Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

 سنة سبعين

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
الخليفة عبد الملك بن مروان والبذخ
الخوارج والخليفة عبد الملك
سنة ست وستين
سنة سبع وستين
سنة ثمان وستين
سنة تسع وستين
سنة سبعين
سنة إحدى وسبعين
سنة اثنتين وسبعين
سنة ثلاث وسبعين
سنة أربع وسبعين
سنة خمس وسبعين
سنة ست وسبعين
سنة سبع وسبعين
سنة 78 و 79
سنة ثمانين
سنة إحدى وثمانين
سنة اثنتين وثمانين
سنة ثلاث وثمانين
سنة أربع وثمانين
سنة 86 وفاة عبد الملك

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

الجزء الثالث

ثم دخلت سنة سبعين
في هذه السنة اجتمعت الروم واستجاشوا على من بالشام، فصالح عبد الملك ملكهم على أن يؤدي إليه كل جمعة ألف دينار خوفاً منه على المسلمين.
وفيها شخص مصعب إلى مكة، في قول بعضهم، ومعه أموال كثيرة ودواب كثيرة قسمها في قومه وغيرهم ونهض ونحر بدناً كثيرة.
وحج بالناس هذه السنة عبد الله بن الزبير، وكان عماله فيها من تقدم ذكرهم.
ذكر يوم الجفرة [ج3 (2/257)]

وفي هذه السنة سار عبد الملك بن مروان يريد مصعباً، فقال له خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد: إن وجهتني إلى البصرة وأتبعتني خيلاً يسيرة رجوت أن أغلب لك علها. فوجهه عبد الملك، فقدمها مستخفياً في خاصته حتى نزل على عمرو بن أصمع، وقيل: نزل على علي بن أصمع الباهلي، فأرسل عمرو إلى عباد بن الحصين، وهو على شرطة ابن معمر، وكان مصعب قد استخلفه على البصرة، ورجا ابن أصمع أن يبايعه عباد بن الحصين وقال له: إني قد أجرت خالداً وأحببت أن تعلم ذلك لتكون ظهراً لي. فوافاه الرسول حين نزل عن فرسه، فقال عباد: قل له والله لا أضع لبد فرسي حتى آتيك في الخيل. فقال ابن أصمع لخاد: إن عباداً يأتينا الساعة ولا أقدر أن أمنعك عنه فعليك بالمالك بن مسمع.
فخرج خالد يركض وقد أخرج رجليه من الركابين حتى أتى مالكاً فقال: أجرني، فأجاره، وأرسل إلى بكر بن وائل والأزد فكل أول راية أتته راية بني يشكر، وأقبل عباد في الخيل، فتوافقوا ولم يكن بينهم قتال.
فلما كان الغد عدوا إلى جفرة نافع بن الحارث ومع خالد رجال من تميم، منهم: صعصعة بن معاوية وعدب العزيز بن بشر ومرة بن محكان وغيرهم، وكان أصحاب خالد: جفرية ينتسبون إلى الجفرة، وأصحاب ابن معمر زبيرية، وكان من أصحاب خالد: عبيد الله بن أبي بكرة وحمران بن أبان والمغيرة بن المهلب، ومن الزبيرية: قيس بن الهيثم السلمي.
ووجه مصعب زحر بن قيس الجعفي مدداّ لا بن مهمر في ألف، ووجه عبد الملك عبيد الله بن زياد بن ظبيان مدداً لخالد. فأرسل عبيد الله إلى البصرة من يأتيه بالخير، فعاد إليه فأخبره بتفرق القوم، فرجع إلى عبد الملك. فاقتلوا أربعة وعشرين يوماً وأصيبت عين مالك بن مسمع وضجر من الحرب ومشت بينهم السفراء فاصطلحوا على أن يخرج خالد من البصرة، فأخرجه مالك.
ثم لحق مالك بثأج، وكان عبد الملك قدر جع إلى دمشق، فلم يكن لمعصب همة إلا البصرة وطمع أن يدرك بها خالداً فوجده قد خرج، وسخط مصعب على ابن معمر وأحضر أصحاب خالد فشتمهم وسبهم، فقال لعبيد الله بن أبي بكرة: يا ابن مسروح إنما أنت أبن كلبة تعاورها الكلاب فجاءت بأحمر وأصفر وأسود من كل كلب بما يشبهه، وإنما كان أبوك عبداً نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من حصن الطائف ثم ادعيتم أن أبا سفيان زنى بأمكم، ووالله لئن بقيت لأ لحقنكم بنسبكم. ثم دعا حمران فقال له: إما أنت ابن يهويدة علج نبطي سبيت من عين التمر. وقال للحكم بن المنذر بن الجارود ولعبد الله بن فضالة الزهراني ولعلي بن أصمع ولعبد العزيز بن بشر وغيرهم نحو هذا من التوبيخ والتقريع، وضربهم مائةً مائة، وحلق رؤوسهم ولحاهم، وهدم دورهم وصدرهم في الشمس ثلاثاً، وحملهم على طلاق نسائهم، وجمر أولادهم في البعوث، وطاف بهم في أقطار البصرة وأحلفهم أن لا ينكحوا الحرائر، وهم دار مالك بن مسمع وأخذ ما فيها، فكان مما أخذ جارية ولدت له عمرو بن مصعب.
وأقام مصعب بالبصرة، ثم شخص إلى الكوفة فلم يزل بها حتى خرج إلى حرب عبد الملك بن مروان.
والمغيرة بضم الميم، وبالغين، والراء. خالد بن أسيد بفتح الهمزة، وكسر السين. والجفرة بضم الجيم، وسكون الراء.
وفي هذه السنة مات عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو حد عمر بن عبد العزيز لأمه وولد قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم ، بسنتين.
ذكر مقتل عمير بن الحباب بن جعدة السلمي
في هذه السنة قتل عمير بن الحباب بن جعدة السلمي، ونحن نذكر سبب الحرب بين قيس وتغلب حتى آل الأمر إلى قتل عمير.
وكان سبب ذلك أنه لما اقضى أمر مرج راهط وسار زفر الحارث الكلائي إلى قرقيسيا، على ما ذكرناه، وبايع عمير مروان بن الحكم وفي نفسه ما فيها بسبب قتل قيس لمارج، فلما سير مروان بن الحكم عبيد الله بن زياد إلى الجزيرة والعراق كان عمير معه فلقوا سليمان بن صرد بعين الوردة، وسار عبيد الله إلى قرقيسيا لقتال زفر، فثبطه عمير وأشار بالخازر، فمال عمير معه، فانهزم جيش عبيد الله وقتل هو، فأتى عمير قرقيسيا وصار مع زفر، فجعلا يطلبان كلباً واليمانية بم قتلوا من قيس، وكان معهما قوم من تغلب يقاتلون معهما ويدلونهما. [ج3 (2/258)]
وشغل عبد الملك عنهما بمصعب، وتغلب عمير على نصيبين. ثم إنه مل المقام بقرقيسيا فاستأمن إلى عبد الملك فأمنه، ثم غدر به فحبسه عند مولاه الريان، فسقاه عمير ومن معه من الحرس خمراً حتى أسكرهم وتسلق في سلم من حبال وخرج من الحبس وعاد إلى الجزيرة ونزل على نهر البليخ بين حران والرقة، فاجتمعت إليه قيس فكان يغير بهم على كلب واليمانية، وكان من معه يستأوون جواري تغلب وسخرون مشايخهم من النصارى، فهاج ذلك بينهم شراً لم يبلغ الحرب، وذلك قبل مسير عبد الملك إلى مصعب وزفر.
ثم إن عميراً أغار على كلب، ثم رجع فنزل على الخابور، وكانت منازل تغلب بين الخابور والفرات ودجلة. وكانت بحيث نزل عمير امرأة من تميم ناكح في تغلب يقال لها أم دويل، فأخذ غلام من بيني الحريش أصحاب عمير عدداً من غنمها، فشكت إلى عمير، فلم يمنع عنها، فأخذوا الباقي، فمانعهم قوم من تغلب، فقتل رجل منهم يقال له مجاشع التغلبي، وجاء دويل فشكت أمه إليه، وكان فارساً من فرسان تغلب، فسار في قومه وجعل يذكرهم ما تصنع بهم قيس ويشكو إليهم ما أخذ من غنم أمه، فاجتمع منهم جماعة وأمروا عليهم شعيث بن مليك التغلبي وأغاروا على بني الحريش ومعهم قوم من نمير، فقتل فيهم التغلبيون واستاقوا ذوداً لامرأة منهم يقال لها أم الهيثم، فمانعهم القيسيون فلم يقدروا على منعهم، فقال الأخطل:
فإن نسألون بالحريش فإننا ... منينا بنوكٍ منهم وفجور
غداة تحامتنا الحريش كأنها ... كلاب بدت أنيابها لهرير
وجاؤوا بجمع ناصري أم هيثم ... فما رجعوا من ذودها ببعير
يوم مساكين
ولما استحكم الشر بين قيس وتغلب، وعلى قيس عمير، وعلى تغلب شعيث، غزا عمير بني تغلب وجماعتهم بماكسين من الخابور فاقتتلوا قتالاً شديداً، وهي أول وقعة لهم، فقتل من بني تغلب خمسمائة، وقتل شعيث، وكانت رجله قطعت، فقاتل حتى قتل وهو يقول:
قد علمت قيس ونحن نعلم ... أن الفتى يقتل وهو أجذم
يوم الثرثار الأول
والثرثار نهر أصل منبعه شرقي مدينة سنجار وبالقرب من قرية يقال لها سرق وفرغ في دجلة بين الكحيل ورأس الأويل من عمل الفرج.
لما قتل بماكسين من ذكرنا استمدت تغلب وحشدت واجتمعت إليها النمر بن قاسط وأتاها المشجر بن الحارث الشيباني، وكان من ساداتهم بالجزيرة، وأتاها عبيد الله بن زياد بن ظبيان منجداً لهم على قيس، فلذلك حقد عليه مصعب بن الزبير حتى قتل أخاه النابئ، بن زياد، واستنجد عمير تميماً واسداً فلم ينجده منهم أحد. فالتقول على الثرثار، وقد جعلت تغلب عليها بعد شعيث زياد بن هوبر، ويقال: يزيد بن هوير التغلبي، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزمت قيس وقتلت تغلب ومن معها منهم مقتلهً عظيمةً وبقروا بطون ثلاثين امرأة من بني سليم، وقالت ليلى بنت الحارس التغلبيه، وقيل هي للأخطل:
لما رأونا والصليب طالعا ... ومارس جيش وسماً ناقعا
والخيل لا تحمل إلا دارعا ... والبيض في أيماننا قواطعا
خلوا لنا الثرثار والزارعا ... وحنةً طيساً وكرماً يانعا
يوم الثرثار الثاني
ثم إن قيساً تجمعت واستمدت واستعدت وعليها عمير بن الحباب، وأتاهم زفر بن الحارث من قرقيسيا، وكان رئيس بني تغلب، والنمر ومن معهما ابن هرير فالتقوا بالثرثار واقتتلوا أشد قتال اقتتله الناس، وانهزمت بنو عامر، وكانت على مجنبة قيس، وصبرت سليم وأعصرت حتى انهزمت تغلب ومن معها وقتل ابنا عبد يشوع وغيرهما من أشراف تغلب، فقال عمير بن الحباب:
فداً لفوارس الثرثار نفسي ... وما جمعت من أهل ومال
وولت عامر عنا فأجلت ... وحولي من ربيعة كالجبال
أكاوحهم بدهمٍ من سليمٍ ... وأعصر كالمصاعيب النهال
وقال زفر بن الحارث:
ألا من مبلع عني عميراً ... رسالة ناصحٍ وعليه زاري
أنترك حي ذي يمنٍ وكلباً ... ونجعل جدنا بك في نزار
كمعتمدٍ على إحدى يديه ... فخانته بوهنٍ وانكسار
يوم الفدين
وأغار عمير بن الحباب على الفدين، وهي قرية على الخابور، وقتل من بها من بني تغلب، فهزمهم، فقال نفيع بن صفار المحاربي: [ج3 (2/259)]
لو تسأل الأرض الفضاء عليكم ... شهد الفدين بهلككم والصور
والصور: قرية من الفدين.
يوم السكير
وهو على الخابور يسمى سكير العباس.
ثم اجتمعوا والتقوا بالسكير، وعلى قيس عمير بن الحباب، وعلى تغلب والنمر يزيد بن هوبر، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزمت تغلب والنمر وهرب عمير بن جندل، وهو من فرسان تغلب، فقال عمير بن الحباب:
وأفلتنا يوم السكير ابن جندلٍ ... على سابحٍ عوج اللبان مثابر
ونحن كررنا الخيل قدماً شواذباً ... دقاق الهوادي داميات الدوائر
وقال ابن صفار:
صبحناكم بهن على سكيرٍ ... ولا قيتم هناك الأقورينا
يوم المعارك
والمعارك بين الحضر والعتيق من أرض الموصل، اجتمعت تغلب بهذا المكان فالتقوا هم وقيس فاقتتلوا به فاشتد قتالهم، فانهزمت تغلب، وقال ابن صفار:
ولقد تركنا بالمعارك منكم ... والحضر والثرثار أجساداً جثا
فيقال: إن يوم المعارك والحضر واحد، هزموهم إلى الحضر وقتلوا منهم بشراً كثيراً. وقال بعضهم: هما يومان كانا لقيس، والله أعلم.
والتقوا أيضاً بلبى فوق تكريت من أرض الموصل، فتناصفوا، فقيس تقول: كان الفضل لنا، وتغلب تقول: كان الفضل لنا.
يوم الشرعبية
ثم التقوا بالشرعبية، وعلى قيس عمير بن الحباب، وعلى تغلب وألفافها ابن هرير، فكان بينهم قتال شديد، قتل يومئذٍ عمار بن المهزم السلمي، وكان لتغلب على قيس؛ قال الأخطل:
ولقد بكى الجحاف لما أوقعت ... بالشرعبية إذ رأى الأهوالا
يعني أوقعت الخيل. والشرعبية: من بلاد تغلب. والشرعبية أيضاً: ببلاد منبج؛ فبعضهم يقول: إن هذه الوقعة كانت ببلاد منبج، وذلك خطأ.
يوم البليخ
واجتمعت تغلب وسارت إلى البليخ، وهناك عمير في قيس؛ والبليخ نهر بين حران والرقة؛ فالتقوا وانهزمت تغلب وكثر القتل فيها وبقرت بطون النساء كما فعلوا يوم الثرثار، فقال ابن صفار:
زرق الرماح ووقع كل مهندٍ ... زلزلن قلبك بالبليخ فزالا
يوم الحشاك
ومقتل عمير بن الحباب السلمي وابن هوبر التغلبي
لما رأت تغلب إلحاح عمير بن الحباب عليها جمعت حاضرتها وباديتها وساروا إلى الحشاك، وهو تل قريب من الشرعبية، وإلى جنبه براق، ودلف إليه عمير في قيس ومعه زفر بن الحارث الكلائي وابنه الهذيل بن زفر، وعلى تغلب ابن هوبر، واقتتلوا عند تل الحشاك أشد قتال وأبرحه حتى جن عليهم الليل ثم تفرقوا واقتتلوا من الغد إلى الليل ثم تحاجزوا.
وأصبحت تغلب في اليوم الثالث فتعاقدوا أن لا يفروا، فلما رأى عمير حدهم وان نساءهم معهم قال لقيس: يا قوم أرى لكم أن تنصرفوا عن هؤلاء فإنهم مستقتلون، فإذا اطمأنوا وصاروا إلى سرحهم وجهنا إلى كل قوم منهم من يغير عليهم. فقال له عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي: قتلت فرسان قيس أمس وأول أمس ثم ملئ سحرك وجبنت! ويقال: إن عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري قال له ذلك، وكان أتاه منجداً، فغضب عمير وقال: كأني بك وقد حمس الوغى أول فار! فنزل عمير وجعل يقاتل راجلاً وهو يقول:
أنا عمير وأبو المغلس ... قد أحبس القوم بضنك فاحبس
وانهزم زفر يومئذ، وهو اليوم الثالث، فلحق بقرقيسيا، وذلك أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان قد عزم على الحركة غليه بقرقيسيا، فبادر للتأهب، وقيل: إنه ادعى ذلك حين فر اعتذاراً، وانهزمت قيس وركبت تغلب ومن معها أكتافهم وهم يقولون: أن تعلمون أن تغلب تغلب؟ وشد على عمير جميل بن قيس من بن زهير فتله، وقيل: بل تغاوى على عمير غلامان من بني تغلب فرمياه بالحجارة وقد أعيا فأثخناه، وكر عليه ابن هوبر فقتله.
وأصابت ابن هوبر يومئذٍ جراحة، فلما انقضت الحرب أوصي بني تغلب بأن يولوا أمرهم مراد بن علقمة الزهيري.
وقيل: خرج ابن هوبر في اليوم الثاني من أيامهم هذه الثلاثة وأوصى أن يولوا ظامرهم مراداً، ومات من ليلته، وكان مراد رئيسهم في اليوم الثالث، فعباهم على راياتهم وأمر كل بني أب أن يجعلوا نساءهم خلفهم، فلما أبصرهم عمير قال ما تقدم ذكره؛ قال الشاعر:
أرقت بأثناء الفرات وشفني ... نوائح أبكاها قتيل ابن هوبر [ج3 (2/260)]
ولم تظلمي أن نحت أم مغلسٍ ... قتيل النصارى في نوائح حسر
وقال بعض الشعراء ينكر قتل ابن هوبر عميراً:
وإن عميراً يوم لاقته تغلب ... قتيل جميل لا قتيل ابن هوبر
وكثر القتل يومئذٍ في ني سليم وغني خاصة، وقتل من قيس أيضاً يومئذٍ بشر كثير، وبعثت بنو تغلب رأس عمير بن الحباب إلى عبد الملك بن مروان بدمشق، فأعطى الوفد وكساهم. فلما صالح عبد الملك زفر بن الحارث واجتمع الناس عليه قال الأخطل:
بني أمية قد تناضلت دونكم ... أبناء قومٍ هم آووا وهم نصروا
وقيس عيلان حتى أقبلوا رقصاً ... فبايعوا لك قسراً بعدما قهروا
ضجوا من الحرب إذ عضت غواربهم ... وقيس عيلان من أخلاقها الضجر
في أبيات كثيرة.
فلما قتل عمير بن الحباب وقف رجل على أسماء بن خارجة الفزاري بالكوفة فقال: قتلت بنو تغلب عمير بن الحباب. فقال: لا بأس، إنما قتل الرجل في ديار القوم مقيلاً غير مدبر؛ ثم قال:
يدي رهن على سليمٍ بغارةٍ ... تشيب لها أصداغ بكر بن وائل
وتترك أولاد الفدوكس عالةً ... يتامى أيامى نهزة للقبائل
يوم الكحيل
وهو من أرض الموصل في جانب دجلة الغربي.
وسببه أنه لما قتل عمير بن الحباب السلمي أتى تميم بن عمير زفر بن الحارث فسأله أن يطلب له بثأره، فامتنع، فقال الهذيل بن زفر لأبيه: والله لئن ظفرت بهم تغلب إن ذلك لعار عليك، ولئن ظفروا بتغلب وقد خذلتهم إن ذلك لأشد. فاستخلف زفر على قرقيسيا أخاه أوس ين الحارث وعزم على أن يغير على بني تغلب وغزوهم، فوجه خيلاً إلى بني فدوكس بطن من تغلب فقتل رجالهم واستبيحت أموالهم ونساؤهم حتى لم يبق غير إمرأة واحدة استجارت فأجارها يزيد من حمران.
ووجه زفر بن الحارث ابنه الهذيل في جيش إلى بني كعب بن زهير، فقتل فيهم قتلاً ذريعاً، وبعث زفر أيضاً مسلم بن ربيعة العقيلي إلى قوم تغلب مجتمعين فأكثر فيهم القتل. ثم قصد زفر لبني تغلب وقد اجتمعوا بالعقيق من أرض الموصل، فلما أحست به ارتحلت تريد عبور دجلة، فلما صارت بالكحيل لحقهم زفر في القيسية، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وترجل أصدار زفر أجمعون وفي زفر على بغل له فقتلوهم ليلتهم وبقروا بطون نساء منهم وغرق في دجلة أكثر ممن قتل بالسيف، فأتى فلهم لبى، فوجه زفر ابنه الهذيل فأوقع بهم إلا من عبر فنجا، وأسر زفر منهم مائتين فتقلهم صبراً، فقال زفر:
ألا ياعين بكي بانكساب ... وبكي عاصماً وابن الحباب
فإن تك تغلب قتلت عميراً ... ورهطاً من غني في الحراب
فقد أفنى بني جسم بن بكر ... ونمرهم فوارس من كلاب
قتلنا منهم مائتين صبراً ... وما عدلوا عمير بن الحباب
وقال ابن صفار المحاربي:
أم ترح حبربنا تركت حبيباً ... محالفها المذلة والصغار
وقد كانوا أولي عزٍ فأضحوا ... وليس لهم من الذل انتصار
وأسر القطامي التغلبي في يوم من أيامهم وأخذ ماله، فقام زفر بأمره حتى رد عليه ماله ووصله، فقال فيه:
إني وإن كان قومي ليس بينهم ... وبين قومك إلا ضربة الهادي
مثن عليك بما أوليت من حسنٍ ... وقد تعرض لي من مقتلٍ بادي
حبيح الذي في الشعر هو بضم الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة، وهو في نسب بني تغلب.
يوم البشر
لما استقر الأمر لعبد الملك واجتمع المسلمون عليه قدم عليه الأخطل الشاعر التغلبي وعنده الجحاف بن حكيم السلمي، فقال له عبد الملك: أتعرف هذا يا أخطل؟ قال: نعم، هذا الذي أقول فيه:
ألا سائل الجحاف هل هو ثائر ... بقتلى أصيبت من سليمٍ وعامر
وأنشد القصيدة حتى فرغ منها، وكان الجحاف بأكل رطباً، فجعل النوى يتساقط من يده غيظاً، وأجابه وقال:
بلى سوف نبكيهم بكل مهندٍ ... وننعى عميراً بالرماح الشواجر [ج3 (2/261)]
ثم قال: يا ابن النصرانية ما كنت أظن أن تجترئ علي بمثل هذا! فأرعد الأخطل من خوفه ثم قام إلى عبد الملك وأمسك ذيله وقال: هذا مقام العائذ بك. فقال: أنا لك مجير. ثم قام الجحاف ومشى وهو يجر ثوبه ولا يعقل به، فتلطف لبعض كتاب الديوان حتى اختلق له عهداً على صدقات تغلب وبكر بالجزيرة، وقال لأصحابه: إن أمير المؤمنين قد ولأني هذه الصدقات، فمن أراد اللحاق بي فليفعل.
ثم سار حتى أتى رصافة هشامٍ فأعلم أصحابه ما كان من الأخطل إليه وأنه افتعل كتاباً، وأنه ليس بوالٍ، فمن كان احب أن يغسل عني العار وعن نفسي فليصحبني فإني قد أقسمت أن لا أغسل رأسي حتى أوقع في بني تغلب. فرجعوا عنه غير ثلاثمائة قالوا له: نموت بموتك ونحيا بحياتك.
فسار ليلته حتى صبح الرحوب، وهو ماء لبني جشم بن بكر من تغلب، فصادف عليه جماعةً منهم، فقتل فيهم مقتلةً عظيمةً وأسر الأخطل وعليه عباءة وسخة، فظنه الذي أسره عبداً، فسأله من هو، فقال: عبد . فأطلقه، فرمى بنفسه في جب، فخاف أن يراه من يعرفه فيقتله. فلما انصرف الجحاف خرج من الجب، وأسرف الجحاف في القتل وبقر البطون عن الأجنة وفعل أمراً عظيماً، فلما عاد عنهم قدم الأخطل على عبد الملك فأنشده قوله:
لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعةً ... إلى الله منها المشتكى والمعول
فهرب الجحاف، فطلبه عبد الملك، فلحق ببلاد الروم، وقال بعد وقعة البشر يخاطب الأخطل:
أبا مالكٍ هل لمتني أو حضضتني ... على القتل أم هل لامني كل لائم
ألم أفنكم قتلاً وأجدع أنفكم ... بفتيان قيسٍ والسيوف الصوارم
بكل فتى ينعى عميراً بسيفه ... إذا اعتصمت أيمانهم بالقوائم
فإن تطردوني تطردوني وقد جرى ... بي الور يوماً في دماء الأراقم
نكحت بسيفي في زهيرٍ ومالكٍ ... نكاح اغتصابٍ لا نكاح دراهم
في أبيات ولم يزل الجحاف يتردد في بلاد الروم من طرابزندة إلى قاليقلا، وبعث إلى بطانة عبد الملك من قيس حتى أخذوا له الأمان فآمنه عبد الملك، فقدم عليه، فألزمه ديات من قتل وأخذ منه الكفلاء وسعى فيها، فأتى الحجاج من الشام فطلب منه، فقال له: متى عهدتني خائناً؟ فقال له: ولكنك سد قومك ولك عمالة واسعة. فقال: لقد ألهمت الصدق، فأعطاه مائة ألف درهم وجمع الديات فأوصلها. ثم تنسك بعد وصلح ومضى حاجاً فتعلق بأستار الكعبة وجعل ينادي: اللهم اغفر لي وما أظن تفعل. فسمعه محمد بن الحنفية فقال: يا شيخ قنوطك شر من ذنبك.
وقيل: إن سبب عوده كان أن الجحاف أكرمه ملك الروم وقربه وعرض عليه النصرانية ويعطيه ما شاء، فقال: ما أتيتك رغبةً عن الإسلام. ولقي الروم تلك السنة عساكر المسلمين صائفةً، فانهزم المسلمون، وأخبروا عبد الملك أنهم هزمهم الجحاف، فأرسل إليه عبد الملك يؤمنه، فسار وقصد البشر وبه حي من بشر وقد لبس أكفانه وقال: قد جئت إليكم أعطي القود من نفسي. وأرد شبابهم قتله فنهاهم شيوخهم، فعفوا عنه وحج، فسمعه عبد الله بن عمر وهو يطوف ويقول: اللهم اغفر لي وما أظنك تفعل. فقال ابن عمر: لو كنت الجحاف مازدت على هذا. قال: فأنا الجحاف.[ج3 (2/262)]
 

This site was last updated 06/16/11