Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ثلاث وأربعين ومائة سنة أربع وأربعين ومائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
باقى 136 وخلافة المنصور
سنة 137 قتل أبي مسلم الخراساني
سنة ثمان وثلاثين ومائة
سنة 139 وعبد الرحمن بن معاوية بالأندلس
سنة أربعين ومائة
سنة 141 و142
سنة 143 و144
سنة خمس وأربعين ومائة
سنة ست وأربعين ومائة
سنة148 و149 و150
سنة 151 وسنة 154
سنة 156 و158

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين ومائة
في هذه السنة ثار الديلم بالمسلمين فتلوا منهم مقتلةً عظيمة، فبلغ ذلك المنصور فندب الناس إلى قتال الديلم وجهادهم.
وفيها عزل الهيثم بن معاوية عن مكة والطائف، وولي ذلك السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس، وكان على اليمامة، فسار إلى مكة واستعمل المنصور على اليمامة قثم بن عباس بن عبد الله. وفيها عزل حميد بن قحطبة عن مصر، واستعمل عليها نوفل بن الفرات، ثم عزل نوفل واستعمل عليها يزيد بن حاتم.
وحج بالناس هذه السنة عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله، وكان إليه ولاية الكوفة.
وفيهاثار بالأندلس رزق بن النعمان الغساني على عبد الرحمن، وكان رزق على الجزيرة الخضراء، فاجتمع إليه خلق عظيم، فسار إلى شذونة فملكها ودخل مدينة إسبيلية، وعاجله عبد الرحمن فحصره فيها وضيق على من بها، فتقربوا إليه بتسلمي رزق إليه فقتله فأمنهم ورجع عنهم.
وفيها مات عبد الرحمن بن عطاء صاحب الشارعة، وهي نخل. وسليمان ابن طرخان التيمي. واشعث بن سوار. ومجالد بن سعيد.


ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائة
في هذه السنة سير أبو جعفر الناس من الكوفة والبصرة والحزيرة والموصل إلى غزو الديلم وساتعمل عليهم محمد بن أبي العباس السفاح.
وفيها رجع المهدي من خراسان إلى العراق ونى بريطة ابنة عمه السفاح.
وفيها حج المنصور واستعمل على عسكره والميرة خازم بن خزيمة.
ذكر استعمال رياح المري على المدينة
وأمر محمد بن عبد الله بن الحسن
وفيها استعمل المنصور على المدينة رياح بن عثمان المري وعزل محمد بن خالد بن عبد الله القسري عنها.
وكان سبب عزله وعزل زياد قبله أن المنصور أهمه أمر محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بت الحسن علي بن أبي طالب وتخلفهما عن الحضور عنده مع من حضره من بني هاشم عام حج أيام السفاح سنة ست وثلاثين، وذكر أن محمد بن عبد الله كان يزعم أن المنصور ممن بايعه ليلة تشاور بنو هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطرب أمر مروان بن محمد، فلما حج المنصور سنة ست وثلاثين سأل عنهما، فقال له زياد بن عبيد الله الحارثي: ما يهمك من أمرهما؟ أنا آتيك بهما. وكان معه بمكة فرده المنصور إلى المدينة.
فلما استخلف المنصور لم يكن همه إلا أمر محمد والمسألة عنه وما يريد، فدعا بني هاشم رجلاً رجلاً يسأله سراً عنه، فكلهم يقول: قد علم أنك عرفته يطلب هذا الأمر فهو يخافك على نفسه وهو لا يريد لك خلافاً، وما أشبه هذا الكلام، إلا الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب فإنه أخبره خبره وقال له: والله ما آمن وثوبه عليك، فغنه لا ينام عنك؛ فأيقظ بكلامه من لاي نام، فكان موسى بن عبد الله بن الحسن يقول بعد ذلك: اللهم اطلب حسن بن زيد بدمائنا.
ثم ألح المنصور على عبد الله بن الحسن في إحضار ابنه محمد سنة حج، فقال عبد الله لسليمان بن علي بن عبد الله بن عباس: يا أخي بيننا من الصهر والرحم ما تعلم، فما ترى؟ فقال سليمان: والله لكأنني أنظر إلى أخي عبد الله بن علي حين حال الستر بينه وبيننا وهويشير إلينا: هذا الذي فعلتم بي؛ فلو كان عافياً عفا عن عمه. فقبل عبد الله رأي سليمان وعلم أنه قد صدقه ولم يظهر ابنه.
ثم إن المنصور اشترى رقياً من رقيق الأعراب وأعطى الرجل منهم البعير والرجل البعيرين والرجل الذود وفرقهم في طلب محمد في ظهر المدينة، وكان الرجل منهم يرد الماء كالمار وكالضال يسألون عنه، وبعث المنصور عيناً آخر وكتب معه كتاباً على ألسن الشيعة إلى محمد يذكرون طاعتهم ومسارعتهم وبعث معه بمال وألطافٍ، وقدم الرجل المدينة فدخل على عبد الله بن الحسن ابن الحسن فسأله عن ابنه محمد، فذكر له، فكتم له خبره، فتردد الرجل إليه وألح في المسألة، فذكر أنه في جبل جهينة، فقال له: امرر بعلي ابن الرجل الصالح الذي يدعى الأعر وهو بذي الأبر فهور يرشدك؛ فأتاه فأرشده.(3/21)
وكان للمنصور كاتب على سره يتشيع، فكتب إلى عبد الله بن الحسن يخبره بذلك العين، فلما قدم الكاتب ارتاعوا له وبعثوا أبا هبار إلى محمد وإلى علي بن الحسن يحذرهما الرجل، فخرج أبو هبار فنزل بعلي بن الحسن وأخبره، ثم سار إلى محمد بن عبد الله في موضعه الذي هو به، فإذا هو جالس في كهف ومعه جماعة من أصحابه، وذلك العين معهم أعلاهم صوتاً وأشدهم انبساطاً، فلما رأى أبا هبار خافه، فقال أبو هبار لمحمد: لي حاجة. فقالم معه، فأخبره الخبر، قال: فما الرأي ؟ قال: أرى إحى ثلاث. قال: تدعني أقتل هذا لارجل. قال: ما أنا مقارف دماً إلا كرهاً.قال: أثقله حديداً وتنقله معك حيث تنقلب. قال: وهل لنا فرار مع الخوف والإعجال؟ قال: نشدهونودعه عند بعض أهلك من جهينة. قال: هذه إذاً.
فرجعا فلم يريا الرجل.فقال محمد: أين الرجل؟ قالوا تركوه مهملاً وتوارى بهذا الطريق يتوضأ، فطلبوه ولم يجدوه فكأن الأرض التأمت عليه؛ وسعى على قدميه حتى اتصل بالطريق، فمر به الأعراب معهم حمولة إلى المدينة، فقال لعضهم: فرغ هذه الغرارة وأدخلنيها أكن عدلاً لصاحبتها ولك كذا وكذا. ففعل وحمله حتى أقدمه المدينة.
ثم قدم على المنصور وأخبره خبره كله ونسي اسم أبي هبار وكنيته وقال: وبار. فكتب أبو جعفر في طلب وبار المري، فحمل إليه رجل اسمه وبر، فسأله عن قصة محمد فحلف له أنه لا يعرف من ذلك شيئاً، فأمر به وضرب سبعمائة سوط وحبس حتى مات المنصور.
ثم إنه أحضر عقبة بن سلم الأزدي فقال: أريدك لأمر أنا به معني لم أزل أرتاد له رجلاً عسى أن تكونه، زإن كفيتنيه رفعتك. فقال: أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين في. قال: فأخف سخصك واستر أمرك وأتني يوم كذا فيوقت كذا. فأتاه ذلك الوقت. فقال له : إن بني عمنا هؤلاء قد أبوا إلا كيدا لملكنا واعتيالاً له، ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا يكاتبونهم ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف من ألطافب بلادهم ، فاخرج بكسىً وألطافٍ وعين حتى تأتيهم متنكراً بكتاب تكتبه عن أهل هذه القرية ثم لعلم حالهم، فإن كانوا نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب، وإن كانو على رأيهم عملت ذلك وكنت على حذر، فاشخص حتى تلقى عبد الله بهم وأقرب، وإن كانوا على رأيهم علملت ذلك وكنت على حذر، فاشخص حتى تلقى عبد الله بن الحسن متخشعاً ومنتقشفاً، فإن جبهك، وهو فاعل، فاصبر وعادوه حتى يأنس ويلين لك ناحيته، فإذا أظهر لك ما قبله فاعجل علي.
فشخص حتى قدم على عبد الله فلقيه بالكتاب، فأكره وهره وقال: ما أعرف هؤلاء القوم.فلم يزل يتردد إليه حتى قبل كتابه وألطافه وأنس به، فسأله عقبة الجواب. فقال: أما الكتاب فإني لا أكتب إلى أحد ولكن أنت كتابي إليهم فأقرئهم السلام وأعالمهم أنني خارج لوقت كذا وكذا.
ورجع عقبة إلى المنصور فأعلمه الخبر، فانسأ المنصور الحج وقال لعقبة: إذا لقيني بنو الحسن فيهم عبد الله بن الحسن فأنا مكرمه ورافع محلته وداع بالغداء، فإذا فرغنا من طعامنا فلحظتك فامثل بين يديه قائماً، فإنه سيصرف عنك بصره، قاستدر حتى ترمز ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينه منك ثم حسبك وإياك أن راك ما دام يأكل.
فخرج إلى الحج، فلما لقيه بنو الحسن أجلس عبد الله إلى جانبه ثم دعا بالغداء فأصابوا منه، ثم رفع فأقبل على عبد الله بن الحسن فقال له: قد علمت ما أعطيتني من العهود والمواثيق ألا تبغيني بسوء ولا تكيد لي سلطاناً؟ قال: فأنا على ذلك يا أمير المؤمنين. فلحظ المنصور عقبة بن سلم فاستدار حتى وقف بين يدي عبد الله فأعرض عنه، فاستدار حتى قام وراء ظهره فغمزه بإصبعه، فرفع رأسه فملأ عينه منه، فوثب حتى قعد بين يدي المنصور فقال: أقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله! قال: لا أقالني الله إن أقلتك! ثم أمر بحبسه.
وكان محمد قد قدم قبل ذلك البصرة فنزلها في نبي راسب يدعو إلى نفسه، وقيل: نزل على عبد الله بن شيبان أحد بني مرة بن عبيد، قم خرج منها، فبلغ المنصور مقدمة البصرة، فسار إليها مجداً فنزل عند الجسر الأكبر، فلقيه عمرو بن عبيد فقال له: يا أبا عمان هل بالبصرة أحد نخافه على أمرنا؟ قال: لا. قال: فأقتصر على قولك وأنصرف. قال: نعم.(3/22)
وكان محمد قد سار عنها قبل مقدم المنصور، فرجع المنصور واشتد الخوف على محمد وإبراهيم ابني عبد الله فخرجا حتى تيا عدن، ثم سار إلى السند ثم إلى الكوفة ثم إلى المدينة.
وكان المنصور قد حج سنة أربعين ومائة فقسم أموالاً عظيمة في آل أبي طالب، فلم يظهر محمد وإبراهيم، فسأل أباهما عبد الله عنهما، فقال: لا علم لي بهم، فتغالظا، فأمصه أبو جعفر المنصور حتى قال له: امصص كذا وكذا من أمك! فقال: يا أبا جعفر بأي أمهاتي تمصني؟ أبفاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ أم بفاطمة بنت الحسن بن علي؟ أم بأم إسحاق بنت طلحة؟ أم بخديجة بنت خويلد؟ قال: لا بواحدة منهن ولكن بالجرباء بنت قسامة بن زيهر! وهي امرأة من طيء، فقال المسيب بن زيهر: يا أمير المؤمنين دعني أضرب عنق ابن الفاعلة! فقام زياد بن عبيد الله فألقى عليه رداءه وقال: هبه لي يا أمير المؤمنين فأستخرج لك ابنيه؛ فتخلصه منه.
وكان محمد وإبراهيم ابنا عبد الله قد تغيبا حين حج المنصور سنة أربعين ومائة عن المدينة، وحج أيضاً فاجتمعوا بمكة وأرادوا اغيتال المنصور، فقال لهم الأشتر عبد الله بن محمد: أنا أكفيكموه! فقال محمد: لا والله لا أقتله أبداً غيلةً أدعوه. فنقض ما كانوا أجمعوا عليه. وكان قد دخل علهم قائد من قواد المنصور من أهل خراسان اسمه خالد بن حسان يدعى أبا العساكر على ألف رجل، فنمى الخبر إلى المنصور فطلب، فلم يظفر به، فظفر بأصحابه فقتلهم، وأما القائد فإنه لحق بمحمد بن عبد الله بن محمد.
ثم إن المنصور حث زياد بن عبيد الله على طلب محمد وإبراهيم، فضمن له ذلك ووعده به، فقدم محمد المدينة قدمة، فبلغ ذلك زياداً فتلطف له وأعطاه الأمان على أن يظهر وجهه للناس، فوعده محمد ذلك، فركب زياد مع المساء وواعد محمداً سوق الظهر، وركب محمد، فتصايح الناس: يا أهل المدينة المهدي المهدي ! فوقف هو وزياد، فقال زياد: يا أيها الناس هذا محمد بن عبد الله بن الحسن؛ ثم قال له: الحق بأي بلاد الله شئت. فتوارى محمد.
وسمع المنصور الخبر فأرسل أبا الأزهر في جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين ومائة إلى المدينة، فأمره أن يستعمل على المدينة عبد العزيز بن المطلب وأن يقبض على زياد وأصحابه ويسير بهم إليه، فقدم أبو الأزهر المدينة ففعل ما أمره وأخذ زياداً وأصحابه وسار نحو المنصور، وخلف زياد في بيت مال المدينة ثمانين ألف دينار، فسجنهم المنصور ثم من عليهم بعد ذلك.
واستعمل المنصور على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري، وأمره بطلب محمد بن عبد الله وبسط يده في النفقة في طلبه. فقدم المدينة في رجب سنة إحدى وأربعين، فأخذ المال ورفع في محاسبته أموالاً كثيرة أنفقها في طلب محمد، فاستبطأه أبو جعفر واتهمه، فكتب إليه يأمره بكشف المدينة وأعراضها، فطاف ببيوت الناس فلم يجد محمداً.
فلما رأى المنصور ما قد أخرج من الأموال ولم يظفر بمحمد استشار أبا العلاء، رجلاً من قيس عيلان، في أمر محمد بن عبد الله وأخيه، فقال: أرى أن تستعمل رجلاً من ولد الزبير أو طلحة فإنهم يطلبونهما بذحلٍ ويخرجونهما إليك. فقال: قاتلك الله ما أجود ما رأيت ! والله ما خفي علي هذا، ولكني أعاهد الله لا أنتقم من بني عمي وأهل بيتي بعدوي وعدوهم، ولكني أبعث عليهم صعلوكاً من العرب يفعل بهم ما قلت.
فاستشار يزيد بن يزيد السلمي وقال له: دلني على فتى مقلٍ من قيس أغنيه وأشرفه وأمكنه من سيد اليمن، يعني ابن القسري، قال: هو رياح بن عثمان بن حيان المري، فسيره أميراً على المدينة في رمضان سنة أربع وأربعين.(3/23)
وقيل: إن رياحاً ضمن للمنصور أن يخرج محمداً وإبراهيم ابني عبد الله إن استعمله على المدينة، فاستعمله عليها، فسار حتى دخلها، فلما دخل دار مروان، وهي التي كان ينزلها الأمراء، قال لحاجب كان له يقال له أبو البختري: هذه دار مروان ؟ قال: نعم. قال: أما إنها محلال مظعان ونحن أول من يظعن منها. فلما تفرق الناس عنه قال لحاجبه: يا أبا البختري خذ بيدي ندخل على هذا الشيخ، يعني عبد الله بن الحسن؛ فدخلا عليه، وقال رياح: أيها الشيخ إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قريبة ولا ليد سلفت إليه، والله لا لعبت في كما لعبت بزياد وابن القسري، والله لأزهقن نفسك أو لتأتيني بابنيك محمد وإبراهيم ! فرفع رأسه إليه وقال: نعم، أما والله إنك لأزيرق قيس المذبوح فيها كما تذبح الشاة ! قال أبو البختري: فانصرف والله رياح آخذاً بيدي أجد برد يده وإن رجليه لتخطان الأرض مما كلمه. قال: فقلت له: إن هذا ما اطلع على الغيب. قال: إيهاً ويلك ! فوالله ما قال إلا ما سمع. فذبح كما تذبح الشاة.
ثم إنه دعا بالقسري وسأله عن الأموال، فضربه وسجنه وأخذ كاتبه زراعاً وعاقبه فأكثر، وطلب إليه أن يذكر ما أخذ محمد بن خالد من الأموال، وهو لا يجيبه، فلما طال عليه العذاب أجابه إلى ذلك، فقال له رياح: احضر الرفيعة وقت اجتماع الناس، ففعل ذلك، فلما اجتمع الناس أحضره فقال: أيها الناس إن الأمير أمرني أن أرفع على ابن خالد، وقد كتبت كتاباً لأنجو به وإنا لنشهدكم أن كل ما فيه باطل. فأمر رياح فضرب مائة سوط ورد إلى السجن.
وجد رياح في طلب محمد، فأخبر أنه في شعب من شعاب رضوى، جبل جهينة، وهو في عمل ينبع، فأمر عامله في طلب محمد، فهرب منه راجلاً فأفلت وله ابن صغير ولد في خوفه وهو مع جارية له فسقط من الجبل فتقطع، فقال محمد:
منخرق السّربال يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مروٍ حداد
شرّده الخوف فأزرى به ... كذاك من يكره حرّ الجلاد
قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد
وبينا رياح يسير في الحرة إذ لقي محمداً، فعدل محمد إلى بئر هناك فجعل يستقي، فقال رياح: قاتله الله أعرابياً ما أحسن ذراعه !
ذكر حبس أولاد الحسن
قد ذكرنا قبل أن المنصور حبسهم، وقد قيل أيضاً إن رياحاً هو الذي حبسهم.
قال علي بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي: حضرنا باب رياح في المقصورة، فقال الآذن: من كان ها هنا من بني الحسين فليدخل. فدخلوا من باب المقصورة وخرجوا من باب مروان. ثم قال: من ها هنا من بني الحسن فليدخل. فدخلوا من باب المقصورة ودخل الحدادون من بني مروان، فدعا بالقيود فقيدهم وحبسهم، وكانوا: عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي، والحسن وإبراهيم ابني الحسن بن الحسن، وجعفر بن الحسن بن الحسن، وسليمان وعبد الله ابني داود بن الحسن بن الحسن، ومحمد وإسماعيل وإسحاق بني إبراهيم بن الحسن بن الحسن، وعباس بن الحسن بن الحسن بن علي، وموسى ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن.
فلما حبسهم لم يكن فيهم علي بن الحسن بن الحسن بن علي العابد. فلما كان الغد بعد الصبح إذ قد أقبل رجل متلفف، فقال له رياح: مرحباً بك، ما حاجتك ؟ قال: جئتك لتحبسني مع قومي، فإذا هو علي بن الحسن بن الحسن، فحبسه معهم.
وكان محمد قد أرسل ابنه علياً إلى مصر يدعو إليه، فبلغ خبره عامل مصر، وقيل: إنه على الوثوب بك والقيام عليك بمن شايعه، فقبضه وأرسله إلى المنصور، فاعترف له وسمى أصحاب أبيه، وكان فيمن سمى عبد الرحمن بن أبي الوالي، وأبو حنين، فضربهما المنصور وحبسهما وحبس علياً، فبقي محبوساً إلى أن مات.
وكتب المنصور إلى رياح أن يحبس معهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان المعروف بالديباج، وكان أخا عبد الله بن الحسن بن الحسن، لأن أمهما جميعاً فاطمة بنت الحسين بن علي، فأخذه معهم.(3/24)
وقيل: إن المنصور حبس عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي وحده وترك باقي أولاد الحسن، فلم يزل محبوساً، فبقي الحسن بن الحسن بن الحسن قد نصل خضابه حزناً على أخيه عبد الله، وكان المنصور يقول: ما فعلت الحادة ؟ ومر الحسن بن الحسن بن الحسن على إبراهيم بن الحسن وهو يعلف إبلاً له فقال: أتعلف إبلك وعبد الله محبوس ! يا غلام أطلق عقلها ! فأطلقها ثم صاح في أدبارها فلم يوجد منها بعير.
فلما طال حبس عبد الله بن الحسن قال عبد العزيز بن سعيد للمنصور: أتطمع في خروج محمد وإبراهيم وبنو الحسن مخلون ؟ والله للواحد منهم أهيب في صدور الناس من الأسد ! فكان ذلك سبب حبس الباقين.
ذكر حملهم إلى العراق
ولما حج المنصور سنة أربع وأربعين ومائة أرسل محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة، ومالك بن أنس إلى بني الحسن، وهم في الحبس، يسألهم أن يدفعوا إليه محمداً وإبراهيم ابني عبد الله، فدخلا عليهم وعبد الله قائم يصلي، فأبلغاهم الرسالة، فقال الحسن بن الحسن أخو عبد الله: هذا عمل ابني المشومة ! أما والله ما هذا عن رأينا ولا عن ملاءٍ منا ولنا فيه حكم. فقال له أخوه إبراهيم: علام تؤذي أخاك في ابنيه وتؤذي ابن أخيك في أمه ؟ ثم فرغ عبد الله من صلاته فأبلغاه الرسالة، فقال: لا والله لا أريد عليكما حرفاً، إن أحب أن يأذن لي فألقاه فليفعل. فانطلق الرسولان فأبلغا المنصور، فقال: أيسخر بي، لا والله لا ترى عينه عيني حتى يأتيني بابنيه.
وكان عبد الله لا يحدث أحداً قط إلا قلبه عن رأيه.
ثم سار المنصور لوجهه، فلما حج ورجع لم يدخل المدينة ومضى إلى الربذة، فخرج إليه رياح إلى الربذة فرده إلى المدينة وأمره بإشخاص بني الحسن إليه ومعهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أخو بني الحسن لأمهم، فرجع رياح فأخذهم وسار بهم إلى الربذة، وجعلت القيود والسلاسل في أرجلهم وأعناقهم، وجعلهم في محامل بغير وطاء؛ ولما خرج بهم رياح من المدينة وقف جعفر بن محمد من وراء ستر يراهم ولا يرونه وهو يبكي ودموعه تجري على لحيته وهو يدعو الله، ثم قال: والله لا يحفظ الله حرميه بعد هؤلاء.
ولما ساروا كان محمد وإبراهيم ابنا عبد الله يأتيان كهيئة الأعراب فيسايران أباهما ويستأذنانه بالخروج، ويقول: لا تعجلا حتى يمكنكما ذلك. وقال لهما: إن منعكما أبو جعفر، يعني المنصور، أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين.
فلما وصلوا إلى الربذة أدخل محمد بن عبد الله العثماني على المنصور وعليه قميص وإزار رقيق، فلما وقف بين يديه قال: إيهاً يا ديوث ! قال محمد: سبحان الله ! لقد عرفتني بغير ذلك صغيراً وكبيراً ! قال: فممن حملت ابنتك رقية ؟ وكانت تحت إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، وقد أعطيتني الأيمان أن لا تغشني ولا تمالئ علي عدواً، أنت ترى ابنتك حاملاً وزوجها غائب وأنت بين أن تكون حانثاً أو ديوثاً ! وايم الله إني لأهم برجمها ! قال محمد: أما أيماني فهي علي إن كنت دخلت لك في أمر غش علمته، وأما ما رميت به هذه الجارية فإن الله قد أكرمها بولادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إياها، ولكني ظننت حين ظهر حمله أن زوجها ألم بها على حين غفلة. فاغتاظ المنصور من كلامه وأمر بشق ثيابه عن إزاره، فحكي أن عورته قد كشفت، ثم أمر به فضرب خمسين ومائة سوط، فبلغت منه كل مبلغٍ والمنصور يفتري عليه لا يكنى، فأصاب سوط منها وجهه، فقال: ويحك اكفف عن وجهي ! فإن له حرمة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأغرى المنصور فقال للجلاد: الرأس الرأس ! فضرب على رأسه نحواً من ثلاثين سوطاً وأصاب إحدى عينيه سوط فسالت، ثم أخرج وكأنه زنجي من الضرب، وكان من أحسن الناس، وكان يسمى الديباج لحسنه.
فلما أخرج وثب إليه مولى له فقال: ألا أطرح ركاني عليك ؟ قال: بلى جزيت خيراً ! والله إن لشفوف إزاري أشد علي من الضرب.
وكان سبب أخذه أن رياحاً قال للمنصور: يا أمير المؤمنين أما أهل خراسان فشيعتك، وأما أهل العراق فشيعة آل أبي طالب، وأما أهل الشام فوالله ما عليٌ عندهم إلا كافر، ولكن محمد بن عبد الله العثماني لو دعا أهل الشام ما تخلف عنه منهم أحد. فوقعت في نفس المنصور، فأمر به فأخذ معهم، وكان حسن الرأي فيه قبل ذلك.(3/25)
ثم إن أبا عون كتب إلى المنصور: إن أهل خراسان قد تغاشوا عني وطال عليهم أمر محمد بن عبد الله. فأمر المنصور بمحمد بن عبد الله بن عمر العثماني فقتل، وأرسل رأسه إلى خراسان، وأرسل معه من يحلف أنه رأس محمد بن عبد الله وأن أمه فاطمة بنت سول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما قتل قال أخوه عبد الله بن الحسن: إنا لله وإنا إليه راجعون ! إن كنا لنأمن به في سلطانهم ثم قد قتل منا في سلطاننا ! ثم إن المنصور أخذهم وسار بهم من الربذة فمر بهم على بغلة شقراء، فناداه عبد الله بن الحسن: يا أبا جعفر ما هكذا فعلنا بأسرائكم يوم بدر ! فأخسأه أبو جعفر وثقل عليه ومضى، فلما قدموا إلى الكوفة قال عبد الله لمن معه: أما ترون في هذه القرية من يمنعنا من هذا الطاغية ؟ قال: فلقيه الحسن وعلي ابنا أخيه مشتملين على سيفين فقالا له: قد جئناك يا بن رسول الله فمرنا بالذي تريد. قال: قد قضيتما ما عليكما ولن تغنيا في هؤلاء شيئاً، فانصرفا.
ثم إن المنصور أودعهم بقصر ابن هبيرة شرقي الكوفة، وأحضر المنصور محمد بن إبراهيم بن الحسن، وكان أحسن الناس صورةً، فقال له: أنت الديباج الأصغر ؟ قال: نعم. قال: لأقتلنك قتلةً لم أقتلها أحداً ! ثم أمر به فبني عليه أسطوانة وهو حي فمات فيها.
وكان إبراهيم بن الحسن أول من مات منهم، ثم عبد الله بن الحسن فدفن قريباً من حيث مات، فإن يكن في القبر الذي يزعم الناس أنه قبره وإلا فهو قريب منه. ثم مات علي بن الحسن.
وقيل: إن المنصور أمر بهم فقتلوا، وقيل: بل أمر بهم فسقوا السم، وقيل: وضع المنصور على عبد الله من قال له إن ابنه محمداً قد خرج فقتل فانصدع قلبه فمات، والله أعلم.
ولم ينج منهم إلا سليمان وعبد الله ابنا داود بن الحسن بن الحسن بن علي، وإسحاق وإسماعيل ابنا إبراهيم بن الحسن بن الحسن، وجعفر بن الحسن، وانقضى أمرهم.
ذكر عدة حوادث
كان على مكة هذه السنة السري بن عبد الله، وعلى المدينة رياح بن عثمان، وعلى الكوفة عيسى بن موسى، وعلى البصرة سفيان بن معاوية، وعلى مصر يزيد بن حاتم بن قتيبة بن المهلب بن أبي صفرة، وهو الذي قال فيه يزيد ابن ثابت يمدحه ويهجو يزيد بن أسيد السلمي:
لشتّان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليمٍ والأغرّ بن حاتم
في أبيات كثيرة. وكان ممدحاً جواداً.
وفيها ثار هشام بن عذرة الفهري، وهو من بني عمرو، ويوسف بن عبد الرحمن الفهري بطليطلة على الأمير عبد الرحمن الأموي، فاتبعه من فيها، فاسر إليه عبد الرحمن فحاصره وشدد عليه الحصار، فمال إلى الصلح وأعطاه ابنه أفلح رهينةً، فأخذه عبد الرحمن ورجع إلى قرطبة، فرجع هشام وخلع عبد الرحمن، فعاد إليه عبد الرحمن وحاصره ونصب عليه المجانيق، فلم يؤثر فيها لحصانتها، فقتل أفلح ابنه ورمى رأسه في المنجنيق ورحل إلى قرطبة ولم يظفر بهشام.
وفيها مات عبد الله بن شبرمة. وعمرو بن عبيد المعتزلي، وكان زاهداً. وبريد بن أبي مريم مولى سهل بن الحنظلية. وعقيل بن خالد الأيلي صاحب الزهري، وكان موته بمصر فجأةً. ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي أبو الحسن المدني. وهاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المدني.
بريد بضم الباء الموحدة، وفتح الراء المهملة. وعقيل بضم العين المهملة، وفتح القاف.

 

This site was last updated 07/07/11