الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء: 10
**************************************************************************************************************************
حوادث سنة سبعين ومائة
ذكر خلافة الرشيد بن المهدي (3/85)
وفي هذه السنة بويع للرشيد هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة في الليلة التي مات فيها الهادي، وكان عمره، حين ولي، اثنتين وعشرين سنة، وأمه الخيزران أم ولد، يمانية، جرشية؛ وكان مولده بالري في آخر ذي الحجة سنة خمس وأربعين ومائة؛ وقيل: ولد مستهل محرم سنة تسع وأربعين. وكان مولد الفضل بن يحيى البرمكي قبله بسبعة أيام، وأرضعت أم ابن يحيى الرشيد، وأرضعت الخيزران الفضل بلبان الرشيد.
ولما مات الهادي كان يحيى بن خالد البرمكي محبوسأن في قول بعضهم، وكان الهادي عازماً على قتله، فجاء هرثمة بن أعين إلى الرشيد فأخرجه وأجلسه للخلافة، فأرسل الرشيد إلى يحيى، فأخرجه من الحبس، واستوزره، وأمر بإنشاء الكتب إلى الأطراف بجلوسه للخلافة وموت الهادي.
وقيل: لما مات الهادي جاء يحيى بن خالد إلى الرشيد، وهونائم في فراشه، فقال له: قم يا أمير المؤمنين! فقال: كم تروعني إعجاباً منك بخلافتي، فكيف يكون حالي مع الهادي إن بلغه هذا؟ فأعلمه بموته، وأعطاه خاتمه، فبيمنا هويكلمه إذ أتاه رسول آخر يبشره بمولود، فسماه عبد الله، وهوالمأمون؛ ولبس ثيابه وخرج، فصلى على الهادي بعيساباذ، وقتل أبا عصمة وسار إلى بغداد.
وكان سبب قتل أبي عصمة أن الرشيد كان سائراً هو وجعفر بن الهادي، فبلغا قنطرة من قناطر عيساباذ، فقال له أبوعصمة: مكانك حتى يجوز ولي العهد! فقال الرشيد: السمع والطاعة للأمير! ووقف حتى جاز جعفر، فكان هذا سبب قتله.
ولما وصل الرشيد إلى بغداد، وبلغ الجسر، دعا الغواصين، وقال: كان المهدي قد وهب لي خاتماً شراؤه مائة ألف دينار، يسمى الجبل، فأتاني رسول الهادي يطلب الخاتم وأنا هاهنأن فألقيته في الماء؛ فغاصوا عليه وأخرجوه، فسر به.
ولما مات الهادي هجم خزيمة بن حازم تلك الليلة على جعفر بن الهادي فأخذه من فراشه، وقال له: لتخلعنها أولأضربن عنقك؛ فأجاب إلى الخلع وركب من الغد خزيمة، وأظهر جعفراً للناس فأشهدهم بالخلع، وأحل الناس من بيعتهم، فحظي بها خزيمة.
ذكر عدة حوادث
وفيها ولد الأمين، واسمه محمد، في شوال، فكان المأمون أكبر منه. وفيها استوزر الرشيد يحيى بن خالد، وقال له: قد قلدتك أمر الرعية، فاحكم فيها بما ترى، واعزل من رأيت، واستعمل من رأيت، ودفع إليه خاتمه. فقال إبراهيم الموصلي في ذلك:
ألم تر أن الشمس كانت سقيمة ... فلما ولي هارون أشرق نورها
بيمن أمين الله هارون ذي الندي ... فهارون واليها ويحيى وزيرها
وكان يحيى يصدر عن أمر الخيزران أم الرشيد.
وفيها توفي يزيد بن حاتم المهلبي، والي إفريقية، واستخلف عليها ابنه داود، وانتقضت جبال باجة، وخرج فيها الإباضية، فسير إليهم داود جيشأن فظفر بهم الإباضية، وهزمزهم، فجهز إليهم جيشاً آخر، فهزمت الإباضية، فتبعهم الجيش، فقتلوا منهم، فأكثروأن وبقي داود أميراً إلى أن استعمل الرشيد عمهم روح بن حاتم المهلبي أميراً على إفريقية؛ وكانت إمارة داود تسعة أشهر.
وفيها عزل الرشيد عمر بن عبد العزيز العمري عن المدينة، على ساكنها السلام، واستعمل عليها إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس.
وفيها ظهر من كان مستخفيأن منهم طباطبا العلوي، وهوإبراهيم بن إسماعيل، وعلي بن الحسين بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، وبقي نفر من الزنادقة لم يظهروأن منهم: يونس بن فروة، ويزيد بن الفيض.
وفيها عزل الرشيد الثغور كلها عن الجزيرة وقنسرين، وجعلها حيزاً واحدأن وسميت العواصم، وأمر بعمارة طرسوس على يدي فرج الخادم التركي ونزلها الناس.
وحج بالناس الرشيد، وقسم بالحرمين عطاء كثيراً؛ وقيل إنه غزا الصائفة بنفسه، وغزا الصائفة سليمان بن عبد الله البكائي.
وكان على مكة والطائف عبد الله بن قثم؛ وعلى الكوفة موسى بن عيسى؛ وعلى البصرة والبحرين واليمامة وعمان والأهواز وفارس محمد بن سليمان بن علي؛ وكان على خراسان الفضل بن سليمان الطوسي، وعلى الموصل عبد الملك.
وفيها أوقع عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس ببرابر نفزة، فأذلهم وقتل فيهم.
وفيها أمر عبد الرحمن ببناء جامع قرطبة، وكان موضعه كنيسة، وأخرج عليه مائة ألف دينار.