Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة تسعين وثلاثمائة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة381
سنة382 وسنة383
سنة384 وسنة385
سنة486
سنة387 وسنة388
سنة389
سنة390 وسنة391
سنة392 وسنة393 وسنة394
سنة395 وسنة397 وسنة398
سنة 398 وسنة399 وسنة400
سنة401 وسنة402
سنة403 سنة404 وسنة405
سنة406
سنة407
سنة408 وسنة409
سنة410 وسنة411
سنة412 وسنة413 وسنة414
سنة415 وسنة416
سنة417 وسنة418
سنة419 وسنة420
سنة421 وسنة422

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة تسعين وثلاثمائة
ذكر خروج إسماعيل بن نوح وما جرى له بخراسان

في هذه السنة خرج أبو إبراهيم إسماعيل بن نوح من محبسه، وكان قد حبسه ايلك الخان لما ملك بخارى مع جماعة من أهله.
وسبب خلاصه أنه كانت تأتيه جارية تخدمه، وتتعرف أحواله، فلبس ما ان عليها وخرج، فظنه الموكلون الجارية، فلما خرج استخفى عند عجوز من أهل بخارى، فلما سكن الطلب عنه سار من بخارى إلى خوارزم، وتلقب المنتصر، وجامع إليه بقايا القواد السامانية والأجناد، فكثف جمعه، وسير قائداً من أصحابه في عسكر إلى بخارى، فبيت من بها من أصحاب ايلك الخان، فهزمهم وقتل منهم، وكبس جماعة من أعيانهم، مثل جعفر تكين وغيره، وتبع المنهزمين نحو ايلك الخان إلى حدود سمرقند، فلقي هناك عسكراً جراراً جعلهم ايلك الخان يحفظون سمرقند، فانضاف إليهم المنهزمون، ولقوا عسكر المنتصر، فانهزم أيضاً عسكر ايلك الخان، وتبعهم عسكر المنتصر، فغنموا أثقالهم فصلحت أحوالهم بها، وعادوا إلى بخارى، فاستبشر أهلها بعود السامانية.
ثم إن ايلك جمع الترك وقصد بخارى، فانحاز من بها من السامانية وعبروا النهر إلى آمل الشط، فضاقت عليهم، فساروا هم والمنتصر نحو أبيورد فملكها، وجبوا أموالها،وساروا نحو نيسابور، وبها منصور بن سبكتكين، نائباً عن أخيه محمود، فالتقوا قرب نيسابور في ربيع الآخر، فاقتتلوا، فانهزم منصور وأصحابه، وقصدوا هراة، وملك المنتصر نيسابور، وكثر جمعه. (4/129)
وبلغ يمين الدولة الخبر، فسار مجداً نحو نيسابور، فلما قاربها سار عنها المنتصر إلى أسفرايين، فلما أزعجه الطلب سار نحو شمس المعالي قابوس ابن وشمكير وملتجئاً إيه ومتكثراً به، فأكرمه مورده، وحمل إليه شيئاً كثيراً، وأشار على المنتصر بقصد الري إذ كانت ليس بها من يذب عنها، لاشتغال أصحابها باختلافهم، ووعده بأن ينجده بعسكر جرار مع أولاده، فقبل مشورته وسار نحو الري، فنازلها، فضعف من بها عن مقاومته، إلا أنهم حفظوا البلد منه، ودسوا إلى أعيان عسكره كأبي القاسم بن سيمجور وغيره، وبذلوا لهم الأموال ليردوه عنهم، ففعلوا ذلك، وصغروا أمر الري عنده وحسنوا له العود إلى خراسان. فسار نحو الدامغان، وعاد عنه عسكر قابوس.
ووصل المنتصر إلى نيسابور في آخر شوال سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، فجبى له الأموال بها، فأرسل إليه يمين الدولة جيشاً فلقوه، فانهزم المنتصر وسار نحو أبيورد، وقصد جرجان، فرده شمس المعالي عنها، فقصد سرخس وجبى أموالها وسكنها. فسار إليه منصور بن سبكتكين من نيسابور، فالتقوا بظاهر سرخس واقتتلوا، فانهزم المنتصر وأصحابه، وأسر أبو القاسم علي ابن محمد بن سيمجور وجماعة من أعيان عسكره، وحملوا إلى المنصور، فسيرهم إلى غزنة، وذلك في ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين.
وسار المنتصر تائهاً حتى وافى الأتراك الغزية ولهم ميل إلى آل سامان، فحركتهم الحمية، واجتمعوا معه، وسار بهم نحو ايلك الخان، وكان ذلك في شوال سنة ثلاث وتسعين، فلقيهم ايلك بنواحي سمرقند، فهزموه واستولوا على أمواله وسواده، وأسروا جماعة من قواده وعادوا إلى أوطانهم، واجتمعوا على إطلاق الأسرى تقرباً إلى ايلك الخان بذلك. فعلم المنتصر، فاختار من أصحابه جماعة يثق بهم، وسار بهم، فعبر النهر، ونزل بآمل الشط، فلم يقبله مكان، وكلما قصد مكاناً رده أهله خوفاً من معرته، فعاد وعبر النهر إلى بخارى، وطلب واليها لايلك الخان، فلقيه واقتتلوا، فانهزم المنتصر إلى دبوسية وجمع بها، ثم عاودهم فهزمهم، وخرج إليه خلق كثير من فتيان سمرقند، وصاروا في جملته، وحمل له أهلها المال والآلات والثياب والدواب وغير ذلك.
فلما سمع ايلك الخان بحاله جمع الأتراك وسار إليه في قضه وقضيضه، والتقوا بنواحي سمرقند، واشتدت الحرب بينهم، فانهزم ايلك الخان، وكان ذلك في شعبان سنة أربع وتسعين، وغنموا أمواله ودوابه. وعاد ايلك الخان إلى بلاد الترك، فجمع وحشد وعاد إلى المنتصر، فوافق عوده تراجع الغزية الذين كانوا مع المنتصر إلى أوطانهم، وقد زحف جمعه، فاقتتلوا بنواحي أسروشنة، فانهزم المنتصر، وأكثر الترك في أصحابه القتل.
وسار المنتصر منهزماً، حتى عبر النهر، وسار إلى الجوزجان فنهب أموالها، وسار يطلب مرو، فسير يمين الدولة العساكر، ففارق مكانه وسار وهم في أثره، حتى أتى بسطام، فأرسل إليه قابوس عسكراً أزعجه عنها، فلما ضاقت عليه المذاهب عاد إلى ما وراء النهر، فعبر أصحابه وقد ضجروا وسئموا من السهر والتعب والخوف، ففارقه كثير منهم إلى بعض أصحاب ايلك الخان، فأعلموهم بمكانه، فلم يشعر المنتصر إلا وقد أحاطت به الخيل من كل جانب، فطاردهم ساعة ثم ولاهم الدبر وسار فنزل بحلة من العرب في طاعة يمين الدولة، وكان يمين الدولة قد أوصاهم بطلبه، فلما رأوه أمهلوه حتى أظلم الليل، ثم وثبوا عليه فأخذوه وقتلوه، وكان ذلك خاتمه أمره؛ وإنما أوردت الحادثة هذه السنة لترد متتابعة، فلو تفرقت في السنين لم تعلم على هذه الصورة لقلتها.
ذكر محاصرة يمين الدولة سجستان
في هذه السنة سار يمين الدولة إلى سجستان، وصاحبها خلف بن أحمد، فحصره بها.
وكان سبب ذلك أن يمين الدولة لما اشتغل بالحروب التي ذكرناها سير خلف بن أحمد ابنه طاهراً إلى قهسنان فملكها، ثم سار منها إلى بوشنج فملكها، وكانت هي وهراة لبغراجق، عم يمين الدولة، فلما فرغ يمين الدولة من تلك الحروب استأذنه عمه في إخراج طاهر بن خلف من ولايته، فأذن له في ذلك، فسار إليه، فلقيه طاهر بنواحي بوشنج، فاقتتلوا، فانهزم طاهر ولج بغراجق في طلبه، فعطف عليه طاهر فقتله ونزل إليه وأخذ رأسه.(4/130)
فلما سمع يمين الدولة بقتل عمه عظم عليه، وكبر لديه، وجمع عساكره وسار نحو خلف بن أحمد، فتحصن منه خلف بحصن أصبهبذ، وهو حصن يناطح النجوم علواً وارتفاعاً، فحصره فيه وضيق عليه، فذل وخضع، وبذل أموالاً جليلة لينفس عن خناقه، فأجابه يمين الدولة إلى ذلك، وأخذ رهنه على المال.
ذكر قتل ابن بختيار بكرمان واستيلاء بهاء الدولة عليها
في هذه السنة، في جمادى الآخرة، قتل الأمير أبو نصر بن بختيار، الذي كان قد استولى على بلاد فارس.
وسبب قتله أنه لما انهزم من عسكر بهاء الدولة بشيراز سار إلى بلاد الديلم، وكاتب الديلم بفارس وكرمان من هناك يستميلهم، وكاتبوه واستدعوه، فسار إلى بلاد فارس، واجتمع عليه جمع كثير من الزط، والديلم، والأتراك، وتردد في تلك النواحي. .
ثم سار إلى كرمان، فلم يقبله الديلم الذين بها، وكان المقدم عليهم أبو جعفر بن أستاذ هرمز، فجمع وقصد أبا جعفر، فالتقيا، فانهزم أبو جعفر إلى السيرجان، ومضى ابن بختيار إلى جيرفت فملكها، وملك أكثر كرمان، فعظم الأمر على بهاء الدولة، فسير إليه الموفق علي بن إسماعيل في جيش كثير، وسار مجداً حتى أطل على جيرفت، فاستأمن إليه من بها من أصحاب ابن بختيار ودخلها. فأنكر عليه من معه من القواد سرعة سيره، وخوفوه عاقبة ذلك، فلم يصغ إليهم، وسأل عن حال ابن بختيار، فأخبر أنه على ثمانية فراسخ من جيرفت، فاختار ثلاثمائة رجل من شجعان أصحابه وسار بهم، وترك الباقين مع السواد بجيرفت.
فلما بلغ ذلك المكان لم يجده ودل عليه فلم يزل يتبعه من منزل، حتى لحقه بدارزين، فسار ليلاً، وقدر وصوله إليه عند الصبح فأدركه. فركب ابن بختيار واقتتلوا قتالاً شديداً، وسار الموفق في نفر من غلمانه، فأتى ابن بختيار من ورائه، فانهزم ابن بختيار وأصحابه، ووضع فيهم السيف، فقتل منهم الخلق الكثير. فقدر بابن بختيار بعض أصحابه، وضربه بلت فألقاه وعاد إلى الموفق ليخبره بقتله، فأرسل معه من ينظر إليه، فرآه وقد قتله غيره، وحمل رأسه إلى الموفق.
وأكثر الموفق القتل في أصحاب ابن بختيار، واستولى على بلاد كرمان، واستعمل عليها أبا موسى سياهجيل، وعاد إلى بهاء الدولة، فخرج بنفسه ولقيه، وأكرمه وعظمه ثم قبض عليه بعد أيام.
ومن أعجب ما يذكر أن الموفق أخبره منجم أنه يقتل ابن بختيار يوم الاثنين، فلما كان قبل الاثنين بخمسة أيام قال للمنجم: قد بقي خمسة أيام وليس لنا علم به؛ فقال له المنجم: إن لم تقتله فاقتلني عوضه، وإلا فأحسن إلي. فلما كان يوم الاثنين أدركه وقتله، وأحسن إلى المنجم إحساناً كثيراً.
ذكر القبض على الموفق أبي علي بن إسماعيل
قد ذكرنا مسيره إلى قتال ابن بختيار، وقتله ابن بختيار، فلما عاد أكرمه بهاء الدولة ولقيه بنفسه، فاستعفى الموفق من الخدمة، فلم يعفه بهاء الدولة، فألح كل واحد منهما، فأشار أبو محمد بن مكرم على الموفق بترك ذلك، فلم يقبل، فقبض عليه بهاء الدولة وأخذ أمواله، وكتب إلى وزيره سابور ببغداد بالقبض على أنساب الموفق، فعرفهم ذلك سراً، فاحتالوا لنفوسهم وهربوا، واستعمل بهاء الدولة أبا محمد بن مكرم على عمان، ثم إن بهاء الدولة قتل الموفق سنة أربع وتسعين وثلاثمائة.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة استعمل بهاء الدولة أبا علي الحسن هرمز على خوزستان، وكانت قد فسدت أحوالها بولاية أبي جعفر الحجاج لها، ومصادرته لأهلها، فعمرها أبو علي، ولقبه بهاء الدولة عميد الجيوش، وحمل إلى بهاء الدولة منها أموالاً جليلة مع حسن سيرةٍ في أهلها وعدل.
وفيها ظهر في سجستان معدن الذهب، فكانوا يحفرون التراب ويخرجون منه الذهب الأحمر.
وفيها توفي الشريف أبو الحسن محمد بن عمر العلوي، ودفن بالكرخ، وعمره خمس وسبعون سنة، وهو مشهور بكثرة المال والعقار؛ والقاضي أبو الحسن ابن قاضي القضاة أبي محمد بن معروف؛ والقاضي أبو الفرج المعافى بن زكرياء المعروف بابن طرار الجريري، بفتح الجيم، منسوب إلى محمد بن جرير الطبري لأنه كان يتفقه على مذهبه، وكان عالماً بفنون العلوم، كثير الرواية والتصنيف فيها.


ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة
ذكر قتل المقلد وولاية ابنه قرواش

في هذه السنة قتل حسام الدولة المقلد بن المسيب العقيلي غيلةً، قتله مماليك له ترك. (4/131)
وكان سبب قتله أن هؤلاء الغلمان كانوا قد هربوا منه، فتبعهم وظفر بهم، وقتل منهم وقطع، وأعاد الباقين، فخافوه على نفوسهم، فاغتنم بعضهم غفلته وقتله بالأنبار، وكان قد عظم أمره، وراسل وجوه العساكر ببغداد، وأراد التغلب على الملك، فأتاه الله من حيث لا يشعر.
ولما قتل كان ولده الأكبر قرواش غائباً، وكانت أمواله وخزائنه بالأنبار، فخاف نائبه عبدالله بن إبراهيم بن شهرويه بادرة الجند، فراسل أبا منصور بن قراد اللديد، وكان بالسندية، فاستدعاه إليه وقال له: أنا أجعل بينك وبين قرواش عهداًن وأزوجه ابنتك وأقاسمك على ما خلفه أبوه، ونساعده على عمه الحسن إن قصده وطمع فيه. فأجابه إلى ذلك وحمى الخزائن والبلد.
وأرسل عبدالله إلى قرواش يحثه على الوصول، فوصل وقاسمه على المال، وأقام قراد عنده.
ثم إن الحسن بن المسيب جمع مشايخ عقيل، وشكا قرواشاً إليهم وما صنع مع قراد، فقالوا له: خوفه منك حمله على ذلك؛ فبذل من نفسه الموافقة له، والوقوف عند رضاه، وسفر المشايخ بينهما فاصطلحا، واتفقا على أن يسير الحسن إلى قرواش شبه المحارب، ويخرج هو واقراد لقتاله، فإذا لقي بعضهم عادوا جميعاً على قراد فأخذوه، فسار الحسن وخرج قرواش وقراد لقتاله.
فلما تراءى الجمعان جاء بعض أصحاب قراد إليه فأعلمه الحال، فهرب على فرس له، وتبعه قرواش والحسن فلم يدركاه، وعاد قرواش إلى بيت قراد فأخذ ما فيه من الأموال التي أخذها من قرواش، وهي بحالها، وسار قرواش إلى الكوفة، فأوقع بخفاجة عندها وقعة عظيمة، فساروا بعدها إلى الشام، فأقاموا هناك حتى أحضرهم أبو جعفر الحجاج، على ما نذكره إن شاء الله.


ذكر البيعة لولي العهد
في هذه السنة، في ربيع الأول، أمر القادر بالله بالبيعة لولده أبي الفضل بولاية العهد، وأحضر حجاج خراسان وأعلمهم ذلك، ولقبه الغالب بالله.
وكان سبب البيعة له أن أبا عبدالله بن عثمان الواثقي، من ولد الواثق بالله أمير المؤمنين، كان من أهل نصيبين، فقصد بغداد، ثم سار عنها إلى خراسان، وعبر النهر إلى هارون بن ايلك بغرا خاقان، وصحبه الفقيه أبو الفضل التميمي، وأظهر أنه رسول من الخليفة إلى هارون يأمره بالبيعة لهذا الواثقي، فإنه ولي عهدٍ، فأجابه خاقان إلى ذلك، وبايع له وخطب له ببلاده وأنفق عليه. فبلغ ذلك القادر بالله، فعظم عليه، وراسل خاقان في معناه، فلم يصغ إلى رسالته.
فلما توفي هارون خاقان، وولي بعده أحمد قراخاقان، كاتبه الخليفة في معناه، فأمر بإبعاده، فحينئذ بايع الخليفة لولده بولاية العهد.

وأما الواثقي فإنه خرج من عنده أحمد قراخاقان وقصد بغداد فعرف بها وطلب، فهرب منها إلى البصرة، ثم إلى فارس وكرمان، ثم إلى بلاد الترك، فلم يتم له ما أراد، وراسل الخليفة الملوك يطلبه، فضاقت عليه الأرض، وسار إلى خوارزم وأقام بها، ثم فارقها، فأخذه يمين الدولة محمود بن سبكتكين فحبسه في قلعة إلى أن توفي بها.
ذكر استيلاء طاهر بن خلف على كرمان وعوده عنها
في هذه السنة سار طاهر بن خلف بن أحمد، صاحب سجستان، إلى كرمان طالباً ملكها.
وكان سبب مسيره إليها أنه كان قد خرج عن طاعة أبيه، وجرى بينهما حروب كان الظفر فيها لأبيه، ففارق سجستان وسار إلى كرمان، وبها عسكر بهاء الدولة، وهي له على ما ذكرناه، فاجتمع من بها من العساكر إلى المقدم عليهم ومتولي أمر البلد، وهو أبو موسى سياهجيل، فقالوا له: إن هذا الرجل قد وصل، وهو ضعيف، والرأي أن تبادره قبل أن يقوى أمره ويكثر جمعه، فلم يفعل واستهان به، فكثر جمع طاهر، وصعد إلى الجبال، وبها قوم من العصاة على السلطان، فاحتمى بهم وقوي، فنزل إلى جيرفت فملكها وملك غيرها، وقوي طمعه في الباقي.
فقصده أبو موسى والديلم، فهزمهم، وأخذ بعض ما بقي بأيديهم، فكاتبوا بهاء الدولة، فسير إليهم جيشاً عليهم أبو جعفر بن أستاذ هرمز، فسار إلى كرمان، وقصد بم، وبها طاهر، فجرى بين طلائع العسكرين حرب، وعاد طاهر إلى سجستان، وفارق كرمان، فلما بلغ سجستان أطلق المأسورين، ودعاهم إلى قتال أبيه معه، وحلف لهم أنهم إذا نصروه وقاتلوا معه أطلقهم، ففعلوا ذلك، وقاتل أباه، فهزمه وملك طاهر البلاد، ودخل أبوه إلى حصن له منيع فاحتمى به.(4/132)
وأحب الناس طاهراً لحسن سيرته، وسوء سيرة والده، وأطلق طاهر الديلم، ثم إن أباه راسل أصحابه ليفسدهم عليه، فلم يفعلوا، فعدل إلى مخادعته، وراسله يظهر له الندم على ما كان منه، ويستميله بأنه ليس له ولد غيره، وأنه يخاف أن يموت فيملك بلاده غير ولده. ثم استدعاه إليه جريدة ليجتمع به ويعرفه أحواله، فتواعدا تحت قلعة خلف، فأتاه ابنه جريدة، ونزل هو إليه كذلك، وكان قد كمن بالقرب منه كمينا، فلما لقيه اعتنقه، وبكى خلف، وصاح في بكائه، فخرج الكمين وأسروا طاهراً فقتله أبوه بيده، وغسله ودفنه، ولم يكن له ولد غيره.
فلما قتل طمع الناس في خلف، لأنهم كانوا يخافون ابنه لشهامته، وقصده حينئذ محمود بن سبكتكين، فملك بلاده على ما نذكره؛ وأما العتبي فذكر في سبب فتحها غير هذا، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة ثار الأتراك ببغداد بنائب السلطان، وهو أبو نصر سابور، فهرب منهم، ووقعت الفتنة بين الأتراك والعامة من أهل الكرخ، وقتل بينهم قتلى كثيرة، ثم إن السنة من أهل بغداد ساعدوا الأتراك على أهل الكرخ، فضعفوا عن الجميع، فسعى الأشراف في إصلاح الحال فسكنت الفتنة.
وفيها ولد الأمير أبو جعفر عبدالله بن القادر، وهو القائم بأمر الله.
وفيها، في ربيع الأول، توفي أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى، وكان فاضلاً عالماً بعلوم الإسلام وبالمنطق، وكان يجلس للتحديث، وروى الناس عنه.
وفيها توفي القاضي أبو الحسن الجزري، وكان على مذهب داود الظاهري، وكان يصحب عضد الدولة قديماً.
وفيها توفي أبو عبدالله الحسين بن الحجاج الشاعر بطريق النيل، وحمل إلى بغداد، وديوانه مشهور.
وفيها توفي بكران بن أبي الفوارس خال الملك جلال الدولة بواسط.
وفيها توفي جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات المعروف بابن حنزابة، الوزير، ومولده سنة ثمان وثلاثمائة، وكان سار إلى مصر فولي وزارة كافور وروي حديثاً كثيراً.

This site was last updated 07/25/11