Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ست عشرة وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة295
سنة296
سنة297 وسنة298 وسنة299
سنة300 وسنة301
سنة302 وسنة303
سنة303 وسنة304 وسنة305 وسنة306
سنة307 وسنة308 وسنة309
سنة310 وسنة311
سنة312
سنة313 وسنة314
سنة315
سنة316
سنة317
سنة318 وسنة319
سنة320

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ست عشرة وثلاثمائة
ذكر أخبار القرامطة

لّما سار القرامطة من الأنبار عاد مؤنس الخادم إلى بغداد، فدخلها ثالث المحرّم، وسار أبو طاهر القُرمُطيُّ إلى الدالية من طريق الفرات، فلم يجد فيها شيئاً، فقتل من أهلها جماعة، ثم سار إلى الرحبة، فدخلها ثامن المحرّم، بعد أن حاربه أهلها، فوضع فيهم السيف بعد أن ظفر بهم، فأمر مؤنس المظفَّر بالمسير إلى الرَّقّة، فسار إليها في صفر، وجعل طريقه على الموصل، فوصل إليها في ربيع الأوّل، ونزل بها، وأرسل أهل قَرقِيسيا يطلبون من أبي طاهر الأمان، فأمّنهم وأمرهم أ، لا يظهر أحد منهم بالنهار، فأجابوه إلى ذلك.
وسيّر أبو طاهر سريّة إلى الأعراب بالجزيرة، فنهبوهم، وأخذوا أموالهم، فخافه الأعراب خوفاً شديداً وهربوا من بين يديه، وقرّر عليهم إتاوة على كلّ رأس دينار يحملونه إلى هَجَر، ثمّ أصعد أبو طاهر من الرَّحبة إلى الرَّقّة، فدخل أصحابه الربض وقتلوا منهم ثلاثين رجلاً، وأعان أهلُ الرّقّة أهلّ الربض، وقتلوا من القرامطة جماعة، فقاتلهم ثلاثة أيّام، ثمّ انصرفوا آخر ربيع الآخر.
وبثّت القرامطة سريّة إلى رأس عين، وكفر توثا، فطلب أهلها الأمان، فأمّنوهم، وساروا أيضاً إلى سنجار، فنهبوا الجبال، ونازلوا سِنجار، فطلب أهلها الأمان، فأمّنوهم.
وكان مؤنس قد وصل إلى الموصل، فبلغه قصد القرامطة إلى الرَّقّة فجدّ السير إليها، فسار أبو طاهر عنها، وعاد إلى الرحبة، ووصل مؤنس إلى الرّقّة بعد انصراف القرامطة عنها، ثمّ إنّ القرامطة ساروا إلى هَيت، وكان أهلها قد أحكموا سورها، فقاتلوه، فعاد عنهم إلى الكوفة؛ فبلغ الخبر إلى بغداد، فأُخرج هارون بن غريب، وبنّيّ بن نفيس ونصر الحاجب إليها، ووصلت خيل القُرمُطيّ إلى قصر ابن هُبَرة، فقتلوا منه جماعة.
ثمّ إنّ نصراً الحاجب حُمّ في طريقه حمّى حادّى، فتجلّد وسار، فلمّا قاربهم القُرمطيُّ لم يكن في نصر قوة على النهوض والمحاربة، فاستخلف أحمد بن كَيْغَلَغ، واشتدّ مرض نصر، وأمسك لسانه لشدّة مرضهن فردّوه إلى بغداد، فمات في الطريق أواخر شهر رمضان، فجُعل مكانه على الجيش هارون بن غريب، ورُتّب ابنه أحمد بن نصر في الحجبة للمقتدر مكان أبيه، فانصرف القرامطة إلى البرّية، وعاد هارون إلى بغداد في الجيش، فدخلها لثمان بقين من شوّال.
ذكر عزل عليّ بن عيسى
ووزارة أبي عليّ بن مقلة

في هذه السنة عُزل عليُّ بن عيسى عن وزارة الخليفة، ورُتّب فيها أبو عليّ بن مقلة.
وكان سبب ذلك أنّ عليّاً لّما رأى نقص الارتفاع، واختلال الأعمال بوزارة الخاقانيّ والخُصيبيّ، وزيادة النفقات، وأنّ الجند لّما عادوا من الأنبار زادهم المقتدر في أرزاقهم مائتَيْ ألف وأربعين ألف دينار في السنة، ورأى أيضاً كثرة النفقات للخدم والحُرَم، لا سيّما والدة المقتدر، هاله ذلك، وعظم عليه. (3/422)
ثمّ إنّه رأى نصراً الحاجب يقصده، وينحرف عنه لميل مؤنس إليه، فإنّ نصراً كان يخالف مؤنساً في جميع ما يشير به، فلمّا تبينّ له ذلك استعفى من الوزارة، واحتجّ بالشيخوخة وقلّة النهضة، فأمره المقتدر بالصبر، وقال له: أنت عندي بمنزلة والدي المعتضد؛ فألحّ عليه في الاستعفاء، فشاور مؤنساً في ذلك، وأعلمه أنّه قد سُمّي للوزارة ثلاثة نفر: الفضل بن جعفر بن الفُرات الذي أمّه حيرانة، وأخته زوجة المحسن بن الفرات، وأبو عليّ بن مقلة، ومحمّد بن خلف النِّيرَمانيّ الذي كان وزير ابن أبي الساج؛ فقال مؤنس: أمّ الفضل فقد قتلنا عمّه الوزير أبا الحسن، وابن عمّه زوج أخته المحسن ابن الوزير، وصادرنا أخته فلا نأمنه؛ وأمّا ابن مقلة فحدَثٌ غِرٌ لا تجربَة له بالوزارة، ولا يصلح لها؛ وأمّا محمّد بن خلف فجاهل متهوّر لا يُحسن شيئاً، والصواب مداراة عليّ بن عيسى.
ثمّ لقي مؤنس عليَّ بن عيسى، وسكّنه، فقال عليٌّ: لو كنتَ مقيماً لاستعنتُ بك، ولكنّك سائرٌ إلى الرَّقّة ثمّ إلى الشام.
وبلغ الخبر أبا عليّ بن مقلة، فجدّ في السعي، وضمن على نفسه الضمانات، وشاور المقتدرُ نصراً الحاجب في هؤلاء الثلاثة، فقال: أمّا الفضل بن الفرات فلا يُدفع عن صناعة الكتابة، والمعرفة، والكفاية، ولكنّك بالأمس قتلتَ عمّه وابن عمّه وصهره، وصادرتَ اخته وأمّه؛ ثمّ إنّ بني الفرات يدينون بالرفض، ويُعرفون بولاء آل عليّ وولده، وأمّا أبو عليّ بن مقلة فلا هيبة له في قلوب الناس، ولا يُرجَع إلى كفاية، ولا تجربة، وأشار بمحمّد بن خلف لمودّة كانت بينهما، فنفر المقتدر من محمّد بن خلف لما علمه من جهله وتهوّره، وواصل ابن مقلة بالهديّة إلى نصر الحاجب، فأشار على المقتدر به، فاستوزره.
وكان ابن مقلة لّما قرب الهَجَريُّ من الأنبار قد أنفذ صاحباً له معه خمسون طائراً، وأمره بالمقام بالأنبار، وإرسال الأخبار إليه وقتاً بوقت، ففعل ذلك، فكانت الأخبار ترد من جهته إلى الخليفة على يد نصر الحاجب، فقال نصر: هذا فعله فيما لا يلزمه، فكيف يكون إذا اصطنعته ! فكان ذلك من أقوى الأسباب في وزارته.
وتقدّم المقتدر في منتصف ربيع الأوّل بالقبض على الوزير عليّ بن عيسى، وأخيه عبد الرحمن، وخلع على أبي عليّ بن مقلة، وتولّى الوزارة، وأعانه عليها أبو عبدالله البريديُّ لمودّة كانت بينهما.
ذكر ابتداء حال أبي عبد الله البريديّ وإخوته
لّما وليَ عليُّ بن عيسى الوزارة كان أبو عبد الله بن البريديّ قد ضمن الخاصّة، وكان أخوه أبو يوسف على سُرّق، فلمّا استعمل عليُّ بن عيسى العمّال، ورتّبهم في الأعمال، قال أبو عبد الله: تُقلِّد مثل هؤلاء على هذه الأعمال الجليلة، وتقتصر بي على ضمان الخاصّة بالأهواز، وبأخي أبي يوسف على سُرق ! لعن الله مَن يقنع بهذا منك، فإنّ لطبلي صوتاً سوف يُسْمع بعد أيّام.
فلمّا بلغه اضطراب أمر عليّ بن عيسى أرسل أخاه أبا الحسين إلى بغداد وأمره أن يخطب له أعمال الأهواز وما يجري معها إذا تجدّدت وزارة لمن يأخذ الرّشى، ويرتفق؛ فلمّا وزَر أبو عليّ بن مقلة بذل له عشرين ألف دينار على ذلك، فقلّد أبا عبد الله الأهواز جميعها، سوى السُّوس وجُنْدَيْسابور، وقلّد أخاه أبا الحسين الفراتيّة، وقلّد أخاهما أبا يوسف الخاصّة والأسافل، على أن يكون المال في ذمّة أبي أيّوب السمسار إلى أن يتصرّفوا في الأعمال.
وكتب أبو عليّ بن مقلة إلى أبي عبد الله في القبض على ابن أبي السلاسل، فسار بنفسه فقبض عليه بتُستَر، وأخذ منه عشرة آلاف دينار ولم يوصلها، وكان متهوّراً لا يفكّر في عاقبة أمر، وسيرد من أخبراه ما يُعلم به دهاؤه، ومكره، وقلّة دينه، وتهوّره.
ثمّ إنّ أبا عليّ بن مقلة جعل أبا محمّد الحسين بن أحمد الماذرائي مشرفاً على أبي عبدالله، فلم يلتفت إليه.
البريديُّ بالباء الموحدة والراء المهملة منسوب إلى البَريد، هكذا ذكره الأمي ابن ماكولا، وقد ذكره ابن مِسكويه بالياء المعجمة باثنتين من تحت، والزي، وقال: كان جدّه يخدم يزيد بن منصور الحميريّ، فنُسب إليه، والأوّل أصحّ، وما ذكرنا قول ابن مِسكويه إلاّ حتّى لا يظنّ ظانّ أنّنا لم نقف عليه، وأخطأنا الصواب.
ذكر من ظهر بسواد العراق من القرامطة (3/423)
لّما كان من أمر أبي طاهر القُرمُطيّ ما ذكرناه، اجتمع من كان بالسواد ممّن يعتقد مذهب القرامطة فيكتم اعتقاده خوفاً، فأظهروا اعتقادهم، فاجتمع منهم بسواد واسط أكثر من عشرة آلاف رجل، وولّوا أمرَهم رجلاً يُعرف بحُرَيث بن مسعود، واجتمع طائفة أخرى بعين التمر ونواحيها في جمع كثير، وولّوا أمرَهم إنساناً يسمّى عيسى بن موسى، وكانوا يدعون إلى المهديّ.
وسار عيسى إلى الكوفة، ونزل بظاهرها، وجبى الخراج، وصرف العمّال عن السواد.
وسار حُريث بن مسعود إلى أعمال الموفقي وبنى بها داراً سمّاها دار الهجرة، واستولى على تلك الناحية، فكانوا ينهبون، ويسبون، ويقتلون، وكان يتقلّد الحرب بواسط بنّيّ بن نفيس، فقاتلهم، فهزموه، فسيّر المقتدر بالله إلى حُريث ابن مسعود ومَن معه هارونَ بن غريب، وإلى عيسى بن موسى ومَن معه بالكوفة صافياً البصريَّ، فأوقع بهم هارون، وأوقع صافي بمن سار إليهم، فانهزمت القرامطة، وأُسر منهم كثير، وقُتل أكثر ممّن أُسر، وأُخذت أعلامهم، وكانت بيضاً، وعليها مكتوب: (وَنُريدُ أنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين) القصص:5 فأُدخلت بغداد منكوسة، واضمحل أمر من بالسواد منهم، وكفى الله الناس شرّهم.
ذكر الحرب بين نازوك وهارون بن غريب
وفيها وقعت الفتنة بين نازوك، صاحب الشُّرطة، وهارون بن غريب.
وسبب ذلك أنّ ساسة دوابّ هارون بن غريب وساسة نازوك تغايروا على غلام أمرد، وتضاربوا بالعصى، فحبس نازوك ساسة دوابّ هارون، بعد أن ضربهم، فسار أصحاب هارون إلى محبس الشُّرطة، ووثبوا على نائب نازوك به، وانتزعوا أصحابهم من الحبس، فركب نازوك، وشكا إلى المقتدر وقال: كلاكما عزيز عليّ ولست أدخل بينكما؛ فعاد وجمع رجاله، وجمع هارون رجاله، وزحف أصحاب نازوك إلى دار هارون، فأغلق بابه، وبقي بعض أصحابه خارج الدار، فقتل منهم أصحاب نازوك، وجرحوا، ففتح هارون الباب، وخرج أصحابه، فوضعوا السلاح في أصحاب نازوك فقتلوا منهم، وجرحوا، واشتبكت الحرب بينهم، فكفّ نازوك أصحابه.
وأرسل الخليفة إليهما ينكر عليهما ذلك، فكفّا، وسكنت الفتنة، واستوحش نازوك، واستدّل بذلك على تغيّر المقتدر، ثمّ ركب إليه هارون وصالحه، وخرج بأصحابه، ونزل بالبستان النجميّ ليبعد عن نازوك، فأكثر الناس الأراجيف وقالوا: قد صار هارون أمير الأمراء؛ فعظم ذلك على أصحاب مؤنس، وكتبوا إليه بذلك، وهو بالرَّقّة، فأسرع العود إلى بغداد فنزل بالشّمّاسيّة في أعلى بغداد، ولم يلق المقتدر، فصعد إليه الأمير أبو العبّاس ابن المقتدر، والوزير ابن مقلة، فأبلغاه سلام المقتدر واستيحاشه له، وعاد فاستشعر كلّ واحد من المقتدر ومؤنس من صاحبه، وأحضر المقتدر هارون ابن غريب، وهو ابن خاله، فجعله معه في داره، فلمّا علم مؤنس بذلك ازداد نفوراً واستيحاشاً، وأقبل أبو الهيجاء بن حَمدان من بلاد الجبل، فنزل عند مؤنس ومعه عسكر كبير، وصارت المراسلات بين الخليفة ومؤنس تتردّد، والأمراء يخرجون إلى مؤنس، وانقضت السنة وهم على ذلك.
ذكر قتل الحسن بن القاسم الداعي
في هذه السنة قُتل الحسن بن القاسم الداعي العلويُّ، وقد ذكرنا استيلاء أسفار بن شيرويه الدَّيلميّ على طَبَرِستان، ومعه مرداويج، فلمّا استولوا عليها كان الحسن بن القاسم بالرَّيّ، واستولى عليها، وأخرج منها أصحاب السعيد نصر بن أحمد، واستولى على قَزوين، وزنجان، وأبهر، وقُمّ، وكان معه ما كان بن كالي الديلميُّ، فسار نحو طَبَرستان، والتقوا هم وأسفار عند سارية، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم الحسن وما كان بن كالي، فلُحق الحسن فقُتل، وكان انهزام معظم أصحاب الحسن على تعمُّدٍ منهم للهزيمة.
وسبب ذلك أنّه كان يأمر أصحابه بالاستقامة، ومنعهم عن ظلم الرعبّية، وشرب الخمور، وكانوا يبغضونه لذلك، ثمّ اتّفقوا على أن يستقدموا هروسندان وهو أحد رؤساء الجيل، وكان خال مردوايج ووشمكير، ليقدّموه عليهم، ويقبضوا على الحسن الداعي، وينصِّبوا أبا الحسين بن الأطروش، ويخطبوا له.(3/424)
وكان هروسندان مع أحمد الطويل بالدَّامَغان بعد موت صُعلوك، فوقف أحمد على ذلك، فكتب إلى الحسن الداعي يعلمه، فأخذ حذره، فلمّا قدم هروسندان لقيه مع القوّاد، وأخذهم إلى قصره بجرجان ليأكلوا طعاماً، ولم يعلموا أنّه قد اطلع على ما عزموا عليه، وكان قد وافق خواصّ أصحابه على قتلهم، وأمرهم بمنع أصحاب أولئك القوّاد من الدخول؛ فلمّا دخلوا داره قابلهم على ما يريدون أن يفعلوه، وما أقدموا عليه من المنكرات التي أحلّت له دماءهم، ثمّ أمر بقتلهم عن آخرهم، وأخبر أصحابهم الذين ببابه بقتلهم، وأمرهم بنهب أموالهم، فاشتغلوا بالنهب، وتركوا أصحابهم، وعظم قتلهم على أقربائهم ونفروا عنه، فلمّا كانت هذه الحادثة تخلّوا عنه حتّى قُتل.
ولّما قُتل استولى أسفار على بلاد طَبرستان، والرَّيّ، وجُرجان، وقَزوين، وزنجان، وأبهر، وقُمّ، والكَرْخ، ودعا لصاحب خُراسان، وهو السعيد نصر بن أحمد، وأقام بسارية، واستعمل على آمل هارون بن بَهرام، وكان هارون يحتاج أن يُخطب فيها لأبي جعفر العلويّ، وخاف أسفار ناحية أبي جعفر أن يجدّد له فتنة وحرباً، فاستدعى هارون إليه، وأمره أن يتزوّج إلى أحد أعيان آمل، ويُحضر عرسه أبا جعفر وغيره من رؤساء العلويّين، ففعل ذلك في يوم ذكره أسفار، ثمّ سار أسفار من سارية مجدّاً فوافى آمل وقت الموعد، وهجم على دار هارون على حين غفلة، وقبض على أبي جعفر وغيره من أعيان العلويّين، وحملهم إلى بخارى، فاعتُقلوا بها إلى أن خلصوا أيّام فتنة أبي زكرياء، على ما نذكره.
ولّما فرغ أسفار من أمر طَبَرِستان سار إلى الرَّيّ، وبها ما كان بن كالي، فأخذها منه، واستولى عليها، وسار ما كان إلى طَبرستان، فأقام هناك.
وأحبّ أسفار أن يستولي على قلعة أَلُموت، وهي قلعة على جبل شاهق من حدود الديلم، وكانت لسياه جشم بن مالك الديلمي، ومعناه الأسود العين لأنّه كان على إحدى عينَيْه شامة سوداء، فراسله أسفار وهنّأه، فقدم عليه، فسأله أن يجعل عياله في قلعة أَلُموت، وولاّه قَزوين، فأجابه إلى ذلك، فنقلهم إليها، ثمّ كان يرسل إليهم من يثق به من أصحابه، فلمّا حصل فيها مائة رجل استدعاه من قَزوين فلمّا حضر عنده قبض عليه، وقتله بعد أيّام.
وكان أسفار لّما اجتاز بسُمْنَان استأمن إليه ابن أمير كان صاحب جبل دنباوند، وامتنع محمّد بن جعفر السُّمنانيُّ من النزول إليهن وامتنع بحصن بقرية رأس الكلب، فحقدها عليه أسفار، فلمّا استولى على الرَّيّ أنفذ إليه جيشاً يحصرونه، وعليهم إنسان يقال له عبد الملك الديلميُّ، فحصروه، ولم يمكنهم الوصول إليه، فوضع عليه عبد الملك مَن يشير عليه بمصالحته، ففعل، وأجابه عبد الملك إلى المسألة، ثمّ وضع عليه من يحسّن له أن يضيف عبد الملك، فأضافه، فحضر في جماعة من شجعان أصحابه، فتركهم تحت الحسن، وصعد وحده إلى محمّد بن جعفر، فتحادثا ساعة، ثمّ استخلاه عبد الملك ليشير إليه شيئاً، ففعل ذلك، ولم يبق عندهما أحد غير غلام صغير، فوثب عليه عبد الملك فقتله، وكان محمّد منقرساً زمناً، وأخرج حبل إبرِيسَم كان قد أعدّه فشدّه في نافذة في تلك الغرفة ونزل وتخلّص.
واستغاث ذلك الغلام، فجاء أصحاب محمّد بن جعفر وكسروا الباب، وكان عبد الملك قد أغلقه، فلمّا دخلوا رأوه مقتولاً، فقتلوا به كلّ من عندهم من الديلم، وحفظوا نفوسهم.
وعظمت جيوش أسفار، وجلّ قدره، فتجبّر وعصى على الأمير السعيد، صاحب خُراسان، وأراد أن يجعل على رأسه تاجاً وينصب بالرَّيّ سرير ذهب للسلطنة، ويحارب الخليفة، وصاحب خُراسان، فسير المقتدر إليه هارون بن غريب في عسكر نحو قَزوين، فحاربه أصحاب أسفار بها، فانهزم هارون، وقُتل من أصحابه جمع كثير بباب قَزوين، وكان أهل قزوين قد ساعدوا أصحاب هارون، فحقدها عليهم أسفار.
ثمّ إنّ الأمير السعيد، صاحب خُراسان، سار من بخارى قاصداً نحو أسفار ليأخذ بلاده، فبلغ نَيسابور، فجمع أسفار عسكره وأشار على أسفار وزيره مُطَرّف بن محمّد الجُرجانيُّ بمراسلة صاحب خُراسان، والدخول في طاعته، وبذل المال له، فإنّ أجاب، وإلاّ فالحرب بين يديه.(3/425)
وكان في عسكره جماعة من أتراك صاحب خُراسان قد ساروا معه، فخوّفه وزيره منهم، فرجع إلى رأيه وراسله، فأبى أن يجيبه إلى ذلك، وعزم على المسير إليه، فأشار عليه أصحابه أن يقبل الأموال، وإقامة الخطبة له، وخوّفوه الحرب وأنّه لا يدري لمن النصر، فرجع إلى قولهم، وأجاب أسفار إلى ما طلب، وشرط عليه شروطاً من حمل الأموال وغر ذلك، واتّفقا، فشرع أسفار بعد إتمام الصلح، وقسّط على الريّ وأعمالها، على كلّ رجل ديناراً، سواء كان من أهل البلاد أم من المجتازين، فحصل له مال عظيم أرضى صاحب خُراسان ببعضه، ورجع عنه.
فعظم أمر أسفار خلاف ما كان، وزار تجبُّره، وقصد قَزوين لما في نفسه على أهلها، فأوقع بهم وقعة عظيمة أخذ فيها أموالهم، وعذّبهم، وقتل كثيراً منهم، وعسفهم عَسفاً شديداً، وسلَّط الديلم عليهم، فضاقت الأرض عليهم، وبلغت القلوب الحناجر، وسمع مؤذّن الجامع يؤذّن، فأمر به فأُلقي من المنارة إلى الأرض، فاستغاث الناس من شرّه وظلمه، وخرج أهل قزوين إلى الصحراء: الرجال: والنساء، والولدان يتضرّعون ويدعون عليه ويسألون الله كشف ما هم فيه، فبلغه ذلك، فضحك منهم، وشتمهم استهزاء بالدعاء، فلمّا كان الغد انهزم على ما نذكره.
ذكر قتل أسفار
كان في أصحاب أسفار قائد من أكبر قوّاده يقال له مَرداويج بن زيار الديلميّ، فأرسله إلى سلار صاحب شميران الطرم يدعوه إلى طاعته، وسلار هذا هو الذي صار ولده فيما بعد صاحب أذربيجان وغيرها، فلّما وصل مرداويج إليه تشاكيا ما كان الناس فيه من الجهد والبلاء، فتحالفا، وتعاقدا على قصده، والتساعد على حربه.
وكان أسفار قد وصل إلى قزوين، وهو ينتظر وصول مرداويج بجوابه، فكتب مرداويج إلى جماعة من القوّاد يثق بهم يعرّفهم ما اتّفق هو وسلار عليه، فأجابوه إلى ذلك؛ وكان الجند قد سئموا أسفار لسوء سيرته، وظلمه، وجوره، وكان في جملة من أجاب إلى مساعدة مَرداويج مطرّف بن محمّد، وزير أسفار، وسار مرداويج وسلار نحو أسفار، وبلغه الخبر، وأن أصحابه قد بايعوا مرداويج، فأحسّ بالشرّ، وكان ذلك عقيب حادثته مع أهل قزوين ودعائهم، وثار الجند بأسفار، فهرب منهم في جماعة من غلمانه وورد الريّ، فأراد أن يأخذ من مال كان عند نائبه بها شيئاً، فلم يعطه غير خمسة آلاف دينار، وقال له: أنت أمير ولا يعوزك مال؛ فتركه وانصرف إلى خُراسان، فأقام بناحية بَيهق.
وأمّا مرداويج فإنّه عاد من قزوين نحو الرَّي، وكتب إلى ما كان بن كالي، وهو بَطَبرستان، يستدعيه ليتساعدا ويتعاضدا، فسرى ما كان بن كالي إلى أسفار، وكان قد عسف أهل الناحية التي هو بها، فلّما أحسّ بما كان سار إلى بُست، وركب المفازة نحو الريّ ليقصد قلعة أَلْموت التي بها أهله وأمواله، فانقطع عنه بعض أصحابه، وقصد مرداويج فأعلمه خبره، فخرج مرداويج من ساعته في أثره، وقدّم بعض قوّاده بين يديه، فلحقه ذلك القائد وقد نزل يستريح، فسلّم عليه بالإِمْرة، فقال له أسفار: لعلّكم اتّصل بكم خبري وبُعثتَ في طلبي ؟ قال: نعم ؟! فبكى أصحابه، فأنكر عليهم أسفار ذلك، وقال: بمثل هذه القلوب تتجنّدون ! أما علمتم أنّ الولايات مقرونة بالبليّات ؟ ثمّ أقبل على ذلك القائد وهو يضحك، وسأله عن قوّاده الذين أسلموه وخذلوه، فأخبره مرداويج قتلهم، فتهلّل وجهه وقال: كانت حياة هؤلاء غصّة في حلقي، وقد طابت الآن نفسي، فامض في ما أُمرتَ به، وظنّ أنّه أُمر بقتله، فقال: ما أُمرتُ فيك بسوء؛ وحمله إلى مرداويج، فسلّمه إلى جماعة أصحابه ليحمله إلى الريّ، فقال له بعض أصحابه: إنّ أكثر مَن معك كانوا أصحاب هذا، فانحرفوا عنه إليك، وقد أوحشتَ أكثرهم بقتل قوّادهم فما يؤمنك أن يرجعوا إليه غداً ويقبضوا عليك ؟ فحينئذ أمر بقتله وانصرف إلى الريّ.
وقيل في قتله: أنّه لمّا عاد نحو قلعة أَلْموت نزل في وادٍ هناك يستريح، فاتّفق أنّ مَرداويج خرج يتصيّد، ويسأل عن أخباره، فرأى خيلاً يسيرة في وادٍ هناك، فأرسل بعض أصحابه ليأخذ خبرها، فرأوا أسفار بن شِيرويه في عدّة يسيرة من أصحابه، يريد الحصن ليأخذ ما له فيه ويستعين به على جمع الجيوش، ويعود إلى محاربة مرداويج، فأخذوه ومن معه، وحملوه إلى مرداويج، فلمّا رآه نزل إليه فذبحه.(3/426)
واستقرّ أمر مرداويج في البلاد، وعاد إلى قَزوين بعد قتل أسفار، فأحسن إلى أهلها، ووعدهم الجميل.
وقيل: بل دخل أسفار إلى رحى، وقد نال منه الجوع، فطلب من الطحّان شيئاً يأكله، فقدّم له خبزاً ولبناً، فأكل منه هو وغلام له ليس معه غيره، فأقبل مرداويج إلى تلك الناحية، فأشرف على الرحى فرأى أثر حوافر الدوابّ، فسأل عنها، فقيل له: قد دخل فارسان إلى هذه الرحى؛ فكبس مرداويج الرحى، فرآه وقتله.
ذكر ملك مرداويج
ولّما انهزم أسفار من مرداويج ابتدأ في ملك البلاد، ثمّ إنّه ظفر بأسفار فتمكّن ملكه وثبت، وتنقّل في البلاد يملكها مدينة مدينةً، وولايةً ولايةً، فملك قَزوين، ووعدهم الجميل فأحبّوه، ثمّ سار إلى الرَّي فملكها، وملك هَمَذان، وكَنْكُور، والدِّينَور، وبُروجَرد، وقُمّ، وقاشان، وأصبهان، وجرباذقان وغيرهما.
ثمّ إنّه أساء السيرة في أهل أصبهان خاصّة، وأخذ الأموال، وهتك المحارم، وطغى، وعمل له سريراً من ذهب يجلس عليه، وسريراً من فضّة يجلس عليه أكابر قوّاده، وإذا جلس على السرير يقف عسكره صفوفاً بالعبد منه، ولا يخاطبه أحد ألاّ الحجّاب الذين رتّبهم لذلك، وخافه الناس خوفاً شديداً.
ذكر ملك مرداويج طبرستان
قد ذكرنا اتّفاق ما كان بن كالي مع مرداويج، ومساعدته على أسفار، فلّما استقرّ ملك مرداويج، وقوي أمره، وكثرت أمواله وعساكره، طمع في جُرجان، وطَبَرِستان، وكانتا مع ما كان بن كالي، فجمع عساكره وسار إلى طَبرِستان، فثبت له ما كان، فاستظهر عليه مرداويج، واستولى على طبرستان ورتّب فيها بلْقاسم بن بانجين، وهو اسفهسلار، وعسكره، وكان حازماً، شجاعاً، جيّد الرأي.
ثمّ سار مرداويج نحو جُرجان، وكان بها من قبل ما كان شيرزيل ابن سلار، وأبو عليّ بن تركي، فهربا من مرداويج، وملكها مرداويج، ورتّب فيها سرخاب بن باوس، خال ولد بلاسم بن بانجين، خليفة عن بلقاسم، فجمع بلقاسم جُرجان، وطبرستان، وعاد مرداويج إلى أصبهان ظافراً غانماً.
وسار ما كان إلى الديلم واستنجد أبا الفضل الثائر بها، فأكرمه، وسار معه إلى طبرستان فلقيهما بلقاسم، وتحاربوا، فانهزم ما كان والثائر، فأمّا الثائر فقصد الديلم، وأمّا ما كان فسار إلى نَيسابور، فدخل في طاعة السعيد نصر، واستنجده، فأمّده بأكثر جيشه، وبالغ في تقويته، ووصل إليه ما كان وأبو عليّ، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم أبو عليّ وما كان وعادا إلى نَيسابور، ثمّ عاد ما كان بن كالي إلى الدَّامَغان ليتملّكها، فسار نحوه بلقاسم فصدّه عنها، فعاد إلى خُراسان، وسنذكر باقي أخبار ما كان فيما بعد.
ذكر عدّة حوادث
فيها كان ابتداء أمر أبي يزيد الخارجيّ بالمغرب، وسنذكر أمره سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة مستقصى.
وفيها ظهر بسِجِستان خارجيٌّ، وسار في جمع إلى بلاد فارس يريد التغلّب عليها، فقتله أصحابه قبل الوصول إليها، وتفرّقوا.
وفيها صُرف أحمد بن صر العشوريُّ عن حجبة الخليفة وقُلّدها ياقوت، وكان يتولّى الحرب بفارس، وهو بها، فاستخلف على الحجبة ابنه أبا الفتح المظفَّر.
وفيها وصل الدُّمُسْتُق في جيش كثير من الروم إلى أرمينية، فحصروا خلاط، فصالحه أهلها، ورحل عنهم بعد أن أخرج لمنبر من الجامع وجعل مكانه صليباً، وفعل بَبدْلِيس كذلك، وخافه أهل أرْزَن وغيرهم، ففارقوا بلادهم، وانحدر أعيانهم إلى بغداد، واستغاثوا إلى الخليفة، فلم يُغاثوا.
وفيها وصل سبعمائة رجل من الروم والأرمن إلى مَلَطْية ومعهم الفؤوس والمعاول، وأظهروا أنّهم يتكسّبون بالعمل، ثم ظهر أنّ مليحاً الأرمنيّ، صاحب الدروب، وضعهم ليكونوا بها، فإذا حصرها سلّموها إليه، فعلم بهم أهل مَلَطْية، فقتلوهم وأخذوا ما معهم.
وفيها، في منتصف ربيع الأوّل، قُلّد مؤنس المؤنسيُّ الموصل وأعمالها.
وفيها مات أبو بكر بن أبي داود السِّجِستانيُّ، وأبو عُوانة يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم الأسفراينيُّ، وله مسند مخرج على صحيح مسلم.
وفيها توفيّ أبو بكر محمّد بن السريّ النحويُّ المعروف بابن السّراج، صاحب كتاب الأصول في النحو.

This site was last updated 07/15/11