كنائس وآثار قبطية علي اسم القديس مرقس الرسول
جريدة وطنى 24/5/2009l السنة 51 العدد 2474 بقلم المهندس داود خليل مسيحة
من العجيب أنه لم يبق قائما لليوم أي من الكنائس والأديرة الأثرية القبطية التي بنيت علي اسم مارمرقس, ونقرأ عنها فقط في المراجع التاريخية, كما أن الأعمال الفنية الأثرية القبطية نادرة, بل إنه كانت توجد مدينة في النوبة اسمها مرقسة غطتها المياه بعد السد العالي. وتعيد الكنيسة بتذكار استشهاد مارمرقس في 30 برمودة الموافق 8 مايو في كل عام, وتعطيه الألقاب التالية: القديس الشهيد, ناظر الإله, الإنجيلي, الناطق بالإلهيات, الرسول تلميذ المسيح, أحد السبعين, وفيما يلي بعض أهم ما ورد عن الكنائس والأديرة الأثرية والأعمال الفنية علي اسم مارمرقس في الحضارة القبطية.
الكنائس المندثرة بمصر علي اسم مارمرقس:
* كنيسة القديس مرقس الإنجيلي قبلي الإسكندرية: كتب عنها الأستاذ نبيه كامل داود ضمن كتاب لقداسة البابا شنودة الثالث عن مارمرقس الإنجيلي, إذ يذكر في سنكسار 28 بؤونة في سيرة البابا ثيئودوسيوس 33 عن خبر بناء المؤمنين هذه الكنيسة وقت غلق يوستنيانوس الملك للكنائس. وهذه الكنيسة هي نفسها الإنجيليون الذي بناها الأرثوذكس سرا غرب الإسكندرية في الموضع المعروف بالسواري, وهي في الموضع الذي حاولوا فيه حرق جسد مارمرقس. واتخذها البابا ثيئودوسيوس مقرا له, وكذلك البابا أندرونيقوس 37 وقد نجح الملكيون في الاستيلاء علي هذه الكنيسة في عهد البابا مرقس 49 ثم هدمت مع الزمن في وقت لا نعلمه بالتحديد.
* بيعة مارمرقس - بدار البقر: يذكر المؤرخ أبوالمكارم أن بيعة مارمرقس مبنية علي البحر حيث كان جسده الطاهرة موضوعا بها بالقرب من الميناء الشرقي بالإسكندرية وهو الموضع الذي مضي إليه الأنبا بطرس البطريرك الملقب بخاتم الشهداء قبل استشهاده عام 311م, ويعرف ببوقلز أو بوكاليا وتفسيره دار البقر.
ويذكر المؤرخ بتلر أن كنيسة القديس مرقس التي يصفها بالكبري كانت تقع علي البحر فيما يلي الأسوار وأنه كان فيها مدفن من المرمر به جسد القديس مرقس, وتري قبره أمام المحراب في الجانب الشرقي وقد أقيم فوقه شاهد من المرمر. ولم تكن كنيسة القديس مرقس في القرن السابع أكبر كنائس المدينة بل إن كنيسة القيصريون الملقبة بالمعلقة كانت أعظم منها وكانت في الحي نفسه. وفي بداية القرن الخامس م بنيت كنيسة جديدة بناها القديس كيرلس لتحل محل الكنيسة الأولي علي اسم مارمرقس وهذه الكنيسة دمرت في حكم الدولة الفاطمية لمصر في منتصف القرن السابع وبالرغم من الوعود التي تلقاها البابا بنيامين الأول البطريرك 623-662م ببناء الكنيسة فلم تتم إعادة البناء قبل بطريركية إسحق 690-692م, وفي عام 828م قام اثنان من التجار من فينيسيا بسرقة رفات القديس مرقس وجلبوها إلي فينيسيا وبعد بضعة سنوات دمرت الكنيسة مرة أخري في عام 912م, وقام البابا خرستوذلوس 66 بإعادة بنائها من جديد علي اسم القديس مرقس ثم دمرها السلطان الملك الكامل عند غزو الصليبيين عام 1218م وغالبا ما غرقت أساسات هذه الكنيسة تحت مد البحر علي شواطئ الإسكندرية.
* كنيسة مارمرقس المعلقة: كان أصلها هيكل زحل العظيم الذي بنته له كليوباترا بالإسكندرية, فتحول إلي كنيسة الملاك ميخائيل الذي يقع عيده في نفس التاريخ, وكانت تعرف بالقيصريون في زمن البابا ألكسندروس 19 والملك قسطنطين أو باسم كنيسة القيسارية.
وكانت هذه الكنيسة قائمة عند الفتح العربي للإسكندرية, واحترقت في حوادث الفتح, إذ كان لها موضع مهم من الناحية الحربية, فكانت قائمة علي سور المدينة. وإلي جوارها أحد أبراج السور, وقد ذكرها بتلر وقال كانت عند ثنية المرفأ الأعظم, وبلغت من عظم الشأن أنها كانت تحل محل الكنيسة الكبري فقد كان بناؤها جليلا, ولها مسلتان قديمتان في فنائها إحداهما حاليا في لندن والأخري في الولايات المتحدة, فكانت تشرف فوق أسوار المدينة لذلك أيضا كانت تسمي المعلقة وكانت تسمي أيضا بكنيسة القمحة في بعض المراجع سميت بالقمحة وهي لفظة تعني المرتفع عن الماء وذكرها أبوالمكارم بالقمحة وقال إن تفسيرها النزهة, ويذكر المؤرخون أنها كانت تشرف فوق أسوار المدينة أظهر الأشياء التي يراها الرائي أول وهلة في صدر ما يراه وأن موكب البطريرك عندما كان يدخلها كان يسير في فناء ذي أروقة إلي أن يبلغ بابها وأن بهذه البيعة حوض رخام أبيض طويلا عريضا قطعة واحدة صنع برسم الغطاس كل سنة.
وأعيد بناؤها, ودعيت باسم مارمرقس, وحفظت فيها رأس القديس بعد حادثة سرقتها عام 644م. وهي التي كلف عمرو بن العاص البابا بنيامين 38 ببنائها لحفظ رأس مارمرقس ولعل البابا أغاثو 39 هو الذي أكمل بناءها بحسب قول المقريزي, وهذه الكنيسة هي التي زارها البابا بطرس السادس 104 وأخفي فيها رأس القديس خوفا عليها من السرقة. ويذكر أبوالمكارم أيضا أنه يتم تكريس البطريرك في بيعة مارمرقس المعروفة بالقمحة وكان ختام أمر هذه الكنيسة علي يد الحملة الفرنسية عام 1798 فهدموها خشية أن يعتصم بها الإنجليز فحمل كهنتها جميع أوانيها ومخطوطاتها وآثارها ونفائسها حيث حفظت بكنيسة رشيد إلي يومنا هذا, وبعض هذه النفائس نقل إلي المتحف القبطي فيما بعد. ويكفي أن نعرف مكان وضعها حاليا بأنه في الجانب الأيمن في آخر شارع النبي دانيال بين البحر وشارع السلطان حسين وشارع صفية زغلول.
ويذكر برنار الحكيم 870م أنه وراء الباب الشرقي دير القديس مرقس ويعيش الرهبان في تلك الكنيسة التي كان فيها مدفنه ولكن البنادقة أتوا إلي البحر وحملوا إلي جزيرتهم, وأن الكنيسة كانت لاتزال قائمة 1350م لكن موقعها علي بعد ميلين شرق الإسكندرية مما يدل علي اضمحلال المدينة.
* كنيسة مارمرقس الإنجيلي بالجيزة: ذكرها أبوالمكارم 1209م وذكر أن الذي بناها هو فخر الكفاة ابن سليمان الكاتب بمصر في عهد الدولة الأيوبية 1171-1250 واستخدم في بنائها أخشاب أنقاض بيت له علي البحر مع أخشاب جملون كنيسة الشهيد مار بقطر وأوسع فيها كثيرا وعمرها وذكر المقريزي 1441م أنها خرجت ما بين 1397-1398م ثم عمرت علي عهده غالبا في القرن 15م واندثرت حاليا ولا علاقة لها بكنيسة مارمرقس الحالية بالجيزة.
* بيعة مرقس بالبهنسا: علي بعد 12كم غربي بني مزار وذكرها أبوالمكارم مرتين.
* كنيسة مرقس بساقية محفوظ: ذكرها أبوالمكارم وهذه الناحية اليوم تسمي ساقية داقوق بمركز مطاي بمحافظة المنيا.
* كنيسة القديس مرقس الإنجيلي بطحا المدينة حاليا طحا الأعمدة بمركز سمالوط بالمنيا.
* كنيسة القديس مرقس بالأشمونين: ذكر أبوالمكارم هذه الكنيسة بالأشمونين حاليا مركز ملوي بالمنيا.
* ذكر أبوالمكارم مؤرخ القرن الثالث عشر عن بيعة مجهولة بمحلة مرقس - ومكانها مرقس, مركز شبرا خيت بحيرة.
أديرة باسم مارمرقس:
كان يوجد بمصر ثلاثة أديرة باسم مارمرقس, اندثرت جميعا وهي:
* دير مارمرقس المعروف باسم دير أسفل الأرض: وكان موضع الكنيسة المرقسية الحالية بالإسكندرية وما يجاورها, وكان في يد الملكيين حينا ثم رجع إلي ملكية الأقباط ويقول عنه أبوالمكارم 1208م في كلامه عن قسمة الكنائس بعد 644م وقسمت بيع الإسكندرية.. وخص الملكية جسده ودير أسفل الأرض, وجعل الجسد فيه.. وذكر أنه دار البقر التي استشهد بها الطاهر مرقس. وذكر المؤرخ بتلر أنه كان به أربعة جواسق ويجاوره بساتين ومزارع وهو مشرف علي الثغر وكبير ومتسع وتحته مغاير ومجالس ومذبحين يقدس عليهما, وفي هذا الدير المغارة التي كان يصلي فيها مرقس الإنجيلي وأجساد جماعة من الشهداء والقديسين.
وورد ذكر هذا الدير أيضا في رحلة برنار الحكيم, الراهب الفرنسي 870م فيقول ووراء الباب الشرقي دير القديس مرقس, ويعيشم الرهبان في تلك الكنيسة التي كان فيها مدفنه, ويذكر بيير بيلون دي مانز وهو سائح فرنسي زار مصر 1527 أنه يوجد دير به أربعة رهبان قبط, وبه دار البطريرك. وبجواره كنيسة لهم, وهي المكان الذي كان يوجد به جسد القديس مرقس قبل أن يسرقه البنادقة.
وبالمتحف القبطي يوجد ستر لتغطية المذبح مكتوب بأسفله وقفا علي دير القديس العظيم مارمرقس الإنجيلي بالمرقسية عمل 1173 - وورد عن البابا بطرس السادس 106 أنه أخفي الرأس المقدسة 1722م في الدير في ذلك الوقت. وآخر عمارة بهذا الدير كانت 1818, ورد ذكرها في كتاب عمل الميرون في الكلام عن أنبا بطرس الجاولي 109 في القرن 19.
* دير مارمرقس المعروف باسم دير الجبل المقطم: وهو تابع للأقباط, وقد ذكره الواقدي 823م في كتاب فتوح الشام فقال كان مفروضا علي رهبانه اليعاقبة رئيسا ملكانيا من الشام فرضه عليهم المقوقس.
* دير مارمرقس بقرنة مرعي: بحاجر الأقصر: تقع أطلال كنيسة وبضعة قلالي قديمة في منطقة قرنة مرعي علي ضفة النيل المقابلة لمدينة الأقصر وتبلغ مساحة الموقع 400 متر ترجع للقرن الخامس أو السادس الميلادي بنيت فوق مقبرة قديمة تعود للعصر المصري المتأخر. أطلق علي الموقع اسم توبوس القديس مرقس هي كلمة إغريقية تعني أن هذا ليس هو موقع لدير حقيقي ولا توجد أسوار ولا غرف كافية لإعاشة الرهبان لكن في المركز كان يعقد كل أسبوع في يوم السبت والأحد لأن المتوحدين المقيمين فيما حول المكان في الكهوف أو المقابر يتجمعون معا, وعرف عن هذا التوبوس من الوثائق التي عثر عليها في الإقليم, وكان رئيس الرهبان كاهنا يسمي مرقس وهو الذي كتب العديد من الوثائق, وربما انتهت المنطقة في عهد الغزو الفارسي 619-629م أو في وقت دخول العرب وتظهر رفات أحد الرهبان أنه مات ميتة عنيفة أو قتل. وعمل المعهد العلمي الفرنسي للآثار حفائر في هذا الموقع خلال الفترة من 1971-1975 وعثروا علي 2000 قطعة أوستراكا وبقايا فخار سواء بزخارف أو بدون وتم ترميم أكثر من 400 إناء مزخوف وتجميع قطعها من جديد.
مذابح باسم مارمرقس:
* مذبح باسم مارمرقس في محلة دانيال: ورد عنه في تاريخ البطاركة لساويرس بن المقفع, وذكره أبوالمكارم في كتابه من القرن الثالث عشر 1208م ويذكر أن أنبا مينا البطريرك 61 هو الذي بناه, ويعتقد المؤرخ ميناردس أنه كان يقع علي فرع رشيد فيما بين دسوق وبسيون وربما كانت تقع فيه القلاية البطريركية.
* هيكل مارمرقس في الاسكنا بناه أنبا شنودة البطريرك 55 في دير أبومقار بوادي هبيب من ناحية جانبه البحري أعني بيعة الأب الطاهر مارمرقس الإنجيلي وذكره المؤرخ أبوالمكارم, وجاء في كتاب قداسة البابا شنودة الثالث أن هذا المذبح يسمي الآن هيكل يوحنا المعمدان.
* مذبح مارمرقس بكنيسة أنبا أنطونيوس بديره بالصحراء الشرقية.
القديس مرقس الرسول في الأيقونات وصور المخطوطات القبطية
بقيت لدينا عديد من المخطوطات التي تظهر فيها صورة القديس مرقس الرسول ومنها الملون محفوظة بمكتبة البطريركية والمتحف القبطي وبعض المتاحف العالمية فضلا عن عددا من الأيقونات الأثرية الموجودة في الكنائس والأديرة الأثرية.
*****************
المراجع:
* قداسة البابا شنودة الثالث: ناظر الإله الإنجيلي مرقس الرسول, مطبعة دير الأنبا رويس بالعباسية, الطبعة العاشرة, القاهرة, يونيو 2006.
* مرقس سميكة: دليل المتحف القبطي, الجزء الأول والثاني, القاهرة.
* أبوالمكارم: تاريخ الكنائس والأديرة في القرن الثاني عشر, طبعة خاصة لدارسي معهد الدراسات القبطية, إعداد الراهب صموئيل السرياني المتنيح الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر, والأستاذ نبيه كامل داود, جزء أول وثان, القاهرة, 1984.
* بتلر: فتح العرب لمصر, الترجمة العربية لمحمد فريد أبوحديد, مكتبة مدبولي, الطبعة الثانية, 1996.
* المعجم الوسيط, مجمع اللغة العربية, الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث, مكتبة الشروق الدولية, جمهورية مصر العربية, الطبعة الرابعة, 2004.
- Nabil Selim Attalaa: illustrations from Coptic Manuscripts, Lehnert & Landrock, Cairo, Egypt, 2000
- Coptic Encyclopedia, Maurcice Martin & Rene - George Coquin, Qurnat Mari, Vol. 7
- Otto Meinardus, Christian Egypt, Ancient and Modern, AUC, 1977