ملخص سيرة الخليفة الظاهر
فى سنة 411هـ - 427 هـ : 1021م – 1036م تولى الخلافة إبن الحاكم وكان إسمه أبو الحسن على وعندما تولى الخلافة لقب بإسم " الظاهر لإعزاز دين الدولة وكان صبياً لا يتجاوز السادسة عشرة من العمر فإفتقر إلى الحنكة والتجربة لينتشل البلاد من التفكك والتدهور الإقتصادى الذى أصابها من جراء أعمال والده , وكانت ست الملك تمسك بزمام السلطة الفعليه فى البلاد وإنبعث نفوذ ست الملك من جديد بعد إختفاء الحاكم , وكانت تعطف دائماً على النصارى فكانت تشجعهم علانية بإرسال الهدايا والعطايا للأسقف الملكى مثلاً (1) وعندما ماتت (2) غلب على أمره بعد ذلك ثلاثة شيوخ حكموا البلاد بإسمه زمناً
وكان وزير مصر إسمه على إبن أحمد الجرجانى , والمتولى على خراج الريف إسمه على بن حديد وإشتهر هذا الحاكم بالظلم وملأ السجون بالناس ولم يكتفى بالرجال بل بالنساء ايضاً ويقول إبن المقفع (3)
" أنه قبض على النساء الحبالى وقد ولدوا فى الحبس وهن مسجونات "
وفى سنة 315 هـ - 1025 م أصابت بلاد مصر مجاعة عظيمة وكادت المصيبة تعصف بالبلاد لولا إرتفاع النيل فى سنة 417 هـ 1027م 0
وفى سنه 754 ش قلت مياه النيل فعطشت الأراضى ولم يقم الفلاحين بالزراعه الكثيفة لقلة المياه وتكاثرت الفئران وصارت كالجراد وهاجمت المحاصيل والزرع والكروم وكانوا عند تذريه الأجران ( فصل القمح عن باقى أجزاء النبات ) فكانوا يأخذون الزناجر واليقطينة ( نباتات يضربون بها الفئران) ويحرسوا غلالهم – وذكر واحد من المزارعين حرس جرنه طوال الليل وبه قمح فيه ستة عشر إردب ووجده فى الصباح ستة أرادب فقط وإلتهمت الفئران عشرة أرادب - وآخر إشترى محصول كرم وهو على شجر الكروم دفع لصاحب الكرم أربعة عشر ديناراً وفى اليوم التالى ذهب إلى الأرض التى إشترى محصولها فلم يجد بها محصولاً يساوى درهماً واحداً , وفى أعياد هذه السنة إمتنع الناس من صناعة الكعك والبسكويت خوفا من تسقط الفئران أو
بقاياها فى العجين – وحدث أيضاً أن أحدهم نسى وعاءً من النحاس بها ماء مكشوفة بالليل خارج منزله ولما خرج صباحاً وجد فيها أربعين فأراً غارقين فيها , وذكر آخر أنه جلس ليحرس قمحه ليلاً وبيده شيئاً يضرب به الفئران التى تقترب من قمحة وفى الصباح جمع الفئران الميتة فوجدها مائة وخمسين فئراً
ومن بداية عهد الظاهر بدأت قوة الخلافة الفاطمية فى الإضمحلال وفقد الخلفاء السلطة الفعلية ومسك بالسلطة الوزراء بأهداب السلطة وتسيس أمور البلاد وكان هؤلاء رؤساء الدواوين يتحكمون فى الخليفة وإختيار الخلافاء الضعفاء من أسرة الخليفة المتوفى حتى لا يحاسبهم على أعمالهم ويديرون أمور البلاد فعلياً
وفىعهد الخليفة الظاهر قامت على الوالى متولى الحكم من قبل الخليفة الفاطمى فى مدينة " قَيْساريِةَ " عدة ثورات وكذلك فى أنحاء متفرقة من الشام تغلب عليها جميعاً وأضاف إلى أملاك الخلافة الفاطمية مدينة حلب ومعظم شمالى منطقة الشام 0
=======================
الفصل الأول : الخليفة الفاطمى الظاهر والأقباط
وقال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 70 من 167 ) : " وقام من بعده ابنه: الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسين علي بن الحاكم بأمر الله ولد بالقاهرة يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان سنة خمس وتسعين وثلثمائة وبويع له بالخلافة يوم عيد النحر سنة إحدى عشرة وأربعمائة وعمره ست عشرة سنة فخرج إلى صلاة العيد وعلى رأسه المظلة وحوله العساكر وصلى بالناس في المصلى وعاد فكتب بخلافته إلى الأعمال وشرب الخمر ورخص فيه للناس وفي سماع الغناء وشرب الفقاع وأكل الملوخيا وجميع الأسماك فأقبل الناس على اللهو ووزر له الخطير رئيس الرؤساء أبو الحسن عمار بن محمد وكان يلي ديوان الإنشاء وغيره واستوزره بعده بدر الدولة أبا الفتوح موسى بن الحسين وكان يتولى الشرطة ثم ولي ديوان الإنشاء بعد ابن حيران وصرف عن الوزارة في المحرم سنة ثلاث عشرة وقبض عليه في شوال وقتل فوجد له من العين ستمائة ألف دينار وعشرون ألف دينار وولي بعده الأزارة الأمير شمس الملوك المكين مسعود بن طاهر." أنتهى
وبعد مضى سنوات أى فى عام 418 هـ - 1027 م " وقعت الهدنة مع صاحب الروم , وخطب للظاهر فى بلاده , وأعاد الجامع بالقسطنطينية وعين فيه مؤذناً , وصرح الظاهر للمسيحين بإعادة بناء كنيسة القيامة بالقدس وأَذن لمن أظهر الإسلام فى أيام الحاكم أن يعود إلى نصرانيته فرجع إليه كثير منهم (4)
وهكذا أقر الظاهر حق المسيحين الذين أُجبروا على ترك دينهم بالقوة فى الردة فأصدر سجلاً يقول فيه : " أن الدخول فى دين الإسلام يجب أن يكون إختيارياً لا تحت تأثير القوة " وأن المسيحين أحراراً فى عقائدهم وشعائرهم وأنه لا إكراه فى الدين , وأن من آثر فيهم الدخول فى الإسلام إختياراً من قلبه وهداية من ربه , فليدخل فيه مقبولاً مبراً , ومن آثر البقاء فى دينه من غير إرتداد , كان عليه ذمته وحياته (5) فصرح بمقتضاة النصارى بالعودة إلى عقيدتهم الأصلية (6)
وكانت هذه الأوامر فريدة فى تاريخ الإسلام ويعتبر أهم حادث فى تاريخ وعهد الظاهر هذا بالإضافة إلى أن : " عاد من بلاد الروم جماعة من النصارى
الذين إسلموا وتظاهروا بالنصرانية ولم يتعرض لهم أحد وأُخذ منهم وممن عاد من النصارى بمصر أيضاً جزية من السنة التى إنتهى إستخراجها منهم إلى السنة التى عاد فيها كل واحد منهم (7) " وسمح ايضاً الظاهر للأقباط بالإحتفال بأعيادهم فإحتفلوا بعيد الغطاس وبأن يقيموا الملاهى العامة بهذه المناسبة (8)
وإستعاد الأقباط فى عصرة ثقتهم وبدأوا يعملون فى طمأنينة وينشأون الكنائس فى حرية خاصة وأن وزير الظاهر كان السيد بكر احد أشراف المسلمين محباً للأقباط وهذا ما أكده الرحالة المسلم " ناصرى خسرو" الذى قال عند زيارته لمصر سنة 1035م:" لم أعرف بلاد تتمتع بالأمن والطمأنينة كبلاد مصر . لقد رأيت نصرانياً كان أغنى رجال مصر . لم يستطع أحد أن يحصى عدد المراكب التى كان يملكها ولا أن يقدر عدد أملاكه ولا قيمتها فإستدعاه الوزير وقال له : " إن هذه الحالة فى هذه السنة غير مرضية وتثقل آلام الشعب على حاشية السلطان , قل لنا ماذا تستطيع أن تعطينا من قمح سواء بعته لنا أو أقرضته لنا ؟ " .. فأجاب النصرانى : " الحمد لله أنى – بفضل ثروة السلطان ووزيره , أملك الآن من القمح مقدرة عظيمة حتى أنى أستطيع أن أمد مصر به لمده ست سنوات " (9)
*********************************
وقال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 70 من 167 ) : " وفي سنة إحدى وعشرين بويع لابن الظاهر بولاية العهد وعمره ثمانية أشهر وأنفق على ذلك في خلع لأهل الدولة وطعام ونثار للعامة ما يجل وصفه. وفي سنة ثلاث وعشرين قتل الظاهر أحد الدعاة فاضطربت الرعية والجند وتحدث الناس بخلعه ثم سكنت الفتنة بعد إنفاق مال جزيل. وفي سنة أربع وعشرين ركب ولي العهد من القاهرة إلىمصر وقد زينت الطرقات فكان إذا مر بقوم قبلوا له الأرض ونثر يومئذ على العامة مبلغ خمسة آلاف دينار فكان يومًا عظيمًا. وفي سنة خمس وعشرين بث الظاهر دعاته ببغداد عند اختلاف الأتراك بها فكثرت دعاته هناك واستجاب لهم خلق كثير فلما كان في سنة ست وعشرين كثر الوباء بمصر "
مـــــــــــوت الظاهر
وقال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 70 من 167 ) : " ومات الظاهر للنصف من شعبان سنة سبع وعشرين وأرعمائة عن اثنتين وثلاثين سنة إلا أيامًا فكانت حدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأيامًا وكان مشغوفًا باللهو محبًا للغناء فتأنق الناس في أيامه بمصر واتخذوا المغنيات والرقاصات وبلغوا من ذلك مبلغًا عظيمًا واتخذ حجرًا لمماليكه وعلمهم أنواع العلوم وسائر فنوي الحرب واتخذ خزانة البنود وأقام فيها ثلاثة آلاف صانع وراسل الملوك واستكثر من شراء الجواهر وكانت مملكته بإفريقية ومصر والشام والحجاز وغلب صالح بن مرداس على حلب في أيامه واستولى على مل يليها وتغلب حسان جراح على أكثر بلاد الشام فتضعضعت الدولة
******************************************************************************
المـــــــــــــراجع
(1) الأنطاكى ص 237
(2) كان من بين تركتها أربعه الآف جارية وثلاثون زيراً ( وعاءا ) صينياً مملوءا من المسك السحيق
(3)سيره الأباءالبطاركه – ساويرس إبن المقفع أسقف الأشمونين أعده الأنبا صمؤيل أسقف شبين القناطر وتوابعها طباعة النعام للطباعة والتوريدات رقم اإيداع 17461/ لسنة 1999 ج2 ص 132
(4) الخطط جزء 1 ص 355
(5) د/ كمال سرور – الدولة الفاطمية فى مصر ص 88 و 89 نقلاً عن تاريخ يحى بن سعيد الأنطاكى
(6) الأنطاكى 235- 236
(7) الأنطاكى ص 239
(8) إبن أياس جزء 1 ص58
(9) Sefer Nameh, public,traduit et annotc par ch. Schefer p 155-156
====================
كيف تردت الأوضاع أثناء حكم الخليفة الظاهر
وقال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 70 من 167 ) : " وفيها قرر الشريف الكبير العجمي والشيخ نجيب الدولة الجرجراي والشيخ العميد محسن بن بدوس مع القائد معضاد أن لا يدخل على الظاهر أحد غيرهم وكانوا يدخلون كل يوم خلوة ويخرجون فيتصرفون في سائر أمور الدولة والظاهر مشغول بلذاته وصار شمس الملوك مظفر صاحب المظلمة وابن حيران صاحب الإنشاء وداعي الدعاة ونقيب نقباء الطالبيين وقاضي القضاة ربما دخلوا على الظاهر في كل عشرين يومًا مرة ومن عداهم لا يصل إلى الظاهر ألبتة والثلاثة الأول هم الذين يقضون الأشغال ويمضون الأمور بعد الاجتماع عند القائد معضاد ومنع الناس من ذبح الأبقار لقلتها وعزت الأقوات بمصر وقلت البهائم كلها حتى بيع الرأس البقر بخمسين دينارًا وكثر الخوف في ظواهر البلد وكثر اضطرات الناس وتحدث زعماء الدولة بمصادرة التجار فاختلف بعضهم على بعض وكثر ضجيج العسكر من الفقر والحاجة فلم يجابوا وتحاسد زعماء الدولة فقبض على العميد محسن وضرب عنقه واشتد الغلاء وفشت الأمراض وكثر الموت في الناس وفقد الحيوان فلم يقدر على دجاجة ولا فروج وعز الماء لقلة الظهر فعم البلاء من كل جهة وعرض الناس أمتعتهم للبيع فلم يوجد من يشتريها وخرج الحاج فقطع عليهم الطريق بعد رحيلهم من بركة الجب وأخذت أموالهم وقتل منهم كثير وعاد من بقي فلم يحج أحد من أهل مصر وتفاقم الأمر في شدة الغلاء فصاح الناس بالظاهر: الجوع الجوع يا أمير المؤمنين لم يصنع بنا هذا أبوك ولا جدك فالله الله في أمرنا وطرقت عساكر ابن جراح الفرما ففر أهلها إلى القاهرة وأصبح الناس بمصر على أقبح حال من الأمراض والموتان وشدة الغلاء وعدم الأقواتن وكثر الخوف من الذعار التي تكبس حتى أنه لما عمل سماط عيد النحر بالقصر كبس العبيد على السماط وهم يصيحون: الجوع ونهبوا سائ ما كان عليه ونهبت الأرياف وكثر طمع العبيد ونهبهم وجرت أمور من العامة قبيحة واحتاج الظاهر إلى القرض فحمل بعض أهل الدولة إليه مالًا وامتنع آخرون واجتمع نحو الألف عبد لتنهب البلد من الجوع فنودي بأن من تعرض أحد من العبيد فليقتله وندب جماعة لحفظ البلد واستعد الناس فكانت نهبات بالساحل ووقائع مع العبيد احتاج الناس فيها إلى أن خندقوا عليهم خنادق وعملوا الدروب على الأزقة والشوارع وخرج معضاد في عسكر فطردهم وقبض على جماعة منهم ضرب أعناقهم وأخذ العبيد في طلب الحرحراي وغيره من وجوه الدولة فحرسوا أنفسهم وامتنعوا في دورهم وانقضت السنة والناس في أنواع من البلاء.
وفي سنة ست عشرة أمر الظاهر فأخرج من بمصر من الفقهاء المالكية وغيرهم وأمر الدعاة أن يحفظوا الناس كتاب دعائم الإسلام ومختصر الوزير وجعل لمن حفظ ذلك مالًا.
وفي سنة سبع عشرة ثار بمصر رعاف عظيم بالناس وكثرت زيادة النيل عن العادة وتصدق الظاهر بمائة ألف دينار من أجل أنه سقط عن فرسه وسلم. أنتهى
شروط الهدنة إعادة بناء كنيسة القيامة عودة من أسلم إلى المسيحية أثناء حكم الخليفة الحاكم
وقال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 70 من 167 ) : " وفي سنة ثمان عشرة وقعت الهدنة مع صاحب الروم وخطب للظاهر في بلاده وأعاد الجامع بقسطنطينية وعمل فيه مؤذنًا فأعاد الظاهر كنيسة قمامة بالقدس وأذن لمن أظهر الإسلام في أيام الحاكم أن يعود إلى النصرانية فرجع إليها كثير منهم وصرف الظاهر وزيره عميد الدولة وناصحها أبا محمد الحسن بن صالح الروذبادي وأقام بدله أبا القاسم علي بن أحمد الحرحراي. " إنتهى
وفي سنة عشرين كانت فتنة بين المغاربة والأتراك قتل فيها كثير