Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ثلاث عشرة وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
باقى سنة512
سنة513
سنة514
سنة515
سنة516 وسنة517
سنة518 وسنة519
سنة520 وسنة521
سنة522 وسنة523
سنة524 وسنة525
سنة526
سنة527 وسنة528
سنة529

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وخمسمائة
ذكر عصيان الملك طغرل على أخيه السلطان محمود
(4/447)
كان الملك طغرل بن محمد لما توفي والده بقلعة سرجهان، وكان مولده سنة ثلاث وخمسمائة في المحرم، وأقطعه والده، سنة أربع، ساوة وآوة وزنجان، وجعل أتابكه الأمير شيركير الذي تقدم ذكره في حصار قلاع الإسماعيلية، فازداد ملك طغرل بما فتحه شيركير من قلاعهم، فأرسل إليه السلطان محمود الأمير كنتغدي ليكون أتابكاً له، ومدبراً لأمره، ويحمله إليه، فلما وصل إليه حسن له مخالفة أخيه، وترك المجيء إليه، واتفقا على ذلك.
وسمع السلطان محمود الخبر، فأرسل شرف الدين أنوشروان بن خالد، ومعه خلع وتحف وثلاثون ألف دينار، ووعد أخاه بإقطاع كثير، زيادة على ما له، إذا قصده، واجتمع به، فلم تقع الإجابة إلى الاجتماع، وأجاب كنتغدي بأننا في طاعة السلطان، وأي جهة أراد قصدناها، ومعنا من العساكر ما نقاوم بها من يرسم بقصده.
فبينما الخوض معهم في ذلك ركب السلطان محمود من باب همذان في عشرة آلاف فارس، جريدة، في جمادى الأولى، وكتم مقصده، وعزم على أن يكبس أخاه، والأمير كنتغدي، فرأى أحد خواصه تركياً من أصحاب الملك طغرل، فأعلم السلطان به، فقبض عليه، فعلم رفيق كان معه الحال، فسار عشرين فرسخاً في ليلة، ووصل إلى الأمير كنتغدي، وهو سكران، فأيقظه بعد جهد، وأعلمه الحال، فقصد الملك طغرل، فعرفه ذلك، وأخذ متخفياً، وقصد قلعة سميران، فضلاً عن الطريق إلى قلعة سرجهان، وكانا قد فارقاها، وجمع العساكر، وكان ضلالهما هداية لهما إلى السلامة، فإن السلطان محموداً جعل طريقه على سميران، وقال: إنها حصنهما الذي فيه الذخائر والأموال، وإذا علما بوصوله إليهما سارا إليها، فربما صادفهما في الطريق، فسلما منه بما ظناه عطباً لهما.
ووصل السلطان إلى العسكر، فكبسه، ونهبه، وأخذ من خزانة أخيه ثلاثمائة ألف دينار، وذلك المال الذي أنفذه له، وأقام السلطان محمود بزنجان، وتوجه منها إلى الري، ونزل طغرل من سرجهان، ولحق هو وكنتغدي بكنجة وقصده أصحابه، فقويت شوكته، وتمكنت الوحشة بينه وبين أخيه محمود.
ذكر الحرب بين سنجر والسلطان محمود
في هذه السنة، في جمادى الأولى، كانت حرب شديدة بين سنجر وابن أخيه السلطان محمود، ونحن نذكر سياقة ذلك: قد ذكرنا سنة ثمان وخمسمائة مسير السلطان سنجر إلى غزنة، وفتحها وما كان منه فيها، ثم عاد عنها إلى خراسان، فلما بلغه وفاة أخيه السلطان محمد، وجلوس ولده السلطان محمود في السلطنة، وهو زوج ابنة سنجر، لحقه حزن عظيم لموت أخيه، وأظهر من الجزع والحزن ما لم يسمع بمثله، وجلس للعزاء على الرماد، وأغلق البلد سبعة أيام، وتقدم إلى الخطباء بذكر السلطان محمد بمحاسن أعماله من قتال الباطنية، وإطلاق المكوس، وغير ذلك.
وكان سنجر يلقب بناصر الدين، فلما توفي أخوه محمد تلقب بمعز الدين، وهو لقب أبيه ملكشاه، وعزم على قصد بلد الجبال والعراق وما بيد محمود ابن أخيه، فندم على قتل وزيره أبي جعفر محمد بن فخر الملك أبي المظفر بن نظام الملك.
وكان سبب قتله أنه وحش الأمراء، واستخف بهم، فأبغضوه وكرهوه، وشكوا منه إلى السلطان، وهو بغزنة، فأعلمهم أنه يؤثر قتله، وليس يمكنه فعل ذلك بغزنة.
وكان سنجر قد تغير على وزيره لأسباب منها: أنه أشار عليه بقصد غزنة، فلما وصل إلى بست أرسل أرسلانشاه صاحبها إلى الوزير، وضمن له خمسمائة ألف دينار ليثني سنجر عن قصده، فأشار عليه بمصالحته والعود عنه، وفعل مثل ذلك بما وراء النهر، ومنها: أنه نقل عنه أنه أخذ من غزنة أموالاً جليلة عظيمة المقدار، ومنها: ما ذكر من إيحاشه الأمراء وغير هذه الأسباب.
فلما عاد إلى بلخ قبض عليه، وقتله وأخذ ماله، وكان له من الجواهر والأموال ما لا حد عليه، والذي وجد له من العين ألفا ألف دينار، فلما قتله استوزر بعده شهاب الإسلام عبد الرزاق ابن أخي نظام الملك، ويعرف بابن الفقيه، إلا أنه لم تكن له منزلة ابن فخر الملك عند الناس في علو المنزلة. فلما اتصل به وفاة أخيه ندم على قتله لأنه كان يبلغ به من الأغراض والملك ما لا يبلغه بكثرة العساكر لميل الناس إليه، ومحله عندهم.(4/448)
ثم إن السلطان محموداً أرسل إلى عمه سنجر شرف الدين أنوشروان بن خالد وفخر الدين طغايرك بن اليزن، ومعهما الهدايا والتحف، وبذل له النزول عن مازندران، وحمل مائتي ألف دينار كل سنة، فوصلا إليه وأبلغاه الرسالة، فتجهز ليسير إلى الري، فأشار عليه شرف الدين أنوشروان بترك القتال والحرب، فكان جوابه في ذلك: أن ولد أخي صبي، وقد تحكم عليه وزيره والحاجب علي.
فلما سمع السلطان محمود بمسير عمه نحوه، ووصول الأمير أنر في مقدمته إلى جرجان، تقدم إلى الأمير علي بن عمر، وهو أمير حاجب السلطان محمد، وبعده صار أمير حاجب السلطان محمود، بالمسير، وضم إليه جمعاً كثيراً من العساكر والأمراء، فاجتمعوا في عشرة آلاف فارس، فساروا إلى أن قاربوا مقدمة سنجر التي عليها الأمير أنر، فراسله الأمير علي بن عمر يعرفه وصية السلطان محمد بتعظيم سنجر والرجوع إلى أمره ونهيه، والقبول منه، وأنه ظن أن سنجر يحفظ السلطنة على ولده السلطان محمود، وأخذ علينا بذلك العهود، فليس لنا أن نخالفه، وحيث جئتم إلى بلادنا لا نحتمل ذلك، ولا نغضي عليه، وقد علمت أن معك خمسة آلاف فارس، فأنا أرسل إليك أقل منهم لتعلم أنكم لا تقاوموننا، ولا تقوون بنا.
فلما سمع الأمير أنر ذلك عاد عن جرجان ولحقه بعض عسكر السلطان محمود. فأخذوا قطعة من سواده، وأسروا عدة من أصحابه.
وكان السلطان محمود قد وصل إلى الري، وهو بها، وعاد الأمير علي بن عمر إليه، فشكره على فعله، وأثنى عليه وعلى عسكره الذين معه.
وأشير على السلطان محمود بملازمة الري، والمقام بها، وقيل: إن عساكر خراسان إذا علموا بمقامك فيها لا يفارقون حدودهم، ولا يتعدون ولايتهم. فلم يقبل ذلك وضجر المقام، وسار إلى جرجان.
ووصل السلطان محمود والأمير منكبرس من العراق في عشرة آلاف فارس، والأمير منصور بن صدقة أخو دبيس، والأمراء البكجية، وغيرهم، وسار محمود إلى همذان، وتوفي بها وزيره الربيب، واستوزر أبا طالب السميرمي، وبلغه وصول عمه سنجر إلى الري، فسار نحوه قاصداً قتاله، فالتقيا بالقرب من ساوة ثاني جمادى الأولى من السنة، وكان عسكر السلطان محمود قد عرفوا المفازة التي بين يدي عسكر سنجر، وهي ثمانية أيام، فسبقوهم إلى الماء وملكوه عليهم.
وكان العسكر الخراساني في عشرين ألفاً، ومعهم ثمانية عشر فيلاً اسم كبيرها باذهو، ومن الأمراء الكبار: ولد الأمير أبي الفضل، صاحب سجستان. وخوارزمشاه محمد، والأمير أنر، والأمير قماج، واتصل به علاء الدولة كرشاسف بن فرامرز بن كاكويه، صاحب يزد، وهو صهر السلطان محمد وسنجر على أختهما، وكان أخص الناس بالسلطان محمد، فلما تولى السلطان محمود تأخر عنه، فأقطع بلده لقراجة الساقي الذي صار صاحب بلاد فارس، فسار حينئذ علاء الدولة إلى سنجر، وهو من ملوك الديلم، وعرف سنجر الأحوال، والطريق إلى قصد البلاد، وما فعله الأمراء من أخذ الأموال، وما هم عليه من اختلاف الأهواء، وحسن قصد البلاد، وما فعله الأمراء من أخذ الأموال، وما هم عليه من اختلاف الأهواء، وحسن قصد البلاد.
وكان عسكر السلطان محمود ثلاثين ألفاً، ومن الأمراء الكبار: الأمير علي بن عمر، أمير حاجب، والأمير منكبرس، وأتابكه غزغلي، وبنو برسق، وسنقر البخاري، وقراجة الساقي، ومعه تسعمائة حمل من السلاح.
واستهان عسكر محمود بعسكر عمه بكثرتهم وشجاعتهم، وكثرة خيلهم، فلما التقوا ضعفت نفوس الخراسانية لما رأوا لهذا العسكر من القوة والكثرة، فانهزمت ميمنة سنجر وميسرته، واختلط أصحابه، واضطرب أمرهم، وساروا منهزمين لا يلوون على شيء، ونهب من أثقالهم شيء كثير، وقتل أهل السواد كثيراً منهم. (4/449)
ووقف سنجر بين الفيلة في جمع من أصحابه، وبإزائه السلطان محمود، ومعه أتابكه غزغلي، فألجأت سنجر الضرورة، عند تعاظم الخطب عليه، أن يقدم الفيلة للحرب، وكان من بقي معه قد أشاروا عليه بالهزيمة، فقال: إما النصر أو القتل، وأما الهزيمة فلا. فلما تقدمت الفيلة، ورآها خيل محمود، تراجعت بأصحابها على أعقابها، فأشفق سنجر على السلطان محمود في تلك الحال، وقال لأصحابه: لا تفزعوا الصبي بحملات الفيلة، فكفوها عنهم، وانهزم السلطان محمود ومن معه في القلب، وأسر أتابكه غزغلي، فكان يكاتب السلطان، ويعده أنه يحمل إليه ابن أخيه، فعاتبه على ذلك، فاعتذر بالعجز، فقتله، وكان ظالماً قد بالغ في ظلم أهل همذان، فعجل الله عقوبته.
ولما تم النصر والظفر للسلطان سنجر أرسل من أعاد المنهزمين من أصحابه إليه، ووصل الخبر إلى بغداد في عشرة أيام، فأرسل الأمير دبيس بن صدقة إلى المسترشد بالله في الخطبة للسلطان سنجر، فخطب له في السادس والعشرين من جمادى الأولى، وقطعت خطبة السلطان محمود.
وأما السلطان محمود فإنه سار من الكسرة إلى أصبهان، ومعه وزيره أبو طالب السميري، والأمير علي بن عمر وقراجة.
وأما سنجر فإنه سار إلى همذان، فرأى قلة عسكره، واجتماع العساكر على ابن أخيه، فراسله في الصلح، وكانت والدته تشير عليه بذلك، وتقول: قد استوليت على غزنة وأعمالها، وما وراء النهر، وملكت ما لا حد عليه، وقررت الجميع على أصحابه، فاجعل ولد أخيك كأحدهم.
وكانت والدة سنجر هي جدة السلطان محمود، فأجاب إلى قولها، ثم كثرت العساكر عند سنجر منهم البرسقي، وكان عند الملك مسعود بأذربيجان من حين خروجه عن بغداد إلى هذه الغاية، فقوي بهم. فعاد الرسول وأبلغه عن الأمراء الذين مع السلطان محمود أنهم لا يصالحونه حتى يعود إلى خراسان، فلم يجب إلى ذلك، وسار من همذان إلى كرج، وأعاد مراسلة السلطان محمود في الصلح، ووعده أن يجعله ولي عهده، فأجاب إلى ذلك، واستقر الأمير بينهما، وتحالفا عليه.
وسار السلطان محمود إلى عمه سنجر في شعبان، فنزل على جدته والدة سنجر، وأكرمه عمه، وبالغ في ذلك، وحمل له السلطان محمود هدية عظيمة، فقبلها ظاهراً، وردها باطناً، ولم تقبل منه سوى خمسة أفراس عربية، وكتب السلطان سنجر إلى سائر الأعمال التي بيده كخراسان وغزنة، وما وراء النهر، وغيرها من الولايات، بأن يخطب للسلطان محمود بعده، وكتب إلى بغداد مثل ذلك، وأعاد عليه جميع ما أخذ من البلاد سوى الري، وقصد بأخذها أن تكون له في هذه الديار لئلا يحدث السلطان محمود نفسه بالخروج.
ذكر غزاة إيلغازي بلاد الفرنج
في هذه السنة سار الفرنج من بلادهم إلى نواحي حلب، فملكوا بزاعة وغيرها، وخربوا بلد حلب ونازلوها، ولم يكن بحلب من الذخائر ما يكفيها شهراً واحداً، وخافهم أهلها خوفاً شديداً، ولوا مكنوا من القتال لم يبق بها أحد، لكنهم منعوا من ذلك، وصانع الفرنج أهل حلب على أن يقاسموهم على أملاكهم التي بباب حلب. فأرسل أهل البلد إلى بغداد يستغيثون، ويطلبون النجدة، فلم يغاثوا.
وكان الأمير إيلغازي، صاحب حلب، ببلد ماردين يجمع العساكر والمتطوعة للغزاة، فاجتمع عليه نحو عشرين ألفاً، وكان معه أسامة بن المبارك بن شبل الكلابي، والأمير طغان أرسلان بن المكر، صاحب بدليس وأرزن، وسار بهم إلى الشام، عازماً على قتال الفرنج.
فلما علم الفرنج قوة عزمهم على لقائهم، وكانوا ثلاثة آلاف فارس، وتسعة آلاف راجل، ساروا فنزلوا قريباً من الأثارب، بموضع يقال له تل عفرين، بين جبال ليس لها طريق إلا من ثلاث جهات، وفي هذا الموضع قتل شرف الدولة مسلم بن قريش. (4/450)
وظن الفرنج أن أحداً لا يسلك إليهم لضيق الطريق، فأخلدوا إلى المطاولة، وكانت عادة لهم، إذا رأوا قوة من المسلمين، وراسلوا إيلغازي يقولون له: لا تتعب نفسك بالمسير إلينا، فنحن واصلون إليك، فأعلم أصحابه بما قالوه، واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا بالركوب من وقته، وقصدهم، ففعل ذلك، وسار إليهم، ودخل الناس من الطرق الثلاثة، ولم تعتقد الفرنج أن أحداً يقدم عليهم، لصعوبة المسلك إليهم، فلم يشعروا إلا وأوائل المسلمين قد غشيتهم، فحمل الفرنج حملة منكرة، فولوا منهزمين، فلقوا باقي العسكر متتابعة، فعادوا معهم، وجرى بينهم حرب شديدة، وأحاطوا بالفرنج من جميع جهاتهم، وأخذهم السيف من سائر نواحيهم، فلم يفلت منهم غير نفر يسير، وقتل الجميع، وأسروا.
وكان من جملة الأسرى نيف وسبعون فارساً من مقدميهم، وحملوا إلى حلب، فبذلوا في نفوسهم ثلاثمائة ألف دينار، فلم يقبل منهم، وغنم المسلمون منهم الغنائم الكثيرة.
وأما سيرجال، صاحب أنطاكية، فإنه قتل وحمل رأسه، وكانت الوقعة منتصف شهر ربيع الأول، فمما مدح به إيلغازي في هذه الوقعة قول العظيمي:
قل ما تشاء، فقولك المقبول، ... وعليك بعد الخالق التعويل
واستبشر القرآن حين نصرته، ... وبكى لفقد رجاله الإنجيل
ثم تجمع من سلم من المعركة مع غيرهم، فلقيهم إيلغازي أيضاً، فهزمهم، وفتح منهم حصن الأثارب، وزردنا، وعاد إلى حلب، وقرر أمرها، وأصلح حالها، ثم عبر الفرات إلى ماردين.
ذكر وقعة أخرى من الفرنج
في هذه السنة سار جوسلين، صاحب تل باشر، في جمع من الفرنج، نحو مائتي فارس، من طبرية، فكبس طائفة من طي يعرفون ببني خالد، فأخذهم، وأخذ غنائمهم، وسألهم عن بقية قومهم من بني ربيعة، فأخبروه أنهم من وراء الحزن، بوادي السلالة، بين دمشق وطبرية، فقدم جوسلين مائة وخمسين فارساً من أصحابه، وسار هو في خمسين فارساً على طريق آخر، وواعدهم الصبح ليكبسوا بني ربيعة، فوصلهم الخبر بذلك، فأرادوا الرحيل، فمنعهم أميرهم من بني ربيعة، وكانوا في مائة وخمسين فارساً، فوصلهم المائة وخمسون من الفرنج، معتقدين أن جوسلين قد سبقهم أو سيدركهم، فضل الطريق، وتساوت العدتان، فاقتتلوا، وطعنت العرب خيولهم، فجعلوا أكثرهم رجالة، وظهر من أميرهم شجاعة، وحسن تدبير، وجودة رأي، فقتل من الفرنج سبعون، وأسر اثنا عشر من مقدميهم، بذل كل واحد منهم في فداء نفسه مالاً جزيلاً وعدة من الأسرى.
وأما جوسلين فإنه ضل في الطريق، وبلغه خبر الوقعة، فسار إلى طرابلس، فجمع جمعاً، وأسرى إلى عسقلان، فأغار على بلدها، فهزمه المسلمون هناك، فعاد مفلولاً.
ذكر قتل منكوبرس
في هذه السنة قتل الأمير منكوبرس الذي كان شحنة بغداد، وقد تقدم حاله.
وكان سبب قتله: أنه لما انهزم مع السلطان محمود وعاد إلى بغداد، ونهب عدة مواضع من طريق خراسان، وأراد دخول بغداد، فسير إليه دبيس بن صدقة من منعه ، فعاد وقد استقر الصلح بين السلطانين سنجر ومحمود، فقصد السلطان سنجر، فدخل إليه ومعه سيف وكفن، فقال له: أنا لا أؤاخذ أحداً، وسلمه إلى السلطان محمود، وقال: هذا مملوكك، فاصنع به ما تريد! فأخذه.
وكان في نفسه منه غيظ شديد لأسباب منها: أنه لما توفي السلطان محمد أخذ سريته، والدة الملك مسعود، قهراً، قبل انقضاء عدتها، ومنها: جرأته عليه، واستبداده بالأمور دونه، ومسيره إلى شحنكية بغداد، والسلطان كاره لذلك لكنه لم يقدر على منعه، ومنها: ما فعله بالعراق من الظلم، إلى غير ذلك، فقتله صبراً، وأراح العباد والبلاد من شره.
ذكر قتل الأمير علي بن عمر
في هذه السنة أيضاً قتل الأمير علي بن عمر، حاجب السلطان محمد، وكان قد صار أكبر أمير مع السلطان محمود، وانقادت العساكر له، فحسده الأمراء، وأفسدوا حاله مع السلطان محمود، وحسنوا له قتله، فعلم، فهرب إلى قلعة برجين، وهي بين بروجرد وكرج، وكان بها أهله وماله، وسار منها في مائتي فارس إلى خوزستان، وكانت بيد أقبوري بن برسق، وابني أخويه: أرغلي بن يلبكي، وهندو بن زنكي، فأرسل إليهم وأخذ عهودهم بأمانه وحمايته. (4/451)
فلما سار إليهم أرسلوا عسكراً منعوه من قصدهم، فلقوه على ستة فراسخ من تستر، فاقتتلوا، فانهزم هو وأصحابه، فوقف به فرسه، فانتقل إلى غيره، فتشبث ذيله بسرجه الأول، فأزاله، فعاود التعلق، فأبطأ، فأدركوه وأسروه، وكاتبوا السلطان محموداً في أمره، فأمرهم بقتله، فقتل وحمل رأسه إليه.
ذكر الفتنة بين المرابطين وأهل قرطبة
في هذه السنة، وقيل سنة أربع عشرة، كانت فتنة بني عسكر أمير المسلمين علي بن يوسف وبين أهل قرطبة.
وسببها: أن أمير المسلمين استعمل عليها أبا بكر يحيى بن رواد، فلما كان يوم الأضحى خرج الناس متفرجين، فمد عبد من عبيد أبي بكر يده إلى امرأة فأمسكها، فاستغاثت بالمسلمين، فأغاثوها، فوقع بين العبيد وبين أهل البلد فتنة عظيمة، ودامت جميع النهار، والحرب بينهم قائمة على ساق، فأدركهم الليل، فتفرقوا، فوصل الخبر إلى الأمير أبي بكر، فاجتمع إليه الفقهاء والأعيان، فقالوا: المصلحة أن تقتل واحداً من العبيد الذين أثاروا الفتنة، فأنكر ذلك، وغضب منه، وأصبح من الغد، وأظهر السلاح والعدد يريد قتال أهل البلد، فركب الفقهاء والأعيان والشبان من أهل البلد، وقاتلوه فهزموه، وتحصن بالقصر، فحصروه، وتسلقوا إليه، فهرب منهم بعد مشقة وتعب، فنهبوا القصر، وأحرقوا جميع دور المرابطين، ونهبوا أموالهم، وأخرجوهم من البلد على أقبح صورة.
واتصل الخبر بأمير المسلمين فكره ذلك واستعظمه، وجمع العساكر من صنهاجة، وزناتة، والبربر، وغيرهم، فاجتمع له منهم جمع عظيم، فعبر إليهم سنة خمس عشرة وخمسمائة، وحصر مدينة قرطبة، فقاتله أهلها قتال من يريد أن يحمي دمه وحريمه وماله، فلما رأى أمير المسلمين شدة قتالهم دخل السفراء بينهم، وسعوا في الصلح، فأجابهم إلى ذلك على أن يغرم أهل قرطبة المرابطين ما نهبوه من أموالهم، واستقرت القاعدة على ذلك، وعاد عن قتالهم.
ذكر ملك علي بن سكمان البصرة
في هذه السنة استولى علي بن سكمان على البصرة.
وسبب ذلك: أن السلطان محمداً كان قد أقطع البصرة الأمير آقسنقر البخاري، فاستخلف بها نائباً يعرف بسنقر البياتي، فأحسن السيرة إلى حد أن الماء بالبصرة ملح، فأقام سفناً وجراراً للضعفاء والسابلة، تحمل لهم الماء العذب. فلما توفي السلطان محمد عزم هذا الأمير سنقر على القبض على أمير اسمه غزغلي، مقدم الأتراك الإسماعيلية، وهو مذكور، وحج بالناس على البصرة عدة سنين، وعلى أمير آخر اسمه سنقر ألب، وهو مقدم الأتراك البلدقية، فاجتمعا عليه، وقبضاه وقيداه، وأخذا القلعة وما وجداه له.
ثم إن سنقر ألب أراد قتله، فمنعه غزغلي، فلم يقبل منه، فلما قتله وثب غزغلي على سنقر ألب فقتله، ونادى في الناس بالسكون، واطمأنوا.
وكان أمير الحاج من البصرة هذه السنة، أمير اسمه علي بن سكمان أحد الأمراء البلدقية، وكان في نفس غزغلي عليه حقد، حيث تم الحج على يده، ولأنه خاف أن يأخذ بثأر سنقر ألب، إذ هو مقدم البلدقية، فأرسل غزغلي إلى عرب البرية يأمرهم بقصد الحجاج ونهبهم، فطمعوا بذلك، وقصدوا الحجاج فقاتلوهم، وحماهم ابن سكمان، وأبلى بلاء حسناً، وجعل يقاتلهم وهو سائر نحو البصرة إلى أن بقي بينه وبين البصرة يومان، فأرسل إليه غزغلي يمنعه من قصد البصرة، فقصد العوني، أسفل دجلة، هذا، والعرب يقاتلونه، فلما وصل إلى العوني حمل على العرب حملة صادقة، فهزمهم.
وسار غزغلي إلى علي بن سكمان في عدد كثير، وكان علي في قلة، فتحاربا، واقتتلت الطائفتان، فأصابت فرس غزغلي نشابة فسقط وقتل، وسار علي إلى البصرة، فدخلها، وملك القلعة، وأقر عمال آقسنقر البخاري ونوابه، وكاتبه بالطاعة، وكان عند السلطان، وسأله أن يكون نائباً عنه بالبصرة، فلم يجبه آقسنقر إلى ذلك، فطرد حينئذ نواب آقسنقر، واستولى على البلد، وتصرف تصرُّف الأصحاب، مستبداً، واستقر فيه، وأحسن السيرة إلى سنة أربع عشرة، فسير السلطان محمود الأمير آقسنقر البخاري في عسكر إلى البصرة، فأخذها من علي بن سكمان.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة أمر السلطان سنجر بإعادة مجاهد الدين بهروز سجنكية العراق، وكان بها نائب دبيس بن صدقة، فعزل عنها. (4/452)
وفيها، في ربيع الأول، توفي الوزير ربيب الدولة، وزير السلطان محمود، ووزر بعده الكمال السميرمي، وكان ولد ربيب الدولة، وزير المسترشد، فعزل، واستعمل بعده عميد الدولة أبو علي بن صدقة، ولقب جلال الدين، وهذا الوزير، وهو عماد الملك الوزير جلال الدين أبي الرضا صدقة، الذي وزر للراشد، والأتابك زنكي على ما نذكره.
وفيها ظهر قبر إبراهيم الخليل، وقبرا ولديه إسحاق ويعقوب، عليهم السلام، بالقرب من البيت المقدس، ورآهم كثير من الناس لم تبلَ أجسادهم، وعندهم في المغارة قناديل من ذهب وفضة، هكذا ذكره حمزة بن أسد التميمي في تاريخه، والله أعلم.
وفيها، في المحرم، توفي قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني، ومولده في رجب سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وولي القضاء بباب الطاق من بغداد إلى الموصل وله من العمر ست وعشرون سنة، وهذا شيء لم يكن لغيره، ولما توفي ولي قضاء القضاة الأكمل أبو القاسم علي بن أبي طالب الحسين بن محمد الزينبي، وخلع عليه ثالث صفر.
وفيها هدم تاج الخليفة على دجلة للخوف من انهدامه، وهذا التاج بناه أمير المؤمنين المكتفي بعد سنة تسعين ومائتين.
وفيها تأخر الحج، فاستغاث الناس، وأرادوا كسر المنبر بجامع القصر، فأرسل الخليفة إلى دبيس بن صدقة ليساعد الأمير نظر على تسيير الحجاج، فأجاب إلى ذلك، وكان خروجهم من بغداد ثاني عشر ذي القعدة، وتوالت عليهم الأمطار إلى الكوفة.
وفيها أرسل دبيس بن صدقة القاضي أبا جعفر عبد الواحد بن أحمد الثقفي، قاضي الكوفة، إلى إيلغازي بن أرتق بماردين، يخطب ابنته، فزوجها منه إيلغازي، وحملها الثقفي معه إلى الحلة، واجتاز بالموصل.
وفيها، في جمادى الأولى، توفي أبو الوفا علي بن عقيل بن محمد بن عقيل، شيخ الحنابلة، في وقته، ببغداد، وكان حسن المناظرة، سريع الخاطر، وكان قد اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته على أبي الوليد، فأراد الحنابلة قتله، فاستجار بباب المراتب عدة سنين، ثم أظهر التوبة حتى تمكن من الظهور، وله مصنفات من جملتها كتاب الفنون.

This site was last updated 07/27/11