Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة سنة أربع مائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة381
سنة382 وسنة383
سنة384 وسنة385
سنة486
سنة387 وسنة388
سنة389
سنة390 وسنة391
سنة392 وسنة393 وسنة394
سنة395 وسنة397 وسنة398
سنة 398 وسنة399 وسنة400
سنة401 وسنة402
سنة403 سنة404 وسنة405
سنة406
سنة407
سنة408 وسنة409
سنة410 وسنة411
سنة412 وسنة413 وسنة414
سنة415 وسنة416
سنة417 وسنة418
سنة419 وسنة420
سنة421 وسنة422

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة
ذكر غزوة بهيم نفر
(4/143)
لما فرغ يمين الدولة من الغزوة المتقدمة وعاد إلى غزنة، واستراح هو وعسكره، استعد لغزوة أخرى، فسار في ربيع الآخر من هذه السنة، فانتهى إلى شاطئ نهر هندمند، فلاقاه هناك ابرهمن بال بن اندبال في جيوش الهند، فاقتتلوا ملياً، وكادت الهند تظفر بالمسلمين، ثم إن الله تعالى نصر عليهم، فظفر بهم المسلمون، فانهزموا على أعقابهم، وأخذهم المسلمون بالسيف.
وتبع يمين الدولة أثر ابرهمن بال، حتى بلغ قلعة بهيم نغر، وهي على جبل عالٍ كان الهند قد جعلوها خزانةً لصنمهم الأعظم، فينقلون إليهال أنواع الذخائر، قرناً بعد قرن، وأعلاق الجواهر، وهم يعتقدون ذلك ديناً وعبادة، فاجتمع فيها على طول الأزمان ما لم يسمع بمثله، فنازلهم يمين الدولة وحصرهم وقاتلهم.
فلما رأى الهنود كثرة جمعه، وحرصهم على القتال، وزحفهم إليهم مرة بعد أخرى، خافوا وجبنوا، وطلبوا الأمان، وفتحوا باب الحصن، وملك المسلمون القلعة، وصعد يمين الدولة إليها في خواص أصحابه وثقاته، فأخذ منها من الجواهر ما لا يحد، ومن الدراهم تسعين ألف ألف درهم شاهية، ومن الأواني الذهبيات والفضيات سبعمائة ألف وأربعمائة من، وكان فيها بيت مملوء من فضة طوله ثلاثون ذراعاً، وعرضه خمسة عشر ذراعاً، إلى غير ذلك من الأمتعة.
وعاد إلى غزنة بهذه الغنائم، ففرش تلك الجواهر في صحن داره، وكان قد اجتمع عنده رسل الملوك، فأدخلهم إليه، فرأوا ما لم يسمعوا بمثله.
ذكر حال أبي جعفر بن كاكويه
هو أبو جعفر بن دشمنزيار، وإنما قيل كاكويه لأنه كان ابن خال والدة مجد الدولة بن فخر الدولة بن بويه، وكاكويه هو الخال بالفارسية، وكانت والدة مجد الدولة قد استعملته على أصبهان، فلما فارقت ولدها فسد حاله، فقصد الملك بهاء الدولة وأقام عنده مدة، ثم عادت والدة مجد الدولة إلى ابنها بالري، فهرب أبو جعفر وسار إليها، فأعادته إلى أصبهان، واستقر فيها قدمه، وعظم شأنه، وسيأتي من أخباره ما يعلم به صحة ذلك، إن شاء الله تعالى.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في ربيع الأول، وقع ثلج كثير ببغداد وواسط والكوفة، والبطائح إلى عبادان، وكانت ببغداد نحو ذراع، وبقي في الطرق نحو عشرين يوماً.
وفيها وقعت الفتنة ببغداد في رجب، وكان أولها أن بعض الهاشميين من باب البصرة أتى ابن المعلم فقيه الشيعة في مسجده بالكرخ، فآذاه، ونال منه، فثار به أصحاب ابن المعلم، واستنفر بعضهم بعضاً، وقصدوا أبا حامد الأسفراييني وابن الأكفاني فسبوهما وطلبوا الفقهاء ليوقعوا بهم، فهربوا، وانتقل أبو حامد الأسفراييني إلى دار القطن، وعظمت الفتنة، ثم إن السلطان أخذ جماعةً وسجنهم، فسكنوا، وعاد أبو حامد إلى مسجده، وأخرج ابن المعلم من بغداد، فشفع فيه علي بن مزيد فأعيد.
وفيها وقع الغلاء بمصر واشتد، وعظم الأمر، وعدمت الأقوات، ثم تعقبه وباء كثير أفنى كثيراً من أهلها.
وفيها زلزلت الدينور زلزلةً شديدةً خربت المساكن، وهلك خلق كثير من أهلها؛ وكان الذين دفنوا ستة عشر ألفاً سوى من بقي تحت الهدم ولم يشاهد.
وفيها أمر الحاكم بأمر الله، صاحب مصر، بهدم بيعة قمامة، وهي بالبيت المقدس، وتسميها العامة القيامة، وفيها الموضع الذي دفن فيه المسيح، عليه السلام، فيما يزعمه النصارى، وإليها يحجون من أقطار الأرض، وأمر بهدم البيع في جميع مملكته، فهدمت، وأمر اليهود والنصارى إما أن يسلموا؛ أو يسيروا إلى بلاد الروم ويلبسوا الغيار، فأسلم كثير منهم، ثم أمر بعمارة البيع، ومن اختار العود إلى دينه عاد، فارتد كثير من النصارى.
وفيها توفي أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي، وزير مجد الدولة، ببروجرد، وكان سبب مجيئه إليها أن أم مجد الدولة بن بويه اتهمته أنه سم أخاه فمات، فلما توفي أخوه طلبت منه مائتي دينار لتنفقها في مأتمه، فلم يعطها، فأخرجته، فقصد بروجرد، وهي من أعمال بدر بن حسنويه، فبذل بعد ذلك مائتي ألف دينار ليعود إلى عمله، فلم يقبل منه، فأقام بها إلى أن توفي، وأوصى أن يدفن بمشهد الحسين، عليه السلام، فقيل للشريف أبي أحمد، والد الشريف الرضي، أن يبيعه بخمس مائة دينار موضع قبره، فقال: من يريد جوار جدي لا يباع؛ وأمر أن يعمل له قبر وسير معه من أصحابه خمسين رجلاً، فدفنه بالمشهد.(4/144)
وتوفي بعده بيسير ابنه أبو القاسم سعد؛ وأبو عبدالله الجرجاني الحنفي بعد أن فلج؛ وأبو الفرج عبد الواحد بن نصر المعروف بالببغاء الشاعر، وديوانه مشهور؛ والقاضي أبو عبدالله الضبي بالبصرة؛ والبديع أبو الفضل أحمد ابن الحسين الهمذاني، صاحب المقامات المشهورة، وله شعر حسن، وقرأ الأدب على أبي الحسين بن فارس مصنف المجمل.
وتوفي أبو بكر أحمد بن علي بن لالٍ الفقيه الشافعي الهمذاني بنواحي عكا بالشام، كان انتقل إلى هناك.


ثم دخلت سنة تسع وتسعين وثلاثمائة
ذكر ابتداء حال صالح بن مرداس

لما قتل عيسى بن خلاط أبا علي بن ثمال بالرحبة وملكها، أقام فيها مدةً، ثم قصده بدران بن المقلد العقيلي، فأخذ الرحبة منه وبقيت لبدران. فأمر الحاكم بأمر الله نائبه بدمشق لؤلؤاً البشاري بالمسير إليها، فقصد الرقة أولاً وملكها، ثم سار إلى الرحبة وملكها ثم عاد إلى دمشق.
وكان بالرحبة رجل من أهلها يعرف بابن محكان، فملك البلد، واحتاج إلى من يجعله ظهره، ويستعين به على من يطمع فيه، فكاتب صالح بن مرداس الكلابي، فقدم عليه وأقام عنده مدةً، ثم إن صالحاً تغير عن ذلك، فسار إلى ابن محكان وقاتله على البلد، وقطع الأشجار، ثم تصالحا، وتزوج ابنة ابن محكان، ودخل صالح البلد إلا أنه كان أكثر مقامه بالحلة.
ثم إن ابن محكان راسل أهل عانة فأطاعوه، ونقل أهله وماله إليهم، وأخذ رهائنهم، ثم خرجوا عن طاعته، وأخذوا ماله واستعادوا رهائنهم وردوا أولاده، فاجتمع ابن محكان وصالح على قصد عانة، فسارا إليها، فوضع صالح على ابن محكان من يقتله، فقتل غيلةً، وسار صالح إلى الرحبة فملكها، وأخذ أموال ابن محكان وأحسن إلى الرعية، واستمر على ذلك، إلا أن الدعوة للمصريين.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة قتل أبو علي بن ثمال الخفاجي، وكان الحاكم بأمر الله، صاحب مصر، قد ولاه الرحبة، فسار إليها، فخرج إليه عيسى بن خلاط العقيلي فقتله وملك الرحبة، ثم ملكها بعده غيره، فصار أمرها إلى صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب.
وفيها صرف أبو عمر بن عبد الواحد الهاشمي عن قضاء البصرة، وكان قد علا إسناده في رواية السنن لأبي داود السجستاني، ومن طريقه سمعناه، وولي القضاء بعده أبو الحسن بن أبي الشوارب، فقال العصفري الشاعر:
عندي حديثٌ طريفٌ ... بمثله يتغنّى
من فاضيين يعزّى ... هذا وهذا يهنّا
فذا يقول اكرهونا ... وذا يقول استرحنا
ويكذبان ونهذي ... فمن يصدّق منّا ؟
وفيها توفي أبو داود بن سيامرد بن باجعفر، ودفن عند قبر النذور بنهر المعلى، وقبته مشهورة؛ وأبو محمد النامي الفقيه الشافعي، وهو القائل:
يا ذا الذي قاسمني في البلى، ... فاختار أن يسكنه أوّلا
ما وطّنت نفسي، ولكنّها ... تسري إليكم منزلاً، منزلا


ثم دخلت سنة أربع مائة
ذكر وقعة نارين بالهند

في هذه السنة تجهز يمين الدولة إلى الهند عازماً على غزوها، فسار إليها واخترقها واستباحها ونكس أصنامها. فلما رأى ملك الهند أنه لا قوة له به راسله في الصلح والهدنة على مال يؤديه، وخمسين فيلاً، وأن يكون له في خدمته ألفا فارس لا يزالون. فقبض منه ما بذله وعاد عنه إلى عزنة.
ذكر الخلف بين بدر بن حسنويه وابنه هلال
في هذه السنة كانت حرب بين بدر بن حسنويه الكردي وبين ابنه هلال.
وكان سبب الوحشة بينهما أن أم هلال كانت من الشاذنجان، فاعتزلها أبوه عند ولاته، فنشأ هلال مبعداً منه لا يميل إليه،وكانت نعمة بدر لابنه الآخر أبي عيسى. (4/145)
فلما كان في عض الأيام خرج هلال مع أبيه متصيداً، فرأيا سبعاً، وكان بدر إذا رأى سبعاً قتله بيده، فتقدم هلال إلى الأسد بغير إذن أبيه فقتله، فاغتاظ أبوه وقال: كأنك قد فتحت فتحاً، وأي فرقٍ بين السبع والكلب ؟ ورأى إبعاده عنه لشدته، فأقطعه الصامغان، وسهل ذلك على هلال لينفرد بنفسه عن أبيه، فأول ما فعله أنه أساء مجاورة ابن الماضي، صاحب شهرزور، وكان موافقا لأبيه بدر، فنهى بدر ابنه هلالاً عن معارضته، فلم يسمع قوله، وأرسل إلى ابن الماضي يتهدده، فأعاد بدر مراسلة ابنه في معناه، وتهدده إن تعرض بشي هو له، فكان جواب نهيه أنه جمع عسكره وحصر شهرزور ففتحها، وقتل ابن الماضي وأهله، وأخذ أموالهم. فورد على بدر من ذلك ما أزعجه وأقلقه، وأظهر السخط على هلال.
وشرع هلال يفسد جند أبيه ويستميلهم ويبذل لهم، فكثر أصحاب هلال لإحسانه إليهم وبذله المال لهم، وأعرض الناس عن بدر لإمساكه المال، فسار كل واحد منهما إلى صاحبه، فالتقيا على باب الدينور، فلما تراءى الجمعان انحازت الأكراد إلى هلال، فأخذ بدر أسيراً وحمل إلى ابنه، فأشير على هلال بقتله، وقالوا: لا يجوز أن تستبقيه بعدما أوحشته؛ فقال: ما بلغ من عقوقي له أن أقتله؛ وحضر عند أبيه وقال له: أنت الأمير، وأنا مدبر جيشك. فخادعه أبوه بأن قال له: لا يسمعن هذا منك أحدٌ فيكون هلاكنا جميعاً، وهذه القلعة لك، والعلامة في تسليمها كذا وكذا، واحفظ المال الذي بها، فإنك الأمير ما دام الناس يظنون بقاءه، وأريد أن تفرد لي قلعة أتفرغ فيها للعبادة. ففعل ذلك، وأعطاه جملة من المال.
فلما استقر بدر بالقلعة عمرها وحصنها، وراسل أبا الفتح بن عناز، وأبا عيسى شاذي بن محمد، وهو بأساداباذ، يقول لكل واحدٍ منهما ليقصد أعمال هلال ويشعثها. فسار أبو الفتح إلى قرميسين فملكها، وسار أبو عيسى إلى سابور خواست، فنهب حلل هلال، ومضى إلى نهاوند، وبها أبو بكر بن رافع، فاتبعه هلال إليها، ووضع السيف في الديلم فقتل منهم أربع مائة نفس، منهم تسعون أميراً، وأسلم ابن رافع أبا عيسى إلى هلال، فعفا عنه، ولم يؤاخذه على فعله، وأخذه معه.
وأرسل بدر إلى الملك بهاء الدولة يستنجده، فجهز فخر الملك أبا غالب في جيش وسيره إلى بدر، فسار حتى وصل إلى سابور خواست، فقال هلال لأبي عيسى شاذي: قد جاءت عساكر بهاء الدولة، فما الرأي ؟ قال: الرأي أن تتوقف عن لقائهم، وتبذل لبهاء الدولة الطاعة، وترضيه بالمال، فإن لم يجيبوك فضيق عليهم، وانصرف بين أيديهم، فإنهم لا يستطيعون المطاولة، ولا تظن هذا العسكر كمن لقيته بباب نهاوند، فإن أولئك ذللهم أبوك على ممر السنين.
فقال: غششتني ولم تنصحني، وأردت بالمطاولة أن يقوى أبي وأضعف أنا؛ وقتله، وسار ليكبس العسكر ليلاً. فلما وصل إليهم وقع الصوت، فركب فخر الملك في العساكر، وجعل عند أثقالهم من يحميها، وتقدم إلى قتال هلال، فلما رأى هلال صعوبة الأمر ندم، وعلم أن أبا عيسى بن شاذي نصحه، فندم على قتله، ثم أرسل إلى فخر الملك يقول له: إنني ما جئت لقتال وحرب، إنما جئت لأكون قريباً منك، وأنزل على حكمك، فترد العسكر عن الحرب، فإنني أدخل في الطاعة.
فمال فخر الملك إلى هذا القول، وأرسل الرسول إلى بدر ليخبره بما جاء به. فلما رأى بدر الرسول سبه وطرده، وأرسل إلى فخر الملك يقول له: إن هذا مكر من هلال، لما رأى ضعفه، والرأي أن لا تنفس خناقه. فلما سمع فخر الملك الجواب قويت نفسه، وكان يتهم بدراً بالميل إلى ابنه، وتقدم إلى الجيش بالحرب، فقاتلوا، فلم يكن بأسرع من أن أتي بهلال أسيراً، فقبل الأرض، وطلب أن لا يسلمه إلى أبيه، فأجابه إلى ذلك، وطلب علامته بتسليم القلعة، فأعطاهم العلامة، فامتنعت أمه ومن بالقلعة من التسليم، وطلبوا الأمان، فأمنهم فخر الملك، وصعد القلعة ومعه أصحابه، ثم نزل منها وسلمها إلى بدر، وأخذ ما فيها من الأموال وغيرها، وكانت عظيمة، قيل: كان بها أربعون ألف بدرة دراهم، وأربع مائة بدرة ذهباً، سوى الجواهر النفيسة، والثياب، والسلاح وغير ذلك. وأكثر الشعراء ذكر هذا، فممن قال مهيار:
فظنّوك تعبا بحمل العراق، ... كأن لم يروك حملت الجبالا
ولو لم تكن في العلوّ السماء ... لما كان غنمك منها هلالا (4/146)
سريت إليه، فكنت السرار ... له، ولبدر أبيه كمالا
وهي كثيرة.
ذكر عود المؤيد إلى إمارة الأندلس
وما كان منه
قد ذكرنا سبب خلعه وحبسه، فلما كان هذه السنة أعيد إلى خلافته، واسمه هشام بن الحاكم بن عبد الرحمن الناصر، وكان عوده تاسع ذي الحجة، وكان الحكم في دولته هذه إلى واضح العامري، وأدخل أهل قرطبة إليه، فوعدهم ومناهم، وكتب إلى البربر الذين مع سليمان بن الحاكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر، ودعاهم إلى طاعته، والوفاء ببيعته، فلم يجيبوه إلى ذلك، فأمر أجناده وأهل قرطبة بالحذر والاحتياط، فأحبه الناس.
ثم نقل إليه أن نفراً من الأمويين بقرطبة قد كاتبوا سليمان، وواعدوه ليكون بقرطبة في السابع والعشرين من ذي الحجة ليسلموا إليه البلد، فأخذهم وحبسهم، فلما كان الميعاد قدم البربر إلى قرطبة، فركب الجند وأهل قرطبة وخرجوا إليهم مع المؤيد، فعاد البربر وتبعتهم عساكره، فلم يلحقوهم، وترددت الرسل بينهم فلم يتفقوا على شيء.
ثم إن سليمان والبربر راسلوا ملك الفرنج يستمدونه، وبذلوا له تسليم حصون كان المنصور بن أبي عامر قد فتحها منهم، فأرسل ملك الفرنج إلى المؤيد يعرفه الحال، ويطلب منه تسليم هذه الحصون لئلا يمد سليمان بالعساكر. فاستشار أهل قرطبة في ذلك، فأشاروا بتسليمها إليه خوفاً من أن ينجدوا سليمان، واستقر الصلح في المحرم سنة إحدى وأربعمائة. فلما أيس البربر من إنجاد الفرنج رحلوا، فنزلوا قريباً من قرطبة في صفر سنة إحدى وأربعمائة، وجعلت خيلهم تغير يميناً وشمالاً، وخربوا البلاد.
وعمل المؤيد وواضح العامري سوراً وخندقاً على قرطبة أمام السور الكبير، ثم نزل سليمان قرطبة خمسة وأربعين يوماً فلم يملكها، فانتقل إلى الزهراء وحصرها، وقاتل من بها ثلاثة أيام. ثم إن بعض الموكلين بحفظها سلم إليه الباب الذي هو موكل بحفظه، فصعد البربر السور وقاتلوا من عليه حتى أزالوهم، وملكوا البلد عنوةً، وقتل أكثر من به من الجند، وصعد أهله الجبل، واجتمع الناس بالجامع، فأخذهم البربر وذبحوهم، حتى النساء والصبيان، وألقوا النار في الجامع والقصر والديار، فاحترق أكثر ذلك ونهبت الأموال.
ثم إن واضحاً كاتب سليمان يعرفه أنه يريد الانتقال عن قرطبة سراً، ويشير عليه بمنازلتها بعد مسيره عنها، ونمى الخبر إلى المؤيد، فقبض عليه وقتله، واشتد الأمر بقرطبة، وعظم الخطب، وقلت الأقوات، وكثر الموت، وكانت الأقوات عند البربر أقل منها بالبلد، لأنهم كانوا قد خربوا البلاد، وجلا أهل قرطبة، وقتل المؤيد كل من مال إلى سليمان.
ثم إن البربر وسليمان لازموا الحصار والقتال لأهل قرطبة، وضيقوا عليهم، وفي مدة هذا الحصار ظهر بطليطلة عبيدالله بن محمد بن عبد الجبار، وبايعه أهلها، فسير إليهم المؤيد جيشاً، فحصروهم، فعادوا إلى الطاعة، وأخذ عبيدالله أسيراً، وقتل في شعبان سنة إحدى وأربعمائة.
ثم إن أهل قرطبة قاتلوا في بعض الأيام البربر فقتل منهم خلق كثير، وغرق في النهر مثلهم، فرحلوا عنها، وساروا إلى إشبيلية فحصروها، فأرسل المؤيد إليها جيشاً فحماها، ومنع البربر عنها، وراسل سليمان نائب المؤيد بسرقسطة وغيرها يدعوهم إليه، فأجابوه وأطاعوه، فسار البربر وسليمان عن إشبيلية إلى قلعة رباح، فملكوها، وغنموا ما فيها، واتخذوها داراً، ثم عادوا إلى قرطبة فحصروها، وقد خرج كثير من أهلها وعساكرها من الجوع والخوف، واشتد القتال عليها، وملكها سليمان عنوة وقهراً، وقتلوا من وجدوا في الطرق، ونهبوا البلد وأحرقوه، فلم تحص القتلى لكثرتهم.
ونزل البربر في الدور التي لم تحرق، فنال أهل قرطبة من ذلك ما لم يسمع بمثله، وأخرج المؤيد من القصر وحمل إلى سليمان، ودخل سليمان قرطبة منتصف شوال سنة ثلاث وأربعمائة وبويع له بها.
ثم إن المؤيد جرى له مع سليمان أقاصيص طويلة؛ ثم خرج إلى شرق الأندلس من عنده. وكان ممن قتل في هذا الحصر أبو الوليد بن الفرضي مظلوماً، رحمه الله.
ذكر عدة حوادث

في هذه السنة أرسل الحاكم بأمر الله من مصر إلى المدينة، ففتح بيت جعفر الصادق، وأخرج منه مصحف وسيف وكساء وقعب وسرير.
وفيها نقص الماء بدجلة حتى أصلحت ما بين أوانا وقريب بغداد، حتى جرت السفن فيها. (4/147)
وفيها مرض أبو محمد بن سهلان، فاشتد مرضه، فنذر إن عوفي بنى سوراً على مشهد أمير المؤمنين علي، عليه السلام، فعوفي، فأمر ببناء سور عليه، فبني في هذه السنة، تولي بناءه أبو إسحاق الأرجاني.
وفيها ولد عدنان ابن الشريف الرضي.
وفيها توفي النقيب أبو أحمد الموسوي، والد الرضي، بعد أن أضر ووقف بعض أملاكه على البر، وصلى عليه ابنه الأكبر المرتضى، ودفن بداره، ثم نقل إلى مشهد الحسين، عليه السلام، وكان مولده سنة أربع وثلاثمائة.
وفيها توفي أيضاً أبو جعفر الحجاج بن هرمز بالأهواز؛ وعمدة الدولة أبو إسحاق بن معز الدولة بن بويه بمصر.
وفيها مرض الخليفة القادر بالله، واشتد مرضه، فأرجف عليه، فجلس للناس وبيده القضيب، فدخل إليه أبو حامد الأسفراييني، فقال لابن حاجب النعمان: اسأل أمير المؤمنين أن يقرأ شيئاً من القرآن ليسمع الناس قراءته؛ فقرأ: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ اْلمُنَافِقُونَ والَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والمُرْجِفُونَ في المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ) الآيات الثلاث الأحزاب: 60.
وفيها توفي أبو العباس النامي الشاعر؛ وأبو الفتح علي بن محمد البستي الكاتب الشاعر، صاحب الطريقة المشهورة في التجنيس، فمن شعره:
يا أيّها السائل عن مذهبي ... ليقتدي فيه بمنهاجي
منهاجي العدل. وقمع الهوى، ... فهل لمنهاجي من هاجي

This site was last updated 07/25/11