القرآن تفسير القرطبى على سورة الإسراء آية 23
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
" قضى " أي أمر وألزم وأوجب . قال ابن عباس والحسن وقتادة : وليس هذا قضاء حكم بل هو قضاء أمر . وفي مصحف ابن مسعود " ووصى " وهي قراءة أصحابه وقراءة ابن عباس أيضا وعلي وغيرهما , وكذلك عند أبي بن كعب . قال ابن عباس : إنما هو " ووصى ربك " فالتصقت إحدى الواوين فقرئت " وقضى ربك " إذ لو كان على القضاء ما عصى الله أحد . وقال الضحاك : تصحفت على قوم " وصى بقضى " حين اختلطت الواو بالصاد وقت كتب المصحف . وذكر أبو حاتم عن ابن عباس مثل قول الضحاك . وقال عن ميمون بن مهران أنه قال : إن على قول ابن عباس لنورا ; قال الله تعالى : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك " [ الشورى : 13 ] ثم أبى أبو حاتم أن يكون ابن عباس قال ذلك . وقال : لو قلنا هذا لطعن الزنادقة في مصحفنا , ثم قال علماؤنا المتكلمون وغيرهم : القضاء يستعمل في اللغة على وجوه : فالقضاء بمعنى الأمر ; كقوله تعالى : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " معناه أمر . والقضاء بمعنى الخلق ; كقوله : " فقضاهن سبع سموات في يومين " [ فصلت : 12 ] يعني خلقهن . والقضاء بمعنى الحكم ; كقوله تعالى : " فاقض ما أنت قاض " يعني احكم ما أنت تحكم . والقضاء بمعنى الفراغ ; كقوله : " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " [ يوسف : 41 ] أي فرغ منه ; ومنه قوله تعالى " فإذا قضيتم مناسككم " [ البقرة : 200 ] . وقوله تعالى : " فإذا قضيت الصلاة " . والقضاء بمعنى الإرادة ; كقوله تعالى : " إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " [ آل عمران : 47 ] . والقضاء بمعنى العهد ; كقوله تعالى : " وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر " [ القصص : 44 ] . فإذا كان القضاء يحتمل هذه المعاني فلا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء الله ; لأنه إن أريد به الأمر فلا خلاف أنه لا يجوز ذلك , لأن الله تعالى لم يأمر بها , فإنه لا يأمر بالفحشاء . وقال زكريا بن سلام : جاء رجل إلى الحسن فقال إنه طلق امرأته ثلاثا . فقال : إنك قد عصيت ربك وبانت منك . فقال الرجل : قضى الله ذلك علي فقال الحسن وكان فصيحا : ما قضى الله ذلك أي ما أمر الله به , وقرأ هذه الآية : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " .