Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

الحلقة الخامسة من مذكرات السرية لمؤسس جهاز مخابرات الاخوان

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
3 مذكرات مؤسس مخابرات الإخوان
4 مذكرات مؤسس مخابرات الإخوان
5 مذكرات مؤسس مخابرات الإخوان
6 مذكرات مؤسس مخابرات الإخوان

 

الحلقة الخامسة من مذكرات السرية لمؤسس جهاز مخابرات الاخوان
رئيس جهاز مخابرات الإخوان يخرج من المعتقل بصداقات حميمة مع اليهود

الموجــز الخميس, 13 سبتمبر 2012
مازالت «الموجز» تواصل نشر مذكرات الدكتور عساف وحكاياته مع الجماعة داخل المعتقلات وطرائف بين ابناء الجماعة والتنظيمات السياسية الأخري خلال السطور التالية: الغضاريف الآدمية: كان الجو مشمساً في ميناء الطور في يوم من أيام يناير 1949 وكنا ونحن معتقلين نذهب إلي الميناء، ونجلس علي المقهي الصغير والوحيد هناك نستمتع بدفء شمس الشتاء، وذلك قبل أن تشتد الأمور ونمنع من الخروج من أسوار المعتقل. وكان قد نما إلي علمنا من قبل أن أحد المعتقلين من مدينة السويس «محمود.هـ» تقدم لشيخ مسجد الطور يخطب ابنته، وكان هذا أمراً شاذاً فالمعتقل لا يجوز له أن يتزوج لأنه لا يعرف أين سيكون غداً، ثم من أين ينفق علي زوجته، ثم إنه متزوج من اثنتين أخريين بمدينة السويس. كان «محمود.هـ» من أنصار السنة المحمدية، وهم يؤمنون بأن التعدد هو الأصل في الزواج والاستثناء هو الواحدة؟ فوجئنا في يوم من الأيام بنسخة مهربة لنا من صحيفة أخبار اليوم، ومن أخبارها الرئيسية أن أحد المعتقلين يتزوج في الطور. ما الذي نفعله لكي نوقف هذه المأساة، بل المهزلة ونمعنها قبل وقوعها؟ لو أننا ذهبنا إلي شيخ المسجد وحذرناه فعله يظن أننا حاسدون للشيخ «محمود.هـ» الوقور المنظر ذي العباءة السوداء والشارب الحليق. جلسنا نتداول في الأمر أنا ومحمد البنا «رحمة الله عليه» شقيق الإمام وعبدالباسط البنا الشقيق الثاني للإمام والذي كان يعمل ضابطاً بالشرطة واعتقل وأحيل إلي الاستيداع ثم اعادته الثورة إلي وظيفته ثم أحالوه للاستيداع مرة أخري، وكان معنا الأستاذ أنور الجندي. قال عبدالباسط البنا: عندي فكرة لإفساد هذا الزواج فلنجلس إلي الطاولة المجاورة لتلك التي اعتاد شيخ المسجد أن يجلس إليها، وسأحكي لكم حكاية فاظهروا الاندهاش فقط. مالبث شيخ المسجد أن حضر وجلس إلي طاولته وطلب فنجانا من القهوة، وإذا بعبدالباسط يقول بصوت مسموع للجالسين إلي جوارنا: حاولنا أن نمنعه ولكن جهودنا ذهبت هباء، فقد كان ممسكا بأذن إبراهيم بأسنانه لا يريد فكاكا، وفي نهاية الأمر ضربته علي رأسه فتركها وهي تنزف دما.. قال الشيخ: ما هذا؟ أهي حادثة في المعتقل أجاب عبدالباسط: إنه شخص عندنا مريض يأكل الغضاريف الآدمية كالأذن والأنف قال الشيخ: أعوذ بالله.. قال عبدالباسط لعلك تعرفه فهو مطلق لحيته وحالق شاربه ويضع عباءة سوداء قال الشيخ: أهو «محمود.هـ» قال عبدالباسط نعم فقال الشيخ ولكنه يزورني ويتحدث إلي ولم ألاحظ عليه شيئاً قال عبدالباسط ألم تلاحظ أنه يميل نحوك كأنه يهمس إليك قال نعم قال فاحترس لأن تلك اللحظات التي يتظاهر فيها بالهمس في أذنك يراوده فيها شيطانه أن يقضمها وهكذا فشلت الزيجة بغير عناء. مع آلبير مزراحي: كان البير مزراحي يعمل صحفيا وكان يزورني وأنا مدير لشركة الإعلانات العربية وبعد أن صرت عضواً بنقابة الصحفيين باعتباري صاحب امتياز مجلة الكشكول الجديد، كنت ألقاه في النقابة في كل مرة أزورها. في معتقل هايكستب جاءني أحد الجنود حاملاً علبة فيها 6 قطع جاتوه، وقال إنها من آلبير مزراحي وكان الجاتوه في المعتقل شيئاً شاذاً فرح به زملائي في الغرفة وكنا ستة أشخاص من بينهم الاستاذان أنور الجندي ومحمد البنا. بعد أن أفرج عنا في يناير 1951، بعد اعتقال أمتد علي مدي 13 شهراً ذهبت أزور آلبير مزراحي في مقر جريدة التسعيرة بأوائل شارع عماد الدين من ناحية شارع الملكة نازلي «رمسيس حالياً» أخذني في جولة داخل مقره، الذي كان فيه مكتبه ومطبعة تعمل باليد وغرفة لجمع الحروف. كانت جريدة التسعيرة تصدر كل يوم، وكان إصدارها سهلا حيث ان يقتضي تغيير الأرقام التي تدل علي الأثمان فقط دون أي تغيير في الكتابة، وكان عنده عاملان في مطبعة يعملان في المساء فقط، أحدهما لإدارة آلة الطباعة والآخر لجمع الأرقام التي تغيرت. وكان الناس يقبلون علي شراء تلك الجريدة لحاجتهم إلي معرفة الأسعار، حيث كانت وزارة التموين تسيطر عليها لتمنع جشع التجار، أي أن الجريدة كانت توزع ثلاثة آلاف نسخة، وهو رقم محترم في ذلك الوقت الذي كانت فيه جريدة المصري توزع 25 ألفاً. قال لي وهو يريني آلة الطباعة إنها هدية من فؤاد باشا سراج الدين بمناسبة خروجي من المعتقل، وقد كانت خاصة بجريدة النداء الأسبوعية التي يملكها ياسين سراج الدين، واستغنوا عنها بسبب شراء آلة جديدة. ونحن جالسان نحتسي القهوة، حضر شقيق آلبير، وحيانا وجلس ثم قال لآلبير: أريدك في موضوع خاص فتركتهما وانتظرت في صالة الاستقبال إلي أن ينتهيا من حديثهما. فجأة سمعت آلبير يزعق بصوت عال وبغضب شديد قائلاً لأخيه: يابن آلـ «سبه سبا يعف عنه اللسان» ثم ناداني وقال تعالي واسمع هذا الـ...، أنظر وأراني كشفا قدمه له أخوه فيه بيان بمصروفات أنفقها عليه وهو بالمعتقل، من أهمها تذكرة سفر بالقطار إلي هاكستب والعودة وثمن دستة جاتوه. أحسست بخجل شديد لأنني أخذت نصف هذه الدستة وتمنيت لو استطعت أن أسدد ثمنها لهذا الأخ الشقيق، ولكن تلك هي طباع اليهود. غادر آلبير مزراحي مصر عام 1956 حينما طردت الحكومة جميع اليهود من فاقدي الجنسية أو أصحاب الجنسيات الأجنبية، ذلك بالرغم من أن آلبير كان مصرياً صميما ويحب مصر كما كان يبدو لي، ويتكلم بالسوء عن الصهيونية، والقلوب يعلمها الله وحده، سافر إلي كندا وحصل علي الجنسية الكندية وصار يدافع في الصحافة الكندية عن القضايا العربية. علمت بعد ذلك في عام 1976 أنه عاد إلي مصر في زيارة ليستعيد ذكرياته فيها، وسأل عني ولكنني كنت في زيارة لعدد من الجامعات الأمريكية في ذلك الوقت. عساف يؤوي إليه الجواسيس: ليس كل رجل دعوة يصلح أن يكون قائداً، فللقائد صفات وخصائص ولرجل الدعوة صفات وخصائص أخري،وقد لا يشتركان إلا في كون كل منهما ينبغي أن يكون قدوة، وذلك مثلما أنه ليس كل حامل للدكتوراه يصلح أن يكون مديراً أو وزيراً، فالدكتوراه تعني أن صاحبها قادر علي البحث العلمي، وهي رخصة له ليمارس البحث ونقل العلم، بل إن كثيراً من حملة الدكتوراه لا يتقنون نقل العلم.. فمابالنا بشئون الإدارة والحكم؟ لم نكن داخل المعتقلات بقادرين علي أن نحكم أنفسنا، فهل نصلح لحكم الآخرين؟ إن للحكم رجاله المتمرسين عليه والقادرين علي أعبائه، لهذا يخطئ من يظن أن حكم الإسلام يعني حكم رجال الدين مثلما هو حادث في إيران فإيران تتبع المذهب الشيعي الذي يقضي بعصمة الإمام أما مذهبنا السني فلا عصمة لأحد فيه. أيها القراء: لا تؤاخذوني علي هذا الاستطراد فقد حدث في صيف عام 1949أن وفد إلينا في الطور أعداد كبيرة من المعتقلين الجدد، وكان من بين من وفدوا الدكتور علام، والدكتور علام هذا كان مدرساً للكيمياءء في الكلية الحربية، وكان له باع كبير في تركيب المتفجرات التي استخدمت في حرب فلسطين، وكانوا قد اعتقلوه في آخر الشهر، ولم يكن قد قبض راتبيه بعد، وأخذ من الكلية الحربية إلي قسم البوليس إلي القلم السياسي إلي المعتقل، دون أن يتمكن من تدبير أمور بيته، حيث ترك زوجته وحماته وحدهما بغير نقود، وهما تركيتان غريبتان لاتعرفان أحدا، طمأنته وأجريت بعض الاتصالات السرية التي كنا نتقنها، وجاءت الأخبار لنا أنهما بخير، وأرسل الإخوان ممن في خارج المعتقل لهما نقوداً، «سمي هذا فيما بعد بتمويل الإرهاب في عهد عبدالناصر». قال لي الدكتور علام إنه يتقن الطبخ لأنه عود زوجته علي أن يعطيها إجازة من الطبخ يوم الجمعة، ويتولي هو ذلك الأمر تحت إشراف حماته التركية، لذلك فهو يتمني لو أشرف علي مطبخ المعتقل «ملحوظة» تعلمت منه ذلك فكنت أتولي إعداد طعام أسرتي كل يوم جمعة، أخذته إلي الشيخ رئيس المعتقل وعرفته به ولم أبلغه بحقيقة أمره ومكانته في الدعوة فقبل أن يشرف علي المطبخ. كان اليوم التالي هو أول يوم في رمضان، فطلب الدكتور علام من لجنة الكانتين «التي تحضر من الكانتين الذي يملكه المتعهد مواد الطبخ» أن يستبدلوا أشياء بأشياء أخري، وفوجئنا به يقدم لنا علي إحضار أرزا بالشيكولاته المحلاة بالسكر كنوع من الحلوي. في اليوم التالي طلب علام من اللجنة أضار أشياء عينها لهم فجاؤه بأشياء أخري فغضب وذهب يشكوهم إلي رئيس المعتقل الذي قال له شوف يا دكتور أنت عليك الطبخ فقط فإن جاءوك بـ «كلمة بذيئة» فعليك بطبخه، غضب علام وقال له في وجهك يا قليل الأدب وصارت مشادة كان فيها علام هو الخاسر لأن الإخوان في الغرفة التي كان ينام فيها اضطهدوه لأنه سب القيادة، كان هؤلاء من البسطاء غير المتعلمين الذين ينقادون بغير تفكير. ولما ضاقت الحال بعلام طلب أن ينتقل إلي غرفتنا حيث كانت تضم مجموعة من المثقفين، فأحضر خشبته التي ينام عليها «كل منا كان له لوح خشبي يرفعه علي قوالب من الطوب ويفرش عليه بطانيته وينام عليه وكان ذلك اللوح لايلين أبداً مهما وضعت عليه من طيات البطاطين». هاجمني الإخوان لأنني آويت الدكتور علام الذي كان وزنه عند الله كوزن مائة منهم وقالوا عساف يؤوي إليه الجواسيس طبعا هذا لايهم، وقد حكيت هذه القصة للمرحوم الأستاذ عمر التلمساني حين كان في زيارة جدة وأنا أستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز فضحك مقهقها وصار يحكي تلك القصة لغيره من الإخوان. في أقسام البوليس: يوم أن صدر قرار حل الإخوان المسلمين في ديسمبر عام 1948 حضرت قوة من الشرطة إلي مقر شركة الإعلانات العربية برقم 53 شارع إبراهيم باشا، واقتادتني مع جميع موظفي الشركة إلي قسم الأزبكية، وضعنا هناك في الحجز من الصباح حتي صباح اليوم التالي: حدثت في هذه الساعات الأربع والعشرين أحداث طريفة. حشروا معنا في الحجز وهو مكان مسور بدرابزين أحد المساجين المحالين إلي النيابة للتحقيق سألناه عن أمره فقال إنه قاتل امتثال فوزي وامتثال فوزي هذه كانت راقصة تعمل في ملاهي شارع عماد الدين، وكان هو فتوة المنطقة الذي يفرض حمايته علي المتاجر والملاهي الموجودة بها نظير مبلغ يحصل عليه من كل منها، رفضت امتثال فوزي الامتثال إلي إرادته وقاومت سلطته ونفوذه وأظهرت التمرد، فما كان منه إلا أن شرب الخمر وسكر وتناول زجاجة قصف عنقها، ثم ذبحها بالجزء الحاد الباقي من الزجاجة وحكم عليه بالاشغال الشاقة المؤبدة، وكان لتلك الحادثة صدي كبير علي الرأي العام وقت أن كنت في السابعة عشرة من عمري وأنا طالب في السنة الأولي بكلية التجارة. سألته: ما الذي جاء بك إلي القسم فقال أنا رحل محكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة أي 25 عاماً قضيت منها بالسجن عشرة أعوام فاعتدت علي حياة السجن وأنا أقوم بتسلية فيه عن طريق الاتجار بالممنوعات ولا يتيسر لي ذلك إلا إذا خرجت من السجن لاشتري السجائر والحشيش ثم أعود إليه لابيعها للمساجين باضعاف ثمنها فمثلا السيجارة بعشرين مليما «نصف فرنك» في حين أن ثمنها هو مليم ونصف، وكذلك الحشيش أبيعه بعشرة أمثال ثمنه، قلت له وكيف تخرج من السجن ثم تعود إليه؟ قال أضرب أحد الضباط لأي سبب افتعله فيرسلون بي إلي النيابة للتحقيق ثم أتصالح مع الضابط وينتهي الأمر ويتكرر ذلك كل شهرين مرة أو كلما بعت مخزوني من المهربات، قلت له وكيف تدخل بها إلي السجن؟فقال أضغط كل عشرة سجائر في غطاء العلبة بحيث تصير في شكل اسطواني وأعبئها في بالونة وألبسها من أسفل وأدخل السجن وليس معي في الظاهر شيء. بعد المغرب أتي ضابط شرطة ومعه امرأة تتحلي بعقود وأساور من ذهب تغطي جيدها وصدرها وذراعيها، ثم قذفوا بها إلي غرفة النساء اللاتي رحبن بها بالزغاريد سألنا عنها فقيل لنا إنها المعلمة رئيسة العاهرات في المكان المخصص للنسوة السقطات في شارع كلوت بك قرب التقائه مع ميدان الخزندار. بعد ساعة حضر الباش شاويش ونادا من خارج الباب بأدب جم ياست يا معلمة لازمك شيء؟ فقالت لا فذهب وعاد بصينية عليها براد شاي ساخن وأدخله إليها، وفي منتصف الليل اقتاد الباشاويش فتاة ساقطة وأدخلها إلي غرفة النساء وأخرج المعلمة التي شيعت إلي الخارج بمزيد من الاحترام، وفي الساعة السابعة صباحا أتوا بالمعلمة وأدخلوها سجن الحريم وأخرجوا المرأة البديلة. سألنا عن هذه الظاهرة فقالوا لنا إن المعلمة كبيرة القدر لا ينبغي أن تسجن طول الليل والبديلة التي أحضروها هي إحدي فتيات المعلمة جاءت تقوم بالواجب حتي إذا حضر أحد مفتشي الداخلية ونادي علي أسماء السجينات فجأة فإنه يجد العدد كاملاً. قرب الظهر ادخل علينا شاب سوري تبادلنا الحديث معه فقال إنه يعمل في تهريب المخدرات إلي مصر، وأخذ يحكي لنا كيف تقوم به عصابات التهريب من خدع في نقل المخدرات داخل الإطارات الداخلية للسيارات عبر البحر الأبيض المتوسط من مواني سوريا ولبنان إلي شواطئ مصر، وقال إنهم يعملون في النور ويدفعون رواتب إلي عدد كبير من ضباط حرس الحدود، غير أنهم فوجئوا بنقل ضابط جديد إلي الحرس لم يكن قد اتفقوا معه بعد، قبض عليهم وهم الآن هو وزملاؤه رهن التحقيق. في ذات الوقت قبض علي شاب من الإخوان صغير السن وأودع في قسم الخليفة جاء أبوه ليطمئن عليه فنادي عليه من خارج شباك زنزانة الحجز ولد يافلان رد الولد نعم يابيه قال الأب مش عايز حاجة ياوله فرد الابن عايز مصحف يابيه فرد الأب مستنكرا لأنه يعرف عقاب حمل المصحف؟ قول هات زجاجة بيرة يا ابن الـ.... وكأنه بذلك يدرأ شبهة التدين عن الولد ولعلهم بذلك يفرجون عنه. في عام 1954 حين كنت مديراً عاماً لشركة النيل للإعلان قبض علي وأنا في منزلي واقتادوني إلي قسم قصر النيل وكان في حي الزمالك، وأودعت في زنزانة في الدور تحت الأرضي وفي المغرب جاء الحارس وفتح الباب وأدخل لي طبقاً ملفوفا في ورق الألومنيوم، به فرخة محشوة بالفريك وأرز بالخلطة وتركها وأغلق الباب. لم أكن قادراً علي تناول أي طعام حيث لم أكن أعلم لماذا قبضوا علي في حين لم يكن لي أي نشاط مع الجماعة وفي منتصف الليل قذفوا إلي الزنزانة بشاب صغير السن لايتجاوز عمره الست عشرة سنة دخل في الظلام وجلس يسب الثورة ورجالها ورئيسها ومناصريها، هدأت من باله وعرضت عليه الدجاجة فالتهمها ولم يبق منها أو من الأرز شيئاً. وبعد ساعتين سمعت الأمور يسأل الحارس من هنا ومن هناك في باقي الزنازين؟ولما علم بأن شابا آخر وضع في زنزانتي ثار غاضبا وقال ألا تعلمون أن من بهذه الزنزانة شديد الخطورة ويجب أن يكون حبسه انفرادياً؟ فتحوا الباب وأخرجوا الشاب في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي جاء الحارس وطلب مني الخروج ومعي أشيائي التي كنت قد أحضرتها من المنزل وقادني إلي غرفة المأمور الذي قام مرحبا بي ومعتذراً عن سوء المعاملة. وجدت معه الأستاذ صلاح عبدالمجيد الصديق الصحفي رحمة الله عليه ومحيي ترك صديقي ومحمد هلال مدير مكتب السيد وجيه أباظة رئيس مجلس إدارة الشركة التي أديرها. قال لي محمد هلال إن قائد الجناح وجيه أباظة اتصل بعلي صبري مدير مكتب عبدالناصر وأبلغه أنه إذا تم حبسي أكثر من ذلك فإن الشركة سوف تتعرض للفشل ثم إلي التصفية، بعدها قام يعانقني ويودعني بسلامة الله، سألته: ولكن لماذا قلت بالأمس إن بالزنزانة شخصا خطرا جداً؟ فقال: لقد التبس علي الأمر فقد كان في الزنزانة المواجهة محمد حلمي مراد وظننته في زنزانتك. محمد حلمي مراد عين بعد ذلك بفترة قصيرة وزيراً للمعارف في وزارة رأسها عبدالناصر بنفسه. ضابط القلم السياسي: اعتقلت في صباح 8 ديسمبر 1948 يوم حل الإخوان ثم أفرج عني في اليوم التالي ثم قبض علي مرة أخري يوم 10 ديسمبر 1948 وأودعت في المعتقل لأخرج منه في أواخر يناير 1950 أي لمدة 13 شهراً بدأت في اليوم الثامن والعشرين لزواجي الذي تم في 11/11/1948 وعقد فيه العقد الأستاذ عبدالحكيم عابدين سكرتير عام الإخوان نيابة عن المرشد العام. بعد اعتقالي أودعت بقسم الزيتون لمدة يوم ثم رحلت إلي معتقل هاكستب ثم إلي معتقل الطور وعندما تم نقلنا إلي الطور أحس خالي والد زوجتي بأنه لا أمل في الافراج القريب فتوجه مع زوجتي إلي منزلنا في الزيتون ليحضرا ملابس الصيف حيث اعتقلت في الشتاء ووقتئذ كان الصيف علي الأبواب، فوجدا باب المنزل مشمعا بالشمع الأحمر ولا يوجد أي حارس هناك دفعا الباب ودخلا. بعد دقائق جاء جندي الحراسة حيث كان يقضي حاجة وأخذ يشتد في كلامه مع خالي لأنه دخل رغم الشمع الأحمر أفهمه خالي الوضع ولكن الجندي أصر علي اصطحابهما إلي القسم وكان مأمور قسم الزيتون رجلا مهذبا، شرح الأمر لخالي موضحا أن رجال البوليس السياسي داهموا الفيلا التي كنت أقطنها لكي يفتشوها وهي خالية وخافوا أن يكسروا الأبواب المغلقة بالمفاتيح فتكون ملغمة «كما يبالغون دائماً» لذلك نشروا الأبواب من أسفل ليروا ماوراءها ثم كسروها وخوفا من أن يتركوا البابا الرئيسي بغير قفل حيث كسر قفله فانهم شمعوه ووضعوا حراسة عليه حفاظاً علي موجودات المنزل وأن مفتاح المنزل بالقلم السياسي طرف الضابط «فلان». ذهب خالي وزوجتي بصحبة أحد ضباط القسم إلي القلم السياسي دخلا مكتب «فلان» الذي رحب بهما ترحيبا شديدا لايليق بالتوتر الذي كانا يحسان به ثم سأل خالي لماذا ناسبت محمود عساف وهو رجل خطير وأنت تعرف أن هؤلاء لاخلاق لهم؟ أجاب خالي: لاتنسي أنه ابن اختي وهو لا خطير ولا حاجة وأنا لا اعرف من أين استقيتم معلوماتكم عنه، قال الرجل لو أنك تعاونت معنا للعثور علي مكان الأسلحة التي يحتفظ بها محمود عساف فإني أعدك وعد شرف أن أفرج لك عنه فورا، قال خالي يا «فلان بك» والله هذا كلام عيب أنت تكلم رجلا كبيرا في السن والمقام والخبرة بالحياة كيف تدعي أن لدي محمود عساف أسلحة وكيف توصلت إلي هذه المعلومة إنه ابن اختي وأنا أدري الناس به وهو ليس من الإرهابيين الذين تتصورهم. غضب «فلان» غضبا شديداً ثم قال لخالي وكيف أعرف أنك محمد حلمي وأن التي معك زوجة محمود عساف وابنتك؟عليك أن تثبت لي ذلك. لم تكن هناك في ذلك الوقت بطاقات لاثبات الشخصية فاخرج خالي بطاقة زيارة من حافظة نقوده وقدمها «لفلان» الذي قال له لعلك تكون طبعتها قبل أن تحضر لنا وأنك أنت الآخر من الإرهابيين ستظل هنا في ضيافتنا في سجن المحافظة إلي أن تثبت من أنت. الخواجة خريستو في عام 1942 رشح الإمام الشهيد نفسه لمجلس النواب عن دائرة الإسماعيلية، في ظل الاسلام وتحت راية القرآن. وكان الكل بمن فيهم الانجليز ـ يتوقعون أنه لو فاز فسيكون زعيم المعارضة لا محالة. لهذا صدرت تعليماتهم لكي ينسحب من الانتخابات. استدعاه النحس باشا وطلب منه التنازل لأن البلد في حالة حرب وليس من مصلحتها فوز حسن البنا. أجاب الإمام بأن هذا غاية الظلم. فخطورته مقيدة ولا يستطيع السفر خارج القاهرة إلا بإذن من الداخلية، أفيستكثرون عليه استعمال حقه الدستوري كمواطن في هذا البلد؟ قال النحاس إنه إذا قبل التنازل فسيرفع عنه حظر السفر. اشترط الإمام شروطا لقبول التنازل: الأول هو اتاحة الحرية للجماعة لتمارس نشاطها علي نطاق شامل، وان تعمل الحكومة علي منع الدعارة وحظر الخمور انتاجا وبيعا. قبل النحاس ذلك. ومالبث أن منع ممارسة الدعارة «قانونا فقط» وأمر بإغلاق المواخير وحظر بيع الخمر في شهر رمضان وفي الأعياد الدينية، وسمح لاستئناف الجماعة بعض انشطتها مثل إصدار المطبوعات وعقد الاجتماعات. وحينما سئل الامام الشهيد عن السبب في تنازله قال: لم نرد الترشح إلا أن نجد منبراً نعلن فيه عن دعوتنا. فإذا تيسر ذلك في حدود الظروف القائمة دون اصطدام مع السلطة فيكون ذلك أحسن الحلول (انظر محسن محمد: من قتل حسن البنا صفحة 49). في نوفمبر 1944 حل أحمد ماهر رئيس الوزراء مجلس النواب، وأعلن عن انتخابات جديدة في يناير 1945 رشح الامام الشهيد نفسه عن دائرة الإسماعيلية، كما رشح خمسة آخرون من الإخوان انفسهم. وقال الإمام وقتئذ: "ليس البرلمان وقفا علي أصوات دعاة السياسة الحزبية، ولكنه منبر الأمة تسمع من فوقه كل فكرة صالحة. ويصدر عنه كل توجيه سليم يعبر عن رغبات الشعب. وبالرغم من أن أحمد ماهر كان وطنياً متطرفا في شبابه، فإن السلطة تخدر الأعصاب الثائرة، والجاه والسلطان يغريان علي نسيان المبادئ، وبدلا من أن يطلب إلي الإمام عدم ترشيح نفسه، تركه يخوض المعركة. وكانت الإسماعيلية حصن دعوة الإخوان، ففيها نشأت وازدهرت، و80% من سكانها من الإخوان المسلمين. وأقام الإخوان هناك علي نفقتهم 60 سرادقاً للدعاية الانتخابية، وتوافد علي الإسماعيلية الآلاف من إخوان البلاد الأخري تأييداً للإمام. كان من المتوقع أن يفوز الإمام في الجولة الأولي. ولكن أعيدت الانتخابات بينه وبين منافسه الدكتور سليمان عيد متعهد الأغذية للجيش البريطاني في الاعادة تدخل الانجليز والحكومة بشكل سافر، وكنا نري «حيث كانت بالاسماعيلية في ذلك الوقت» مئات من سيارات اللوري المليئة بعمال المعسكرات البريطانية من صعيد مصر، تجوب طرقات الإسماعيلية هتافا لسليمان عيد، ثم تتوقف أمام لجان الانتخابات ليدخل هؤلاء وينتخبون. احتج عبدالقادر عودة علي التزوير. وكان يعمل قاضيا ورئيسا لإحدي اللجان فصدر أمر وزير العدل بنقله فوراً من الإسماعيلية: فأبي عبدالقادر عودة هذه الاهانة واستقال من القضاء. وكانت تلك باكورة صلته بالإمام الشهيد وبالإخوان المسلمين الذي صار وكيلا لهم فيها بعد قبل أن يغتاله نظام الحكم شنقاً. كانت الأصوات التي حصل عليها الإمام محدودة جداً في كل اللجان، فقد بدلت الصناديق بغيرها، إلا لجنة واحدة كانت منسية، حصل فيها الإمام علي 100% من الأصوات، تلك كانت لجنة الطور حيث كان وكيل الإمام فيها الخواجة خريستو صاحب محل البقالة الوحيد هنا. عندما اعتقلنا في الطور توجهت لزيارة خريستو اليوناني السمح البدين الأصلع، الذي هاجر إلي الطور من اليونان، وعاش هناك مع أسرته وتطبع بطبع المصريين ثم حصل علي الجنسية المصرية. كنت سعيداً بلقياه. الرجعيون يهزمون التقدميين: في أوائل يناير 1950، عندما وصلنا إلي معتقل الطور وكان عددنا 500 معتقل من الإخوان، حشرنا في الحذاء رقم 5، والحذاء هو عبارة عن صفين من الغرف علي اليمين وعلي اليسار، وبينهما ساحة واسعة، وبين كل مجموعة من الغرف دورة مياه، ويوجد مكان مخصص للطبخ الجماعي، ويحيط بالجميع سور من الأسلاك الشائكة. وفي ذات اليوم الذي وصلنا فيه إلي الباخرة عايدة، كان معنا حوالي 100 من اليهود، هم علي السطح ونحن داخل عنبر سفلي كبير، ونقلوهم فور وصولهم إلي الحذاء رقم 6، وكان بين الحذاء والآخر أرض فضاء واسعة. وبعد أيام جاء الشيوعيون المعتقلون، واحتلوا الحذاء رقم 7، وكان عددهم حوالي 200 شخص. اختارني الإخوان للاتصال مع الشيوعيين واليهود، حيث كنت أعرف بعض هؤلاء وأولئك، وذلك بغرض تنسيق المطالب التي نتقدم بها لادارة المعتقل، بحيث يكون مانطلبه من الادارة مؤيداً من الاطراف الثلاثة. ذهبت لليهود لأتعرف عليهم. كان حذاؤهم نظيفا. وكانوا يشغلون وقتهم في صنع «فازات» من القواقع التي يجمعونها من شاطئ البحر الأحمر، وهو غني بأنواع القواقع الزاهية الألوان والمتباينة الأنواع. وكان عندهم ديك هندي جميل الشكل، اشتروه من أحد الأعراب، كنا نسمع صياحه كل يوم قبيل الفجر. وكان من بين اليهود: ايلي عدس شقيق داود عدس صاحب المتجر الكبير الشهير باسمه، والبير مزراحي الصحفي اليهودي والذي كان يصدر جريدة التسعيرة، وكان له تأثير كبير في نقابة الصحفيين، تدارست معهما ومع زملائهما فكرة التعاون لما فيه المصلحة، واتفقنا علي ذلك. بعد هذا ذهبت لزيارة الشيوعيين، وكنت أعرف بعضهم معرفة سطحية، رأيت حذاءهم في غاية القذارة وتنبعث منه روائح كريهة، وعلمت أنهم لا يستحمون إلا نادراً، فلم تكن بهم حاجة إلي غسل الجمعة مثلا أو الوضوء خمس مرات في اليوم. قال لي أحدهم: سمعنا أنك تلعب الشطرنج بمهارة. فقلت: إنني أتعلم!! وفي الحقيقة أنني وأنا طالب بكلية التجارة كنت رئيساً لفريق الشطرنج، وكان الرئيس ينتخب باعتباره أمهر اللاعبين، وخصلنا علي كأس الجامعة خمس سنوات متوالية لدرجة أن ثبتت عندنا الكزس. وكنا نتدرب يومياً علي يد استاذ الجغرافيا الاقتصادية وعميد كلية الآداب بعد ذلك، الدكتور عزالدين فريد. جلست ألاعب واحدا من الشيوعيين، وهزمته خلال دقائق قليلة، فقدم آخر متحديا، ومالبث أن لحق بأخيه، ثم تقدم ثالث ورابع وخامس، وما أن انتهيت من الخامس إلا وكنت قد أصبت بإرهاق شديد، حيث لعبت عشرة ادوار. تقدم السادس وقال: لابد ان تلاعبني، فاعتذرت بعدم امكاني لإرهاقي، فتركوني وذهبوا يتهامسون. عرفت فيما بعد أنهم كانوا يتآمرون لضربي، حيث لاينبغي لرجعي أن يهزم التقدميين وكان الذي حماني منهم أحدهم وكان طالبا بكلية العلوم. في عام 1972 ذهبت أقابل رئيس جامعة عين شمس المرحوم الدكتور إسماعيل غانم، الذي عين وزيرا للثقافة بعد ذلك، وكان جالسا معه أحد أساتذة كلية العلوم، فسلم علي وعرفني بنفسه: الدكتور عبدالعظيم أنيس. وقال ألا تذكرني؟ قلت: ذاكرتي ضعيفة للأسف، فقال: لقد لعبنا الشطرنج سويا عام 1950 . حكايتي مع أنور الجندي وكب الحبل كان أنور الجندي أمين خزينة المركز العام، وكنت أمينا للمعلومات إلي جانب كوني مديراً عاما لشركة الإعلان العربية، وكانت الصلة بيننا وثيقة لأننا كنا آخر من يغادر الدار حين يغادرها الإمام الشهيد. كان حظي مع الاستاذ أنور الجندي عجيباً: يوم اعتقلت في ديسمبر 1948 اعتقل هو الآخر في ذات اليوم، ولما رحلنا من أقسام الشرطة إلي معتقل هاكستب، كان حظي أن أكون معه في قاعدة واحدة، سريري إلي جوار سريره بغير ترتيب مسبق منا. ثم حين رحلنا إلي الطور وقسموا المعتقلين إلي مجموعات، كان حظي ان أكون معه في غرفة واحدة، هي الغرفة رقم 6 ، وبعد ان رحلنا من الطور الي هاكستب بيوم رحلوه هو الآخر ليلحق بي ويقيم معي في غرفة واحدة آنس وحشتنا فيها الاستاذ محمد البنا شقيق الإمام وآخرون. وحينما افرج عنه لحقت به في اليوم التالي. ولما اعتقلنا في يناير 1954 في عهد عبدالناصر، كان حظي أن أودع معه في زنزانة واحدة في السجن الحربي، واذكر انهم حينما كانوا ينادون علينا ليحشرونا في الزنازين اثنين اثنين، ان نادوا علي اسمه ثم علي اسمي، فقال هاتفا: «يادي النيلة».. هو انت جيت كمان؟!. ولما رحلنا إلي معتقل العامرية كان حظي أن أكون معه في غرفة واحدة إلي أن أفرج عنا بعد 3 شهور، بالرغم من أننا لم نكن علي صلة بالجماعة منذ ديسمبر 1948 . أذكر ونحن في معتقل الطور، ان الذباب كان كثيراً بدرجة مزعجة، وكان يتجمع في غرفتنا من قبيل المغرب، ويتخذ مكانه علي حبل نصبناه في وسط الغرفة نعلق عليه الملابس، فيصير الحبل غليظا أسود اللون من كثرة الجاثم عليه. وكانت الغرفة في ذلك الوقت تضاء بالليل إلي أن وجدنا طريقة لفصل التيار حينما نرغب في النوم، وحينئذ يصحو الذباب من سباته بعد ساعة من نومنا يحط علي وجوهنا ويقلق راحتنا. فكرت مع الأخ أنور الجندي في طريقة للتخلص من الذباب حيث لم تكن المبيدات الحشرية قد عرفت بعد، وهدانا الله إلي فكرة.. هي أن نقوم نحن الاثنين في وقت واحد، ويتجه كل منا إلي طرف من طرفي الحبل، حيث كان أحد طرفي الحبل معقودا بمسمار في الحائط والآخر معقوداً بآخر في الحائط المقابل، فنرفع الحبل بحيث يظل مشدودا ولايهتز لكي لايفر الذباب منه، ثم نخرج من باب الغرفة وراء بعضنا يتوسطنا الحبل المشدود، والأخير منا يغلق الباب. فاذا توسطنا الفناء، فإننا ننطر الحبل في الهواء ليطير الذباب ويحط حيث يشاء، ثم نرجع إلي الغرفة لكي نكرر ذلك في كل ليلة حيث أقول لأنور: "هيا بنا نكب الحبل" أي نسكبه بذبابه في الفناء. كان معنا في الغرفة الأستاذ أحمد عبدالعزيز جلال الأستاذ بدار العلوم، والأستاذ أحمد أنس الحجاجي من سكرتيري الامام، وكان اختصاصه اعداد الردود من إخوان العباسية كبيري السن، مع الشيخ محمد عبدالهادي طراد الذي كان يعمل مساعدا من طرف الإخوان مع الشيخ محمد تقي قمي رئيس جمعية التقريب بين المذاهب الإسلامية. كان مما يميز محمد عبدالهادي أنه كان ينقي الفول المدمس المخصوص له في الافطار من السوس فيلقي جانبا بكل فولة اعترتها سوسة، فلا يتبقي له بعد ذلك أكثر من أربع أو خمس فولات. السلاح والكباب والسيد سابق: دخل علينا الشيخ سيد سابق معتقل هاكستب ظهر أحد أيام عام 1949 وهو شاحب الوجه زائغ النظرات، وكان عهدنا به أن نراه باسما رصينا وصابرا.. قال: إنهم أخذوه من المنزل، وفتشوا البيت تفتشيا دقيقا، واخذوا كل الأوراق التي وجدوها عنده، ومنها أصول كتاب «فقه السنة» الذي كان يستعد لإصداره كاملا. أخذوه بغير تحقيق إلي قسم السيدة زينب، حيث وضعوه في حبس انفرادي. لم يكن قد تناول غذاءه أو عشاءه، حين دخل عليه أحد الضباط، وهمس في أذنه قائلاً: ياشيخ سيد! أنا من الإخوان ولا أحد هنا يعلم بذلك، فإن كنت تقصدني في أي خدمة فأنا علي استعداد تام. شكره الشيخ سيد، فغادر الضابط الغرفة، ثم جاء مرة أخري بعد منتصف الليل يحمل رطلا من الكباب وخبزا طازجا وسلطة طحينة وسلطة خضراء قال: ياشيخ سيد أنا أعلم أنك لم تأكل اليوم فأتيت لك بهذا الطعام المتواضع!.. ترك الطعام وغادر الغرفة.. أكل الشيخ سيد ما استطاع، حيث كانت اكلته ضعيفة، وحمد الله وبدأ ينام.. جاء الضابط مرة أخري قائلاً: ياشيخ سيد، أنا ذاهب حيث انتهت نوبتي. وأنا مستعد لأي خدمة قال الشيخ سيد: شكرا لا أريد شيئاً، قال الضابط: إذا كان عندك في المنزل أوراق تحب إعدامها أقوم بذلك، وإن كانت عندك قطعة سلاح فإني آخذها واخبيها، لأني علمت أنهم سيفتشون بيتك في الفجر. قال الشيخ سيد: شكراً، فقد فتشوا البيت في حضوري صباحاً، وليس عندي سلاح إلا سكين المطبخ، قال الضابط: علي كيفك. وعندما هم بالخروج تذكر الشيخ سيد شيئاً، فقال مناديا الضابط: لو سمحت هناك شيء هام في المنزل أرجو احضاره.. عاد الضباط متحفزا فقد وجد بغيته!! قال ماهو: قال: النظارة لأني لا أري بغيرها.. فأسفر الضابط عن وجهه القبيح قائلا: نظارة يا أبن .....؟ كان الشيخ سيد ضئيل الجسم كثير العلم. وكان إذا تحدث جالسا فإنه يهتز يمينا وشمالا كعادة قدامي الأزهريين. وكان حضوره للمعتقل نعمة كبيرة أنعم الله علينا بها، حيث نغترف من علمه. حدثته عن هذه الواقعة بعد 42 عاما وهو يعمل رئيس قسم الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة أم القري بمكة المكرمة، فوجدته قد نسي بعضها، وأخذ يضحك... في ذلك الوقت، حدثت واقعة جديدة بالتسجيل، إذ ذهب ضابط من القلم السياسي يستعلم عن المدير المالي لشركة الشرق للغزل والنسيج بإمبابة، فقال زملاؤه ـ كما قال مدير الأمن بالشركة ـ للضابط: إنه رجل طيب، ليست له ميول سياسية، وهو متدين يواظب علي الصلاة في أوقاتها قال الضابط: أهو يواظب علي الصلاة؟ قالوا: نعم قال: هذا يكفي واعتقله. ثم جاءنا معتقلا بغير ذنب إلا أنه يصلي. حلقة الصلة بين الإخوان والشيوعيين في أحد الأيام ورد علينا في معتقل الطور ستة أشخاص هم عبارة عن 6 أصدقاء، اثنان منهم من الإخوان (احدهم المرح وواحد شيوعي، والثلاثة الباقون لا علاقة لهم بالسياسة، كل ماجمع هؤلاء أنهم كانوا زملاء في مرحلة البكالوريوس في كلية التجارة. سألناهم عما جاء بهم للمعتقل، فقالوا: انهم متهمون بأنهم يكونون خلية، هي عبارة عن حلقة الاتصال بين الإخوان والشيوعيين. بقوا معنا في المعتقل 6 شهور ثم افرج عنهم قبيل امتحانات الجامعة. هكذا كان التلفيق من ادارة التحقيق ومن القلم السياسي، بالرغم من أنهم يعلمون جيدا أن الإخوان علي طرفي نقيض من الشيوعيين والأعجب ان تخرج علينا جريدة أخبار اليوم، وعلي صدرها عنوان يقول: القبض علي حلقة الصلة بين الإخوان والشيوعيين. ذكريات باسمة في ظروف حزينة لم تكن الاعتقالات أو الأيام التي سبقت حل الإخوان تخلو من بسمات.. ومنها: اختلاس الوطن كانت كل دفعة تدخل الي السجن الحربي، يؤمر أفرادها بالجري وكان يستقبلهم الجنود وفي أيديهم السياط يفرقعون بها في الهواء، هاتفين: "اجروا يامختلسين الوطن يا أولاد.. طبعا لم نفهم معني اختلاس الوطن، وهم أيضا ورؤساؤهم كانوا لا يفهمون.. يامفرج كان معنا في الطور الشيخ عبدالصادق، وهو محام شرعي في أحد مراكز الغربية، كان سليط اللسان باعترافه هو. وكان يجلس معنا يتسامر، ويحكي كيف انه كان يسب القاضي الشرعي في مرافعته، فيحكم ضده، ثم يخرج إلي موكليه فيضربوه. سألناه بم؟ قال: بالبلغة، وقد عددتها 42 بلغة. كان يسير ويدعو الله أن يفرج عنه ويناجي ربه: يامفرج.. يامفرج.. ولم يقتنع بأن «المفرج» ليس اسما من اسماء الله الحسني». الترجمة الانجليزية كان أحد الإخوة طالبا بالأزهر، ووضع الفية ليحفظ الطلاب بها الترجمة بالإنجليزية لبعض الألفاظ العربية، وكان مستهلها: «يس يعني أيوه، ونو يعني لا» وكان يغنيها متخذا طبلة من علبة صفيح قديمة. قابلت هذا الأخ بعد ذلك بأكثر من 40 سنة، وكان رئيسا لجامعة لها مكانتها في العالم الاسلامي. الصلاة مع الراديو عدت مع الإمام الشهيد من مسجد قيسون بعد صلاة الجمعة، فوجدنا الفراشين في المركز العام، قد وضعوا جهاز المذياع في فناء المركز العام، ويصلون مع الإمام الذي نقل الجهاز الصلاة عنه، نهرهم الأستاذ الإمام واعطاهم درسا في شروط الصلاة مع الجماعة ولزوم اتصال الصفوف. كان ذلك قبل حل الإخوان بأيام، وكان الإمام مشغولا بالحل، ويري ان قوي عديدة قد تآمرت ضده: السراي، والحكومة، والإنجليز كان يردد بيت شعر يقول: تكاثرت الذئاب علي خراش: فلا يدري خراش مايصيب وكان يقول: اللهم عليك بهم فهم بهم، الباء في الأولي بالكسر وفي الثانية بالضم، ذلك لأنهم كانوا قد سدوا عيونهم وآذانهم وحجبوا عقولهم عن فهم حقيقة دعوة الإخوان. وصدق الله العظيم: " لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولهم آذان لا يمسعون بها، وأولئك كالأنعام بل هم أضل، وأولئك هم الغافلون» (179 الاعراف). نوتة عبدالبديع كان عبدالبديع صقر ـ رحمه الله ـ من قدامي الإخوان الذين تشربوا الدعوة من الإمام مباشرة. وكان خفيف الظل ومتحمسا ومجددا في تفكيره. فكان اذا سافر بالقطار وجلس امامه او إلي جواره بعض الناس، كان يحدثهم عن دعوة الإخوان المسلمين، ثم يأخذ بيانات كل منهم وعنوانه وعمله، ويقيدها في مفكرة، لكي يراسلهم فيما بعد ويبعث اليهم برسائل الامام. ودخل علينا في معتقل الطور في يوم حوالي 150 معتقلا ليسوا من الإخوان. سألناهم عن سبب اعتقالهم، فقالوا: نوتة عبدالبديع. كان رجال القلم السياسي عندما قبضوا علي عبدالبديع صقر، قد صادروا المفكرة التي وجدوها معه، وفسروا مابها من اسماء بأنهم اعضاء تنظيم يعمل علي قلب نظام الحكم، مثلما نشرت الصحف وقتذاك. عمل عبد البيع صقر بعد هجرته من مصر مستشارا للشيخ زايد آل سلطان، وكان له الفضل الأكبر في اصلاح ذات البين بينه وبين عبدالناصر بعد هزيمة 1967. كانت نفسه طيبة وروحه عالية ولايحقد علي أحد. الكوارع في أول يوم من رمضان، رغبنا ـ سكان الغرفة رقم 6 في معتقل الطور بالحذاء رقم 5 ، أن نفطر علي كوارع ومرقتها، فطلبنا من المتعهد بيع زوج من الكوارع لنا. اشتريناها وهي بشعرها، غلينا ماء في صفيحة كبيرة، ووضعناها فيها لننتف شعرها لمدة 4 ساعات، ولكن عجزنا عن نتف شعرة واحدة، فقمت أنا وأنور الجندي وعلي عمران اليها حاملين ماكينات الحلاقة، واخذنا نحلقها.. ولكن هيهات فقد ظلت بها بقايا من الشعر تشبه الشوك القصير.. واخيراً القينا بها في القمامة، وضاعت الوليمة التي كنا ننتظرها. الديك الرومي في آواخر ايام معتقل هاكستب كان معنا نجل حسن يوسف باشا وكيل الديوان الملكي، معتقلا لانهم وجدوا اسمه بأحد الشعب، بنفوذه استطاع ان يحضر الة سينما 16 مللي، وعرض علينا في المساء فيلما للتسلية، كان الفيلم من الأفلام المضحكة، إلا انه انتهي نهاية مأساوية بالنسبة لنا، حيث كانت به وليمة كبيرة نظمها عمدة بلدة امريكية بمناسبة عيد الميلاد، وقدم فيها عددا من الديوك الرومي الباعثة علي الشهية والتي جعلتنا نأرق ونحلم بها لحرماننا من أي طعام شهي. صينية البطاطس سأمنا في هاكستب طعام المتعهد، ففكر المرحوم الاستاذ محمد البنا ـ شقيق الامام ـ في غذاء لا يتكلف كثيرا. بعث يشتري من المقصف (الكانتين) بطاطس وطماطم وبصلا، وأحضر قالبا من الطوب حفر فيه دائرة حلزونية، وأحضر سلطا برمه ووضعه في الحفرة الحلزونية ووصل السلك بالكهرباء فاشتعل، ووضع عليه الصينية بالبطاطس والبصل والطماطم، وغطاها بقطعة من الصفيح إلي أن نضجت. كانت أشهي طعام تناولناه في المعتقل.

This site was last updated 09/27/12