ولد أبو داود أبو داود سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن عامر سنة اثنتين ومائتين . كذا أسماه عبد الرحمن بن أبي حاتم . وقال محمد بن عبد العزيز الهاشمي : سليمان بن الأشعث بن بشر بن شداد . وقال ابن داسه وأبو عبيد الآجري : سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد . وكذلك قال أبو بكر الخطيب في "تاريخه" . وزاد : ابن عمرو بن عمران . الإمام , شيخ السنة , مقدم الحفاظ أبو داود , الأزدي السجستاني , محدث البصرة ، مات في شعبان من سنة عشرين, ومات عثمان قبله بشهر .
أبو بكر عبد الله بن أبي داود، الذي قال فيه الذهبي: ((الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد أبو بكر السجستاني صاحب التصانيف))(1).
والسجستاني: بكسر السين المهملة والجيم وسكون السين الثانية وفتح التاء المثناة من فوقها وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى سجستان، الإقليم المشهور إلى جنوبي خراسان، والمزاحم للهند.
كما تقدم منه عند الكلام في حديث الطير أنه قال في حقه: ((والرجل فمن كبار علماء الإسلام، ومن أوثق الحفاظ)) .
وقال أيضاً ((وقد ذكره أبو أحمد بن عدي في كامله، وقال: لولا أنا شرطنا أن كل من تكلم فيه ذكرناه لما ذكرت ابن أبي داود))(2).
هذا الرجل قد رمي بالنصب، ويشهد له ما تقدم في حديث الطير من تعقيبه الفظيع على الحديث المذكور. وما تقدم عند الكلام في طعن الأقران بعضهم في بعض من أنه قد أنكر حديث الغدير المتواتر المشهور.
وكذا ما رواه في حق أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) من الخبر الفظيع، فقد قال ابن عدي: ((سمعت محمد بن الضحاك بن عمرو بن أبي عاصم النبيل يقول:أشهد على محمدبن يحيى بن مندة بين يدي الله أنه قال لي: أشهد على أبي بكر بن أبي داود بين يدي الله أنه قال لي: روى الزهري عن عروة، قال: كانت قد حفيت أظافير علي من كثرة ما كان يتسلق على أزواج رسول الله (صلى الله عليه و سلم) ))(3).
نشأته :
نشأ أبو داود رحمه الله محبا للعلم شغوفا به، وكان همه منذ نعومة أظافره طلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدوينه، وقد بدت عليه أمارات النجابة منذ صباه، حتى إنه وهو في أيام حداثته وطلب الحديث جلس في مجلس بعض الرواة يكتب، فدنا رجل إلى محبرته وقال له: أستمد من هذه المحبرة، فالتفت إليه وقال: أما علمت أن من شرع في مال أخيه بالاستئذان فقد استوجب بالحشمة الحرمان، فسمي ذلك اليوم حكيماً.
ولشغفه الكبير بالعلم وحبه له فقد كان له كم واسع وكم ضيق، فقيل له: يرحمك الله ما هذا؟! فقال: الواسع للكتب والآخر لا نحتاج إليه.
وكان يشبه الإمام أحمد بن حنبل في هديه ودله وسمته، حتى قال بعض الأئمة: كان أبو داود يشبه بأحمد بن حنبل في هديه ودله وسمته، وكان احمد يشبه في ذلك بوكيع، وكان وكيع يشبه في ذلك بسفيان، وسفيان بمنصور، ومنصور بإبراهيم، وإبراهيم بعلقمة، وعلقمة بعبد الله بن مسعود، وقال علقمة: كان ابن مسعود يشبه بالنبي صلى الله عليه وآله في هديه ودله.
وقد قال عنه ابن خلكان: كان في الدرجة العالية من النسك والصلاح
يقول الذهبي بعد أن نقل ذلك عن ابن عدي : ((وابن أبي داود إن كان حكى هذا فهو خفيف الرأس، فلقد بقي بينه وبين ضرب العنق شبر، لكونه تفوه بمثل هذا البهتان، فقام معه وشد منه رئيس أصبهان محمد بن عبد الله بن حفص الهمداني الذكواني، وخلصه من أبي ليلى أمير أصبهان، وكان انتدب له بعض العلوية خصماً، ونسب إلى أبي بكر المقالة. وأقام عليه الشهادة محمد بن يحيى بن مندة الحافظ، ومحمد بن العباس الأخرم، وأحمد بن علي بن الجارود. واشتد الخطب، وأمر أبو ليلى بقتله، فوثب الذكواني، وجرح الشهود مع جلالتهم ... وكان الهمداني الذكواني كبير الشأن، فقام وأخذ بيد أبي بكر، وخرج به من الموت...))(4).
الشيوخ الذى تعلم منهم
أخذ الامام ابو د اود علوم الحديث وغيرها من خيرة المشايخ فتعلم عن العراقيين والخراسانيين و الشاميين والبصريين والحجاز والمصرين وكان من ابرزهم:
1-عثمان بن ابي شيبة . 2-ابي داود الطيالسي . 3-عبد الله بن مسلمة التعنبي . 4-مسدد بن مسرهد . 5-يحيى بن معين . 6-احمد بن حنبل . 7-سليمان بن حرب . 8-احمد بن يونس.وغيرهم
تلاميذه:
من أشهرهم:
1-ابنه ابو بكر عبد الله بن ابي داود . 2-ابو عبد الرحمن النسائي . 3-احمد بن محمد الخلال . 4-ابو علي محمد بن احمد الؤلؤي . 5-احمد بن سليمان النجار وهو آخر من روى عنه في الدنيا.
أما وثاقته وحفظه وجلالته التي يصر عليها ابن عدي والذهبي، فيكفي فيها مواقفه هذه من أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وما سبق عند الكلام في طعن الأقران بعضهم في بعض عن أبيه من أنه كان يقول: ((ابني عبد الله كذاب))، حتى قال ابن صاعد الذي يوثقه الذهبي أيضاً: ((كفانا ما قال فيه أبوه)).
وقال أبوه أيضاً: ((من البلاء أن عبد الله يطلب القضاء))(5). وقال إبراهيم بن أرومة الأصبهاني: ((أبو بكر بن أبي داود كذاب))(6).
وقال ابن عدي: ((سمعت أبا القاسم البغوي وقد كتب إليه أبو بكر بن أبي داود رقعة يسأله عن لفظ حديث لجده. فلما قرأ الرقعة قال: أنت عندي والله منسلخ من العلم))(7).
مؤلفاته:
كان أبو داود رحمه الله من المكثرين في التأليف وبالذات في فنون علم الحديث رواية ودراية، فمن مؤلفاته: دلائل النبوة، وكتاب التفرد في السنن، وكتاب المراسيل، وكتاب المسائل التي سئل عنها الإمام أحمد، وله أيضا ناسخ القرآن ومنسوخه، وغيرها
تصنيفه للسنن:
سكن الامام ابو داود مدينة البصرة وقدم بغداد غير مرة وحدث بكتاب السنن بها ويقال :إنه صنفه بها وعرضه على الامام احمد بن حنبل فاستجأره واستحسنه.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى حدثني ابو بكر محمد بن علي بن إبراهيم القارئ الدينوري من لفظه قال سمعت ابا الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن القرصى قال سمعت ابا بكر بن داسة يقول سمعت ابا داود يقول سمعت ابا داود يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة الف حديث انتخبت منها ما ضمنته كتاب السنن جمعت فيه اربعة آلاف حديث وثمنمائة حديث.
وقد رتب أبو داود كتابه على كتب وأبواب، فشمل خمسة وثلاثين كتابًا، وواحدا وسبعين وثمانمائة وألف (1871) باب.
وفي "السنن" لم يقتصر أبو داود على الصحيح، بل خَرَّج فيه الصحيح، والحسن، والضعيف، وقد وضح منهجه فيه فقال: ذكرت في كتابي الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، قال: وما كان فيه وهن شديد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض.
وقد اختلفت الآراء في قول أبي داود: "وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح" هل يستفاد منه أن ما سكت عليه في كتابه هل هو صحيح أم حسن؟ وقد اختار ابن الصلاح والنووي وغيرهما أن يحكم عليه بأنه حسن ما لم ينص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن.
وقد تأمل العلماء سنن أبي داود فوجدوا أن الأحاديث التي سكت عنها متنوعة، فمنها الصحيح المخرج في الصحيحين، ومنها صحيح لم يخرجاه، ومنها الحسن، ومنها أحاديث ضعيفة أيضًا لكنها صالحة للاعتبار ليست شديدة الضعف، فتبين بذلك أن مراد أبي داود من قوله "صالح" المعنى الأعم الذي يشمل الصحيح والحسن، ويشمل ما يعتبر به ويتقوى لكونه يسير الضعف. وهذا النوع يعمل به لدى كثير من العلماء، مثل أبي داود وأحمد والنسائي، وإنه عندهم أقوى من رأي الرجال.
وفاته:
توفي الامام ابو داود السجستاني في مدينة البصرة يوم الجمعة لاربع عشرة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين عن ثلاث وسبعين سنة
وصلى عليه عباس بن عبد الواحد الهاشمي ، ودفن الى جانب قبر الامام سفيان الثوري.
************************************
المـــــــــــراجع
(1) سير أعلام النبلاء ج:13 ص:221 ـ 222 في ترجمة أبي بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث.
(2) سير أعلام النبلاء ج:13 ص:227 ـ 228 في ترجمة أبي بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث.
(3) الكامل في ضعفاء الرجال ج:4 ص:266 في ترجمة عبدالله بن سليمان بن الأشعث. ونقلها عنه كل من ابن النجار البغدادي في المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ج:2 ص:116.
وكذلك نقلها كل من الذهبي في ميزان الاعتدال ج:4 ص:113 ـ 114 في ترجمة عبدالله بن سليمان بن الأشعث، وفي تذكرة الحفاظ ج:2 ص:771 في ترجمة ابن أبي داود الحافظ، وفي سير أعلام النبلاء ج:13 ص:229 في ترجمة أبي بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث، وابن حجر في لسان الميزان ج:3 ص:294 في ترجمة أبي بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث السجستاني، ولكن فيها بدل (علي) (فلان).
(4) سير أعلام النبلاء ج:13 ص:229 في ترجمة أبي بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث.
(5) سير أعلام النبلاء ج:13 ص:228 في ترجمة أبي بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث.
(6) سير أعلام النبلاء ج:13 ص:228 في ترجمة أبي بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث.
(7) سير أعلام النبلاء ج:13 ص:228 في ترجمة أبي بكر عبدالله بن سليمان بن الأشعث