Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

 سنة عشرين وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة295
سنة296
سنة297 وسنة298 وسنة299
سنة300 وسنة301
سنة302 وسنة303
سنة303 وسنة304 وسنة305 وسنة306
سنة307 وسنة308 وسنة309
سنة310 وسنة311
سنة312
سنة313 وسنة314
سنة315
سنة316
سنة317
سنة318 وسنة319
سنة320

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة عشرين وثلاثمائة
ذكر مسير مؤنس إلى الموصل

في هذه السنة، في المحرّم، سار مؤنس المظفَّر إلى الموصل مغاضباً للمقتدر.
وسبب مسيره أنّه لّما صحّ عنده إرسال الوزير الحسين بن القاسم إلى هارون ابن غريب ومحمّد بن ياقوت يستحضرهما، زاد استيحاشه، ثم سمع بأنّ الحسين قد جمع الرجال والغلمان الحجريّة في دار الخليفة، وقد اتّفق فيهم، وأنَّ هارون بن غريب قد قرب من بغداد، فأظهر الغضب، وسار نحو الموصل ووجّه خادمه بُشرى برسالة إلى المقتدر، فسأله الحسين عن الرسالة، فقال: لا أذكرها إلاّ لأمير المؤمنين؛ فأنفذ إليه المقتدر يأمره بذكر ما معه من الرسالة للوزرن فامتنع، وقال: ما أمرني صاحبي بهذا؛ فسبّه الوزير، وشتم صاحبه، وأمر بضربه، وصادره بثلاثمائة ألف دينار، وأخذ خطّه بها، وحبسه ونهب داره.
فلمّا بلغ مؤنساً ما جرى على خادمه، وهو ينتظر أن يطيّب المقتدر قلبه، ويعيده، فلمّا علم ذلك سار نحو الموصل ومعه جميع قُوّاده، فكتب الحسين إلى القوّاد والغلمان يأمرهم بالرجوع إلى بغداد، فعاد جماعة، وسار مؤنس نحو الموصل في أصحابه ومماليكه، ومعه من الساجيّة ثماني مائة رجل، وتقدّم الوزير بقبض إقطاع مؤنس وأملاكه وأملاك مَن معه، وضرب اسمه على الدينار والدرهم، وتمكّن من الوزارة، وولّى وعزل.
وكان فيمن تولّى أبو يوسف يعقوب بن محمّد البريديُّ، ولاّه الوزر البصرة وجميع أعمالها بمبلغ لا يفي بالنفقات على البصرة وما يتعلّق بها، بل فضل لأبي يوسف مقدار ثلاثين ألف دينار أحاله الوزير بها، فلّما علم ذلك الفضل بن جعفر بن محمّد بن الفرات استدرك على أبي يوسف، وأظهر له الغلط في الضمان، وأنّه لا يمضيه، فأجاب إلى أن يقوم بنفقات البصرة، ويحمل إلى بيت المال كلّ سنة ثمانين ألف دينار، وانتهى ذلك إلى المقتدر، فحسُن موقعه عنده، فقصده الوزير، فاستتر، وسعى بالوزير إلى المقتدر إلى أن أفسد حاله.
ذكر عزل الحسين عن الوزارة (3/438)
وفيها عُزل الحسين بن القاسم عن الوزارة. وسبب ذلك أنّه ضاقت عليه الأموال، وكثرت الإخراجات، فاستسلف في هذه السنة جملة وافرة أخرجها في سنة تسع عشرة، فأنهى هارون بن غريب ذلك إلى المقتدر، فرتّب معه الخصيبيّ، فلمّا تولّى معه نظر في أعماله، فرآه قد عمل حِسبة إلى المقتدر ليس فيها عليه وجه، وموّه وأظهر ذلك للمقتدر، فأمر بجمع الكتّاب وكشف الحال، فحضروا، واعترفوا بصدق الخصيبيّ بذلك، وقابلوا الوزير بذلك، فقُبض عليه في شهر ربيع الآخر، وكانت وزارته سبعة أشهر، واستوزر المقتدر أبا الفتح الفضل بن جعفر، وسلّم إليه الحسين، فلم يؤاخذه بإساءتهِ.
ذكر استيلاء مؤنس على الموصل
قد ذكرنا مسير مؤنس إلى الموصل فلمّا سمع الحسين الوزير بمسيره كتب إلى سعيد وداود ابنَيْ حمدان، وإلى ابن أخيهما ناصر الدولة الحسن بن عبد الله ابن حمدان، يأمرهم بمحاربة مؤنس، وصدّه عن الموصل.
وكان مؤنس كتب في طريقه إلى رؤساء العرب يستدعيهم، ويبذل لهم الأموال والخِلع، ويقول لهم: إنّ الخليفة قد ولاّه الموصل وديار ربيعة.
واجتمع بنو حمدان على محاربة مؤنس، إلاّ داود بن حمدان فإنّه امتنع من ذلك لإحسان مؤنس إليه، فإنّه كان قد أخذه بعد أبيه، وربّاه في حجره، أحسن إليه إحساناً عظيماً، فلمّا امتنع من محاربته لم يزل به إخوته حتّى وافقهم على ذلك، وذكروا له إساءة الحسين وأبي الهيجاء ابنَيْ حمدان إلى المقتدر مرّةً بعد مرّة، وأنّهم يريدون أن يغسلوا تلك السيّئة، ولّما أجابهم قال لهم: والله إنّكم لتحملونني على البغي وكفران الإحسان، وما آمن أن يجيئني سهم عائر فيقع في نحري فيقتلني؛ فلمّا التقوا أتاه سهم كما وصف فقتله.
وكان مؤنس إذا قيل له: إنّ داود عازم على قتالك، ينكره ويقول: كيف يقاتلني وقد أخذتُه طفلاً وربّيته في حجري ! ولّما قرب مؤنس من الموصل كان في ثمانمائة فارس، واجتمع بنو حمدان في ثلاثين ألفاً، والتقوا واقتتلوا، فانهزم بنو حمدان، ولم يُقتل منهم غير داود، وكان يلقّب بالمجفجف وفيه يقول بعض الشعراء وقد هجا أميراً:
لو كنتَ في ألف ألف كلّهم بطلٌ ... مِثل المُجَفْجَفِ داود بن حمدانِ
وتحتكَ الريحُ تجري حيثُ تأمرُها، ... وفي يمينك سيفَ غيرُ خَوَّان
لكنتَ أوّل فَرّارٍ إلى عَدَنٍ ... إذا تحرّك سيفٌ من خُراسانِ
وكان داود هذا من أشجع الناس، ودخل مؤنس الموصل ثالث صفر، واستولى على أموال بني حمدان وديارهم، فخرج إليه كثير من العساكر من بغداد، والشام، ومصر، من أصناف الناس لإحسانه الذي كان إليهم، وعاد إليه ناصر الدولة بن حمدان، فصار معه، وأقام بالموصل تسعة أعر، وعزم على الانحدار إلى بغداد.
ذكر قتل المقتدر
لّما اجتمعت العساكر على مؤنس بالموصل قالوا له: اذهبْ بنا إلى الخليفة، فإنا أنصفنا، وأجرى أرزاقنا، وإلاّ قاتلناه؛ فانحدر مؤنس من الموصل في شوّال، وبلغ خبره جند بغداد، فشغبوا وطلبوا أرزاقهم، ففرّق المقتدر فيهم أموالاً كثيرة، إلاّ أنّه لم يسعهم، وأنفذ أبا العلاء سعيد بن حَمدان وصافياً البصريّ في خيل عظيمة إلى سُرّ من رأى، وأنفذ أبا بكر محمّد بن ياقوت في ألفَيْ فارس، ومعه الغلمان الحجريّة، إلى المعشوق.
فلمّا وصل مؤنس إلى تكريت أنفذ طلائعه، فلمّا قربوا من المعشوق جعل العسكرُ الذين مع ابن ياقوت يتسلّلون ويهربون إلى بغداد، فلمّا رأى ذلك رجع إلى عُكْبَرا، وسار مؤنس، فتأخّر ابن ياقوت وعسكره، وعادوا إلى بغداد، فنزل مؤنس بباب الشّمّاسيّة ونزل ابن ياقوت وغيره مقابلهم، واجتهد المقتدر بابن خاله هارون بن غريب ليخرج، فلم يفعل، وقال: أخاف من عسكري، فإنّ بعضهم أصحاب مؤنس، وبعضهم قد انهزم أمس من مرداويج، فأخاف أن يسلّموني وينهزموا عنّي؛ فأنفذ إليه الوزير، فلم يزل به حتّى أخرجه، وأشاروا على المقتدر بإخراج المال منه ومن والدته ليرضى الجند، ومتى سمع أصحاب مؤنس بتفريق الأموال تفرّقوا عنه واضطرّ إلى الهرب؛ فقال: لم يبق ولا لوالدتي جهة شيء. (3/439)
وأراد المقتدر أن ينحدر إلى واسط، ويكاتب العساكر من جهة البصرة، والأهواز، وفارس، وكرمان، وغيرها، ويترك بغداد لمؤنس إلى أن يجتمع عليه العساكر، ويعود إلى قتاله، فردّه ابن ياقوت عن ذلك، وزيّن له اللقاء، وقوّى نفسه بأنّ القوم متى رأوه عادوا بأجمعهم إليه، فرجع إلى قوله وهو كاره.
ثم أشار عليه بحضور الحرب، فخرج وهو كاره، وبين يديه الفقهاء، والقراء معهم المصاحف مشهورة، وعليه البردة، والناس حوله، فوقف على تلّ عالٍ بعيد عن المعركة، فأرسل قوّاد أصحابه يسألونه التقدّم مرّة بعد أخرى، وهو واقف، فلمّا ألحّوا عليه تقدّم من موضعه، فانهزم أصحابه قبل وصوله إليهم، وكان قد أمر فنودي: مَن جاء بأسير فله عشرة دنانير، ومَن جاء برأس فله خمسة دنانير، فلمّا انهزم أصحابه لقيه عليُّ بن بُليق، وهو من أصحاب مؤنس، فترجّل وقبّل الأرض وقال له: إلى أين تمضي ؟ ارجع، فلعن الله من أشار عليك بالحضور ! فأراد الرجوع، فلقيه قوم من المغاربة والبربر، فتركه عليٌّ معهم وسار عنه، فشهروا عليه سيوفهم، فقال: ويحكم أنا الخليفة ! فقالوا: قد عرفناك يا سِفْلَةُ، أنت خليفة إبليس، تبذل في كلّ رأس خمسة دنانير، وفي كلّ أسير عشرة دنانير ! وضربه أحدهم بسيفه على عاتقه فسقط إلى الأرض وذبحه بعضهم، فقيل إنّ عليَّ بن بليق غمز بعضهم فقتله.
وكان المقتدر ثقيل البدن، عظيم الجثّة، فلمّا قتلوه رفعوا رأسه على خشبة وهم يكبّرون ويلعنونه، وأخذوا جميع ما عليه حتّى سراويله، وتركوه مكشوف العورة إلى أن مرّ به رجل من الأكرة، فستره بحشيش، ثم حفر له موضعه، ودُفن، وعُفي قبره.
وكان مؤنس في الراشديّة لم يشهد الحرب، فلمّا حُمل رأس المقتدر إليه بكى، ولطم وجهه ورأسه، وقال: يا مفسدون ! ما هكذا أوصيتُكم؛ وقال: قتلتموه، وكان هذا آخر أمره، والله لنُقتَلنّ كلّنا، وأقلّ ما في الأمر أنّكم تُظهرون أنّكم قتلتموه خطأ، ولم تعرفوه.
وتقدّم مؤنس إلى الشّمّاسيّة، وأنفذ إلى دار الخليفة مَن يمنعها من النهب، ومضى عبد الواحد بن المقتدر، وهارون بن غريب، ومحمّد بن ياقوت، وابنا رائق إلى المدائن، وكان ما فعله مؤنس سبباً لجرأة أصحاب الأطراف على الخلفاء وطمعهم فيما لم يكن يخطر لهم على بالٍ، وانخرقت الهيبة وضعف أمر الخلافة حتّى صار الأمر إلى ما نحكيه.
على أن المقتدر أهمل من أحوال الخلافة كثيراً، وحكّم فيها النساء والخدم، وفرّط في الأموال، وعزل من الوزراء وولّى ممّا أوجب طمع أصحاب الأطراف والنوّاب، وخروجهم عن الطاعة.
وكان جملة ما أخرجه من الأموال، تبذيراً وتضييعاً في غير وجه، نيِّفاً وسبعين ألف ألف دينار، سوى ما أنفقه في الوجوه الواجبة؛ وإذا اعتبرت أحوال الخلافة في أيّامه وأيّام أخيه المكتفي ووالده المعتضد، رأيت بينهم تفاوتاً بعيداً، وكانت مدّة خلافته أربعاً وعشرين سنة وأحد عشر شهراً وستّة عشر يوماً؛ وكان عمره ثمانياً وثلاثين سنة ونحواً من شهرين.

This site was last updated 07/15/11