Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

الحلقة الثانية من مذكرات السرية لمؤسس جهاز مخابرات الاخوان

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
3 مذكرات مؤسس مخابرات الإخوان
4 مذكرات مؤسس مخابرات الإخوان
5 مذكرات مؤسس مخابرات الإخوان
6 مذكرات مؤسس مخابرات الإخوان

 

الحلقة الثانية من مذكرات السرية لمؤسس جهاز مخابرات الاخوان
قصص اللقاءات السرية بين حسن الـبنا ونجوم الفن في الخمسينات

الموجز الخميس, 13 سبتمبر 2012 -
كشفنا في الحلقة الأولي من المذكرات السرية لمؤسس جهاز مخابرات الإخوان الدكتور محمود عساف كيف كان الرجل قريباً بل ومقارناً للإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وكيف نجح جهاز مخابرات الإخوان في اختراق سراي الملك والمنشآت الحيوية وتفاصيل اللقاءات السرية بين البنا والأمريكان وملامح البرنامج الاقتصادي للجماعة. وفي الحلقة الثانية نكشف تفاصيل اللقاء المهم والنادر بين البنا والفنان أنور وجدي كما انكشف من خلال نص المذكرات التي التزمنا بنشرها حرفياً عن مقالات التابعي وكبار الكتّاب الصحفيين التي تمتدح الإخوان وزادت من أرقام توزيع «روزاليوسف» و«آخر ساعة» وتفاصيل علاقة البنا باليهود واللقاءات المتبادلة معهم برعاية الحاخامات في مصر وكيف استقبل أهل حارة اليهود رجال المرشد العام وكيف تأثروا بأدب الرافعي واستشهدوا بمقالته وغيرها من المفاجآت التي تنشر لأول مرة خلال السطور التالية. الجندي المجهول اسمه محمد البنا.. وهو لا يمت للأستاذ الإمام بصلة قرابة.. كنت تراه كل مساء حاملاً بيده اليمني دلوه المملوء بالطلاء.. مرة يكون أسود اللون ومرة أحمر.. وفي يده الأخري عصاه التي يتكئ عليها عند الكتابة، ومعها فرشاة أو اثنتان للكتابة بهما. كان يبدأ عمله بعد الساعة 12 ليلاً والناس نيام والشوارع تكاد تخلو من المارة في ليالي الشتاء.. أما في ليالي الصيف فكان يبدأ عمله في الساعة الثانية صباحاً.. وينهي عمله صيفاً أو شتاء قبيل أذان الفجر. كان عمله شاقاً، ولم يكن يتقاضي عنه أجراً إلا مرضاة الله تعالي، وهو من إخوان ميت غمر، وأقام بالقاهرة لا يعرف له فيها عنوان محدد، لأنه يبيت عند أي من الإخوان الذين يعرفهم ويتناول طعامه معه أو مع غيره من الإخوان. كان يجوب القاهرة يبحث عن الحوائط الممهدة التي يمكن أن يكتب عليها، فإن كانت عالية استعان بالأحجار يرتفع عليها مثلما فعله نبي الله إبراهيم عليه السلام عند بنائه للكعبة مع ولده إسماعيل. ومتي وجد محمد البنا الحائط الملائم فإنه يكتب عليه «الإخوان المسلمون» بخط كبير مرة بالثلث ومرة بالفارسي ومرة بالنسخ ومرة بالرقعة الغليظ، وتحتها «دعوة الحق والقوة والحرية» بخط أصغر، غالباً ما يكون خطاً فارسياً أو ديوانياً. طلبته مرة وأنا أعمل مديراً لشركة الإعلانات العربية لكي يعمل معي بالنهار في كتابة الإعلانات التي كان يعدها القسم الفني عندنا، فأجاب معتذراً بأنه لا يستطيع أن يكتب علي الورق، بل علي الجدران فحسب، تلك موهبة من الله خط جميل بغير أن يتعلم قواعد الخط العربي. كان للافتات التي ملأت أرجاء القاهرة والتي كتبها محمد البنا وحده بدون مساعد، أثرها الكبير في نفوس الجمهور، وكنا نحن الإخوان نسعد كلما مررنا علي لافتة عليها لفظ «الإخوان المسلمون»، وكنت إذا أردت أن أري محمد البنا أجده دائماً بالقرب من باب مكتب الإمام بين المغرب والعشاء. ترتب علي هذه الحملة التي خططها ونفذها محمد البنا وحده، أن بدأ الناس الذين لا يدرون شيئاً عن الإخوان المسلمين يتساءلون عما هم، وبدأ الناس يتوافدون علي المركز العام وبخاصة في أيام الثلاثاء ليستمعوا إلي الحديث الأسبوعي للإمام.. وجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً معاهدين مبايعين علي ألا يأتوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، تائبين من كل عمل يخالف دين الإسلام. عاصر تلك الحملة تحقيق أجراه الأستاذ محمد التابعي في «آخر ساعة» وكان علي صفحة غلافها العنوان التالي: «رهبان الليل وفرسان النهار» ثم تحقيق صحفي يشغل صفحتين من مقاس «التابلويد» عن فكر الإخوان المسلمين، في الصباح اختفت المجلة من السوق في ساعاته الأولي، فأعاد الأستاذ التابعي طباعة المجلة مرة ثانية، ومالبثت «روزاليوسف» أن حذت حذو «آخر ساعة» ثم «المصور» والكل يحاول أن يكتب عن الإخوان لكي يزيد التوزيع. كان لتلك الحملة الصحفية المجانية أثرها في نشر الدعوة، لدرجة أن الإنجليز قدروا عدد أعضاء الجماعة بستمائة ألف أو يزيدون. المبيت مع الإمام كنت انتظر الإمام إلي أن يفرغ من عمله ثم أصحبه إلي داره في طريقي إلي داري، ويتحدث في الطريق عن شئون الدعوة وعما حدث معه في ذلك اليوم وما يحتاج إليه من عمل مني. وصلنا إلي داره وحييته مودعا ومقبلا يده، فقال، أنا الليلة وحيد في البيت فقد ذهبت زوجتي وأولادي لزيارة خالهم الأستاذ عبدالله الصولي في الإسماعيلية، واليوم الخميس وغداً الجمعة، ولا أظن أن هناك ما يمنعك من أن تبيت هذه الليلة معي. كنت أعيش أعزب مع أخي علوي واثنين من أولاد عمي، وكانوا معتادين علي تغيبي ولا يلقون بالا إلي ذلك، فقبلت المبيت معه شاكراً. البيت بسيط جداً، ومفروش بالحصير، وليس فيه من الكماليات شيء. قال: عندنا هنا غرفتا نوم بإحداهما سريران ولكنهما مليئان بالبق أما الغرفة الثانية فقد نظفت سريرها بنفسي اليوم فان شئت ننام سويا علي هذا السرير، قبلت طبعا وارتديت إحدي بيجاماته التي أحضرها لي وكانت قصيرة جداً ومترهلة علي. كان الوقت ضيقا وتناولنا طعاما خفيفا من الخبز والجبن وكوبا من اللبن الحليب الساخن، تمددنا علي السرير. كانت ليلة لا تنسي مدي العمر فالأستاذ الإمام مع بساطته له هيبة في النفس وتقدير عظيم ولم أكن مصدقا أني أنام إلي جواره علي سرير واحد. مالبث أن استغرق في النوم في حين أني لم أنم لحظة واحدة حتي قبيل صلاة الفجر كنت أخاف أن اتقلب من جنب إلي جنب فأوقظه من سباته العميق، لذلك ظللت طول الليل شاخصاً ببصري إلي لاشئ أفكر فقط في أني الآن في مكانة لم يبلغها كثير من الإخوان قبلي ولي أن أفخر بذلك. نادي علي فضيلة الإمام قبيل الفجر وأخذنا نتهجد، ثم صلينا الصبح جماعة ثم قرأنا المأثورات وهي مجموعة من الأدعية مأثورة عن النبي صلي الله عليه وسلم وبعد الصلاة أخذتني سنة من النوم، تيقظت بعدها علي أصوات حركة في الصالة حيث توجد مائدة الطعام، فقمت وقال لقد كنت علي وشك أن أوقظك لقد جهزت الافطار. وجدت علي المائدة صحنين من الفول المدمس الساخن بالسمن البلدي وقطعتين من الجبن ورغيفين ساخنين تناولت معه الافطار حيث كان الساعة السابعة صباحاً، قال أتعلم أني لا أنام في اليوم أكثر من 5 ساعات وفي معظم الأيام لا آكل إلا وجبتين. رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته. مع الدكتور مصطفي السباعي ورحلات الإمام كان الدكتور مصطفي السباعي رئيس الإخوان في سوريا إذا حضر إلي مصر فإنه يقضي معظم وقته مع الإمام الشهيد وكان الإمام يصطحبه معه في زياراته لشعب الإخوان وكذلك كان الشيخ محمد محمود الصواف رئيس الإخوان في العراق «رحمه الله» وقد كان عضواً بمجمع الفقه الإسلامي بمكة قبل وفاته حديثا وابلغني قبل وفاته بانه يعد مذكراته عن الأستاذ الإمام ولا أعرف إن كان قد تم ذلك أم لا. في ذلك الوقت كان الإخوان في سوريا في عنفوان قوتهم حيث كانت جماعتهم قد نشأت قبل ذلك بأعوام تحت اسم «جمعية دار الأرقم» وأذكر من قادتهم عمر بهاء الأميري الشاعر العظيم الذي عين وزيراً بعد ذلك ومعروف الدوليبي «الذي ترك الإخوان والتحق بحزب الشعب لأسباب سياسية ثم صار رئيساً للوزراء والآن هو مستشار الملك في المملكة السعودية»، والشيخ مصطفي الزرقا وعبدالقادر السيسي وعبدالفتاح أبوغدة وعبدالرحمن رأفت الباشا وعبدالقدوس أبوصالح «وكان أديبا معروفا» وبشير العوف وعصام العطار رئيس الإخوان بسوريا حاليا ذلك بالإضافة إلي مصطفي السباعي. في يوم من الأيام حضر الدكتور السباعي إلي مكتبي في شركة الإعلانات العربية ومعه الأستاذ عمر بهاء الأميري وطلبا مني تصميم ترويسة لجريدة المنار «اسم الصحيفة الذي يتصدر صفحتها الأولي» فكلفت المكتب الفني عندنا فأعد 4 تصميمات تقوم كل منها علي كتابة ورسم يلائم معني المنار عرضت التصميمات بعد ذلك علي الدكتور السباعي فاختار احدها وأعددنا له قالبا من النحاس لكي تستخدمه الجريدة عند طباعتها. دعاني الإمام لأسافر بصحبته ومعه الدكتور السباعي وكان الدكتور السباعي محدثا لبقا خفيف الظل ذهبنا إلي إحدي قري قليوب لزيارة شعبة الإخوان هناك وحضرتنا صلاة الظهر فتوجهنا لأدائها في مسجد عتيق شبه مهدم بالبلدة أبدي الدكتورالسباعي رأيه فيه وطلب من الإخوان إصلاحه وصيانته فوعدوا بذلك. أمنا الأستاذ الإمام في الصلاة وكان جدار القبلة مشروخا ولما انتهت الصلاة قال الدكتور السباعي للإمام لقد حضرتني نكتة بمناسبة هذا الجدار المشروخ.. فقد وقف اثنان يصليان المغرب أمام قبلة جدارها مشروخ كهذا وكان أحدهما اماما والآخر مأموما قرأ الإمام بعد الفاتحة آيات من سورة طه: «قال ألقها يا موسي فألقاها فإذا هي حية تسعي قال.. وتلجلج الإمام لأنه رأي حية تبرز من شق جدار القبلة فرده المأموم: خذها ولا تخف.. فرد الإمام بطريقة عفوية خذها أنت «يقصد الحية الحقيقية التي برزت له». هكذا كانت رحلات الإمام في زياراته لشعب الإخوان مسلية للغاية. كنا نزور تلك الشعب لكي يطمئن الإمام إلي سير أوجه النشاط فيها وكان من أهم ما يعني به: مدارس الجمعة ذلك أن الإخوان قد ابتدعوا نظاما لمحو الأمية تقوم به كل شعبة لخدمة بلدتها أو الحي الذي توجد فيه فتجد أعضاءها من المدرسين وغيرهم من المتعلمين يعملون علي محو أمية السكان متطوعين بغير أجر وذلك لمدة تقرب من 3 ساعات كل أسبوع وكان مقر المدرسة هو أحد المساجد ويوم الدراسة هو الجمعة حيث يخلو الناس من أعمالهم ويخلدون إلي الراحة والتثقف فيجتمعون من بعد صلاة العصر إلي المغرب ثم يصلون المغرب جماعة وينصرفون. وكانت شعبة الإخوان توزع علي الدارسين الألواح والكراسات والأقلام مجانا، ذلك بالإضافة إلي محو أمية النساء إذ يعمل علي ذلك عضوات من الأخوات المسلمات بعد العشاء في يوم يتفقن عليه كل أسبوع وذلك في بيت إحداهن علي التتابع. يذكرني ذلك برحلة سافرت فيها مع الإمام إلي قري الصعيد وقطع كل منا اشتراكا كيلومتريا بالسكة الحديدية بالدرجةالثانية وهي في الاشتراك بسعر الدرجة الثالثة. وأثناء ركوبنا القطار قال لي: النصيحة الأولي التي أنصحها هي ألا تشبع حينما تأكل فسوف تستضاف في الإفطار عند أحد الإخوان ولعلك تعلم ما معني ونوع الضيافة في القري ثم نستضاف في الغداء وما سوف يكون فيه من طعام ثقيل عند أخ آخر وفي العصر سنستضاف علي شاي ومعه فطائر عند أخ ثالث ونستضاف كذلك في العشاء عند أخ رابع، وإذا لم تكن حريصا في كمية الطعام فستصاب بتخمة وأمراض الهضم وقد يعطلنا ذلك عن رحلتنا. في هذه الرحلة أصر الإخوان الضباط في معسكر منقباد علي ضيافتنا ليلة لكي يجتمع فيها الإمام مع الضباط ويتحدث إليهم الحديث القلبي الذي ينتظرونه منه.. ذهبنا إلي الفراش بعد منتصف الليل وقمنا لصلاة الفجر وطلب إلي الأستاذ الإمام ألا أنام فعلينا أن نسافر بعد الإفطار بدأت ارتدي ملابسي ووضعت قدمي في الحذاء فأحسست بشيء غريب أخرجت قدمي بسرعة ونفضت الحذاء وإذا به عقرب كان نائما وقت أن وضعت قدمي وكان هذا من لطف الله ورحمته. أنور وجدي في يوم من أيام صيف عام 1945 وكان الجو صحوا ونسمة خفيفة في ميدان الحلمية الجديدة كنت وقتذاك أعمل مديراً عاماً وعضواً منتدبا لشركة الإعلانات العربية ذهبت إلي الأستاذ الإمام كعادتي كل يوم لأتلقي تعليماته فيما يتصل بالمعلومات وكان في ذلك الوقت غير مشغول بضيوف أو أعمال لها صفة الاستعجال قال لي: قم بنا نذهب إلي البنك العربي لنفتح حساباً للإخوان هناك إذ لم يكن للإخوان حساب بأي بنك حتي ذلك الوقت كان البنك العربي حديث النشأة وكان مركزه في القدس الشريف ويرأسه عبدالمجيد شومان «أو عبدالحميد شومان لا أذكر» وكان العرب والمسلمون متحمسين للتعامل مع هذا البنك في وقت كانت البنوك فيه أجنبية كاملة أو مصرية في ظاهرها وأجنبية في حقيقتها، بالإضافة إلي بنوك فردية أصحابها من اليهود ذلك فيما عدا بنك مصر الذي كان الإنجليز يحاربونه بشتي الطرق ويعملون علي إفشاله ولكن الله غالب علي أمره. ركبنا الترام من شارع محمد علي من أمام مسجد قسون متوجهين إلي العتبة ومن هناك سرنا علي الأقدام إلي ميدان الأوبرا إلي شارع قصر النيل حيث كان البنك العربي. توجهنا إلي مكتب الرئيس وكان يتبع سياسة الباب المفتوح للعملاء ويستطيع أي عميل أن يدخل إليه بغير استئذان دخلنا وألقينا السلام، وجلسنا علي أريكة مواجهة للمكتب وكان هناك رجل جالس علي مقعد مجاور للمكتب وظهره منحرف نحونا وكان يتحدث مع شومان بك، وفي انتظارنا صامتين إلي أن تنتهي تلك المقابلة فاجأنا شومان بك بقوله: «أهلا وسهلا» بصوت عال جعل الجالس إلي مكتبه ينظر نحونا وإذ بذلك الجالس ينتفض واقفا ويهتف: حسن بك؟ أهلا وسهلا يا حسن بك ثم تقدم نحونا مصافحا الإمام ثم أياي ثم جلس علي مقعد مجاور للإمام وقال أنا أنور وجدي.. المشخصاتي.. يعني الممثل.. طبعا انتم تنظرون إلينا ككفرة نرتكب المعاصي كل يوم في حين أني والله أقرأ القرآن وأصلي كلما كان ذلك مستطاعا. كانت مفاجأة لي فلم نكن ننادي الإمام أو نشير إليه إلا بقولنا فضيلة الأستاذ أما حسن بك فقد كانت نشازا. قال له الإمام يا أخ أنور أنتم لستم كفرة ولا عصاة بحكم عملكم فالتمثيل ليس حراما في حد ذاته ولكنه حرام إذا كان موضوعه حراما، وأنت وإخوانك الممثلون تستطيعون أن تقدموا خدمة عظمي للإسلام إذا عملتم علي إنتاج أفلام أو مسرحيات تدعو إلي مكارم الأخلاق، بل انكم تكونون أكثر قدرة علي نشر الدعوة الإسلامية أكثر من الوعاظ وأئمة المساجد. إني أرحب بك وآمل أن تحضر لزيارتنا بدار الإخوان المسلمين بالحلمية الجديدة لنتبادل الرأي حول ما يمكن أن تسهموا به في نشر الفضيلة والدعوة إلي الله. هكذا كان الإمام ثاقب النظر بعيد التفكير ولست أعلم ما إذا كان قد زاره أنور وجدي كما وعد أم شغلته شئون الحياة. كانت الأفلام المصرية في ذلك الوقت تتخذ مكانها في قصور الباشوات الأغنياء المشغولة بالحفلات والتي بكل منها بار ويقدمون للضيف الويسكي علامة علي الكرم بعدها رأينا لأنور وجدي «ليلي بنت الفقراء». صالح قدور كنت عضوا بكتيبة المركز العام وكانت الكتائب نظاما تربويا يجعل من الكتيبة عائلة واحدة يحس أعضاؤها نحو بعضهم بالتعاطف والمودة، ويتزاورون وتنشأ بينهم صداقة وطيدة لا تنفصم عراها. وكانت الكتيبة مكونة من 40 فرداً يجتمعون مرة في الشهر، وكان موعد كتيبتنا هو الخميس الأول من كل شهر ميلادي نجتمع بعد صلاة المغرب وكل منا يحضر معه عشاءه وبطانيه ومخدة صغيرة ونصلي العشاء جماعة معا ثم يجلس بيننا الأستاذ الإمام شارحا الآيات التي قرأها في الصلاة والعجيب أنه في كل مرة صلي بنا وشرح ما قرأه كنا نجد جديداً في التفسير لم يكن قد خطر علي بالنا قط وكان ذلك الشرح يطول أو يقصر حسب الأحوال ثم كنا نتلقي درسا في الفقه علي الأستاذ حلمي نور الدين «رحمه الله» ثم نجلس للعشاء ويقدم كل منا ما أحضره معه بحيث يختلط الطعام من هنا وهناك وكان البعض يتباري في احضار الشاذ من الطعام فبعضهم يحضر فخذة ضاني بالفرن، وآخر يحضر طبق جبنة بالمش وفطيرا مشلتتا والبعض حماما محشيا بالفريك إلي آخر مالذ وطاب. بعد الطعام كنا نجلس للمسامرة وتبادل الحديث فإذا كان عند بعضنا مشكلة عرضها ليتلقي اقتراحات بالحلول من زملائه ثم نقرأ المأثورات ثم يفرش كل منا بطانيته علي الأرض وننام ثم نصحو للتهجد ثم صلاة الصبح يؤمها الإمام الشهيد ثم شرح للآيات مرة أخري فقراءة للمأثورات ثم ينصرف كل منا إلي حال سبيله. كانت تلك وسيلة التربية العملية التي انتهجها الإمام الشهيد لم يكن يعتمد علي الخطب والمقالات فحسب بل كان يجمع الناس معه ويكون منهم بنيانا يشد بعضه بعضا وبهذا انفرد عن جميع المصلحين المحدثين حيث نهج منهاج النبي صلي الله عليه وسلم حينما بدأ في تكوين المجتمع الإسلامي في المدينة فآخي بين المهاجرين والأنصار. في إحدي الليالي حينما ذهبنا إلي النوم وكنا منتشرين في قاعات المركز العام «القديم الذي حول إلي دار للجريدة فيما بعد» كان نصيبي أن أبيت في قاعة الاستقبال وكانت قاعة الاستقبال هذه يرد إليها كل من هب ودب من ريف مصر لذلك كانت مليئة بالبق الذي لم يكد يحس بأنفاس النائمين حتي ينطلق في صفوف علي السجادة نحوهم ليمتص من دمائهم، بتنا نتهرش، إلا واحدا فقط كان مستغرقا في النوم وشخيره ملء السمع، ذلك هو الأستاذ صالح قدور المدرس بالمرحلة الثانوية وكبير القلب وخفيف الظل، نظرنا نحوه فوجدنا البق يسير إلي حافة بطانيته من جميع الجهات، ثم لايلبث أن يستدير متراجعا من حيث أتي أيقظناه وسألناه عن سر المسألة فقال: أنا من أصل مغربي ألم تسمعوا عن سيدي قدور بن غبريط كان مشهورا في ذلك الوقت وتكتب عنه صحفنا قلنا بلي قال فإني تعملت منه أن أعزم «بتشديد الزاي» علي البق قبل أن أنام فينصرف عني. فألححنا عليه أن يعرفنا بحقيقة الأمر فالموضوع جدلا هزل فيه فقال: يا عبطاء اذهبوا إلي الغرفة اليمني السفلية في الطابق التحتي البدروم وستجدوا فيها صفيحة جاز اغمسوا فيها قطعة قماش ثم مرورها علي حواف البطانيات التي تنامون عليها فينصرف عنها الأكلان البق. تذكرت هذه الواقعة حينما حشرت أنا والأستاذ أنور الجندي في زنزانه ضيقة في السجن الحربي عام 1954 في الوقت الذي لم يكن لي أو له أي نشاط مع الجماعة. كان الوقت ظهر أحد أيام شهر يناير القارس البرودة وكان مع كل منا بطانية واحدة فرشنا البطانيتين وجلسنا عليهما وكان في مواجهة الباب نافذة علوية مسحوب قاعها إلي أسفل ويدخل منها ريح بارد يجمد أطرافنا قبل أن يخرج من تحت عقب الباب المرتفع عن الأرض قليلاً. وفيما نحن نتأمل الجدران التي طليت حديثا بالجير وإذا بأسراب البق تنساب في صفوف منتظمة من شقوق في السقف وتتجه كلها نحونا، خلع كل منا فردة حذائه وأخذنا نتسلي بقتل كل بقة تصل إلي الأرض قضينا في ذلك أربع ساعات إلي أن نودي علينا لنركب عربات النقل إلي معتقل العامرية قرب الإسكندرية. رحم الله صالح قدور رحمة واسعة فقد كان الوحيد من الإخوان الذي اتصل بي وأول من هنأني هاتفيا صبيحة حصولي علي الدكتوراه عام 1963. الدمور كان الجو يومئذ حارا لايطاق وكانت الرطوبة في القاهرة عالية لدرجة أن الملابس الداخلية كانت تلتصق بالأبدان وكانت الحياة صعبة بالرغم من رخص المعيشة فالرخص شئ نسبي إذ كانت الأشياء رخيصة في حين كان الدخل متدنيا. كانت البيضة بمليم وأحيانا نشتري كل 12 بيضة بقرش صاغ وكان رطل اللحم الضاني بثلاثين مليما والعجالي بخمسة وعشرين وكان إيجار الشقة يتراوح ما بين 60 قرشا و120 قرشا للشقة الفاخرة ذات الأرضية الباركيه وأينما ذهبت كنت تري لافتات «للإيجار» معلقة علي معظم العمارات. غير أن الدخل كان محدودا فكان راتب الموظف بالشركات والبنوك يتراوح ما بين 6 و10 جنيهات ولم تكن الحكومة تعين أحدا إلا بواسطة قوية جداً، حيث كانت الدرجات الوظيفية نادرة، بل منعدمة إلا لمن ابتسم له الحظ وكان ذا واسطة واصلة، فكانت الحكومة تعين الحاصل علي شهادة عالية بالدرجة السادسة براتب قدره 12 جنيهاً شهريا. أذكر أن بعضا من زملائي من خريجي التجارة العليا اشتغلوا بمخازن الجيش البريطاني بالتل الكبير عام 1941 بمرتب قدره 3 جنيهات عن المدة والمدة هي 15 يوما وكانوا سعداء الحظ حيث كانت البطالة سائدة والناس يكادون يأكلون بعضا. كنا نسير إلي الجامعة لنوفر 6 مليمات أجر الترام بل أذكر أنني مشيت أنا وابن عمي علي قدمينا من دوران شبرا حيث كنا نزور بيت عمنا إلي مصر القديمة لنوفر 6 مليمات لكل منا. كان الدخول العمومي لبعض دور السينما بثلاثة قروش، وكان قماش البدلة يتكلف المتر منه ما بين 30 و40 قرشا حسب نوعه. وفي ذلك اليوم الحار الذي أسلفت الإشارة إليه انتظرت الأستاذ الإمام إلي أن انتهي من عمله وخرجت معه مصاحبا إلي منزله القريب. كان الإمام في العادة لا يرتدي زيا واحدا فأحيانا يضع علي رأسه العمامة علي الطاقية اليمنية التي أهداه أياها الإمام يحيي حميد الدين وأحيانا يضع الطربوش القصير وأحيانا العمامة علي الطربوش وأحيانا عمامة أخري بيضاء كما كان في بعض الأوقات يرتدي الجلباب وعليه العباءة وفي أوقات أخري يرتدي البدلة الكاملة ورباط الرقبة اللون بلون البدلة. خرجت مع الإمام ولفت نظري أنه يرتدي حلة «بدلة» لونها سمني ثم قال لي: «ما رأيك في هذه البدلة؟ قلت: جميلة قال: أتدري ماقماشها؟ قلت: لعله سكروتة «وكان السكروتة من أغلي الأقمشة الرجالي وتصنع منه القمصان والبدل الصيفية» فقال لا إنها دمور والقماش الدمور هو أرخص أنواع القماش والذي تصنع منه المراتب والمخدات قبل كسوتها وكان المتر منه لا يتجاوز 25 مليما وتحتاج البدلة منه إلي 6 أمتار، أي 15 قرشاً. وبعد أيام ذهبت للإمام في مكتبه في يوم حار كذلك فوجدته مرتديا بدلة عادية سألته ما بال البدلة الدمور؟ فقال لقد طرحتها جانبا أتدري لماذا لانها كثيرة الكشكشة وتتكلف من المكوي أضعاف ثمنها. إطلاق اللحية كنت أمينا للمعلومات مع الإمام الشهيد حسن البنا مثلما سبق ذكره منذ أوائل عام 1944 حتي آخر عام 1948 وكنت وكان جميع من يعملون معه متطوعين لا يتقاضي أحد منهم أجراً إلا الرضا النفسي باعتباره خادما للدعوة الإسلامية. وكنت انتظر الإمام الشهيد كل ليلة حتي يفرغ من عمله بالمركز العام وأصاحبه في الطريق إلي بيته الذي لم يكن يبعد 300 متر وكنا في الطريق نتبادل الحديث. ذات يوم نشرت جريدة الإخوان المسلمين اليومية تعليمات موجزة تقول إنه ممنوع إطلاق اللحية إلا بإذن المرشد العام وفي مساء ذات اليوم وأن معه علي الطريق إلي منزله سألته عن تلك التعليمات وما إذا كانت تتعارض مع السنة فقال: هناك ظاهرة بدأت تتفشي بين الإخوان وهي إطلاق اللحية حتي لمن هم في سن المراهقة وللحية تبعاتها فأولا ينبغي أن تكون مقبولة الشكل تضفي علي صحابها وقارا وهذا لا يتوافر عند المراهق ثم إن تصرفات صاحبها يجب أن تنصف بالرزانة مادام يرغب في أن يلتزم بالسنة وما بالك بشاب يجلس في الترام وهو ملتح وأمامه امرأة ويقع نظره عليها مصادفة؟ ماذا يقول الناس من حوله؟ انظروا إلي السني ابن وهكذا يتسبب في سب السنيين جميعا. أما عن كون إطلاق اللحية من الواجبات الواردة في السنة عملا بالحديث حفوا الشوارب واعفوا عن اللحي فان لهذا الحديث مقدمة هي خالفوا المشركين ثم يأتي بعد ذلك إعفاء اللحية وحف الشارب والمشركون اليوم والملحدون يطلقون لحاهم مثلما فعل لينين وتروتسكي وكثير من اليهود شبابا وكهولا بل إن رجال الدين المسيحيين يطلقون لحاهم إلا في بعض مذاهبهم التي تجيز حلق اللحية. ثم أعطاني درسا في السنة فقال ألا فلتعلم أن السنة نوعان سنة عادة وسنة عبادة وسنن العبادات لا مناقشة فيها أما سن العادات فوفقا لظروف الأحوال وهي ليست ملزمة فليس المسلمون ملزمون لحيتك يا مصطفي بغير إذن فقلبها مصطفي العالم إلي فكاهة ليمتص غضب الإمام فقال لقد اتعبني إخوان ميت غمر يا فضيلة المرشد فهددتهم وقلت لهم والله لأطلقن لكم لحيتي فضحك الإمام والأخوة الحاضرون. كتبت هذا الموضوع وأنا أعجب لأولئك الشباب الذين لا يرون في الإسلام إلا إطلاق اللحي وليس الجلباب القصير والأكل بثلاثة أصابع وإجبار نسائهم علي تغطية وجوههن إلا من ثقبين صغيرين ليرين من خلالهما أو من خلال غلالة سوداء، فتكون الحياة كلها سوادا في سواد في أنظارهن والشرع لا يلزمهن بذلك. زيارة إلي حارة اليهود أحس اليهود المصريون بسماحة الإخوان وانهم يدعون إلي الله بغير تعصب فجاء وفد من طرف حاييم ناحوم أفندي حاخام اليهود لزيارة الأستاذ الإمام ودعوته إلي زيادة حارة اليهود ليري بنفسه كيف أنهم لا يفرقون في أعمالهم الخيرية بين يهود ومسيحيين ومسلمين. أحال الأستاذ الإمام هذا الموضوع لي وللأستاذ أمين إسماعيل الذي كان يعمل وقتئذ مديراً لتحرير مجلة الكشكول الجديد التي كنت صاحب امتيازها. حددوا لنا موعدا في مكان في شارع عبدالخالق ثروت. كان ذلك المكان متجرا للخمور بالجملة. انتظرونا في الشارع بالقرب من الباب وإذا بصاحب هذا المتجر وكان من ضمن الوفد الذي ذهب لزيارة الأستاذ الإمام وبصحبته سيدة في حوالي الخمسين من عمرها. قال ستصحبكم مسز لا أذكر اسمها إلي زيارة لحارة اليهود، كانت هناك عربة تنتظرنا ركبناها، جلسنا في المقعد الخلفي وجلست السيدة إلي جوار السائق. ويبدو أنه كان شخصية يهودية مهمة لأنه صحبنا أثناء الزيارة توقفت السيارة بالقرب من مدخل الحارة من جهة شارع الموسكي، ونزلنا وجدناها حارة نظيفة للغاية ويبدو أنهم كانوا قد رتبوا الأمر للزيارة حيث لم نجد بائعا جائلاً أو كناسا في الطريق أوأناسا يتسكعون كما هي العادة في الحواري المجاورة. دخلنا بيتا أثريا قديما يحافظون عليه جدا هو بيت موسي بن ميمون الذي كان وزيراً للحاكم بأمر الله الفاطمي تفقدنا المنزل ذي الأرض الرخامية والأعمدة وبعض القباب وقادتنا السيدة إلي حمام رخامي فاخر به إناء من رخام وأبريق من نحاس أصغر وقالت هنا كان موسي يتوضأ. من المعروف أنه كان يتظاهر بالإسلام ولذلك فان اليهود يقدرونه أعظم التقدير وكان يقدم لليهود في مصر خدمات عظيمة باعتباره وزيراً للحاكم. خرجنا من دار موسي لندخل إلي جمعية خيرية هي الجمعية الخيرية المصرية. وقالوا لنا إنها لخدمة سكان حارة اليهود والحواري المجاورة من يهود ومسيحيين ومسلمين. وكان أهم مكان في هذه الجمعية هو المطعم حيث قادونا إليه وفيه الطعام الذي يعده الطهاة ساخنا ذا نكهة تسيل اللعاب، ويتكون من الخضار واللحم والمكرونة والحلويات، وبالمطعم قاعة للطعام بها مناضد رخامية نظيفة جلس إليها مجموعة من الرجال والنساء، بعضهم شكله يهودي وسألت السيدة المصاحبة لنا البعض الآخر عن دينه، فكان منهم المسيحي ومنهم المسلم. كانت السيدة في غاية السعادة حيث استطاعت أن تقنعنا بأن اليهود غير متعصبين وأن اليهودية شيء والصهيونية شيء آخر ولكن خاب فالها فإذا بنا ونحن علي الباب لمغادرة المكان تقبل علينا امرأة يهودية عجوز من سكان الحارة تقول في هياج شديد: ما هذا الذي تفعلون؟ لقد حبستمونا في البيوت وحرمتم علينا الخروج، وأتيتم بالغرباء ليأكلوا أكلنا.. أهذا عدل؟ إن هذا المطعم قد أنشئ لنا وحرمتمونا اليوم من حقنا. زعقت فيها المرأة المصاحبة لنا وقالت لمرافقيها أبعدوا هذه المجنونة ثم التفتت إلينا وقالت لا تعيرها التفاتا فإنها مجنونة. أدب الرافعي سألت الإمام الشهيد ذات يوم عن الطريقة التي استطيع بها أن أحسن أسلوبي في الكتابة فقال: اقرأ لمصطفي صادق الرافعي. ذهبت من فوري واشتريت كتب الرافعي المتاحة في ذلك الوقت وهي: إعجاز القرآن، وروحي القلم، والسحاب الأحمر، وأوراق الورد. قدم كتاب «إعجاز القرآن» الزعيم سعد زغلول قائلا: كأنه تنزيل من التنزيل أو قبس من الذكر الحكيم. وكان كتاب «وحي القلم» تجميعا لمقالات نشرها مصطفي صادق الرافعي في المجلات الأدبية في ذلك الوقت ومن أهمها «الرسالة» التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات ونشرت بها مقالاته منذ عام 1934 إلي 1937 وقد قدم الكتاب الامام محمد عبده برسالة مؤرخة في 5 شوال عام 1321هـ الموافق 25 ديسمبر 1903م. يقول الرافعي في بعض مواضع الكتاب: قيل لأرض جدبة: من تختارين زوجك لو كنت امراة؟ قالت: الفأس.. الطيبات للطيبين والخبيثات للخبيثين. وفي موضع آخر يقول: أيجوع اخوانكم أيها المسلمون وتشبعون؟ إن هذا الشبع ذنب يعاقب الله عليه.. كان اسلافكم أيها المسلمون يفتحون الممالك، فافتحوا أنتم أيديكم.. كانوا يرمون بأنفسهم في سبيل الله غير مكترثين، فارموا أنتم في سبيل الحق بالدنانير والدراهم.. لماذا كانت القبلة في الاسلام إلا لتعتاد الوجوه كلها ان تتحول إلي الجهة الواحدة؟ لماذا ارتفعت المآذن إلا ليعتاد المسلمون رفع الصوت بالحق؟ أيها المسلمون كونوا هناك. كونوا هناك مع اخوانكم بمعني من المعاني... كان ذلك بمناسبة الحرب بين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية، إذ يقول في نهاية المقال: كل قرش يبذله المسلم لفلسطين، يتكلم يوم الحساب يقول: يارب، أنا ايمان فلان! مما أعجبني في وحي القلم: قصة الايدي المتوضئة" التي تحكي كيف كان شباب الإخوان المسلمين يجمعون التبرعات لفلسطين في أحد المساجد، وكيف كان رد الفعل عند المشايخ من رجال الدين بعكس ما كان عند البسطاء من العامة، وذلك بأسلوب رقيق ساخر.. يقول عن رجال الدين: والعجيب ان هذا الذي لا يجهله أحد من أهل الدين، بعرفه بعض علماء الدين علي وجه آخر، فتراه في المسجد يمشي مختالاً، قد تحلي بحليته، وتكلف لزهوه، فلبس الجبة تسع اثنين، وتطاول كأنه المئذنة، وتصدر كأنه القبلة، وانتفخ كأنه ممتلئ بالفروق يبنه وبين الناس؛ وهو بعد كل هذا لو كشف الله تمويهه لا نكشف عن تاجر علم بعض شروطه علي الفضيلة أن يأكل بها، فلا يجد دنيا ذاته إلا في المسجد، فهو نوع من كذب العالم الديني علي دينه. ويقول عن الشبان الذين يجمعون التبرعات: ولما قضيت الصلاة ماج الناس وفيهم جماعة من الشبان يصيحون بهم يستوقفونهم ليخطبوهم؛ ثم قام أحدهم فخطب، فذكر فلسطين وما نزل بها، وتغير أحوال أهلها، ونكبتهم وجهادهم واختلال أمرهم، ثم استنجد واستعان، ودعا الموسر والمخفف إلي البذل والتبرع واقراض الله تعالي: وتقدم اصحابه بصناديق مختومة، فطافوا بها علي الناس يجمعون فيها القليل والأقل من دراهم هي في هذه الحال دراهم أصحابها وضمائرهم.. وقعت الصيحة في المكان: فجاء احد الخطباء ووقف يفعل ما يفعله الرعد: لا يكرر إلا زمجرة واحدة: وكان الشيوخ الأجلاء قد سمعوا كل ماقيل، فأطرقوا يسمعونه مرة رابعة أو خامسة" وفرغ الشباب من هديره فتحول إليهم وجلس بين ايديهم متأدبا متخشعا ووضع الصندوق المختوم. فقال أحد الشيوخ: ممن أنت يابني؟ قال: من جماعة الإخوان المسلمين. قال الشيخ: لم يخف علينا مكانك، وقد بذلتم ما استطعتم: فبارك الله فيك وفي اصحابك

This site was last updated 09/27/12