Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة422
سنة423 وسنة424 وسنة425
سنة426 وسنة427
سنة428 وسنة429
سنة430 سنة431
سنة432
سنة433
سنة434
سنة435
سنة436 وسنة437 وسنة438
سنة439
سنة440
سنة441
سنة442
سنة443 وسنة444
سنة445 وسنة446
سنة447
سنة448
سنة449 وسنة450
سنة451 وسنة452
سنة453 وسنة454 وسنة455
سنة456
سنة457 وسنة458
من سنة459 إلى سنة462
سنة463 وسنة464 وسنة465
Untitled 4980

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة
ذكر ابتداء الدولة السلجوقية وسياقة أخبارهم متتابعة

في هذه السنة اشتد ملك السلطان طغرلبك محمد وأخيه جغري بك داود ابني ميكائيل بن سلجوق بن تقاق، فنذكر أولاً حال آبائه، ثم نذكر حاله كيف تنقلت حتى صار سلطاناً، على أنني قد ذكرت أكثر أخبارهم متقدمة على السنين، وإنما أوردناها هاهنا مجموعة لترد سياقاً واحداً، فهي أحسن، فأقول: (4/224)
فأما تقاق فمعناه القوس الجديد، وكان شهماً، ذا رأي وتدبير، وكان مقدم الأتراك الغز، ومرجعهم إليه، لا يخالفون له قولاً، ولا يتعدون أمراً. فاتفق يوماً من الأيام أن ملك الترك الذي يقال له بيغو جمع عساكره، وأراد المسير إلى بلاد الإسلام، فنهاه تقاق عن ذلك، وطال الخطاب بينهما فيه فأغلظ له ملك الترك الكلام، فلطمه تقاق فشج رأسه، فأحاط به خدم ملك الترك، وأرادوا أخذه، فمانعهم وقاتلهم، واجتمع معه من أصحابه من منعه، فتفرقوا عنه، ثم صلح الأمر بينهما، واقام تقاق عنده، وولد له سلجوق.
وأما سلجوق فإنه لما كبر ظهرت عليه أمارات النجابة، ومخايل التقدم، فقربه ملك الترك وقدمه، ولقبه سباشي، معناه قائد الجيش، وكانت امرأة الملك تخوفه من سلجوق لما ترى من تقدمه، وطاعة الناس له، والانقياد إليه، وأغرته بقتله، وبالغت في ذلك.
وسمع سلجوق الخبر، فسار بجماعته كلهم ومن يطيعه من دار الحرب إلى ديار الإسلام، وسعد بالإيمان ومجاورة المسلمين، وازداد حاله علواً، وإمرة، وطاعة، وأقام بنواحي جند، وأدام غزو كفار الترك، وكان ملكهم يأخذ الخراج من المسلمين في تلك الديار، وطرد سلجوق عماله منها وصفت للمسلمين.
ثم إن بعض ملوك السامانية كان هارون بن ايلك الخان قد استولى على بعض أطراف بلاده، فأرسل إلى سلجوق يستمده، فأمده بابنه أرسلان في جمع من أصحابه، فقوي بهم الساماني على هارون، واسترد ما أخذه منه، وعاد أرسلان إلى أبيه.
وكان لسلجوق من الأولاد: أرسلان، وميكائيل، وموسى، وتوفي سلجوق بجند، وكان عمره مائة سنة وسبع سنين، ودفن هناك، وبقي أولاده، فغزا ميكائيل بعض بلاد الكفار الأتراك، فقاتل، وباشر القتال بنفسه، فاستشهد في سبيل الله، وخلف من الأولاد: بيغو، وطغرلبك محمداً، وجغري بك، داود، فأطاعهم عشائرهم، ووقفوا عند أمرهم ونهيهم، ونزلوا بالقرب من بخارى على عشرين فرسخاً منها، فخافهم أمير بخارى فأساء جوارهم، وأراد إهلاكهم والإيقاع بهم، فالتجأوا إلى بغراجان ملك تركستان، وأقاموا في بلاده، واحتموا به وامتنعوا، واستقر الأمير بين طغرلبك وأخيه داود أنهما لا يجتمعان عند بغراجان، إنما يحضر عنده أحدهما، ويقيم الآخر في أهله خوفاً من مكر يمكره بهم، فبقوا كذلك.
ثم إن بغراجان اجتهد في اجتماعهما عنده، فلم يفعلا، فقبض على طغرلبك وأسره، فثار داود في عشائره ومن يتبعه، وقصد بغراجان ليخلص أخاه، فأنفذ إليه بغراجان عسكراً، فاقتتلوا، فانهزم عسكر بغراجان وكثر القتل فيهم، وخلض أخاه من الأسر، وانصرفوا إلى جند، وهي قريب بخارى، فأقاموا هناك.
فلما انقرضت دولة السامانية وملك ايلك الخان بخارى عظم محل أرسلان ابن سلجوق عم داود وطغرلبك بما وراء النهر، وكان علي تكين في حبس أرسلان خان، فهرب، وهو أخو ايلك الخان، ولحق ببخارى واستولى عليها، واتفق مع أرسلان بن سلجوق فامتنعا، واستفحل أمرهما، وقصدهما ايلك أخو أرسلان خان، وقاتلهما فهزماه وبقيا ببخارى.
وكان علي تكين يكثر معارضة يمين الدولة محمود بن سبكتكين فيما يجاوره في بلاده، ويقطع الطريق على رسله المترددين إلى ملوك الترك، فلما عبر محمود جيحون، على ما ذكرناه، هرب علي تكين من بخارى، وأما أرسلان بن سلجوق وجماعته فإنهم دخلوا المفازة والرمل، فاحتموا من محمود، فرأى محمود قوة السلجوقية، وما لهم من الشوكة وكثرة العدد، فكاتب أرسلان ابن سلجوق واستماله ورغبه، فورد إليه، فقبض يمين الدولة عليه في الحال، ولم يمهله، وسجنه في قلعة، ونهب خركاهاته، واستشار فيما يفعل بأهله وعشيرته، فأشار أرسلان الجاذب، وهو من أكبر خواص محمود، بأن يقطع أباهمهم لئلا يرموا بالنشاب، أو يغرقوا في جيحون، فقال له: ما أنت إلا قاسي القلب! ثم أمر بهم فعبروا نهر جيحون، ففرقهم في نواحي خراسان، ووضع عليهم الخراج، فجار العمال عليهم، وامتدت الأيدي إلى أموالهم وأولاهم، فانفصل منهم أكثر من ألفي رجل، وساروا إلى كرمان، ومنها إلى أصبهان، وجرى بينهم وبين صاحبها علاء الدولة بن كاكويه حرب قد ذكرناها، فساروا من أصبهان إلى أذربيجان، وهؤلاء جماعة أرسلان. (4/225)
فأما أولاد إخوته فإن علي تكين صاحب بخارى أعمل الحيل في الظفر بهم، فأرسل إلى يوسف بن موسى بن سلجوق، وهو ابن عم طغرلبك محمد وجغري بك داود، ووعده الإحسان، وبالغ في استمالته، وطلب منه الحضور عنده، ففعل، ففوض إليه علي تكين التقدم على جميع الأتراك الذين في ولايته، وأقطعه أقطاعاً كثيرة، ولقب بالأمير اينانج بيغو.
وكان الباعث له على ما فعله به أن يستعين به وبعشيرته وأصحابه على طغرلبك وداود ابني عمه، ويفرق كلمتهم، ويضرب بعضهم ببعض، فعلموا مراده، فلم يطعه يوسف إلى شيء مما أراده، منه، فلما رأى علي تكين أن مكره لم يعمل في يوسف، ولم يبلغ به غرضاً، أمر بقتله، فقتل يوسف، تولى قتله أمير من أمراء علي تكين اسمه الف قرا. فلما قتل عظم ذلك على طغرلبك وأخيه داود وجميع عشائرهما، ولبسوا ثياب الحداد، وجمعا من الأتراك من قدرا على جمعه للأخذ بثأره، وجمع علي تكين أيضاً جيوشه، وسيرها إليهم، فانهزم عسكر علي تكين، وكان قد ولد السلطان ألب أرسلان بن داود أول محرم سنة عشرين وأربعمائة قبل الحرب، فتبركوا به، وتيمنوا بطلعته، وقيل في مولده غير ذلك.
فلما كان سنة إحدى وعشرين قصد طغرلبك وداود ألب قرا الذي قتل يوسف ابن عمهما، فقتلاه، وأوقعا بطائفة من عسكر علي تكين، فقتلا منها نحو ألف رجل، فجمع علي تكين عسكره وقصدهم هو وأولاده ومن حمل السلاح من أصحابه، وتبعهم من أهل البلاد خلق كثير، فقصدوهم من كل جانب، وأوقعوا بهم وقعة عظيمة قتل فيها كثير من عساكر السلجوقية، وأخذت أموالهم وأولادهم، وسبوا كثيراً من نسائهم وذراريهم، فألجأتهم الضرورة إلى العبور إلى خراسان.
فلما عبروا جيحون كتب إليهم خوارزمشاه هارون بن التونتاش يستدعيهم ليتفقوا معه، وتكون أيديهم واحدة. فسار طغرلبك وأخواه داود وبيغو إليه، وخيموا بظاهر خوارزم سنة ست وعشرين ووثقوا به واطمأنوا إليه، فغدر بهم، فوضع عليهم الأمير شاهملك، فكبسهم، ومعه عسكر من هارون، فأكثر القتل فيهم والنهب والسبي، وارتكب من الغدر خطة شنيعة، فساروا عن خوارزم بجموعهم إلى مفازة نسا، قصدوا مرو في هذه السنة أيضاً، ولم يتعرضوا لأحد بشر، وبقي أولادهم وذراريهم في الأسر.
وكان الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين هذه السنة بطبرستان قد ملكها، كما ذكرناه، فراسلوه وطلبوا منه الأمان، وضمنوا أنهم يقصدون الطائفة التي تفسد في بلاده، ويدفعونهم عنها، ويقاتلونهم، ويكونون من أعظم أعوانه وعلى غيرهم. فقبض على الرسل وجهز عسكراً جراراً إليهممع ايلتغدي حاجبه، وغيرهم من الأمراء الأكابر، فساروا إليهم، والتقوا عند نسا في شعبان من السنة، واقتتلوا، وعظم الأمر، وانهزم السلجوقية، وغنمت أموالهم، فجرى بين عسكر مسعود منازعة في الغنيمة أدت إلى القتال.
واتفق في تلك الحال أن السلجوقية لما انهزموا قال لهم داود: إن العسكر الآن قد نزلوا، واطمأنوا، وأمنوا الطلب، والرأي أن نقصدهم لعلنا نبلغ منهم غرضاً. فعادوا فوصلوا إليهم وهم على تلك الحال من الاختلاف، وقتال بعضهم بعضاً، فأوقعوا بهم، وقتلوا منهم وأسروا، واستردوا ما أخذوا من أموالهم ورجالهم، وعاد المنهزمون من العسكر إلى الملك مسعود، وهو بنيسابور، فندم على رده طاعتهم، وعلم أن هيبتهم قد تمكنت من قلوب عساكره، وأنهم قد طمعوا بهذه الهزيمة، وتجرأوا على قتال العساكر السلطانية بعد الخوف الشديد، وخاف من أخوات هذه الحادثة، فأرسل إليهم يتهددهم ويتوعدهم، فقال طغرلبك لإمام صلاته: اكتب إلى السلطان " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير " ، ولا تزد على هذا. (4/226)
فكتب ما قال، فلما ورد الكتاب على مسعود أمر فكتب إليهم كتاب مملوء من المواعيد الجميلة، وسير معه الخلع النفيسة، وأمرهم بالرحيل إلى آمل الشط، وهي مدينة على جيحون، ونهاهم عن الشر والفساد، وأقطع دهستان لداود، ونسا لطغرلبك، وفراوة لبيغو، ولقب مل واحد منهم بالدهقان. فاستخفوا بالرسول والخلع، وقالوا للرسول: لو علمنا أن السلطان يبقي علينا، إذا قدر، لأطعناه، ولكنا نعلم أنه متى ظفر بنا أهلكنا لما عملناه وأسلفناه، فنحن لا نطيعه، ولا نثق به. وأفسدوا، ثم كفوا، وتركوا ذلك، فقالوا: إن كان لنا قدرة على الانتصاف من السلطان، وإلا فلا حاجة بنا إلى إهلاك العالم، ونهب أموالهم، وأرسلوا إلى مسعود يخادعونه بإظهار الطاعة له، والكف عن الشر، ويسألونه أن يطلق عمهم أرسلان بن سلجوق من الحبس، فأجابهم إلى ذلك، فأحضره عنده ببلخ، وأمره بمراسلة بني أخيه بيغو، وطغرلبك، وداود يأمرهم بالاستقامة، والكف عن الشر، فأرسل إليهم رسولاً يأمرهم بذلك، وأرسل معه إشفى، وأمره بتسليمه إليهم، فلما وصل الرسول وأدى الرسالة وسلم إليهم الإشفى نفروا واستوحشوا، وعادوا إلى أمرهم الأول في الغارة والشر، فأعاده مسعود إلى محبسه، وسار إلى غزنة، فقصد السلجوقية بلخ ونيسابور وطوس وجوزجان، على ما ذكرناه.
وأقام داود بمدينة مرو، وانهزمت عساكر السلطان مسعود منهم مرة بعد مرة، واستولى الرعب على أصحابه، لاسيما مع بعده إلى غزنة، فتوالت كتب نوابه وعماله إليه يستغيثون به، ويشكون إليه، ويذكرون ما يفعل السلجوقية في البلاد، وهو لا يجيبهم، ولا يتوجه إليهم، وأعرض عن خراسان والسلجوقية، واشتغل بأمور بلاد الهند.
فلما اشتد أمره بخراسان وعظمت حالهم اجتمع وزراء مسعود وأرباب الرأي في دولته، وقالوا له: إن قلة المبالاة بخراسان من أعظم سعادة السلجوقية، وبها يملكون البلاد، ويستقيم لهم الملك، ونحن نعلم، وكل عاقل، أنهم إذا تركوا على هذه الحال استولوا على خراسان سريعاً، ثم ساروا منها إلى غزنة، وحينئذ لا ينفعنا حركاتنا، ولا نتمكن من البطالة والاشتغال باللعب واللهو والطرب. فاستيقظ من رقدته، وأبصر رشده بعد غفلته، وجهز العساكر الكثيرة مع أكبر أمير عنده يعرف بسباشي، وكان حاجبه، وقد سيره قبل إلى الغز العراقية، وقد تقدم ذكر ذلك، وسير معه أميراً كبيراً اسمه مرداويج ابن بشو.
وكان سباشي جباناً، فأقام بهراة ونيسابور، ثم أغار بغتة على مرو، وبها داود، فسار مجداً، فوصل إليها في ثلاثة أيام، فأصاب جيوشه ودوابه التعب والكلال، فانهزم داود بين يديه، ولحقه العسكر، فحمل عليه صاحب جوزجان، فقاتله داود، فقتل صاحب جوزجان وانهزمت عساكره، فعظم قتله على سباشي وكل من معه، ووقعت عليهم الذلة، وقويت نفوس السلجوقية، وزاد طمعهم.
وعاد داود إلى مرو، فأحسن السيرة في أهلها، وخطب له فيها أول جمعة في رجب سنة ثمان وعشرين واربعمائة، ولقب في الخطبة بملك الملوك، وسباشي يمادي الأيام، ويرحل من منزل إلى منزل، والسلجوقية يراوغونه مراوغة الثعلب، فقيل إنه كان يفعل ذلك جبناً وخوراً، وقيل بل راسله السلجوقية واستمالوه ورغبوه، فنفس عنهم، وتراخى في تتبعهم، والله أعلم.
ولما طال مقام سباشي وعساكره والسلجوقية بخراسان، والبلاد منهوبة، والدماء مسفوكة، قلت الميرة والأقوات على العساكر خاصة. فأما السلجوقية فلا يبالون بذلك لأنهم يقنعون بالقليل، فاضطر سباشي إلى مباشرة الحرب وترك المحاجزة، فسار إلى داود، وتقدم داود إليه، فالتقوا في شعبان سنة ثمان وعشرين على باب سرخس. ولداود منجم يقال له الصومعي، فأشار على داود بالقتال، وضمن له الظفر، وأشهد على نفسه انه إن أخطأ فدمه مباح له، فاقتتل العسكران، فلم يثبت عسكر سباشي وانهزموا أقبح هزيمة، وساروا أخزى مسير إلى هراة، فتبعهم داود وعسكره إلى طوس يأخذونهم باليد، وكفوا عن القتل، وغنموا أموالهم، فكانت هذه الوقعة هي التي ملك السلجوقية بعدها خراسان، ودخلوا قصبات البلاد، فدخل طغرلبك نيسابور، وسكن الشاذياخ، وخطب له فيها في شعبان بالسلطان المعظم، وفرقوا النواب في النواحي. (4/227)
وسار داود إلى هراة، ففارقها سباشي ومضى إلى غزنة، فعاتبه مسعود وحجبه، وقال له: ضيعت العساكر وطاولت الأيام، حتى قوي أمر العدو وصفا لهم مشربهم، وتمكنوا من البلاد ما أرادوا، فاعتذر بأن القوم تفرقوا ثلاث فرق كلما تبعت فرقة سارت بين يدي، وخلفي الفريقان في البلاد يفعلون ما أرادوا، فاضطر مسعود إلى المسير إلى خراسان، فجمع العساكر وفرق فيهم الأموال العظيمة، وسار عن غزنة في جيوش يضيق بها الفضاء، ومعه من الفيلة عدد كثير، فوصل إلى بلخ وقصده داود إليها أيضاً، ونزل قريباً منها، فدخلها يوماً جريدة في طائفة يسيره على حين غفلة من العساكر، فأخذ الفيل الكبير الذي على باب دار الملك مسعود، وأخذ معه عدة جنائب، فعظم قدره في النفوس، وازداد العسكر هيبة له.
ثم سار مسعود من بلخ أول شهر رمضان سنة تسع وعشرين وأربعمائة، ومعه مائة ألف فارس سوى الأتباع، وسار على جوزجان، فأخذ واليها الذي كان بها للسلجوقية، فصلبه وسار منها فوصل إلى مرو الشاهجان، وسار داود إلى سرخس، واجتمع هو وأخوه طغرلبك وبيغو، فأرسل مضمون رسالته: إنا لا نثق بمصالحتك، بعد ما فعلنا هذه الأفعال التي سخطتها كل فعل منها موبق مهلك، وآيسوه من الصلح، فسار مسعود من مرو إلى هراة، وقصد داود مرو، فامتنع أهلها عليه، فحصرها سبعة أشهر، وضيق عليهم، وألح في قتالهم فملكها.
فلما سمع مسعود هذا الخبر سقط في يده، وسار من هراة إلى نيسابور، ثم منها إلى سرخس، وكلما تبع السلجوقية إلى مكان ساروا منه إلى غيره، ولم يزل كذلك، فأدركهم الشتاء، فأقاموا بنيسابور ينتظرون الربيع. فلما جاء الربيع كان الملك مسعود مشغولاً بلهوه وشربه، فتقضى الربيع والأمر كذلك، فلما جاء الصيف عاتبه وزراؤه وخواصه على إهماله أمر عدوه، فسار من نيسابور إلى مرو يطلب السلجوقية، فدخلوا البرية، فدخلها وراءهم مرحلتين والعسكر الذي له قد ضجروا من طول سفرهم وبيكارهم، وسئموا الشد والترحل، فإنهم كان لهم في السفر نحو ثلاث سنين، بعضها مع سباشي، وبعضها مع الملك مسعود، فلما دخلوا البرية نزل منزلاً قليل الماء، والحر شديد، فلم يكف الماء للسلطان وحواشيه.
وكان داود في معظم السلجوقية بإزائه، وغيره من عشرته مقابل ساقة عساكره، يتخطفون من تخلف منهم. فاتفق لما يريده الله تعالى أن حواشي مسعود اختصموا هم وجمع من العسكر على الماء وازدحموا، وجرى بينهم فتنة، حتى صار بعضهم يقاتل بعضاً، وبعضهم نهب بعضاً، فاستوحش لذلك أمر العسكر، ومشى بعضهم إلى بعض في التخلي عن مسعود، فعلم داود ما هم فيه من الاختلاف، فتقدم إليهم وحمل عليهم، وهم في ذلك التنازع، والقتال، والنهب، فولوا منهزمين لا يلوي أول على آخر، وكثر القتل فيهم، والسلطان مسعود ووزيره يناديانهم، ويأمرانهم بالعود، فلا يرجعون، وتمت الهزيمة على العسكر، وثبت مسعود، فقيل له: ما تنتظر وقد فارقك أصحابك، وأنت في برية مهلكة، وبين يديك عدو، وخلفك عدو، ولا وجه للمقام. فمضى منهزماً ومعه نحو مائة فارس، فتبعه فارس من السلجوقية، فعطف عليه مسعود فقتله، وصار لا يقف على شيء، حتى أتى غرشستان.
وأما السلجوقية فإنهم غنموا من العسكر المسعودي ما لا يدخل تحت الإحصاء، وقسمه داود على أصحابه، وآثرهم على نفسه، ونزل في سرادق مسعود، وقعد على كرسيه، ولم ينزل عسكره ثلاثة أيام عن ظهور دوابهم لا يفارقونها إلا لما لا بد لهم منه من مأكول ومشروب وغير ذلك، خوفاً من عود العسكر، وأطلق الأسرى، وأطلق خراج سنة كاملة، وسار طغرلبك إلى نيسابور، فملكها ودخل إليها آخر سنة إحدى وثلاثين وأول سنة اثنتين وثلاثين، ونهب أصحابه الناس، فقيل عنه إنه رأى لوزينجاً فأكله وقال: هذا قطماج طيب، إلا أنه لا ثوم فيه، ورأى الغز الكافور فظنوه ملحاً، وقالوا: هذا ملح مر، ونقل عنهم أشياء من هذا كثير.
وكان العيارون قد عظم ضررهم، واشتد أمرهم، وزادت البلية بهم على أهل نيسابور، فهم ينهبون الأموال، ويقتلون النفوس، ويرتكبون الفروج الحرام، ويفعلون كل ما يريدونه لا يردعهم عن ذلك رادع، ولا يزجرهم زاجر، فلما دخل طغرلبك البلد خافه العيارون، وكفوا عما كانوا يفعلونه، وسكن الناس واطمأنوا. (4/228)
واستولى السلجوقية حينئذ على جميع البلاد، فسار بيغو إلى هراة فدخلها، وسار داود إلى بلخ، وبها التونتاق الحاجب والياً عليها لمسعود، فأرسل إليه داود بطلب منه تسليم البلد إليه، ويعرفه عجز صاحبه عن نصرته، فسجن التونتاق الرسل، فنازله داود، وحصر المدينة، فأرسل التونتاق إلى مسعود وهو بغزنة، يعرفه الحال وما هو فيه من ضيق الحصار، فجهز مسعود العساكر الكثيرة وسيرها، فجاءت طائفة منهم إلى الرخح، وبها جمع من السلجوقية، فقاتلوهم، فانهزم السلجوقية وقتل منهم ثمانمائة رجل، وأسر كثير، وخلا ذلك الصقع منهم.
وسار طائفة منهم إلى هراة، وبها بيغو، فقاتلوه ودفعوه عنها، ثم إن مسعوداً سير ولده مودوداً في عسكر كثير مدداً لهذهالعساكر، فقتل مسعود وهو بخراسان، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، فساروا عن غزنة سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، فلما قاربوا بلخ سير داود طائفة من عسكره، فأوقعوا بطلائع مودود، وانهزمت الطلائع، وتبعهم عسكر داود، فلما أحس به معسكر مودود رجعوا إلى ورائهم، وأقاموا، فلما سمع التونتاق صلحب بلخ الخبر أطاع داود، وسلم إليه البلد، ووطيء بساطه.
ذكر قبض السلطان مسعود وقتله وملك أخيه محمد
قد ذكرنا عود مسعود بن محمود بن سبكتكين إلى غزنة من خراسان، فوصلها في شوال سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة ، وقبض على سباشي وغيره من الأمراء، كما ذكرناه، وأثبت غيرهم، وسير ولده مودوداً إلى خراسان في جيش كثيف ليمنع السلجوقية عنها، فسار مودود إلى بلخ ليرد عنها داود أخا طغرلبك، وجعل أبوه مسعود مع وزيره أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد الصمد يدبر الأمور، وكان مسيرهم من غزنة في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين.
وسار مسعود بعدهم بسبعة أيام يريد بلاد الهند ليشتوا بها، على عادة والده، فلما سار أخذ معه أخاه محمداً مسمولاً، واستصحب الخزائن، وكان عازماً على الاستنجاد بالهند على قتال السلجوقية ثقة بعهودهم. فلما عبر سيحون، وهو نهر كبير، نحو دجلة، وعبر بعض الخزائن اجتمع أنوشتكين البلخي وجمع من الغلمان الدارية ونهبوا ما تخلف من الخزانة، وأقاموا أخاه محمداً ثالث عشر ربيع الآخر، وسلموا عليه بالإمارة، فامتنع من قبول ذلك، فتهددوه وأكرهوه، فأجاب وبقي مسعود فيمن معه من العسكر وحفظ نفسه، فالتقى الجمعان منتصف ربيع الآخر، فاقتتلوا، وعظم الخطب على الطائفتين، ثم انهزم عسكر مسعود، وتحصن هو في رباط ماريكلة، فحصره أخوه، فامتنع عليه، فقالت له أمه: إن مكانك لا يعصمك، ولأن تخرج إليهم بعهد خير من أن يأخوك قهراً. فخرج إليهم، فقبضوا عليه، فقال له أخوه محمد: والله لا قابلتك على فعلك بي، ولا عاملتك إلا بالجميل، فانظر أين تريد أن تقيم حتى أحملك إليه ومعك أولادك وحرمك. فاختار قلعة كيكي، فأنفذه إليها محفوظاً، وأمر بإكرامه وصيانته.
وأرسل مسعود إلى أخيه يطلب منه مالاً ينفقه، فأنفذ له خمسمائة درهم، فبكى مسعود وقال: كان بالأمس حكمي على ثلاثة آلاف حمل من الخزائن، واليوم لا أملك الدرهم الفرد، فأعطاه الرسول من ماله ألف دينار فقبلها، وكانت سبب سعادة الرسول، لأنه لما ملك مودود بن مسعود بالغ في الإحسان إليه.
ثم إن محمداً فوض أمر دولته إلى ولده أحمد، وكان فيه خبط وهوج، فاتفق هو وابن عمه يوسف بن سبكتكين وابن علي خويشاوند على قتل مسعود ليصفو الملك له ولوالده، فدخل إلى أبيه، فطلب خاتمه ليختم به بعض الخزائن، فأعطاه، فسار به إلى القلعة، وأعطوا الخاتم لمستحفظها، وقالوا: معنا رسالة إلى مسعود، فأدخلهم إليه فقتلوه، فلما علم محمد بذلك ساءه، وشق عليه، وأنكره.
وقيل إن مسعوداً لما حبس دخل عليه ولدا أخيه محمد، واسم أحدهما عبد الرحمن، والآخر عبد الرحيم، فمد عبد الرحمن يده فأخذ القلنسوة من رأس عمه مسعود، فمد عبد الرحيم يده وأخذ القلنسوة من أخيه، وأنكر عليه ذلك، وسبه، وقبلها، وتركها على رأس عمه، فنجا بذلك عبد الرحيم من القتل والأسر لما ملك مودود بن مسعود، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ثم إن محمداً أغراه ولده أحمد بقتل عمه مسعود، فأمر بذلك، وأرسل إليه من قتله وألقاه في بئر وسد رأسها، وقيل بلى ألقي في بئر حياً وسد رأسها فمات، والله أعلم. (4/229)
فلما مات كتب محمد إلى ابن أخيه مودود، وهو بخراسان، يقول: إن والدك قتل قصاصاً، قتله أولاد أحمد ينالتكين بلا رضا مني، فأجاب مودود يقول: أطال الله بقاء الأمير العم، ورزق ولده المعتوه أحمد عقلاً يعيش به، فقد ركب أمراً عظيماً، وأقدم على إراقة دم ملك مثل والدي الذي لقبه أمير المؤمنين سيد الملوك والسلاطين، وستعلمون في أي حتف تورطتم، وأي شر تأبطتم " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .
نفلق هاماً من رجال أعزة ... علينا، وهم كانوا أعق وأظلما
وطمع جند محمد فيه، وزالت عنهم هيبته، فمدوا أيديهم إلى أموال الرعايا فنهبوها، فخربت البلاد، وجلا أهلها، لاسيما مدينة برشاوور فإنها هلك أهلها، ونهبت أموالهم، وكان المملوك بها يباع بدينار، وتباع الخمر كل منا بدينار، ثم رحل محمد عنها لليلتين بقيتا من رجب، وكان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
وكان السلطان مسعود شجاعاً كريماً، ذا فضائل كثيرة، محباً للعلماء، كثير الإحسان إليهم، والتقرب لهم، صنفوا له التصانيف الكثيرة في فنون العلوم، وكان كثير الصدقة والإحسان إلى أهل الحاجة، تصدق مرة في شهر رمضان بألف ألف درهم، وأكثر الإدرارات والصلاة، وعمر كثيراً من المساجد في ممالكه، وكانت صنائعه ظاهرة مشهورة، تسير بها الركبان مع عفة عن أموال رعاياه، وأجاز الشعراء بجوائز عظيمة، أعطى شامراً على قصيدته ألف دينار، وأعطى آخر بكل بيت ألف درهم، وكان يكتب خطاً حسناً، وكان ملكه عظيماً، فسيحاً، ملك أصبهان والري وهمذان وما يليها من البلاد، وملك طبرستان وجرجان وخراسان وخوارزم وبلاد الروان وكرمان وسجستان والسند والرخج وغزنة، وبلاد الغور والهند، وملك كثيراً منها، وأطاعه أهل البر والبحر، ومناقبه كثيرة، وقد صنفت فيها التصانيف المشهورة، فلا حاجة إلى الإطالة بذكرها.
ذكر ملك مودود بن مسعود وقتله عمه محمداً
لما قتل الملك مسعود وصل الخبر إلى ابنه مودود، وهو بخراسان، فعاد مجداً في عساكره إلى غزنة فتصاف هو وعمه محمد في ثالث شعبان، فانهزم محمد وعسكره وقبض عليه وعلى ولده أحمد، وأنوشتكين الخصي البلخي، وابن علي خويشاوند، فقتلهم، وقتل أولاد عمه جميعهم، إلا عبد الرحيم لإنكاره على أخيه عبد الرحمن ما فعله بعمه مسعود، وبنى موضع الوقعة قرية ورباطاً، وسماها فتح آباذ، وقتل كل من له في القبض على والده صنع، وعاد إلى غزنة فدخلها في ثالث وعشرين شعبان سنة اثنتين وثلاثين، واستوزر أبا نصر وزير أبيه، وأظهر العدل وحسن السيرة، وسلك سيرة جده محمود.
وكان داود أخو طغرلبك قد ملك مدينة بلخ، واستباحها، كما ذكرناه، ومودود مقابله، فتجدد قتل مسعود، فعاد ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فلما تجدد هذا الظفر لمودود ثار أهل هراة بمن عندهم من الغز السلجوقية، فأخرجوهم وحفظوها لمودود، واستقر الأمر لمودود بغزنة، ولم يبق له هم إلا أمر أخيه مجدود، فإن أباه قد سيره إلى الهند سنة ست وعشرين، فخاف أن يخالف عليه، فأتاه خبره أنه قصد لهاوور، وملتان، فملكهما، وأخذ الأموال، وجمع بها العساكر، وأظهر الخلاف على أخيه، فندب إليد مودود جيشاً ليمنعوه ويقاتلوه، وعرض مجدود عسكره للمسير، وحضر عيد الأضحى، فبقي بعده ثلاثة أيام، وأصبح ميتاً بلهاوور لا يدري كيف كان موته، وأطاعت البلاد بأسرها مودوداً، ورست قدمه، وثبت ملكه، ولما سمعت الغز السلجوقية ذلك خافوه، واستشعروا منه، وراسله ملك الترك بما وراء النهر بالانقياد والمتابعة.
ذكر الخلف بين جلال الدولة وقرواش صاحب الموصل
في هذه السنة اختلف جلال الدولة، ملك العراق، وقرواش بن المقلد العقيلي، صاحب الموصل.
وكان سبب ذلك أن قرواشاً كان قد أنفذ عسكراً سنة إحدى وثلاثين فحصروا خميس بن ثعلب بتكريت، وجرى بين الطائفتين حرب شديدة في ذي القعدة منها، فأرسل خميس ولده إلى الملك جلال الدولة، وبذل بذولاً كثيرة ليكف عنه قرواشاً، فأجابه إلى ذلك، وأرسل إلى قرواش يأمره بالكف عنه، فغالط ولم يفعل، وسار بنفسه ونزل عليه يحاصره، فتأثر جلال الدولة منه. (4/230)
ثم إنه أرسل كتباً إلى الأتراك ببغداد يفسدهم، وأشار عليهم بالشغب على الملك وإثارة الفتنة معه، فوصل خبرها إلى جلال الدولة، وأشياء أخر كانت هذه هي الأصل، فأرسل جلال الدولة أبا الحارث أرسلان البساسيري في صفر من سنة اثنتين وثلاثين ليقبض على نائب قرواش بالسندية، فسار ومعه جماعة من الأتراك، وتبعه جمع من العرب، فرأى في طريقه جمالاً لبني عيسى، فتسرع إليها الأتراك والعرب فأخذوا منها قطعة، وأوغل الأتراك في الطلب.
وبلغ الخبر إلى العرب، وركبوا وتبعوا الأتراك، وجرى بين الطائفتين حرب انهزم فيها الأتراك، وأسر منهم جماعة، وعاد المنهزمون فأخبروا البساسيري بكثرة العرب، فعاد ولم يصل إلى مقصده.
وسار طائفة من بني عيسى، فكمنوا بين صرصر وبغداد ليفسدوا في السواد، فاتفق أن وصل بعض أكابر القواد الأتراك، فخرجوا عليه فقتلوه وجماعة من أصحابه، وحملوا إلى بغداد، فارتج البلد، واستحكمت الوحشة مع معتمد الدولة قرواش، فجمع جلال الدولة العساكر وسار إلى الأنبار، وهي لقرواش، على عزم أخذها منه، وغيرها من أقطاعه بالعراق، فلما وصلوا إلى الأنبار أغلقت، وقاتلهم أصحاب قرواش، وسار قرواش من تكريت إلى خصة على عزم القتال، فلما نزل الملك جلال الدولة على الأنبار قلت عليهم العلوفة، فسار جماعة من العسكر والعرب إلى الحديثة ليمتاروا منها، فخرج عليهم عندها جمع كثير من العرب، فأوقعوا بهم، فانهزم بعضهم وعادوا إلى العسكر، ونهبت العرب ما معهم من الدواب التي تحمل الميرة، وبقي المرشد أبو الوفاء وهو المقدم على العسكر الذين ساروا لإحضار الميرة وثبت معه جماعة.
ووصل الخبر إلى جلال الدولة أن المرشد أبا الوفاء يقاتل، وأخبر سلامته وصبره للعرب، وأنهم يقاتلونه وهو يطلب النجدة، فسار الملك إليه بعسكر، فوصلوا، وقد عجز العرب عن الوصول إليه، وعادوا عنه بعد أن حملوا عليه وعلى من معه عدة حملات صبر لها في قلة من معه. ثم اختلف عقيل على قرواش، فراسل جلال الدولة، وطلب رضاه، وبذل له بذلاً أصلحه به، وعاد إلى طاعته، فتحالفا، وعاد كل إلى مكانه.
ذكر ملك أبي الشوك دقوقا
كانت دقوقا لأبي الماجد المهلهل بن محمد بن عناز، فسير إليها أخوه حسام الدولة أبو الشوك ولده سعدي، فحصرها، فقاتله من بها.
ثم سار أبو الشوك إليها، فجد في حصارها ونقب سورها ودخلها عنوة، ونهب أصحابه بعض البلد، وأخذوا سلاح الأكراد وثيابهم، وأقام حسام الدولة بالبلد ليلة، وعاد خوفاً على البندنيجين وحلوان، فإن أخاه سرخاب ابن محمد بن عناز كان قد أغار على عدة مواضع من ولايته، وحالف أبا الفتح ابن ورام والجاوانية عليه ، فأشفق من ذلك، وأرسل إلى جلالة الدولة يطلبمنه نجدة، فسير إليه عسكراً امتنع بهم.
ذكر الحرب بين عسكر مصر والروم
في هذه السنة كانت الوقعة بين عسكر المصريين سيره الدزبري وبين الروم، فظفر المسلمون.
وكان سبب ذلك أن ملك الروم قد هادنه المستنصر بالله العلوي، صاحب مصر، على ما ذكرناه. فلما كان الآن شرع يراسل ابن صالح بن مرداس ويستميله، وراسله قبله صالح ليتقوى به على الدزبري، خوفاً أن يأخذ منه الرقة، فبلغ ذلك الدزبري فتهدد ابن صالح فاعتذر وجحد.
ثم إن جمعاً من بني جعفر بن كلاب دخلوا ولاية أفامية، فعاثوا فيها، ونهبوا عدة قرى، فخرج عليهم جمع من الروم فقاتلوهم وأوقعوا بهم، ونكلوا فيهم، وأزالوهم عن بلادهم.
وبلغ ذلك الناظر بحلب، فأخرج من بها من تجار الفرنج، وأرسل إلى المتولي بأنطاكية يأمره بإخراج من عندهم من تجار المسلمين، فأغلظ للرسول، وأراد قتله، ثم تركه، فأرسل الناظر بحلب إلى الدزبري يعرفه الحال، وأن القوم على التجهز لقصد البلاد، فجهز الدزبري جيشاً وسيره على مقدمته، فاتفق أنهم لقوا جيشاً للروم وقد خرجوا لمثل ما خرج إليه هؤلاء، والتقى الفريقان بين مدينة حماة وأفامية واشتد القتال بينهم، ثم إن الله نصر المسلمين، وأذل الكافرين، فانهزموا وقتل منهم عدة كثيرة، وأسر ابن عم للملك، بذلوا في فدائه مالاً جزيلاً، وعدة وافرة من أسراء المسلمين، وانكف الروم عن الأذى بعدها.
ذكر الخلف بين المعز وبني حماد (4/231)
في هذه السنة خالف أولاد حماد على المعز بن باديس، صاحب إفريقية، وعادوا إلى ما كانوا عليه من العصيان والخلاف عليه، فسار إليه المعز، وجمع العساكر وحشدها، وحصر قلعتهم المعروفة بقلعة حماد، وضيق عليهم، وأقام عليهم نحو سنتين.
ذكر صلح أبي الشوك وعلاء الدولة
وفيها سار مهلهل أخو أبي الشوك إلى علاء الدولة بن كاكويه، واستصرخه، واستعان به على أخيه أبي الشوك، فسار معه، فلما بلغ قرميسين رجع أبو الشوك إلى حلوان، فعرف علاء الدولة رجوعه، فسار يتبعه، حتى بلغ المرج، وقرب من أبي الشوك، فعزم أبو الشوك على قصد قلعة السيروان والتحصن بها، ثم تجلد، وأرسل إلى علاء الدولة: إنني لم أنصرف من بين يديك إلا مراقبة لك، وإعظاماً لقدرك، واستعطافاً لك، فإذا اضطررتني إلى ما لا أجد بداً منه كان الغدر قائماً لي فيه، فإن ظفرت بك طمع فيك الأعداء، وإن ظفرت بي سلمت قلاعي وبلادي إلى الملك جلال الدولة. فأجابه علاء الدولة إلى الصلح على أن يكون له الدينور، وعاد فلحقه المرض في طريقه وتوفي، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة كان بإفريقية غلاء شديد، وسببه عدم الأمطار، فسميت سنة الغبار، ودام ذلك إلى سنة أربع وثلاثين، فخرج الناس فاستسقوا.
وفيها توفي أمير الغز العراقية بالري، ودفن بناحية من أعمالها.
وفيها توفي صاعد بن محمد أبو العلاء النيسابوري ثم الاستوائي، قاضي نيسابور، وكان عالماً فقيهاً، حنفياً، انتهت إليه رئاسة الحنفية بخراسان.

This site was last updated 07/26/11