الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء: 10
**************************************************************************************************************************
حوادث سنة إحدى وثمانين ومائة
ذكر ولاية محمد بن مقاتل إفريقية
وفي هذه السنة استعمل الرشيد على إفريقية محمد بن مقاتل بن حكيم العكي، لما استعفى منها هرثمة بن أعين، على ما ذكرناه، سنة سبع وسبعين ومائة؛ وكان محمد هذا رضيع الرشيد، فقدم القيروان أول رمضان، فتسلمهأن وعاد هرثمة إلى الرشيد؛ فلما استقر فيها لم يكن بالمحمود السيرة، فاختلف الجند عليه، واتفقوا على تقديم مخلد بن مرة الأزدي، واجتمع كثير من الجند والبربر وغيرهم، فسير إليه محمد بن مقاتل جيشأن فقاتلوه، فانهزم مخلد واختفى في مسجد، فأخذ وذبح.
وخرج عليه بتونس تمام بن تميم التميمي في جمع كثير، وساروا إلى القيروان في رمضان سنة ثلاث وثمانين، وخرج إليه محمد بن مقاتل العكي في الذين معه، فاقتتلوا بمنية الخيل، فانهزم ابن العكي إلى القيروان وسار تمام فدخل القيروان وأمن ابن العكي، على أن يخرج عن إفريقية، فسار في رمضان إلى طرابلس.
فجمع إبراهيم بن الأغلب التميمي جمعاً كثيرأن وسار إلى القيروان منكراً لما فعله تمام، فلما قاربها سار عنها إلى تونس، ودخل إبراهيم إلى القيروان، وكتب إلى محمد بن مقاتل يعلمه الخبر، جمعاً وسار إلى القيروان، ظناً منه أن الناس يكرهون محمداً ويساعدونه عليه.
فلما وصل قال ابن الأغلب لمحمد: إن تماماً انهزم مني وأنا في قلة، فلما وصلت إلى البلاد تجدد له طمع لعلمه أن الجند يخذلونك، والرأي أن أسير أنا ومن معي من أصحابي فنقاتله؛ ففعل ذلك، وسار إليه فقاتله، فانهزم تمام، وقتل جماعة من أصحابه، ولحق بمدينة تونس، فسار إبراهيم ابن الأغلب إليه ليحصره، فطلب منه الأمان فأمنه.
ذكر ولاية إبراهيم بن الأغلب إفريقية
لما استقر الأمر لمحمد بن مقاتل ببلاد إفريقية، وأطاعة تمام، كره أهل البلاد ذلك، وحملوا إبراهيم بن الأغلب على أن كتب إلى الرشيد يطلب منه ولاية إفريقية، فكتب إليه في ذلك، وكان على ديار مصر، كل سنة مائة ألف دينار تحمل إلى إفريقية معونة، فنزل إبراهيم عن ذلك، وبذل أن يحمل كل سنة أربعين ألف دينار، فأحضر الرشيد ثقاته واستشارهم فيمن يوليه إفريقية، وذكر لهم كراهة أهلها ولاية محمد بن مقاتل، فأشار هرثمة بإبراهيم بن الأغلب، وذكر له ما رآه من عقله ودينه وكفايته، وأنه قام بحفظ إفريقية على ابن مقاتل، فولاه الرشيد في المحرم سنة أربع وثمانين ومائة، فانقمع الشر، وضبط الأمر، وسير تمامأن وكل من يتوثب الولاة، إلى الرشيد، فسكنت البلاد، وابتنى مدينة سماها العباسية بقرب القيروان، وانتقل إليها بأهله وعبيده.
وخرج عليه، سنة ست وثمانين ومائة، رجل من أبناء العرب بمدينة تونس، اسمه حمديس، فنزع السواد، وكثر جمعه، فبعث إليه ابن الأغلب عمران بن مخلد في عساكر كثيرة، وأمره أن لا يبقي على أحد منهم إن ظفر بهم. فسار عمران، والتقوا واقتتلوأن وصار أصحاب حمديس يقولون: بغداد! بغداد! وصبر الفريقان، فانهزم حمديس ومن معه، وأخذهم السيف، فقتل منهم عشرة آلاف رجل، ودخل عمران تونس.
ثم بلغ ابن الأغلب أن إدريس بن إدريس العلوي قد كثر جمعه بأقاصي المغرب، فأراد قصده، فنهاه أصحابه وقالوا: اتركه ما تركك؛ فأعمل الحيلة، وكاتب القيم بأمره من المغاربة، واسمه بهلول بن عبد الواحد، وأهدى إليه، ولم يزل به حتى فارق إدريس وأطاع إبراهيم، وتفرق جمع إدريس، فكتب إلى إبراهيم يستعطفه، ويسأله الكف عن ناحيته، ويذكر له قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكف عنه.
ثم إن عمران بن مخلد، المقدم ذكره، وكان من بطانة إبراهيم بن الأغلب، وينزل معه في قصره، ركب يوماً مع إبراهيم وجعل يحدثه، فلم يفهم من حديثه شيئاً لاشتغال قلبه بمهم كان له، فاستعاد الحديث من عمران فغضب وفارق إبراهيم، وجمع جمعاً كثيرأن وثار عليه، فنزل بين القيروان والعباسية، وصارت القيروان وأكثر بلاد إفريقية معه. (3/99)
فخندق إبراهيم على العباسية، وامتنع فيهأن ودامت الحرب بينهما سنة كاملة، فسمع الرشيد الخبر، فأنفذ إلى إبراهيم خزانة مال، فلما صارت إليه الأموال أمر منادياً ينادي: من كان من جند أمير المؤمنين فليحضر لأخذ العطاء. ففارق عمران أصحابه وتفرقوا عنه، فوثب عليهم أصحاب إبراهيم، فانهزموأن فنادى إبراهيم بالأمان والحضور لقبض العطاء، فحضروا فأعطاهم، وقلع أبواب القيروان وهدم في سورها.
وأما عمران، فسار حتى لحق بالزاب، فأقام به حتى مات إبراهيم، وولى بعده ابنه عبد الله فأمن عمران، فحضر عنده، وأسكنه معه، فقيل لعبد الله: أن هذا ثأر بأبيك، ولا نأمنه عليك؛ فقتله.
ولما انهزم عمران سكن الشر بإفريقية، وأمن الناس، فبقي كذلك إلى أن توفي إبراهيم في شوال سنة ست وتسعين ومائة وعمره ست وخمسون سنة، وإمارته اثنتا عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام.
ذكر ولاية عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب إفريقية
ولما توفي إبراهيم بن الأغلب ولي بعده ابنه عبد الله، وكان عبد الله غائباً بطرابلس قد حصره البربر، على ما نذكره سنة ست وتسعين ومائة، فعهد إليه أبوه بالإمارة، وأمر ابنه زيادة الله بن إبراهيم أن يبايع لأخيه عبد الله بالإمارة، فكتب إلى أخيه بموت أبيه، وبالإمارة، ففارق طرابلس، ووصل إلى القيروان، فاستقامت الأمور، ولم يكن في أيامه شر، ولا حرب، وسكن الناس فعمرت البلاد وتوفي في ذي الحجة سنة إحدى ومائتين.
ذكر من خالف بالأندلس على صاحبها
وفي هذه السنة خالف بهلول بن مرزوق، المعروف بأبي الحجاج في ناحية الثغر من بلاد الأندلس، ودخل سرقسطة وملكهأن فقدم على بهلول فيها عبد الله بن عبد الرحمن، عم صاحبها الحكم، ويعرف بالبلنسي، وكان متوجهاً إلى الفرنج.
وخالف فيها عبيدة بن حميد بطليطلة، وأمر الحكم القائد عمروس بن يوسف، وهوبمدينة طلبيرة، أن يحارب أهل طليطلة فكان يكثر قتالهم، وضيق عليهم؛ ثم إن عمروس بن يوسف كاتب رجالاً من أهل طليطلة يعرفون ببني مخشي، واستمالهم، فوثبوا على عبيدة بن حميد وقتلوه، وحملوا رأسه إلى عمروس، فسير الرأس إلى الحكم، وأنزل بني مخشي عنده، وكان بينهم وبين البربر الذين بمدينة طلبيرة ذحول، فتسور البربر عليهم فقتلوهم، فسير عمروس رؤوسهم مع رأس عبيدة إلى الحكم وأخبره الخبر.... من باب آخر، فمن دخل منهم عدل به إلى موضع آخر فقتلوه، حتى قتل منهم سبع مائة رجل، فاستقامت تلك الناحية.
ذكر عدة حوادث
فيها غزا الرشيد أرض الروم، فافتتح حصن الصفصاف وفيها غزا عبد الملك بن صالح أرض الروم، فبلغ أنقرة، وافتتح مطمورة.
وفيها توفي حمزة بن مالك.
وفيها غلبت المحمرة على خراسان.
وفيها أحدث الرشيد في صدر كتبه الصلاة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وحج بالناس الرشيد.
وفي هذه السنة كان الفداء بين الروم والمسلمين، وهوأول فداء كان أيام بني العباس، وكان القاسم بن الرشيد هوالمتولي له، وكان الملك فغفور، ففرح بذلك الناس، ففودي بكل أسير في بلاد الروم، وكان الفداء باللامس، على جانب البحر، بينه وبين طرسوس اثنا عشر فرسخأن وحضر ثلاثون ألفاً من المرتزقة مع أبي سليمان، فخرج الخادم، متولي طرسوس، وخلق كثيراً من أهل الثغور، وغيرهم من العلماء والأعيان، وكان عدة الأسرى ثلاثة آلاف وسبعمائة، وقيل أكثر من ذلك.
وفيها توفي الحسن بن قحطبة، وهومن قواد المنصور، هو وأبوه، وكان عمره أربعاً وثمانين سنة؛ وعبد الله بن المبارك المروزي، توفي في رمضان بهيت وعمره ثلاث وستون سنة؛ وعلي بن حمزة أبوالحسن الأزدي، المعروف بالكسائي المقرئ، النحوي، بالري، وقيل مات سنة ثلاث وثمانين.
وفيها توفي مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة الشاعر، وكان مولده سنة خمس ومائة.
وفيها توفي أبويوسف القاضي، واسمه يعقوب بن إبراهيم، وهوأكبر أصحاب أبي حنيفة. وفيها توفي يعقوب بن داود بن عمر بن طهمان، مولى عبد الله بن خازم السلمي، وكان يعقوب وزير المهدي، وهاشم بن البريد؛ ويزيد ابن زريع؛ وحفص بن ميسرة الصنعني من صنعاء دمشق.
البريد بفتح الباء الموحدة، وكسر الراء، وبالياء تحتها نقطتان.