Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ست وخمسين وأربعمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة422
سنة423 وسنة424 وسنة425
سنة426 وسنة427
سنة428 وسنة429
سنة430 سنة431
سنة432
سنة433
سنة434
سنة435
سنة436 وسنة437 وسنة438
سنة439
سنة440
سنة441
سنة442
سنة443 وسنة444
سنة445 وسنة446
سنة447
سنة448
سنة449 وسنة450
سنة451 وسنة452
سنة453 وسنة454 وسنة455
سنة456
سنة457 وسنة458
من سنة459 إلى سنة462
سنة463 وسنة464 وسنة465
Untitled 4980

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ست وخمسين وأربعمائة
ذكر القبض على عميد الملك وقتله
في هذه السنة قبض السلطان ألب أرسلان على الوزير عميد الملك أبي نصر منصور بن محمد الكندري وزير طغرلبك.
وسبب ذلك أن عميد الملك قصد خدمة نظام الملك، وزير ألب أرسلان، وقدم بين يديه خمسمائة دينار، واعتذر، وانصرف من عنده، فسار أكثر الناس معه، فخوف السلطان من غائلة ذلك، فقبض عليه وأنفذه إلى مرو الروذ، وأتت عليه سنة في الاعتقال، ثم نفذ إليه غلامين فدخلا عليه وهو محموم، فقالا له: تب مما أنت عليه، ففعل، ودخل فودع أهله، وخرج إلى مسجد هناك فصلى ركعتين، وأراد الغلامان خنقه، فقال: لست بلص! وخرق خرقة من طرف كمه وعصب عينيه، فضربوه بالسيف، وكان قتله في ذي الحجة، ولف في قميص دبيقي من ملابس الخليفة، وخرقة كانت البردة التي عند الخلفاء فيها، وحملت جثته إلى كندر، فدفن عند أبيه، وكان عمره يوم قتل نيفاً وأربعين سنة.
وكان سبب اتصاله بالسلطان طغرلبك أن السلطان لما ورد نيسابور طلب رجلاً يكتب له، ويكون فصيحاً بالعربية، فدل عليه الموفق، والد أبي سهل، وأعطته السعادة، وكان فصيحاً، فاضلاً، وانتشر من شعره ما قاله في غلام تركي صغير السن كان واقفاً على رأسه يقطع بالسكين قصبة، فقال عميد الملك فيه:
أنا مشغول بحبه، ... وهو مشغول بلعبه
لو أراد الله خيراً، ... وصلاحاً لمحبه
نقلت رقة خدي ... ه إلى قسوة قلبه
صانه الله فما أك ... ثر إعجابي بعجبه
ومن شعره:
إن كان بالناس ضيق عن مناقشتي، ... فالموت قد وسع الدنيا على الناس
مضيت، والشامت المغبون يتبعني، ... كل لكأس المنايا شارب حاسي
وقال أبو الحسن الباخرزي يخاطب ألب أرسلان عند قتل الكندري:
وعمك أدناه، وأعلى محله، ... وبوأه من ملكه كنفاً رحبا
قضى كل مولى منكما حق عبده ... فخوله الدنيا، وخولته العقبى
وكان عميد الملك خصياً، قد خصاه طغرلبك لأنه أرسله يخطب عليه امرأة ليتزوجها فتزوجها هو، وعصى عليه، فظفر به وخصاه، وأقره على خدمته.
وقيل بل أعداؤه أشاعوا عنه أنه تزوجها، فخصى نفسه ليخلص من سياسة السلطنة، فقال فيه علي بن الحسن الباخرزي:
قالوا: محا السلطان عنه بعزة ... سمة الفحول، وكان قرماً صائلا
قلت: اسكتوا، فالآن زاد فحولة ... لما اغتدى عن أنثييه عاطلا
فالفحل يأنف أن يسمى بعضه ... أنثى، لذلك جذه مستأصلا
يعني بالأنثى واحدة الأنثيين.
وكان شديد التعصب على الشافعية، كثير الوقعة في الشافعي، رضي الله عنه، بلغ تعصبه أنه خاطب السلطان في لعن الرافضة على منابر خراسان، فأذن في ذلك، فأمر بلعنهم، وأضاف إليهم الأشعرية، فأنف من ذلك أئمة خراسان، منهم: الإمام أبو القاسم القشيري، والإمام أبو المعالي الجويني، وغيرهما، ففارقوا خراسان، وأقام إمام الحرمين بمكة أربع سنين إلى أن انقضت دولته، يدرس، ويفتي، فلهذا لقب إمام الحرمين، فلما جاءت الدولة النطامية أحضر من انتزح منهم وأكرمهم، وأحسن إليهم، وقيل إنه تاب من الوقيعة في الشافعي، فإن صح فقد أفلح، وإلا فعلى نفسها براقش تجني. (4/288)
ومن العجب أن ذكره دفن بخوارزم لما خصي، ودمه مسفوح بمرو، وجسده مدفون بكندر، ورأسه ما عدا قحفه مدفون بنيسابور، ونقل قحفه إلى كرمان لأن نظام الملك كان هناك، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
ولما قرب للقتل قال للقاصد إليه: قل لنظام الملك: بئس ما عودت الأتراك قتل الوزراء، وأصحاب الديوان، ومن حفر قليباً وقع فيه. ولم يخلف عميد الملك غير بنت.
ذكر ملك ألب أرسلان ختلان وهراة وصغانيان
لما توفي طغرلبك وملك ألب أرسلان عصى عليه أمير ختلان بقلعته، ومنع الخراج، فقصده السلطان، فرأى الحصن منيعاً على شاهق، فأقام عليه وقاتله، فلم يصل منه إلى مراده.
ففي بعض الأيام باشر ألب أرسلان القتال بنفسه، وترجل، وصعد في الجبل، فتبعه الخلق، وتقدموا عليه في الموقف، وألحوا في الزحف والقتال، وكان صاحب القلعة على شرفة من سورها يحرض الناس على القتال، فأتته نشابة من العسكر فقتلته، وتسلم ألب أرسلان القلعة وصارت في جملة ممالكه.
وكان عمه فخر الملك بيغو بن ميكائيل في هراة، فعصى أيضاً عليه، وطمع في الملك لنفسه، فسار إليه ألب أرسلان في العساكر العظيمة، فحصره وضيق عليه، وأدام القتال ليلاً ونهاراً، فتسلم المدينة، وخرج عمه إليه، فأبقى عليه وأكرمه وأحسن صحبته.
وسار من هناك إلى صغانيان، وأميرها اسمه موسى، وكان قد عصى عليه، فلما قاربه ألب أرسلان صعد موسى إلى قلعة على رأس جبل شاهق، ومعه من الرجال الكماة جماعة كثيرة، فوصل السلطان إليه، وباشر الحرب لوقته، فلم ينتصف النهار حتى صعد العسكر الجبل، وملكوا القلعة قهراً، وأخذ موسى أسيراً، فأمر بقتله، فبذل في نفسه أموالاً كثيرة، فقال السلطان: ليس هذا أوان تجارة، واستولى على تلك الولاية بأسرها، وعاد إلى مرو، ثم منها إلى نيسابور.
ذكر عود ابنة الخليفة إلى بغداد والخطبة للسلطان ألب أرسلان ببغداد
في هذه السنة أمر السلطان ألب أرسلان السيدة ابنة الخليفة بالعود إلى بغداد، وأعلمها أنه لم يقبض على عميد الملك إلا لما اعتمده من نقلها من بغداد إلى الري بغير رضاء الخليفة، وأمر الأمير ايتكين السليماني بالمسير في خدمتها إلى بغداد، والمقام بها شحنة، وأنفذ أبا سهل محمد بن هبة الله، المعروف بابن الموفق، للمسير في الصحبة، وأمره بالمخاطبة في إقامة الخطبة له، فمات في الطريق مجدراً.
وهذا أبو سهل من رؤساء أصحاب الشافعي بنيسابور، وكان يحضر طعامه في رمضان، كل ليلة، أربع مائة متفقه، ويصلهم ليلة العيد بكسوة ودنانير تعمهم، فلما سمع بموته أرسل العميد أبا الفتح المظفر بن الحسين فمات أيضاً في الطريق، فألزم السلطان رئيس العراقين بالمسير، فوصلوا بغداد منتصف ربيع الآخر، وخرج عميد الدولة ابن الوزير فخر الدولة بن جهير لتلقيهم، واقترح السلطان أن يخاطب بالولد المؤيد، فأجيب إلى ذلك، ولقب ضياء الدين عضد الدولة.
وجلس الخليفة جلوساً عاماً سابع جمادى الأولى، وشافه الرسل بتقليد ألب أرسلان للسلطنة، وسلمت الخلع بمشهد من الخلق، وأرسل إليه من الديوان لأخذ البيعة النقيب طراداً الزينبي، فوصلوا إليه وهو بنقجوان من أذربيجان، فلبس الخلع، وبايع للخليفة.
ذكر الحرب بين ألب أرسلان وقتلمش
سمع ألب أرسلان أن شهاب الدولة قتلمش، وهو من السلجوقية أيضاً، وهو جد الملوك أصحاب قونية، وقيصرية، وأقصرا، وملطية، يومنا هذا، قد عصى عليه، وجمع جموعاً كثيرة، وقصد الري ليستولي عليها، فجهز ألب أرسلان جيشاً عظيماً وسيرهم على المفازة إلى الري، فسبقوا قتلمش إليها.
وسار ألب أرسلان من نيسابور أول المحرم من هذه السنة، فلما وصل إلى دامغان أرسل إلى قتلمش ينكر عليه فعله، وينهاه عن ارتكاب هذا الحال، ويأمره بتركها، فإنه يرعى له القرابة والرحم، فأجاب قتلمش جواب مغتر بمن معه من الجموع، ونهب قرى الري، وأجرى الماء على وادي الملح، وهي سبخة، فتعذر سلوكها، فقال نظام الملك: قد جعلت لك من خراسان جنداً ينصرونك ولا يخذلونك، ويرمون دونك بسهام لاتخطيء، وهم العلماء والزهاد، فقد جعلتهم بالإحسان إليهم من أعظم أعوانك.
وقرب السلطان من قتلمش، فلبس الملك السلاح، وعبأ الكتائب، واصطف العسكران.
وكان قتلمش يعلم علم النجوم، فوقف ونظر، فرأى أن طالعه في ذلك اليوم قد قارنه نحوس لا يرى معها ظفراً، فقصد المحاجزة، وجعل السبخة بينه وبين ألب أرسلان ليمتنع من اللقاء. فسلك ألب أرسلان طريقاً في الماء، وخاض غمرته، وتبعه العسكر، فطلع منه سالماً هو وعسكره، فصاروا مع قتلمش واقتتلوا، فلم يثبت عسكر قتلمش لعسكر السلطان، وانهزموا لساعتهم، ومضى منهزماً إلى قلعة كردكوه، وهي من جملة حصونه ومعاقله، واستولى القتل والأسر على عسكره، فأراد السلطان قتل الأسرى، فشفع فيهم نظام الملك فعفا عنهم وأطلقهم.
ولما سكن الغبار، ونزل العسكر، وجد قتلمش ميتاً ملقى على الأرض لا يدري كيف كان موته، قيل: إنه مات من الخوف، والله أعلم، فبكى السلطان لموته، وقعد لعزائه، وعظم عليه فقده، فسلاه نظام الملك، ودخل ألب أرسلان إلى مدينة الري آخر المحرم من السنة.
ومن العجب أن قتلمش هذا كان يعلم علم النجوم، قد أتقنه، مع أنه تركي، ويعلم غيره من علوم القوم، ثم إن أولاده من بعده لم يزالوا يطلبون هذه العلوم الأولية، ويقربون أهلها، فنالهم بهذا غضاضة في دينهم، وسيرد من أخبارهم ما يعلم منه ذلك وغيره من أحوالهم.
ذكر فتح ألب أرسلان مدينة آني وغيرها من بلاد النصرانية
ثم سار السلطان من الري أول ربيع الأول، وسار إلى أذربيجان، فوصل إلى مرند عازماً على قتال الروم وغزوهم، فلما كان بمرند أتاه أمير من أمراء التركمان، كان يكثر غزو الروم، اسمه طغدكين، ومعه من عشيرته خلق كثيرر، قد ألفوا الجهاد، وعرفوا تلك البلاد، وحثه على قصد بلادهم، وضمن له سلوك الطريق المستقيم إليها، فسار معه، فسلك بالعساكر في مضايق تلك الأرض ومخارمها، فوصل إلى نقجوان، فأمر بعمل السفن لعبور نهر أرس، فقيل له إن سكان خويّ، وسلماس، من أذربيجان، لم يقوموا بواجب الطاعة، وإنهم قد امتنعوا ببلادهم، فسير إليهم عميد خراسان، ودعاهم إلى الطاعة، وتهددهم إن امتنعوا، فأطاعوا، وصاروا من جملة حزبه وجنده، واجتمع عليه هناك من الملوك والعساكر ما لا يحصى.
فلما فرغ من جمع العساكر والسفن سار إلى بلاد الكرج، وجعل مكانه في عسكره ولده ملكشاه، ونظام الملك وزيره، فسار ملكشاه ونظام الملك إلى قلعة فيها جمع كثير من الروم، فنزل أهلها منها، وتخطفوا من العسكر، وقتلوا منهم فئة كثيرة، فنزل نظام الملك وملكشاه، وقاتلوا من بالقلعة، وزحفوا إليهم، فقتل أمير القلعة وملكها المسلمون، وساروا منها إلى قلعة سرماري، وهي قلعة فيها في المياه الجارية والبساتين، فقاتلوها وملكوها، وأنزلوا منها أهلها، وكان بالقرب منها قلعة أخرى، ففتحها ملكشاه، وأراد تخريبها، فنهاه نظام الملك عن ذلك، وقال: هي ثغر للمسلمين، وشحنها بالرجال والذخائر والأموال والسلاح، وسلم هذه القلاع إلى أمير نقجوان.
وسار ملكشاه ونظام الملك إلى مدينة مريم نشين، وفيها كثير من الرهبان والقسيسين وملوك النصارى وعامتهم يتقربون إلى أهل هذه البلدة، وهي مدينة حصينة، سورها من الأحجار الكبار الصلبة، المشدودة بالرصاص والحديد، وعندها نهر كبير، فأعد نظام الملك لقتالها ما يحتاج إليه من السفن وغيرها، وقاتلها، وواصل قتالها ليلاً ونهاراً، وجعل العساكر عليها يقاتلون بالنوبة، فضجر الكفار، وأخذهم الإعياء والكلال، فوصل المسلمون إلى سورها، ونصبوا عليه السلاليم، وصعد إلى أعلاه، لأن المعاول كلت عن نقبه لقوة حجره.
فلما رأى أهلها المسلمين على السور فت ذلك في أعضادهم، وسقط في أيديهم، ودخل ملكشاه البلد، ونظام الملك، وأحرقوا البيع، وخربوها، وقتلوا كثيراً من أهلها، وأسلم كثير فنجوا من القتل.
واستدعى ألب أرسلان إليه ابنه، ونظام الملك، وفرح بما يسره الله من الفتح على يد ولده، وفتح ملكشاه في طريقه عدة من القلاع والحصون، وأسر من النصارى ما لا يحصون كثرة. وساروا إلى سبيذ شهر، فجرى بين أهلها وبين المسلمين حروب شديدة استشهد فيها كثير من المسلمين، ثم إن الله تعالى يسر فتحها فملكها ألب أرسلان. (4/290)
وسار منها إلى مدينة أعآل لآل، وهي حصينة، عالية الأسوار، شاهقة البنيان، وهي من جهة الشرق والغرب على جبل عال، وعلى الجبل عدة من الحصون، ومن الجانبين الآخرين نهر كبير لا يخاض، فلما رآها المسلمون علموا عجزهم عن فتحها والاستيلاء عليها، وكان ملكها من الكرج، وهكذا ما تقدم من البلاد التي ذكرنا فتحها، وعقد السلطان جسراً على النهر عريضاً، واشتد القتال، وعظم الخطب، فخرج من المدينة رجلان يستغيثان، ويطلبان الأمان، والتمسا من السلطان أن يرسل معهما طائفة من العسكر، فسير جمعاً صالحاً، فلما جاوزوا الفصيل أحاط بهم الكرج من أهل المدينة وقاتلوهم فأكثروا القتل فيهم، ولم يتمكن المسلمون من الهزيمة لضيق المسلك.
وخرج الكرج من البلد وقصدوا العسكر، واشتد القتال، وكان السلطان، ذلك الوقت، يصلي، فأتاه الصريخ، فلم يبرح حتى فرغ من صلاته، وركب، وتقدم إلى الكفار، فقاتلهم، وكبر المسلمون عليهم، فولوا منهزمين، فدخلوا البلد والمسلمون معهم، ودخلها السلطان وملكها، واعتصم جماعة من أهلها في برج من أبراج المدينة، فقاتلهم المسلمون، فأمر السلطان بإلقاء الحطب حول البرج وإحراقه، ففعل ذلك، وأحرق البرج ومن فيه، وعاد السلطان إلى خيامه، وغنم المسلمون من المدينة ما لايحد ولا يحصى.
ولما جن الليل عصفت ريح شديدة، وكان قد بقي من تلك النار التي أحرق بها البرج بقية كثيرة، فأطارتها الريح، فاحترقت المدينة بأسرها، وذلك في رجب سنة ست وخمسين، وملك السلطان قلعة حصينة كانت إلى جانب تلك المدينة، وأخذها، وسار منها إلى ناحية قرس، ومدينة آني وبالقرب منها ناحيتان يقال لهما سيل ورده، ونورة، فخرج أهلهما مذعنين بالإسلام، وخربوا البيع، وبنوا المساجد.
وسار منها إلى مدينة آني فوصل إليها فرآها مدينة حصينة، شديدة الامتناع، لا ترام، ثلاثة أرباعها على نهر أرس، والربع الآخر نهر عميق شديد الجرية، لو طرحت فيه الحجارة الكبار لدحاها وحملها، والطريق إليها على خندق عليه سور من الحجارة الصم، وهي بلدة كبيرة، عامرة، كثيرة الأهل، فيها ام يزيد على خمسمائة بيعة، فحصرها وضيق عليها، إلا أن المسلمين قد أيسوا من فتحها لما رأوا من حصانتها، فعمل السلطان برجاً من خشب، وشحنه بالمقاتلة، ونصب عليه المنجنيق، ورماه النشاب، فكشفوا الروم عن السور، وتقدم المسلمون إليه لينقبوه، فأتاهم من لطف الله ما لم يكن في حسابهم، فانهدم قطعة كبيرة من السور بغير سبب، فدخلوا المدينة وقتلوا من أهلها ما لا يحصى بحيث أن كثيراً من المسلمين عجزوا عن دخول البلد من كثرة القتلى، وأسروا نحواً مما قتلوا.
وسارت البشرى بهذه الفتوح في البلاد، فسر المسلمون، وقريء كتاب الفتح ببغداد في دار الخلافة، فبرز خط الخليفة بالثناء على ألب أرسلان والدعاء له.
ورتب فيها أميراً في عسكر جرار، وعاد عنها، وقد أرسله ملك الكرج في الهدنة، فصالحه على أداء الجزية كل سنة، فقبل ذلك.
ولما رحل السلطان عائداً قصد أصبهان، ثم سار منها إلى كرمان، فاستقبله أخوه قاروت بك بن جغري بك داود، ثم سار منها إلى مرو، فزوج ابنه ملكشاه بابنة خاقان، ملك ما وراء النهر، وزفت إليه في هذا الوقت، وزوج ابنه أرسلانشاه بابنة صاحب غزنة، واتحد البيتان: البيت السلجوقي، والبيت المحمودي، واتفقت الكلمة.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في ربيع الأول، ظهر بالعراق وخوزستان وكثير من البلاد جماعة من الأكراد، خرجوا يتصيدون، فرأوا في البرية خيماً سوداً، وسمعوا منها لطماً شديداً، وعويلاً كثيراً، وقائلاً يقول: قد مات سيدوك ملك الجن، وأي بلد لم يلطم أهله عليه ويعملوا له العزاء قلع أصله، وأهلك أهله، فخرج كثير من النساء في البلاد إلى المقابر يلطمن، وينحن، وينشرن شعورهن، وخرج رجال من سفلة الناس يفعلون ذلك، وكان ذلك ضحكة عظيمة.
ولقد جرى في أيامنا نحن في الموصل، وما والاها من البلاد إلى العراق، وغيرها، نحو هذا، وذلك أن الناس سنة ستمائة أصابهم وجع كثير في حلوقهم، ومات منه كثير من الناس، فظهر أن امرأة من الجن يقال لها أم عنقود، مات ابنها عنقود، وكل من لا يعمل له مأتماً أصابه هذا المرض، فكثر فعل ذلك، وكانوا يقولون: يا أم عنقود اعذرينا. قد مات عنقود ما درينا، وكان النساء يلطمن، وكذلك الأوباش. (4/291)
وفيها ولي أبو الغنائم المعمر بن محمد بن عبيد الله العلوي نابة العلويين ببغداد، وإمارة الموسم، ولقب بالطاهر ذي المناقب، وكان المرتضى أبو الفتح أسامة قد استعفى من النقابة، وصاهر بني خفاجة، وانتقل معهم إلى البرية، وتوفي أسامة بمشهد أمير المؤمنين علي، عليه السلام، في رجب سنة اثنتين وسبعين.
وفيها في جمادى الآخرة توفي أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي النحوي المتكلم، وكان له اختيار في الفقه، وكان عالماً بالنسب، ويمشي في الأسواق مكشوف الرأس، ولم يقبل من أحد شيئاً، وكان موته في جمادى الآخرة، وقد جاوز ثمانين سنة، وكان يميل إلى مذهب مرجئة المعتزلة، ويعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار.
وفيها انقض كوكب عظيم، وكثر نوره فصار أكثر من نور القمر، وسمع له دوي عظيم، ثم غاب.

This site was last updated 07/26/11