Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة أربع وثلاثمائة وسنة خمس وثلاثمائة وسنة ست وثلاثمائة وسنة ست وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة295
سنة296
سنة297 وسنة298 وسنة299
سنة300 وسنة301
سنة302 وسنة303
سنة303 وسنة304 وسنة305 وسنة306
سنة307 وسنة308 وسنة309
سنة310 وسنة311
سنة312
سنة313 وسنة314
سنة315
سنة316
سنة317
سنة318 وسنة319
سنة320

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة أربع وثلاثمائة
ذكر عزل ابن وهسوذان عن أصبهان
(3/398)
في هذه السنة، في المحرم، أرسل عليُّ بن وهسوذان، وهو متولّي الحر بأصبهان، غلاماً كان ربّاه وتَبنّاه إلى أحمد بن شاه، متولّي الخراج، في حاجة فلقيه راكباً فكلّمه في حاجة مولاه، ورفع صوته، فشتمه أحمد وقال: يا مؤاجر تكلّمني بهذا على الطريق ! وحرد عليه، فعاد إلى مولاه باكياً، وعرّفه ذلك، فقال: صدق، لولا أنّك مؤاجر لقتلتَه؛ فعاد الغلام فلقيه وهو راكب فقتله، فأنكر الخليفة ذلك، وصرف عليَّ بن وهسوذان عن أصبهان، وولّى مكانه أحمد بن مسرور البَلْخيّ، وأقام ابن وهسوذان بنواحي الجبل.
ذكر وزارة ابن الفرات الثانية
وعزل عليّ بن عيسى

في هذه السنة، في ذي الحجّة، عُزل عليُّ بن عيسى عن الوزارة، وأُعيد إليها أبو الحسن عليُّ بن الفرات.
وكان سبب ذلك أنّ أبا الحسن بن الفرات كان محبوساً، وكان المقتدر يشاوره وهو في محبسه، ويرجع إلى قوله؛ وكان عليُّ بن عيسى يمشّي أمر الوزارة، ولم يتبع أصحاب ابن الفرات وأسبابه لا غيره، وكان جميل المحضر، قليل الشرّ، فبلغه أنّ أبا الحسن بن الفرات قد تحدّث له جماعة من أصحاب الخليفة في إعادته إلى الوزارة، فسارعَ واستعفى من الوزارة، وسأل في ذلك، فأنكر المقتدر عليه، ومنعه من ذلك، فسكن.
فلّما كان آخر ذي القعدة جاءته أمّ موسى القهرمانة لتتفّق معه على ما يحتاج حرم الدار والحاشية التي للدار من الكسوات والنفقات، فوصلتْ إليه وهو نائم، فقال لها حاجبه: إنّه نائم ولا أجسر أن أوقظه، فاجلسي في الدار ساعةً حتّى يستيقظ؛ فغضبت من هذا وعادت، واستيقظ عليُّ بن عيسى في الحال، فأرسل إليها حاجبَه وولده يعتذر، فلم يُقْبَلْ منه، ودخلت على المقتدر وتحرصت على الوزير عنده وعند أمّه، فعزله عن الوزارة، وقبض عليه ثامن ذي القعدة.
وأُعيد ابن الفرات إلى الوزارة، وضمن على نفسه أن يحمل كلّ يوم إلى بيت المال ألف دينار وخمسمائة دينار، فقبض على أصحاب الوزير عليّ بن عيسى وعاد فقبض على الخاقانيّ الوزير وأصحابه، واعترض العُمّال وغيرهم، وعاد عليهم بأموال عظيمة ليقوم بما ضمنه.
وكان عليُّ بن عيسى قد تعجّل بمال من الخراج لينفقه في العيد، فاتّسع به ابن الفرات.
وكان قد كاتب العمّالَ بالبلاد كفارس، والأهواز، وبلاد الجبل، وغيرها في حمل المال، وحثّهم على ذلك غاية الحثّ، فوصل بعد قبضه، فادّعى ابن الفرات الكفاية والنهضة في جمع المال.
وكان أبو عليّ بن مثقلة مستخفياً مُذ قُبض ابن الفرات إلى الآن، فلّما عاد ابن الفرات إلى الوزارة ظهر، فاشخصه ابن الفرات وقرّبه.
ذكر أمر يوسف بن أبي الساج
كان يوسف بن أبي الساج على أذربيجان وأرمينية قد وليَ الحربَ، والصلاة، والأحكام، وغيرها، منذ أوّل وزارة ابن الفرات الأولى، وعليه مال يؤدّيه إلى ديوان الخلافة، فلمّا عُزل ابن الفرات ووليَ الخاقانيُّ الوزارة، وبعده عليُّ بن عيسى، طمع فأخَّر حمل بعض المال، فاجتمع له ما قويت به نفسه على الامتناع، وبقي كذلك إلى هذه السنة.
فلمّا بلغه القبض على الوزير عليّ بن عيسى أظهر أن الخليفة أنفذ له عهداً بالرَّي، وأنّ الوزير عليّ بن عيسى سعى له في ذلك، فأنفذه إليه، وجمع العساكر وسار إلى الرَّيّ وبها محمّد بن عليّ صُعلوك يتولّى أمرها لصاحب خُراسان، وهو الأمير نصر بن أحمد بن إسماعيل السامانيُّ، وكان صُعلوك قد تغلّب على الرَّيّ وما يليها، أيّام وزارة عليّ بن عيسى، ثمّ أرسل إلى ديوان الخلافة فقاطع عليها بمال يحمله، فلمّا بلغه مسير يوسف بن أبي الساج نحوه سار إلى خُراسان، فدخل يوسف الرَّيّ واستولى عليها وعلى قزوين وزنجان وأبهر، فلمّا بلغ المقتدر فعله، وقوله إنّ عليّ بن عيسى أنفذ له العهد واللواء بذلك، أنكره واستعظمه.
وكتب يوسف إلى الوزير ابن الفرات يعرّفه أنّ عليّ بن عيسى أنفذ إليه بعهده على هذه الأماكن، وأنّه افتتحها وطرد عنها المتغلّبين عليها، ويعتذر بذلك، ويذكر كثرة ما أخرجه، فعظم ذلك على المقتدر، وأمر ابن الفرات أن يسأل عليَّ بن عيسى عن الذي ذكره يوسف، فأحضره وسأله، فأنكر ذلك وقال: سلوا الكتّاب وحاشية الخليفة، فإنّ العهد واللواء لا بدّ أن يسير بهما بعض خدم الخليفة، أو بعض قوّاده؛ فعلموا صدقه. (3/399)
وكتب ابن الفرات إلى ابن أبي الساج ينكر عليه تعرّضه لهذه البلاد، وكذبه على الوزير عليّ بن عيسى، وجهّز العساكر لمحاربته، وكان مسير العساكر سنة خمس وثلاثمائة.
وكان المقدّم على العسكر خاقان المُفلطحي، ومعه جماعة من القوّاد كأحمد ابن مسرور البَلْخيّ، وسيما الجزريّ، ونحرير الصغير، فساروا، ولقوا يوسف، واقتتلوا، فهزمهم يوسف، وأسر منهم جماعة، وأدخلهم الرَّيّ مشهورين على الجمال، فسيّر الخليفة مؤنساً الخادم في جيش كثيف إلى محاربته، فسار، وانضم إليه العسكر الذي كان مع خاقان، فصُرف خاقان عن أعمال الجبل، ووليها نحرير الصغير.
وسار مؤنس فأتاه أحمد بن عليّ، وهو أخو محمّد بن عليّ صعلوك، مستأمناً، فأكرمه ووصله؛ وكتب ابن أبي الساج يسأل الرضى، وأن يقاطع على أعمال الريّ وما يليها على سبعمائة ألف دينار لبيت المال، سوى ما يحتاج إليه الجند وغيرهم، فلم يجبه المقتدر إلى ذلك، ولو بذل مِلء الأرض لما أقرّه على الريّ يوماً واحداً لإقدامه على التزوير، فلمّا عرف ابن أبي الساج ذلك سار عن الريّ بعد أن أخربها، وجبى خراجها في عشرة أيّام.
وقلّد الخليفة الريّ وقَزوين وأبهر وصيفاً البكتمريَّ، وطلب ابن أبي الساج أن يقاطع على ما كان بيده من الولاية، فأشار ابن الفرات بأجابته إلى ذلك فعارضه نصر الحاجب، وابن الحواريّ، وقالا: لا يجوز أن يجاب إلى ذلك إلاّ بعد أن يطأ البساط.
ونسب ابن الفرات إلى مواطأة ابن أبي الساج والميل معه، فحصل بينهما وبين ابن الفرات عداوة، فامتنع المقتدر من إجابته إلى ذلك إلى أن يحضر في خدمته بنفسه، فلمّا رأى يوسف أنّ دمه على خطر إن حضر لخدمته حارب مؤنساً، فانهزم مؤنس إلى زنجان، وقُتل من قوّاده سيما بن بويه، وأسر جماعة منهم، فيهم هلال بن بدر، فأدخلهم أردبيل مشتهرين على الجمال.
وأقام مؤنس بزنجان يجمع العساكر، ويستمدّ الخليفة، وكاتبه ابن أبي الساج في الصلح، وتراسلا في ذلك، وكتب مؤنس إلى الخليفة، فلم يجبه إلى ذلك، فلمّا كان في المحرّم سنة سبع وثلاثمائة، والوزير يومئذ حامد بن العبّاس، اجتمع لمؤنس عسكر كبير، فسار إلى يوسف، فتواقعا على باب أردبيل، فانهزم عسكر يوسف، وأُسر يوسف وجماعة من أصحابه، وعاد بهم مؤنس إلى بغداد، فدخلها في المحرّم أيضاً، وأدخل يوسف أيضاً بغداد مشتهراً على جمل، وعليه برنس بأذناب الثعالب، فأُدخل إلى المقتدر، ثمّ حُبس بدار الخليفة عند زيدان القهرمانة.
ولمّا ظفر مؤنس بابن أبي الساج قلّد عليَّ بن وهسوذان أعمال الريّ، ودنباوند، وقَزوين، وأبهر، زنجان، وجعل أموالها لرجاله، وقلّد أصبهان، وقُمّ، وقَاشان، وساوة لأحمد بن عليّ بن صعلوك، وسار عن أذربيجان.
ذكر حال هذه البلاد بعد مسير مؤنس
لمّا سار مؤنس عن أذربيجان إلى العراق وثب سُبُك غلام يوسف بن أبي الساج على بلاد أذربيجان، فملكها، واجتمع إليه عسكر عظيم، فأنفذ إليه مؤنس محمّدَ بن عبيدالله الفارقيَّ، وقلّده البلاد، وسار إلى سُبُك وحاربه، فانهزم الفارقيُّ وسار إلى بغداد، وتمكّن سُبُك من البلاد، ثمّ كتب إلى الخليفة يسأل أن يقاطع على أذربيجان، فأجيب إلى ذلك، وقُرّر عليه كلّ سنة مائتان وعشرون ألف دينار، وأُنفذت إليه الخلع والعهد، فلم يقف على ما قرّره.
ثمّ وثب أحمد بن مسافر، صاحب الطرم، على ابن أخيه عليّ بن وهسوذان وهو مقيم بناحية قزوين، فقتله على فراشه، وهرب إلى بلده، فاستعمل مكان عليّ بن وهسوذان وصيفاً البكتمريَّ، وقلّد محمّد بن سليمان صاحب الجيش أعمال الخراج بها.
وسار أحمد بن عليّ بن صعلوك من قُمّ إلى الريّ، فدخلها، فأنفذ الخليفة ينكر عليه ذلك ويأمره بالعود إلى قمّ فعاد، ثمّ إنّه أظهر الخلاف، وصرف عمّال الخراج عن قمّ، واستعدّ للمسير إلى الريّ، فكوتب نحرير الصغير، وهو على هَمذان، ليسير هو ووصيف إلى الريّ لمنع أحمد بن عليّ عنها فساروا إليها، فلقيهم أحمد بن عليّ على باب الريّ، فهزمهم أحمد، وقُتل محمّد ابن سليمان، واستولى أحمد على الريّ، وكاتب نصراً الحاجب ليصلح أمره مع الخليفة، ففعل ذلك، وأصلح أمره، وقرّر عليه عن الريّ ودنباوند وقَزوين وزنجان وأبهر مائة وستّين ألف دينار محمولة كلّ سنة إلى بغداد، فنزل أحمد عن قمّ، فاستعمل الخليفة عليها من ينظر فيها. (3/400)
ذكر تغلّب كثير بن أحمد على سجستان ومحاربته
كان كثير بن أحمد بن شهفور قد تغلّب على أعمال سجستان، فكتب الخليفة إلى بدر بن عبدالله الحمّاميّ، وهو متقلّد أعمال فارس، يأمره أن يرسل جيشاً يحاربون كثيراً، ويؤمّر عليهم دردا، ويستعمل على الخراج بها زيد ابن إبراهيم، فجهّز بدر جيشاً كثيفاً وسيّرهم، فلمّا وصلوا قاتلهم كثير، فلم يكن له بهم قوّة، وضعف أمره وكادوا يملكون البلد، فبلغ أهل البلد أنّ زيداً معه قيود وأغلال لأعيانهم، فاجتمعوا مع كثير، وشدّوا منه، وقاتلوا معه، فهزموا عسكر الخليفة، وأسروا زيداً، فوجدوا معه القيود والأغلال، فجعلوها في رجليه وعنقه.
وكتب كثير إلى الخليفة يتبرّأ من ذلك، ويجعل الذنب فيه لأهل البلد، فأرسل الخليفة إلى بدر الحمّاميّ يأمره أن يسير بنفسه إلى قتال كثير، فتجهّز بدر، فلمّا سمع كثير ذلك خاف، فأرسل يطلب المقاطعة على مال يحمله كل سنة، فأُجيب إلى ذلك، وقوطع على خمسمائة ألف درهم، وقُرّرت البلاد عليه.
ذكر عدّة حوادث
في هذه السنة، في الصيف، خافت العامّة ببغداد من حيوان كانوا يسمّونه الزبزب، ويقولون إنّهم يرونه في الليل على سطوحهم، وإنّه يأكل أطفالهم، وربّما عضّ يد الرجل وثَدْيَ المرأة فقطعهما وهرب بهما، فكان الناس يتحارسون، ويتزاعقون، ويضربون بالطشوت والصوانيّ وغيرها ليفزعوه، فارتجَّتْ بغداد لذلك. ثم إنّ أصحاب السلطان صادوا ليلة حيواناً أبلق بسواد، قصير اليدين والرجلين، فقالوا: هذا هو الزبزب، وصلبوه على الجسر، فسكن الناس، وهذه دابّة تسمّى طبرة، وأصحاب اللصوص حاجتهم لاشتغال الناس عنهم.
وفيها توفّي الناصر العلويُّ، صاحب طَبَرِسْتان، في شعبان وعمره تسع وسبعون سنة، وبقيت طبرستان في أيدي العلويّة إلى أن قُتل الداعي، وهو الحسن بن القاسم، سنة ستّ عشرة وثلاثمائة على ما نذكره.
وفيها خالف أبو يزيد خالد بن محمّد المادرائيُّ على المقتدر بالله بكرمان، وكان يتولّى الخراج، وسار منها إلى شيراز يريد التغلّب على فارس، فخرج إله بدر الحمّاميُّ فحاربه وقتله، وحُمل رأسه إلى بغداد وطيف به.
وفيها سار مؤنس المظفَّر إلى بلاد الروم لغزاة الصائفة، فلمّا صار بالموصل قلّد سُبُك المفلحي بازَبْدَى وقَرْدَى، وقلّد عثمانَ العنزيَّ مدينة بلد، وباعيناثا، وسنجار، وقلّد وصيفاً البكتمريَّ باقي بلاد ربيعة، وسار مؤنس إلى مَلَطْية وغزا فيها، وكتب إلى أبي القاسم عليّ بن أحمد ابن بِسطام أن يغزو من طَرَسُوس في أهلها، ففعل.
وفتح مؤنس حصوناً كثيرة من الروم، وأثر آثاراً جميلة، وعتب عليه أهل الثغور وقالوا: لو شاء لفعل أكثر من هذا؛ وعاد إلى بغداد، فأكرمه الخليفة وخلع عليه.
وفيها توفّي يَمُوتُ بن المزرّع العبديُّ، وهو ابن أخت الجاحظ، وسليمان بن محمّد بن أحمد أبو موسى النحويُّ المعروف بالحامض أخذ العلم عن ثعلب، وكانت وفاته في ذي الحجّة، وكان من أصحاب ثعلب، ويوسف ابن الحسين بن عليّ، أبو يعقوب الرازيّ، وهو من أصحاب ذي النون المصريّ، وهو صاحب قصّة الفأرة معه.


ثم دخلت سنة خمس وثلاثمائة
في هذه السنة، في المحرّم، وصل رسولان من ملك الروم إلى المقتدر يطلبان المهادنة والفداء، فأُكرما إكراماً كثيراً، وأُدخلا على الوزير وهو في أكمل أُبّهة، وقد صفّ الأجناد بالسلاح والزينة التامّة، وأدّيا الرسالة إليه؛ ثمّ إنّهما دخلا على المقتدر، وقد جلس لهما، واصطفّ الأجناد بالسلاح والزينة التامّة، وأدّيا الرسالة، فأجابهما المقتدر إلى ما طلب ملك الروم من الفداء، وسيّر مؤنساً الخادم ليحضر الفداء، وجعله أميراً على كلّ بلد يدخله يتصرّف فيه على ما يريد إلى أن يخرج عنه، وسيّر معه جمعاً من الجنود، وأطلق لهم أرزاقاً واسعة، وأنفذ معه مائة ألف وعشرين ألف دينار لفداء أسرى المسلمين، وسار مؤنس والرسل، وكان الفداء على يد مؤنس.
وفيها أُطلق أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان، وإخوته، وأهل بيته من الحبس، وكانوا محبوسين بدار الخليفة، وقد تقدّم ذكر حبسهم وسببه.
وفيها مات العبّاس بن عمرو الغنويُّ وكان متقلّداً أعمال الحرب بديار مضر، فجُعل مكانه وصيف البكتمريُّ، فلم يقدر على ضبط العمل، فعُزل، وجُعل مكانه جنّي الصفوانيُّ، فضبطه أحسن ضبط. (3/401)
وفي هذه السنة كانت بالبصرة فتنة عظيمة، وسببها أنّه كان الحسن ابن الخليل بن رمال متقلّداً أعمال الحرب بالبصرة، وأقام بها سنين، وجرت بينه وبين العامّة من مضر وربيعة فتن كثيرة، وسكنت، ثمّ ثارت بينهم فتنة اتّصلت، فلم يمكنه الخروج من منزله برحبة بني نمر، واجتمع الجند كلّهم معه، وكان لا يوجد أحد منهم في طريق إلاّ قُتل، حتّى حوصرت، وغُوّرت القناة التي يجري فيها الماء إلى بني نُمير، فاضطّر إلى الركوب إلى المسجد الجامع، فقتل من العامّة خلقاً كثيراً.
فلمّا عجز عن إصلاحهم خرج هو ومعه الأعيان من أهل البصرة إلى واسط، فعُزل عنها، واستعمل أبو دلف هاشم بن محمّد الخزاعيُّ عليها فبقي نحو سنة وصُرف عنها، ووليها سُبُك المفلحيُّ نيابة عن شفيع المقتدريّ.
وفيها عُقد لثمال الخادم على الغزاة في بحر الروم، وسار.
وفيها غزا جنّي الصفوانيُّ بلاد الروم، فغنم ونهب وسبَى وعاد سالماً.
وفي هذه السنة مات أبو خليفة المحدّثُ البصريُّ.
وفيها، في جُمادى الأولى، مات أبو جعفر بن محمّد بن عثمان العسكريُّ المعروف بالسَّمّان، ويُعرف أيضاً بالعمريّ، رئيس الإماميّة، وكان يدّعي أنّه الباب إلى الإمام المنتظر، وأوصى إلى أبي القاسم بن الحسين بن روح.
وفي آخرها توفّي أحمد بن محمّد بن شُريح وكان عالماً بمذهب الشافعيَّ.


ثم دخلت سنة ست وثلاثمائة
ذكر عزل ابن الفرات
ووزارة حامد بن العبّاس

في هذه السنة، في جُمادى الآخرة، قُبض على الوزير أبي الحسن بن الفرات، وكانت مدّة وزارته هذه، وهي الثانية، سنة واحدة وخمسة أشهر وتسعة عشر يوماً.
وكان سبب ذلك أنّه أخّر إطلاق أرزاق الفرسان، واحتجّ عليهم بضيق الأموال، وأنّها أُخرجت في محاربة ابن أبي الساج، وأنّ الارتفاع نقص بأخذ يوسف أموال الريّ وأعمالها، فشغب الجند شغباً عظيماً، وخرجوا إلى لمصلّى، والتمس ابن الفرات من المقتدر إطلاق مائتَيْ ألف دينار من بيت المال الخاص ليضيف إليها مائتَيْ ألف دينار يحصلها، ويصرف الجميع في أرزاق الجند، فاشتدّ ذلك على المقتدر، وأرسل إليه: إنّك ضمنتَ أنّك ترضي جميع الأجناد، وتقوم بجميع النفقات الراتبة على العادة الأولى وتحمل بعد ذلك ما ضمنت أنّك تحمله يوماً بيوم، فأراك تطلب من بيت المال الخاص؛ فاحتجّ بقلّة الارتفاع، وما أخذه ابن أبي الساج من الارتفاع وما خرج على محاربته؛ فلم يسمع المقتدر حجّته وتنكّر له عليه.
وقيل: كان سبب قبضة أنّ المقتدر قيل له: إنّ ابن الفرات يريد إرسال الحسين بن حمدان إلى ابن أبي الساج ليحاربه، وإذا صار عنده اتّفقا عليك؛ ثمّ إنّ ابن الفرات قال للمقتدر في إرسال الحسين إلى ابن أبي الساج، فقتل ابنَ حمدان في جمادى الأولى، وقبض على ابن الفرات في جمادى الآخرة.
ثمّ إنّ بعض العُمّال ذكر لابن الفرات ما يتحصّل لحامد بن العبّاس من أعمال واسط زيادة على ضمانه، فاستكثره، وأمره أن يكاتبه بذلك، فكاتبه، فخاف حامد أن يؤخذ ويطالب بذلك المال، فكتب إلى نصر الحاجب وإلى والدة المقتدر، وضمن لهما مالاً ليتحدّثا له في الوزارة، فذكر للمقتدر حاله وسعة نفسه، وكثرة أتباعه، وأنّه له أربع مائة مملوك يحملون السلاح؛ واتّفق ذلك عند نفرة المقتدر عن ابن الفرات، فأمره بالحضور من واسط، فحضر، وقبض على ابن الفرات وولده المحسن وأصحابهما وأتباعهما.
ولّما وصل حامد إلى بغداد أقام ثلاثة أيّام في دار الخليفة، فكان يتحدّث مع الناس، ويضاحكهم، ويقوم لهم، فبان للخدم ولأبي القاسم بن الحواريّ وحاشية الدار قلّة معرفته بالوزارة، وقال له حاجبه: يا مولانا ! الوزير يحتاج إلى لُبْسه، وجَلْسه، وعَبْسه؛ فقال له: تعني أن تلبس، وتقعد، فلا تقوم لأحد، ولا تضحك في وجه أحد، ولا تحدّث أحداً ؟ قال: نعم.
قال حامد: إنّ الله أعطاني وجهاً طلقاً، وخَلقاً حسناً، وما كنتُ بالذي أعبس وجهي، وأقبح خَلقي لأجل الوزارة؛ فعابوه عند المقتدر، ونسبوه إلى الجهل بأمور الوزارة، فأمر المقتدر بإطلاق عليّ بن عيسى من محبسه، وجعله يتولّى الدواوين شبه النائب عن حامد، فكان يراجعه في الأمور ويصدر عن رأيه، ثمّ إنّه استبدّ بالأمر دون حامد، ولم يبق لحامد غير اسم الوزارة ومعناها لعليّ، حتّى قيل فيهما:
هذا وزيرٌ بلا سوادٍ ... وذا سوادٌ بلا وزير (3/402)
ثمّ أنّ حامداً أحضر ابن الفرات ليقابله على أعماله، ووكّل بمناظرته عليَّ ابن أحمد المادرائي ليصحّح عليه الأموال، فلم يقدر على إثبات الحجّة عليه، فانتدب له حامد، وسبّه، ونال منه، وقام إليه فلكمه.
وكان حامد سفيهاً فقال له ابن الفرات: أنت على بساط السلطان، وفي دار المملكة، وليس هذا الموضع ممّا تعرفه من بَيْدَرٍ تقسمه، أو غلّة تستفضل في كيلها، ولا هو مثل أكار تشتمه؛ ثمّ قال لشفيع اللؤلؤيّ: قل لأمير المؤمنين عني أنّ حامداً إنّما حمله على الدخول في الوزارة، وليس من أهلها، إنّني أوجبت عليه أكثر من ألفَيّ ألف دينار من فضل ضمانه، وألححت في مطالبته بها، فظنّ أنّها تندفع عنه بدخوله في الوزارة، وأنه يضيف إليها غيرها، فاستشاط حامد، وبالغ في شتمه، فأنفذ المقتدر، فأقام ابن الفرات من مجلسه، وردّه إلى محبسه، وقال عليُّ بن عيسى، ونصر الحاجب لحامد: قد جنَيتَ علينا وعلى نفسك جناية عظيمة بما فعلتَه بابن الفرات، وأيقظت منه شيطاناً لا ينام.
ثمّ إنّ ابن الفرات صودر على مال عظيم، وضرب ولده المحسن وأصحابه، وأخذ منهم أموالاً جمة.
وفي هذه السنة عُزل نِزال عن شُرطة بغداد، وجُعل فيها نجح الطولونيُّ، وجُعل في الأرباع فقهاء يكون عمل أصحاب الشُّرطة بفتواهم، فضعفت هيبة السلطنة بذلك، وطمع اللصوص والعيّارون، وكثرت الفتن وكُبست دور التجار، وأُخذت بنات الناس في الطريق المنقطعة، وكثر المفسدون.
ذكر إرسال المهديّ العلويّ العساكر إلى مصر
وفي هذه السنة جهّز المهديُّ صاحب إفريقية جيشاً كثيفاً مع ابنه أبي القاسم، وسيّرهم إلى مصر، وهي المرّة الثانية، فوصل إلى الإِسكندريّة في ربيع الآخر سنة سبع وثلاثمائة، فخرج عامل المقتدر عنها، ودخلها القائم، ورحل إلى مصر، فدخل الجيزة، وملك الأشمونين وكثيراً من الصعيد، وكتب إلى أهل مكّة يدعوهم إلى الدخول في طاعته فلم يقبلوا منه.
ووردت بذلك الأخبار إلى بغداد، فبعث المقتدر بالله مؤنساً الخادم في شعبان، وجدّ في السير فوصل إلى مصر، وكان بينه وبين القائم عدّة وقعات، ووصل من إفريقية ثمانون مركباً نجدةً للقائم، فأرست بالإِسكندريّة، وعليها سليمان الخادم، ويعقوب الكُتاميُّ، وكانا شجاعين، فأمر المقتدر بالله أنّ يسيّر مراكب طَرَسُوس إليهم، فسار خمسة وعشرون مركباً، وفيها النفط والعُدد، ومقدّمها أبو اليمن، فالتقت المراكب بالمراكب، واقتتلوا على رشيد، فظفر أصحاب مراكب المقتدر، وأحرقوا كثيراً من مراكب إفريقية، وهلك أكثر أهلها، وأُسر منهم كثير، وفي الأسرى سليمان الخادم، ويعقوب، فقُتل من الأسرى كثير، وأُطلق كثير، ومات سليمان في الحبس بمصر، وحُمل يعقوب إلى بغداد، ثمّ هرب منها وعاد إلى أفريقية.
وأمّا عسكر القائم فكان بينه وبين مؤنس وقعات كثيرة، وكان الظفر لمؤنس فلُقّب حينئذ بالمظفَّر.
ووقع الوباء في عسكر القائم، والغلاء، فمات منهم كثير من الناس والخيل، فعاد من سلم إلى إفريقية. وسار عسكر مصر في أثرهم، حتّى أبعدوا، فوصل القائم إلى المهديّة في رجب من السنة.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة غزا بشر الأفشينيُّ بلاد الروم، فافتتح عدّة حصون، وغنم، وسلم؛ وغزا ثمل في بحر الروم، فغنم، وسبى، وعاد؛ وكان على الموصل أبو أحمد بن حماد الموصليُّ.
وفيها دخل جنّيّ الصفوانيُّ بلاد الروم، فنهب، وخرّب، وأحرق، وفتح وعاد، فقرئت الكتب على المنابر ببغداد بذلك.
وفيها وقعت فتنة ببغداد بين العامّة والحنابلة، فأخذ الخليفة جماعة منهم وسيّرهم إلى البصرة فحُبسوا.
وفيها أمر المقتدر ببناء بيمارستان، فبُني، وأُجري عليه النفقات الكثيرة، وكان يسمّى البيمارستان المقتدريّ.
وفيها توفّي القاضي محمّد بن خلف بن حيّان أبو بكر الضَّبّيُّ المعروف بوكيع، وكان عالماً بأخبار الناس وغيرها، وله تصانيف حسنة؛ والقاضي أبو العبّاس أحمد بن عمر بن سريج الفقيه الشافعيُّ وله سبع وخمسون سنة.
وفيها مات كُنَيْز المغنّي، وهو مشهور بالحذق في الغناء. كُنيز بضمّ الكاف وفتح النون وآخرها زاي.

This site was last updated 07/15/11