Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة سنة أربع وخمسين وأربعمائة سنة خمس وخمسين وأربعمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة422
سنة423 وسنة424 وسنة425
سنة426 وسنة427
سنة428 وسنة429
سنة430 سنة431
سنة432
سنة433
سنة434
سنة435
سنة436 وسنة437 وسنة438
سنة439
سنة440
سنة441
سنة442
سنة443 وسنة444
سنة445 وسنة446
سنة447
سنة448
سنة449 وسنة450
سنة451 وسنة452
سنة453 وسنة454 وسنة455
سنة456
سنة457 وسنة458
من سنة459 إلى سنة462
سنة463 وسنة464 وسنة465
Untitled 4980

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة
ذكر وزارة ابن دارست للخليفة

لما عاد الخليفة إلى بغداد استخدم أبا تراب الأثيري في الإنهاء، وحضور المواكب، ولقبه حاجب الحجاب، وكان قد خدمه بالحديث، وقرب منه، فخاطب الشيخ أبو منصور بن يوسف في وزارة أبي الفتح منصور بن أحمد بن دارست، وقال إنه يخدم بغير إقطاع، ويحمل مالاً، فأجيب إلى ذلك، فأحضر من الأهواز إلى بغداد، وخلع عليه خلعة الوزارة منتصف ربيع الآخر، وجلس في منصبه، ومدح الشعراء، فممن مدحه وهنأه أبو الحسن الخباز بقصيدة منها:
أمن الملك بالأمين أبي الفت ... ح وصدت عن صفوة الأقذاء
دولة أصبحت، وأنت ولي ... الرأي فيها، لدولة غراء
وهي طويلة. وكان ابن دارست في أول أمره تاجراً للملك أبي كاليجار.
ذكر موت المعز بن باديس وولاية ابنه تميم
في هذه السنة توفي المعز بن باديس، صاحب إفريقية، من مرض أصابه، وهو ضعف الكبد، وكانت مدة ملكه سبعاً وأربعين سنة، وكان عمره لما ملك إحدى عشرة سنة، وقيل ثماني سنين وستة أشهر.
وكان رقيق القلب، خاشعاً، متجنباً لسفك الدماء إلا في حد، حليماً، يتجاوز عن الذنوب العظام، حسن الصحبة مع عبيده وأصحابه، مكرماً لأهل العلم، كثير العطاء لهم، كريماً، وهب مرة ألف دينار للمستنصر الزناتي وكان عنده وقد جاء هذا المال، فاستكثره، فأمر به فأفرغ بين يديه، ثم وهبه له، فقيل له: لم أمرت بإخراجه من أوعيته؟ قال: لئلا يقال لو رآه ام سمحت نفسه به، وكان له شعر حسن.
ولما مات رثاه الشعراء، فمنهم أبو الحسن بن رشيق فقال:
لكل حي وإن طال المدى هلك ... لا عز مملكة يبقى، ولا ملك
ولى المعز على أعقابه فرمى، ... أو كاد ينهد من أركانه الفلك
مضى فقيداً، وأبقى في خزائنه ... هام الملوك، وما أدراك ما ملكوا (4/283)
ما كان إلا حساماً سله قدر ... على الذين بغوا في الأرض وانهمكوا
كأنه لم يخض للموت بحر وغىً، ... خضر البحار، إذا قيست به، برك
ولم يجد بقناطير مقنطرة ... قد أرخت باسمه إبريزها السكك
روح المعز وروح الشمس قد قبضا، ... فانظر بأي ضياء يصعد الفلك
ولما توفي ملك بعده ابنه تميم، وكان مولد تميم بالمنصورية التي هي مقره، منتصف رجب سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وولاه المهدية في صفر سنة خمس وأربعين، وأقام بها إلى أن وافاه أبوه المعز، لما انتزح عن القيروان من العرب، وقام بخدمة أبيه، وأظهر من طاعته وبره ما بان به كذب ما كان ينسب إليه.
ولما استبد بالملك بعد أبيه سلك طريقه في حسن السيرة، ومحبة أهل العلم، إلا أنه كان أصحاب البلاد قد طمعوا بسبب العرب، وزالت الهيبة والطاعة عنهم في أيام المعز، فلما مات ازداد طمعهم، وأظهر كثير منهم الخلاف، فممن أظهر الخلاف القائد حمو بن مليك، صاحب سفاقس، واستعان بالعرب، وقصد المهدية ليحاصرها، فخرج إليه تميم وصافه، فاقتتلوا، فانهزم حموا وأصحابه، وكثر القتل فيهم، ومضى حمو ونجا بنفسه، وتفرقت خيله ورجاله، وكان ذلك سنة خمس وخمسين.
ذكر وفاة قريش صاحب الموصل وإمارة ابنه شرفة الدولة
في هذه السنة توفي قريش بن بدران صاحب الموصل ونصيبين، أصابه خروج الدم من فيه وأنفه وعينيه وأذنيه، فحمله ابنه شرف الدولة إلى نصيبين، حتى حفظ خزانته بها، وتوفي هناك.
وسمع فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير حاله، فسارا من دارا إلى نصيبين، وجمع بني عقيل على أن يؤمروا ابنه أبا المكارم مسلم بن قريش عليهم، وكان القائم بأمره جابر بن ناشب، فزوجه فخر الدولة بأخت مسلم، وزوج مسلماً بابنة نصر بن منصور.
ذكر وفاة نصر الدولة بن مروان
في هذه السنة توفي نصر الدولة أحمد بن مروان الكردي، صاحب ديار بكر، ولقبه القادر بالله نصر الدولة، وكان عمره نيفاً وثمانين سنة، وإمارته اثنتين وخمسين سنة، واستولى على الأمور ببلاده استيلاء تاماً، وعمر الثغور وضبطها، وتنعم تنعماً لم يسمع بمثله عن أحد من أهل زمانه.
وملك من الجواري المغنيات ما اشترى بعضهن بخمسة آلاف دينار، وأكثر من ذلك، وملك خمسمائة سرية سوى توابعهن، وخمسمائة خادم.
وكان في مجلسه من الآلات ما تزيد قيمته على مائتي ألف دينار، وتزوج من بنات الملوك جملة، وأرسل طباخين إلى الديار المصرية، وغرم على إرسالهم جملة وافرة حتى تعلموا الطبخ من هناك.
وأرسل إلى السلطان طغرلبك هدايا عظيمة، من جملتها الجبل الياقوت الذي كان لبني بويه، اشتراه من المكل العزيز أبي منصور بن جلال الدولة، وأرسل معه مائة ألف دينار سوى ذلك.
ووزر له أبو القاسم بن المغربي، وفخر الدولة بن جهير، ورخصت الأسعار في أيامه، وتظاهر الناس بالأموال، ووفد إليه الشعراء، وأقام عنده العلماء والزهاد.
وبلغه أن الطيور في الشتاء تخرج من الجبال إلى القرى فتصاد، فأمر أن يطرح لها الحب من الأهراء التي له، فكانت في ضيافته طول عمره.
ولما مات اتفق وزيره فخر الدولة بن جهير وابنه نصر، فرتب نصراً في الملك بعد أبيه، وجرى بينه وبين أخيه سعيد حروب شديدة كان الظفر في آخرها لنصر، فاستقر في الإمارة بميافارقين وغيرها، وملك أخوه سعيد آمد.
ذكر عدة حوادث
في رجب خلع على الكامل أبي الفوارس طراد بن محمد الزينبي، وقلد نقابة النقباء، ولقب الكامل ذا الشرفين.
وفيها تولي شمس الدين أسامة بن أبي عبد الله بن علي نقابة العلويين ببغداد، ولقب المرتضى.
وفيها، في جمادى الأولى، انكسفت الشمس جميعها، فظهرت الكواكب، وأظلمت الدنيا، وسقطت الطيور الطائرة.
وفيها، في شهر رمضان، توفي شكر العلوي الحسيني، أمير مكة، وله شعر حسن، فمنه:
قوض خيامك عن أرض تضام بها، ... وجانب الذل، إن الذل مجتنب
وارحل إذا كان في الأوطان منقصة ... فالمندل الرطب في أوطانه حطب
وفيها توفي أبو القاسم علي بن محمد بن يحيى الشمشاطي بدمشق، وكان عالماً بالهندسة والرياضيات من علوم الفلاسفة، وإليه ينسب الرباط الذي عند جامع دمشق.


ثم دخلت سنة أربع وخمسين وأربعمائة (4/284)
ذكر نكاح السلطان طغرلبك ابنة الخليفة
في هذه السنة عقد للسلطان طغرلبك على ابنة الخليفة القائم بأمر الله، وكانت الخطبة تقدمت سنة ثلاث وخمسين مع أبي سعد قاضي الري، فانزعج الخليفة من ذلك، وأرسل في الجواب أبا محمد التميمي، وأمره أن يستعفي، فإن أعفي، وإلا تمم الأمر على أن يحمل السلطان ثلاثمائة ألف دينار، ويسلم واسطاً وأعمالها.
فلما وصل إلى السلطان ذكر لعميد الملك الوزير ما ورد فيه من الاستعفاء، فقال: لا يحسن أن يرد الس، وقد سأل وتضرع، ولا يجوز مقابلته أيضاً بطلب الأموال والبلاد، فهو يفعل أضعاف ما طلب منه.
فقاتل التميمي: الأمر لك، ومهما فعلته فهو الصواب، فبنى الوزير الأمر على الإجابة، وطالع به الس، فسر به، وجمع الناس وعرفهم أن همته سمت به إلى الاتصال بهذه الجهة النبوية، وبلغ من ذلك ما لم يبلغه سواه من الملوك. وتقدم إلى عميد الملك الوزير أن يسير ومعه أرسلان خاتون، زوجة الخليفة، وأن يصحبها مائة ألف دينار برسم الحمل، وما شاكلها من الجواهر وغيرها، ووجه معه فرامرز بن كاكويه، وغيره من وجوه الأمراء وأعيان الري.
فلما وصل إلى الإمام القائم بأمر الله، وأوصل خاتون زوجة الخليفة إلى دارها، وأنهى حضوره وحضور من معه، ذكر حال الوصلة، فامتنع الخليفة من الإجابة إليها وقال: إن أعفينا، وإلا خرجنا من بغداد.
فقال عميد الملك: كان الواجب الامتناع من غير اقتراح، وعند الإجابة إلى ما طلب، فالامتناع سعي على دمي، وأخرج خيامه إلى النهروان، فاستوقفه قاضي القضاة، والشيخ أبو منصور بن يوسف، وأنهيا إلى الخليفة عاقبة انصرافه على هذا الوجه، وصنع له ابن دارست وزير الخليفة دعوة، فحضر عنده، فرأى على مسجد مكتوباً: معاوية خال علي، فأمر بحكه.
وكتب من الديوان إلى خمارتكين الطغرائي كتاباً يتضمن الشكوى من عميد الملك، فورد الجواب عليه بالرفق، وكتب الخليفة إلى عميد الملك: نحن نرد الأمر إلى رأيك، ونعول على أمانتك ودينك.
فحضر يوماً عند الخليفة، ومعه جماعة من الأمراء، والحجاب، والقضاة والشهود، فأخذ المجلس لنفسه، ولم يتكلم سواه، وقال للخليفة: أسأل مولانا أمير المؤمنين التطول بذكر ما شرف به العبد المخلص شاهنشاه، ركن الدين، فيما رغب فيه ليعرفه الجماعة.
فغالطه، وقال: قد سطر في المعنى ما فيه كفاية. فانصرف عميد الملك مغظاً، ورحل في السادس والعشرين من جمادى الآخرة وأخذ المال معه إلى همذان، وعرف السلطان أن السبب في اتفاق الحال من خمارتكين الطغرائي. فتغير السلطان عليه، فهرب في ستة غلمان.
وكتب السلطان إلى قاضي القضاة والشيخ أبي منصور بن يوسف يعتب ويقول: هذا جزاء من الخليفة الذي قتلت أخي في خدمته، وأنفقت أموالي في نصرته، وأهلكت خواصي في محبته. وأطال العتاب، وعاد الجواب إليه بالاعتذار.
وأما الطغرائي فإنه أدرك ببروجرد فقال أولاد إبراهيم ينال للسلطان: إن هذا قتل أبانا، ونسأل أن نمكن من قتله، وأعانهم عميد الملك، فأذن لهم في قتله، فساروا إلى طريقه وقتلوه، وجعل مكانه ساوتكين، وبسط الكندري لسانه. وطلب طغرلبك ابنة أخيه، زوجة الخليفة، لتعاد إليه، وجرى ما كاد يفضي إلى الفساد الكلي.
فلما رأى الخليفة شده الأمر أذن في ذلك، وكتب الوكالة باسم عميد الملك، وسيرت الكتب مع أبي الغنائم بن المحلبان، وكان العقد في شعبان سنة أربع وخمسين بظاهر تبريز، وهذا ما لم يجر للخلفاء مثله، فإن بني بويه مع تحكمهم ومخالفتهم لعقائد الخلفاء لم يطمعوا في مثل هذا ولا ساموهم فعله.
وحمل السلطان أموالاً كثيرة، وجواهر نفيسة للخليفة، ولولي العهد، وولجهة المطلوبة، ولوالدتها، وغيرهم، وجعل بعقوبا وما كان بالعراق للخاتون زوجة السلطان التي توفيت للسيدة ابنة الخليفة.
ذكر عزل ابن دارست ووزارة ابن جهير
في هذه السنة عزل أبو الفتح محمد بن منصور بن دارست من وزراة الخليفة.
وسببه أنه وصل معه إنسان يهودي يقال له ابن علان، فضمن أعمال الوكلاء التي لخاص الخليفة بستة آلاف كر غلة، ومائة ألف دينار، فصح منها ألفا كر، وثلاون ألف دينار، وانكسر الباقي، فظهر عجز ابن دارست ووهنه، فعزل، وعاد إلى الأهواز، فتوفي بها سنة سبع وستين. (4/285)
وكان فخر الدولة أبو نصر بن جهير، وزير نصر الدولة بن مروان، قد أرسل يخطب الوزارة، وبذل فيها بذولاً كثيرة، فأجيب إليها، وأرسل كامل طراد الزينبي إلى ميافارقين كأنه رسول، فلما عاد سار معه ابن جهير كالمودع له، فتمم السير معه.
وخرج ابن مروان في أثره، فلم يدركه، فلما وصل إلى بغداد خرج الناس إلى استقباله، وخلع عليه خلع الوزارة يوم عرفة، ولقب فخر الدولة، واستقر في الوزارة، ومدحه وهنأه ابن الفضل وغيره من الشعراء.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة عم الرخص جميع الأصقاع، فبيع بالبصرة ألف رطل من التمر بثمانية قراريط.
وفيها توفي القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي بمصر.
وفيها سار السلطان طغرلبك إلى قلعة الطرم من بلاد الديلم، وقرر على مسافر ملكها مائة ألف دينار وألف ثوب.
وفيها مات أبو علوان ثمالل بن صالح بن مرداس الملقب معز الدولة بحلب، وقام أخوه عطية مقامه.
وتوفي الحسن بن علي بن محمد أبو محمد الجوهري، ومولده سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وكان من الأئمة المكثرين من سماع الحديث وروايته، وهو آخر من حدث عن أبي بكر القطيعي، والأبهري، وابن شاذان، وغيرهم.


ثم دخلت سنة خمس وخمسين وأربعمائة
ذكر ورود السلطان بغداد ودخوله بابنة الخليفة

في هذه السنة، في المحرم، توجه السلطان طغرلبك من أرمينية إلى بغداد، وأراد الخليفة أن يستقبله، فاستعفاه من ذلك، وخرج الوزير ابن جهير فاستقبله.
وكان مع السلطان من الأمراء: أبو علي ابن الملك أبي كاليجار، وسرخاب بن بدر، وهزارسب، وأبو منصور فرامرز بن كاكويه، فنزل عسكره في الجانب الغربي، فزاد بهم أذى.
ووصل عميد الملك إلى الخليفة، وطالب بالجهة، وبات بالدار، فقيل له: خطك موجود بالشرط، وإن المقصود بهذه الوصلة الشرف لا الإجتماع، وإنه إن كانت مشاهدة فتكون في دار الخلافة، فقال السلطان: نفعل هذا، ولكن نفرد له من الدور والمساكن ما يكفيه، ومعه خواصه، وحجابه، ومماليكه، فإنه لا يمكنه مفارقتهم. فحينئذ نقلت إلى دار المملكة في منتصف صفر، فجلست على سرير ملبس بالذهب، ودخل السلطان إليها، وقبل الأرض وخدمها، ولم تكشف الخمار عن وجهها، ولا قامت هي له، وحمل لها شيئاً كثيراً من الجواهر وغيرها، وبقي كذلك يحضر كل يوم يخدم وينصرف.
وخلع على عميد الملك وعمل السماط عدة أيام، وخلع على جميع الأمراء، وظهر عليه سرور عظيم، وعقد ضمان بغداد على أبي سعيد القايني بمائة وخمسين ألف دينار، فأعاد ما كان أطلقه رئيس العراقين من المواريث والمكوس، وقبض على الأعرابي سعد، ضامن البصرة، وعقد ضمان واسط على أبي جعفر بن صقالب بمائتي ألف دينار.
ذكر وفاة السلطان طغرلبك
في هذه السنة سار السلطان من بغداد، في ربيع الأول، إلى بلد الجبل، فوصل إلى الري واستصحب معه أرسلان خاتون ابنة أخيه، زوجة الخليفة، لأنها شكت اطراح الخليفة لها، فأخذها معه، فمرض، وتوفي يوم الجمعة ثامن شهر رمضان، وكان عمره سبعين سنة تقريباً، وكان عقيماً لم يلد ولداً.
وكان وزيره الكندري على سبعين فرسخاً، فأتاه الخبر، فسار، ووصل إليه في يومين وهو بعد لم يدفن فدفنه. وجلس له الوزير فخر الدولة بن جهير ببغداد للعزاء.
حكى عنه الكندري أنه قال: رأيت، وأنا بخراسان، في المنام كأنني رفعت إلى السماء، وأنا في ضباب لا أبصر معه شيئاً، غير أني أشم رائحة طيبة، وأنني أنادى: إنك قريب من الباري، جلت قدرته، فاسأل حاجتك لتقضى، فقلت في نفسي: أسأل طول العمر، فقيل: لك سبعون سنة، فقلت: يا رب ما يكفيني، فقيل: لك سبعون سنة، فقلت: يا رب لا يكفيني، فقيل: لك سبعون سنة. فلما مات حسب عميد الملك عمره، على التقريب، فكان سبعين سنة. وكانت مملكته، بحضرة الخلافة، سبع سنين وأحد عشر شهراً واثني عشر يوماً.
وأما الأحوال بالعراق، بعد وفاته، فإنه كتب من ديوان الخلافة إلى شرف الدولة مسلم بن قريش، صاحب الموصل، وإلى نور الدولة دبيس بن مزيد، وإلى هزارسب، وإلى بني ورام، وإلى بدر بن المهلهل، بالاستدعاء إلى بغداد، وأرسل لشرف الدولة تشريف، وعمل أبو سعد القايني، ضامن بغداد، سوراً على قصر عيسى، وجمع الغلات. فانحدر إبراهيم بن شرف الدولة إلى أوانا، وتسلم أصحابه الأنبار، وانتشرت البادية في البلاد، وقطعوا الطرقات. (4/286)
وقدم إلى بغداد دبيس بن مزيد، وخرج الوزير ابن جهير لاستقباله، وقدم أيضاً ورام، وتوفي ببغداد أبو الفتح بن ورام، مقدم الأكراد الجاوانية، فحمل إلى جرجرايا، وفارق شرف الدولة مسلم بغداد، ونهب النواحي، فسار نور الدولة، والأكراد، وبنو خفاجة إلى قتاله.
ثم أرسل إليه من ديوان الخلافة رسول معه خلعة له، وكوتب بالرضاء عنه، وانحدر إليه نور الدولة دبيس، فعمل له شرف الدولة سماطاً كثيراً، وكان في الجماعة الأشرف أبو الحسين بن فخر الملك أبي غالب بن خلف، كان قصد شرف الدولة مستجدياً، فمضغ لقمة، فمات من ساعته.
وحكى عنه بعض من صحبه أنه سمعه ذلك اليوم يقول: اللهم اقبضني، فقد ضجرت من الإضافة! فلما توفي ورفع من السماط خاف شرف الدولة أن يظن من حضر أنه تناول طعاماً مسموماً قصد به غيره، فقال: يا معشر العرب لا برح منكم أحد، ونهض وجلس مكان ابن فخر الملك المتوفي، وجعل يأكل من الطعام الذي بين يديه، فاستحسن الجماعة فعله، وعادوا عنه وخلع على دبيس وولده منصور وعاد إلى حلته.
ولما رأى الناس ببغداد انتشار الأعراب في البلاد ونهبها، حملوا السلاح لقتالهم، وكان ذلك سبباً لكثرة العيارين وانتشار المفسدين.
ذكر شيء من سيرته
كان عاقلاً حليماً من أشد الناس احتمالاً، وأكثرهم كتماناً لسره، ظفر بملطفات كتبها بعض خواصه إلى الملك أبي كاليجار، فلم يطلعه على ذلك، ولا تغير عليه، حتى أظهر بعد مدة طويلة لغيره.
وحكى عنه أقضى القضاة الماوردي قال: لما أرسلني القائم بأمر الله إليه سنة ثلاث وثلاثين كتبت كتاباً إلى بغداد أذكر فيها سيرته وخراب بلاده، وأطعن عليه بكل وجه، فوقع الكتاب من غلامي، فحمل إليه، فوقف عليه وكتمه، ولم يحدثني فيه بشيء، ولا تغير عما كان عليه من إكرامي.
وكان، رحمه الله، يحافظ على الصلوات، ويصوم الاثنين، والخميس، وكان لبسه الثياب البياض، وكان ظلوماً، غشوماً، قاسياً، وكان عسكره يغصبون الناس أموالهم، وأيديهم مطلقة في ذلك نهاراً وليلاً.
وكان كريماً، فمن كرمه أن أخاه إبراهيم ينال أسر من الروم، لما غزاهم، بعض ملوكهم فبذل في نفسه أربعمائة ألف دينار، فلم يقبل إبراهيم منه وحمله إلى طغرلبك، فأرسل ملك الروم إلى نصر الدولة بن مروان حتى خاطب طغرلبك في فكاكه، فلما سمع طغرلبك رسالته أرسل الرومي إلى ابن مروان بغير فداء، وسير معه رجلاً علوياً، فأنفذ ملك الروم إلى طغرلبك ما لم يحمل في الزمان المتقدم، وهو ألف ثوب ديباج، وخمسمائة ثوب أصناف، وخمسمائة رأس من الكراع إلى غير ذلك، وأنفذ مائتي ألف دينار، ومائة لبنة فضة، وثلاثمائة شهري، وثلاثمائة حمار مصرية، وألف عنز بيض الشعور، سود العيون والقرون، وأنفذ إلى ابن مروان عشرة أمناء مسكاً، وعمر ملك الروم الجامع الذي بناه مسلمة بن عبد الملك بالقسطنطينية، وعمر منارته، وعلق فيه القناديل، وجعل في محرابه قوساً ونشابة، وأشاع المهادنة.
ذكر ملك السلطان ألب أرسلان
لما مات السلطان طغرلبك أجلس عميد الملك الكندري في السلطنة سليمان بن داود جغري بك، أخي السلطان طغرلبك، وكان طغرلبك قد عهد إليه بالملك، وكانت والدة سليمان عند طغرلبك، فلما خطب له بالسلطنة اختلف الأمراء، فمضى باغي سيان وأردم إلى قزوين، وخطبا لعضد الدولة ألب أرسلان محمد بن داود جغري بك، وهو حينئذ صاحب خراسان، ومعه نظام الملك وزيره، والناس مائلون إليه.
فلما رأى عميد الملك الكندري انعكاس الحال عليه أمر بالخطبة بالري للسلطان ألب أرسلان، وبعده لأخيه سليمان.
ذكر خروج حمو عن طاعة تميم بن المعز بإفريقية
في هذه السنة خالف حمو بن مليك، صاحب مدينة سفاقس بإفريقية، على الأمير تميم بن المعز بن باديس، فجمع أصحابه، واستعان بالعرب، وسار إلى المهدية، فسمع تميم الخبر، فسار إليه بعساكر ومعه أيضاً طائفة من العرب من زغبة، ورياح، ووصل حمو إلى سلقطة، والتقى الفريقان بها، وكانت بينهما حرب شديدة فانهزم حمو ومن معه، وأخذتهم السيوف، فقتل أكثر حماته وأصحابه، ونجا بنفسه، تفرقت رجاله، وعاد تميم مظفراً منصوراً.
ثم قصد، بعد هذه الحادثة، مدينة سوسة، وكان أهلها قد خالفوا عليه، فملكها، وعفا عنهم وحقن دماءهم.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، في المحرم، قبض بمصر على الوزير أبي الفرج بن المغربي. (4/287)
وفيها دخل الصليحي، صاحب اليمن، إلى مكة مالكاً لها، فأحسن السيرة فيها، وجلب إليها الأقوات، ورفع جور من تقدم، وظهرت منه أفعال جميلة.
وفيها، في ربيع الآخر، انقض كوكب عظيم، له ضوء كثير.
وفيها، في شعبان، كان بالشام زلزلة عظيمة خرب منها كثير من البلاد، وانهدم سور طرابلس.
وفيها ملك أمير الجيوش بدر دمشق للمستنصر، صاحب مصر، فوصل إليها في الثالث والعشرين من ربيع الآخر، وأقام بها، واختلف هو والجند، فثاروا به، ووافقهم العامة، فضعف عنهم، ففارقها في رجب سنة ست وخمسين.
وفيها توفي سعيد بن نصر الدولة بن مروان، صاحب آمد، من ديار بكر، وزهير بن الحسين بن علي أبو نصر الجذامي، الفقيه الشافعي، تفقه على أبي حامد الأسفراييني، وسمع الحديث الكثير ورواه، وكان موته بسرخس.

This site was last updated 07/26/11