Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة إحدى وأربعمائة سنة اثنتين وأربعمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة381
سنة382 وسنة383
سنة384 وسنة385
سنة486
سنة387 وسنة388
سنة389
سنة390 وسنة391
سنة392 وسنة393 وسنة394
سنة395 وسنة397 وسنة398
سنة 398 وسنة399 وسنة400
سنة401 وسنة402
سنة403 سنة404 وسنة405
سنة406
سنة407
سنة408 وسنة409
سنة410 وسنة411
سنة412 وسنة413 وسنة414
سنة415 وسنة416
سنة417 وسنة418
سنة419 وسنة420
سنة421 وسنة422

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة إحدى وأربعمائة
ذكر غزوة يمين الدولة بلاد الغور

بلاد الغور تجاور غزنة، وكان الغور يقطعون الطريق، ويخيفون السبيل، وبلادهم جبال وعرة، ومضايق غلقة، وكانوا يحتمون بها، ويعتصمون بصعوبة مسلكها، فلما كثر ذلك منهم أنف يمين الدولة محمود بن سبكتكين أن يكون مثل أولئك المفسدين جيرانه، وهم على هذه الحال من الفساد والكفر، فجمع العساكر وسار إليهم وعلى مقدمته التونتاش الحاجب، صاحب هراة، وأرسلان الجاذب صاحب طوس، وهما أكبر أمرائه، فسارا فيمن معهما حتى انتهوا إلى مضيق قد شحن بالمقاتلة، فتناوشوا الحرب، وصبر الفريقان.
فسمع يمين الدولة الحال، فجد في السير إليهم، وملك عليهم مسالكهم، فتفرقوا، وساروا إلى عظيم الغورية المعروف بابن سوري، فانتهوا إلى مدينته التي تدعى اهنكران، فبرز من المدينة في عشرة آلاف مقاتل، فقاتلهم المسلمون إلى أن انتصف النهار، فرأوا أشجع الناس وأقواهم على القتال، فأمر يمين الدولة أن يولوهم الأدبار على سبيل الاستدراج، ففعلوا. فلما رأى الغورية ذلك ظنوه هزيمة، فاتبعوهم حتى أبعدوا عن مدينتهم، فحينئذ عطف المسلمون عليهم ووضعوا السيوف فيهم فأبادوهم قتلاً وأسراً، وكان في الأسرى كبيرهم وزعيمهم ابن سوري، ودخل المسلمون المدينة وملكوها، وغنموا ما فيها، وفتحوا تلك القلاع والحصون التي لهم جميعها، فلما عاين ابن سوري ما فعل المسلمون بهم شرب سماً كان معه، فمات وخسر الدنيا والآخرة، (ذَلِكَ هُوَ الخُسْرانُ المُبِينُ).
وأظهر يمين الدولة في تلك الأعمال شعار الإسلام، وجعل عندهم من يعلمهم شرائعه وعاد؛ ثم سار إلى طائفة أخرى من الكفار، فقطع عليهم مفازة من رمل، ولحق عساكره عطش شديد وكادوا يهلكون، فلطف الله، سبحانه وتعالى، بهم وأرسل عليهم مطراً سقاهم، وسهل عليهم السير في الرمل، فوصل إلى الكفار، وهم جمع عظيم، ومعهم ستمائة فيل، فقاتلهم أشد قتال صبر فيه بعضهم لبعض، ثم إن الله نصر المسلمين، وهزم الكفار، وأخذ غنائمهم، وعاد سالماً مظفراً منصوراً.
ذكر الحرب بين ايلك الخان وبين أخيه
وفي هذه السنة سار ايلك الخان في جيوش قاصداً قتال أخيه طغان خان، فلما بلغ يوزكند سقط من الثلج ما منعهم من سلوك الطرق، فعاد إلى سمرقند.
وكان سبب قصده أن أخاه أرسل إلى يمين الدولة يعتذر، ويتنصل من قصد أخيه ايلك الخان بلاد خراسان، ويقول: إنني ما رضيت ذلك منه؛ ويلزم أخاه وحده الذنب، وتبرأ هو منه، فلما علم أخوه ايلك الخان ذلك ساءه وحمله على قصده.
ذكر الخطبة للمصريين العلويين بالكوفة والموصل (4/148)
في هذه السنة أيضاً خطب قرواش بن المقلد أمير بني عقيل للحاكم بأمر الله العلوي، صاحب مصر، بأعماله كلها، وهي: الموصل، والأنبار، والمدائن، والكوفة وغيرها، وكان ابتداء الخطبة بالموصل: الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات العصب. وانهدت بقدرته أركان النصب. وأطلع بنوره شمس الحق من العرب.
فأرسل القادر بالله، أمير المؤمنين، القاضي أبا بكر بن الباقلاني إلى بهاء الدولة يعرفه ذلك، وأن العلويين والعباسيين انتقلوا من الكوفة إلى بغداد، فأكرم بهاء الدولة القاضي أبا بكر، وكتب إلى عميد الجيوش يأمره بالمسير إلى حرب قرواش، وأطلق له مائة ألف دينار ينفقها في العسكر، وخلع على القاضي أبي بكر، وولاه قضاء عمان والسواحل. وسار عميد الجيوش إلى حرب قرواش فأرسل يعتذر وقطع خطبة العلويين وأعاد خطبة القادر بالله.
ذكر الحرب بين بني مزيد وبني دبيس
كان أبو الغنائم محمد بن مزيد مقيماً عند بني دبيس في جزيرتهم، بنواحي خوزستان، لمصاهرة بينهم، فقتل أبو الغنائم أحد وجوههم، ولحق بأخيه أبي الحسن علي بن مزيد، فتبعوه فلم يدركوه، وانحدر إليهم سند الدولة أبو الحسن بن مزيد في ألفي فارس، واستنجد عميد الجيوش، فانحدر إليه عجلاً في زبزبة في ثلاثين ديلمياً، وسار ابن مزيد إليهم فلقيهم، واقتتلوا فقتل أبو الغنائم، وانهزم أبو الحسن بن مزيد، فوصل الخبر بهزيمته إلى عميد الجيوش وهو منحدر فعاد.
ذكر وفاة عميد الجيوش وولاية فخر الملك العراق
في هذه السنة توفي عميد الجيوش أبو علي بن أستاذ هرمز ببغداد، وكانت ولايته ثماني سنين وأربعة أشهر وسبعة عشر يوماً، وكان عمره تسعاً وأربعين سنة، وتولى تجهيزه ودفنه الشريف الرضي، دفنه بمقابر قريش، ورثاه الرضي وغيره.
وكان أبوه، أبو جعفر استاذ هرمز، من حجاب عضد الدولة، وجعل عضد الدولة عميد الجيوش في خدمة ابنه صمصام الدولة، فلما قتل اتصل بخدمة بهاء الدولة. فلما استولى الخراب على بغداد، وظهر العيارون، وانحلت الأمور بها، أرسله إليها، فأصلح الأمور، وقمع المفسدين وقتلهم. فلما مات استعمل بهاء الدولة مكانه بالعراق فخر الملك أبا غالب، فأصعد إلى بغداد، فلقيه الكتاب والقواد وأعيان الناس، وزينوا له البلاد، ووصل بغداد في ذي الحجة، ومدحه مهيار وغيره من الشعراء.
ومن محاسن أعمال عميد الجيوش أنه حمل إليه مال كثير قد خلفه بعض التجار المصريين، وقيل له: ليس للميت وارث، فقال: لا يدخل خزانة السلطان ما ليس لها، يترك إلى أن يصح خبره. فلما كان بعد مدة جاء أخ للميت بكتاب من مصر بأنه مستحق للتركة، فقصد باب عميد الجيوش ليوصل الكتاب، فرآه يصلي على روشن داره فظنه بعض الحجاب، فأوصل الكتاب إليه فقضى حاجته، فلما علم التاجر أن الذي أخذ الكتاب كان عميد الجيوش عظم الأمر عنده، فأظهر ذلك، فاستحسنه الناس، ولما وصل التاجر إلى مصر أظهر الدعاء له، فضج الناس بالدعاء له والثناء عليه، فبلغه الخبر فسره ذلك.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة اشتد الغلاء بخراسان جميعها، وعدم القوت حتى أكل الناس بعضهم بعضاً، فكان الإنسان يصيح: الخبز الخبز ! ويموت، ثم تبعه وباءٌ عظيم حتى عجز الناس عن دفن الموتى.
وفيها مات أبو الفتح محمد بن عناز بحلوان، وكانت إمارته عشرين سنة، وقام بعده ابنه أبو الشوك فسيرت إليه العساكر من بغداد لقتاله، ولقيهم أبو الشوك وقاتلهم قتالاً شديداً، وانهزم أبو الشوك إلى حلوان، وأقام بها إلى أن أصلح حاله مع الوزير أبي غالب لما قدم العراق.
وفيها توفي أبو عبدالله محمد بن مقن بن مقلد بن جعفر بن عمرة بن المهيا العقيلي، وفي مقلد يجتمع آل المسيب وآل مقن، وكان عمره مائة وعشر سنين، وكان بخيلاً شديد البخل، وشهد مع القرامطة أخذ الحجر الأسود.
وفيها توفي الأمير أبو نصر أحمد بن أبي الحارث محمد بن فريغون، صاحب الجوزجان، وكان صهر يمين الدولة على أخته، وكان هو وأبوه قبله يحبان العلماء ويحسنان إليهم.
وفيها انقض كوكب كبير لم ير أكبر منه.
وفيها زادت دجلة إحدى وعشرين ذراعاً، وغرق كثير من بغداد والعراق، وتفجرت البثوق؛ ولم يحج هذه السنة من العراق أحدٌ. (4/149)
وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن عبيد أبو مسعود الدمشقي الحافظ، سافر الكثير في طلب الحديث، وله عناية بصحيحي البخاري ومسلم؛ وتوفي أيضاً خلف بن محمد بن علي بن حمدون أبو محمد الواسطي، كان فاضلاً، وله اطراف الصحيحين أيضاً.


ثم دخلت سنة اثنتين وأربعمائة
ذكر ملك يمين الدولة قصدار

في هذه السنة استولى يمين الدولة على قصدار، وملكها.
وسبب ذلك أن ملكها كان قد صالحه على قطيعة يؤديها إليه، ثم قطعها اغتراراً بحصانة بلده، وكثرة المضايق في الطريق، واحتمى بايلك الخان، وكان يمين الدولة يريد قصدها، فيتقي ناحية ايلك الخان. فلما فسد ذات بينهما صمم العزم وقصدها وتجهز، وأظهر أنه يريد هراة، فسار من غزنة في جمادى الأولى، فلما استقل على الطريق سار نحو قصدار، فسبق خبره، وقطع تلك المضايق والجبل، فلم يشعر صاحبها إلا وعسكر يمين الدولة قد أحاط به ليلاً، فطلب الأمان فأجابه وأخذ منه المال الذي كان قد اجتمع عنده، وأقره على ولايته وعاد.
ذكر أسر صالح بن مرداس
وملكه حلب وملك أولاده

في هذه السنة كانت وقعة بين أبي نصر بن لؤلؤ، صاحب حلب، وبين صالح بن مرداس، وكان ابن لؤلؤ من موالي سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان، فقوي على ولد سعد الدولة وأخذ البلد منه، وخطب للحاكم صاحب مصر، ولقبه الحاكم مرتضى الدولة.
ثم فسد ما بينه وبين الحاكم، فطمع فيه ابن مرداس، وبنو كلاب، وكانوا يطالبونه بالصلات والخلع. ثم إنهم اجتمعوا هذه السنة في خمسمائة فارس، ودخلوا مدينة حلب، فأمر ابن لؤلؤ بإغلاق الأبواب والقبض عليهم، فقبض على مائة وعشرين رجلاً، منهم صالح بن مرداس، وحبسهم، وقتل مائتين وأطلق من لم يفكر به.
وكان صالح قد تزوج بابنة عم له يسمى جابراً، وكانت جميلة، فوصفت لابن لؤلؤ، فخطبها إلى إخوتها، وكانوا في حبسه، فذكروا له أن صالحاً قد تزوجها، فلم يقبل منهم، وتزوجها، ثم أطلقهم، وبقي صالح بن مرداس في الحبس، فتوصل حتى صعد من السور وألقى نفسه من أعلى القلعة إلى تلها، واختفى في مسيل ماء.
ووقع الخبر بهربه، فأرسل ابن لؤلؤ الخيل في طلبه، فعادوا ولم يظفروا به. فلما سكن عنه الطلب سار بقيده ولبنة حديد في رجليه، حتى وصل قريبة تعرف بالياسرية، فرأى ناساً من العرب فعرفوه وحملوه إلى أهله بمرج دابق، فجمع ألفي فارس فقصد حلب وحاصرها اثنين وثلاثين يوماً، فخرج إليه ابن لؤلؤ فقاتله، فهزمهم صالح وأسر ابن لؤلؤ، وقيده بقيده الذي كان في رجله ولبنته. وكان لابن لؤلؤ أخٌ فنجا وحفظ مدينة حلب.
ثم إن ابن لؤلؤ بذل لابن مرداس مالاً على أن يطلقه، فلما استقر الحال بينهما أخذ رهائنه وأطلقه، فقالت أم صالح لابنها: قد أعطاك الله ما لا كنت تؤمله، فإن رأيت أن تتم صنيعك بإطلاق الرهائن فهو المصلحة، فإنه إن أراد الغدر بك لا يمنعه من عندك؛ فأطلقهم، فلما دخلوا البلد حمل ابن لؤلؤ إليه أكثر مما استقر، وكان قد تقرر عليه مائتا ألف دينار، ومائة ثوب، وإطلاق كل أسير عنده من بني كلاب. فلما انفصل الحال ورحل صالح أراد ابن لؤلؤ قبض غلامه فتح، وكان دزدار القلعة، لأنه اتهمه بالممالأة على الهزيمة، وكان خلاف ظنه، فأطلع على ذلك غلاماً له اسمه سرور، وأراد أن يجعله مكان فتح، فأعلم سرور بعض أصدقائه ويعرف بابن غانم.
وسبب إعلامه أنه حضر عنده، وكان يخاف ابن لؤلؤ لكثرة ماله، فشكا إلى سرور ذلك، فقال له: سيكون أمر تأمن معه؛ فسأله، فكتمه، فلم يزل يخدعه حتى أعلمه الخبر. (4/150)
وكان بين ابن غانم وبين فتح مودة، فصعد إليه بالقلعة متنكراً، فأعلمه الخبر، وأشار عليه بمكاتبة الحاكم صاحب مصر، وأمر ابن لؤلؤ أخاه أبا الجيش بالصعود إلى القلعة بحجة افتقاد الخزائن، فإذا صار فيها قبض على فتح، وأرسل إلى فتح يعلمه أنه يريد افتقاد الخزائن، ويأمره بفتح الأبواب. فقال فتح: إنني قد شربت اليوم دواء، وأسأل تأخير الصعود في هذا اليوم، فإنني لا أثق في فتح الأبواب لغيري؛ وقال للرسول: إذا لقيته فاردده. فلما علم ابن لؤلؤ الحال أرسل والدته إلى فتح ليعلم سبب ذلك، فلما صعدت إليه أكرمها، وأظهر لها الطاعة، فعادت وأشارت على أبنها بترك محاقته ففعل، وأرسل إليه يطلب جوهراً كان له بالقلعة، فغالطه فتح ولم يرسله فسكت على مضض لعلمه أن المحاقة لا تفيد لحصانة القلعة، وأشارت والدة ابن لؤلؤ عليه بأن يتمارض، ويظهر شدة المرض، ويستدعي الفتح لينزل إليه ليجعله وصياً، فإذا حضر قبضه. ففعل ذلك، فلم ينزل الفتح، واعتذر، وكاتب الحاكم، وأظهر طاعته، وخطب له، وأظهر العصيان على أستاذه، وأخذ من الحاكم صيدا، وبيروت، وكل ما في حلب من الأموال. وخرج ابن لؤلؤ من حلب إلى إنطاكية، وبها الروم، فأقام عندهم.
وكان صالح بن مرداس قد مالأ الفتح على ذلك، فلما عاد عن حلب استصحب معه والدة ابن لؤلؤ ونساءه، وتركهن بمنبج، وتسلم حلب نواب الحاكم، وتنقلت بأيديهم حتى صارت بيد إنسان من الحمدانية يعرف بعزيز الملك، فقدمه الحاكم واصطنعه وولاه حلب، فلما قتل الحاكم وولي الظاهر عصى عليه، فوضعت ست الملك أخت الحاكم فراشاً على قتله فقتله.
وكان للمصريين بالشام نائب يعرف بأنوشتكين البربري، وبيده دمشق، والرملة، وعسقلان، وغيرها، فاجتمع حسان أمير بني طي، وصالح بن مرداس أمير بني كلاب، وسنان بن عليان، وتحالفوا، واتفقوا على أن يكون من حلب إلى عانة لصالح، ومن الرملة إلى مصر لحسان، ودمشق لسنان، فسار حسان إلى الرملة فحصرها، وبها أنوشتكين، فسار عنها إلى عسقلان، واستولى عليها حسان ونهبها وقتل أهلها، وذلك سنة أربع عشرة وأربعمائة، أيام الظاهر لإعزاز دين الله خليفة مصر.
وقصد صالح حلب، وبها إنسان يعرف بابن ثعبان يتولى أمرها للمصريين، وبالقلعة خادم يعرف بموصوف، فأما أهل البلد فسلموه إلى صالح لإحسانه إليهم، ولسوء سيرة المصريين معهم، وصعد ابن ثعبان إلى القلعة، فحصره صالح بالقلعة، فغار الماء الذي بها، فلم يبق لهم ما يشربون، فسلم الجند القلعة إليه، وذلك سنة أربع عشرة، وملك من بعلبك إلى عانة، وأقام بحلب ست سنين.
فلما كان سنة عشرين وأربعمائة جهز الظاهر صاحب مصر جيشاً، وسيرهم إلى الشام لقتال صالح وحسان، وكان مقدم العسكر أنوشتكين البربري، فاجتمع صالح وحسان على قتاله، فاقتتلوا بالأقحوانة على الأردن، عند طبرية، فقتل صالح وولده الأصغر، وأنفذ رأساهما إلى مصر، ونجا ولده أبو كامل نصر بن صالح، فجاء إلى حلب وملكها، وكان لقبه شبل الدولة.
فلما علمت الروم بإنطاكية الحال، تجهزوا إلى حلب في عالم كثير، فخرج أهلها فحاربوهم فهزموهم، ونهبوا أموالهم، وعادوا إلى إنطاكية، وبقي شبل الدولة مالكاً لحلب إلى سنة تسع وعشرين وأربعمائة، فأرسل إليه الدزبري العساكر المصرية، وصاحب مصر حينئذ المستنصر بالله، فلقيهم عند حماة، فقتل في شعبان وملك الدزبري حلب في رمضان سنة تسع وعشرين، وملك الشام جميعه، وعظم أمره، وكثر ماله، وأرسل يستدعي الجند الأتراك من البلاد، فبلغ المصريين عنه أنه عازم على العصيان، فتقدموا إلى أهل دمشق بالخروج عن طاعته، ففعلوا، فسار عنها نحو حلب في ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وتوفي بعد ذلك بشهر واحد. (4/151)
وكان أبو علوان ثمال بن صالح بن مرداس الملقب بمعز الدولة بالرحبة، فلما بلغه موت الدزبري جاء إلى حلب فملكها تسليماً من أهلها، وحاصر امرأة الدزبري وأصحابه بالقلعة أحد عشر شهراً، وملكها في صفر سنة أربع وثلاثين فبقي فيها إلى سنة أربعين. فأنفذ المصريون إلى محاربته أبا عبدالله بن ناصر الدولة بن حمدان، فخرج أهل حلب إلى حربه، فهزمهم، واختنق منهم بالباب جماعة، ثم إنه رحل عن حلب وعاد إلى مصر، وأصابهم سيل ذهب بكثير من دوابهم وأثقالهم. فأنفذ المصريون إلى قتال معز الدولة خادماً يعرف برفق فخرج إليه في أهل حلب، فقاتلوه، فانهزم المصريون، وأسر رفق، ومات عندهم، وكان أسره سنة إحدى وأربعين في ربيع الأول.
ثم إن معز الدولة بعد ذلك أرسل الهدايا إلى المصريين، وأصلح أمره معهم، ونزل لهم عن حلب فأنفذوا إليها أبا علي الحسن بن علي بن ملهم، ولقبوه مكين الدولة، فتسلمها من ثمال في ذي القعدة سنة تسع وأربعين، وسار ثمال إلى مصر في ذي الحجة وسار أخوه أبو ذؤابة عطية بن صالح إلى الرحبة، وأقام ابن ملهم بحلب فجرى بين بعض السودان وأحداث حلب حرب.
وسمع ابن ملهم أن بعض أهل حلب قد كاتب محمود بن شبل الدولة نصر ابن صالح يستدعونه ليسلموا البلد إليه، فقبض على جماعة منهم، وكان منهم رجل يعرف بكامل بن نباتة، فخاف، فجلس يبكي، وكان يقول لكل من سأله عن بكائه: إن أصحابنا الذين أخذوا قد قتلوا، وأخاف على الباقين. فاجتمع أهل البلد، واشتدوا، وراسلوا محموداً، وهو عنهم مسيرة يومٍ، يستدعونه، وحصروا ابن ملهم، وجاء محمود وحصره معهم في جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين.
ووصلت الأخبار إلى مصر، فسيروا ناصر الدولة أبا علي بن ناصر الدولة ابن حمدان في عسكرٍ، بعد اثنين وثلاثين يوماً من دخول محمود حلب، فلما قارب البلد خرج محمود عن حلب إلى البرية، واختفى الأحداث جميعهم، وكان عطية بن صالح نازلاً بقرب البلد، وقد كره فعل محمود ابن أخيه، فقبض ابن ملهم على مائة وخمسين من الأحداث، ونهب وسط البلد، وأخذ أموال الناس.
وأما ناصر الدولة فلم يمكن أصحابه من دخول البلد ونهبه، وسار في طلب محمود، فالتقيا بالغنيدق في رجب، فانهزم أصحاب ابن حمدان، وثبت هو فجرح وحمل إلى محمود أسيراً، فأخذه وسار إلى حلب فملكها، وملك القلعة في شعبان سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وأطلق ابن حمدان، فسار هو وابن ملهم إلى مصر، فجهز المصريون معز الدولة ثمال بن صالح إلى ابن أخيه، فحصره في حلب في ذي الحجة من السنة، فاستنجد محمود خاله منيع بن شبيب بن وثاب النميري، صاحب حران، فجاء إليه، فلما بلغ ثمالاً مجيئه سار عن حلب إلى البرية في المحرم سنة ثلاث وخمسين، وعاد منيع إلى حران، فعاد ثمال إلى حلب، وخرج إليه محمود ابن أخيه، فاقتتلوا، وقاتل محمود قتالاً شديداً، ثم انهزم محمود فمضى إلى أخواله بني نمير بحران، وتسلم ثمال حلب في ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين، وخرج إلى الروم، فغزاهم ثم توفي بحلب في ذي القعدة سنة أربع وخمسين، وكان كريماً، حليماً، وأوصى بحلب لأخيه عطية بن صالح فملكها.
ونزل به قوم من التركمان مع ابن خان التركماني، فقوي بهم، فأشار أصحابه بقتلهم، فأمر أهل البلد بذلك، فقتلوا منهم جماعة، ونجا الباقون، فقصدوا محموداً بحران، واجتمعوا معه على حصار حلب، فحصرها وملكها في رمضان سنة أربع وخمسين.
وقصد عمه عطية الرقة فملكها، ولم يزل بها حتى أخذها منه شرف الدولة مسلم بن قريش سنة ثلاث وستين، وسار عطية إلى بلد الروم، فمات بالقسطنطينية سنة خمس وستين.
وأرسل محمود التركمان مع أميرهم ابن خان إلى ارتاح، فحصرها وأخذها من الروم سنة ستين، وسار محمود إلى طرابلس، فحصرها، وأخذ من أهلها مالاً وعاد، وأرسله محمود في رسالة إلى السلطان ألب أرسلان، ومات محمود في حلب سنة ثمان وستين في ذي الحجة، ووصى بها بعده لابنه مشيب، فلم ينفذ أصحابه وصيته لصغره، وسلموا البلد إلى ولده الأكبر، واسمه نصر، وجده لأمه الملك العزيز ابن الملك جلال الدولة ابن بويه وتزوجها عند دخولهم مصر لما ملك طغرلبك العراق. (4/152)
وكان نصر يدمن شرب الخمر، فحمله السكر على أن خرج إلى التركمان الذين ملكوا أباه البلد، وهم بالحاضر، يوم الفطر، فلقوه، وقبلوا الأرض بين يديه، فسبهم وأراد قتلهم، فرماه أحدهم بنشابة فقتله، وملك أخوه سابق، وهو الذي كان أبوه أوصى له بحلب، فلما صعد القلعة استدعى أحمد شاه مقدم التركمان، وخلع عليه، وأحسن إليه، وبقي فيها إلى سنة اثنتين وسبعين، فقصده تتش بن ألب أرسلان، فحصره بحلب أربعة أشهر ونصفاً، ثم رحل عنه، ونازله شرف الدولة، فأخذ البلد منه، على ما نذكره إن شاء الله تعالى؛ فهذه جميع أخبار بني مرداس أتيت بها متتابعة لئلا تجهل إذا تفرقت.
ذكر قتل جماعة من خفاجة
لما فتح الملك فخر الدولة دير العاقول أتاه سلطان، وعلوان، ورجب، أولاد ثمال الخفاجي، ومعهم أعيان عشائرهم، وضمنوا حماية سقي الفرات، ودفع عقيل عنها، وساروا معه إلى بغداد، فأكرمهم وخلع عليهم، وأمرهم بالمسير مع ذي السعادتين الحسن بن منصور إلى الأنبار، فساروا، فلما صاروا بنواحي الأنبار أفسدوا وعاثوا، فقبض ذو السعادتين على نفر منهم، ثم أطلقهم واستحلفهم على الطاعة، والكف عن الأذى، فأشار كاتب نصرانيٌ من أهل دقوقا على سلطان بن ثمال بالقبض على ذي السعادتين، وأن يظهر أن عقيلاً قد أغاروا، فإذا خرج عسكر ذي السعادتين انفرد به فأخذه. فوصل إلى ذي السعادتين الخبر.
ثم إن سلطاناً أرسل إليه يقول له إن عقيلاً قد قاربوا الأنبار، ويطلب منه إنفاذ العسكر، فقال ذو السعادتين: أنا أركب وآخذ العساكر؛ ثم دافعه إلى أن فات وقت السير، فانتقض على سلطان ما دبره، فأرسل يقول: قد أخذت جماعة من عقيل؛ ثم إن ذا السعادتين صنع طعاماً كثيراً، وحضر عنده سلطان وكاتبه النصراني وجماعة من أعيان خفاجة، فأمر أصحابه بقتل كثير منهم، وقبض على سلطان وكاتبه وجماعته، ونهب بيوتهم وما فيها، وحبس سلطاناً ومن معه ببغداد، حتى شفع فيهم أبو الحسن بن مزيد، وبذل مالاً عنهم فأطلقوا. وذكر ابن نباتة وغيره هذه الحادثة.
ذكر القدح في نسب العلويين المصريين
في هذه السنة كتب ببغداد محضر يتضمن القدح في نسب العلويين خلفاء مصر، وكتب فيه المرتضى وأخوه الرضي وابن البطحاوي العلوي، وابن الأزرق الموسوي، والزكي أبو يعلى عمر بن محمد، ومن القضاة والعلماء ابن الأكفاني وابن الخرزي، وأبو العباس الأبيوردي، وأبو حامد الأسفراييني، والكشفلي، والقدوري، والصيمري، وأبو عبدالله بن البيضاوي، وأبو الفضل النسوي، وأبو عبدالله بن النعمان فقيه الشيعة، وغيرهم، وقد ذكرنا الاختلاف فيهم عند ابتداء دولتهم سنة ست وتسعين ومائتين.
ذكر أخذ بني خفاجة الحجاج
في هذه السنة سارت خفاجة إلى واقصة، ونزحوا ماء البرمكي والريان وألقوا فيهما الحنظل؛ ووصل الحجاج من مكة إلى العقبة، فلقيهم خفاجة ومنعوهم الماء، ثم قاتلوهم فلم يكن فيهم امتناع، فأكثروا القتل، وأخذوا الأموال، ولم يسلم من الحاج إلا اليسير، فبلغ الخبر فخر الملك الوزير ببغداد، فسير العساكر في أثرهم، وكتب إلى أبي الحسن علي بن مزيد يأمره بطلب العرب، والأخذ منهم بثأر الحاج، والانتقام، فسار خلفهم فلحقهم وقد قاربوا البصرة، فأوقعوا بهم، فقتل منهم وأسر جمعاً كثيراً، وأخذ من أموال الحاج ما رآه، وكان الباقي قد أخذه العرب وتفرقوا، وأرسل الأسرى وما استرده من أمتعة الحاج إلى الوزير، فحسن موقعه منه.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة توفي أبو الحسن بن اللبان الفرضي في ربيع الأول؛ وتوفي في شهر رمضان عثمان بن عيسى أبو عمرو الباقلاني العابد، وكان مجاب الدعوة، رحمة الله عليه.

This site was last updated 07/25/11