Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

خطاب السادات بمجلس الشعب مستعد للذهاب إلى آخر الدنيا من أجل السلام

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
الرئيس ووفد الكونجرس
خطاب الرئيس بالكنيسيت
كلمة الرئيس لليكود
كلمة الرئيس للأسرائيليين
خطاب الرئيس لمجلس الشعب
خطاب آخر لمجلس الشعب
الوثائق السرية البريطانية1

إشتهر كيسنجر بإسم "المكوك" أى الذى يقوم بكل العمل فى ماكينة النسيج حيث أنه كان دائم الترحال بين المتخاصمين مصر والتى يمثلها أنور السادات وإسرائيل لتقريب وجهات النظر فى المصالحة وقال "هنري كيسنجر" وزير الخارجية الأمريكي : إن السادات نموذج سياسي نادر لا يجود الزمان بمثله إلا قليلاً .. لقد أدركت بعد مضي عشر دقائق فقط من مقابلتي للرئيس السادات أنني أمام رجل دولة بحق .. أنه رجل لا يمكن الإستغناء عنه في الجهود الدبلوماسية الراهنة في الشرق الأوسط

خطاب السادات فى مجلس الشعب 9\11\1977
مستعدون للذهاب إلى جنيف دون اعتبار لمشاكل الإجراءات
إسرائيل تثير العقبات بتركيزها على الإجراءات
وعلينا أن ندفعها إلى جوهر القضية ولبها الأساسي
السادات يتحدى:
مستعد للذهاب إلى آخر الدنيا حتى لا يقتل أو يجرح أحد من أولادي الضباط والجنود، ومن مركز القوة أستطيع الذهاب حتى إلى الكنيست لأواجه إسرائيل بتحرير الأرض وحقوق الفلسطينيين
الطريق إلى جنيف أصبح مفتوحاً بعد الاتفاق على التمثيل الفلسطيني
ومناقشة الحقوق السياسية والإنسانية للفلسطينيين
الرئيس يزور دمشق قريباً لتنسيق كامل مع سوريا
ويوفد مبارك اليوم في رحلة سلام بين الجزائر والمغرب
ليس هناك ما يدعو إلى عقد قمة عربي الآن فالتزامنا جميعاً بمقررات الرباط لا يزال قائماً
التزامنا الوطني والقومي أن نستمر في توفير كل الدعم لقواتنا المسلحة
الفلسفة الأساسية لقانون الضرائب أن نأخذ من دخول الأغنياء لنساعد الفقراء
أعلن الرئيس أنور السادات أمس في خطابه البالغ الأهمية أمام مجلس الشعب أن مصر على استعداد للذهاب فوراً إلى جنيف بصرف النظر عن مشاكل الإجراءات التي تثيرها إسرائيل لتضع بها العقبات أمام السلام، لأن قضيتنا واضحة وأهدافنا محددة في تحرير الأرض التي احتلت بعد عام 67، وضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة.
وقال الرئيس السادات أن إسرائيل تحاول اللعب على مشاكل الإجراءات وعلينا أن ندفعها إلى صميم الموضوع ولب القضية، وأن نفرض عليها المواجهة الكاملة في جنيف.
وفي تحد واضح: قال الرئيس السادات "إنني على استعداد حتى للذهاب إلى آخر نقطة في العالم، سعياً إلى السلام العادل ومن أجل أن لا يقتل أو يجرح أي من أبنائي الضباط والجنود. بل إنني على استعداد حتى للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي، لأننا لا نخشى السلام ولأننا أيضاً لا نخشى المجابهة مع إسرائيل، ولأن عناصر القوة في الموقف العربي تزيد كثيراً عن عناصر القوة في الموقف الإسرائيلي، ولأننا على دراية كاملة بأساليب خصمنا في المناورات، ولأننا أولاً وأخيراً نستند إلى موقف صلب من التضامن العربي".
وأعلن الرئيس السادات، أن الطريق إلى جنيف قد أصبح مفتوحاً وعلى أسس جديدة تختلف تماماً عن الأسس التي كانت تريدها إسرائيل للمؤتمر بعد أن اتفقت كل الأطراف على نقطتين أساسيتين:
أولاهما: تمثيل الشعب الفلسطيني تمثيلاً صحيحاً دون تدخل إسرائيلي.
ثانيتهما: بحث القضية الفلسطينية بشقيها السياسي والإنساني بعيداً عن ضباب الغموض الذي أثارته إسرائيل.
وقال الرئيس السادات، أن العرب سوف يذهبون إلى جنيف، في وفد موحد، وينبغي أن يسبق ذلك استعداد كاف وتنسيق مستمر. ولذلك فإنني أعلن أن اتصالاً قد تم صباح اليوم مع الرئيس السوري حافظ الأسد وسوف أزور دمشق قريباً من أجل مزيد من التنسيق المصري والسوري.
وأعلن الرئيس السادات في ذات الخطاب الذي ألقاه في مناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس الشعب، أنه لا يرى أية ظروف جديدة تدعو إلى عقد مؤتمر قمة عربي من أن هذا اللقاء سوف يكون الآن سابقاً لأوانه، خصوصاً وأننا قد اتفقنا في الرباط على استراتيجية عربية موحدة ما زالت موضع التزام الجميع، وهي الاستراتيجية التي تؤكد على ضرورة استعادة وتحرير الأرض التي احتلت بعد عام 67، مع عدم المساس أو التفريط في حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
وفي ذات الخطاب.. قال الرئيس السادات، أن روح الإنصاف تلزمنا بأن نعلن بأن الولايات المتحدة قد قامت بجهد كبير من أجل عقد المؤتمر في نهاية هذا العام، وأن الرئيس الأمريكي كارتر قد كرس بالفعل جزءاً من وقته وجهده لمشكلة الشرق الأوسط، وأنه استطاع الانفتاح على قضية الشعب الفلسطيني بعد أن استطاعت إسرائيل بسطوتها داخل المجتمع الأمريكي أن تطمس ملامح القضية لأكثر من 25 عاماً.
وقال الرئيس السادات، أن الدور الأمريكي ما زال في حاجة إلى التطور والتنقية من الشوائب العالقة به نتيجة التأثير الصهيوني، ولكن الإنصاف يقتضينا أن نقول أن كارتر كان أول رئيس أمريكي يتقدم لرفع الغشاوة عن أعين الشعب الأمريكي ولوضع القضية الفلسطينية في إطارها الصحيح.
سنواجه الإرهاب بكل قسوة ولن يتولى ملحد منصباً عاماً:
ثم أعلن الرئيس أن مصر تستنكر الإرهاب في شتى صوره في الداخل والخارج على السواء.. وذلك إيماناً بأن حقوق الشعوب لا تحققها أعمال فردية جبانة. وأنذر الرئيس هؤلاء الذين يتطاولون على الديمقراطية، بأن الديمقراطية ليست عاجزة عن بتر أي يد شريرة ملوثة يصور لها الوهم أنها قادرة على البطش. وأدان الرئيس هؤلاء الذين صوروا أحداث 18 و19 يناير على أنها انتفاضة شعبية، كما أدان الأحداث التي وقعت من جماعة دينية اتخذت الدين سبيلاً إلى محاولة فرض أفكار معينة على هذا الشعب واعتدت على عالم جليل من علمائنا. وأوضح الرئيس بكل الحزم أننا سنواجه محاولات الفوضى والإرهاب بكل قسوة، وأن أي محاولات مجنونة للعودة بنا إلى الوراء لن يكون مصيرها غير القمع والبتر. وأكد مرة أخرى أن مصر لن تسمح بوضع ملحد في منصب أو مكان يؤثر على تكوين الرأي العام أو أفكار الشعب أو الجماهير أو الأجيال القادمة.
وأشار الرئيس إلى أن هذه القلة المنحرفة المغرورة قد لا تستحق كل هذا التعليق ولكن سيادة القانون التي تواصل الحق والشرعية تفرض حماية القانون من أعداء القانون بقوة القانون. وأن قيام بناء ديمقراطي يقظ هما عنصر من عناصر طموحة إلى مزيد من الديمقراطية، حتى تزيد كل خطوة من تماسك البناء وقوته.
وأفاض الرئيس في حديثه عن تطور البناء الديمقراطي في المستقبل، فنبه إلى ضرورة وضع الضوابط والسير بأناة في طريق التطور الديمقراطي لأننا لسنا من هواة القفزات الانفعالية أو الطائشة. وطالب الرئيس أعضاء مجلس الشعب بممارسة مهمتهم في أداء واجبهم التشريعي والرقابي، دعماً لسلامة التجربة بسلامة سلطة الرقابة. ونبه الرئيس إلى ضرورة أن تكون هذه الرقابة رقابة جادة مسئولة، مسلحة بالإعداد المدروس والبحث المتأني حتى تتدعم ثقة الجماهير وتنمو تقاليد الديمقراطية. وناشد الرئيس كل الآراء والاتجاهات.. أن تحرص على أبعاد التجربة الديمقراطية وعلى تجنب كل ما يعوق طريقها.
وفَنَّدَ الرئيس مواقف الذين يحاولون النيل من التجربة الديمقراطية بالتشويه ورد على حججهم وأقوالهم وقرر أن الأحزاب نشأت بانتخاب حر مباشر وليست من أعلى باسم السلطة كما يزعمون، وأن قانون الأحزاب هيأ الجو لقيام الأحزاب وصدور صحافتها.
نص الخطاب
بسم الله
أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب..
نبدأ اليوم بإذن الله.. وبإرادة الخالق سبحانه وتعالى الدورة الثانية من الفصل التشريعي لمجلسكم الموقر.. يأتي موعد هذه الدورة في السنة التي احتفلنا فيها بمرور 25 عاماً على قيام ثورة يوليه.. وانتقالها بالشعب من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية.
ولقد كانت دورتكم الأولى عملاً ارتفع إلى مستوى الإرادة الشعبية التي اختارتكم لتكونوا تعبيرها الأمين في بيت الشعب.. لقد أنجزتم الكثير في 94 جلسة في الصباح والمساء.. امتدت حتى كادت أن تلتحم ببداية الدورة الجديدة.. وهو حدث يساند نجاح التجربة التي حدد الدستور إطارها الديمقراطي.. حددها في وزارة مسئولة مسئولية كاملة أمام مجلس الشعب الذي له عليها كل حقوق الرقابة الكاملة.. وأشهد أنني كنت أتابع ما يجري تحت هذه القبة.. وما تدور به ديناميكية العمل في لجان المجلس بارتياح كامل.. كنت أتابعها بارتياح كامل وثقة تزيد عمقاً يوماً بعد يوم بأن أهدافنا الديمقراطية تجد سبيلها الممتد إلى تفاعل صحي بين الرأي والرأي الآخر.. وأسعدني كل السعادة.. وقد وضعني قدر المسئولية في موقف الحكم.. في مقعد كبير العائلة المصرية الواحدة.. إن رياسة المجلس قد أتاحت الفرصة كاملة للرأي الآخر أن يعبر عن نفسه بملء الحرية.
لا قيد على المعارضة سوى الدستور:
وأتاحت للمعارضة أن تؤدي دورها بغير ما قيد إلا للالتزام بالدستور، وهو قاضينا جميعاً في ساحة الحرية والديمقراطية. لقد أقر مجلسكم أكبر موازنة في تاريخ مصر بلغ حجم استخداماتها ومواردها 7 آلاف و50 مليوناً من الجنيهات، أي بزيادة قدرها 1076 مليوناً عن سابقتها، ويشجعنا جميعاً أن نعرف أن معدل الإنتاج قد ارتفع إلى نسبة مرضية، مما يبشر بأن تصحيح المسار الاقتصادي يتجه في طريقه المخطط المرسوم في مواجهة أسوأ موجة تضخمية نعاني منها، كما يعاني منها عالم اليوم كله، ولسوف تسعى إليكم الموازنة الجديدة في هذه الدورة بإذن الله وهي تحمل آفاقاً جديدة في زيادة اعتمادات الخدمات، وتوفير فرص العمالة والتطور في معدلات الإنتاج، وأيضاً في المواكبة السليمة للجهود الجبارة المستمرة التي بذلت وتبذل للإفلات من عنق الزجاجة وللعبور الناجح من مرحلة الاختناق إلى بدايات مرحلة التوازن الاقتصادي وصولاً إلى آمالنا في التطور والرخاء، كل ذلك يجري مع التزام وطني وقومي بأن نوفر لأبطالنا رجال القوات المسلحة حماة الأرض والعرض، كل ما تحتاج إليه ملحمة التحرير الخالدة من مال وعتاد، فهذا هو التزام المصير، انهم صفوة الأخوة والأبناء الذين يتصدرون الصف الأول في نضال التضحيات رجولة وجسارة ونداء، هؤلاء الرجال هم صناع أكتوبر الخالد في نبض جيلنا وكل الأجيال.
تنظيم الأحزاب خطوة على درب الديمقراطية:
أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب:
دعونا نتوقف برهة نعود فيها إلى النفس ونتأمل: أين نحن اليوم من تجربتنا؟ هنا من هذه القاعة أصدرتم قانون تنظيم الأحزاب إعلاناً تشريعياً لخطوة جديدة على درب الحياة الديمقراطية السليمة وتطلعاً حراً إلى تفاعل حر بين الرأي والرأي الآخر، وإيماناً صادقاً بحاجة العائلة الواحدة إلى أن تحتضن كل أفكار أبنائها، وأن تختار في غير ما تعصب أو تحزب، أو انحياز، ما تراه خيراً للمجموع، وما تقتنع به محققاً لصالح الملايين. وهنا ومن هذه القاعة أيضاً أصدرتم قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر بعد مناقشات واعية طويلة، وعدلتم أحكام الاستثمار العربي والأجنبي والمناطق الحرة دعماً لسياسة الانفتاح، ثم كان اتساع مظلة التأمينات الاجتماعية لتشمل كل عاجز عن مورد أو عمل، ورفعتم الحد الأدنى للمعاشات.. إن ذلك يمثل إنجازاً عملياً بالفعل لا بالشعارات، من أجل ازدهار الديمقراطية بشقيها السياسي والاقتصادي على أرضنا.
ولست أستعرض في هذا المجال شريطاً لكل ما ناقشتم وأنجزتم، فإن تقريركم عن دورتكم الماضية حافل فعلاً وحقاً بما يؤكد لنا جميعاً أن العمل الوطني يشق طريقه الدستوري بانتماء حقيقي إلى كل مكونات رسالة التمثيل الشعبي تشريعاً ورقابة ومصارحة بالرأي الحر في كل ما يواجهنا من أحداث وتحديات.
أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب:
سبق أن قلت أن التجربة الديمقراطية في أول خطوات بنائها ولكنها أيضاً في أرسخ خطوات بنائها، ليس هذا القول إلا تعبيراً عن حقيقة تاريخية، ذلك أن نضالنا نحو إقامة البناء الديمقراطي السليم يتميز بأربع علامات تؤكد رسوخ البناء.
ثورة 15 مايو بناء جديد لمواقع الحكم:
هذه العلامات هي:
أولاً:
تحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع.
ثانيها:
التأكيد على القيم الدينية.
ثالثها:
الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.
رابعها:
الوحدة العربية.
كل ذلك يجري من خلال سلوك يتميز بالجدية وبالوضوح.. وباليقظة.. وبالطموح.. إن ثورة 15 مايو التي صححت مسار ثورة يوليه الأم.. ثورة 15 مايو لم تكن مجرد إزالة أشخاص بعينهم من مواقع الحكم.. فما كان أيسر أن يتم ذلك بقرار.. ولكن ثورة 15 مايو كانت بناءً جديداً لمواقع الحكم ذاتها كانت إعلاناً شعبياً جاداً عن نهاية حكم الفرد في أي موقع.. كانت نقطة تحول تاريخية تعبر عن تغيير ثوري جذري في أسلوب الحكم.. وفي علاقة الحاكم بالمحكوم.. وقد كانت أخيراً تتويجاً لسيادة الشعب بسيادة القانون.. أسقطت ثورة 15 مايو كل هياكل الحكم التي خلقتها مراكز القوى.. فخلقت بها حكماً بالقهر.. لا بالقانون.. وحكاماً يسخرون كل سلطات الدولة لحماية سلطان تسيدوا به فوق كل قانون.. وانتهى بنا ذلك الوضع الشاذ إلى صورة شاذة شوهت مبدءاً أساسياً قامت من أجله ثورة يوليه وهو إقامة الحياة الديمقراطية السليمة.. صورة شاذة لقلة باغية من الأقزام تسلحوا لغرض تسلطهم بحق باطل في إلغاء الوجود الإنساني، وإهدار الكرامة والآدمية بقرارات جائرة استعلت على كل رقابة أو حساب.. ولكن الشعب العملاق تسلح بالصبر.. وما استكان لقهر أو ظلم.. وكانت طاقاته كلها مستعدة لساعة الخلاص.. وجاءت ثورة 15 مايو ونسفت كل هذه العروش الزائفة في لحظات. ودكت قلاعها من أساسها.. تلك القلاع التي ظنوا أنها ستمنعهم عبر الأجيال.. وأسقطت كل الشعارات المستوردة التي أرادوا بها تخدير الجماهير.. بل أرادوا أن يعرضوها ديناً زائفاً بشهوات المادية وأطماع الأحقاد السوداء وصراعات الغرائز البدائية.
وثيقة إعلان الدستور التزام تاريخي بسيادة القانون:
جاءت ثورة 15 مايو ميلاداً لمجتمع جديد، مجتمع لا يرفع الشعارات الخادعة، بل يرتضي الدستور الدائم قانوناً للقوانين وشريعة للحاكمين والمحكومين، مجتمع يسجل قسمه العظيم باسم الملايين في وثيقة إعلان الدستور ليعلن للعالم كله التزامه التاريخي بالحرية والكرامة وسيادة القانون عندما تسجل وثيقة إعلان الدستور ما يأتي... نحن جماهير الشعب في مصر باسم الله وبعون الله نلتزم إلى غير ما حد وبدون قيد أو شرط أن نبذل كل الجهود لنحقق الحرية لإنسانية المصري عن إدراك لحقيقة أن إنسانية الإنسان وعزته هي الشعاع الذي هدى ووجه خط سير التطور الهائل الذي قطعته البشرية نحو مثلها الأعلى.
ثم تقول وثيقة إعلان الدستور أن كرامة الفرد انعكاس طبيعي لكرامة الوطن.. ذلك أن الفرد هو الأساس في بناء الوطن وبقيمة الفرد وبعمله وبكرامته تكون مكانة الوطن وقوته وهيبته. إن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً لحرية الفرد.. فما أكثر ما قاسينا من شعارات ارتفع صوتها حتى طغى على إرادة العمل وما أكثر ما تصورنا أننا أنجزنا لأننا تكلمنا وأفضنا في الكلام حتى صدقنا أنفسنا وغفلت أنظارنا عن واقع جمد عن الحركة، بل لعله كان مهدداً بأن يرتد إلى الوراء، بل أن تلك الشعارات الدخيلة الصاخبة قد تحولت إلى أداة تهديد وإرهاب لكل رأي وفكر.. وأداة اتهام قادرة على تلفيق الاتهام، فآثر الصمت كثير من الشرفاء والتزمت العزلة قلوب عامرة بحب مصر، وفضلت طاقات وقدرات كبيرة أن تقف في صفوف المتفرجين. هنا دعونا أيها الأخوة والأخوات ما دمنا بدأنا بأنفسنا ونقدنا وصححنا، ودعونا نقول للآخرين هل لديكم الشجاعة لينقدوا وليصححوا بدلاً من أن يستثمروا المناخ الديمقراطي السليم في محاولة للمغالطة وتزييف التاريخ لتضليل أجيالنا المقبلة.
ورثة ثورة 23 يوليه.. وورثة ثورة 19:
في هذا يستوي عندي حين أتحدث إليكم أيها الأخوة والأخوات يستوي من يدعون وراثة ثورة 23 يوليه ومن يدعون وراثة ثورة 19، هل لديهم الشجاعة لكي ينقدوا كما نقدنا أنفسنا ولكي يصححوا كما صححنا ثورة 23 يوليه بثورة 15 مايو. إن الأمر ليس إلا مزايدات ومناورات يمكن أن تكون مقبولة في الماضي، ولكنها لن تكون مقبولة أبداً اليوم ولا غداً ولا مقبولة من أجيالنا المقبلة.
أيها الأخوة والأخوات
لقد أثبت بناؤنا الديمقراطي أنه بناء جاد قائم على تحقيق الأمل بالعمل لا نريد الأمل بالقول والشعار فقط، وجاءت انتخابات مجلسكم الموقر عنواناً مشرفاً وقمة مضيئة لأسلم تطبيق ديمقراطي عرفته الحياة النيابية في مصر منذ 54 عاما، جئتم أنتم إلى هذه المقاعد اختياراً حراً أميناً نظيفاً باسم الملايين الحاكمة بإرادتها، باسم الملايين الحرة بديمقراطيتها، باسم الملايين صناع الديمقراطية وحماتها بكل مبادئ 23 يوليه و15 مايو، وبكل كرامة ملحمة أكتوبر الخالدة ودساتير العالم أيها الأخوة والأخوات في شرقه وغربه تمتلئ نصوصها بشعارات الحرية والديمقراطية، إن مئات الحاكمين عبر التاريخ القديم والحديث يتمسحون في شعارات الحرية والديمقراطية.
ولكن الشعوب الواعية سواء منها المقهورة أو المتحررة تعرف كم من الجرائم ترتكب باسم الحرية والديمقراطية، ولكننا نحمد الله سبحانه وتعالى أن وصلنا إلى لقاء بالذات يقوم على الجدية والصدق والحقيقة.. فنحن لن نخدع إلا أنفسنا إذا تصورنا أننا نخدع غيرنا ولن نجلب احترام غيرنا لنا إذا لم نحترم نحن أنفسنا. وهكذا جاءت التجربة الديمقراطية ميثاق شريعة وشرف دستور حكم وتطور التزم به الحاكم قبل المحكوم صمام أمن وأمان لنجاح التجربة إلى أقصى غاياتها وأهدافها نحو إجلال إنسانية الإنسان، ولقد ساعد على جدية التجربة الديمقراطية وضوحها فلا لف ولا دوران بكلمات براقة ولا تدبير ولا تبرير بفلسفات خادعة ولا أوصاف تظهر المعنى وتخفي النقيض ولا عبارات غامضة متعالية على فهم الجماهير. فنحن لا نتحدث بلغتين ولا نتعامل مع مصير الشعب بوجهين، نحن لا ندعو إلى الديمقراطية السياسية بقول ثم نعطلها بقول آخر، ونحن لا نبشر بالديمقراطية الاقتصادية بقول ثم نمزقها بقول آخر، ونحن لا نقيم الاشتراكية الديمقراطية على متاهات من شعارات ولا تميزها ولا تحدد أوصافها، بل تذهب بها هذه المتاهات إلى ازدواج مقصود في المبنى والمعنى، كان هذا حالنا عندما مركسوا الميثاق وتلاعبوا بتفسير صحة العالمية عندما وصفوا بها الاشتراكية، فكانت دفعاً بها إلى التواءات متعمدة في التفسير والتحليل والتطبيق.
الاشتراكية الديمقراطية تنطلق من قواعد 4 رئيسية:
إن الاشتراكية الديمقراطية في دستورنا الدائم تنطلق من القواعد الأربع الأساسية التي أخذنا أنفسنا بها ونحن نناضل من أجل إقامة البناء الديمقراطي السليم، كما أسلفت القول، وهي: أولها: تحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع، ثانيها: التأكيد على القيم الدينية، ثالثها: الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، رابعها: الوحدة العربية. والهدف الواضح هو أن يتحقق التوازن العادل والارتباط العضوي بين صالح الفرد وصالح المجتمع وبين حاجات المواطن المادية وحاجاته إلى القيم الروحية، وهذا هو الطريق الواضح المتميز عن الاشتراكية الماركسية وعن الرأسمالية.. إننا لا نتجاهل أبداً الحرية الشخصية أو الحافز الفردي كما تفعل الاشتراكية الماركسية.. لأن تحرير الإنسان اجتماعياً واقتصادياً لن يكتمل إلا بالديمقراطية السياسية التي تؤمن بالحرية الفردية وتشجع على الحوافز والمبادرات الخلاقة.. وغيبة حرية الرأي وسيادة القانون تبيح للبيروقراطية المسيطرة على وسائل الإنتاج أن تشكل طبقة ديكتاتورية تتحكم بلا حدود، كما أننا لا نتجاهل صور الاستغلال القاسية والتفاوت الشاسع في دخول الأفراد الذي تنتجه الرأسمالية.
قانون الضرائب يعرض في أول هذه الدورة
وهنا لي وقفة معكم أيها الأخوة والأخوات بشأن قانون الضرائب.. هذا القانون الذي سيعرض على مجلسكم الموقر في هذه الدورة، بل لعلي طلبت أن يكون أول ما يعرض في هذه الدورة هو قانون الضرائب لما له من مغزى أساسي في نظامنا الاشتراكي الديمقراطي.
أود أن أكون واضحاً أمامكم أيها الأخوة والأخوات.. في قانون الضرائب الجديد لابد من أن تحقق العدالة الاجتماعية كما أرادها الله سبحانه وتعالى في سورة الحديد ... يقول الله سبحانه وتعالىسورة الحديد، آية 7 ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ... المال في شريعتنا مال الله.
من أجل ذلك أنا أدعوكم كما أراد الله سبحانه وتعالى لنا لعمران هذه الأرض.. أراد لنا أن نكون مستخلفين على هذا المال.. أريدكم أن تضعوا الحدود التي تسوي وتوزع ما بين الناس بحق الله سبحانه وتعالى.
وليكن هذا هو أساس فلسفة قانون الضرائب.. على الغني أن يتحمل أعباء لا يستطيع أن يتحملها الفير.. وأقول لكم بصراحة أنني أعني مسئوليتي وأخاف الله سبحانه وتعالى.. وأخاف (تصفيق وأصوات تقول الله أكبر).. أقول لكم إني أخاف الله سبحانه وتعالى، وأخاف أن أذهب إليه فيحاسبني.. لماذا؟ كما نصت الشريعة لم آخذ من فضول الأغنياء لأساعد الفقراء؟.. أريدكم حينما تدرسون قانون الضرائب أن تضعوا هذا في أذهانكم.. نحن نريد أن نقيم العدالة بين أبناء شعبنا.. بين أبناء وطننا.. بحيث يتحمل القادر.. وبحيث ينعم غير القادر بحياة كريمة.. ليست إحساناً من القادر أدباً.. وإنما هي فرض عين وحق وواجب.. لا اعتراض لي أبداً أن يعيش كل إنسان في بسطة بما أعطاه الله.
صياغة الحياة على أرضنا بالحق والعدل وشريعة الله:
ولكنني كوَليِّ للأمر وأقولها لكم لكي تضعوها في تشريع، كَوَلِيْ للأمر، والله لو اقتضى الأمر كما فعل عمر بن الخطاب أن أخذ نصف كل ما لدى حاكم لأخذه من أجل هذا أريدكم أن تضعوا قانون الضرائب لكي نعيد صياغة الحياة على أرضنا بالحق وبالعدل، وبشريعة الله سبحانه وتعالى، ونحن لا نحقد على أحد، ولا نحسد أحد، ولا نعتدي على أحد، وحين أقول هذا أرجوكم أن تعلموا، أنني لا ألجأ إلى المصادرة أو الاعتقال أو الحراسة، أو كل ما كان في الماضي أبداً.. إنني سألجأ بما هو أقوى من كل هذا، إنني وَليِّ الأمر وأراد الله لي سبحانه وتعالى أن أتولى هذا الأمر. وعلى ذلك أرجوكم أن تضعوا هذا في حسابكم وأنتم تضعون قانون الضرائب، بحيث توزع الأعباء بقدر ما يحوز كل فرد، فمن لديه غنى يتحمل الأعباء الأكبر، ومن لديه عوز يتحمل الأعباء الأقل، أو لا يتحمل، وفوق كل ذلك، لابد أن نعي حقيقة واضحة هي أساس من أسس هذا النظام الذي اخترناه لأنفسنا، وهو أن يكون توزيع الأعباء في العائلة المصرية توزيعاً عادلاً لا يصحح أية أخطاء تحدث في توزيع الثروة بغير هذا ستكون بلادنا وقوداً للحقد والحسد والكراهية وهذا ما لا نرضاه.
أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب:
لقد خصص دستورنا الدائم الباب الثاني لتحديد المقومات الأساسية للمجتمع المصري اجتماعياً واقتصادياً في وضوح وتوصيف. هذا الوضوح والتوصيف لا يحتمل أبداً اختلاط المبادئ، أو تمييع الأحداث. كما أن دستورنا الدائم وضع كل الضمانات التي تحمي حق المواطن وحريته في التمتع بالحياة الديمقراطية السليمة، وقد وضعت هذه الضمانات في وضوح وتحديد لا يحتمل اختلاط المبادئ ولا تمييع الأحداث كما قلنا، وإذا كانت المبادئ التي ذكرتها وهي نتيجة للممارسة والمعاناة وليست من الكتب أو النظريات، هذه المبادئ الأربعة هي التي تشكل معالم اشتراكيتنا الديمقراطية، فإننا في تجربة الممارسة الديمقراطية والتطبيق لن نخل بهذا الوضوح ولن نجعل من إجراءات الممارسة وقواعد التطبيق مدعاة لأي اهتزاز فكري في تجسيد أهدافه.
ضد الإرهاب في الداخل... والخارج:
إن الدراسات العلمية والديمقراطية وتطبيقها في أرضنا سوف تتعرض إلى التفاصيل والجزئيات بالتحديد الدقيق الواعي على هدى المبادئ العامة والأساسية التي نص عليها الدستور، وأرجو أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب ألا يبخل المتخصصون منكم بالفكر والرأي والخبرة في الإسهام في هذه الدراسات العلمية التي تضئ المعالم أمام السلطات الدستورية في بلادنا لكي يكون التشريع والتنفيذ في ظل سيادة القانون مدعماً لوضوح التجربة وتميزها.
أيها الأخوة والأخوات
إننا نستنكر الإرهاب في شتى صوره في الداخل والخارج على السواء، وإذا كان استنكارنا للإرهاب على المسرح الدولي نابعاً من عقيدة راسخة بأن حقوق الشعب لن تحققها أعمال فردية جبانة تعتدي على أرواح العزل والأبرياء وتهدد الآمنين في إنسانيتهم وآدميتهم، إذا كان هذا هو موقفنا من الإرهاب الخارجي الذي تصاعد في السنوات الأخيرة وأصبح سُبَّةْ في جبين الإنسان العصري الحديث، وعاد بالفرد المتحضر إلى عصور القرصنة. فإن موقفنا من الإرهاب الداخلي يتجاوز الاستنكار إلى الإجراء الحاسم المضاد وقاية ومطاردة وحساباً عسيراً لن يفلت منه جبان أو مدع أو مأجور يتطاول على حرية الشعب أو يهددها أو يحاول أن يعود بها إلى الوراء.
وإنني أعلن لمجلسكم الموقر أن أي تطاول على الديمقراطية لن ينال من الديمقراطية، لأن الديمقراطية ليست عاجزة.. ولن تكون عاجزة عن بتر أي يد شريرة ملوثة يصور لها غرورها أنها قادرة على قهر أو بطش. إن أي تهديد تتعرض له حرية هذا الشعب وأمنه جريمة لن تغتفر، بل هي أبشع الجرائم لأن ضحيتها ليس فرداً أو مجموعة أفراد، ولكن الضحية هي كل الشعب، لأن تهديد الديمقراطية بالدم والإرهاب لا يهدف إلا إلى تحطيم الصرح الشامخ الذي شيدته إرادة الملايين من أجل أمنها وسلامها وكرامة وجوده.
ديمقراطية النور وخفافيش الظلام:
وديمقراطية الملايين قادرة بكل ما يسلحها به الشرع والقانون.. قادرة على سحق أي تهديد لها بلا رحمة أو شفقة أو هوادة في أوائل هذا العام، لابد أنكم جميعاً تذكرون أحداث 18 و19 يناير 77، ولابد أيضاً أنكم تذكرون أحداث ما وقع من جماعة دينية اتخذت الدين سبيلاً إلى محاولة فرض نظام معين أو فرض آراء أو أفكار معينة على هذا الشعب، واعتدت في هذا السبيل على عالم جليل من علمائنا.. أريد هنا أن أكون واضحاً تمام الوضوح: إن أية محاولة من جانب أية جماعة، أياً كان هذا الذي تؤمن به أو تنادي به.. أية أعمال إرهابية أو محاولات فرض على هذا البلد ستقابل كما قلت لكم من قبل بمنتهى القمع والشدة.
في 18 و19 يناير تخرج قلة ضئيلة تستغل الغوغاء، ثم يخرج أو تخرج إذاعة دولة من الدول العظمى هو الاتحاد السوفيتي، لتقول أن هذا أو هذه الأعمال هي انتفاضة شعبية.. ماذا كانت هذه الأعمال؟ حريق.. محاولة حريق العاصمة.. حرق المجمعات الاستهلاكية ونهب محتوياتها، ونحن نشكو من التضخم ومن أزمة التموين.. حرق الأوتوبيسات ونحن نشكو من أزمة المواصلات.. حرق مرافق الدولة.. إذا كان هذا في عرفهم وفي عرف عملائهم هنا هو انتفاضة شعبية، فلا كانت أبداً.. سنواجه هذا بمنتهى الحسم والعنف.. ولا يمكن أن أسمح لأية فئة أن تفرض على هذا الشعب ما لا يرضاه أو أن تروج هي هذا الشعب المؤمن والذي يكون الإيمان فيه جزءاً من دمائه.. جزءاً من تكوينه.. لن أسمح أن يفرض على هذا الشعب الإلحاد.. وعلى ذلك فقد سمعتموني في الماضي أتحدث إليكم وشجبت هذه الأعمال، وقلت إن من لا إيمان له لا أمان له.. أقولها الآن أضعها أمامكم لكي نُسَجِلْ في مضابط مجلسكم ولن يوضع في منصب أو في أي مكان يؤثر على تكوين الرأي العام أو تكوين أفكار الشعب ملحد أبداً طالما أنا في هذا.. ليس معنى هذا أني أعادي أحد.. أبداً أنا لا أريد أن أعادي أحد.. أبداً.. أنا لا أريد أن أعادي أحد.. أبداً.. وإنما كما قلت لكم أنا حريص يوم أن أسأل وأنا وَليِّ الأمر هنا ماذا فعلت؟ حريص أن أؤدي الأمانة وأن أؤدي الرسالة.. أبداً لن أتركها ولو اقتضى الأمر أن أنزل بنفسي إلى الشارع لأقاتل في هذا.. إننا شعب الإيمان جزء من كياننا وتكويننا ولا يمكن أن نسمح أبداً لأية قوى مهما كانت هذه القوى أن تزلزل هذا الإيمان أو أن تتطرق بطرق ملتوية لمحاولة تضليل أجيالنا المقبلة عن هذا الإيمان، كما حدث في بلاد أخرى.. أبداً لن أسمح بهذا أقوله لكم بمنتهى الصراحة لكي يُثْبِتْ في مضابط مجلسكم ولكي يكون سياسة واضحة معلنة.. لن يلي في هذا البلد منصب يؤثر على تكوين الرأي العام أو على الجماهير أو بأي شكل من الأشكال يؤثر على تكوين أجيالنا المقبلة.. لن يلي هذا المنصب أي ملحد. إن أي محاولات طائشة أو نازفة أو مجنونة تتصور أنها قادرة على العودة بنا إلى الوراء لن يكون مصيرها إلا التعرية الكاملة لأطماعها السوداء والإجهاز الصارم عليها وسيف القانون، والشعب دائماً هو الأقوى، وديمقراطية النور لن يعبث بضيائها خفافيش الظلام.
الديمقراطية هي الكلمة العليا.. الديمقراطية هي إرادة الخير والبناء والسلام.. الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب.. فمن ذا الذي يهيئ له أن رصاصة جبانة أو تآمر للتخريب في الظلام أو محاولة لفرض أمور لا تقبلها طبيعة وتراب هذا الشعب يمكن أن يقوى على إرادة الملايين التي حررت الأرض في أخلد ملاحم البطولة والشرف وحررت إرادة الإنسان المصري ليملك قراره ومصيره ويَتَسَيَّدْ على أرضه بالحق والقانون.
طريق الحلول الصحيحة الفكر المتحرر من القيود:
لعل هذه القلة الضئيلة.. بل بالغة الضآلة، هذه القلة المنحرفة المغرورة.. الموجودة في كل مجتمع لا تستحق منا كل هذا التعليق والتبين.. ولكنني أثرت هذا التوضيح الصريح لأننا في مرحلة بناء التقاليد الديمقراطية مع بناء الديمقراطية.. وما نضعه اليوم من تقاليد راسخة هو مسئوليتنا أمام الجيل والأجيال المقبلة.. وأول هذه التقاليد التي تنميها الممارسة المسئولة هي أن سيادة القانون التي عبر عنها ميثاق الدستور الدائم بأنها ليست ضماناً مطلوباً لحرية الفرد فحسب.. لكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة في نفس الوقت.. هذه السيادة للقانون التي توصل الحق والشرعية تفرض مع وجودها حماية القانون من أعداء القانون بقوة القانون.. ولسنا بذلك ندعو إلى أن تتحول قوة القانون إلى القهر والبطش.. إن هذا ليس كائناً ولن يكون.. ولكننا ندعو إلى حماية القانون بقوة القانون من أي قهر أو بطش يتهدد هذا السلطان الشرعي الذي يستوي أمامه الحاكم والمحكوم.. القوي والضعيف.. القادر والعاجز.. فيحقق العدل للجميع ويسوي بالفرصة المتكافئة أمام الجميع.. وهو سلطان ليس فوقه من سلطان.. من أجل هذا نقول أن بناءنا الديمقراطي بناء يقظ لن تلهيه جهود ترسيخ البناء عن وعي قادر حذر.. وعيون مفتوحة لكل ما يجري من حولها.. انه بناء يقظ متوثب لبتر أي إثم أو عدوان..
أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب
إن يقظة هذا البناء الديمقراطي الشامخ هي عنصر من عناصر طموحة.. طموحة إلى مزيد من الديمقراطية.. الديمقراطية آفاق رحبة مزيدة.. كلما تقدمنا إليها خطوة زاد تماسك البناء.. بل أن التقدم دائماً إلى المزيد هو الدليل على قوة البناء.. فإذا كنا لن نتراجع.. وأكررها إذا كنا لن نتراجع عن الديمقراطية، فإننا لن نقف أيضاً في مواقعنا جامدين.. فالحياة هي النمو المستمر.. وعقل الإنسان وفكره ومواهبه وحوافزه يعيشها ويفجر طلقات خلقها وابتكارها نحو حياة أفضل.. الأجواء الصحية التي تعطيها الديمقراطية ومظلة الأمن.. والأمان التي تقيمها الشرعية.. وكلما تطورت حياتنا إلى مزيد من التقدم الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي.. كلما تطور البناء الديمقراطي نحو المزيد الذي يتلاءم مع حاجات التقدم ولوازم الاستقرار.. للتطور مشكلات متجددة مع تجدد إرادة التطور.. ولا حل لهذه المشكلات.. ولا دليل إلى طريق الحلول الصحية إلا الفكر المتحلل.. المتحرر من كل القيود.. وإلا قيد الالتزام بالدستور ومصالح الجماهير ولن يتحرر فكر إلا بمواجهة الرأي بالرأي الأخر.. وعندما تضاء كل المشاعل يستبين كل أبعاد الطريق. وهذا هو المزيد من الديمقراطية الذي يحققه طموح التجربة.. لقد انتقلنا من تنظيم الرأي الواحد إلى ساحة الآراء المختلفة.
ضوابط تحمي التجربة من صراعات الفوضى:
ثم تبلورت هذه الساحات إلى فكرة المنابر أو التنظيمات، ثم تقدمنا إلى إنشاء الأحزاب التي تعبر عن الاتجاهات السياسية الثلاثة في كل مجتمع ووضع مجلسكم قانون الأحزاب بضوابط تحمي التجربة الوليدة من صراعات الفوضى وانشقاقات الانقسام وتصدع العائلة الواحدة، وبعض هذه الضوابط موقوت بهذه الفترة التشريعية، ولكن فلسفة كل ذلك هي الخطوة المتأنية الواثقة. وإذا كنا لسنا من هواة الشعارات، فلسنا أيضاً من هواة استعراض القفزات الانفعالية أو الطائشة، كذلك الحكم المحلي يقدم بخطى ثابتة مما يوضح سلطان الديمقراطية لتشمل كل رقعة من بلدنا، ولم تعد هناك من سلطة تنفيذية على أي مستوى من مستويات المسئولية بغير رقابة شعبية، ومن أجل هذا من أجل طموحنا المتيقظ إلى مزيد من الديمقراطية، فإن الممارسة السليمة هي صمام الأمن الحقيقي لحماية هذا الطموح من وقفة اهتزاز أو نكسة رده أو معاناة غموض أو مغالاة بلبلة وتشكيك، وعندما نحمي طموحنا من العثرات فإننا ندفع بهذا الطموح إلى خطوات مضاعفة.
هذه أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب هي مسئوليتكم أمام التاريخ، وقد اختارتكم الديمقراطية لكي تكونوا كتيبتها الأولى في نضال التطور والتقدم، أنتم يا من أعطتكم الجماهير ثقتها وأنابتكم في إقرار إرادتها، أنتم تحملون العبء الأكبر في سنوات الميلاد العظيمة.. هذه الجماهير تطالبنا جميعاً بالممارسة المسئولة الكاملة، لقد كفل الدستور لهذه الممارسة كل الضمانات وقدم لها كل الفرص لأداء الواجب التشريعي وواجب الرقابة، بل أن الدستور قد خول ممثلي الشعب في اختيار أكبر مواقع المسئولية عندما نص على أن مجلس الشعب هو الذي يرشح رئيس الجمهورية.. لكم حق اقتراح القوانين وأنتم الذين تقرون السياسة العامة للدولة وأنتم الذين تقرون الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقرون الموازنة العامة وموافقة مجلس الشعب فرض واجب نقل أي مبلغ من باب إلى أخر من أبواب الموازنة العامة.. الوزارة مسئولة أمامكم ومن حق المجلس أن يقرر مسئولية رئيس مجلس الوزراء، ومن حقه أيضاً أن يسحب الثقة من نواب رئيس الوزراء أو الوزراء أو نوابه. وأساليب الرقابة التي نص عليها الدستور متشعبة متسعة لكل صغيرة وكبيرة يريد الشعب أن يمارس سلطانه عليها. حق السؤال، طلبات الإحاطة، الاستجواب، طرح موضوع عام للمناقشة، إبداء الرغبات، لجان تقصي الحقائق التي خول لها الدستور فحص أي نشاط في مؤسسة عامة أو جهاز تنفيذي. وأن تجمع ما تراه من أدلة وأن تطلب سماع من ترى سماع أقواله وأن تحصل على ما تطلبه من وثائق أو مستندات.
تدعيم سلامة التجربة بتدعيم سلطة الرقابة
هذه الأفاق الرحبة لسلطان مجلس الشعب مع ضمانات الحصانة البرلمانية ومع حرمان أية سلطة أخرى من حق حل المجلس، حتى رئيس الدولة نفسه، إلا إذا قرر الحل استفتاء شعبي، هذه الآفاق الرحبة تفتح كل الأبواب أمام الممارسة الدستورية التي تصل إلى كل مسئول والى كل قرار. وقد لاحظت وأنا أتابع تقريراً عن أعمال الدورة السابقة، أن عدد الأسئلة قد تضاعف كما أن طلبات الإحاطة والاستجوابات قد تسابقت وتلاحقت، كل ذلك كفيل بأن يطمئن إلى سلامة التجربة الديمقراطية، ولكن أرجو أن تسمحوا لي بالقول أننا نريد تدعيم سلامة التجربة بتدعيم سلامة سلطة الرقابة، وإذا أردت أن أعبر عن نبض الجماهير في هذا الشأن من واقع مسئوليتي الدستورية فإنني أسمح لنفسي أن أقول أن جماهير شعبنا تطالبنا بالرقابة الشعبية وهي قد أعطت أصواتها لمن تثق بجدارته في هذه الممارسة ولكن جماهير شعبنا أيضاً حريصة في الوقت نفسه كل الحرص على أن تكون هذه الرقابة مجدية وفعالة ومحققة للأهداف التي شرعت من أجلها وهي حماية العمل العام والمال العام والمنصب العام من أن يتسلل قصور أو عبث بمال الشعب أو فساد في مباشرة العمل التنفيذي، هذه الأهداف لن تتحقق إلا بالتزام الجدية الكاملة والدقة الواجبة والإعداد المدروس والبحث المتأني. إن الحصانة البرلمانية لعضو المجلس هي الكفة المقابلة لكي لا يؤخذ عضو بانزلاق كلمات عابرة أو بجنوح في التعبير أو خروج عن مقتضى الموقف أنها تدعم العضو بالثقة والاطمئنان وهو يؤدي مسئولية الرقابة ولكن ما يدعم ثقة الجماهير بأن مجلس الشعب يؤدي إلى دورته الكاملة وما يبلغ الاطمئنان للجماهير إلى أن ممثليه ينوبون عنه فعلاً في سلطانها الرقابي وأن تمارس كل واجبات الرقابة الدستورية في موقعها الصحيح بالقدر المتوفر من صحة وقائع المساءلة التي قد تصل إلى الاتهام أو الاقتراع بعدم الثقة.
هنا تبرز الرقابة المسئولة وهنا تتحقق الممارسة السليمة وهنا تتدعم ثقة الجماهير في التجربة الديمقراطية، وهنا تنمو التقاليد الراسخة.
لا مسئول فوق المساءلة ولا مواطن فوق القانون
إن التجربة الديمقراطية لن تمضي في فريقها النامي إلا إذا تحققت الرقابة الشعبية الفعالة.. ولسنا نريد أبداً لنصوص الدستور أن تكون حبراً على ورق، أو مجرد شعارات، وتجربتنا كما قلت جادة وواضحة ويقظة وطموحة.. ولذلك فإنني أناشد كل الآراء والاتجاهات.. أناشد الغالبية قبل المعارضة. أناشدكم جميعاً أن نحرص حرصاً كاملاً على أبعاد التجربة الديمقراطية من كل ما يسقط جديتها أو يشوه وضوحها، أو يعوق طموحها، أو يهز يقظتها. وكما قلت وأكرر ما أقول أنه لا يوجد مسئول فوق المساءلة ولا يوجد مواطن فوق القانون، ولكننا يجب أن نؤمن المسئولية وسيادة القانون من الانفعال المتسرع، أو المعارضة لمجرد المعارضة، أو التأييد لمجرد التأييد، أو التشهير المسخر للمناورات الحزبية. كان هذا أسلوب ابتليت به الديمقراطية الزائفة قبل ثورة 23 يوليه، انغمست حتى آذانها في مناورات الممارسة المتخربة حتى تحول الحكم إلى لعبة التسابق على مقعد الحكم، مهما كانت الوسيلة، ومهما كان الثمن، ولقد دفع الشعب ثمن ذلك كله غالباً من مصالحه ومن تطوره.
أيها الأخوة والأخوات
إن ديمقراطية الشهوات الحزبية منذ عام 1924 حتى 1952 سمحت بتأجيل انعقاد أول برلمان بعد 5 أشهر من انتخابه، ثم صدر المرسوم بحل مجلس النواب، ديمقراطية الشهوات الحزبية سمحت بحل مجلس النواب في 23 مارس 1925 في يوم اجتماعه الأول. ديمقراطية الشهوات الحزبية سمحت بإلغاء دستور سنة 1923 في 22 أكتوبر سنة 1930، ثم صدر الأمر الملكي بإلغاء دستور سنة 1930 بعد ذلك بأربع سنوات كان الدستور، دستور سنة 1923، كما نص في ديباجته منحة من الملك استردها الملك في سنة 30 وألغى دستور 1923، وقام دستور سنة 30، ثم عاد الملك وأعاد دستور سنة 23، ليس هذا هو أسلوب ممارستنا الديمقراطية، لم يمنحنا ملك دستورنا الدائم، وإنما أردناه بملء حريتنا، ووضعنا فيه كل الضوابط والقواعد التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بملء إرادتنا وليس منحة من أحد، ولا يستطيع أن يسحبه أحد، هكذا كانت حياتنا البرلمانية وعلى مدى 29 عاماً تنتقل من تأجيل إلى إلغاء، في ملهاة حزبية، فسدت الحياة السياسية، ولسنا ننكر أن هذه القبة عرفت مناضلين شرفاء من أجل الديمقراطية ولسنا ننكر أنه رغم تلك الملهاة الحزبية، فقد برز رجال حافظوا على الدستور فأعطوا كل جهدهم للعمل الديمقراطي المسئول، ولكن النظام العام الذي حكم البناء الديمقراطي، كان لا يسمح إلا بمثل هذه الانتفاضات الفردية التي ضاعت صيحاتها في واد سحيق، غلبت عليه الملهاة، وانتهى بالشعب كله إلى المأساة.. إن يقظتنا وطموحنا إلى المزيد من الديمقراطية، فطالبنا أن تكون في مثل جدية التجربة وفي مثل وضوحها، والحكم الوطني أيها الأخوة والأخوات وسط هذه التحديات الخارجية والاقتصادية والاجتماعية، أقول الحكم الوطني عبء ثقيل، وهو تكليف بما فوق الطاقة، وهو في هذا الوضع لا يحتاج إلى تأييد يفرضه تحزب للأغلبية، ولا يحتاج أيضاً إلى تقويض تفرضه المعارضة من أجل المعارضة.
وسيلتنا الديمقراطية الحزبية وغايتنا مصر الديمقراطية:
إن الحكم الوطني وهو الجناح التنفيذي للبناء الديمقراطي يحتاج إلى تأييد يسهم بالرأي والفكر والدراسة... كما يحتاج إلى معارضة تسهم بالتقويم السليم والكشف الصادق عن أي قصور أو اعوجاج.. هذا هو الطريق الصعب في الممارسة الديمقراطية بوجهها الجديد أن ممارستنا نحن.. هذا هو الطريق الصعب البعيد عن الشهوات والمناورات.. وهذا هو وجه العائلة المصرية التي تحتضن الرأي والرأي الأخر لجميع أبنائها.. إنني أناشدكم جميعاً أن تكونوا سنداً قوياً لبناء الديمقراطية الاشتراكية.. أناشد كل الآراء وكل الاتجاهات الوطنية أن تمد يدها بالمشاركة الفعالة لدعم البناء وإرساء تقاليدنا.
وأقول لكم بالإقناع واليقين.. أنه إذا كانت وسيلتنا هي الديمقراطية الحزبية، فإن غايتنا جميعاً يجب أن تكون هي مصر الديمقراطية الاشتراكية.. وأرجو بكل الأمل أن يسبق الصالح الوطني.. صالح مصر وشعب مصر.. يسبق كل فكر يتجه إلى وسط أو يسار أو يمين... وإذا تعددت بدايات الطريق فإن خطونا جميعاً في نهاية الأمر بالرأي والرأي الأخر هو إلى طريق واحد هو طريق مصر.. وإلى هدف واحد هو عزة شعب مصر ورخاؤه.. وحقه الطبيعي في الحياة الكريمة.. هذا ندائي لكم اليوم، وهو تأكيد لرسالتي إليكم في 14 مايو من هذا العام عندما قلت أننا نمارس الديمقراطية مع الالتزام بمبدأ أساسي هو أن تكون المصلحة القومية العليا لمصر دون تعصب فوق الأحزاب جميعاً.
أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب
بقيت لي كلمة أريد أن أوجهها إلى من يريدون النيل من تجربة الديمقراطية بعبارات التشويه أو شعارات التجريح، وكلها نابعة من حقد مرير أو فهم أبله غرير... يقولون أن الأحزاب بوضعها الحاضر نشأت من أعلى باسم السلطة، وكان الأجدر لنأخذ صفة الأحزاب أن تنشئها قواعد الجماهير.. هؤلاء الذين يقولون بذلك يتجاهلون عن شهوة أو غرض أن أحزابنا نشأت لأول مرة في حياتنا البرلمانية بانتخاب حر نزيه مباشر اشتركت فيه كل قواعد الجماهير بالملايين. لقد أعطى الناخبون أصواتهم لمرشحي التنظيمات الثلاثة بمبادئها وبرامجها المعلنة.. ولم يكن إطلاق صفة الحزب على كل تنظيم إلا إقراراً بحقيقة وتسجيلاً لواقع فرض نفسه منذ بدأت إجراءات الانتخابات.. ويقولون أيضاً أن الأحزاب بوضعها الحاضر هي نسخة مكررة من الاتحاد الاشتراكي.. يقولون بهذا بعد أن لفظنا تماماً بناء التنظيم الواحد والرأي الواحد.. وبعد أن انطلقت الآراء والأفكار إلى قنواتها الطبيعية المتعددة بمحض الإرادة والاختيار.. وبعد أن صدر قانون الأحزاب.. وبعد أن هيأنا كل الأجواء لصدور صحافة الأحزاب..
ثورة 15 مايو أسقطت هياكل حكم الفرد
يقولون بهذا الزعم والتشويش بعد أن أسقطت ثورة 15 مايو كل هياكل حكم الفرد الواحد في كل المواقع السياسية والتنفيذية. ولكنهم يقولون لأنهم لا يعلمون ولا يريدون لغيرهم أن يعلم، لقد تخلفوا بالفكر والجمود عن حركة التقدم، وتقوقعوا بالحقد والمرارة في عزلة كاملة عن نبض الجماهير.. -الجماهير التي تبني الديمقراطية بطموح المزيد من الديمقراطية.
أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب:
لقد مضت دورة.. دورتكم الأولى بجهد ملحوظ في مجالات التشريع والتنمية والرقابة الشعبية، وإنني أراها باقتناع كامل خطوة مزدهرة ونحن نؤسس البناء، ونحن ننمي البناء بالتخطيط العلمي المتطلع إلى مجتمع سنة 2000، وقد هيأت لنا سياسة الانفتاح أن نستعين بكل الخبرات، وأن نستلهم الخط الصحيح من كل التجارب التي سبقتنا في مضمار التقدم التكنولوجي المذهل الذي يحكم عالم اليوم بسلطان العلم والحساب الدقيق.. ونحمد الله سبحانه وتعالى على أن جماهيرنا قد تفهمت هذه الحقائق العصرية وأحبطت بوعيها بمصالحها كل ما أثارته الأصوات المتحجرة أو الجامدة أو تلك التي تريد لنا أن نختلق في أثار الأستار الحديدية لكي نعود إلى مذلة التبعية وهوان الإرادة المسلوبة واشتراكية توزيع الفقر. ولكن الجماهير تطالبكم بالشيء الكثير.. إن آلام الجماهير ألح عليها من آمال الانتظار الطويل، وتطلع الجماهير إلى الحلول السريعة لمتاعبها اليومية يشجب في يقينها أي تكاسل أو تهاون في مواجهة المشكلات التي تستوعبها الحلول الذاتية وإرادة العمل ويقظة الضمير. إن ثقة الجماهير فيمن يمثلها تحت هذه القبة تعطيها الحق كل الحق أن ترى هذا المجلس بلجانه خلية ثورية متكاملة من العمل المتصل للإنجاز السريع والمواجهات المتوثبة لكل أنين يصل إلى بيت الشعب مستخدماً قناته الشرعية، فهذا أساس ثابت في ديمقراطيته.. إن من حق كل مواطن أن يصل صوته إلى بيت الشعب ليعبر بملء الثقة.. هذا بيتي هنا وهذا حقي هنا.
من أجل هذا فإنني أتطلع مع الشعب إلى دورة إنجاز كبير لكل التشريعات التي لم يسعف الوقت لإنجازها في الدورة السابقة، وللتشريعات الجديدة التي يفرضها التخطيط الكامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في ظل سياسة الانفتاح.
والإنجاز الكبير يتطلب مشاركة جماعية متكاملة ملتزمة بمبادئ التطور.. لا يتخلف فيها عضو عن أداء واجبه الوطني الدستوري.. وحتى لا يلمس من يتتبعون التجربة الديمقراطية أن أي نكوص عن مبادئ التطور الاشتراكي الذي يطالبنا في كل ما نشرعه بعدالة توزيع الأعباء.. فلا ارتداد إلى مجتمع القلة والقمة، ولا نكوص عن تكريم عرق كل من يبذل عرقاً على أرضنا.. عرق الكادحين وعرق القادرين.. عرق العائلة المصرية بكل أبنائها.. وتكريم عرق الكادح هو التخفيف عن أعبائه.. وتكريم عرق القادر هو بتحمله القدر الواجب من أعباء الوطن ما دمنا قد حررنا الإنتاج الوطني من القيود المعوقة، وما دمنا قد أمنا كل نشاط من أي انتقاض مباعث بمصادرة أو تأميم حتى يثمر مجتمع كل المنتجين.
أيها الأخوة والأخوات:
يبقى أن أضع أمامكم ومن خلالكم إلى الشعب الموقف الخارجي كما هو اليوم. تعلمون أنني منذ أن تحملت الأمانة التي عهد بها الشعب إليِّ بكل إيمان بالله سبحانه وتعالى وبكل ثقة بالنفس وأمل في المستقبل، أقول آليت على نفسي أن أكرس كل فكري وعملي للقضية الوطنية والقومية، فليس أعز على النفس من تحرير تراب الوطن واسترداد حقوق شعب شقيق وضعته الأقدار معنا ووضعتنا معه في وحدة مصيرية لا انفصام لها.. وقد كان ولا يزال قدر مصر دائماً أن تتحمل العبء الأكبر في أي مواجهة بين الأمة العربية وأعدائها والطامعين فيها، وتلك ضريبة يتقبلها الشعب المصري بكل رضا وقناعة، لا استسلاماً للمقادير، وإنما خياراً إرادياً لطريق الكفاح عن إدراك تام بتبعاته الجسام ومخاطره التي لا حد لها والتضحيات التي يتطلبها بالروح والدم والقوت.
وبحكم الوعي التاريخي الذي ترسب في أعماق شعب مصر على مر الزمن والرصيد الحضاري الهائل الذي يستند إليه في كل خطوة يخطوها، فقد احتفظ شعبنا على الدوام وتحت أقسى الظروف بالقدرة الفائقة على وضوح الرؤية وتحديد الهدف، والتفرقة بين ما هو أساسي مبدئي في مسيرة النضال الوطني، وما هو هامشي عارض لا يمس جوهر القضية، وسرعان ما تتجاوزه الأحداث فيسقط في زوايا النسيان.
جنيف ليس هدفاً ولكن وسيلة للسلام:
من هنا كان إصرار شعبنا على العمل بكل ما أوتي من قوة من أجل تحقيق الهدف القومي الذي يسمو فوق كل هدف ويعلو على كل غاية ويرتفع إلى مصاف الفرائض الدينية لأن الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالجهاد ما استطعنا إليه سبيلاً من أجل الحفاظ على مقدسات الأمة والذود عن كرامتها وشرفها وردع العدوان الواقع على أبنائها. والمجاهد المؤمن حقاً هو من يحتفظ بالقدرة على مواصلة الجهاد إن حرباً أو سلماً، ويضع هدفه واضحاً نصب عينيه ثم يمضي نحوه بأقدام راسخة وهو عالم تماماً بالظروف المحيطة به، قادر على التمييز الواعي بين الخط الاستراتيجي الثابت والحركة التكتيكية المرنة. ثم أن الثوري الأصيل لا يمكن أن ينطلق في نضاله من تجاهل الواقع أو التعامي عنه، وإنما يبدأ من رؤية صادقة للواقع وتصميم أكيد على تغييره بما يتفق مع معتقداته ومبادئه ومصالحه العليا. لذلك فقد كانت أمتنا صادقة كل الصدق حين خاضت المعركة المجيدة منذ 4 أعوام خلت، ثم أنها كانت ولا تزال أمينة في دعوتها للسلام مخلصة في رغبتها في إحلاله في ربوع المنطقة، لأن هدفنا في النهاية هو أن يعيش كل في وطنه وداخل حدوده آمناً على نفسه وماله ومقدساته قادراً على الإسهام بسخاء في تقدم البشرية وتوجيه كافة طاقاته إلى تحدي التنمية والتقدم، وتذكر أنني لم أتردد في مواجهة إسرائيل بتحدي السلام وحرمانها من سلاح كثيراً ما شهرته في وجهنا في المحافل الدولية وحققت به على حسابنا كثيراً من المكاسب بغير حق، إذ ارتدت قناعاً زائفاً واختلست لنفسها على الصعيد الدولي صورة الداعي للسلام المنادي بنبذ الحرب والعنف والدمار، وكانت دعوتي للسلام سابقة للحرب ثم مصاحبة وتالية لها، فقد طرحت من فوق هذا المنبر مبادرة في الرابع من فبراير 1971، دعوت فيها إسرائيل بالقيام بانسحاب جزئي على الشاطئ الشرقي للقناة كمرحلة أولى على طريق جدول زمني يتم وضعه بعد ذلك لتنفيذ باقي بنود القرار 242، وبالمقابل قلت أننا على استعداد عندئذ للبدء في تطهير مجرى قناة السويس وإعادة فتحها للملاحة الدولية خدمة للاقتصاد العالمي. وعندما كنا في أوج انتصارنا العسكري الخالد توجهت إلى العالم مرة أخرى من فوق هذا المنبر بمبادرة في السادس عشر من أكتوبر 1973 دعوت فيها إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في ظل الأمم المتحدة يشترك فيه ممثلو شعب فلسطين البطل باعتباره طرفاً أساسياً في القضية، وكانت تلك المبادرة في الواقع هي ا لشرارة الأولى التي تولد عنها مؤتمر جنيف، عندئذ وضعت إسرائيل ولأول م رة منذ قيامها أمام خيار لا تستطيع الإفلات منه أو التلاعب فيه، ولا تستطيع المضي في خداع الرأي العام بدعوة أنها راغبة في السلم، ولكن العرب هم الرافضون، اسمحوا لي أن أتوقف هنا لحظة لكي أتحدث إليكم والى شعبنا وأمتنا عن آخر التطورات المتعلقة بالمؤتمر باعتبار أنه مطروح في الساحتين العربية والدولية ليس كهدف في حد ذاته، وإنما كوسيلة يمكن أن تؤدي إلى تحقيق الهدف، إذا نحن استطعنا أن نستثمر عناصر القوة لدينا حتى نضع إسرائيل أمام خيار قاطع بين سلام قائم على العدل والشرعية أو مواجهة لا يعلم أحد مداها أو الآثار التي يمكن أن تترتب عليها، فهي مواجهة سوف تسخر لها الأمة العربية كل طاقاتها المادية والمعنوية، وتعرفون جيداً سجل الجهود التي في الأشهر الأخيرة، بهدف عقد المؤتمر في أقرب وقت ممكن، وبالتحديد قبل نهاية هذا العام، بشرط أن يسبق انعقاده الإعداد له إعداداً جدياً يبشر بتحقيق الهدف من انعقاده، هذا الإعداد يوصلنا إلى التوصل إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة خلال فترة زمنية معقولة، ويحول دون تحول المؤتمر إلى منصة للخطابة أو ساحة للمبارزة الكلامية وتبادل الاتهامات وتسجيل المواقف بقصد الدعاية.
أبرز إنجازات كارتر انفتاحه على قضية فلسطين
ومن الإنصاف أن أقول أن الولايات المتحدة قامت بجانب كبير من هذه الجهود، وأن الرئيس كارتر كرس جزءاً كبيراً من وقته واهتمامه للمشكلة وأعطاها أولوية متقدمة على كثير من المشاكل التي تواجهه في الداخل والخارج، وتلك الظاهرة نسجلها له بكثير من التقدير لأنها تعكس رؤية ثاقبة لطبيعة الصراع وأبعاده الإقليمية والدولية والآثار التي يمكن أن تنجم عن استمراره في جميع أنحاء العالم، وفضلاً عن ذلك المسئولية الخاصة التي تتحملها الولايات المتحدة في هذا الصراع بالذات بالنظر إلى ما قدمته وتقدمه لإسرائيل من دعم عسكري وسياسي واقتصادي ودبلوماسي، ولعل أبرز إنجازات الرئيس كارتر في هذا الصدد هو انفتاحه على قضية الشعب الفلسطيني، تلك التي استطاعت إسرائيل بدعايتها الكاذبة وسطوتها المعروفة داخل المجتمع الأمريكي أن تطمسها وأن تشوه ملامحها مدة تجاوزت ربع القرن، فإذا بالرئيس كارتر يتمكن خلال شهور معدودة من رفع الغشاوة عن أعين الشعب الأمريكي ووضع القضية الفلسطينية في إطارها الصحيح، سواء في بعدها السياسي الذي يتعلق بحق شعب فلسطين في تقرير المصير وإقامة دولته على أرضه، وفي وطنه، أو في بعدها الإنساني الخاص برفع الظلم الذي حاق بأكثر من مليون فلسطيني فرض عليه قسراً وعنوة أن يعيشوا في التيه خارج أرضهم وديارهم، وربما كان الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية كما يبلوره ويعبر عنه كارتر في حاجة إلى مزيد من التطور والتنقية من الشوائب التي لا زالت عالقة به من وجهة نظرنا نحن، ولكن الحقيقة أن هذا الموقف هو أول محاولة جدية لتصحيح مسار السياسة الأمريكية وإرسائها على مبادئ واضحة بحيث يسهل فهمها والتعامل معها والتنبؤ بالمسار الذي ستأخذه في المستقبل. ونحن جميعاً نعرف أن الولايات المتحدة تقدمت في 29 سبتمبر الماضي بعد اتصالات مكثفة بالأطراف بدأت في المنطقة، في فبراير الماضي وانتهت في واشنطن في الأسبوع الأخير من سبتمبر بورقة عمل موجزة تعالج الجوانب الإجرائية المتعلقة باستئناف مؤتمر جنيف بما يتيح اشتراك الممثلين الشرعيين لشعب فلسطين في المؤتمر أسوة بباقي الأطراف، وبهذا المعنى كانت الورقة أول تقنين رسمي للاتجاهات الأمريكية الجديدة نحو القضية الفلسطينية. في الخامس من أكتوبر عادت الولايات المتحدة فصاغت ورقة جديدة تحت تأثير حملة إسرائيلية محمومة ألقت فيها إسرائيل بجميع أسلحتها المرئية والخفية على المسرح الأمري كي، واستعرضت عضلاتها بغير حياء، ورب ضد الرئيس كارتر وأعوانه بقصد إج بارهم على الارتداد إلى موقف التأييد المطلق لإسرائيل، أخطأت أم أصابت، كما فعل جونسون، وعدم السير خطوة واحدة أبعد من الموقف الإسرائيلي، كان طبيعياً في ظل هذه الظروف أن تكون لنا ملاحظاتنا وتحفظاتنا على ورقة هذا شأنها، ومن ثم فلم نتردد عندما أبلغنا بها في الرابع عشر من أكتوبر، لم نتردد في وضع ملاحظاتنا ومآخذنا عليها أمام الجانب الأمريكي بكل صراحة وأمانة وبكل ولاء للهدف القومي الذي لا نحيد عنه قيد أنملة، ووفاء لأبناء هذه الأمة وأرواح شهدائها الأبرار، في هذه الأثناء صدر بيان سوفيتي أمريكي مشترك في مطلع شهر أكتوبر تعرض للجوانب الموضوعية للتسوية السلمية، ونحن بطبيعة الحال لا ننظر إلى هذه البيانات كأنها تنزيل من العزيز الحكيم، وإنما نضعها في إطارها الصحيح إعلاناً عن النقطة التي التقت حولها آراء ومصالح الدولتين الأعظم اللتين تحتلان مكانة خاصة على الصعيد العالمي بحكم نفوذهما السياسي والاقتصادي والعسكري، ولكنهما لا تستطيعان في الربع الأخير من القرن العشرين إملاء إرادتهما على أحد.
ثم أننا على أي حال نعتبر من الظواهر الإيجابية أن توجه الدولتان العظميتان اهتمامهما إلى مشكلة الشرق الأوسط باعتبارها مشكلة ملحة وعاجلة يجب إعطاؤها أولوية قصوى على كل ما عداها، نتيجة لكل هذه الاتصالات والخطوات أصبح الطريق أمام مؤتمر جنيف مفتوحاً على أسس جديدة تختلف بالضرورة عن التصورات الإسرائيلية، وأصبح لدينا ما يدعونا إلى الاطمئنان إلى توفر أهم العناصر التي لا غنى عنها لصحة انعقاد المؤتمر وسلامة الاتجاه الذي يأخذه. وأشير بالذات إلى نقطتين أساسيتين:
الأولى: تمثيل الشعب الفلسطيني، تمثيلاً حر وحقيقي لا دخل لإسرائيل به ولا يد لها فيه.
الثانية: بحث القضية الفلسطينية بشقيها السياسي والإنساني في الإطار السليم بعيداً عن ضباب الغموض.
وإذا كان الطريق إلى المؤتمر قد أصبح مفتوحاً إلى حد كبير فانه يبقى علينا أن نعد له إعداداً كافياً وبكل جدية وبكل شعور بالمسئولية، لا باعتباره نهاية المطاف، فما هو بذلك، وإنما على أساس أنه فرصة تاريخية سانحة لإجبار إسرائيل على التخلي عن الأرض المحتلة وعن أحلام التوسع وعن الوقوف في وجه حق الشعب الفلسطيني في الحياة عزيزاً كريماً في وطنه كسائر الأمم والشعوب، والكشف عن وجهها الحقيقي على مشهد ومسمع من العالم.
لا نخشى مواجهة إسرائيل بعد وضعها في حجمها الصحيح
ويهمني ونحن نقترب من تلك المرحلة الدقيقة أن أضع أمامكم وأمام الأمة العربية الخطوط العريضة التي نهتدي بها في تحررنا:
أولاً: أننا لا نخشى على الإطلاق أية صورة من صور المواجهة مع إسرائيل، فقد وضعناها في حجمها الصحيح دون مبالغة ترفعها إلى مصاف القوى الجبارة القادرة على أن تقول للشيء كن فيكون، أو استهانة سهلة تجعلنا نظن أنها كيان هزيل لا حول له ولا قوة. إنما انكمشت إسرائيل بعد حرب رمضان المجيدة إلى حجمها الطبيعي، فأصبحنا نراها كياناً يمكن وقفه عند حده وردع عدوانه، ومهما أوتيت إسرائيل من قوة وسطوة فيما وراء الحدود ومهما كانت الشبكات التي تعمل لحسابها وتأتمر بأمرها على المسرح الدولي، فلدينا نحن من عناصر القوة ما يفوق كل ما تستطيع إسرائيل أن تعبئه في أي مواجهة، كما أن لدينا من الرصيد الحضاري والنضالي ما يمكننا من الصمود عسكرياً وسياسياً ونفسياً ولدينا من الدراية بالخصم وأساليبه ما يضمن لنا التغلب عليه في أي مجال، ثم أن لدينا قبل هذا وذاك إرادتنا الحرة القادرة على حماية مصالحنا والتمييز بين ما يمكن أن نقبله وما يجب أن نرفضه، نحن نقبل ما نقبل ونرفض ما نرفض من واقع رؤيتنا للهدف وإصرارنا على بلوغه، لا تحت ضغط الخوف أو فقدان الثقة أو عدم اليقين. كل هذا وفي معركة أكتوبر، ثم أننا في هذا الموقف أو ذاك لا نستلهم سوى قيمنا الخالدة وتراثنا العريق وعزة وطننا.
ثانياً: أننا في كل تحركنا نحرص على أن نوفر للأمة العربية أقوى وأمضى أسلحتها، وهو التضامن العربي الحقيقي، ذلك الذي هو تعبير عن الإيمان بوحدة الهدف والمصير وبوحدة المصلحة والخط الاستراتيجي، وان اختلفت الاجتهادات والظروف التي يراها كل منا مؤدية إلى الهدف. وليس سراً أنني حرصت على إقامة التضامن العادل والحفاظ عليه منذ اليوم الأول الذي كلفني فيه الشعب بتحمل المسئولية، وحين كان هناك من يشككون أو يتشككون في إمكان قيام التضامن في عالم الحقيقة والواقع. وكان هناك من يصرون على تصنيف أمتنا ما شاء لهم الخيال أن يصنفوا، ويتفننوا في إيجاد عوامل التفرقة وأسس الخلاف، هذا تقدمي وهذا رجعي وهذا ملكي وهذا جمهوري، كان هناك إصرار تام من جانبي على رفض كل هذه الدعاوى ولا زلت، وكان هناك إصرار تام أيضاً ولا يزال من جانبي على إزالة الاستقطاب الذي كان قائماً في العالم العربي، وعلى هذا فليس هناك من يحرص على التضامن العربي أكثر من حرصنا عليه، ولا من يؤمن بوجوب تنسيق الموقف العربي مثلما نؤمن به ونجاهد في سبيله.
وفي هذا المجال يسعدني أيها الأخوة والأخوات أن أقول لكم.. أنني في جولتي التي زرت فيها رومانيا وإيران والمملكة العربية السعودية كان هدفي أيضاً هو التنسيق.. ولقد استقبلت... ونسعد جميعاً بمشاركة أخ عزيز.. وصديق نضال رائع هو الأخ ياسر عرفات الذي يجلس معنا.. في المملكة العربية السعودية، كان هناك تنسيق كامل مع الأخ ياسر عرفات.. قائد منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد لشعب فلسطين.. كان هناك أيضاً تنسيق.. واستمرت لقاءاتنا أيضاً في هذا اليوم وقبل أن أتي إليكم مباشرة، اتصل بي أخي حافظ الأسد تليفونياً.. وقد اتفقنا على أن أزوره إن شاء الله بعد أن أنجز بعض الأعمال الملحة لكي نتدارس أيضاً أمر التنسيق والالتزام العربي في أروع صوره وأشكاله.. لا شك أننا قرأنا جميعاً بكل الأسى والإشفاق ما يجري اليوم بين الجزائر والمغرب.. والجزائر والمغرب شعبين شقيقين، وكما قلت لكم كان دائماً هدفي منذ أن تسلمت المسئولية بإرادة هذا الشعب أن أعمل على التضامن العربي في كل صورة.. المشكلة الماضية حينما كانت المواجهة أمراً يكاد يكون حتمياً بين المغرب والجزائر، كما تعلمون أوفدت نائب الرئيس حسني مبارك حيث قام بجهد مشكور ورائع أمكننا بفضله أن نوقف.. أو أن نتجنب هذه المواجهة بين شعبين شقيقين لنحارب معركتنا معاً.. اليوم لا شك كما قلت أننا جميعاً قرأنا بأسى ما استجد بين الشعبين، ولذلك فإنني أخطركم جرياً أيضاً على السياسة التي أخذت نفسي بها.. وهو إقامة أصلب وأروع تضامن عربي مهما كانت الخلافات.. أقول لكم أنني سأوفد إنشاء الله باكر نائب رئيس الجمهورية لكي يقوم عنكم وعن مصر بالعمل بين المغرب والجزائر لكي نتفادى أية مضاعفات للتضامن العربي.
مصر حاضرة دائماً من أجل التضامن العربي
يجول في الساحة العربية اليوم أمر آخر هو عقد مؤتمر قمة.. وكما قلت لكم أن مصر لا تمانع أيضاً.. بل ترحب باللقاء العربي وبالتضامن العربي.. وبالأخوة العرب.. ولكن أخشى أن يكون هذا اللقاء في هذا الوقت سابقاً لأوانه، بمعنى أننا قد اتفقنا في آخر مؤتمر قمة عربي في الرباط، ثم كان المؤتمر الذي عقد في القاهرة في استراتيجية عربية ثابتة.. يعني تعبر عن مبدأين:
المبدأ الأول: هو الأرض العربية المحتلة بعد عام 1967.
والأمر الثاني: هو عدم المساومة على حق شعب فلسطين وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته، وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
أخشى إذا ما دعي البعض إلى عقد مؤتمر قمة أن لا يكون هناك جديد لأننا كما حكيت لكم الآن بصدد الإعداد لجنيف، ولم يحدث شئ جديد والتزامنا بالاستراتيجية العربية قائم.. ولكن على كل الأحوال إذا ما أراد الأخوة العرب عقد هذا المؤتمر، فمصر أبداً لا تمانع.. بل أن مصر تعتز دائماً بأن أول مؤتمر قمة عربي كان على أرضها.. وأن الجامعة العربية على أرضها، وأنها حاضرة في كل زمان ومكان من أجل التضامن العربي ومن أجل الأخوة العربية.
إذا كان التضامن العربي ضرورياً لازماً بين جميع أبناء الأمة العربية، فانه فريضة أشد ضرورة فيما بين من يتحملون مسئولية مباشرة في المواجهة مع إسرائيل. ولذلك فإننا لا ندخر جهداً في سبيل التنسيق مع شركائنا في خط المواجهة ونتبادل معهم الرأي والمشورة في كل ما يؤثر على القضية إيجاباً أو سلباً. وسوف يظل هذا خطنا على الدوام.. حكيت لكم عن لقائي بالأخ ياسر عرفات الذي نسعد بوجوده معنا اليوم والحديث التليفوني الذي جرى بيني وبين الرئيس حافظ الأسد اليوم، ثم منذ يومين لقائي بالأخ الملك حسين هنا أيضاً للتنسيق والعمل على توحيد الموقف العربي، خاصة وقد اتفقنا على أن يكون ذهابنا إلى جنيف في وفد عربي موحد يستلزم أن ننسق جميعاً خطواته.
نقلنا التمزق إلى إسرائيل بعد حرب أكتوبر:
ثالثاً: أننا في كل تحرك نقوم به وكل خطوة نخطوها يجب أن نركز على الجوهر ولا ننصرف عنه إلى الاهتمام بالشكل أو التحجر في القوالب الجامدة التي لا تمس صلب القضية ولا تؤثر على مصلحة النزاع، وإذا كان التاريخ خير معلم، فإن صفحاته تنبئنا بأن الثوريين الحقيقيين هم الذين يحددون الهدف أمامهم واضحاً ويسعون إليه مهما كلفهم ذلك من تضحيات، دون أن يتوقفوا أمام الشكل أو يحولوا أنظارهم عن جوهر القضية التي يكافحون من أجلها إلى الأشكال والقوالب والصيغ التي لا تتصل بالموضوع، وتتحقق هذه الظاهرة بدرجة أكبر كلما كانت القضية عادلة، لأن مثل هذه القضية يكون من الصالح ألا يتوقفوا عند الشكل أو أن يضيعوا وقتهم وجهدهم في مناقشات عقيمة حوله. ولذلك فقد ألينا على أنفسنا ألا نتوقف أكثر مما ينبغي عند الأمور المتصلة بالإجراءات والشكل، وأن نفوت على إسرائيل غرضها ونرفض أن نلعب لعبتها، بل أن نفرض عليها مواجهة شاملة تنفذ على الفور إلى صميم الموضوع ولُبَّه، بحيث لا يمضي وقت إلا وقد توغل البحث في أساس النزاع ومصدر الصراع، الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية إهدار لحقوق شعب فلسطين، كل هذا يجب أن ننفذ إليه بلا هوادة. عندئذ لن يستطيع أحد أن يطلب إلينا أو أن يعرض علينا ما لا نراه محققاً لهدفنا كاملاً لأننا في تحديد هذا الهدف لم نكن مغالين أو متجنيين، بل أننا التزمنا فيه بشهادة الجميع بالشرعية الدولية وحكم القانون وما أرسته جماعة الدول المتمدينة فيصلاً بين الحق والباطل والصواب والخطأ. وهنا نقف وقفة بسيطة لكي أقول لكم حكيت لكم عما أرسلته أمريكا الورقة الأولى ثم الورقة الثانية. ومن جانب إسرائيل نلاحظ أنه بيتلقوا هذه الأمور بنوع من العصبية والهستيرية لماذا؟ لأننا نقلنا فعلاً كل عوامل التمزق وكل ما كنا نعانيه قبل معركة أكتوبر، نقلناه بعد معركة أكتوبر إلى إسرائيل، لدرجة كنت أتحدث إلى بعض الصحفيين في الطائرة أثناء عودتي من الرحلة الأخيرة. وكنت أحكي لهم عن تاريخ الخطوات لعقد مؤتمر جنيف من ضمن هذه الخطوات أنه لما كان فانس يزورنا هنا في الصيف الماضي اقترحت تكوين لجنة عمل، حكيت هذا الأمر، أنه اقترحت وقت الصيف. بعد ذلك سافر فانس ورجع و... و ولم يكن هذا اقتراح أتقدم بيه على الإطلاق، أنا أبداً ولكن إخواننا الصحفيين فهموا أن ده يمكن يكون اقتراح، قاموا خرجوا بيه إسرائيل في الحالة الهستيرية والعصبية ومجلس الوزراء الإسرائ يلي يجتمع ويدرس اقتراح السادات و... و... و وبعدين بعد ساعات طلع لهم أنه ما فيش اقتراح ولا حاجة إطلاقا، ده أنا بأحكي التاريخ قديم بقالوا ستة أشهر ومفيش اقتراحات جديدة، بنوري نوع من العصبية لدى الإسرائيليين.
أنا حكيت هذا كان هنري كيسنجر ونحن نتفاوض عن فض الاشتباك الثاني في سبتمبر 75 يسافر من تل أبيب إلى الإسكندرية حيث كنت موجود، ويلتقي بيه علشان تغيير كلمة أو شكلة أو حرف أو جملة، لدرجة في مرة من هذه المرات قلت له شئ عجيب يعني هذا الكلام لا يساوي ثمن الوقود اللي انت بتستهلكه من تل أبيب إلى إسكندرية، لكن هذا هو شأنه الإسرائيليين هو شأنهم.
لا ضياع أبداً ونحن أصحاب القرار:
سمعتوني الآن بأقول نحن لا نحفل أبداً بكل الأساليب الإجرائية وأقولها صريحة أمامكم لشعبنا وللأمة العربية وللعالم أجمع.. نحن مستعدون للذهاب إلى جنيف والجلوس من أجل قضية السلام، بغض النظر عن كل تلك الدعاوى الإجرائية التي تتمسح بها إسرائيل وتريد أن تضيع علينا الفرصة أو أن تثير أعصابنا لكي نقول كما كنا نقول في الماضي لا.. لا نريد ولا نذهب وتخرج هي إلى العالم بأنها داعية السلام.. أبداً أي عملية إجرائية أنا موافق عليها، ليه؟ في النهاية لما نروح جنيف.. عندما نذهب إلى جنيف لن تستطيع إسرائيل أن تمنعني من أن أتمسك بالأرض المحتلة بعد 67.. الأرض العربية.. لن تستطيع إسرائيل ولا أي قوة أن تمنعني أن أطالب بالحقوق المشروعة وحق تقرير المصير وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.. هذا هو ما تريد إسرائيل أن تتجنبه بمحاولة اللعب عن طريقة عملية الإجراءات بزيادة كلمة أو نقص كلمة أو إعلان يصدر عن اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي، ويحاولوا به أن يثيروا الأمة العربية كما كانوا يفعلوا في الماضي، فتنهار الأعصاب والبعض تصيبه التشنجات ونخرج ونقول لا نريد أن نذهب إلى جنيف.. لا.. أبداً.. أنا أمامكم وأمام شعبنا وأمام الأمة العربية لا تهمني العمليات الإجرائية على الإطلاق، فلتكن الإجراءات وليكن انفعال وهستيرية إسرائيل ما تكون.. أنا ذاهب إلى جنيف، وكما قلت لن تستطيع لا إسرائيل ولا قوى العالم مجتمعة أن تثنيني عما أريد.. الأرض العربية في 67.. حقوق شعب فلسطين وحقه في قيام دولته.. ما دام هذا.. أو ما دامت هذه هي قناعتي الذي يخشى جنيف هي إسرائيل.. لا يجب أن يخشى جنيف أي عربي أبداً ليه؟ لأنه إحنا صدرنا زي ما قلت لكم.. كما قلت صدرنا التمزق.. صدرنا الخوف.. صدرنا الانهزامية.. صدرنا الشك والريبة.. كل اللي كنا بنعيشه صدرناه إلى المجتمع الإسرائيلي.. فلما نعيده لأنفسنا تاني.. ليه؟.. أبداً.. أنا جاهز أذهب إلى جنيف، بل لا أخفيكم وأنتم ممثلو الشعب وعلى مسمع من شعبنا وعلى مسمع من أمتنا العربية.. سمعتموني أقول أنني مستعد أن أسافر إلى آخر هذا العالم إذا كان في هذا ما يحمي أن يجرح مش يقتل.. أن يجرح عسكري أو ضابط من أولادي.. أنا أقول فعلاً مستعد أن أذهب إلى آخر هذا العالم، وستدهش إسرائيل حينما تسمعني الآن أقول لا نرفض.. إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم.
أحمد الله... أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب.. لا وقت ولا ضياع أبداً ونحن أصحاب القرار ولا قرار إلا بإذن الشعب، والشعب يريدنا أن نتجه إلى الأمام لكي نعوض ما فات وما فاتنا كثير.. الشعب يريدنا أن نعمل بأكثر مما نتكلم.. الشعب يريدنا أن نعطي كل العرق لبناء الغد الجديد، فلا فائدة من تنابذ على ماضي ذهب وولى أو بكاء وتباكي على أنقاض تراكمت وزحمت الطريق. فإن إرادة العمل قادرة دائمة على تعبيد الطريق.. قادرة دائما وبعرق الإنسان على تحويل الأنقاض إلى مساحات بناء وعمران.
إن التأثير الإيجابي على الحياة اليومية للجماهير سيراً لحقها في الخدمات وتوفيراً لحقها في عائد عادل لجهدها هو الكلمة الوحيدة التي تقبل الجماهير سماعها، لأنها ترجمة للكلمة بالعمل، والعمل المنتج الملموس هو وحده البذرة الصالحة لنمو الأمل الصادق في صدور الجماهير.. والأمل الصادق ليس صيحات زيف وخداع أو شعارات تبرير وتخدير.. الأمل الصادق هو حلم الثائر يريد له الثائر أن يتحقق وهو المنار المشرق لخطى العمل.
أحمد الله فالمستقبل كله أمل.. سمعتم عن رحلتي التي سأقوم فيها بزيارة لمحافظات من الجمهورية.. وأريد أن أقرر أمامكم هنا أنني سأحرص على أن أوفر في هذه الرحلة الأرض وستبدأ بمليون فدان إنشاء الله لكي توزع على أبناءنا.
بدأنا والحمد لله.. مدينة عشرة رمضان اليوم تنار، ولو أنه يبقى شهرين فقط ويبدأ فيها العمل.. ولكن استخرجت المياه ووصلت الكهرباء والنور، وبعد شهرين فقط أي قبل نهاية هذا العام يبدأ الذين تملكوا فيها هناك استلام أراضيهم وبدء البناء.. مصانع البيوت الجاهزة وصلت.. التركيز على الطعام، كما قلت لكم بكل بقوة وبكل تركيز مستمر.. أعدكم أنه في منتصف العام القادم إنشاء الله ستكون الإنجازات واضحة في هذين المجالين، وهما مجال الطعام والإسكان.. أعدكم أن في رحلتي المقبلة أن أبني الأمل لكل مواطن في هذا البلد لكي يبني حياته.. ولكي يتملك من أرضنا الطيبة.. أرضنا وهي أنبل ما في مصر.. لكي يتملك جزء من هذه الأرض فيحس دائماً بالانتماء في كل النواحي. أتابع برغم كل ما أقرأه.. أتابع الإنجاز اللي بيتم بواسطة الحكومة في كل المرافق التي أهملت، كالتليفونات وغيرها.. وكيف أنه أحدث ما في العصر الآن يستخدم لإزالة كل هذه المعوقات، المسألة كلها أنه في وقت قصير على الحكومة أن تقوم بأعمال لا يتصورها العقل، ومع ذلك أحمد الله من متابعتي وقد طلبت أن تطلعوا أنتم.. ويطلع الشعب على كل هذه الخطوات حتى نعرف أننا بحمد الله نسير في الطريق السليم.. وأن الأمل مشرق.. إننا بسبيل أن نجتاز عنق الزجاجة التي نحن فيها الآن.. وبمجيء سنة 1980 إنشاء الله بنبدأ مرحلة الانطلاق من أجل رخاء كل مواطن ومن أجل تحقيق رفاهية كل إنسان على هذه الأرض.
كلمتي إليكم.. ونحن على مشارف دورة عمل جديدة.. كلمتي إليكم.. ازرعوا الأمل.. افتحوا طاقات النور.. اطردوا الأحقاد وصانعة الشر والشرور.. بشرط العمل.. بشرط بالإيمان.. بشرط بالحب.. بالعمل وبالإيمان وبالحب نصنع الخير ونبني أمجاد الحياة.
سورة آل عمران، آية 8 رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.
والسلام عليكم ورحمة الله،،،
  ===========================

المصدر: موسوعه مقاتل من الصحراء على شبكه الانترنت

This site was last updated 08/25/12