على مبارك باشا

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

على مبارك باشا

هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
وزراء وزارة الرى

Hit Counter

 

من هو على مبارك باشا ؟

يطلق المؤرخون لقب أبو التعليم في مصرعلى  صاحب النهضة التعليمية فى مصر علي مبارك باشا , وقد اقترن اسم علي مبارك في تاريخ مصر الحديث بالنهضةالعملية والعمران، وقد أشتهر بالدراسة المتأنية، والنظر الممعن , والعمق فى بحث المشروعات والمواضيع ، ثم يبذل الجهد الوافر للمرحلة التالية فى تنفيذها وهكذا نجح فى تخليد اسمه على صفحات تاريخ مصر الحديث  .

تاريخ حياته

ولد على مبارك فى عام 1824م فى قرية برنبال الجديدة من أعمال مركز دكرنس بمديرية الدقهلية سنة 1239 هـ / 1824م، والده هو الشيخ مبارك بن سليمان بن إبراهيم الروجي  وتلقى تعليمه الابتدائي فى كتاب القرية وحفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة.

وكان النظام الملكى يقضى بالأستفادة من المتفوقين من أبناء مصر لتكملة تعليمهم فأدي تفوقه فى  التعليم الابتدائي إلى اختياره للتعلم فى مدرسة القصر العيني التجهيزية التى كان نظام الدراسه فيها داخلي ويحكمها النظام العسكري الصارم سنة 1251هـ /1835م وهكان يبلع من العمر الثانية عشرة من عمره.

 وبعد مضى عام ألغيت مدرسة الجهادية من القصر العيني ، واختصت مدرسة الطب بهذا المكان ، وانتقل علي مبارك مع زملائه إلى المدرسة التجهيزية بأبي زعبل حيث أمضى علي مبارك في مدرسة أبي زعبل ثلاث سنوات من الدراسة فيها .

وفى سنة 1255 هـ / 1839م اختير مع مجموعة من المتفوقين للالتحاق بمدرسة المهندسخانة في بولاق وكان ناظرها مهندس فرنسي أسمه "يوسف لامبيز بك"، كان يديرها فى ذلك الوقت محمود باشا الفلكي ومكث علي مبارك في المدرسة خمس سنوات درس في أثنائها الجبر والهندسة والطبيعة والكيمياء والمعادن والجيولوجيا، والميكانيكا والديناميكا، والفلك، ومساحة الأراضي الميكانيكا والديناميكا والهيدروليكا والطبوغرافيا وغيرها، وتخرج منها سنة 1260هـ / 1844م  بتفوق، إذ كان أول دفعته باستمرار.

على مبارك فى فرنســـــــــا

 وفى سنة 1260هـ / 1844م اختير علي مبارك ضمن مجموعة من الطلاب المتفوقين للسفر إلى فرنسا في بعثة دراسية , وهذه البعثة كان بها أربعة من أمراء بيت محمد علي : اثنين من أبنائه ، واثنين من أحفاده ، أحدهما كان إسماعيل بك إبراهيم ، الذي صار بعد ذلك الخديوي إسماعيل ، ولذا أطلق المؤرخون على هذه البعثة اسم بعثة الأنجال , وفى فرنسا إستطاع أن يتعلم الفرنسية حتى أتقنها فى وقت قصير

 وبعد أن قضى ثلاث سنوات في المدرسة المصرية الحربية بباريس، وظل على مبارك خمس سنوات دارسا للعلوم العسكرية ثم التحق بكلية "متز" سنة 1263 هـ / 1847م  لدراسة المدفعية والهندسة الحربية، وظل بها عامين ، التحق بعدهما بالجيش الفرنسي للتدريب والتطبيق العملية ، ولم تطل مدة التحاقه ؛ وعندما توفي محمد على باشا سنة 1849م تولى عباس الأول الذي تولى حكم مصــر في 27 من ذي الحجة 1264هـ / 24 من نوفمبر 1848م  إذ صدرت الأوامر بعودة علي مبارك واثنين من زملائه الملتحقين بالجيش، استدعيت البعثة كلها إلى مصر  فعادوا إلى جميعًا إلى مصر سنة 1267هـ / 1851م .

على مبارك وعهد عباس الأول

وعندما تولي عباس باشا حكم مصر عين على مبارك معلما بمدرسة المدفعية بطره ثم رقي إلى وظيفة مراقب على امتحانات الهندسة بالأقاليم مع أثنين من زملائه المتفوقين , وأشرف على صيانة القناطر الخيرية ، وكان يقوم معهما بما يكلفون به من أعمال الهندسة  حتى أحيل عليهم مشروع "لامبيز بك" الذي كُلّف بإعداد خطة لإعادة تنظيم ديوان المدارس وتخفيض أعباء الإنفاق ، فعرض على عباس الأول مشروعًا لتنظيم المدارس تبلغ ميزانيته مائة ألف جنيه، فاستكثر عباس الأول المبلغ ، وأحال المشروع إلى علي مبارك وزميليه ، وكلفهم بوضع مشروع أقل نفقة , فوضع مشروعًا لإعادة تنظيم المدارس تبلغ ميزانيته خمسة آلاف جنيه، وتقدم به هو وزميلاه إلى عباس الأول الذي أدى إلى تخفيض الإنفاق ، وكلف علي مبارك بنظارة المدارس وتنفيذ المشروع والإشراف عليه، ومنحه رتبه "أميرلاي"، وكان مشروعه يقوم على تجميع المدارس كلها في مكان واحد وتحت إدارة ناظر واحد ، وإلغاء مدرسة الرصدخانة لعدم وجود من يشرف عليها من المصريين وإرجاء فتحها حتى تعود البعثة التي اقترح إرسالها إلى أوروبا فتديرها.
وبعد أن تولى إدارة ديوان المدارس أعاد ترتيبها وفق مشروعه، وعين المدرسين ، ورتّب الدروس ، واختار الكتب ، واشترك مع عدد من الأساتذة في تأليف بعض الكتب المدرسية، وأنشأ لطبعها مطبعتين، وباشر بنفسه رعاية شئون الطلاب من مأكل وملبس ومسكن، وأسهم بالتدريس في بعض المواد، واهتم بتعليم اللغة الفرنسية حتى أجادها الخريجون.

على مبارك وعهد سعيد باشا وأعماله فى تركيا

 وعندما تولي سعيد باشا الحكم عام 20 من شوال 1270هـ / 16 من يوليو 1854م عزله عن منصبه وعن نظارة مدرسة المهندسخانة بفعل الوشاة أرسل مع الجيش المصري التي تشارك مع الدولة العثمانية في حربها ضد روسيا إلى حرب القرم  حيث أنتصرت القوات العثمانية

وظل على مبارك فى تركيا سنتين ونصف سنة وبالرغم من الرجل أبعد عن مصر عن طريق الوشاية إلا أن نشاطه لم يتوقف ، فأقام منها في إستانبول أربعة أشهر، تعلم في أثنائها اللغة التركية، ثم ذهب إلى منطقة القرم وأمضى هناك عشرة أشهر، واشترك في المفاوضات التي جرت بين الروس والدولة العثمانية، ثم ذهب إلى بلاد الأناضول حيث أقام ثمانية أشهر يشرف على الشئون الإدارية للقوات العثمانية المحاربة، وينظم تحركاتها، وأقام مستشفى عسكري بالجهود الذاتية لعلاج الأمراض التي تفشت بين الجنود، لسوء الأحوال الجوية والمعيشية ، وبعد عودته إلى القاهرة فوجئ بأن "سعيد" باشا سرح الجنود العائدين من الميدان، وفصل كثيرًا من الضباط، وكان علي مبارك واحدًا ممن شملهم قرار إنهاء الخدمة.

ثم  وأخيرا كمهندس مقيم لجزء من مصر العليا .

من نظارة المعارف إلى معلم لمحو الأمية
عزم علي مبارك بعد فصله من وظيفته على الرجوع إلى بلدته برنبال والاشتغال بالزراعة ، إلا أنه عين كوكيل فى نظارة الجهادية ، وتقلّب في عدة وظائف مدنية، ولا يكاد يستقر في وظيفة حتى يفاجأ بقرار الفصل والإبعاد دون سبب ، ثم التحق بمعية سعيد دون عمل يتناسب مع قدرته وكفاءته ، وحدث أن طلب سعيد من "أدهم باشا" الإشراف على تعليم الضباط وصفّ الضباط القراءة والكتابة والحساب ، احتاج أدهم باشا إلى معلمين للقيام بهذه الوظيفة ، وسأل علي مبارك أن يرشح له من يعرف من المعلمين الصالحين لهذا المشروع ، فإذا بعلي مبارك يرشح نفسه لهذا العمل ، وظنّ أدهم باشا أن علي مبارك يمزح!! فكيف يقبل من تولّى نظارة ديوان المدارس أن يعمل معلمًا للقراءة والكتابة؟! لكن علي مبارك كان جادًا في استجابته ، وعزز رغبته بقوله له: "وكيف لا أرغب انتهاز فرصة تعليم أبناء الوطن، وبث فوائد العلوم؟! فقد كنا مبتدئين نتعلم الهجاء ، ثم وصلنا إلى ما وصلنا إليه".
ولما عرض أدهم باشا الأمر على سعيد أسند الإشراف على المشروع لعلي مبارك ، فكون فريق العمل ، ووضع المناهج الدراسية وطريقة التعليم، واستخدم كل وسيلة تمكنه من تحقيق الهدف، فكان يعلّم في الخيام، ويتخذ من الأرض والبلاط أماكن للكتابة، ويكتب بالفحم على البلاط، أو يخط في التراب، فلما تخرجت منهم دفعة، اختار من نجبائهم من يقوم بالتدريس، ثم أدخل في برنامج التدريس مادة الهندسة، ولجأ إلى أبسط الوسائل التعليمية كالعصا والحبل لتعليم قواعد الهندسة، يجري ذلك على الأرض حتى يثبت في أذهانهم، وألّف لهم كتابًا سماه "تقريب الهندسة".. وهكذا حول هذا المعلم المقتدر مشروع محو الأمية إلى ما يقرب من كلية حربية.
وما كادت أحواله تتحسن وحماسه للعمل يزداد حتى فاجأه سعيد باشا بقرار فصل غير مسئول في ذي القعدة 1278هـ / مايو 1862م

على مبارك وعهد الخديوي إسماعيل باشا

وعندما تولي الخديوي إسماعيل باشا حكم مصر سنة 27 من رجب 1279هـ= 18 من يناير 1863م وكان قد زامل علي مبارك في بعثة الأنجال ، فاستدعاه فور جلوسه على عرش البلاد ، وألحقه بحاشيته ، وعهد إليه قيادة مشروعه المعماري العمراني ، بإعادة تنظيم القاهرة على نمط حديث: بشق الشوارع الواسعة، وإنشاء الميادين، وإقامة المباني والعمائر العثمانية الجديدة، وإمداد القاهرة بالمياه وإضاءتها بالغاز، ولا يزال هذا التخطيط باقيًا حتى الآن في وسط القاهرة، شاهدا على براعة علي مبارك وحسن تخطيطه.

وفى سنة 1868م عين ناظرا للمعارف وفى نفس الوقت ناظرا للأشغال ثم عهد إليه بنظارة عموم الأوقاف ، ومن آجل أعمال على مبارك هو إنشائه لمدرسة دار العلوم التى أسسها سنة 1872م وكان الغرض الأصلي من إنشائها تخريج أساتذة للغة العربية والآداب للمدارس الابتدائية كما أسس دار الكتب سنة 1870م كما قام بإنشاء مجلة " روضة المدارس " على نفقة وزارة المعارف .

وأسند إليه إلى جانب ذلك نظارة القناطر الخيرية ليحل مشكلاتها، وأصبح مسئولا عن مشروع إعادة توجيه مياه النيل من فرع رشيد . فنجح في ذلك وتدفقت المياه إلى فرع النيل الشرقي لتحيي أرضه وزراعاته ، فكافأه الخديوي ومنحه 300 فدان، ثم عهد الخديوي إليه بتمثيل مصر في النزاع الذي اشتعل بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس، فنجح في فض النزاع ؛ الأمر الذي استحق عليه أن يُكّرم من العاهلين: المصري والفرنسي.
وفي 13 من جمادى الآخرة 1283هـ / 23 من أكتوبر 1866م  أصدر الخديوي قرارً بتعيينه وكيلا عامًا لديوان المدارس، مع بقائه ناظرًا على القناطر الخيرية، وفي أثناء ذلك أصدر لائحة لإصلاح التعليم عُرفت بلائحة رجب سنة 1284هـ /1868م  ثم ضم إليه الخديوي ديوان الأشغال العمومية، وإدارة السكك الحديدية، ونظارة عموم الأوقاف، والإشراف على الاحتفال بافتتاح قناة السويس.
أشهر كتبه التى ألفها
وقد قام على باشا مبارك بتأليف عدة كتب منها " تنوير الأفهام فى تغذى الأجسام " طبع سنة 1872م ، و " نخبة الفكر فى تدبير نيل مصر ، وكتاب " علم الدين " وأخر مؤلفاته كانت كتاب " آثار الإسلام فى المدينة والعمران " كتب مدرسية منها: تقريب الهندسة، وحقائق الأخبار في أوصاف البحار، وتذكرة المهندسين، والميزان في الأقيسة والمكاييل والموازين. ،وله كتاب "علم الدين" وهو موسوعة ضخمة حوت كثيرًا من المعارف والحكم، ويقع في أربعة أجزاء، تحوي على 125 مسامرة، كل واحدة تتناول موضوعًا بعينه كالبورصة، والنحل وأوراق المعاملة، والهوام والدواب.

أما أشهر كتبه وأهمها موسوعتها العظيمة " الخطط التوفيقية الجديدة " التى جعلته مؤرخا يعتد به وتتألف من عشرين جزءا أفرد فيها المؤلف الأجزاء الستة الأولي للقاهرة الجزء السابع لمدينة الإسكندرية أما الأجزاء الأخرى فلباقي مدن مصر ، يتناول مدن مصر وقراها من أقدم العصور إلى الوقت الذي اندثرت فيه أو ظلت قائمة حتى عصره، واصفًا ما بها من منشآت ومرافق عامة مثل المساجد والزوايا والأضرحة والأديرة والكنائس وغير ذلك.

 

وفاته

 وكان آخر مناصب علي مبارك هو نظارة المعارف في وزارة رياض باشا ، وأستقال سنة 1309هـ / 1891م  لزم بيته ، ثم سافر إلى بلده لإدارة أملاكه ، حتى مرض ، فرجع إلى القاهرة للعلاج ، فاشتد عليه المرض حتى وافته المنية في 5 من جمادى الأولى 1311هـ / 14 من نوفمبر 1893م فى منزله بالحلمية الجديدة .

***********************************************







الأعمال العظيمة



ومع ظهور الوزارات كمؤسسات هامة في حكم البلاد سنة (1295هـ= 1878م) تولى علي مبارك ثلاث وزارات: اثنتين منها بالأصالة، هما الأوقاف والمعارف، والثالثة هي الأشغال العمومية.

دار الكتب المصرية



مؤلفاته

ترك علي مبارك مؤلفات كثيرة تدل على نبوغه في ميدان العمل الإصلاحي والتأليف، فلم تشغله وظائفه على كثرتها وتعدد مسئولياتها عن القيام بالتأليف، وتأتي "الخطط التوفيقية" على رأس أعماله، ولو لم يكن له من الأعمال سواها لكفته ذكرًا باقيا، وأثرًا شاهدًا على عزيمة جبارة وعقل متوهج، وقلم سيّال، يسطر عملاً في عشرين جزءًا



وإلى جانب ذلك له

 

 

**************************************

*************************************

جريدة الأخبار عن مقالة بعنوان " مصر القديمة - نخبة الفكر.. في تدبير نيل مصر " بقلم :جمال بدوي نشرت بتاريخ 28/ 3/ 2007 م السنة 55 العدد 17140 

 كتاب عنوانه 'نخبة الفكر.. في تدبير نيل مصر' وجاء علي غلافه انه من تأليف: الأمير الجليل سعادة علي مبارك باشا ناظر الاشغال العمومية، ونحن نعرف ان علي مبارك لم يكن يحمل شبهة الانتماء الي الأسرة العلوية كي يحمل لقب 'الأمير'. بل كان ينتمي الي طبقة الفلاحين المصريين في أدني مستوياتها، إلا أن علمه قد رفعه الي ما هو أرقي من الرتب والألقاب، وأحسب أن هذا المعني جال بخاطر الذين أضفوا إليه صفتي الامارة والجلال.
وهذا الكتاب من الكتب النادرة غير المعروفة ضمن سلسلة التأليف التي قام بها 'ابوالتعليم' علي باشا مبارك، وقد أحسن مركز دراسات مصر المعاصر التابع لدار الكتب عندما قام علي نشر هذا الكتاب النادر لشخصية بارزة لعبت دورا اساسيا في التاريخ المصري الحديث، ومع ذلك لم يلق الكتاب ما يستحق من عناية الباحثين، ويعزو المؤرخ الدكتور يونان لبيب رزق، هذا الاهمال الي الانطباع الذي خرج به أغلب من تعرف علي هذا العمل، وهو أنه ذو طابع تقني وضعه علي مبارك من موقعه وزيرا للأشغال، بكل ما يعنيه ذلك من أنه لن يكون محل اهتمام عام، وأن الأولي بنشره وزارة الري، وليس مركز علمي معني بالتاريخ، غير أن المطالعة المتأنية لهذا الكتاب، والتي قامت بها استاذ التاريخ الحديث المرموقة الدكتورة لطيفة محمد سالم، أدت الي استبعاد هذا التصور، فقد اتضح ان علي مبارك لم يتوقف عند نهر النيل، وانما امتد ليشمل ما فيه وما عليه.
قامت الدكتورة لطيفة سالم باعداد الكتاب لنشره علميا بعد تحقيقه وتحليله مستعينة في ذلك بالباحثين الدكتور حسام محمد عبدالمعطي، والدكتورة حنان عزوز، وكان دافعها وضع هذا الكتاب العلمي في منظومة مؤلفات الرجل الموسوعة المعرفة والثقافة، فهو فضلا عن تخصصه في الهندسة، وولايته لوزارة الاشغال أكثر من مرة.. جاءت اهتماماته التعليمية والثقافية لتشكل أهم دوافعه في إصدار مؤلفه القيم الذي يزاح عنه اليوم ركام الأهمال.
أول وزير من أصلاب الفلاحين

تقول الدكتورة لطيفة سالم ان علي مبارك وضع مؤلفه المذكور إبان توليه نظارة الاشغال العمومية عام 1880م. واستهلت الدراسة بفصل عن نشأة علي مبارك الأولي ، والظروف القهرية التي عاش في كنفها الفلاحون ، ومع ذلك استطاع أن يشق طريقه الي التعليم عن طريق الكتاتيب الي أن التحق بمدرسة المهندسخانة التي حملته الي باريس ضمن بعثة الأنجال الذين بعث بهم محمد علي لتلقي العلوم العسكرية ، فلما عاد انفتحت أمامه السبل لارتقاء أعلي المناصب العلمية والحكومية وتفاني علي مبارك في المهام التي وكلت إليه، وأثبت كفاءة فائقة وفقا للذكاء الذي استوعبته عقليته، ونال ثقة كل خلفاء محمد علي، وبحكم كونه رجل دولة ­ويعد أول من تبوأ المناصب العليا من المصريين­ افتخر بذلك، ودون الأحداث التي اعتز فيها بمصريته، وذلك علي أن كفاءته هي التي أوصلته ليكون صاحب العقلية المستنيرة، وخير المثقفين. ومهندس السياسة العمرانية والتعليمية، وذا المكانة المرموقة في المجتمع، فان قادة الحركة الوطنية ­في مرحلة الاعداد والتعبئة للثورة العرابية­ وخاصة العسكريين أمثال احمد عرابي وزملائه­ قد وقع نظرهم عليه، واتصلوابه،إذ وجدوا فيه المعين لهم لما كانوا يبيتون عمله، فهو فلاح مثلهم، وسبق أن عاني آلامهم.
النيل هبة مصر

تتناول لطيفة سالم كتاب علي مبارك 'نخبة الفكر في تدبير نيل مصر' من مقولة هيردوت 'مصر هبة النيل' وبالفعل فقد حبا الله مصر بنهر النيل، ومعروف أنه لا يقتصر جريانه في أراضيها، حيث هناك بلدان أخري يخترقها ولكنها لم تبلغ ما وصلت إليه مصر التي تمكنت من أن توظفه بمهارة في خدمتها، فتفوقت في بناء دولتها وحضارتها، وبالتالي أصبح 'النيل هبة مصر' لأنها أيقنت منذ فجر التاريخ أهميته، فاحتضنته بين جنباتها وأحبته وقدسته، وبذلت كل جهدها من أجل صيانته وحمايته، ومن ثم فهو الآخر أعطاها الخصوبة والخير والنماء والوفاء، وعليه: فان خلود النيل منذ آلاف السنين ينطبق ويبرهن علي ذلك الارتباط الباقي إلي الأبد.
وبحكم اشتغال علي مبارك بهندسة الري، وتوليه نظارة الأشغال العمومية، فقد أيقن تماما قيمة المياه وضروريتها للحياة، ولم يغب عن ذهنه قول الله تعالي 'وجعلنا من الماء كل شيء حي' وتأكد له أن الاهتمام بنهر النيل هو الاساس الذي يقوم عليه تقدم مصر وازدهارها ورفاهيتها، ومن هنا أقدم علي تأليف كتابه واختار له عنوانا من شقين: 'نخبة الفكر' بمعني الصفوة المختارة وحسن الانتقاء من الفكر. أما الثاني 'تدبير نيل مصر' أي التوصل الي الامكانات التي يتم عن طريقها الاستفادة من مياه النيل ومن اللافت للنظر أنه لم يكتف بكلمة 'النيل' فقط، وإنما قرن النيل بمصر حيث نطقت دوافعه الداخلية التي غمرتها مشاعر الارتباط الوثيق بين الكلمتين، وكأن النيل يجري في أرضها وحدها.
منهج جديد في الكتابة

والكتاب في رأي الباحثة لطيفة سالم يشكل وحدة موضوعية متكاملة تعالج قضية جوهرية حيوية، وبالتالي فان علي مبارك عدل عن أسلوب الكتابة التاريخية التقليدية التي تعتمد علي نظام الحوليات، حيث اتخذ خطوة مهمة من خطوات منهج البحث التاريخي، ووظف ثقافته المتنوعة، بالاضافة الي عقليته الهندسية الفذة، مما أثمر بصدور هذا الكتاب في مجال كان حكرا علي الأجانب، وعليه فانه يعد رائدا في ميدان تلك الدراسات وايضا يعتبر سابقا لعصره بما طرحه من مشروعات، وخاصة أن ما توصل إليه جسد رؤية مستقبلية حققتها مصر فيما بعد، وكللت ببناء السد العالي.
أدار عجلة التاريخ

لقد اتبع علي مبارك أسلوبا وجد فيه حافزا لتحريك المصريين، وبث روح التقدم والهمة فيهم، وملأه الفخر والاعتزاز بماضيهم، فنظر الي الوراء وأدار عجلة التاريخ، واسترجع ما قاموا به منذ القدم، وكيف أنهم صنعوا النهضة في مختلف المجالات، وركز علي المهارة في الزراعة، ليس فقط لارتباطها بالاقتصاد، ولكن كذلك بمختلف العلوم والمعرفة والدين، وأن الغير نقل عنهم، وأشار إلي الآثار الشاهدة علي تفوقهم.
وتناول علي مبارك أثر النيل في أخلاق المصريين، وكيفية النهوض بهم عن طريق الاستفادة من مياه النيل، وركز علي الجانب الاجتماعي الذي يعد وقودا للحركة التاريخية، واهتم بالبشر، هؤلاء المصريين الذين يعيشون علي ضفاف النيل، وتغلغل في أعماقهم، ولمس نقاط ضعفهم، وبني تحليلاته وفقا لوجهة نظره، وبين ان الظروف التي تعرضت لها مصر، وتمثلت في الغزو الخارجي علي مر العصور، وخضوع المصريين الذين أخفقوا في مواجهته، فانهم بالتالي أصبحوا خاضعين مستسلمين متمسكين بالصبر والثبات، وذلك جعلهم يتبعون الكذب والنفاق اللذين لجأوا إليهما لارضاء حكامهم، ومن ثم غدوا طوع بنانهم، وكان ذلك تصريحا صريحا ونقدا كاشفا لسلبيات المصريين وقت أن تتغلب عليهم القوة التي تفوق إمكاناتهم،ويصبحوا أمامها غير قادرين علي المواجهة.
الدولة التي يريدها

ويرسم علي مبارك صورة لدولة المصريين التي أرادها، ودلت علي رؤيته الاجتماعية، حقيقة انه لم يكن مفكرا­ تقول لطيفة سالم­ ولكن ما أورده برهن علي أنه ذو منطق له سمته الخاصة، فقد رأي أن تكون هناك حكومة لها قوانينها، وأعضاؤها ملزمون بها وبتطبيقها بكل دقة في حدود الواجب، وأن تكون تلك القوانين ملائمة لأحوال المصريين، وأن يقدم لها علماء الحق واليقين مساعدتهم، لما لهم من باع في الشريعة الاسلامية، وأنه بناء علي ذلك يسود الكمال، لأن الهيئة الحاكمة تمثل القدوة للمحكومين، وفي هذه الحالة تتأصل العادة التي تتعود عليها النفوس، أي الالتزام بالخط المستقيم، ومن هنا يصبح الصعب التحول عنه، وهو في ذلك يلقي المسئولية علي الصفوة القيادية بعد أن قيدها بالشريعة والقانون اللذين يتساوي أمامهما الجميع، وقد وصفها بالجامعة المدنية، وبين أن مهمة اساتذتها التأثير في النفوس عن طريق سلوكهم القويم.
صفات واخلاق المصريين

وفي إطار تحليله للشخصية يستكمل علي مبارك استعراضه لصفات المصريين ويعدد ما يتمتعون به من مميزات، وفي الوقت نفسه يؤكد علي سلبية جوهر غمرتهم وتمكنت منهم، وهي انهم لايعصون ما يؤمرون، وعليه فقد وجد ضرورة في ابرام عقد بينهم وبين السلطة، بمعني أنه إذا كانت هناك حكومة عادلة بالشكل الذي طرحه، فسوف يحدث تغيير في مسارهم، فيرتفع شأنهم ويصبحون كغيرهم من الأمم المتقدمة، ويستشهد بالأنجليز والفرنسيين والألمان، وبأنهم نهضوا بأنفسهم، وأن العكس هو الصحيح، فاذا ساءت الحكومة امتد السوء الي الناس.
ويعقد علي مبارك الأمل علي شخصية الحاكم، ثم يدور حول نقطة ارتكزت علي كيفية حكم المصريين، وقد تمثل هذا الحكم ­كما تصوره­ في مراعاة حقوقهم وإقامة العدل بينهم، والعمل علي راحتهم، والمساواة بين شرائحهم المختلفة.. فالحاكم عندئذ يستحوذ علي رضاهم، ويحدث الانسجام والعزة والثروة والرفاهية و الترقي لمصر، وانه في رحم تلك السياسة يكون ميلاد اصلاح المصريين، وعبورهم الطريق الي النهضة.
***

تقول لطيفة سالم في ختام دراستها عن الكتاب: الحقيقة أن هذا الكتاب يعد مصدرا فريدا، ويمثل أهمية بالغة حيث استطاع أن يجعل النيل محورا يجمع بين علوم التاريخ والجغرافيا والاجتماع والاخلاق والسياسة والجيولوجيا والزراعة والاقتصاد والهندسة والسكان والاحصاء، وانه بالفعل 'نخبةالفكر في تدبير نيل مصر' ومما يسجل له انه استعرض قضايا حيوية مازالت قيد بحثنا حتي الآن رغم مرور ذلك الزمن.

 

===========================================================

 

 

 

 

 

Home | البلاذرى | المسبحى | أبن خلدون | ابن تيمية | الجبـــرتى | على مبارك باشا | الأمير عمر طوسون | ابو العباسي القلقشندي | المؤرخ ابن تغري | أمين سامي باشا‏ | بنت الشاطئ | عبد الله بن سليمان السجستاني | الباحثة سناء المصرى

This site was last updated 03/29/07