مسجد المحمودية

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

مسجد المحمودية بين العمارة المصرية والعثمانية

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس بها تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
مسجد الشافعي
مآذن القاهرة
لاجين السيفي مسجد مصلوب
سبيل السلطان مصطفى
مسجد المرزوقى الاحمدى
مساجد وسبيل بشارع المعز
مسجد أثر النبى
جامع السلطان حسن
مسجد الحبيبى بحى السيدة
مسجد قايتباى بالقرين بالشرقية
مسجد قجماس الإسحاقى
مسجد المحمودية
مسجد قايتباى
مسجد سادات قريش
جامع الأمير سليمان أغا السلحدار
New Page 6389
New Page 6390
New Page 6391
New Page 6392
New Page 6393
New Page 6394
New Page 6395
New Page 6396
New Page 6397
New Page 6398
New Page 6399
New Page 6400

Hit Counter

 

عمارة الوهن.. الصراع بين العمارة المصرية والعثمانية فى مسجد المحمودية
المصرى اليوم 
الاثنين   ١٤   سبتمبر   ٢٠٠٩     عدد    ١٩١٩ كتب   جمال الغيطانى    ١٤/ ٩/ ٢٠٠٩

أ ميدان القلعة «من قبل صلاح الدين، الرميلة، قره ميدان». أخرج من مسجد أمير آخور قانى باى الرماح قاصدًا مسجد المحمودية، أفارق العصر المملوكى المستقل الذى كانت فيه مصر مركز إمبراطورية كبرى تحمى الحرمين والبحرين إلى أن غزاها السفاح العثمانى سليم الأول الذى استبدل التقدم غربا بغزو ديار الإسلام بعد أن يسر له ذلك العلماء والمشايخ التابعون بفتاوى وحجج ملفقة، وكان ذلك فى تقديرى بداية انهيار الدولة العثمانية، بداية الشرخ الذى استمر أكثر من ثلاثة قرون تضعضعت فيها أحوالها، وعرفت مصر خلال ظلام الاحتلال العثمانى أسود مراحل تاريخها، أهينت وانكسرت أرواح المبدعين المصريين بعد أن نهب السفاح العثمانى حضارة كاملة.

لم يحدث ذلك فى تاريخ البشرية، نقل من المصريين فنانى ثلاثة وخمسين فناً قامت على أكتافهم العمارة والفنون فى تركيا ومستعمراتها. منذ حوالى ثلاثين عاماً كنت فى زيارة مدينة مجرية اسمها بيتش، فى هذه المدينة مسجدان من فترة الامبراطورية العثمانية، أحدهما رقيق، حزين، وقفت أقرأ الخط الجميل فوجئت باسم كامل للخطاط محمد إسماعيل المصرى، حدثنى قلبى أنه أحد أبناء هؤلاء الآلاف الذين ساقهم السفاح العثمانى قسرا إلى إستانبول. بدا حرصه على تجويد الاسم وبالتحديد كلمة المصرى. هذه الجريمة العثمانية من الأمور المسكوت عنها فى تاريخنا إلى درجة أننا أطلقنا اسم الغازى مدمر استقلال مصر على شارع مهم بالزيتون،

والطريف المبكى لمن يدرك ويعرف أن الشارع الموازى أطلق عليه اسم السلطان الشهيد طومان باى الذى حارب حتى الرمق الأخير وشنق بشجاعة فى مشهد مهيب حفظه لنا ابن إياس فى بدائع الزهور وقد عاينه بنفسه، هكذا يساوى القائمون على ذاكرتنا بين القاتل والقتيل، أتمنى أن يرفع اسم هذا السفاح العثمانى الذى أهان مصر والمصريين ودمر حضارتها، ليتنا نعى معنى الذاكرة الوطنية ومكوناتها.

قبل دخولى إلى مسجد المحمودية العثمانى أتوقف لأتأمل الشرافات أو العرائس التى تنتهى بها جدران المساجد الشاهقة، أشكال خاصة تختلف من مسجد إلى آخر، لا تتشابه واحدة مع الأخرى، ثمة شرافات على هيئة زهرة الزنبق، وأخرى تستوحى اللوتس، وثالثة تتكون من حدود ثلاثة، أو خمسة أو سبعة.. شفرة غامضة أسعى إلى فكها، فهمها، هذه الشرافات انتقلت من العمارة الإسلامية إلى البندقية، عندما وصلت المدينة أول مرة، وقفت فى أكبر ساحاتها، سان ماركو، أذهلنى التشابه.. جدران المبانى المتساوية تنتهى بشرافات مماثلة تماما لما أراه فى مساجدنا فى مصر، معرض مفتوح لأنواعها والطرزها ومضامينها.

من الشرافات التى تثير عجبى وروعى ودهشتى وتهيئنى لفتوحات روحية فى أغوارى شرافات مسجد ابن طولون، لا مثيل لها فى العالم، تبدو منتمية إلى عصر الفن الحديث أكثر من القديم بتشابكها وامتزاجها وأطلالها على الأرض من ارتفاع وسمو، ربما لا يعرف الكثيرون أن مصمم مسجد ابن طولون قبطى، وأنه أعد نموذجا من الجلد عرضه على القائد سامرائى المولد. أول من استقل بمصر عن مراكز أول خطوة نحو على باشا الكبير ومحمد على باشا مؤسس مصر الحديثة وأعظم من أدرك مفاتيح المصريين وإمكانياتهم الكامنة.

الشرافات، الشرافات، لكم تأملتها، ولكم حيرتنى!

لذلك نجد التفاصيل فى الكنائس، فقط تختلف الرموز، بدلا من النجمة التى تتوسط الطبق النجمى نرى الصليب الدائرى، تعددت المراحل والعقائد لكن الأصل واحد، والفنان واحد، إنه المصرى المبدع الذى لم يتوقف عن العطاء إلا عند انكسار روحه، جرى ذلك زمن الغزو الفارسى المهين، والاحتلال الرومانى، والعثمانى، غير أن الروح كانت تهن ويظل منها قبس يكون جذوة كامنة حتى تواتى الأحوال، تعيين الحدود فكرة مصرية قديمة، نجدها فى مظاهر متعددة، بدءاً من اللوحات التى تحدد النهايات والبدايات، وتلك الأشكال.

هذا شكل من الحجر على هيئة زهرة اللوتس، ما بين الشكل المنحوت من الحجر ومثيله شكل آخر لكن من الفراغ، من الضوء، من الهداء، فراغ.. نعم، ولكن بدون هذا الفراغ لن يكون هذا الشكل من الحجر،

ولذلك أعود إلى الأرض متجهاً إلى هذا المسجد الذى وصلنا من عصر الاحتلال، فى شارع باب الوزير لم أتوقف أمام مسجد خاير بك الذى سماه المصريون «خاين بك»، خاين بك الذى سلم الجيش المملوكى المصرى إلى سليم العثمانى طاعنا أستاذه قنصوة الغورى فى مرج دابق شمال حلب، هاأناذا أتجه إلى مسجد المحمودية، بناه الوالى محمود باشا وكان عسوفا، غشوماً، ولاقى حتفه هنا فى مصر ودفن بها، المسجد نموذج للعمارة المصرية فى أزمنة الهوان وسيادة الأجنبى.

فى أول شهر شوال سنة ٩٧٣هـ - أبريل سنة ١٥٦٦ ميلادية وصل إلى مصر محمود باشا ليتولى الولاية، كانت مصر بعد الغزو العثمانى قد أصبحت ولاية تابعة كأنها محافظة صغيرة، وهذا فى رأيى من كوارث الدهر، كان الولاة العثمانيون الغلاظ يعينون من السلطان العثمانى الذى تحول مع الزمن إلى خليفة بفضل فتاوى وتبريرات العلماء المنافقين، وفقهاء السلطان، كان الولاة يجيئون إلى مصر ليحكموا بلدا لا يعرفونه، همهم الأول أن ينهبوا أقصى قدر من الثروة فى أقل مدة لأنه مؤقت، موظف ظهورات حتى وإن كان بدرجة باشا، وكان لقب الباشا يطلق على الوالى العثمانى فقط، وليس كما هو الحال الآن يطلق على كل من هب ودب، وأصبح يثير السخرية أكثر مما يبعث على الرهبة.

وصل محمود باشا إلى مصر، وخرج وجهاء مصر لاستقباله وبصحبتهم الهدايا الثمينة، خاصة من حاكم الصعيد الأمير محمد بن عمر الذى قدم إليه هدايا ثمينة وتحفا وخمسين ألف دينار، تسلم محمود باشا منه الهدايا ثم غدر به فقتله واستولى على ثروته، تصفه المصادر المعاصرة بأنه كان عسوفاً، ظالماً، شديداً، جائرا فى أحكامه، وقد استولى على أموال كثيرة من الناس.

فى يوم الأربعاء آخر جمادى الأولى سنة ٩٧٥ هـ - ١٥٦٧ م، خرج محمود باشا من القلعة فى موكبه الفخم، وبينما يمر على بركة الناصرية بين البساتين أطلق عليه شخص مجهول النار فأصابه، بالتأكيد أحد المضارين من عسفه وظلمه، أصيب بجرح قاتل لم ينفع معه أى علاج، توفى ودفن فى المسجد الذى نقف على مدخله الآن وأوصى بكل أمواله إلى زوجته.

المسجد نموذج لعمارة التحول من الطراز المملوكى المعبر عن الشخصية المصرية زمن استقلاليتها إلى الطراز العثمانى المكتمل فى المسجد المهيمن على الميدان بسبب الموقع، أعنى مسجد محمد على، أما المهيمن بسلطة الروح وجلال الجمال فهو السلطان حسن.

تدخل إلى ممر يفصل المسجد إلى قسمين، طرقة تصل المدخلين القبلى والبحرى، فى الداخل قاعة مربعة، أربعة عمدان مصرية قديمة من معابد هدمت، تصميمه من الداخل حائر بين المدرسة ذات الإيوانات الأربعة والمساجد التى يكون الأيوان القبلى فيها أجمل الأجزاء، لا هو مدرسة ولا مسجد، الجدار الشرقى يتوسطه محراب بسيط عار من الزخرف، أجرد، هذا هو وهن الروح المبدعة، دائما فى العمارة المصرية يكون المحراب أجمل أجزاء اللحن الخفى.

فوق المحراب الفقير نافذة من جص مكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله».

بجواره منبر من الخشب، له درابزين من الخشب الخرط، كل التفاصيل توحى بالفقر، الفقر الإبداعى، باستثناء شبابيك من زجاج معشق بالجص، ألوانه جميلة ولكن أين ذلك من نوافذ الماردينى والإسحاقى وقايتباى، نلاحظ انتفاضة الروح المصرية فى بعض أجزاء أخرى مثل السقف الذى قسم إلى أجزاء مستطيلة مذهبة، لها إزاء كبير مكتوب عليه آيات قرآنية بحروف بيضاء تتخللها فروع ذهبية منها آية الكرسى وقوله تعالى:

«إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وأتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين».

أما سقف المنور فمكتوب بخط جميل ما نصه:

«بسم الله الرحمن الرحيم (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قال صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا فى الجنة أوسع منه)، أمر بإنشاء هذا المسجد المعمور من فيض ماله المبرور المقام العالى واسطة عقد اللآلى أمير الأمراء الكرام كبير الكبراء الفخام فكان ابتداؤه وتاريخه بحكم منشئه الأول المبدى ٩٧٥ وانتهاؤه بمعاونة له من الرتب على أنه بر للرضا للقوة (بياض) لأغلبية وأول (بياض) والإكرام المختص (بياض) حضرة الأمير الباشا محمود راجيا من كرم الله القبول والرضا من فضله العفو مرتضى تقبل الله».

طبعا أتذكر القول المعاصر للمصريين «بفلوسه»، ولكننى أنثنى لأقول، ليتها فلوسه، فقد نهب نهبا كثيرا ومن محصلة أموال المصريين بنى هذا المسجد، وهذه حالة شائعة فى مصر حتى الآن، إذ يقدم اللصوص الكبار على بناء المساجد والمنشآت الخيرية تقربا إلى المصريين أو - وهذا هو الأرجح - كمحاولة للتكفير عن ذنوبهم التى اقترفوها والأموال التى جمعوها، وكم من جمعيات خيرية الآن ومساجد يبنيها بعض الذين يتصدرون الواجهة الاجتماعية ومنهم أعضاء مجلس شعب وأصحاب أنشطة مرموقون، كان الدين ومازال من وسائل التقرب، وتجميل الصورة لمعرفة حب المصريين للتدين ومشاعرهم العميقة تجاه الذين يقدمون على أعمال الخير عموماً.

لاقى محمود باشا حتفه ودفن فى مسجده، نلاحظ أن دكة المبلغ تتوسط الجدار الغربى محملة على كوابيل حجرية، تعلوها مجموعة من الشبابيك التى نرى فيها زجاجاً ملوناً جميلاً معشقاً بالجص.

نخرج إلى الساحة المحيطة بالمسجد، نوافذ تطل على الميدان، الجدران من لونين، أبيض وأحمر.

النظام المعروف بالأبلق، هذا من بقايا العمارة المملوكية، شيئًا فشيئا سيجرى تحول إلى العمارة العثمانية أحادية اللون والطراز، الأقرب إلى الكاتدرائيات، فكلها مستوحاة من كنيسة أياصوفيا العملاقة التى حاول السلاطين العثمانيون مواجهتها بجامع السلطان أحمد المعروف بالأزرق، والذى لم تخطئ عينى آثار الفنانين المصريين فيه، خاصة الخط والزخرفة، للأسف أهملنا نحن فى الخط وتبناه الأتراك المعاصرون، بحيث أصبحت إستانبول الآن مركزاً للخط العربى، ويرجع الفضل فى ذلك إلى أكمل حسان أوغلو مدير منظمة المؤتمر الإسلامى الآن، ومن قبل تولى لفترة طويلة مركز الفنون «أراسكا»، فى إستانبول ونهض به، وهو مولود فى مصر، وأبوه مدفون فى ثراها، تعرفت إليه فى الستينيات بمكتب الأستاذ يحيى حقى- رحمه لله.

فى المساجد التى شيدت فى العصر العثمانى سوف نلاحظ تسيد اللون الرمادى، تماما كما هو الأمر فى إستانبول، إضافة إلى الاعتماد على مركزية البناء، إذا أردنا أن نعرف الفرق بين المنظورين المعماريين فلندخل السلطان حسن ومن بعده مسجد الرفاعى أو العكس، وإن كان المهندس النمساوى هيرتس باشا مصمم الرفاعى حاول أن يمنحه من الخارج بعضا من خطوط العمارة المصرية المملوكية، خاصة فى المآذن وزخرفة المداخل، لكنه من الداخل مسجد عثمانى، حاول أن يجرى مواجهة مع السلطان حسن بحيث يضاهيه ولكن شتان، شتان.

نرى القاعدة الأسطوانية التى تنبثق منها المئذنة عثمانية الطراز، الخالية من الزخرف، مئذنة القلم الرصاص وتبدو واضحة فى شكلها العثمانى الجاف الذى يذكرنا بحراب الحرب وليس بالسمو، تبدو واضحة فى مآذن مسجد محمد على، فى إستانبول كلها لا يوجد إلا طراز واحد من المساجد، طراز واحد من المآذن، كأنها نسخ مكرورة، معادة، الفرق فقط فى الحجم. فى مصر لا يوجد مسجد يشبه الآخر، لا توجد مئذنة تكرر الأخرى،

القاعدة الأسطوانية تحت المئذنة مقتبسة من السلطان حسن، مرة أخرى، ما أبعد الفارق! لا يمكن المقارنة، لا فى الهيبة ولا فى الحجم، المئذنة قريبة من الطراز العثمانى، القبة قاعدتها جميلة، لكن القاعدة لا تتناسب مع القبة، لم أعرف قبة بهذا الهزال والفقر كأنها برتقالة جفت، هذا طبيعى، فمصر المبدعة لم تعد فى هذه الآونة هى مصر المملوكية المستقلة، فلنقارن بالبصر بين ثراء وجمال وروعة قبة قانى باى الرماح على بعد أمتار، وبين فقر قبة محمود باشا، قبة خلو من أى زخرف، ضعيفة، فى لوحات الخط الجميلة، والنوافذ الجصية المعشقة بالزجاج الملون. نرى انتفاضات الروح المصرية، كذلك نرى انطفاءها فى هزال البنيان، لا شىء - كما أكرر مراراً - يكسر روح المصريين إلا الإهانة والعسف وجهل القائمين على أمورها بقيمتها وقيمة شعبها.

إن المساجد والتكايا والزوايا والخانات وما تبقى من عصور مختلفة، ليست عمارة من أحجار وزجاج وخشب وجص وما تيسر، إنها تاريخ حى ماثل أمامنا، تاريخ لمراحل الصعود، ولمراحل الانهيار

 

 

 

This site was last updated 09/15/09