Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة سبع عشرة وثلاثمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة295
سنة296
سنة297 وسنة298 وسنة299
سنة300 وسنة301
سنة302 وسنة303
سنة303 وسنة304 وسنة305 وسنة306
سنة307 وسنة308 وسنة309
سنة310 وسنة311
سنة312
سنة313 وسنة314
سنة315
سنة316
سنة317
سنة318 وسنة319
سنة320

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة سبع عشرة وثلاثمائة
ذكر خلع المقتدر

في هذه السنة خُلع المقتدر بالله من الخلافة، وبويع أخوه القاهر بالله محمّد ابن المعتضد، فبقي يومَيْن ثمّ أُعيد المقتدر. (3/427)
وكان سبب ذلك ما ذكرنا في السنة التي قبلها من استيحاش مؤنس ونزوله بالشَّمّاسيّة، وخرج إليه نازوك، صاحب الشُّرطة، في عسكره، وحضر عنده أبو الهيجاء بن حَمدان في عسكره من بلد الجبل، وبنّيّ بن نفيس، وكان المقتدر قد أخذ منه الدِّينَور، فأعادها إليه مؤنس عند مجيئه إليه.
وجمع المقتدر عنده، في داره، هارون بن غريب، وأحمد بن كَيْغَلَغ، والغلمان الحجريّة، والرجّالة المصافيّة، وغيرهم، فلّما كان آخر النهار ذلك اليوم انقضّ أكثر مَن عند المقتدر، وخرجوا إلى مؤنس، وكان ذلك أوائل المحرّم.
ثم كتب مؤنس إلى المقتدر رقعة يذكر فيها أنّ الجيش عاتبٌ منكرٌ للسرف فيما يُطلق باسم الخدم والحُرَم من الأموال والضِّياع، ولدخولهم في الرأي وتدبير المملكة، ويطالبون بإخراجهم من الدار، وأخذ ما في أيديهم من الأموال والأملاك، وإخراج هارون بن غريب من الدار.
فأجابه المقتدر أنّه يفعل من ذلك ما يمكنه فعله، ويقتصر على ما لا بدّ له منه، واستعطفهم، وذكّرهم بيعته في أعناقهم مرّة بعد أخرى، وخوّفهم عاقبة النكث، وأمر هارون بالخروج من بغداد، وأقطعه الثغور الشاميّة والجزريّة، وخرج من بغداد تاسع المحرّم من هذه السنة، وراسلهم المقتدر، وذكّرهم نعمه عليهم وإحسانه إليهم، وحذرهم كفر إحسانه، والسعي في الشرّ والفتنة.
فلمّا أجابهم إلى ذلك دخل مؤنس وابن حَمدان ونازوك إلى بغداد، وأرجف الناس بأنّ مؤنساً ومن معه قد عزموا على خلع المقتدر وتولية غيره، فلمّا كان الثاني عشر من المحرّم خرج مؤنس والجيش إلى باب الشَّمّاسيّة، فتشاوروا ساعة، ثم رجعوا إلى دار الخليفة بأسرهم، فلّما زحفوا إليها، وقربوا منها، وهرب المظفَّر بن ياقوت، وسائر الحجّاب والخدم وغيرهم، والفرّاشون، وكلّ مَن في الدار؛ وكان الوزير أبو عليّ بن مقلة حاضراً، فهرب ودخل مؤنس والجيش دار الخليفة، وأخرج المقتدر، ووالدته، وخالته، وخواصّ جواريه، وأولاده، من دار الخلافة، وحُملوا إلى دار مؤنس، فاعتُقلوا بها.
وبلغ الخبر هارون بن غريب، وهو بقُطْرَبُّل، فدخل بغداد واستتر، ومضى ابن حَمدان إلى دار ابن طاهر، فأحضر محمّد بن المعتضد، وبايعوه بالخلافة، ولقّبوه القاهر بالله، وأحضروا القاضي أبا عمر عند المقتدر ليشهد عليه بالخلع، وعنده مؤنس، ونازوك، وابن حَمدان، وبنّيّ بن نفيس، فقال مؤنس للمقتدر ليخلع نفسه من الخلافة، فأشهد عليه القاضي بالخلع، فقام ابن حَمدان وقال للمقتدر: يا سيّدي يعزّ عليّ أن أراك على هذه الحال، وقد كنتُ أخافها عليك، وأحذرها، وأنصح لك، وأحذّرك عاقبة القبول من الخدم، والنساء، فتؤثر أقوالهم على قولي، وكأنّي كنتُ أرى هذا، وبعد، فنحن عبيدك وخدمك.
ودمعت عيناه وعينا المقتدر، وشهد الجماعة على المقتدر بالخلع، وأودعوا الكتاب بذلك عند القاضي أبي عمر، فكتمه ولم يُظهر عليه أحداً، فلمّا عاد المقتدر إلى الخلافة سلّمه إليه، وأعلمه أنّه لم يطلع عليه غيره، فاستحسن ذلك منه، وولاّه قضاء القضاة.
ولّما استقرّ الأمر للقاهر أخرج مؤنس المظفَّر عليَّ بن عيسى من الحبس، ورتّب أبا عليّ بن مقلة في الوزارة، وأضاف إلى نازوك مع الشُّرطة حجبة الخليفة، وكتب إلى البلاد بذلك، وأقطع ابن حَمدان، مضافاً إلى ما بيده من أعمال طريق خُراسان، وحُلوان، والدينور، وهَمَذان، وكَنكور، وكَرْمان، وشاهان، والرّاذنات، ودقُوقَا، وخَانيجار، ونَهاوَنْد، والصّيمرة، والسِّيروان، وماسَبَذان وغيرها، ونُهبت دار الخليفة، ومضى بنّيّ بن نفيس إلى تربة لوالدة المقتدر، فأخرج من قبر فيها ستّمائة ألف دينار، وحملها إلى دار الخليفة.
وكان خلع المقتدر النصف من المحرّم، ثمّ سكن النهب، وانقطعت الفتنة؛ ولّما تقلّد نازوك حجبة الخليفة أمر الرجّالة المصافيّة بقلع خيامهم من دار الخليفة، وأمر رجاله وأصحابه أن يقيموا بمكان المصافيّة، فعظم ذلك عليهم، وتقدّم إلى خلفاء الحجّاب أن لا يمكنوا أحداً من الدخول إلى دار الخليفة، إلاّ من له مرتبة، فاضطربت الحجبة من ذلك.
ذكر عود المقتدر إلى الخلافة (3/428)
لّما كان يوم الاثنين سابع عشر المحرّم بكّر الناس إلى دار الخليفة لأنّه يوم موكب دولة جديدة، فامتلأت الممرّات، والمراحات، والرَّحاب، وشاطئ دجلة من الناس، وحضر الرجّالة المصافيّة في السلاح الشاكّ، يطالبون بحقّ البيعة، ورزق سنة، وهم حنقون بما فعل بهم نازوك، ولم يحضر مؤنس المظفَّر ذلك اليوم.
وارتفعت زعقات الرجّالة، فسمع بها نازوك، فأشفق أن يجري بينهم وبين أصحابه فتنة وقتال، فتقدّم إلى أصحابه، وأمرهم أن لا يعرضوا لهم، ولا يقاتلوهم، وزاد شغب الرجّالة، وهجموا يريدون الصحن التسعينيّ، فلم يمنعهم أصحاب نازوك، ودخل من كان على الشطّ بالسلاح، وقربت زعقاتهم من مجلس القاهر بالله، وعنده أبو عليّ بن مقلة الوزير، ونازوك، وأبو الهيجاء بن همدان، فقال القاهر لنازوك: اخرج إليهم فسكّنهم، وطيّب قلوبهم ! فخرج إليهم نازوك وهو مخمور، وقد شرب طول ليلته، فلمّا رآه الرجّالة تقدّموا إليه ليشكوا حالهم إليه في معنى أرزاقهم، فلمّا رآهم بأيديهم السيوف يقصدونه خافهم على نفسه فهرب، فطمعوا فيه، فتبعوه، فانتهى به الهرب إلى باب كان هو سدّة أمس، فأدركوه عنده، فقتلوه عند ذلك الباب، وقتلوا قبله خادمه عجيباً، وصاحوا: أي مقتدر، يا منصور ! فهرب كلّ مَن كان في الدار من الوزير، والحجّاب، وسائر الطبقات وبقيت الدار فارغة، وصلبوا نازوك وعجيباً بحيث يراهما مَن على شاطئ دجلة.
ثمّ صار الرجّالة إلى دار مؤنس يصيحون، ويطالبونه بالمقتدر، وبادر الخدم فأغلقوا أبواب دار الخليفة، وكانوا جميعهم خدم المقتدر، ومماليكه، وصنائعه، وأراد أبو الهيجاء بن حَمدان أن يخرج من الدار، فتعلق به القاهر وقال: أنا في ذمامك؛ فقال: والله لا أسلّمك أبداً؛ وأخذ بيد القاهر وقال: قم بنا نخرج جميعاً، وأدعو أصحابي وعشيرتي فيقاتلون معك ودونك.
فقاما ليخرجا، فوجدا الأبواب مغلقة، فتبعهما فائق وجه القصعة يمشي معهما، فأشرف القاهر من سطح، فرأى كثرة الجمع، فنزل هو وابن حمدان وفائق، فقال ابن حَمدان للقاهر، قف حتّى أعود إليك؛ ونزع سواده وثيابه، وأخذ جبّة صوف لغلام هناك، فلبسها ومشى نحو باب النوبى، فرآه مغلقاً والناس من ورائه، فعاد إلى القاهر، وتأخّر عنهما وجه القصعة ومَن معه من الخدم، فأمرهم وجه القصعة بقتلهما أخذاً بثأر المقتدر وما صنعا به، فعاد إليهما عشرة من الخدم بالسلاح، فعاد إليهم أبو الهيجاء وسيفه بيده، ونزع الجبّة الصوف، وأخذها بيده الأخرى، وحمل عليهم، فانجفلوا بين يديه، وغشيهم، فرموه بالنشاب ضرورة، فعاد عنهم، وانفرد عنه القاهر ومشى إلى آخر البستان فاختفى فيه.
ودخل أبو الهيجاء إلى بيت من ساج، وتقدّم الخدم إلى ذلك البيت، فخرج إليهم أبو الهيجاء، فولّوا هاربين، ودخل إليهم بعض أكابر الغلمان الحجريّة، ومعه أسودان بسلاح، فقصدوا أبا الهيجاء، فخرج إليهم فرُمي بالسهام فسقط، فقصده بعضُهم فضربه بالسيف فقطع يده اليمنى، وأخذ رأسه فحمله بعضهم، ومشى وهو معه.
وأمّا الرجّالة فإنّهم لّما انتهوا إلى دار مؤنس وسمع زعقاتهم قال: ما الذي تريدون ؟ فقيل له: نريد المقتدر؛ فأمر بتسليمه إليهم، فلمّا قيل للمقتدر ليخرج خاف على نفسه أن تكون حيلة عليه، فامتنع، وحُمل وأُخرج إليهم، فحمله الرجّالة على رقابهم حتّى أدخلوه دار الخلافة، فلمّا حصل في الصحن التسعينيّ اطمأنّ وقعد، فسأل عن أخيه القاهر، وعن ابن حَمدان، فقيل: هما حيّان؛ فكتب لهما أماناً بخطّه، وأمر خادماً بالسُّرعة بكتاب الأمان لئلاّ يحدث على أبي الهيجاء حادث، فمضى بالخطّ إليه، فلقيه الخادم الآخر ومعه رأسه، فعاد معه، فلمّا رآه المقتدر، وأخبره بقتله، قال: أنا لله وإنّا إليه راجعون ! مَن قتله ؟ فقال الخدم: ما نعرف قاتله؛ وعظم عليه قتله: وقال: ما كان يدخل عليّ ويسلّيني، ويُذهب عنّي الغمّ هذه الأيّام غيره. (3/429)
ثمّ أُخذ القاهر وأُحضر عند المقتدر، فاستدناه، فأجلسه عنده وقبّل جبينه وقال له: يا أخي قد علمتُ أنّه لا ذنب لك، وأنّك قُهرتَ، ولو لقّبوك بالمقهور لكان أولى من القاهر؛ والقاهر يبكي ويقولك يا أمير المؤمنين ! نفسي، نفسي، اذكر الرّحِم التي بيني وبينك ! فقال له المقتدر: وحقّ رسول الله لا جرى عليك سوءٌ منّي أبداً، ولا وصل أحد إلى مكروهك وأنا حيّ ! فسكن، وأُخرج رأس نازوك، ورأس أبي الهيجاء، وشُهرا، ونودي عليهما: هذا جزاء من عصى مولاه.
وأمّا بني بن نفيس فإنّه كان من أشدّ القوم على المقتدر، فأتاه الخبر برجوعه إلى الخلافة، فركب جواداً وهرب عن بغداد، وغيّر زيّه، وسار حتى بلغ الموصل، وسار منها إلى أرمينية، وسار حتّى دخل القسطنطينيّة وتنصّر.
وهرب أبو السَّرايا نصر بن حَمدان أخو أبي الهيجاء إلى الموصل، وسكنت الفتنة، وأحضر المقتدر أبا عليّ بن مقلة، وأعاده إلى وزارته، وكتب إلى البلاد بما تجدّد له، وأطلق للجند أرزاقهم وزادهم، وباع ما في الخزائن من الأمتعة والجواهر، وأذن في بيع الأملاك من الناس، فبيع ذلك بأرخص الأثمان، ليتم أعطيات الجند.
وقد قيل إنّ مؤنساً المظفَّر لم يكن مؤثراً لما جرى على المقتدر من لخلع، وإنّما وافق الجماعة مغلوباً على رأيه، ولعلمه أنّه إن خالفهم لم ينتفع به المقتدر، ووافقهم ليؤمنوه، وسعى مع الغلمان المصافيّة والحجريّة، ووضع قوّادهم على أن عملوا ما عملوا، وأعادوا المقتدر إلى الخلافة، وكان هو قد قال للمقتدر، لمّا كان في داره: ما تريدون أن نصنع ؟ فلهذا أمّنه المقتدر، ولّما حملوه إلى دار الخلافة من دار مؤنس ورأى فيها كثرة الخلق والاختلاف عاد إلى دار مؤنس لثقته به، واعتماده عليه، ولولا هوى مؤنس مع المقتدر لكان حضر عند القاهر مع الجماعة، فإنّه لم يكن معهم كما ذكرناه، ولكان أيضاً قتل المقتدر لّما طُلب من داره ليعاد إلى الخلافة.
وأمّا القاهر فإنّ المقتدر حبسه عند والدته، فأحسنت إليه، وأكرمته، وسعت عليه النفقة، واشترت له السراري والجواري للخدمة، وبالغت في إكرامه والإحسان إليه بكلّ طريق.
ذكر مسير القرامطة إلى مكّة
وما فعلوه بأهلها وبالحجّاج وأخذهم الحجر الأسود
حجّ بالناس في هذه السنة منصور الديلميُّ، وسار بهم من بغداد إلى مكّة، فسلموا في الطريق، فوافاهم أبو طاهر القرمطيُّ بمكّة يوم التروية، فنهب هو وأصحابه أموال الحجّاج، وقتلوهم حتّى في المسجد الحرام وفي البيت نفسه، وقلع الحجر الأسود ونفّذه إلى هَجَر، فخرج إليه ابن محلب، أمير مكّة، في جماعة من الأشراف، فسألوه في أموالهم، فلم يشفّعهم، فقاتلوه، فقتلهم أجمعين، وقلع باب البيت، وأصعد رجلاً ليقلع الميزاب فسقط فمات، وطرح القتلى في بئر زمزم ودفن الباقين في المسجد الحرام حيث قُتلوا بغير كفن، ولا غسل، ولا صُلّي على أحد منهم، وأخذ كسوة البيت فقسمها بين أصحابه، ونهب دور أهل مكّة.
فلّما بلغ ذلك المهديَّ أبا محمّد عبيدالله العلويَّ بأفريقية كتب إليه ينكر عليه ذلك، ويلومه، ويلعنه، ويقيم عليه القيامة، ويقول: قد حققتَ على شيعتنا ودعاة دولتنا اسم الكفر والإِلحاد بما فعلتَ، وإن لم تردّ على أهل مكّة وعلى الحجّاج وغيرهم ما أخذتَ منهم، وتردّ الحجر الأسود إلى مكانه، وتردّ كسوة الكعبة، فأنا بريء منك في الدنيا والآخرة.
فلمّا وصله هذا الكتاب أعاد الحجر الأسود على ما نذكره، واستعاد ما أمكنه من الأموال من أهل مكّة، فردّه، وقال: إنّ الناس اقتسموا كسوة الكعبة وأوال الحُجّاج، ولا أقدر على منعهم.
ذكر خروج أبي زكريّاء وإخوته بخراسان
في هذه السنة خرج أبو زكرياء يحيى، وأبو صالح منصور، وأبو إسحاق إبراهيم، وأولاد أحمد بن إسماعيل السامانيّ، على أخيهم السعيد نصر ابن أحمد، وقيل كان ذلك سنة ثماني عشرة وهو الصحيح.(3/430)
وكان سبب ذلك أنّ أخاهم نصراً كان قد حبسهم في القَهندز ببخارى، ووكّل بهم مَن يحفظهم، فتخلّصوا منه؛ وكان سبب خلاصهم أنّ رجلاً يُعرف بأبي بكر الخبّاز الأصبهانيّ كان يقول، إذا جرى ذكر السعيد نصر بن أحمد: أنّ له منّي يوماً طويلاً البلاء والعناء، فكان الناس يضحكون منه، فخرج السعيد إلى نَيسابور، واستخلف ببخارى أبا العبّاس الكوسج، وكانت وظيفة إخوته تُحمل إليهم من عند أبي بكر الخبّاز هذا وهم في السجن، فسعى لهم أبو بكر مع جماعة من أهل العسكر ليخرجوهم، فأجابوه إلى ذلك، وأعلمهم ما سعى لهم فيه.
فلمّا سار السعيد عن بخارى تواعد هؤلاء للاجتماع بباب القَهندز يوم جمعة، وكان الرسم أن لا يفتح باب القهندز أيّام الجمع إلاّ بعد العصر، فلّما كان الخميس دخل أبو بكر الخبّاز إلى القهندرّ قبل الجمعة التي اتّعدوا الإِجتماع فيها بيوم، فبات فيه، فلّما كان الغد، وهو الجُمعة، جاء الخبّاز إلى باب القهندز، وأظهر للبّواب زهداً وديناً، وأعطاه خمسة دنانير ليفتح له الباب ليخرجه لئلاّ تفوته الصلاة، ففتح له الباب، فصاح أبو بكر الخبّاز بمن وافقه على إخراجهم، وكانوا على الباب، فأجابوه، وقبضوا على البوّاب، ودخلوا وأخرجوا يحيى، ومنصوراً، وإبراهيم بني أحمد بن إسماعيل من الحبس، مع جميع مَن فيه من الديلم، والعلويّين، والعيّارين، فاجتمعوا، واجتمع إليهم من كان وافقهم من العسكر، ورأسهم شروين الجيليُّ وغيره من القوّاد.
ثمّ إنّهم عظمت شوكتهم، ونبهوا خزائن السعيد نصر بن أحمد ودوره وقصوره، واختصّ يحيى بن أحمد أبا بكر الخبّاز وقدّمه وقوّده، وكان السعيد إذ ذاك بنَيسابور، وكان أبو بكر محمّد بن المظفَّر، صاحب جيش خُراسان، بجُرجان، فلمّا خرج يحيى وبلغ خبره السعيد، عاد من نَيسابور إلى بخارى، وبلغ الخبز إلى محمّد بن المظفَّر، فراسل ما كان بن كالي، وصاهره، وولاّه نَيسابور، وأمره بمنعها مّمن يقصدها، فسار ما كان إليها، وكان السعيد قد سار من نَيسابور إلى بخارى، وكان يحيى وكّل بالنهر أبا بكر الخبّاز، فأخذه السعيد أسيراً، وعبر النهر إلى بخارى فبالغ في تعذيب الخبّاز، ثم ألقاه في التنور الذي كان يخبز فيه، فاحترق.
وسار يحيى من بخارى إلى سَمَرْقَنْد، ثمّ خرج منها واجتاز بنواحي الصَّغانيان وبها أبو عليّ بن أبي بكر محمّد بن المظفَّر، وسار يحيى إلى ترمذ، فعبر النهر إلى بلَخ وبها قراتكين، فوافقه قراتكين، وخرجا إلى مرو، ولّما ورد محمد بن المظفَّر بِنَيسابور كاتبه يحيى، واستماله، فأظهر له محمّد الميل إليه، ووعده المسير نحوه، ثمّ سار عن نَيسابور، واستخلف بها ما كان بن كالي، وأظهر أنّه يريد مَرو، ثمّ عدل عن الطريق نحو بوشنج وهَراة مسرعاً في سيره واستولى عليهما.
وسار محمّد عن هراة نحو الصَّغانيان على طريق غَرِشسْتان، فبلغ خبره يحيى فسيّر إلى طريقه عسكراً فلقيهم محمّد فهزمهم وسار عن غَرشِستان، واستمدّ ابنه أبا عليّ من الصغانيان، فأمدّه بجيش، وسار محمّد بن المظفّر إلى بلخ، وبها منصور بن قراتكين، فالتقيا، واقتتلا قتالاً شديداً، فانهزم منصور إلى جَوزَجان، وسار محمّد إلى الصغانيان، فاجتمع بولده، وكتب إلى السعيد بخبره، فسرّه ذلك وولاّه بلخ، وطُخَارِستان واستقدمه فولاّهما محمّدٌ ابنه أبا علي أحمد، وأنفذه إليهما، ولحق محمّد بالسعيد، فاجتمع به ببلخ رستاق، وهو في أثر يحيى وهو بهَراة.
وكان يحيى قد سار إلى نَيسابور، وبها ما كان بن كالي، فمنعه عنها، ونزلوا عليها، فلم يظفروا بها، وكان مع يحيى محمّد بن إلياس، فاستأمن إلى ما كان، واستأمن منصور وإبراهيم أخو يحيى إلى السعيد نصر، فلمّا قارب السعيد هراة، وبها يحيى وقراتكين، وسارا عن هراة إلى بلخ، فاحتال قراتكين ليصرف السعيد عن نفسه، فأنفذ يحيى من بلخ إلى بخارى، وأقام هو ببلخ، فعطف السعيد إلى بخارى، فلمّا عبر النهر هرب يحيى من بخارى إلى سَمَرْقَنْد، قمّ عاد من سَمَرْقَنْد ثانياً، فلم يعاونه قراتكين، فسار إلى نَيسابور، وبها محمّد بن إلياس قد قوي أمره، وسار عنها ما كان إلى جُرجان؛ ووافقه محمّد بن إلياس، وخطب له، وأقاموا بنَيسابور.(3/431)
وكان السعيد في أثر يحيى لا يمكنه من الاستقرار، فلمّا بلغهم خبر مجيء السعيد إلى نَيسابور تفرّقوا، فخرج ابن إلياس إلى كَرْمان وأقام بها، وخرج قراتكين ومعه يحيى إلى بست والرخجّ، فأقاما بها، ووصل نصر بن أحمد نَيسابور في سنة عشرين وثلاثمائة، فأنفذ إلى قراتكين، وولاّه بلخ، وبذل الأمان ليحيى، فجاء إليه، وزالت الفتنة، وانقطع الشر وكان قد دام هذه المدّة كلها.
وأقام السعيد بنَيسابور إلى أن حضر عنده يحيى، فأكرمه، وأحسن إليه، ثمّ مضى بها لسبيله هو وأخوه أبو صالح منصور، فلمّا رأى أخوهما إبراهيم ذلك هرب من عند السعيد إلى بغداد، ثمّ منها إلى الموصل، وسيأتي خبره إنّ شاء الله تعالى.
وأمّا قراتكين فإنّه مات ببُست، ونُقل إلى أسبيجاب، فدُفن بها في رباطه المعروف برباط قراتكين، ولم يملك ضيعة قطّ، وكان يقول: ينبغي للجنديّ أن يصحبه كلّ ما ملك أين سار، حتّى لا يعتقله شيء.
ذكر عدّة حوادث
في هذه السنة، منتصف المحرّم، وقعت فتنة بالموصل بين أصحاب الطعام وبين أهل المربّعة والبزّازين، فظهر أصحاب الطعام عليهم أوّل النهار، فانضمّ الأساكفة إلى أهل المربّعة والبزّازين فاستظهروا بهم، وقهروا أصحاب الطعام وهزموهم وأحرقوا أسواقهم.
وتتابعت الفتنة بعد هذه الحادثة واجترأ أهل الشر، وتعاقد أصحاب الخُلقان والأساكفة على أصحاب الطعام، واقتتلوا قتالاً شديداً دام بينهم، ثمّ ظفر أصحاب الطعام فهزموا الأساكفة ومَن معهم، وأحرقوا سوقهم، وقتلوا منهم، وركب أمير الموصل، وهو الحسن بن عبد الله بن حَمدان الذي لُقّب بعدُ بناصر الدولة ليسكن الناس، فلم يسكنوا ولا كفّوا، ثمّ دخل بينهم ناس من العلماء وأهل الدين، فأصلحوا بينهم.
وفيها وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المَرْوَزيّ الحَنبليّ وبين غيرهم من العامّة، ودخل كثير من الجند فيها؛ وسبب ذلك أنّ أصحاب المَرْوَزيّ قالوا في تفسير قوله تعالى: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) الاسراء:79؛ هو أنّ الله سبحانه يُقعد النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، معه على العرش؛ وقالت الطائفة الأخرى: إنّما هو الشفاعة، فوقعت الفتنة واقتتلوا، فقُتل بينهم قتلى كثيرة.
نوفيها ضعفت الثغور الجزريّة عن دفع الروم عنهم، منها مَلَطْية وميّافارقين وآمِد وأرزَن وغيرها، وعزموا على طاعة ملك الروم والتسليم إليه لعجز الخليفة المقتدر بالله عن نصرهم، وأرسلوا إلى بغداد يستأذنون في التسليم، ويذكرون عجزهم، ويستمدّون العساكر لتمنع عنهم، فلم يحصلوا على فائدة، فعادوا.
وفيها قُلّد القاضي أبو عمر محمّدُ بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن حمّاد بن زيد قضاء القضاة. وفيها قُلّد ابنا رائق شُرطة بغداد مكان نازوك.
وفيها مات أحمد بن منيع، وكان مولده سنة أربع عشرة ومائتين.
وفيها أقرّ المقتدر بالله ناصر الدولة الحسن بن أبي الهيجاء عبدالله بن حمدان على ما بيده من أعمال قَرْدَى وبازَبْدَى، وعلى إقطاع أبيه وضياعه.
وفيها قُلّد نحرير الصغير أعمال الموصل، فسار إليها، فمات بها في هذه السنة، ووليها بعده ناصر الدولة الحسن بن عبدالله بن حَمدان في المحرّم من سنة ثماني عشرة وثلاثمائة.
وفيها سار حاجّ العراق إلى مكّة على طريق الشام فوصلوا إلى الموصل أوّل شهر رمضان، ثمّ منها إلى الشام، لانقطاع الطريق بسبب القُرمطّي، وكانت كسوة الكعبة مع ابن عبدوس الجهشياريّ لأنّه كان من أصحاب الوزير.
وفيها، في شعبان، ظهر بالموصل خارجيٌّ يُعرف بابن مطر، وقصد نَصِيبين، فسار إليها ناصر الدولة بن حَمدان، فقاتله، فأسره. وظهر فيها أيضاً خارجيٌّ اسمه محمّد بن صالح بالبوازيج، فسار إليه أبو السرايا نصر بن حَمدان، فأخذه أيضاً.
وفيها التقى مفلح الساجيُّ والدّمُسْتُق، فاقتتلا، فانهزم الدمستق ودخل مُفلح وراءه إلى بلاد الروم.
وفيها، آخر ذي القعدة، انقضّ كوكب عظيم، وصار له ضوء عظيم جدّاً.
وفيها هبّت ريح شديدة، وحملت رملاً أحمر شديد الحمرة، فعمّ جانبَيْ بغداد، وامتلأت منه البيوت والدروب؛ يشبه رمل طريق مكّة.
وفيها توفّي أبو بكر أحمد بن الحسن بن الفرج بن سقير النجويُّ، كان عالماً بمذهب الكوفّيين، وله فيه تصانيف.

This site was last updated 07/15/11