Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

مآذن القاهرة

ذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس بها تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
مسجد الشافعي
مآذن القاهرة
لاجين السيفي مسجد مصلوب
سبيل السلطان مصطفى
مسجد المرزوقى الاحمدى
مساجد وسبيل بشارع المعز
مسجد أثر النبى
جامع السلطان حسن
مسجد الحبيبى بحى السيدة
مسجد قايتباى بالقرين بالشرقية
مسجد قجماس الإسحاقى
مسجد المحمودية
مسجد قايتباى
مسجد سادات قريش
جامع الأمير سليمان أغا السلحدار
New Page 6389
New Page 6390
New Page 6391
New Page 6392
New Page 6393
New Page 6394
New Page 6395
New Page 6396
New Page 6397
New Page 6398
New Page 6399
New Page 6400

Hit Counter

 

تجليات مصرية .. مآذن القاهرة

جريدة المصرى اليوم  كتب   جمال الغيطانى    ١٢/ ٩/ ٢٠٠٩

يؤكد البخارى أن المسلمين عندما هاجروا إلى المدينة كانوا يجتمعون «فيتحينون للصلاة، لا ينادى لها، فتكلموا يوماً فى هذا، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أو لا تبعثون رجلاً منكم ينادى بالصلاة.

 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا بلال قم فناد للصلاة...» وكانت المساجد الأولى تخلو من المآذن، كمسجد الكوفة «١٧ هـ ٦٣٨م» والمسجد الجامع بالبصرة «١٦ هـ ٦٣٧ م» وكان مسجد عمرو بن العاص خالياً من أى مئذنة، وكان الناقوس مستخدماً فيه لدعوة الناس إلى الصلاة حتى سنة «٥٣ هـ -٦٧٣ م» وفى البداية أطلقت كلمة «صومعة» أو منارة على المآذن،

 وكانت كلمة صومعة تطلق فى الأصل على صوامع الرهبان المسيحيين، وهى بناء مربع يعلو عن الأرض، وعندما زار الرحالة ابن جبير دمشق وصف ثلاث صوامع بالمسجد الأموى، «كالبرج المشيد»، ولا تزال كلمة صومعة مستعملة فى شمال أفريقيا حتى وقتنا هذا، وربما كان ذلك لأن شكل المآذن لا يزال محتفظاً هناك بصورته المربعة الأولى، أما لفظ «منارة» فهو يعنى المكان الذى ينبعث منه النور أو الضوء، وهذا يعنى أن المئذنة كانت تستخدم فى وقت ما لأغراض أخرى غير الأذان، كإرسال الإشارات إلى السفر، أو إرشاد التائهين فى الصحراء، أما كلمة مئذنة فمشتقة من لفظ «الأذان».

أقدم المآذن

أبن طولون

تقول كتب التاريخ إن أحمد بن طولون كان رجلاً جاداً، لا يضيع جزءاً من وقته فى العبث أو اللهو، وفى أحد الأيام، كان يجلس مع بعض رجال دولته، وكان الحديث حول المسجد الجديد الذى أزمع بناءه فى مدينته الجديدة التى اختطها «القطائع»، ساد صمت، أطرق ابن طولون، وراح يلف ورقة حول أصبعه، انتبه فجأة إلى أنهم ضبطوه فى لحظة عبث، أراد أن يبرهن لهم أنه كان منصرفاً إلى عمل نافع يتدبره، فثبت الورقة على وضعها حول أصبعه، وقال بسرعة:

«اعملوا لى مئذنة على هيئة هذا المخروط...».

ربما تبدو هذه القصة مقنعة لتفسير هذا الشكل الغريب لمئذنة ابن طولون، أقدم مآذن القاهرة، لكن لو عرفنا أن ابن طولون قضى أول حياته فى مدينة سامراء العراقية، قبل أن يفد إلى مصر، وإذا لاحظنا مئذنة جامع سامراء القائمة فى الزيادة الشمالية للمسجد «تماماً كمئذنة ابن طولون» التى لا تتصل بسائر مبنى المسجد، تبدو كأنها منفصلة عنه، ولا ترتبط به إلا بواسطة قنطرة محمولة على عقدين متجاورين.

وكلتا المئذنتين تتكون من قاعدة مربعة تقوم عليها ساق أسطوانية يلف حولها من الخارج سلم دائرى عرضه حوالى ٩٠ سنتيمترا له سور دائرى أيضاً، هناك إذن تشابه بين مئذنة ابن طولون ومئذنة جامع سامراء، وقد زرت كلتا المئذنتين، ولا شك أن كلا منهما توحى بالأخرى، خاصة عند صعود السلم الدائرى، والوصول إلى قمة أى منهما، الفرق أن سلم ملوية سامراء غير مسور أما سلم مئذنة ابن طولون فيحف به سور منخفض.

ولا شك أن مئذنة سامراء كانت ماثلة فى ذهن ابن طولون والمئذنة التى نراها اليوم بنيت فى زمنين مختلفين، نصفها الأسفل المربع، والجزء الأسطوانى من البناء الأصلى. أما الجزء العلوى المكون من طابقين فقد أضافهما السلطان لاجين عام ١٢٩٦ م، ويقال إنه فعل ذلك نتيجة لنذر قطعه على نفسه عندما كان مطارداً، واختبأ فى المسجد قبل اعتلائه كرسى السلطنة وكانت المئذنة وقتئذ مهدمة، تطل برثاء على المسجد الفسيح الساكن، والذى عبر كل الأعاصير والتقلبات ووصل إلى زماننا سالماً.

الحاكم

بالقرب من نهاية شارع المعز لدين الله، قبل وصولنا إلى بوابة الفتوح، أحد أبواب القاهرة القديمة السبعة، يمتلئ الجو برائحة سوق الليمون والزيتون الأخضر ويسد الطريق أمامنا سور القاهرة القديم، تبدو سلالم الحصن الذى يطوق القاهرة، كذلك أماكن وقوف الجند، ومزاغل المراقبة، فى الفراغ تعلو مئذنتا الحاكم بأمر الله، وتحتهما يمتد أكبر مسجد فى مصر، وأكثر المساجد إهمالاً ورثاثة، فوق جزء من فنائه يستقر بناء كالنشاز يضم مدرسة السلحدار الإعدادية، ثم أطلال وخرائب،

وبرغم مظهر الإهمال فإن المكان يعبق برائحة تاريخ قوى لم يول بعد، تاريخ الحاكم بأمر الله، تلك الشخصية الفذة التى أثارت جدلاً لم يهدأ بعد، ترتفع جدران المئذنتين من الأرض، كل منهما تبدأ بقاعدة مربعة ضخمة تميل جدرانها ميلاً خفيفاً مما يذكرنا بالأهرامات المربعات، ما هما إلا معطفان من الحجر، كل منهما يحيط إحدى المئذنتين الأصليتين.

يرتفع المعطف الغربى ٢٤ مترا فوق أرض الشارع، ويتكون من جزأين أولهما يبلغ ارتفاعه ١١ مترا، والطابق الثانى يرتفع ١٤ متراً، أما المعطف الشمالى فيزداد ارتفاع الطابق الأول فيه مترين، وهكذا يبلغ ارتفاعه ٢٦ متراً، ألا يذكرنا شكل المعطفين الحجريين بذلك الوصف الذى دونه عبداللطيف البغدادى لمنارة الإسكندرية، تلك الجدران المائلة، ربما تأثر المهندس الذى أشرف على بنائهما، بشكل المنارة التى كانت قائمة فى ذلك العهد ولم يهدمها الزلزال بعد،

 ربما كان قد تأثر بشكل الأهرامات المصرية، هنا نرصد التميز الذى بدأ فى بناء المآذن المصرية والذى سيستمر تطوره حتى تكتمل جميع عناصره فى عصر السلطنة المملوكية، ندخل إلى المئذنة الشمالية من باب صغير يعلو سور القاهرة القديم الذى بناه بدر الجمالى وأخفى أحد أضلاع هذه المئذنة.

المئذنة من الداخل تتكون من قاعدة مربعة وجسم أسطوانى، وعندما ندخل إلى المئذنة من فوق السور فإننا نصبح محاذين للجزء الأسطوانى، سلم المئذنة يدور حوله، فوق الجدران الخارجية للمئذنة نرى زخارف ونوافذ تحيط بها إطارات زخرفية تتكون من وحدات هندسية مجردة، ووحدات زخرفية أساسها ورق النبات، وفوق السلالم التى تصعد بنا إلى أعلى نلمح زخارف ورقية، مما يوحى لنا بمدى الجهد الذى بذله المنمنمون والمزخرفون فى تزيين المسجد، أثناء صعودنا تفجع آذاننا بأصوات نحيلة، حادة منبعثة من داخل المئذنة،

 إنها الوطاويط، تعشش فى الداخل، تنهش جوف المئذنة، وتلوث بأصواتها السكون النهارى الجليل الذى توحى به سيرة الحاكم صاحب المكان ويقال: إنها ضخمة الحجم الواحد منها فى زنة الأرنب، نصل إلى سطح المئذنة، نصبح بجوار الجزء العلوى، إنه يتنافر مع بقية البناء، لا يمت إليه بأى صلة معمارية، ولا عجب فقد بنى فى فترة متأخرة، بالتحديد فى زمن بيبرس الجاشنكير أحد أمراء المماليك.

حدث فى سنة ١٣٠٣ زلزال عنيف هدم منارة الإسكندرية، وهدم الجزء العلوى من مئذنتى الحاكم بأمر الله، وقام الأمير بيبرس الجاشنكير بإضافة هذين الجزأين، ينتصب القسم العلوى هنا من أربعة طوابق مثمنة. تحيط بالثلاثة العليا منها صفوف من المقرنصات.. وتعلوها قبة المئذنة على شكل مبخرة، إنه نفس شكل المئذنة التى تعلو مسجد بيبرس الجاشنكير والذى يقع فى مواجهة حارة الدرب الأصفر بالجمالية، ويعرف هنا باسم زاوية بيبرس حيث كان يقيم الصوفية والفقراء يرددون الأذكار والأشعار، فى الزمن النائى البعيد، لكن البناء الأصلى، فوق مسجد بيبرس يبدو متسقاً، أما هنا فوق مئذنتى الحاكم فإنه غريب عن البناء الأصلى، لأنه من عصر مختلف، وإذا تجاور زمنان مختلفان تنافرا، واختلفا. يبلغ ارتفاع هذا القسم سبعة عشر متراً، أى أن البناء يرتفع على سطح الأرض ٤٦ متراً.

 مئذنة الجيوشى

وفوق جبل المقطم، بالقرب من مركز السماء تقوم مئذنة الجيوشى «٤٧٢ هـ ١٠٨٥م» فى الشتاء تبدو من خلال الضباب معلقة فى فراغ الكون، وقد اختفى الجبل الذى تقوم إليه فى بحر من اللبن الهائش، تبدو المئذنة وكأنها دعاء تجمد فى طريقه إلى أعلى، أو ابتهال غامض خفى، أو رغبة من العبد فى الوصول إلى الخالق، إنها ثانى المآذن التى وصلتنا من العصر الفاطمى، لقد اختفت مئذنة جامع الأقمر،

 وكان قد بناها الوزير البطائحى فى سنة ١١٢٥م، أما المئذنة الوحيدة التى وصلتنا من القرن الثانى عشر، فهى مئذنة مسجد أبى الغضنفر، وتصور مئذنة الجيوشى مرحلة من تطور المئذنة المصرية، فى أعلاها تلمح عنصراً مهماً من المقرنصات فى صورتها الأولى.. والإفريز الأدنى يشتمل على صف من العقود، وتلك هى المرة الأولى التى تبدو فيها هذه الظاهرة فى عمائر القاهرة، إنها أقدم مئذنة فى ذلك الطراز المعروف باسم المبخرة، وهو طراز استمر مستخدما حتى الربع الثانى من القرن الرابع عشر.

هكذا تتضح معالم المآذن المــصريـــة الأولى. برج مربع ينتهى بشرفة وفوقه طابق آخر مربع، كما يبدو فى مئذنة الجيوشى، لقد اختفى هذا الطابق فيما بعد، واستبدل بطابق مثمن فى مئذنة أبى الغضنفر، فتحت فيه تجاويف مضلعة الرؤوس.. وارتفعت فوق رقبة مثمنة الأضلاع تعلوها خوذة مضلعة، وتلك التى عرفت باسم المبخرة.

الباب الأخضر

بجوار الباب الأخضر لمسجد سيدنا وإمامنا الحسين عليه السلام فى القاهرة شق ضيق فى هذا الجدار القديم المتبقى من البناء الأصلى.

تقول الأسطورة إن رأس الحسين طارت من كربلاء إلى هذا الموضع لمدة أربعين يوماً تسبح بحمد الله، وعندما استقرت هنا رست بجوار سيدة عجوز، أخفت الرأس، جاء جند يزيد إليها عندئذ أخذت رأس ابنها وقدمته إليهم فداء لرأس الحسين، والحى المجاور للمسجد يعرف حتى الآن باسم حى أم الغلام، أما المكان الذى استقرت فيه الرأس فلا يروح العطر منه أبداً.. فوق هذا الشق تقوم مئذنة المشهد التى شرع فى بنائها فى عصر صلاح الدين الأيوبى «٦٣٣ هـ - ١٢٣٦م» ويبدو أن الذى أنفق على تشييدها رجل صالح يدعى أبوالقاسم بن يحيى، إذ يوجد نقش على قاعدة المئذنة نصه:

«بسم الله، أوصى بإنشاء هذه المئذنة المباركة على باب مشهد الحسين تقرباً إلى الله ورفعاً لمنار الإسلام، الحاج إلى بيت الله أبوالقاسم بن يحيى بن ناصر السكرى المعروف بالزرزور تقبل الله منه، وكان المباشر لعمارتها ولده لصلبه الأصغر الذى أنفق عليها من ماله بغية عمارتها خارجاً عما أوصى به والده المذكور وكان فراغها فى شهر شوال سنة أربع وستمائة».

وما تبقى من المئذنة قاعدتها الأيوبية. أما جزؤها العلوى، فقد تهدم، واستبدل به بناء عثمانى فى عصر الاحتلال التركى المتأخر، ويتميز الجزء الأصلى من المئذنة بجوفاته المقرنصة الثلاثة التى تشغلها ثلاث حشوات مطولة تزخر بحشد من الزخارف النباتية المحفورة فى الجص، من الطابع الأندلسى الذى نراه فى قصر الجعفرية بسرقسطة وفى المسجد الجامع بتلمسان. ويعلو كل حشوة طاقة معقودة مقرنصة.. وتشغل الفراغين الواقعين بينهما قوقعتان مقرنصتان.

وإذا ما انتقلنا إلى شارع بين القصرين، وفى منطقة الصاغة، حيث سوق الذهب والفضة، إذا رفعنا البصر سنجد مئذنة مدرسة الصالح نجم الدين أيوب، إنها المئذنة الوحيدة التى تبقت سليمة من العصر الأيوبى.

«أنشأها الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل فى «٦٤٢ هـ - ١٢٤١م»، فى أعلى الباب، بأسفل المئذنة لوحة تشير إلى الشروع فى بناء المدرسة نصها:

«بسملة.. أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة مولانا السلطان الأعظم الملك الصالح نجم الدين محمد بن أبى بكر أيوب فى سنة إحدى وأربعين وستمائة».

فى تلك المئذنة نجد أن الجزء المثمن أصبح مستقلاً وبارزاً بعد أن كان مندمجاً فى مئذنة الجيوشى فى مجموع البناء، وأصبحت المبخرة أكثر وضوحاً، وخلال نصف قرن تلى سقوط الدولة الأيوبية ساد نظام المباخر فى المآذن المصرية، وهو طراز مصرى خالص لم يتكرر فى أى بلد آخر.

ونلاحظ أن شخصية المئذنة المصرية لم تتبلور، ولم تتضح إلا فى العصور التى نعمت فيها مصر بالاستقلال، الدولة الفاطمية، ثم الأيوبية، والسلطنة المملوكية، ومن مآذن العصر المملوكى الأول مئذنة المنصور قلاوون، قبل أن نصل إلى بابها الصغير نعبر ردهة طويلة، عالية السقف، تذكرنا ببهو المعابد الفرعونية، الهواء رطب، إلى اليسار تقوم قبة قلاوون الرائعة، التى استوحى فى تصميمها قبة مسجد الصخرة، والتى يرقد تحتها الناصر والمنصور قلاوون، نصل إلى الباب الصغير الذى يسلمنا إلى سلم دائرى من الحجارة، يستدير حول جسم اسطوانى يمثل لب المئذنة، يدور السلم، تتخلل الجدران فتحات دائرية قصيرة نلمح منها سمك جدران المئذنة الذى يبلغ حوالى المتر، نرى المدينة القديمة، القريبة والمبانى الحديثة الشاهقة عند الأفق.

نصل إلى القاعدة المربعة، حيث ينتابنا الإحساس بالعلو الشاق إذ يرتفع جسم المئذنة النحيل ما يقرب من ارتفاع عمارة حديثة مكونة من اثنى عشر طابقاً، وإذ نستند إلى الحاجز الخشبى للشرفة نستطيع أن نلمح إفريز المقرنصات الذى يحيط بقمة القاعدة المربعة، والذى يرى الباحثون فى زخارفه تأثيرات أندلسية، تلك الزخارف تشبه زخارف مسجد إشبيلية، قد يبدو هذا أكثر وضوحاً فى الطابق الثانى من المئذنة، وفى الطابق الأخير حيث نجد شبكة من المعينات الزخرفية، ربما يرجع هذا إلى زيادة الصلات بين مصر والأندلس، خاصة بعد ظهور مصر كأقوى دولة إسلامية إذ قضت على الخطر المغولى فى عين جالوت «٦٥٨ هـ - ١٢٦٠م». وبروزها بوصفها القوة الرئيسية فى التصدى للخطر الصليبى فى الشام.

من فوق الطابق الثانى للمئذنة، وبنظرة خاطفة نجمع فترة طويلة من الزمن، أمامنا تعلو مئذنة مسجد السلطان برقوق، بقامتها الرشيقة وطوابقها الثلاثة المثمنة وطبقتها الوسطى المزينة بالرخام على هيئة دوائر متقاطعة، وهذه الزخرفة الرخامية تعد الأولى من نوعها فى المآذن المصرية.

يفصل مئذنة قلاوون عن مئذنة برقوق فراغ ليس بكبير إذا قسناه بالأمتار، لكنه من عمر الزمن يبلغ مائة وعشرا من السنين، وسط الفراغ، نلمح مئذنة صغيرة أقل ارتفاعا، إنها مئذنة الناصر محمد بن قلاوون التى تعلو مدرسته، والتى تعلو قاعدتها زخارف جصية رائعة. هذه الزخارف بها تأثيرات أندلسية أيضاً.. فى هذه الساحة تنتصب مآذن قلاوون وبرقوق، كل منها تعبر عن عصر بأكمله، ولكنها فى مجموعها تشكل متحفاً متكاملاً حيا لفن العمارة الإسلامية.

مئذنة السلطان الغورى

وبمرور الزمن يصبح التطور فى المآذن المصرية أكثر وضوحاً، لقد تضاءلت القاعدة المربعة حتى أصبحت مجرد سند لجسم المئذنة وبرز الجزء المثمن، كما نجد فى مئذنتى الماردانى وأقبغا «٧٤٠ هـ - ١٣٤٠م»، ومئذنتى شيخون «٧٥٠ هـ - ١٣٤٩م»، وربما يرجع هذا إلى فيض من التأثيرات السورية التى طرأت على المآذن المصرية بواسطة صناع الشام المهاجرين، نلاحظ أيضاً اختفاء المبخرة، لقد حلت مكانها دائرة صغيرة من الحجر «جوسق» مسحوبة إلى أعلى، وكانت قمة هذه المآذن من الناحية الجمالية والفنية، مئذنة السلطان الأشرف أبى النصر قايتباى «٨٧٧هـ ٨٨٩هـ» وقد استمر هذا الطراز متبعاً بقية العصر المملوكى، وإن كنا نلمح بعض الاضطراب فى التطور،

 ويبدو هذا واضحاً فى مئذنة السلطان الغورى حيث تتعدد الرؤوس فنجد أربعة بدلاً من واحدة، وإذ نقف فى منتصف المسافة بين الغورى والجامع الأزهر نلمح التشابه بين مئذنة الغورى والأخرى التى بناها بجامع الأزهر والتى يعلوها رأسان بدلاً من أربعة، لابد أن المهندس شخص واحد، أراد أن يحدث شكلا من الابتكار، فاستحدث أربعة رؤوس للمئذنة بدلاً من رأس واحد، ولكنه تطور مفاجئ، لا ينم عن أصالة، أو تجديد يستند إلى أصول ثابتة.

مع الغزو العثمانى لمصر تتعرض المآذن المصرية لمحنة، لقد بدأ الاحتلال التركى، ومع الاحتلال يجىء الغازى محاولا فرض طرزه وأسلوبه، وتبدو روح المقاومة فى البناء نفسه، ينعكس الصراع حتى على الحجر.

القلم الرصاص المآذن العثمانية

فى فراغ القاهرة تنتصب مآذن نحيلة، تنطلق إلى أعلى كالحراب، تذكرنا بالمآذن السلجوقية، أو مآذن استانبول، نراها فوق مسجد محمد على بالقلعة والذى بنى فى القرن التاسع عشر، إنه الطراز المعمارى للغازى، مآذن تركية مسحوبة، خالية من الزخارف، متجهمة، خالية. لا توحى بالسلام والدعة والابتهال والمناجاة الصامتة، تلك المعانى التى تتجسد فى المآذن المصرية الأصلية، حتى التى تبدو فيها تأثيرات سورية أو أندلسية، لا أدرى لماذا تذكرنى المآذن العثمانية بالحراب.

لكن يبدو الصراع الذى كان قائماً بين الروح المصرية والمحتل العثمانى فى نماذج أخرى، فى مسجد المحمودية الذى أنشأه محمود باشا والى مصر العثمانى «٩٧٣ هـ ١٥٦٠م» لقد تأثر المهندس بجامع السلطان حسن وجعل المئذنة بارزة عن المسجد، أيضاً شكل قاعدتها، نرى هذا أكثر فى مئذنتى جامع البردينى «١٦١٦م» إذ تبدو المئذنة المصرية واضحة تماماً، كما كانت زمن المماليك الجراكسة.

هنا نرى انعكاس الظروف بسرعة على العمارة، فى زمن محمد بك أبوالدهب «١٧٠٣م» زميل على بك الكبير الذى حاول الاستقلال بمصر عن الدولة العثمانية، وفى مئذنته المواجهة لمآذن جامع الأزهر يبدو الطراز هنا مختلفاً تماماً عن مآذن العصر التركى، إذ إنها تنتمى إلى الطراز السورى المربع، وتنتهى قمتها بخمسة رؤوس ضخمة، والأهالى فى منطقة الأزهر يقولون إن ثمة كنزاً خبيئاً فى هذه الرؤوس، ربما حاول المهندس أن يستوحى مآذن الغورى ذات الرؤوس المتعددة، لكن تستوقفنا ملحوظة غريبة فى تلك المئذنة، إنها تشبه برج الكنيسة فى قامتها المستطيلة، وفى التجاويف العلوية المفتوحة، والتى تذكرنا بمكان الناقوس فى الأبراج الكنسية،

ولكن يبدو أن هذا التأثير مستوحى من المآذن السورية التى تأثرت بأبراج الكنائس عند نشأتها، وخلال القرن التاسع عشر ساد نظام المآذن العثمانية، ولكننا نلاحظ فى المساجد الحديثة محاكاة لمآذن العصور الوسطى المملوكية، وليس هذا لأن تلك العصور شهدت قمة التطور للمئذنة المصرية، ولكن لأن مآذن هذا العصر تعد متكاملة العناصر من الناحية الفنية، والجمالية وأرقى ما وصلت إليه المآذن المصرية.

الغريب أن بعض المساجد المشيدة فى السنوات الأخيرة فى مصر تدير ظهرها للتراث المعمارى المصرى وتستلهم تراث جنوب شرق آسيا، مثل مسجد النور ومسجد الشرطة فى العباسية، إن شخصية العمارة المملوكية أدق تعبير عن الروح المصرية، وعن الكمال أيضاً، وتلك يجب أن تكون مرجعيتنا.

 

 

This site was last updated 09/13/09