Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ثمان وأربعين وأربعمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة422
سنة423 وسنة424 وسنة425
سنة426 وسنة427
سنة428 وسنة429
سنة430 سنة431
سنة432
سنة433
سنة434
سنة435
سنة436 وسنة437 وسنة438
سنة439
سنة440
سنة441
سنة442
سنة443 وسنة444
سنة445 وسنة446
سنة447
سنة448
سنة449 وسنة450
سنة451 وسنة452
سنة453 وسنة454 وسنة455
سنة456
سنة457 وسنة458
من سنة459 إلى سنة462
سنة463 وسنة464 وسنة465
Untitled 4980

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وأربعمائة
ذكر نكاح الخليفة ابنة داود أخي طغرلبك

في هذه السنة، في المحرم، جلس أمير المؤمنين القائم بأمر الله جلوساً عاماً، وحضر عميد الملك الكندري، وزير طغرلبك، وجماعة من الأمراء منهم: أبو علي ابن الملك أبي كاليجار، وهزارسب بن بنكير بن عياض الكردي، وابن أبي الشوك، وغيرهم من الأمراء الأتراك من عسكر طغرلبك. (4/269)
وقام عميد الملك، وزير طغرلبك، وبيده دبوس، ثم خطب رئيس الرؤساء وعقد العقد على أرسلان خاتون، واسمها خديجة ابنة داود أخي السلطان طغرلبك، وقبل الخليفة بنفسه النكاح، وحضر العقد نقيب النقباء أبو علي بن أبي تمام، وعدنان ابن الشريف الرضي، نقيب العلويين، وأقضى القضاة الماوردي، وغيرهم، وأهديت خاتون إلى الخليفة في هذه السنة أيضاً في شعبان، وكانت والدة الخليفة قد سارت ليلاً وتسلمتها وأحضرتها إلى الدار.
ذكر الحرب بين عبيد المعز بن باديس وعبيد ابنه تميم
في هذه السنة وقعت الحرب بين عبيد المعز، المقيمين بالمهدية، وعبيد ابنه تميم، بسبب منازعة أدت إلى المقاتلة، فقامت عامة زويلة وسائر من بها من رجال الأسطول مع عبيد تميم، فأخرجوا عبيد المعز، وقتل منهم كثير، ومضى الباقون منهم يريدون المسير إلى القيروان، فوضع عليهم تميم العرب، فقتلوا منهم جمعاً غفيراً، وهذه النوبة هي سبب قتل تميم من قتل من عبيد أبيه لما ملك.
ذكر ابتداء دولة الملثمين
في هذه السنة كان ابتداء أمر الملثمين، وهم عدة قبائل ينسبون إلى حمير، أشهرها: لمتونة، ومنها أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، وجدالة ولمطة.
وكان أول مسيرهم من اليمن، أيام أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، فسيرهم إلى الشام وانتقلوا إلى مصر، ودخلوا المغرب مع موسى بن نصير، وتوجهوا مع طارق إلى طنجة، فأحبوا الانفراد، فدخلوا الصحراء واستوطنوها إلى هذه الغاية.
فلما كان هذه السنة توجه رجل منهم، اسمه الجوهر، من قبيلة جدالة إلى إفريقية، طالباً للحج، وكان محباً للدين وأهله، فمر بفقيه بالقيراون، وعنده جماعة يتفقهون، قيل: هو أبو عمران الفاسي في غالب الظن، فأصغى الجوهر إليه، وأعجبه حالهم.
فلما انصرف من الحج قال للفقيه: ما عندنا في الصحراء من هذا شيء غير الشهادتين، والصلاة في بعض الخاصة، فابعث معي من يعلمهم شرائع الإسلام! فأرسل معه رجلاً اسمه عبد الله بن ياسين الكزولي، وكان فقيهاً، صالحاً، شهماً، فسار معه حتى أتيا قبيلة لمتونة، فنزل الجوهر عن جمله، وأخذ بزمام جمل عبد الله بن ياسين، تعظيماً لشريعة الإسلام، فأقبلوا إلى الجوهر يهنئونه بالسلامة، وسألوه عن الفقيه فقال: هذا حامل سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد جاء يعلمكم ما يلزم في دين الإسلام. فرحبوا بهما، وأنزلوهما، وقالوا: تذكر لنا شريعة الإسلام، فعرفهم عقائد الإسلام وفرائضه، فقالوا: أما ما ذكرت من الصلاة، والزكاة، فهو قريب، وأما قولك من قتل يقتل، ومن سرق يقطع، ومن زنى يجلد، أو يرجم، فأمر لا نلتزمه، اذهب إلى غيرنا.
فرحلا عنهم، فنظر إليهما شيخ كبير فقال: لا بد وأن يكون لهذا الجمل في هذه الصحراء شأن يذكر في العالم. فانتهى الجوهر والفقيه إلى جدالة، قبيل الجوهر، فدعاهم عبد الله بن ياسين والقبائل الذين يجاورونهم إلى حكم الشريعة، فمنهم من أطاع، ومنهم من أعرض وعصى.
ثم إن المخالفين لهم تحيزوا، وتجمعوا، فقال ابن ياسين للذين أطاعوا: قد وجب عليكم أن تقاتلوا هؤلاء الذين خالفوا الحق، وأنكروا شرائع الإسلام، واستعدوا لقتالكم، فأقيموا لكم راية، وقدموا عليكم أميراً. فقال الجوهر: أنت الأمير! فقال: لا، إنما أنا حامل أمانة الشريعة، ولكن أنت الأمير. فقال الجوهر: لو فعلت هذا تسلط قبيلي على الناس، ويكون وزر ذلك علي. فقال له ابن ياسين: الرأي أن نولي ذلك أبا بكر بن عمر، رأس لمتونة وكبيرها، وهو رجل سيد، مكشور الطريقة، مطاع في قومه، فهو يستجيب لنا لحب الرئاسة، وتبعه قبيلته، فنتقوى بهم.
فأتيا أبا بكر بن عمر، وعرضا ذلك عليه، فأجاب، فعقدوا له البيعة، وسماه ابن ياسين أمير المسلمين، وعادوا إلى جدالة، وجمعوا إليهم من حسن إسلامه، وحرضهم عبد الله بن ياسين على الجهاد في سبيل الله، وسماهم مرابطين، وتجمع عليهم من خالفهم، فلم يقاتلهم المرابطون بل استعان ابن ياسين وأبو بكر بن عمر على أولئك الأشرار بالمصلحين من قبائلهم، فاستمالوهم وقربوهم حتى حصلوا منهم نحو ألفي رجل من أهل البغي والفساد، فتركوهم في مكان، وخندقوا عليهم، وحفظوهم، ثم أخرجوهم قوماً بعد قوم، فقتلوهم، فحينئذ دانت لهم أكثر قبائل الصحراء، وهابوهم، فقويت شوكة المرابطين. (4/270)
هذا وعبد الله مشتغل بالعلم، وقد صار عنده جماعة من يتفقهون، ولما استبد بالأمر هو وأبو بكر بن عمر عن الجوهر الجدالي وبقي لا حكم له تداخله الحسد، وشرع سراً في فساد الأمر، فعلم بذلك منه وعقد له مجلس، وثبت عليه ما نقل عنه، فحكم عليه بالقتل لأنه نكث البيعة، وشق العصا، وأارد محاربة أهل الحق، فقتل بعد أن صلى ركعتين، وأظهر السرور بالقتل طلباً للقاء الله تعالى. فاجتمعت القبائل على طاعتهم، ومن خالفهم قتلوه.
فلما كان سنة خمسين وأربعمائة قحطت بلادهم، فأمر ابن ياسين ضعفاءهم بالخروج إلى السوس وأخذ الزكاة، فخرج منهم نحو تسعمائة رجل، فقدموا سجلماسة، وطلبوا الزكاة، فجمعوا لهم شيئاً له قدر وعادوا.
ثم إن الصحراء ضاقت عليهم، وأرادوا إظهار كلمة الحق، والعبور إلى الأندلس ليجاهدوا الكفار، فخرجوا إلى السوس الأقصى، فجمع لهم أهل السوس وقاتلوهم، فانهزم المرابطون، وقتل عبد الله بن ياسين الفقيه، فعاد أبو بكر بن عمر فجمع جيشاً وخرج إلى السوس في ألفي راكب، فاجتمع من بلاد السوس وزناتة اثنا عشر ألف فارس فأرسل إليهم وقال: افتحوا لنا الطريق لنجوز إلى الأندلس ونجاهد أعداء الإسلام، فأبوا ذلك، فصلى أبو بكر، ودعا الله تعالى، وقال: اللهم إن كنا على الحق فانصرنا، وإلا فأرحنا من هذه الدنيا. ثم قاتلهم وصدق هو وأصحابه القتال، فنصرهم الله تعالى، وهزم أهل السوس ومن معهم وأكثر القتل فيهم، وغنم المرابطون أموالهم وأسلابهم، وقويت نفسه ونفوس أصحابه، وساروا إلى سجلماسة فنزلوا عليها، وطلبوا من أهلها الزكاة، فامتنعوا عليهم، وسار إليهم صاحب سجلماسة فقاتلهم فهزموه وقتلوه، ودخلوا سجلماسة واستولوا عليها، وكان ذلك سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة.
ذكر ولاية يوسف بن تاشفين
لما ملك أبو بكر بن عمر سجلماسة استعمل عليها يوسف بن تاشفين اللمتموني، وهو من بني عمه الأقربين، ورجع إلى الصحراء، فأحسن يوسف السيرة في الرعية، ولم يأخذ منهم سوى الزكاة، فأقام بالصحراء مدة، ثم عاد أبو بكر بن عمر إلى سجلماسة، فأقام بها سنة، والخطبة والأمر والنهي له، واستخلف عليها ابن أخيه أبا بكر بن إبراهيم بن عمر، وجهز مع يوسف ابن تاشفين جيشاً من المرابطين إلى السوس ففتح على يديه.
وكان يوسف رجل ديناً، خيراً، حازماً، داهية، مجرباً، وبقوا كذلك إلى سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتوفي أبو بكر بن عمر بالصحراء، فاجتمعت طوائف المرابطين على يوسف بن تاشفين، وملكوه عليهم، ولقبوه أمير المسلمين، وكانت الدولة في بلاد المغرب لزناتة الذين ثاروا في أيام الفتن، وهي دولة ردية، مذمومة، سيئة السيرة، لا سياسة ولاديانة، وكان أمير المسلمين وطائفته على نهج السنة، واتباع الشريعة، فاستغاث به أهل المغرب، فسار إليها وافتتحها حصناً حصناً، وبلداً بلداً بأيسر سعي، فأحبه الرعايا، وصلحت أحوالهم.
ثم إنه قصد موضع مدينة مراكش، وهو قاع صفصف، لا عمارة فيه، وهو موضع متوسط في بلاد المغرب كالقيراون في أفريقية، ومراكش تحت جبال المصامدة الذين هم أشد أهل المغرب قوة، وأمنعهم معقلاً، فاختط هناك مدينة مراكش ليقوى على قمع أهل تلك الجبال إن هموا بفتنة، واتخذها مقراً، فلم يتحرك أحد بفتنة، وملك البلاد المتصلة بالمجاز مثل سبتة، وطنجة، وسلا، وغيرها، وكثرت عساكره.
وخرجت جماعة قبيلة لمتونة وغيرهم، وضيقوا حينئذ لثامهم، وكانوا قبل أن يملكوا يتلثمون في الصحراء من الحر والبرد، كما يفعل العرب، والغالب على ألوانهم السمرة، فلما ملكوا البلاد ضيقوا اللثام.
وقيل كان سبب اللثام لهم أن طائفة من لمتونة خرجوا مغيرين على عدو لهم، فخالفهم العدو إلى بيوتهم، ولم يكن بها إلا المشايخ، والصبيان والنساء، فلما تحقق المشايخ أنه العدو أمروا النساء أن يلبسن ثياب الرجال، ويتلثمن، ويضيقنه، حتى لا يعرفن، ويلبسن السلاح. ففعلن ذلك، وتقدم المشايخ والصبيان أمامهن، واستدار النساء بالبيوت، فلما أشرف العدو رأى جمعاً عظيماً، فظنه رجالاً، فقال: هؤلاء عند حرمهم يقاتلون عنهن قتال الموت، والرأي أن نسوق النعم ونمضي، فإن اتبعونا قاتلناهم خارجاً عن حريمهم. (4/271)
فبينما هم في جميع النعم من المراعي إذ قد أقبل رجال الحي، فبقي العدو بينهم وبين النساء، فقتلوا من العدو فأكثروا، وكان من قتل النساء أكثر، فمن ذلك الوقت جعلوا اللثام سنة يلازمونه، فلا يعرف الشيخ من الشاب، فلا يزيلونه ليلاً ولا نهاراً، ومما قي في اللثام:
قوم لهم درك العلى في حمير، ... وإن انتموا صنهاجةً بهم هم
لما حووا إحراز كل فضيلة، ... غلب الحياء عليهم فتلثموا
ذكر تبييض أبي الغنائم بن المحلبان
في هذه السنة بيض علاء الدين أبو الغنائم بن المحلبان بواسط، وخطب فيها للعلويين المصريين.
وكان سبب ذلك أن رئيس الرؤساء سعى له في النطر على واسط وأعمالها، فأجيب إلى ذلك، فانحدر إليها ، فصار عنده جماعة من أعيانها، وجند جماعة عظيمة، وتقوى بالبطائحيين، وحفر على الجانب الغربي من واسط خندقاً، وبنى عليه سوراً، وأخذ ضريبة من سفن أصعدت للخليفة، فسير لحربه عميد العراق أبو نصر، فاقتتلوا، فانهزم ابن المحلبان، وأسر من أصحابه عدد كثير، ووصل أبو نصر إلى السور، فقاتله العامة من على السور.
ثم تسلم البلد، وأمر أهله بطم الخندق، وتخريب السور، ثم أصعد إلى بغداد، فلما فارقها عاد إليها ابن فسانجس، ونهب قرية عبد الله، وقتل كل أعمى رآه بواسط، وأعاد خطبة المصريين، وأمر أهل كل محلة بعمارة ما يليهم من السور.
ومضى منصور بن الحسين إلى المدار، وأرسل إلى بغداد يطلب المدد، فكتب إليه عميد العراق ورئيس الرؤساء يأمرانه أن يقصد واسطاً هو وابن الهيثم، وأن يحاصرها، فأقبلا إليها فيمن معهما وحصروها في الماء والبر، وكان هذا الحصار سنة تسع وأربعين، فاشتد فيها الغلاء حتى بيع التمر، والخبز، وكروش البقر، كل خمسة أرطال بدينار، وإذا وجد الخبازى باعوه كل عشرين رطلاً بدينار.
ثم ضعفوا وضجروا من الحصار، فخرج ابن فسانجس ليقاتل، فلم يثبت، وقتل جماعة من أصحابه، وانهزموا إلى سور البلد، واستأمن جماعة من الواسطيين إلى منصور بن الحسين، وفارق ابن فسانجس واسطاً، ومضى إلى قصر ابن أخضر، وسار إليه طائفة من العسكر ليقاتلوه، فأدركوه بقرب النيل، فأسر هو وأهله، وحمل إلى بغداد، فدخلها في صفر سنة تسع وأربعين وشهر على جمل، وعليه قميص أحمر، وعلى رأسه طرطور بودع، وصلب.
ذكر الوقعة بين البساسيري وقريش
في هذه السنة، سلخ شوال، كانت وقعة بين البساسيري ومعه نور الدولة دبيس بن مزيد، وبين قريش بن بدران، صاحب الموصل، ومعه قتلمش، وهو ابن عم السلطان طغرلبك، وهو جد هؤلاء الملوك أولاد قلج أرسلان، ومعه أيضاً سهم الدولة أبو الفتح بن عمرو، وكانت الحرب عند سنجار، فاقتتلوا، فاشتد القتال بينهم، فانهزم قريش وقتلمش، وقتل من أصحابهما الكثير.
ولقي قتلمش من أهل سنجار العنت، وبالغوا في أذاه وأذى أصحابه، وجرح بن بدران، وأتى إلى نور الدولة جريحاً، فأعطاه خلعة كانت قد نقذت من مصر، فلبسها وصار في جملتهم، وساروا إلى الموصل، وخطبوا لخليفة مصر بها، وهو المستنصر بالله، وكانوا قد كانبوا الخليفة المصري بطاعتهم، فأرسل إليهم الخلع من مصر للبساسيري، ولنور الدولة دبيس بن مزيد، ولجابر بن ناشب، ولمقبل بن بدران أخي قريش، ولأبي الفتح بن ورام، ونصير بن عمر، وأبي الحسن بن عبد الرحيم، ومحمد بن حماد، وانضاف إليهم قريش بن بدران.
ذكر مسير السلطان طغرلبك إلى الموصل
لما طال مقام السلطان طغرلبك ببغداد، وعم الخلق ضرر عسكره، وضاقت عليهم مساكنهم، فإن العساكر نزلوا فيها، وغلبوهم على أقواتهم، وارتكبوا منهم كل محظور، أمر الخليفة القائم بأمر الله وزيره رئيس الرؤساء أن يكتب إلى عميد الملك الكندري، وزير السلطان طغرلبك، يستحضره، فإذا حضر قال له عن الخليفة ليعرف السلطان ما الناس فيه من الجور والظلم، ويعظه، ويذكره، فإن أزال ذلك، وفعل ما أمر الله به، وإلا فيساعد الخليفة الانتزاح عن بغداد ليبعد عن المنكرات.
فكتب رئيس الرؤساء إلى الكندري يستدعيه، فحضر، فأبلغه ما أمر به الخليفة، وخرج توقيع من الخليفة إلى السلطان فيه مواعظ، فمضى إلى السلطان وعرفه الحال، فاعتذر بكثرة العساكر، وعزه عن تهذيبهم وضبطهم، وأمر عميد الملك أن يبكر بالجواب إلى رئيس الرؤساء، ويعتذر بما ذكره. (4/272)
فلما كان تلك الليلة رأى السلطان في منامه النبي، صلى الله عليه وسلم، عند الكعبة وكأنه يسلم على النبي وهو معرض عنه لم يلتفت إليه، وقال له: يحكمك الله في بلاده وعباده، فلا تراقبه ولا تستحي من جلاله، عز وجل، في سوء معاملتهم ، وتغير بإهماله عند الجوار عليهم! فاستيقظ فزعاً، وأحضر عميد الملك، وحدثه ما رأى، وأرسله إلى الخليفة يعرفه أنه يقابل ما رسم به بالسمع والطاعة، وأخرج الجند من دور العامة، وأمر أن يظهر من كان مختفياً، وأزال التوكيل عمن كان وكل به.
فبينما هو على ذلك، وقد عزم على الرحيل عن بغداد للتخفيف عن أهلها، وهو يتردد فيه، إذ أتاه الخبر بهذه الوقعة المتقدمة، فتجهز وسار عن بغداد عاشر ذي القعدة، ومعه خزائن السلاح، والمنجنيقات، وكان مقامه ببغداد ثلاثة عشر شهراً وأياماً لم يلق الخليفة فيها، فلما بلغوا أوانا نهبها العسكر، ونهبوا عكبرا وغيرهما.
ووصل إلى تكريت فحصرها، وبها صاحبها نصر بن علي بن خميس فنصب على القلعة علماً أسود، وبذل مالاً، فقبله السلطان، ورحل عنه إلى البوازيج ينتظر جمع العساكر ليسير إلى الموصل، فلما رحل عن تكريت توفي صاحبها، وكانت أمه أميرة بنت غريب بن مقن، فخافت أن يملك البلدة أخوه أبو الغشام، فقتلته وسارت إلى الموصل، فنزلت على دبيس بن مزيد، فتزوجها قريش بن بدران، ولما رحلت عن تكريت استخلفت بها أبا الغنائم ابن المحلبان، فراسل رئيس الرؤساء واستعطفه، فصلح ما بينهما، وسلم تكريت إلى السلطان ورحل إلى بغداد.
وأقام السلطان بالبوازيج إلى أن دخلت سنة تسع وأربعين فأتاه أخوه ياقوتي في العساكر، فسار بهم إلى الموصل، وأقطع مدينة بلد هزارسب بن بنكير، فأحفل أهل البلاد إلى بلد، فأراد العسكر نهبهم، فمنعهم السلطان وقال: لا يجوز أن تعرضوا إلى بلد هزارسب، فلجوا وقالوا: نريد الإقامة، فقال السلطان لهزارسب: إن هؤلاء قد احتجوا بالإقامة، فأخرج أهل البلد إلى معسكرك لتحفظ نفوسهم. ففعل ذلك، وأخرجهم إليه، فصار البلد بعد ساعة قفراً، وفرق فيهم هزارسب مالاً، وأركب من يعجز عن المشي، وسيرهم إلى الموصل ليأمنوا.
وتوجه السلطان إلى نصيبين، فقال له هزارسب: قد تمادت الأيام وأرى أن أختار من العسكر ألف فارس أسير بهم إلى البرية، فلعلي أنال من العرب غرضاً، فأذن له في ذلك، فسار إليهم، فلما قاربهم كمن لهم كمينين، وتقدم إلى الحلل، فلما رأوه قاتلوه، فصبر لهم ساعة، ثم انزاح بين أيديهم كالمنهزم، فتبعوه، فخرج عليهم الكمينان، فانهزمت العرب، وكثر فيهم القتل وحمل الأسرى إلى السلطان، فلما أحضروا بين يديه قال لهم: هل وطئت لكم أرضاً، وأخذت لكم بلداً؟ قالوا: لا! قال: فلم أتيتم بحربي؟ وأحضر الفيل فقتلهم، إلا صبياً أمرد، فلما امتنع الفيل من قتله عفا عنه السلطان.
ذكر عود نور الدولة دبيس بن مزيد وقريش ابن بدران إلى طاعة طغرلبك
لما ظفر هزارسب بالعرب وعاد إلى السلطان طغرلبك، أرسل إليه نور الدولة وقريش يسألانه أن يتوسط حالهما عند السلطان، ويصلح أمرهما معه، فسعى في ذلك، واستعطف السلطان عليهما، فقال: أما هما فقد عفوت عنهما، وأما البساسيري فذنبه إلى الخليفة، ونحن متبعون أمر الخليفة فيه، فرحل البساسيري عند ذلك إلى الرحبة، وتبعه الأتراك البغداديون، ومقبل بن المقلد وجماعة من عقيل.
وطلب دبيس وقريش أن يرسل طغرلبك إليهما أبا الفتح بن ورام، فأرسله، فعاد من عندهما وأخبر بطاعتهما، وأنهما يطلبان أن يمضي هزارسب إليهما ليحلفهما، فأمره السلطان بالمضي إليهما، فسار واجتمع بهما، وأشار عليهما بالحضور عند السلطان، فخافا وامتنعا، فأنفذ قريش أبا السداد هبة الله بن جعفر، وأنفذ دبيس ابنه بهاء الدولة منصوراً، فأنزلهما السلطان وأكرمهما وكتب لهما بأعمالهما، وكان لقريش نهر الملك، وبادوريا، والأنبار، وهيت، ودجيل، ونهر بيطر، وعكبرا، وأوانا، وتكريت، والموصل، ونصيبين، وأعاد الرسل إلى أصحابهم.
ذكر قصد السلطان ديار بكر وما فعله بسنجار (4/273)
لما فرغ طغرلبك من العرب سار إلى ديار بكر التي هي لابن مروان، وكان ابن مروان يرسل إليه كل يوم الهدايا والثلج، فسار السلطان إلى جزيرة ابن عمر فحصرها، وهي لابن مروان، فأرسل إليه ابن مروان يبذل له مالاً يصلح حاله به، ويذكر له ما هو بصدده من حفظ ثغور المسلمين، وما يعانيه من جهاد الكفار، ولما كان السلطان يحاصر الجزيرة سار جماعة من الجيش إلى عمر أكمن، وفيه أربعمائة راهب، فذبحوا منهم مائة وعشرين راهباً، وافتدى الباقون أنفسهم بستة مكاكيك ذهباً وفضة.
ووصل إبراهيم ينال أخو السلطان إليه، فلقيه الأمراء والناس كلهم، وحملوا إليه الهدايا، وقال لعميد الملك الوزير: من هؤلاء العرب حتى تجعلهم نظراء السلطان، وتصلح بينهم؟ فقال: مع حضورك يكون ما تريد، فأنت نائب السلطان.
ولما وصل إبراهيم ينال أرسل هزارسب إلى نور الدولة بن مزيد وقريش يعرفهما وصوله، ويحذرهما منه، فسارا من جبل سنجار إلى الرحبة، فلم يلتفت البساسيري إليهما، فانحدر، نور الدولة إلى بلدة بالعراق، وأقام قريش عند البساسيري بالرحبة ومعه ابنه مسلم بن قريش.
وشكا قتلمش ابن عم السلطان إليه ما لقي من أهل سنجار في العام الماضي لما انهزم، وأنهم قتلوا رجالاً، فسير العساكر إليهم، فأحاطت بهم، وصعد أهلها على السور وسبوا، وأخرجوا جماجم من كانوا قتلوا، وقلانسهم، وتركوها على رؤوس القصب، ففتحها السلطان عنوة، وقتل أميرها مجلى بن مرجا وخلقاً كثيراً من رجالها، وسبى نساءهم، وخربت، وسأل إبراهيم ينال في الباقين فتركهم، فسلمها هي والموصل والبلاد إلى إبراهيم ينال، ونادى في عسكره: من تعرض لنهب صلبته، فكفوا عنهم.
وعاد السلطان إلى بغداد، على ما نذكره، كان ينبغي أن نذكر هذه الحادثة سنة تسع وأربعين وإنما ذكرناها هذه السنة لأن الابتداء بها كان فيها، فأتبعنا بعضها بعضاً، وذكرنا أنها كانت سنة تسع وأربعين.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة انقطعت الطرق عن العراق لخوف النهب، فغلت الأسعار، وكثر الغلاء، وتعذرت الأقوات وغيرها من كل شيء، وأكل الناس الميتة، ولحقهم وباء عظيم، فكثر الموت حتى دفن الموتى بغير غسل ولا تكفين، فبيع رطل لحم بقيراط، وأربع دجاجات بدينار، ورطلا شراب بدينار، وسفرجلة بدينار، ورمانة بدينار، وكل شيء كذلك.
وكان بمصر أيضاً وباء شديد، فكان يموت في اليوم ألف نفس، ثم عم ذلك سائر البلاد من الشام، والجزيرة، والموصل، والحجاز، واليمن وغيرها.
وفيها، في جمادى الأولى، ولدت جارية ذخيرة الدين بن الخليفة، الذي ذكرنا وفاته قبل، ولداً ذكراً، ويسمى عبد الله، وكني أبا القاسم، وهو المقتدي.
وفيها، في العشر الثاني من جمادى الآخرة، ظهر وقت السحر في السماء ذؤابة بيضاء طولها نحو عشرة أذرع في رأي العين، وعرضها ذراع، وبقيت كذلك إلى نصف رجب واضمحلت.
وفيها أمر الخليفة بأن يؤذن بالكرخ والمشهد وغيرهما: الصلاة خير من النوم، وأن يتركوا: حي على خير العمل، ففعلوا ما أمرهم به خوف السلطنة وقوتها.
وفيها توفي علي بن أحمد بن علي أبو الحسن المؤدب المعروف بالفالي، من أهل مدينة فالة بالقرب من إيذج، روى الحديث والأدب، وله شعر حسن، فمنه قوله:
تصدر لتدريس كل مهوس ... بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت، حتى بدا من هزالها ... كلاها، وحتى سامها كل مفلس
وفي هذه السنة توفي محمد بن الحسين بن محمد بن سعدون أبو طاهر البزاز الموصلي، ولد بالموصل، ونشأ ببغداد، وروى عن ابن حبابة، والدارقطني، وابن بطة وغيرهم، وكان موته بمصر، وفيها توفي أميرك الكاتب البيهقي في شوال وكان من رجال الدنيا، ومحمد بن عبد الواحد بن عمر بن الميمون الدارمي الفقيه الشافعي.

This site was last updated 07/26/11