيلاً، ومهذب الدولة جواداً، فأرسل إلى سعيد بن حميد الإقامات الوافرة، والصلات الكثيرة، واستماله، فمال إليه، واجتمع به، وتقرر الأمر على أن أرسل مهذب الدولة ابنه النفيس إلى صدقة، فرضي عنه، وأصلح بينهم وبين حماد ابن عمهم، وعادوا إلى حال حسنة من الاتفاق، وكان صلحهم في ذي الحجة سنة خمسمائة.
ذكر قتل وزير السلطان أحمد بن نظام الملك
في شوال من هذه السنة قبض السلطان محمد على وزيره سعد الملك أبي المحاسن، وأخذ ماله، وصلبه على باب أصبهان، وصلب معه أربعة نفر من أعيان أصحابه والمنتمين إليه، وأما الوزير فنسب إلى خيانة السلطان، وأما الآربعة فنسبوا إلى اعتقاد الباطنية، وكانت مدة وزارته سنتين وتسعة أشهر، وكان في ابتداء حاله يصحب تاج الملك أبا الغنائم، وتعطل بعده، ثم استعمله مؤيد الملك بن نظام الملك، فجعله على ديوان الاستيفاء، وخدم السلطان محمداً لما حصره أخوه السلطان بركيارق بأصبهان خدمة حسنة، ولما فارقها محمد حفظها الحفظ التام، وقام المقام العظيم، فاستوزره محمد، ووسع له في الإقطاع، وحكمه في دولته، ثم نكبه، وهذا آخر خدمة الملوك، وما أحسن ما قال عبد الملك بن مروان: أنعم الناس عيشاً من له ما يكفيه، وزوجة ترضيه، ولا يعرف أبوابنا هذه الخبيثة فتؤذيه.
ولما قبض الوزير استشار السلطان في من يجعله وزيراً، فذكر له جماعة، فقال السلطان: إن آبائي دروا على نظام الملك البركة، ولهم عليه الحق الكثير، وأولاده أغذياء نعمتنا، ولا معدل عنهم. فأمر لأبي نصر أحمد هذا بالوزارة، ولقب ألقاب أبيه: قوام الدين، نظام الملك، صدر الإسلام.
وكان سبب قدومه إلى باب السلطان أنه لما رأى انقراض دولة أهل بيته لزم داره بهمذان، فاتفق أن رئيس همذان، وهو الشريف أبو هاشم، آذاه، فسار إلى السلطان شاكياً منه ومتظلماً، فقبض السلطان على الوزير، وحكمه ومكنه، وقوي أمره، وهذا من الفرج بعد الشدة، فإنه حضر شاكياً، فصار حاكماً.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في صفر، عزل الوزير أبو القاسم علي بن جهير، وزير الخليفة، فقصد دار سيف الدولة صدقة ببغداد ملتجئاً إليها، وكانت ملجأ لكل ملهوف، فأرسل إليه صدقة من أخذه إليه إلى الحلة، وكانت وزارته ثلاث سنين وخمسة أشهر وأياماً، وأمر الخليفة بنقض داره التي بباب العامة، وفيها عبرة، فإن أباه أبا نصر بن جهير بناها بأنقاض أملاك الناس، وأخذ، بسببها، أكثر ما دخل فيها، فخربت عن قريب.
ولما عزل استنيب قاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني، ثم تقررت الوزارة في المحرم من سنة إحدى وخمسمائة أبي المعالي هبة الله بن محمد بن المطلب، وخلع عليه فيه.
وفيها، في شوال، توفي الأمير أبو الفوارس سرخاب بن بدر بن مهلهل، المعروف بابن أبي الشوك الكردي، وكانت له أموال كثيرة، وخيول لا تحصى، وولي الإمرة بعده أبو منصور بن بدر، وقام مقامه، وبقيت الإمارة في بيته مائة وثلاثين سنة، وقد تقدم من أخباره ما فيه كفاية. (4/413)
وفي هذه السنة توفي أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الحداد الأصبهاني ابن أخت عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن مندة، ومولده سنة ثمان وأربعمائة، وكان مكثراً من الحديث، مشهوراً بالرواية.
وفيها توفي أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج البغدادي في صفر، وهو مكثر من الرواية، وله تصانيف حسنة، وأشعار لطيفة، وهو من أعيان الزمان، وعبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب أبو محمد الشيرازي، الفقيه، ولي التدريس بالنظامية ببغداد سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، وكان يروي الحديث أيضاً، وأبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي المعروف بابن الطيوري البغدادي، ومولده سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وكان مكثراً من الحديث ثقة صالحاً عابداً، وأبو الكرم المبارك بن الفاخر بن محمد بن يعقوب النحوي، سمع الحديث من أبي الطيب الطبري، والجوهري، وغيرهما، وكان إماماً في النحو واللغة.


ثم دخلت سنة إحدى وخمسمائة
ذكر قتل صدقة بن مزيد

في هذه السنة، في رجب، قتل الأمير سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد الأسدي، أمير العرب، وهو الذي بنى الحلة السيفية بالعراق، وكان قد عظم شأنه، وعلا قدره، واتسع جاهه، واستجار به صغار الناس وكبارهم، فأجابهم.
وكان كثير العناية بأمور السلطان محمد، والتقوية ليده، والشد منه على أخيه بركيارق، حتى إنه جاهر بركيارق بالعداوة، ولم يبرح على مصافاة السلطان محمد، وزاده محمد إقطاعاً من جملته مدينة واسط، وأذن له في أخذ البصرة. ثم أفسد ما بينهما العميد أبو جعفر محمد بن الحسين البلخي، وقال في جملة ما قال عنه: إن صدقة قد عظم أمره، وزاد حاله، وكثر إدلاله، ويبسط في الدولة حمايته على كل من يفر إليه من عند السلطان، وهذا لا تحتمله الملوك لأولادهم، ولو أرسلت بعض أصحابك لملك بلاده وأمواله.
ثم إنه تعدى ذلك حتى طعن في اعتقاده، ونسبه وأهل بلده إلى مذهب الباطنية، وكذب، وإنما كان مذهبه التشيع لا غير، ووافق أرغون السعدي أبا جعفر العميد وانتهى ذلك إلى صدقة، وكانت زوجة أرغون بالحلة وأهله، فلم يؤاخذهم بشيء مما كان له أيضاً هناك من بقايا خراج ببلده، فأمر صدقة أن يخلص ذلك إليه بأجمعه ويسلم إلى زوجته.
وأما سبب قتله فإن صدقة كان، كما ذكرنا، يستجير به كل خائف من خليفة وسلطان وغيرهما، وكان السلطان محمد قد سخط على أبي دلف سرخاب بن كيخسرو، صاحب ساوة وآبة، فهرب منه وقصد صدقة فاستجار به، فأجاره، فأرسل السلطان يطلب من صدقة أن يسلمه إلى نوابه، فلم يفعل، وأجاب: إنني لا أمكن منه بل أحامي عنه، وأقول ما قاله أبو طالب لقريش لما طلبوا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ونسلمه، حتى نصرع حوله، ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وظهر منه أمور أنكرها السلطان فتوجه إلى العراق ليتلافى هذا الأمر، فلما سمع صدقة استشار أصحابه في الذي يفعله، فأشار عليه ابنه دبيس بأن ينفذه إلى السلطان ومعه الأموال، والخيل، والتحف، ليستعطف له السلطان، وأشار سعيد بن حميد، صاحب جيش صدقة، بالمحاربة، وجمع الجند، وتفريق المال فيهم، واستطال في القول، فمال صدقة إلى قوله، وجمع العساكر، واجتمع إليه عشرون ألف فارس، وثلاثون ألف راجل، فأرسل إليه المستظهر بالله يحذره عاقبة أمره، وينهاه عن الخروج عن طاعة السلطان، ويعرض له توسط الحال، فأجاب صدقة: إنني على طاعة السلطان، لكن لا آمن على نفسي في الاجتماع به، وكان الرسول بذلك عن الخليفة نقيب النقباء علي بن طراد الزينبي.
ثم أرسل السلطان أقضى القضاة أبا سعيد الهروي إلى صدقة يطيب قلبه، ويزيل خوفه، ويأمره بالانبساط على عادته، ويعزمه عزمه على قصد الفرنج، ويأمره بالتجهز للغزاة معه. فأجاب: إن السلطان قد أفسد أصحابه قلبه علي، وغيروا حالي معه، وأزال ما كان عليه في حقي من الإنعام، وذكر سالف خدمته ومناصحته، وقال سعيد بن حميد، صاحب جيشه: لم يبق لنا في صلح السلطان مطمع، ولترون خيولنا بحلوان، وامتنع صدقة من الاجتماع بالسلطان.
ووصل السلطان إلى بغداد في العشرين من ربيع الآخر، ومعه وزيره نظام الملك بن أحمد بن نظام الملك، وسير البرسقي، شحنة بغداد، في جماعة من الأمراء إلى صرصر، فنزلوا عليها. (4/414)
وكان وصول السلطان، جريدة، لا يبلغ عسكره ألفي فارس، فلما تيقن ببغداد مكاشفة صدقة، أرسل إلى الأمراء يأمرهم بالوصول إليه والجد في السير، وتعجيل ذلك، فوردوا إليه من كل جانب.
ثم وصل كتاب صدقة إلى الخليفة، في جمادى الأولى، يذكر أنه واقف عند ما يرسم له ويقرر من حاله مع السلطان، ومهما أمرته من ذلك امتثله، فأنفذ الخليفة الكتاب إلى السلطان، فقال السلطان: أنا ممتثل ما يأمر به الخليفة، ولا مخالفة عندي. فأرسل الخليفة إلى صدقة يعرفه إجابة السلطان إلى ما طلب منه، ويأمره بإنفاذ ثقته ليستوثق له، ويحلف السلطان على ما يقع الاتفاق عليه. فعاد صدقة عن ذلك الرأي، وقال: إذا رحل السلطان عن بغداد أمددته بالمال والرجال، وما يحتاج إليه في الجهاد، وأما الآن، وهو ببغداد، وعسكره بنهر الملك، فما عندي مال ولا غيره، وإن جاولي سقاوو، وإيلغازي بن أرتق، قد أرسلا إلي بالطاعة لي والموافقة معي على محاربة السلطان وغيره، ومتى أردتهما وصلا إلي في عساكرهما.
وورد إلى السلطان قرواش بن شرف الدولة، وكرماوي بن خراسان التركماني، وأبو عمران فضل بن ربيعة بن حازم بن الجراح الطائي، وأباؤه كانوا أصحاب البلقاء والبيت المقدس منهم: حسان بن المفرج الذي مدحه التهامي، وكان فضل تارة مع الفرنج، وتارة مع المصريين، فلما رآه طغتكين أتابك على هذه الحال طرده من الشام، فلما طرده التجأ إلى صدقة وعاقده، فأكرمه صدقة، وأهدى له هدايا كثيرة منها سبعة آلاف دينار عيناً.
فلما كانت هذه الحادثة بني صدقة والسلطان سار في الطلائع، ثم هرب إلى السلطان، فلما وصل خلع عليه وعلى أصحابه، وأنزله بدار صدقة ببغداد، فلما سار السلطان إلى قتال صدقة استأذنه فضل في إتيان البرية ليمنع صدقة من الهرب إن أراد ذلك، فأذن له، فعبر بالأنبار وكان آخر العهد به.
وأنفذ السلطان في جمادى الأولى إلى واسط الأمير محمد بن بوقا التركماني، فأخرج عنها نائب صدقة، وأمن الناس كلهم، إلا أصحاب صدقة، فتفرقوا، ولم ينهب أحد، وأنفذ خيله إلى بلد قوسان، وهو من أعمال صدقة، فنهبه أقبح نهب، وأقام عدة أيام، فأرسل صدقة إليه ثابت بن سلطان، وهو ابن عم صدقة، ومعه عسكر، فلما وصلوا إليها خرج منها الأتراك، وأقام ثابت بها، وبينه وبينهم دجلة.
ثم إن بوقا عبر جماعة من الجند ارتضاهم، وعرف شجاعتهم، فوقفوا على موضع مرتفع على نهر سالم، يكون ارتفاعه نحو خمسين ذراعاً، فقصدهم ثابت وعسكره فلم يقدروا أن يقربوا الترك من النشاب، والمدد يأتيهم من ابن بوقا، وجرح ثابت في وجهه، وكثرت الجراح في أصحابه، فانهزم هو ومن معه، وتبعهم الأتراك، فقتلوا منهم وأسروا، ونهب طائفة من الترك مدينة واسط، واختلط بهم رجالة ثابت، فنهبت معهم، فسمع ابن بوقا الخبر، فركب إليهم ومنعهم، وقد نهبوا بعض البلد، ونادى في الناس بالأمان، وأقطع السلطان، أواخر جمادى الأولى، مدينة واسط لقسيم الدولة البرسقي وأمر ابن بوقا بقصد بلد صدقة ونهبه، فنهبوا فيه ما لا يحد.
وأما السلطان محمد فإنه سار عن بغداد إلى الزعفرانية، ثاني جمادى الآخرة، فأرسل إليه الخليفة وزيره مجد الدين بن المطلب يأمره بالتوقف، وترك العجلة خوفاً على الرعية من القتل والنهب، وأشار قاضي أصبهان بذلك، واتباع أمر الخليفة، فأجاب السلطان إلى ذلك، فأرسل الخليفة إلى صدقة نقيب النقباء علي بن طراد، وجمال الدولة مختصاً الخادم، فسارا إلى صدقة فأبلغاه رسالة الخليفة يأمره بطاعة السلطان، وينهاه عن المخالفة، فاعتذر صدقة، وقال: ما خالفت الطاعة، ولا قطعت الخطبة في بلدي. وجهز ابنه دبيساً ليسير معهما إلى السلطان.
فبينما الرسل وصدقة في هذا الحديث، إذ ورد الخبر أن طائفة من عسكر السلطان قد عبروا من مطيراباذ، وأن الحرب بينهم وبين أصحاب صدقة قائمة على ساق، فتجلد صدقة لأجل الرسل، وهو يشتهي الركوب إلى أصحابه خوفاً عليهم، وكان الرسل إذا سمعوا ذلك ينكرونه لأنهم قد تقدموا إلى العسكر، عند عبورهم عليهم، أنه لا يتعرض أحد منهم إلى حرب، حتى نعود، فإن الصلح قد قارب. فقال صدقة للرسول: كيف أثق أرسل ولدي الآن، وكيف آمن عليه، وقد جرى ما ترون؟ فإن تكفلتم برده إلي أنفذته. فلم يتجاسروا على كفالته، فكتب إلى الخليفة يعتذر عن إنفاذ ولده بما جرى. (4/415)
وكان سبب هذه الوقعة أن عسكر السلطان لما رأوا الرسل اعتقدوا وقوع الصلح، فقال بعضهم: الرأي أننا ننهب شيئاً قبل الصلح، فأجاب البعض وامتنع البعض، فعبر من أجاب النهر، ولم يتأخر من لم يجب لئلا ينسب إلى خور وجبن، ولئلا يتم على من عبر وهن، فيكون عاره وأذاه عليهم، فعبروا بعدهم أيضاً، فأتاهم أصحاب صدقة وقاتلوهم، فكانت الهزيمة على الأتراك، وقتل منهم جماعة كثيرة، وأسر جماعة من أعيانهم، وكثير من غيرهم، وغرق جماعة منهم: الأمير محمد بن باغي سيان الذي كان أبوه صاحب أنطاكية، وكان عمره نيفاً وعشرين سنة، وكان محباً للعلماء وأهل الدين، وبنى بإقطاعه من أذربيجان عدة مدارس. ولم يجسر الأتراك على أن يعرفوا السلطان بما أخذ منهم من الأموال والدواب خوفاً منه، حيث فعلوا ذلك بغير أمره.
وطمع العرب بهذه الهزيمة، وظهر منهم الفخر والتيه والطمع، وأظهروا أنهم باعوا كل أسير بدينار، وأن ثلاثة باعوا أسيراً بخمسة قراريط وأكلوا خبزاً وهريسة، وجعلوا ينادون: من يتغدى بأسير، ويتعشى بآخر؟ وظهر من الأتراك اضطراب عظيم.
وأعاد الخليفة مكاتبة صدقة بتحرير أمر الصلح، فأجاب أنه لا يخالف ما يؤمر به، وكتب صدقة أيضاً إلى السلطان يعتذر مما نقل عنه، ومن الحرب التي كانت بين أصحابه وبين الأتراك، وأن جند السلطان عبرت إلى أصحابه، فمنعوا عن أنفسهم بغير علمه، وأنه لم يحضر الحرب، ولم ينزع يداً من طاعة، ولا قطع خطبته من بلده.
ولم يكن صدقة كاتبه قبل هذا الكتاب، فأرسل الخليفة نقيب النقباء، وأبا سعد الهروي إلى صدقة، فقصدا السلطان أولاً، وأخذا يده بالأمان لمن يقصده من أقارب صدقة، فلما وصلا إلى صدقة وقالا له عن الخليفة: إن إصلاح قلب السلطان موقوف على إطلاق الأسرى، ورد جميع ما أخذ من العسكر المنهزم، فأجاب أولاً بالخضوع والطاعة، ثم قال: لوقدرت على الرحيل من بين يدي السلطان لفعلت، لكن ورائي من ظهري، وظهر أبي وجدي، ثلاثمائة امرأة، ولا يحملهن مكان، ولو علمت أنني إذا جئت السلطان مستسلماً قبلني واستخدمني لفعلت، لكنني أخاف أنه لا يقبل عثرتي، ولا يعفو عن زلتي.
وأما ما نهب فإن الخلق كثير، وعندي من لا أعرفه، وقد نهبوا ودخلوا البر، فلا طاقة لي عليهم، ولكن إذا كان السلطان لا يعارضني فيما في يدي، ولا فيمن أجرته، وأن يقر سرخاب بن كيخسرو على إقطاعه بساوة، وأن يتقدم إلى ابن بوقا بإعادة ما نهب من بلادي، وأن يخرج وزير الخليفة يحلفه بما أثق به من الأيمان على المحافظة فيما بيني وبينه، فحينئذ أخدم بالمال، وأدوس بساطه بعد ذلك.
فعادوا بهذا، ومعهم أبو منصور بن معروف، رسول صدقة، فردهم الخليفة، وأرسل السلطان معهم قاضي أصبهان أبا إسماعيل، فأما أبو إسماعيل فلم يصل إليه، وعاد من الطريق، وأصر صدقة على القول الأول. فحينئذ سار السلطان، ثامن رجب، من الزعفرانية، وسار صدقة في عساكر إلى قرية مطر، وأمر جنده بلبس السلاح، واستأمن ثابت بن سلطان بن دبيس بن علي بن مزيد، وهو ابن عم صدقة، إلى السلطان محمد، وكان يحسد صدقة، وهو الذي تقدم ذكره أنه كان بواسط، فأكرمه السلطان، وأحسن إليه، ووعده الإقطاع.
ووردت العساكر إلى السلطان منهم: بنو برسق، وعلاء الدولة أبو كاليجار كرشاسب بن علي بن فرامرز أبي جعفر بن كاكويه وآباؤه كانوا أصحاب أصبهان، وفرامرز هو الذي سلمها إلى طغرلبك، وقتل أبوه مع تتش.
وعبر عسكر السلطان دجلة، ولم يعبر هو، فصاروا مع صدقة على أرض واحدة، بينهما نهر، والتقوا تاسع رجب، وكانت الريح في وجوه أصحاب السلطان، فلما التقوا صارت في ظهورهم، وفي وجوه أصحاب صدقة، ثم إن الأتراك رموا بالنشاب، فكان يخرج في كل رشقة عشرة آلاف نشابة، فلم يقع سهم إلا في فرس أو فارس، وكان أصحاب صدقة كلما حملوا منعهم النهر من الوصول إلى الأتراك والنشاب، ومن عبر منهم لم يرجع، وتقاعدت عبادة وخفاجة، وجعل صدقة ينادي: يا آل خزيمة، يا آل ناشرة، يا آل عوف، ووعد الأكراد بكل جميل لما ظهر من شجاعتهم، وكان راكباً على فرسه المهلوب، ولم يكن لأحد مثله، فجرح الفرس ثلاث جراحات، وأخذه الأمير أحمديل بعد قتل صدقة، فسيره إلى بغداد في سفينة، فمات في الطريق. (4/416)
وكان لصدقة فرس آخر قد ركبه حاجبه أبو نصر بن تفاحة، فلما رأى الناس وقد غشوا صدقة هرب عليه، فناداه صدقة، فلم يجبه، وحمل صدقة على الأتراك، وضربه غلام منهم على وجهه فشوهه، وجعل يقول: أنا ملك العرب، أنا صدقة! فأصابه سهم في ظهره، وأدركه غلام اسمه بزغش، كان أشل، فتعلق به، وهو لا يعرفه، وجذبه عن فرسه، فسقط إلى الأرض هو والغلام، فعرفه صدقة، فقال: يا بزغش ارفق، فضربه بالسيف فقتله، وأخذ رأسه وحمله إلى البرسقي، فحمله إلى السلطان، فلما رآه عانقه، وأمر لبزغش بصلة.
وبقي صدقة طريحاً إلى أن سار السلطان، فدفنه إنسان من المدائن. وكان عمره تسعاً وخمسين سنة، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة، وحمل رأسه إلى بغداد، وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس، فيهم جماعة من أهل بيته، وقتل من بني شيبان خمسة وتسعون رجلاً، وأسر ابنه دبيس بن صدقة، وسرخاب بن كيخسرو الديلمي الذي كانت هذه الحرب بسببه، فأحضر بين يدي السلطان، فطلب الأمان، فقال: قد عاهدت الله أنني لا أقتل أسيراً، فإن ثبت عليك أنك باطني قتلتك، وأسر سعيد بن حميد العمري، صاحب جيش صدقة، وهرب بدران بن صدقة إلى الحلة، فأخذ من المال وغيره ما أمكنه، وسير أمه ونساءه إلى البطيحة إلى مهذب الدولة أبي العباس أحمد بن أبي الجبر، وكان بدران صهر مهذب الدولة على ابنته، ونهب من الأموال ما لا حد عليه.
وكان له من الكتب المنسوبة الخط شيء كثير، ألوف مجلدات، وكان يحسن يقرأ، ولا يكتب، وكان جواداً، حليماً، صدوقاً، كثير البر والإحسان، ما برح ملجأ لكل ملهوف، يلقى من يقصده بالبر والتفضل، ويبسط قاصديه، ويزورهم، وكان عادلاً، والرعايا معه في أمن ودعة، وكان عفيفاً لم يتزوج على امرأته، ولا تسرى عليها، فما ظنك بغير هذا؟ ولم يصادر أحداً من نوابه، ولا أخذهم بإساءة قديمة، وكان أصحابه يودعون أموالهم في خزانته، ويدلون عليه إدلال الولد على الوالد، ولم يسمع برعية أحبت أميرها كحب رعيته له.
وكان متواضعاً، محتملاً، يحفظ الأشعار، ويبادر إلى النادرة، رحمه الله، لقد كان من محاسن الدنيا.
وعاد السلطان إلى بغداد، ولم يصل إلى الحلة، وأرسل إلى البطيحة أماناً لزوجة صدقة، وأمرها بالظهور فأصعدت إلى بغداد، فأطلق السلطان ابنها دبيساً، وأنفذ معه جماعة من الأمراء إلى لقائها، فلما لقيها ابنها بكيا بكاء شديداً، ولما وصلت إلى بغداد أحضرها السلطان، واعتذر من قتل زوجها، وقال: وددت أنه حمل إلي حتى كنت أفعل معه ما يعجب الناس به من الجميل والإحسان، لكن الأقدار غلبتني. واستحلف ابنها دبيساً أنه لا يسعى بفساد.
ذكر وفاة تميم بن المعز صاحب إفريقية وولاية ابنه يحيى
في هذه السنة، في رجب، توفي تميم بن المعز بن باديس، صاحب إفريقية، وكان شهماً، شجاعاً، ذكياً، له معرفة حسنة، وكان حليماً، كثير العفو عن الجرائم العظيمة، وله شعر حسن، فمنه أنه وقعت حرب بين طائفتين من العرب، وهم عدي، ورياح، فقتل رجل من رياح، ثم اصطلحوا، وأهدروا دمه، وكان صلحهم مما يضر به وببلاده، فقال أبياتاً يحرض على الطلب بدمه، وهي:
متى كانت دماؤكم تطل ... أما فيكم بثأر مستقل
أغانم ثم سالم إن فشلتم، ... فما كانت أوائلكم تذل
وتمتم عن طلاب الثأر، حتى ... كأن العز فيكم مضمحل
وما كسرتم فيه العوالي، ... ولا بيض تفل، ولا تسل
فعمد إخوة المقتول فقتلوا أميراً من عدي، واشتد بينهم القتال، وكثرت القتلى، حتى أخرجوا بني عدي من إفريقية.
قيل: إنه اشترى جارية بثمن كثير، فبلغه أن مولاها الذي باعها ذهب عقله وأسف على فراقها، فأحضره تميم إلى بين يديه، وأرسل الجارية إلى داره، ومعها من الكسوات، والأواني الفضة، وغيرها، ومن الطيب، وغيره، شيء كثير، ثم أمر مولاها بالانصراف، وهو لا يعلم بذلك، فلما وصل إلى داره ورآها على تلك الحال وقع مغشياً عليه لكثرة سروره، ثم أفاق. فلما كان الغد أخذ الثمن، وجميع ما كان معها، وحمله إلى دار تميم، فانتهره، وأمره بإعادة جميع ذلك إلى داره. (4/417)
وكان له في البلاد أصحاب أخبار يجري عليهم أرزاقاً سنية ليطالعوه بأحوال أصحابه لئلا يظلموا الناس، فكان بالقيروان تاجر له مال وثروة، فذكر في بعض الأيام التجار تميماً، ودعوا له، وذلك التاجر حاضر، فترحم على أبيه المعز، ولم يذكره، فرفع ذلك إلى تميم، فأحضره إلى قصره وسأله: هل ظلمتك؟ فقال: لا! قال: فهل ظلمك بعض أصحابي؟ قال: لا! قال: فلم أطلقت لسانك أمس بذمي؟ فسكت، فقال: لولا أن يقال شره في ماله لقتلتك، ثم أمر به فصفع في حضرته قليلاً، ثم أطلقه فخرج، وأصحابه ينتظرونه، فسألوه عن خبره، فقال: أسرار الملوك لا تذاع، فصارت بإفريقية مثلاً.
ولما توفي كان عمره تسعاً وسبعين سنة، وكانت ولايته ستاً وأربعين سنة وعشرة أشهر وعشرين يوماً، وخلف من الذكور ما يزيد على مائة، ومن البنات ستين بنتاً، ولما توفي ملك بعده ابنه يحيى بن تميم، وكانت ولادته بالمهدية لأربع بقين من ذي الحجة سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وكان عمره حين ولي ثلاثاً وأربعين سنة وستة أشهر وعشرين يوماً، ولما ولي فرق أموالاً جزيلة، وأحسن السيرة في الرعية.
ذكر ملك يحيى قلعة قليبية
لما ملك يحيى بن تميم بعد أبيه، جرد عسكراً كثيفاً إلى قلعة قليبية، وهي من أحصن قلاع إفريقية، فنزل عليها، وحصرها حصاراً شديداً، ولم يبرح حتى فتحها وحصنها، وكان أبوه تميم قد رام فتحها، فلم يقدر على ذلك، ولم يزل مظفراً، منصوراً، لم يهزم له جيش.
ذكر قدوم ابن عمار بغداد مستنفراً
في هذه السنة، في شهر رمضان، ورد القاضي فخر الملك أبو علي بن عمار، صاحب طرابلس الشام، إلى بغداد، قاصداً باب السلطان محمد، مستنفراً على الفرنج، طالباً تسيير العساكر لإزاحتهم، والذي حثه على ذلك أنه لما طال حصر الفرنج لمدينة طرابلس، على ما ذكرناه، ضاقت عليه الأقوات وقلت، واشتد الأمر عليه وعلى أهل البلد، فمن الله عليهم، سنة خمسمائة، بميرة في البحر من جزيرة قبرس، وأنطاكية، وجزائر البنادقة، فاشتدت قلوبهم وقووا على حفظ البلد، بعد أن كانوا استسلموا.
فلما بلغ فخر الملك انتظام الأمور للسلطان محمد وزوال كل مخالف رأى لنفسه وللمسلمين قصده والانتصار به، فاستناب بطرابلس ابن عمه ذا المناقب، وأمره بالمقام بها، ورتب معه الأجناد براً وبحراً، وأعطاهم جامكية ستة أشهر سلفاً، وجعل كل موضع إلى من يقوم بحفظه، بحيث أن ابن عمه لا يحتاج إلى فعل شيء من ذلك، وسار إلى دمشق، فأظهر ابن عمه الخلاف له، والعصيان عليه، ونادى بشعار المصريين، فلما عرف فخر الملك ذلك كتب إلى أصحابه يأمرهم بالقبض عليه، وحمله إلى حصن الخوابي، ففعلوا ما أمرهم.
وكان ابن عمار قد استصحب معه من الهدايا ما لم يوجد عند ملك مثله من الأعلاق النفيسة، والأشياء الغريبة، والخيل الرائقة، فلما وصلها لقيه عسكرها، وطغتكين أتابك، وخيم على ظاهر البلد، وسأله طغتكين الدخول إليه، فدخل يوماً واحداً إلى الطعام، وأدخله حمامه، وسار عنها ومعه ولد طغتكين يشيعه.
فلما وصل إلى بغداد أمر السلطان الأمراء كافة بتلقيه وإكرامه، وأرسل إليه شبارته وفيها دسته الذي يجلس عليه ليركب فيها، فلما نزل إليها قعد بين يدي موضع السلطان، فقال له من بها من خواص السلطان: قد أمرنا أن يكون جلوسك في دست السلطان، فلما دخل على السلطان أجلسه، وأكرمه، وأقبل عليه بحديثه.
وسير الخليفة خواصه، وجماعة أرباب المناصب، فلقوه، وأنزله الخليفة وأجرى عليه الجراية العظيمة، وكذلك أيضاً فعل السلطان، وفعل معه ما لم يفعل مع الملوك الذين معهم أمثاله، وهذا جميعه ثمرة الجهاد في الدنيا، ولأجر الآخرة أكبر. (4/418)
ولما اجتمع بالسلطان قدم هديته، وسأله السلطان عن حاله، وما يعانيه في مجاهدة الكفار، ويقاسيه من ركوب الخطوب في قتالهم، فذكر له حاله، وقوة عدوه، وطول حصره، وطلب النجدة، وضمن أنه إذا سيرت العساكر معه أوصل إليهم جميع ما يلتمسونه، فوعده السلطان بذلك، وحضر دار الخلافة، وذكر أيضاً نحواً مما ذكره عند السلطان، وحمل هدية جميلة نفيسة، وأقام إلى أن رحل السلطان عن بغداد في شوال، فأحضره عنده بالنهروان، وقد تقدم إلى الأمير حسين بن أتابك قتلغ تكين ليسير معه العساكر التي سيرها إلى الموصل مع الأمير مودود لقتال جاولي سقاوو، ليمضوا معه إلى الشام، وخلع عليه السلطان خلعاً نفيسة، وأعطاه شيئاً كثيراً، وودعه، وسار ومعه الأمير حسين فلم يجد ذلك نفعاً، وكان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وأما أهل طرابلس فإنهم راسلوا الأفضل أمير الجيوش بمصر يلتمسون منه والياً يكون عندهم، ومعه الميرة في البحر، فسير إليهم شرف الدولة بن أبي الطيب والياً، ومعه الغلة وغيرها مما تحتاج إليه البلاد في الحصار، فلما صار فيها قبض على جماعة من أهل ابن عمار وأصحابه، وأخذ ما وجده من ذخائره وآلاته وغير ذلك، وحمل الجميع إلى مصر في البحر.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في شعبان، أطلق السلطان محمد الضرائب والمكوس، ودار البيع، والاجتيازات، وغير ذلك مما يناسبه بالعراق، وكتبت به الألواح، وجعلت في الأسواق.
وفيها، في شهر رمضان، ولي القاضي أبو العباس بن الرطبي الحسبة ببغداد.
وفيه أيضاً عزل الخليفة وزيره مجد الدين بن المطلب برسالة من السلطان بذلك، ثم أعيد إلى الوزارة بإذن السلطان، وشرط عليه شروطاً منها: العدل، وحسن السيرة، وأن لا يستعمل أحداً من أهل الذمة.
وفيها عاد أصبهبذ صباوة من دمشق، وكان هرب عند قتل إياز، فلما قدم أكرمه السلطان، وأقطعه رحبة مالك بن طوق.
وفيها، سابع شوال، خرج السلطان إلى ظاهر بغداد، عازماً على العود إلى أصبهان، وكان مقامه هذه المرة خمسة أشهر وسبعة عشر يوماً.
وفيها، في ذي الحجة، احترقت خرابة ابن جردة، فهلك فيها كثير من الناس، وأما الأمتعة، والأموال، وأثاث البيوت، فهلك ما لا حد عليه، وخلص خلق بنقب نقبوه في سور المحلة إلى مقبرة باب أبرز، وكان بها جماعة من اليهود، فلم ينقلوا شيئاً لتمسكهم بسبتهم، وكان بعض أهله قد عبروا إلى الجانب الغربي للفرجة، على عادتهم في السبت الذي يلي العيد، فعادوا فوجدوا بيوتهم قد خربت، وأهلهم قد احترقوا، وأموالهم قد هلكت.
ثم تبع ذلك حريق في عدة أماكن منها: درب القيار، وقراح ابن رزين، فارتاع الناس لذلك، وبطلوا معايشتهم، وأقاموا ليلاً ونهاراً يحرسون بيوتهم في الدروب، وعلى السطوح، وجعلوا عندهم الماء المعد لإطفاء النار، فظهر أن سبب هذا الحريق أن جارية أحبت رجلاً، فوافقته على المبيت عندها في دار مولاها سراً، وأعدت له ما يسرقه إذا خرج، ويأخذها هي أيضاً معه، فلما أخذها طرحا النار في الدار، فخرجا، فأظهر الله عليهما، وعجل الفضيحة لهما، فأخذا وحبسا.
وفيها جمع بغدوين ملك الفرنج عسكره وقصد مدينة صور وحصرها، وأمر ببناء حصن عندها، على تل المعشوقة، وأقام شهراً محاصراً لها، فصانعه واليها على سبعة آلاف دينار، فأخذها ورحل عن المدينة، وقصد مدينة صيدا، فحصرها براً وبحراً ونصب عليها البرج الخشب، ووصل الأسطول المصري في الدفع عنها، والحماية لمن فيها، فقاتلهم أسطول الفرنج، فظهر المسلمون عليهم، فاتصل الفرنج مسير عسكر دمشق نجدة لأهل صيدا، فرحلوا عنها بغير فائدة.
وفيها ظهر كوكب عظيم له ذوائب، فبقي ليالي كثيرة ثم غاب.
توفي في هذه السنة، في شعبان، إبراهيم بن مياس بن مهدي أبو إسحاق القشيري الدمشقي، سمع الحديث الكثير من الخطيب البغدادي وغيره.
وتوفي في ذي القعدة أبو سعيد إسماعيل بن عمرو بن محمد النيسابوري المحدث، كان يقرأ الحديث للغرباء، قرأ صحيح مسلم على عبد الغافر الفارسي عشرين مرة.

This site was last updated 07/27/11