Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ثماني عشرة وخمسمائة سنة تسع عشرة وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
باقى سنة512
سنة513
سنة514
سنة515
سنة516 وسنة517
سنة518 وسنة519
سنة520 وسنة521
سنة522 وسنة523
سنة524 وسنة525
سنة526
سنة527 وسنة528
سنة529

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثماني عشرة وخمسمائة
ذكر قتل بلك بن بهرام بن أرتق وملك تمرتاش حلب

في هذه السنة، في صفر، قبض بلك بن بهرام بن أرتق، صاحب حلب، على الأمير حسان البعلبكي، صاحب منبج، وسار إليها فحصرها، فملك المدينة، وحصر القلعة، فامتنعت عليه، فسار الفرنج إليه ليرحلوه عنها لئلا يقوى بأخذها، فلما قاربوه ترك على القلعة من يحصرها، وسار في باقي عسكره إلى الفرنج، فلقيهم وقاتلهم، فكسرهم وقتل منهم خلقاً كثيراً، وعاد إلى منبج فحصرها، فبينما هو يقاتل من بها أتاه سهم فقتله، لا يدرى من رماه، واضطرب عسكره وتفرقوا، وخلص حسان من الحبس، فكان حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق مع ابن عمه بلك، فحمله مقتولاً إلى ظاهر حلب، وتسلمها في العشرين من ربيع الأول من هذه السنة، وزال الحصار عن قلعة منبج، وعاد إليها صاحبها حسان، واستقر تمرتاش بحلب واستولى عليها.
ثم إنه جعل فيها نائباً له يثق به، ورتب عنده ما يحتاج إليه من جند وغيرهم وعاد إلى ماردين، لأنه رأى الشام كثيرة الحرب مع الفرنج، وكان رجلاً يحب الدعة والرفاهية، فلما عاد إلى ماردين أخذت حلب منه، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر ملك الفرنج مدينة صور بالشام
كانت مدينة صور للخلفاء العلويين بمصر، ولم تزل كذلك إلى سنة ست وخمسمائة، فكان بها وال من جهة الأفضل أمير الجيوش، وزير الآمر بأحكام الله العلوي، يلقب عز الملك، وكان الفرنج قد حصروها، وضيقوا عليها، ونهبوا بلدها غير مرة، فلما كانت سنة ست تجهز ملك الفرنج، وجمع عساكره ليسير إلى صور، فخافهم أهل صور، فأرسلوا إلى أتابك طغتكين، صاحب دمشق، يطلبون منه أن يرسل إليهم أميراً من عنده يتولاهم ويحميهم، ويكون البلد له، وقالوا له: إن أرسلت إلينا والياً، وعسكراً، وإلا سلمنا البلد إلى الفرنج، فسير إليهم عسكراً، وجعل عندهم والياً اسمه مسعود، وكان شهماً، شجاعاً، عارفاً بالحرب ومكايدها، وأمده بعسكر، وسير إليهم ميرة ومالاً فرقه فيهم. (4/472)
وطابت نفوس أهل البلد، ولم تغير الخطبة للآمر، صاحب مصر، ولا السكة، وكتب إلى الأفضل بمصر يعرفه صورة الحال، ويقول: متى وصل إليها من مصر من يتولاها، ويذب عنها، سلمتها إليه، ويطلب أن الأسطول لا ينقطع عنها بالرجال والقوة. فشكره الأفضل على ذلك، وأثنى عليه، وصوب رأيه فيما فعله، وجهز أسطولاً، وسيره إلى صور، فاستقامت أحوال أهلها. ولم يزل كذلك إلى سنة ست عشرة، بعد قتل الأفضل، فسير إليها أسطول، على جاري العادة، وأمروا المقدم على الأسطول أن يعمل الحيلة على الأمير مسعود الوالي بصور من قبل طغتكين، ويقبض عليه، ويتسلم البلد منه.
وكان السبب في ذلك: أن أهل صور أكثروا الشكوى منه إلى الآمر بأحكام الله، صاحب مصر، بما يعتمده من مخالفتهم، والإضرار بهم، ففعلوا ذلك، وسار الأسطول فأرسي عند صور، فخرج مسعود إليه للسلام على المقدم عليه، فلما صعد إلى المركب الذي فيه المقدم اعتقله، ونزل البلد، واستولى عليه، وعاد الأسطول إلى مصر، وفيه الأمير مسعود، فأكرم وأحسن إليه، وأعيد إلى دمشق.
وأما الوالي من قبل المصريين فإنه طيب قلوب الناس، وراسل طغتكين يخدمه بالدعاء والاعتضاد، وأن سبب ما فعل هو شكوى أهل صور من مسعود، فأحسن طغتكين الجواب، وبذل من نفسه المساعدة.
ولما سمع الفرنج بانصراف مسعود عن صور قوي طمعهم فيها، وحدثوا نفوسهم بملكها، وشرعوا في الجمع والتأهب للنزول عليها وحصرها، فسمع الوالي بها للمصريين الخبر، فعلم أنه لا قوة له، ولا طاقة على دفع الفرنج عنها، لقلة من بها من الجند والميرة، فأرسل إلى الآمر بذلك، فرأى أن يرد ولاية صور إلى طغتكين، صاحب دمشق، فأرسل إليه بذلك، فملك صور، ورتب بها من الجند وغيرهم ما ظن فيه كفاية.
وسار الفرنج إليهم ونازلوهم في ربيع الأول من هذه السنة، وضيقوا عليهم، ولازموا القتال، فقلت الأقوات، وسئم من بها القتال، وضعفت نفوسهم وسار طغتكين إلى بانياس ليقرب منهم، ويذب عن البلد، ولعل الفرنج إذا رأوا قربه منهم رحلوا، فلم يتحركوا، ولزموا الحصار، فأرسل طغتكين إلى مصر يستنجدهم، فلم ينجدوه، وتمادت الأيام، وأشرف أهلها على الهلاك، فراسل حينئذ طغتكين، صاحب دمشق، وقرر الأمر على أن يسلم المدينة إليهم، ويمكنوا من بها من الجند والرعية من الخروج منها بما يقدرون عليه من أموالهم ورحالهم وغيرها، فاستقرت القاعدة على ذلك، وفتحت أبواب البلد، وملكه الفرنج، وفارقه أهله، وتفرقوا في البلاد، وحملوا ما أطاقوا، وتركوا ما عجزوا عنه، ولم يعرض الفرنج لأحد منهم، ولم يبق إلا الضعيف عجز عن الحركة.
وملك الفرنج البلد في الثالث والعشرين من جمادى الأولى من السنة، وكان فتحه وهناً عظيماً على المسلمين، فإنه من أحصن البلاد وأمنعها، فالله يعيده إلى الإسلام، ويقر أعين المسلمين بفتحه، بمحمد وآله.
ذكر عزل البرسقي عن شحنكية العراق وولاية يرنقش الزكوي
في هذه السنة عزل البرسقي عن شحنكية العراق، ووليها سعد الدولة يرنقش الزكوي.
وسبب ذلك: أن البرسقي نفر عنه المسترشد بالله، فأرسل إلى السلطان محمود يلتمس منه أن يعزل البرسقي عن العراق ويعيده إلى الموصل، فأجابه السلطان إلى ذلك، وأرسل إلى البرسقي يأمره بالعود إلى الموصل، والاشتغال بجهاد الفرنج، فلما علم البرسقي الخبر شرع في جباية الأموال، ووصل نائب يرنقش، فسلم إليه البرسقي الأمر، وأرسل السلطان ولداً له صغيراً مع أمه إلى البرسقي ليكون عنده، فلما وصل الصغير إلى العراق خرجت العساكر والمواكب إلى لقائه، وحملت له الإقامات، وكان يوم دخوله يوماً مشهوداً، وتسلمه البرسقي، وسار إلى الموصل، وهو ووالدته معه.
ولما سار البرسقي إلى الموصل كان عماد الدين زنكي بن آقسنقر بالبصرة قد سيره البرسقي إليها ليحميها، فظهر من حمايته لها ما عجب منه الناس، ولم يزل يقصد العرب ويقاتلهم في حللهم، حتى أبعدوا إلى البر، فأرسل إليه البرسقي يأمره باللحاق به، فقال لأصحابه: قد ضجرنا مما نحن فيه: كل يوم للموصل أمير جديد، ونريد نخدمه، وقد رأيت أن أسير إلى السلطان فأكون معه، فأشاروا عليه بذلك، فسار إليه، فقدم عليه بأصبهان فأكرمه، وأقطعه البصرة وأعاده إليها.
ذكر ملك البرسقي مدينة حلب
في هذه السنة، في ذي الحجة، ملك آقسنقر البرسقي مدينة حلب وقلعتها. (4/473)
وسبب ذلك: أن الفرنج لما ملكوا مدينة صور، على ما ذكرناه، طمعوا، وقويت نفوسهم، وتيقنوا الاستيلاء على بلاد الشام، واستكثروا من الجموع، ثم وصل إليهم دبيس بن صدقة، صاحب الحلة، فأطمعهم طمعاً ثانياً، لا سيما في حلب، وقال لهم: إن أهلها شيعة، وهم يميلون إلي لأجل المذهب، فمتى رأوني سلموا البلد إلي. وبذل لهم على مساعدته بذولاً كثيرة، وقال: إنني أكون هاهنا نائباً عنكم ومطيعاً لكم. فساروا معه إليها وحصروها، وقاتلوا قتالاً شديداً، ووطنوا نفوسهم على المقام الطويل، وأنهم لا يفارقونها حتى يملكوها، وبنوا البيوت لأجل البرد والحر.
فلما رأى أهلها ذلك ضعفت نفوسهم، وخافوا الهلاك، وظهر لهم من صاحبهم تمرتاش الوهن والعجز، وقلت الأقوات عندهم، فلما رأوا ما دفعوا إليه من هذه الأسباب، أعملوا الرأي في طريق يتخلصون به، فرأوا أنه ليس لهم غير البرسقي، صاحب الموصل، فأرسلوا إليه يستنجدونه ويسألونه المجيء إليهم ليسلموا البلد إليه. فجمع عساكره وقصدهم، وأرسل إلى من بالبلد، وهو في الطريق، يقول: إنني لا أقدر على الوصول إليكم، والفرنج يقاتلونكم، إلا إذا سلمتم القلعة إلى نوابي، وصار أصحابي فيها، فإنني لا أدري ما يقدره الله تعالى إذا أنا لقيت الفرنج، فإن انهزمنا منهم وليست حلب بيد أصحابي حتى أحتمي أنا وعسكري بها، لم يبق منا أحد، وحينئذ تؤخذ حلب وغيرها.
فأجابوه إلى ذلك، وسلموا القلعة إلى نوابه، فلما استقروا فيها، واستولوا عليها، سار في العساكر التي معه، فلما أشرف عليها رحل الفرنج عنها، وهو يراهم، فأراد من في مقدمة عسكره أن يحمل عليهم، فمنعهم هو بنفسه، وقال: قد كفينا شرهم، وحفظنا بلدنا منهم، والمصلحة تركهم حتى يتقرر أمر حلب ونصلح حالها، ونكثر ذخائرها، ثم حينئذ نقصدهم ونقاتلهم. فلما رحل الفرنج خرج أهل حلب ولقوه، وفرحوا به، وأقام عندهم حتى أصلح الأمور وقررها.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة انقطعت الأمطار في العراق، والموصل، وديار الجزيرة، والشام، وديار بكر، وكثير من البلاد، فقلت الأقوات، وغلت الأسعار في جميع البلاد، ودام إلى سنة تسع عشرة.
وفيها وصل منصور بن صدقة أخو دبيس إلى بغداد تحت الاستظهار، فمرض بها، فأحضر الخليفة الأطباء وأمرهم بمعالجته، وأحضره عنده، وجعل في حجرة، وأدخل أصحابه إليه.
وفيها سار دبيس من الشام، بعد رحيله عن حلب، وقصد الملك طغرل، فأغراه بالخليفة، وأطعمه في العراق، وكان ما نذكره سنة تسع عشرة إن شاء الله تعالى.
وفيها مات الحسن بن الصباح، مقدم الإسماعيلية، صاحب ألموت، وقد تقدم من أخباره ما يعلم به محله من الشجاعة والرأي والتجربة.
وفيها أيضاً توفي داود ملك الأبخاز، وشمس الدولة بن نجم الدين إيلغازي.
وفيها ثار أهل آمد بمن فيها من الإسماعيلية، وكانوا قد كثروا، فقتلوا منهم نحو سبعمائة رجل، فضعف أمرهم بها بعد هذه الوقعة.
وفيها، في صفر، توفي محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفراني، وهو من أصحاب الخطيب البغدادي.
وفيها توفي أحمد بن علي بن برهان أبو الفتح، الفقيه المعروف بابن الحمامي لأن أباه كان حمامياً، وكان حنبلياً، تفقه على ابن عقيل، ثم صار شافعياً، وتفقه على الغزالي والشاشي.


ثم دخلت سنة تسع عشرة وخمسمائة
ذكر وصول الملك طغرل إلى العراق

قد ذكرنا مسير دبيس بن صدقة إلى الملك طغرل من الشام، فلما وصل إليه لقيه، وأكرمه، وأحسن إليه، وجعله من أعيان خواصه وأمرائه، فحسن له دبيس قصد العراق، وهون أمره عليه، وضمن له أنه يملكه، فسار معه إلى العراق، فوصلوا دقوقا في عساكر كثيرة. فكتب مجاهد الدين بهروز من تكريت يخبر الخليفة خبرهما، فتجهز للمسير ومنعهما، وأمر يرنقش الزكوي، شحنة العراق، أن يكون مستعداً للحرب، وجمع العساكر، والأمراء البكجية، وغيرهم، فبلغت عدة العساكر اثني عشر ألفاً سوى الرجالة، وأهل بغداد، وفرق السلاح.
وبرز خامس صفر وبين يديه أرباب الدولة رجالة، وخرج من باب النصر، وكان قد أمر بفتحه تلك الأيام، وسماه باب النصر، ونزل صحراء الشماسية، ونزل يرنقش عند السبتي، ثم سار فنزل الخالص تاسع صفر. (4/474)
فلما سمع طغرل بخروج الخليفة عدل إلى طريق خراسان، وتفرق أصحابه في النهب والفساد، ونزل هو رباط جلولاء، فسار إليه الوزير جلال الدين بن صدقة في عسكر كثير، فنزل الدسكرة، وتوجه طغرل ودبيس إلى الهارونية وسار الخليفة فنزل بالدسكرة هو والوزير، واستقر الأمر بين دبيس وطغرل أن يسيرا حتى يعبرا ديالى وتامرا، ويقطعا جسر النهروان، ويقيم دبيس ليحفظ المعابر، ويتقدم طغرل إلى بغداد فيملكها وينهبها، فسارا على هذه القاعدة، فعبرا تامرا، ونزل طغرل بينه وبين ديالى.
وسار دبيس على أن يلحقه طغرل، فقدر الله تعالى أن الملك طغرل لحقه حمى شديدة، ونزل عليهم من المطر ما لم يشاهدوا مثله، وزادت المياه وجاءت السيول والخليفة بالدسكرة، وسار دبيس في مائتي فارس، وقصد معرة النهروان وهو تعبان سهران، وقد لقي أصحابه من المطر والبل ما آذاهم وليس معهم ما يأكلون، ظناً منهم أن طغرل وأصحابه يلحقونهم، فتأخروا لما ذكرناه، فنزلوا جياعاً قد نالهم البرد، وإذا قد طلع عليهم ثلاثون جملاً تحمل الثياب المخيطة، والعمائم، والأقبية، والقلانس، وغيرها من الملبوس، وتحمل أيضاً أنواع الأطعمة المصنوعة، قد حملت من بغداد إلى الخليفة، فأخذ دبيس الجميع، فلبسوا الثياب الجدد، ونزعوا الثياب الندية، وأكلوا الطعام، وناموا في الشمس مما نالهم تلك الليلة.
وبلغ الخبر أهل بغداد، فلبسوا السلاح، وبقوا يحرسون الليل والنهار، ووصل الخبر إلى الخليفة والعسكر الذين معه أن دبيساً قد ملك بغداد، فرحل من الدسكرة، ووقعت الهزيمة على العسكر إلى النهروان، وتركوا أثقالهم ملقاة بالطريق لا يلتفت إليها أحد، ولولا أن الله تعالى لطف بهم بحمى الملك طغرل وتأخره لكان قد هلك العسكر، والخليفة أيضاً، وأخذوا، وكانت السواقي مملوءة بالوحل والماء من السيل، فتمزقوا، ولو لحقهم مائة فارس لهلكوا.
ووصلت رايات الخليفة ودبيس وأصحابه نيام، وتقدم الخليفة، وأشرف على ديالى، ودبيس نازل غرب النهروان، والجسر ممدودة شرق النهروان، فلما أبصر دبيس الخليفة قبل الأرض بين يدي الخليفة وقال: أنا العبد المطرود، فليعف أمير المؤمنين عن عبده. فرق الخليفة له، وهم بصلحه، حتى وصل الوزير ابن صدقة فثناه عن رأيه، وركب دبيس، ووقف بإزاء عسكر يرنقش الزكوي يحادثهم ويتماجن معهم، ثم أمر الوزير الرجالة فعبروا ليمدوا الجسر آخر النهار، فسار حينئذ دبيس عائداً إلى الملك طغرل، وسير الخليفة عسكراً مع الوزير في أثره، وعاد إلى بغداد فدخلها، وكانت غيبته خمسة وعشرين يوماً.
ثم إن الملك طغرل ودبيساً عادا وسارا إلى السلطان سنجر، فاجتازا بهمذان، فقسطا على أهلها مالاً كثيراً، وأخذاه وغابا في تلك الأعمال، فبلغ خبرهم السلطان محموداً، فجد السير إليهم، فانهزموا من بين يديه، وتبعتهم العساكر، فدخلوا خراسان إلى السلطان سنجر، وشكوا إليه من الخليفة ويرنقش الزكوي.
ذكر فتح البرسقي كفر طاب
وانهزامه من الفرنج

في هذه السنة جمع البرسقي عساكره وسار إلى الشام، وقصد كفر طاب وحصرها، فملكها من الفرنج، وسار إلى قلعة عزاز، وهي من أعمال حلب من جهة الشمال، وصاحبها جوسلين، فحصرها، فاجتمعت الفرنج، فارسها وراجلها، وقصدوه ليرحلوه عنها، فلقيهم وضرب معهم مصافاً، واقتتلوا قتالاً شديداً صبروا كلهم فيه، فانهزم المسلمون وقتل منهم وأسر كثير.
وكان عدد القتلى أكثر من ألف قتيل من المسلمين، وعاد منهزماً إلى حلب، فخلف بها ابنه مسعوداً، وعبر الفرات إلى الموصل ليجمع العساكر ويعاود القتال، وكان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر قتل المأمون بن البطائحي
في هذه السنة، في رمضان، قبض الآمر بأحكام الله العلوي، صاحب مصر، على وزيره أبي عبد الله بن البطائحي، الملقب بالمأمون، وصلبه وإخوته.
وكان ابتداء أمره أن أباه كان من جواسيس الأفضل بالعراق، فمات ولم يخلف شيئاً، فتزوجت أمه وتركته فقيراً، فاتصل بإنسان يتعلم البناء بمصر، ثم صار يحمل الأمتعة بالسوق الكبير، فدخل مع الحمالين إلى دار الأفضل أمير الجيوش، مرة بعد أخرى، فرآه الأفضل خفيفاً رشيقاً، حسن الحركة، حلو الكلام، فأعجبه، فسأل عنه، فقيل هو ابن فلان، فاستخدمه مع الفراشين، ثم تقدم عنده، وكبرت منزلته، وعلت حالته، حتى صار وزيراً. (4/475)
وكان كريماً، واسع الصدر، قتالاً، سفاكاً للدماء، وكان شديد التحرز، كثير التطلع إلى أحوال الناس من العامة والخاصة من سائر البلاد: مصر، والشام، والعراق، وكثر الغمازون في أيامه.
وأما سبب قتله فإنه كان قد أرسل الأمير جعفراً أخا الآمر ليقتل الآمر ويجعله خليفة، وتقررت القاعدة بينهما على ذلك، فسمع بذلك أبو الحسن بن أبي أسامة، وكان خصيصاً بالآمر، قريباً منه، وقد ناله من الوزير أذى واطراح، فحضر عند الآمر وأعلمه الحال، فقبض عليه وصلبه، وهذا جزاء من قابل الإحسان بالإساءة.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة توفي شمس الدولة سالم بن مالك، صاحب قلعة جعبر، وتعرف قديماً بقلعة دوس.
وفيها قتل القاضي أبو سعد محمد بن نصر بن منصور الهروي بهمذان، قتله الباطنية، وكان قد مضى إلى خراسان في رسالة الخليفة إلى السلطان سنجر، فعاد فقتل، وكان ذا مروءة غزيرة، وتقدم كثير في الدولة السلجوقية.
وفي هذه السنة توفي هلال بن عبد الرحمن بن شريح بن عمر بن أحمد، وهو من ولد بلال بن رباح، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو سعد، طاف البلاد، وسمع وقرأ القرآن، وكان موته بسمرقند.

This site was last updated 07/27/11