Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

 سنة خمس عشرة وأربعمائة سنة ست عشرة وأربعمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة381
سنة382 وسنة383
سنة384 وسنة385
سنة486
سنة387 وسنة388
سنة389
سنة390 وسنة391
سنة392 وسنة393 وسنة394
سنة395 وسنة397 وسنة398
سنة 398 وسنة399 وسنة400
سنة401 وسنة402
سنة403 سنة404 وسنة405
سنة406
سنة407
سنة408 وسنة409
سنة410 وسنة411
سنة412 وسنة413 وسنة414
سنة415 وسنة416
سنة417 وسنة418
سنة419 وسنة420
سنة421 وسنة422

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة خمس عشرة وأربعمائة
ذكر الخلف بين مشرف الدولة والأتراك
وعزل الوزير المغربي

في هذه السنة تأكدت الوحشة بين الأثير عنبر الخادم، ومعه الوزير ابن المغربي، وبين الأتراك، فاستأذن الأثير والوزير ابن المغربي الملك مشرف الدولة في الانتزاح إلى بلد يأمنان فيه على أنفسهما، فقال: أنا أسير معكما. فساروا جميعاً ومعهم جماعة من مقدمي الديلم إلى السندية، وبها قرواش، فأنزلهم، ثم ساروا كلهم إلى أوانا.
فلما علم الأتراك ذلك عظم عليهم، وانزعجوا منه، وأرسلوا المرتضى وأبا الحسن الزينبي وجماعة من قواد الأتراك يعتذرون، ويقولون: نحن العبيد، فكتب إليهم أبو القاسم المغربي: إنني تأملت ما لكم من الجامكيات، فإذا هي ستمائة ألف دينار، وعملت دخل بغداد، فإذا هو أربعمائة ألف دينار، فإن أسقطتم مائة ألف دينار تحملت بالباقي، فقالوا: نحن نسقطها، فاستشعر منهم أبو القاسم المغربي، فهرب إلى قرواش، فكانت وزارته عشرة أشهر وخمسة أيام، فلما أبعد خرج الأتراك فسألوا الملك والأثير الانحدار معهم، فأجابهم إلى ذلك وانحدروا جميعهم.
ذكر الفتنة بالكوفة ووزارة أبي القاسم المغربي لابن مروان
في هذه السنة وقعت فتنة بالكوفة بين العلويين والعباسيين.
وسببها أن المختار أبا علي بن عبيد الله العلوي وقعت بينه وبين الزكي أبي علي النهرسابسي، وبين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عمر مباينة، فاعتضد المختار بالعباسيين، فساروا إلى بغداد، وشكوا ما يفعل بهم النهرسابسي، فتقدم الخليفة القادر بالله بالإصلاح بينهم مراعاة لأبي القاسم الوزير المغربي لأن النهرسابسي كان صديقه، وابن أبي طالب كان صهره، فعادوا، واستعان كل فريق بخفاجة، فأعان كل فريق من الكوفيين طائفة من خفاجة، فجرى بينهم قتال، فظهر العلويون، وقتل من العباسيين ستة نفر، وأحرقت دورهم ونهبت، فعادوا إلى بغداد، ومنعوا من الخطبة يوم الجمعة، وثاروا، وقتلوا ابن أبي العباس العلوي وقالوا: إن أخاه كان في جملة الفتكة بالكوفة. (4/183)
فبرز أمر الخليفة إلى المرتضى يأمره بصرف ابن أبي طالب عن نقابة الكوفة، وردها إلى المختار، فأنكر الوزير المغربي ما يجري على صهره ابن أبي طالب من العزل، وكان عند قرواش بسر من رأى، فاعترض أرحاء كانت للخليفة بدرزيجان، فأرسل الخليفة القاضي أبا جعفر السمناني في رسالة إلى قرواش يأمره بإبعاد المغربي عنه، ففعل، فسار المغربي إلى ابن مروان بديار بكر، وغضب الخليفة على النهرسابسي، وبقي تحت السخط إلى سنة ثماني عشرة وأربعمائة، فشفع فيه الأتراك وغيرهم، فرضي عنه، وحلفه على الطاعة، فحلف.
ذكر وفاة سلطان الدولة وملك ولده أبي كاليجار وقتل ابن مكرم
في هذه السنة، في شوال، توفي الملك سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة بشيراز، وكان عمره اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر. وكان ابنه أبو كاليجار بالأهواز، فطلبه الأوحد أبو محمد بن مكرم ليملك بعد أبيه، وكان هواه معه، وكان الأتراك يريدون عمه أبة الفوارس ابن بهاء الدولة، صاحب كرمان، فكاتبوه يطلبونه إليهم أيضاً، فتأخر أبو كاليجار عنها، فسبقه عمه أبو الفوارس إليها فملكها.
وكان أبو المكارم بن أبي محمد بن مكرم قد أشار على أبيه، لما رأى الاختلاف، أن يسير إلى مكان يأمن فيه على نفسه، فلم يقبل قوله، فسار وتركه وقصد البصرة، فندم أبوه حيث لم يكن معه، فقال له العادل أبو منصور ابن مافنة: المصلحة أن تقصد سيراف، وتكون مالك أمرك، وابنك أبو القاسم بعمان، فتحتاج الملوك إليك. فركب سفينة لمضي إليها، فأصابه برد، فبطل عن الحركة، وأرسل العادل بن مافنة إلى كرمان لإحضار أبي الفوارس، فسار إليه العادل وأبلغه رسالة ابن مكرم باستدعائه، فسار مجداً ومعه العادل، فوصلوا إلى فارس، وخرج ابن مكرم يلتقي أبا الفوارس ومعه الناس، فطالبه الأجناد بحق البيعة، فأحالهم على ابن مكرم، فتضجر ابن مكرم، فقال له العادل: الرأي أن تبذل مالك وأموالنا حتى تمشي الأمور، فانتهره فسكت، وتلوم ابن مكرم بإيصال المال إلى الأجناد، فشكوه إلى أبي الفوارس، فقبض عليه وعلى العادل بن مافنة، ثم قتل ابن مكرم واستبقى ابن مافنة.
فلما سمع ابنه أبو القاسم بقتله صار مع الملك أبي كاليجار وأطاعه، وتجهز أبو كاليجار، وأقام بأمره أبو مزاحم صندل الخادم، وكان مربيه، وساروا بالعساكر إلى فارس، فسير عمه أبو الفوارس عسكراً مع وزيره أبي منصور الحسن بن علي الفسوي لقتاله، فوصل أبو كاليجار والوزير متهاون به لكثرة عسكره، فأتوه وهو نائم، وقد تفرق عسكره في البلد يبتاعون ما يحتاجون إليه، وكان جاهلاً بالحرب، فلما شاهدوا أعلام أبي كاليجار شرع الوزير يرتب العسكر، وقد داخلهم الرعب، فحمل عليهم أبو كاليجار وهم على اضطراب، فانهزموا، وغنم أبو كاليجار وعسكره أموالهم، ودوابهم، وكل مالهم، فلما انتهى خبر الهزيمة إلى عمه أبي الفوارس سار إلى كرمان، وملك أبو كاليجار بلاد فارس ودخل شيراز.
ذكر عود أبي الفوارس إلى فارس وإخراجه عنها
ولما ملك أبو كاليجار بلاد فارس ودخل شيراز جرى على الديلم الشيرازية من عسكره ما أخرجهم عن طاعته، وتمنوا معه أنهم كانوا قتلوا مع عمه.
وكان جماعة من الديلم بمدينة فسا في طاعة أبي الفوارس، وهم يريدون أن يصلحوا حالهم مع أبي كاليجار ويصيروا معه، فأرسل إليهم الديلم الذين بشيراز يعرفونهم ما يلقون من الأذى، ويأمرونهم بالتمسك بطاعة أبي الفوارس، ففعلوا ذلك.
ثم إن عسكر أبي كاليجار طالبوه بالمال، وشغبوا عليه، فأظهر الديلم الشيرازية ما في نفوسهم من الحقد، فعجز عن المقام معهم، فسار عن شيراز إلى النوبنذجان، ولقي شدة في طريقه، ثم انتقل عنها لشدة حرها، ووخامة هوائها، ومرض أصحابه، فأتى شعب بوان فأقام به.
فلما سار عن شيراز أرسل الديلم الشيرازية إلى عمه أبي الفوارس يحثونه على المجيء إليهم، ويعرفونه بعد أبي كاليجار عنه، فسار إليهم، فسلموا إليه شيراز، وقصد إلى أبي كاليجار بشعب بوان ليحاربه ويخرجه عن البلاد، فاختار العسكران الصلح، فسفروا فيه، فاستقر لأبي الفوارس كرمان وفارس، ولأبي كاليجار خوزستان، وعاد أبو الفوارس إلى شيراز، وسار أبو كاليجار إلى أرجان. (4/184)
ثم إن وزير أبي الفوارس خبط الناس، وأفسد قلوبهم، وصادرهم، وجاز به، مال لأبي كاليجار، والديلم الذين معه، فأخذه، فحينئذ حث العادل ابن مافنة صندلاً الخادم على العود إلى شيراز، وكان قد فارق بها نعمة عظيمة، وصار مع أبي كاليجار، وكان الديلم يطيعونه، فعادت الحال إلى أشد مما كانت عليه، فسار كل واحد من أبي كاليجار وعمه أبي الفوارس إلى صاحبه، فالتقوا واقتتلوا، فانهزم أبو الفوارس إلى داربجرد وملك أبو كاليجار فارس، وعاد أبو الفوارس فجمع الأكراد فأكثر، فاجتمع معه منهم عشرة آلاف مقاتل، فالتقوا بين البيضاء وإصطخر فاقتتلوا أشد من القتال الأول، فعاود أبو الفوارس الهزيمة، فسار إلى كرمان، واستقر ملك أبي كاليجار بفارس سنة سبع عشرة وأربعمائة، وكان أهل شيراز يكرهونه.
ذكر خروج زناتة والظفر بهم
في هذه السنة خرج بإفريقية جمع كثير من زناتة، فقطعوا الطريق، وأفسدوا بقسطيلية ونفزاوة، وأغاروا وغنموا، واشتدت شوكتهم، وكثر جمعهم. فسير إليهم المعز بن باديس جيشاً جريدة، وأمرهم أن يجدوا السير ويسبقوا أخبارهم، ففعلوا ذلك، وكتموا خبرهم، وطووا المراحل حتى أدركوهم وهم آمنون من الطلب، فوضعوا فيهم السيف، فقتل منهم خلق كثير، وعلق خمسمائة رأس في أعناق الخيول وسيرت إلى المعز، وكان يوم دخولها يوماً مشهوداً.
ذكر عودة الحاج على الشام وما كان من الظاهر إليهم
في هذه السنة عاد الحجاج من مكة إلى العراق على الشام لصعوبة الطريق المعتاد، فلما وصلوا إلى مكة بذل لهم الظاهر العلوي، صاحب مصر، أموالاً جليلة وخلعاً نفيسة، وتكلف شيئاً كثيراً، وأعطى لكل رجل في الصحبة جملة من المال ليظهر لأهل خراسان ذلك.
وكان على تسيير الحجاج الشريف أبو الحسن الأقساسي، وعلى حجاج خراسان حسنك نائب يمين الدولة بن سبكتبكين، فعظم ما جرى على الخليفة القادر بالله، وعبر حسنك دجلة عند أوانا، وسار إلى خراسان، وتهدد القادر بالله ابن الأقساسي، فمرض فمات، ورثاه المرتضي وغيره وأرسل إلى يمين الدولة في المعنى، فسير يمين الدولة الخلع التي خلعت على صاحبه حسنك إلى بغداد فأحرقت.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة تزوج السلطان مشرف الدولة بابنة علاء الدولة بن كاكويه، وكان الصداق خمسين ألف دينار، وتولى العقد المرتضى.
وفيها قلد القاضي أبو جعفر السمناني قضاء الرصافة وباب الطاق.
وفيها توفي أبو الحسن علي بن محمد السمسمي الأديب، وابن الدقاق النحوي، وأبو الحسين بن بشران المحدث، وعمره سبع وثمانون سنة، والقاضي أبو محمد بن أبي حامد المروروذي قاضي البصرة بها، وأبو الفرج أحمد بن عمر المعروف بابن المسلمة، الشاهد، وهو جد رئيس الرؤساء، وأحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم أبو الحسن المحاملي، الفقيه الشافعي، تفقه على أبي حامد، وصنف المصنفات المشهورة، وعبيد الله بن عمر بن علي بن محمد بن الأشرس أبو القاسم المقريء، الفقيه الشافعي.


ثم دخلت سنة ست عشرة وأربعمائة
ذكر فتح سومنات

في هذه السنة فتح يمين الدولة في بلاد الهند عدة حصون ومدن، وأخذ الصنم المعروف بسومنات، وهذا الصنم كان أعظم أصنام الهند، وهم يحجون إليه كل ليلة خسوف، فيجتمع عنده ما ينيف على مائة ألف إنسان، وتزعم الهنود أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على مذهب التناسخ، فينشئها فيمن شاء، وأن المد والجزر الذي عنده إنما هو عبادة البحر على قدر استطاعته.
وكانوا يحملون إليه كل علق نفيس، ويعطون سدنته كل مال جزيل، وله من الموقوف ما يزيد على عشرة آلاف قرية، وقد اجتمع في البيت الذي هو فيه من نفيس الجوهر ما لا تحصى قيمته..
ولأهل الهند نهر كبير يسمى كنك يعظمونه غاية التعظيم، ويلقون فيه عظام من يموت من كبرائهم، ويعتقدون أنها تساق إلى جنة النعيم.
وبين هذا النهر وبين سومنات نحو مائتي فرسخ، وكان يحمل من مائة كل يوم إلى سومنات ما يغسل به، ويكون عنده من البرهميين كل يوم ألف رجل لعبادته وتقديم الوفود إليه، وثلاثمائة رجل يحلقون رؤوس زواره ولحاهم، وثلاثمائة رجل وخمسمائة أمة يغنون ويرقصون على باب الصنم، ولكل واحد من هؤلاء شيء معلوم كل يوم.(4/185)
وكان يمين الدولة كلما فتح من الهند فتحاً، وكسر صنماً يقول الهنود: إن هذه الأصنام قد سخط عليها سومنات، ولو أنه راض عنها لأهلك من تقصدها بسوء، فلما بلغ ذلك يمين الدولة عزم على غزوه وإهلاكه، ظناً منه أن الهنود إذا فقدوه، ورأوا كذب ادعائهم الباطل، دخلوا في الإسلام، فاستخار الله تعالى وسار عن غزنة عاشر شعبان من هذه السنة، في ثلاثين ألف فارس من عساكره سوى المتطوعة، وسلك سبيل الملتان، فوصلها منتصف شهر رمضان.
وفي طريقه إلى الهند برية قفر، لا ساكن فيها، ولا ماء، ولا ميرة، فتجهز هو وعسكره على قدرها، ثم زاد بعد الحاجة عشرين ألف جمل تحمل الماء والميرة، وقصد أنهلوارة، فلما قطع المفازة رأى في طرفها حصوناً مشحونة بالرجال، وعندها آبار قد غوروها ليتعذر عليه حصرها، فيسر الله تعالى فتحها عند قربه منها بالرعب الذي قذفه في قلوبهم، وتسلمها، وقتل سكانها وأهلك أوثانها، وامتاروا منها الماء وما يحتاجون إليه.
وسار إلى أنهلوارة فوصلها مستهل ذي القعدة، فرأى صاحبها المدعو بهيم قد أجفل عنها وتركها وأمعن في الهرب وقصد حصناً له يحتمي به فاستولى يمين الدولة على المدينة، وسار إلى سومنات، فلقي في طريقه عدة حصون فيها كثير من الأوثان شبه الحجاب والنقباء لسومنات، على ما سول لهم الشيطان، فقاتل من بها، وفتحها وخربها، وكسر أصنامها، وسار إلى سومنات في مفازة قفرة قليلة الماء، فلقي فيها عشرين ألف مقاتل من سكانها لم يدينوا للملك، فأرسل إليهم السرايا، فقاتلوهم، فهزموهم وغنموا مالهم، وامتاروا من عندهم، وساروا حتى بلغوا دبولوارة، وهي على مرحلتين من سومنات، وقد ثبت أهلها له ظناً منهم أن سومنات يمنعهم ويدفع عنهم، فاستولى عليها، وقتل رجالها، وغنم أموالها، وسار عنها إلى سومنات، فوصلها يوم الخميس منتصف ذي القعدة، فرأى حصناً حصيناً مبنياً على ساحل البحر بحيث تبلغه أمواجه، وأهله على الأسوار يتفرجون على المسلمين، واثقين أن معبودهم يقطع دابرهم ويهلكهم.
فلما كان من الغد، وهو يوم الجمعة، زحف وقاتل من به، فرأى الهنود من المسلمين قتالاً لم يعهدوا مثله، ففارقوا السور، فنصب المسلمون عليه السلاليم، وصعدوا إليه، وأعلنوا بكلمة الإخلاص، وأظهروا شعار الإسلام، فحينئذ اشتد القتال، وعظم الخطب وتقدم جماعة الهنود إلى سومنات، فعفروا له خدودهم، وسألوه النصر، وأدركهم الليل فكف بعضهم عن بعض.
فلما كان الغد بكر المسلمون إليهم وقاتلوهم، فأكثروا في الهنود القتل، وأجلوهم عن المدينة إلى بيت صنمهم سومنات، فقاتلوا على بابه أشد قتال، وكان الفريق منهم بعد الفريق يدخلون إلى سومنات فيعتنقونه ويبكون، ويتضرعون إليه، ويخرجون فيقاتلون إلى أن يقتلوا، حتى كاد الفناء يستوعبهم، فبقي منهم القليل، فدخلوا البحر إلى مركبين لهم لينجو فيهما، فأدركهم المسلمون فقتلوا بعضاً وغرق بعض.
وأما البيت الذي فيه سومنات فهو مبني على ست وخمسين سارية من الساج المصفح بالرصاص، وسومنات من حجر طوله خمسة أذرع: ثلاثة مدورة ظاهرة، وذراعان في البناء، وليس بصورة مصورة، فأخذه يمين الدولة فكسره، وأحرق بعضه، وأخذ بعضه معه إلى غزنة، فجعله عتبة الجامع.
وكان بيت الصنم مظلماً، وإنما الضوء الذي عنده من قناديل الجوهر الفائق، وكان عنده سلسلة ذهب فيها جرس، وزنها مائتا من، كلما مضى طائفة معلومة من الليل حركت السلسلة فيصوت الجرس فيقوم طائفة من البرهميين إلى عبادتهم، وعنده خزانة فيها عدة من الأصنام الذهبية والفضية، وعليها الستور المعلقة المرصعة بالجوهر، كل واحد منها منسوب إلى عظيم من عظمائهم، وقيمة ما في البيوت تزيد على عشرين ألف ألف دينار، فأخذ الجميع، وكانت عدة القتلى تزيد على خمسين ألف قتيل. (4/186)
ثم إن يمين الدولة ورد عليه الخبر أن بهيم صاحب أنهلوارة قد قصد قلعة تسمى كندهة في البحر، بينها وبين البر من جهة سومنات أربعون فرسخاً، فسار إليها يمين الدولة من سومنات، فلما حاذى القلعة رأى رجلين من الصيادين، فسألهما عن خوض البحر هناك، فعرفاه أنه يمكن خوضه لكن إن تحرك الهواء يسيراً غرق من فيه. فاستخار الله تعالى، وخاضه هو ومن معه، فخرجوا سالمين، فرأوا بهيم وقد فارق قلعته وأخلاها فعاد عنها، وقصد المنصورة، وكان صاحبها قد ارتد عن الإسلام، فلما بلغه خبر مجيء يمين الدولة فارقها واحتمى بغياض أشبة، فقصده يمين الدولة من موضعين، فأحاط به وبمن معه، فقتل أكثرهم، وغرق منهم كثير، ولم ينج منهم إلا القليل.
ثم سار إلى بهاطية، فأطاعه أهلها، ودانوا له، فرحل إلى غزنة، فوصلها عاشر صفر من سنة سبع عشرة وأربعمائة.
ذكر وفاة مشرف الدولة
وملك أخيه جلال الدولة

في هذه السنة، في ربيع الأول، توفي الملك مشرف الدولة أبو علي بن بهاء الدولة بمرض حاد، وعمره ثلاث وعشرون سنة وثلاثة أشهر، وملكه خمس سنين وخمسة وعشرون يوماً، وكان كثير الخير، قليل الشر، عادلاً، حسن السيرة، وكانت والدته في الحياة، وتوفيت سنة خمس وعشرين.
ولما توفي مشرف الدولة خطب ببغداد، بعد موته، لأخيه أبي طاهر جلال الدولة، وهو بالبصرة، وطلب إلى بغداد، فلم يصل إليها، وإنما بلغ إلى واسط وأقام بها، ثم عاد إلى البصرة، فقطعت خطبته، وخطب لابن أخيه الملك أبي كاليجار بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة في شوال، وهو حينئذ صاحب خوزستان، والحرب بينه وبين عمه أبي الفوارس، صاحب كرمان، بفارس، فلما سمع جلال الدولة بذلك أصعد إلى بغداد، فانحدر عسكرها ليردوه عنها، فلقوه بالسيب من أعمال النهروان، فردوه فلم يرجع، فرموه بالنشاب، ونهبوا بعض خزائنه، فعاد إلى البصرة، وأرسلوا إلى الملك أبي كاليجار ليصعد إلى بغداد ليملكوه، فوعدهم الإصعاد، ولم يمكنه لأجل صاحب كرمان، ولما أصعد جلال الدولة كان وزيره أبا سعد بن ماكولا.
ذكر ملك نصر الدولة بن مروان مدينة الرها
وفي هذه السنة ملك نصر الدولة بن مروان، صاحب ديار بكر، مدينة الرها.
وكان سبب ملكها أن الرها كانت لرجل من بني نمير يسمى عطيراً، وفيه شر وجهل، واستخلف عليها نائباً له اسمه أحمد بن محمد، فأحسن السيرة، وعدل في الرعية، فمالوا إليه.
وكان عطير يقيم بحلته، ويدخل البلد في الأوقات المتفرقة، فرأى أن نائبه يحكم في البلد، ويأمر وينهى، فحسده، فقال له يوماً: قد أكلت مالي، واستوليت على بلدي، وصرت الأمير وأنا النائب، فاعتذر إليه، فلم يقبل عذره وقتله. فأنكرت الرعية قتله، وغضبوا على عطير، وكاتبوا نصر الدولة ابن مروان ليسلموا إليه البلد، فسير إليهم نائباً كان له بآمد يسمى زنك، فتسلمها وأقام بها ومعه جماعة من الأجناد، ومضى عطير إلى صالح بن مرداس، وسأله الشفاعة له إلى نصر الدولة، فشفع فيه، فأعطاه نصف البلد، ودخل عطير إلى نصر الدولة بميافارقين، فأشار أصحاب نصر الدولة بقبضه، فلم يفعل وقال: لا أغدر به وإن كان أفسد، وأرجو أن أكف شره بالوفاء.
وتسلم عطير نصف البلد ظاهراً وباطناً، وأقام فيه مع نائب نصر الدولة. ثم إن نائب نصر الدولة عمل طعاماً ودعاه، فأكل وشرب، واستدعى ولداً كان لأحمد الذي قتله عطير، وقال: أتريد أن تأخذ بثأر أبيك؟ قال: نعم! قال: هذا عطير عندي في نفر يسير، فإذا خرج فتعلق به في السوق وقل له: يا ظالم قتلت أبي، فإنه سيجرد سيفه عليك، فإذا فعل فاستنفر الناس عليه واقتله وأنا من ورائك. ففعل ما أمره، وقتل عطيراً ومعه ثلاثة نفر من العرب.
فاجتمع بنو نمير وقالوا: هذا فعل زنك، ولا ينبغي لنا أن نسكت عن ثأرنا، ولئن لم نقتله ليخرجنا من بلادنا. فاجتمعت نمير، وكمنوا له بظاهر البلد كميناً، وقصد فريق منهم البلد، فأغاروا على ما يقاربه. فسمع زنك الخبر، فخرج فيمن عنده من العساكر، وطلب القوم، فلما جاوز الكمناء خرجوا عليه، فقاتلهم، فأصابه حجر مقلاع، فسقط وقتل، وكان قتله سنة ثماني عشرة وأربعمائة في أولها، وخلصت المدينة لنصر الدولة.(4/187)
ثم إن صالح بن مرداس شفع في ابن عطير وابن شبل النميريين ليرد الرها إليهما، فشفعه وسلمها إليهما، وكان فيها برجان أحدهما أكبر من الآخر، فأخذ ابن عطير البرج الكبير، وأخذ ابن شبل البرج الصغير، وأقاما في البلد، إلى أن باعه ابن عطير من الروم، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر غرق الأسطول بجزيرة صقلية
في هذه السنة خرج الروم إلى جزيرة صقلية في جمع كثير، وملكوا ما كان للمسلمين في جزيرة قلورية، وهي مجاورة لجزيرة صقلية، وشرعوا في بناء المساكن ينتظرون وصول مراكبهم وجموعهم مع ابن أخت الملك. فبلغ ذلك المعز بن باديس، فجهز أسطولاً كبيراً: أربعمائة قطعة، وحشد فيها، وجمع خلقاً كثيراً، وتطوع جمع كثير بالجهاد، رغبة في الأجر، فسار الأسطول في كانون الثاني، فلما قرب من جزيرة قوصرة، وهي قريب من بر أفريقية، خرج عليهم ريح شديدة، ونوء عظيم، فغرق أكثرهم، ولم ينج إلا اليسير.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة ظهر أمر العيارين ببغداد، وعظم شرهم، فقتلوا النفوس، ونهبوا الأموال، وفعلوا ما أرادوا، وأحرقوا الكرخ، وغلا السعر بها حتى بيع كر الحنطة بمائتي دينار قاسانية.
وفيها قبض جلال الدولة على وزيره أبي سعد بن ماكولا، واستوزر ابن عمه أبا علي بن ماكولا.
وفيها أرسل القادر بالله القاضي أبا جعفر السمناني إلى قرواش يأمره بإبعاد الوزير أبي القاسم المغربي، وكان عنده، فأبعده، فقصد نصر الدولة بن ميافارقين وقد تقدم السبب فيه.
وفيها توفي الوزير أبو منصور محمد بن الحسن بن صالحان، وزير مشرف الدولة أبي الفوارس، وعمره ست وسبعون سنة.
وقاضي القضاة أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي الشوارب، ومولده في ذي القعدة سنة تسع عشرة وثلاثمائة، وكان عفيفاً، نزهاً، وقيل توفي سنة سبع عشرة.
وبسيل ملك الروم، وملك بعده أخوه قسطنطين.
وفيها ورد رسول محمود بن سبكتكين إلى القادر بالله ومعه خلع قد سيرها له الظاهر لإعزاز دين الله العلوي، صاحب مصر، ويقول: أنا الخادم الذي أرى الطاعة فرضاً، ويذكر إرسال هذه الخلع إليه، وأنه سيرها إلى الديوان ليرسم فيها بما يرى، فأحرقت على باب النوبي، فخرج منها ذهب كثير تصدق به على ضعفاء بني هاشم.
وفيها توفي سابور بن أردشير، وزير بهاء الدولة، وكان كاتباً سديداً، وعمل دار الكتب ببغداد سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وجعل فيها أكثر من عشرة آلاف مجلد، وبقيت إلى أن احترقت عند مجيء طغرلبك إلى بغداد سنة خمسين وأربعمائة.
وفيها توفي عثمان الخركوشي، الواعظ النيسابوري، وكان صالحاً، خيراً، وكان إذا دخل على محمود بن سبكتكين يقوم ويلتقيه، وكان محمود قد قسط على نيسابور مالاً يأخذه منهم، فقال له الخركوشي: بلغني أنك تكدي الناس، وضاق صدري، فقال: وكيف؟ قال: بلغني أنك تأخذ أموال الضعفاء، وهذه كدية فترك القسط وأطلقه.
وفيها بطل الحج من العراق وخراسان.

This site was last updated 07/26/11