جريدة المصرى اليوم تاريخ العدد الخميس ٢٠ سبتمبر ٢٠٠٧ عدد ١١٩٤ عن مقالة بعنوان [ نجوم المشيخة.. الشيخ محمد عبده.. «التلميذ» الذي تفوق علي أستاذه «الأفغاني» ] كتب ماهر حسن ٢٠/٩/٢٠٠٧
قال الخديو عباس حلمي الثاني إن الشيخ محمد عبده يدخل علي وكأنه فرعون، والتفت الخديو يسأل عبدالرحمن الكواكبي، عن رأيه في الأستاذ الإمام، فقال الكواكبي: إن إفريقية أخرجت كثيراً من العلماء والفلاسفة والحكماء، ولكنها أخرجت أخيراً حكيماً فاق جميع الحكماء هو الشيخ محمد عبده. وفي سنة ١٨٨٩م تقرر خروج الأفغاني من مصر،
وفي السويس خرج محمد عبده يودع الأفغاني فبكي بكاءً شديداً وهو يقول لتلاميذه: «لقد تركت لكم الشيخ محمد عبده وكفي به لمصر عالماً»، أما عباس محمود العقاد فقد وصف محمد عبده بقوله: «إنه عبقري الإصلاح والتعليم والهداية، إنه أعظم من أنجبته القرية المصرية، ونهض برسالة الأزهر في عصره».
أما الشيخ «رشيد رضا» الذي حط في مصر قادماً من طرابلس ليتتلمذ علي يد محمد عبده، فقد قال: «إن محمد عبده أعلم من أستاذه الأفغاني»، رشيد رضا أيضاً كتب تاريخ الأستاذ.
هذا هو الإمام الرائد المستنير والمجدد الذي رثاه شاعر النيل حافظ إبراهيم قائلاً:
بكي الشرق فارتجت له الأرض رجة
وضاقت عيون الكون بالعبرات
ففي الهند محزون وفي الصين جازع
وفي مصر باك دائم الحسرات
وفي الشام مفجوع وفي الفرس نادب
وفي تونس ماشئت من زفرات
إنه ابن نجيب من إحدي قري مصر الولودة بالعباقرة والعلماء، التي أنجبت رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وطه حسين والعقاد وأم كلثوم وسعد زغلول، أما القرية التي أنجبته فهي قرية «حصة شبشير» التابعة لمديرية الغربية قديماً، غير أنه نشأ في قرية «محلة نصر» التابعة لمديرية البحيرة وكان أخواله هم غالبية سكان «حصة شبشير»، وأصلهم يعود إلي قرية «بني عدي» من أسيوط واستقر بهم المقام في «شبشير»، فأم محمد عبده صعيدية أما والده فمن محلة نصر.
إذن لقد نشأ الإمام في أسرة كبيرة العدد، ويحدثنا الإمام عن نشأته الأولي في سيرته الذاتية فيقول: «تعلمت القراءة والكتابة في منزل والدي ثم انتقلت إلي دار حافظ قرآن، قرأت عليه وحدي جميع القرآن أول مرة، وبعد ذلك حملني والدي إلي طنطا لأجود القرآن في المسجد الأحمدي لشهرة قرائه بفنون التجويد وكان ذلك في سنة ١٨٦٢م.
الإمام محمد عبده يروي أيضاً كيف تلقي في المسجد الأحمدي شرح الكفراوي علي الأجرومية، وكيف كان المدرسون يفاجئونهم، باصطلاحات نحوية أو فقهية لا يفهمونها، فترك ذلك وتلقفه الشيخ درويش الذي جعله يقبل علي التحصيل والشيخ درويش خال والده وهو الذي حبب العلم لقلبه.
وفي عام ١٨٦٦م هبط محمد عبده إلي القاهرة والتحق بالأزهر، يتلقي فيه العلم، إلي أن جاء إلي مصر جمال الدين الأفغاني في مارس ١٨٧١م، وصاحبه محمد عبده وأخذ يتلقي عنه بعض العلوم الرياضية والكلامية و«الفلسفة».
وكان رفاعة الطهطاوي قد سبق الأفغاني إلي بر مصر لينشر المعرفة ويدعو لحرية الفكر والإصلاح، وتعليم المرأة، ويدعو للأخوة الوطنية والانفتاح علي العلوم الحديثة. أما الأفغاني فكان يلقي بذور الثورة الفكرية والسياسية، وكان من جلسائه محمد عبده وعبدالله النديم وسعد زغلول ومحمود سامي البارودي وإبراهيم المويلحي وإبراهيم اللقاني وحفني ناصف وأديب إسحاق وسليم النقاش.
وأخذ يشجع تلاميذه علي إصدار الصحف فأصدر أديب إسحاق جريدة «مصر»، التي كتب فيها الأفغاني والشيخ محمد عبده الذي شجع - بدوره - تلميذه رشيد رضا، فأصدر مجلة «المنار» واشترك مع الأفغاني في باريس في إصدار «العروة الوثقي» وفي لندن أصدر صحيفة «الاتحاد العربي» وخرج العرابيون من عباءة الأفغاني، لكن وبمناسبة الثورة العرابية، لابد أن تكون لنا وقفة إزاء موقف الإمام محمد عبده من الثورة العرابية فهو موقف جدير بالتأمل والدراسة،
ففي البداية كان محمد عبده علي خلاف مع عرابي في برنامجه العلمي، ورأي أن ينبه الرأي العام وإنهاض الأمة علي أسس التربية والتعليم، وخالف العرابيين في اتباع أسلوب يفتح الباب لتدخل عسكري أجنبي، وقال صراحة في بيت «طلبة عصمت باشا قائد الإسكندرية»: إن هذا الشغب قد يجر إلي البلاد احتلالاً أجنبياً»، آنذاك ابتسم عرابي قائلاً «أبذل جهدي في ألا أكون مورد هذه اللعنة» ولذلك فإن محمد عبده توقع حدوث احتلال بريطاني لمصر وصدق توقعه،
وتم احتلال مصر بعد فشل العرابيين احتلالاً دام سبعين سنة، ولكن بعد نفي الأفغاني ومع مقدمات الثورة ونكوص الخديو توفيق، تبدي الأمر واضحاً لمحمد عبده مما كشف عن ثورية كامنة تحت رداء الإصلاح والتربية والتعليم، وما أن بدأت الخطوة الأولي للثورة إلا وكان الأزهر يؤيدها ويشد من أزرها، ومن ٩ سبتمبر عام ١٨٨١ طالب الأزهريون بتنحية «الشيخ محمد العباسي» المفتي وتعيين محمد الإمبابي بدلاً منه، ومن جانبه رأي الإمبابي ضرورة خلع توفيق، وفي السياق نفسه أفتي الشيخ محمد عليش بأنه لا يصلح أن يكون توفيق حاكماً للمسلمين بعد أن باع مصر للأجانب.
وفي ٢٣ ديسمبر ١٨٨٢م أصدر الخديو توفيق أمراً بإلغاء جرائد «الزمان «والسفير» و«اللطائف» و«المفيد» و«النجاح»، وبدأت عملية قطع ألسنة الثورة العرابية ولحق محمد عبده بأستاذه الأفغاني في باريس مروراً ببيروت، وأصدر «العروة الوثقي» في ١٣ مارس ١٨٨٤م، وصدر منها ١٨ عدداً وتوقفت، وافترقا الأستاذ والتلميذ وذهب الأفغاني إلي استانبول وذهب محمد عبده إلي طرابلس الشام ثم بيروت وعمل بالتعليم وأصدر كتابه «رسالة التوحيد» هناك عام ١٨٨٥، والذي دعا فيه لفتح باب الاجتهاد وعاد إلي مصر عام ١٨٨٨م
كان محمد عبده يعطف علي أحمد لطفي السيد وسعد زغلول وقاسم أمين.
عاد محمد عبده لمصر عام ١٨٨٨م بعد تدخل من صديقه وتلميذه سعد زغلول لدي الأميرة نازلي فاضل، التي تدخلت لدي ابن عمها «الخديو توفيق» الذي وافق علي عودة الإمام، فلما عاد أبعدوه عن التعليم وعينوه قاضياً في محكمة بنها، ثم أشرف عام ١٨٩٢م علي تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية، ثم تم تعيينه في مجلس إدارة الأزهر عام ١٨٩٤، وتولي منصب الإفتاء سنة ١٨٩٩م وذات يوم من النصف الأول من شهر يوليو عام ١٩٠٥ توفي الإمام.
***************************
جريدة المصرى اليوم تاريخ العدد الجمعة ١ اغسطس ٢٠٠٨ عدد ١٥١٠ن مقالة بعنوان [ ١٠٣ أعوام ..علي رحيل الأستاذ والمفتي وشيخ الأزهر.. الإمام محمد عبده.. رائد الإصلاح وتحرير العقول ] كتب أحمد رياض أبوهميلة ١/٨/٢٠٠٨
[ الامام بين مريديه]
حيث ولد الإمام محمد عبده فى قرية محلة نصر محافظة الغربية عام ١٨٤٩م في أسرة متواضعة، ويبدو أن النضال السياسي كان متأصلاً في الجينات الوراثية لهذه الأسرة، فقد دخل والده السجن بعد وشاية من أحد الحاقدين عند الحكومة.
أحاط الأب ابنه محمد بالرعاية والاهتمام، فأدخله كتاب القرية، ثم الجامع الأحمدي، ولكن الطفل الصغير كان يرفض التعليم ويريد أن يلتحق بإخوته في الحقل ليعمل بالفلاحة، خاصة أن أحوال التعليم في ذلك الوقت كانت متدهورة، ولكن إصرار الأب كان أقوي فسارع إلي تقديم أوراق ابنه في الجامع الأزهر لتبدأ مسيرة كفاح الإمام فيه عام ١٨٦٦ فاشتعلت شرارة الثورة في نفسه، وأخذ ينهل العلم من كل منابعه فيمضي أيامه في القراءة والتعلم،
وعندما يعود في الإجازة إلي القرية يجد الشيخ (درويش خضر) في انتظاره يشجعه ويرفع من عزيمته، ويفتح عينيه علي العلوم الأخري التي لم يكن الأزهر يسمح بتعليمها، ليستزيد منها وتتوسع مداركه كما تأثر بالشيخ (حسن الطويل) الذي وجهه إلي العلوم العصرية، فأعجب به الإمام وأسرته شخصيته القوية وشجاعته وجرأته في الحق دون خوف أو مهادنة. وفيعام ١٨٧١م يحل جمال الدين الأفغاني ضيفاً علي مصر فيلتقي به الإمام، ويحدث بينهما انسجام فكري وإنساني نادر، وكان الأفغاني أكبر من محمد عبده بأربع سنوات فقط. ونمت علاقة متينة بينهما حتي قال عنه الأفغاني إنه من أنجب تلامذتي و(الشيخ محمد عبده لمصر أقوي من أسطول وأعز من جيش).ساهم الشيخان في تأسيس الحزب الوطني الحر قبل أن يحكم علي الأفغاني بالنفي. نال الشيخ محمد عبده شهادة العالمية من الأزهر عام ١٨٧٧م، وعمل أستاذاً للتاريخ في مدرسة دار العلوم (كلية دار العلوم حالياً).
وقد دعا إلي تعلم السياسة قائلاً: «ينبغي علي القائمين علي التربية أن يضعوا مناهج في الأدب السياسي، وشأن هذا المقرر أن يحدد معني المواطنة من معني الهمج والرعاع».
وتراه يسخر من المتشدقين بالحرية، وهم لا يعرفون عنها شيئاً (ومن الناس من يجاهر بين العامة بأقوال تتناقض مع دينه فإذا قيل له أخفض من صوتك أو أجمل في قولك رد عليه في الحال إنها الحرية)
كما أكد ضرورة فصل الدين عن السياسة، وهو صاحب مقولة: (ما دخلت السياسة شيئاً إلا أفسدته).
نقده برنامج محمد علي الإصلاحي
لم يتوقف الإمام عند دعوات الإصلاح الديني والاجتماعي فحسب، بل اقتحم أسوار النقد السياسي من خلال نقده البرنامج الإصلاحي، الذي قدمه محمد علي باشا والي مصر، الذي رآه الإمام راغباً في أن يتحرر من التبعية للسلطان العثماني، فأوقع مصر في تبعية أخطر للأجانب الذين حصلوا علي الامتيازات، وأطلقت أياديهم ليتصرفوا كيف شاءوا.
فيقول الإمام: (لقد اجتمع علي مصر ذُل الحكومة الاستبدادية المطلقة، وذُل الأجنبي الذي يسومهم سوء العذاب).
كما يقول عن التقدم العلمي في عهد محمد علي: (يقولون إنه السبب في أن نجم العلم سطع في مصر، نعم اهتم بالطب من أجل الجيش والجنود، نعم اهتم بالهندسة من أجل الري لتصل مياه النيل إلي أراضيه الإقطاعية، هل فكر يوماً في إصلاح اللغة؟، هل خطر في باله أن يجعل للأهالي رأياً في الحكومة أو في اختيار عاصمة البلاد أو عواصم الأقاليم؟ - أين البيوت المصرية وأين الحرية؟، لقد أرسل جماعة من طلاب العلم إلي أوروبا ليتعلموا فيها، فهل أطلق لهم الحرية عندما رجعوا؟ كلا، لكنه اتخذهم أداة تصنع له ما يريد، أين مدارس الفنون الحربية، وأين من نبغوا فيها؟ وهل هم من المصريين؟ أين الكتب المترجمة في التاريخ والأدب والفلسفة؟
أودعت المخازن وأغلقت عليها الأبواب حتي أواخر عهد إسماعيل باشا، أين الزراعة والصناعة؟ دفع الناس إلي الزراعة، ليأخذ منهم الغلات، دعا الناس إلي المصانع، ثم عاملهم بالسخرة. أبدع في إنشاء الجيش والأسطول وتجهيزهما، ولكن هل علم المصريين حب التجنيد يقولون إن الدين كان عماد سلطانه، أي دين؟ كان عماد سلطان محمد علي؟! دين تحصيل الضرائب؟! دين الكرباج؟! دين من لا دين له؟!
الإمام صحفياً
عندما تولي الخديو توفيق الحكم وأراد إصلاح الجريدة الرسمية «الوقائع المصرية» كان أول من فكر فيه هو الإمام محمد عبده، فولاه رئاسة تحريرها عام ١٨٨١م. وسرعان ما جعل منها نموذجاً للصحافة الوطنية، وكانت له لمسة سحرية علي الوقائع جعلتها من أهم الصحف المصرية في ذلك الوقت.
وأنشأ بها قسماً مستقلاً للمقالات الإصلاحية في التربية والاجتماع والاقتصاد، وضم إليها نخبة من الزعماء الوطنيين، وجعل منها منبراً للآراء الحرة، التي ساهمت في تأسيس المجلس الأعلي للمعارف، وفي عام ١٨٨٢م كان الكيل قد طفح بالمصريين وفي طليعتهم الجنود والعلماء واشتعلت الثورة العرابية، والتف الجميع حولها، ورغم أن الإمام محمد عبده لم يكن من المتحمسين للتغيير الثوري السريع إلا أن وطنيته دفعته لتأييد الثورة، التي سرعان ما انطفأت جذوتها بعد دخول الإنجليز مصر، واضطهاد الوطنيين، وكان الإمام ممن طالتهم أيادي التعسف والظلم فأودع السجن ثلاثة أشهر، ثم حكم عليه بالنفي خارج البلاد لمدة ثلاث سنوات بتهمة التآمر مع رجال الثورة.
من بيروت إلي باريس
وصل الإمام بيروت عام ١٨٨٣م، ولأنه كان عنيداً صبوراً أمضي أيامه في أحضان العلم، حتي جاءته الدعوة من الأفغاني الذي كان منفياً هو الآخر في باريس.
رئيس «الفتوى بالأزهر» يكشف: الإمام محمد عبده قُتل على أيدى الخديو والإنجليز
المصرى اليوم كتب عماد سيد أحمد ٢/ ٣/ ٢٠١٠
فجر الدكتور جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، مفاجأة تاريخية، عندما كشف عن وثائق تشير إلى أن الإمام محمد عبده، شيخ الجامع الأزهر، فى بداية القرن الماضى، مات مقتولاً على أيدى الاحتلال والخديو. وأكد فى ندوة، عقدها مركز يافا للأبحاث بجامعة القاهرة بعنوان «الرواد الأوائل للأزهر الشريف»، أن الخلاف بين الإمام من ناحية وبين السرايا الملكية والاحتلال الإنجليزى من ناحية أخرى، كان بسبب محاولاتهما السيطرة على الأزهر وحرمانه من الاستقلال والرغبة فى تطويع فتاواه لصالحهما.
وقال قطب: «الإمام الراحل تصدى لمحاولاتهما استحداث منصب (للمفتى) فى مواجهة منصب شيخ الأزهر، فأراد الاحتلال معاقبته بعلم القصر وتم قتله». وأشار قطب إلى أن واقعة الاغتيال كانت موثقة فى محضر، ولكن جرى حفظه «مثلما حدث فى اغتيال الشيخ حسن البنا، ولولا قرار عبدالناصر بإعادة التحقيق بعد الثورة لظل الأمر مجهولاً، مثلما الحال مع محمد عبده»، موضحاً أن سلطات الاحتلال والخديو تآمرا لقتل الإمام بعد إدراكهما خطورة دور الأزهر وأهمية دور شيخه.من جهة أخرى، ناقشت الندوة التى شارك فيها عدد من علماء الأزهر، «٧ أبحاث» عن دور الأزهر الشريف منذ إنشائه قبل ١٠٧٠ عاماً، فى مواجهة أفكار الغلو والتطرف والدعوة إلى الوسطية الإسلامية.
****
وفاة الإمام محمد عبده
المصرى اليوم كتب ماهر حسن ١١/ ٧/ ٢٠١٠
فى ١٨٤٩ ولد الإمام محمد عبده، ونشأ فى قرية محلة نصر بمحافظة البحيرة، وألحقه أبوه بالكُتّاب بجامع السيد البدوى بطنطا ليجوّد القرآن ويدرس شيئًا من علوم الفقه واللغة العربية، وبقى هناك عاماً ونصف العام لكنه ضاق بالمقررات الجامدة، فقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلى الزراعة..
ولكن أباه أصر على تعليمه، فهرب إلى خال أبيه، الشيخ درويش خضر الذى استطاع أن يعيد إليه الثقة، وعاد الإمام إلى الجامع الأحمدى، ثم انتقل إلى الجامع الأزهر ١٨٦٥، واستمر فيه ١٢ عاما ونال العالمية سنة ١٨٧٧، واتصل بالشيخ حسن الطويل الذى حرّك نزعة البحث لديه، إلى أن التقى الأفغانى، وتلازم الشيخان، درس محمد عبده أيضا فى دار العلوم وفى مدرسة الألسن وكتب المقالات فى «الأهرام»،
ولما تولّى الخديو توفيق وجاء رياض باشا رئيسا للنظار اتجه إلى إصلاح «الوقائع المصرية»، واختار محمد عبده ليقوم بهذه المهمة، وبقى فيها عاما ونصف العام، وعندما اشتعلت الثورة العرابية سنة ١٨٨٢ التفّ حولها كثير من الوطنيين، وانضم إلى المؤيدين للثورة، وتم القبض عليه وحُكم عليه بالنفى لثلاث سنوات.
فانتقل إلى بيروت سنة ١٨٨٣، وأقام بها عاماً، ثم دعاه أستاذه الأفغانى إلى باريس، حيث منفاه، وأصدرا مجلة «العروة الوثقى» التى أزعجت الإنجليز والفرنسيين، فأخمدوها وعاد الشيخ إلى بيروت سنة ١٨٨٥، ثم دُعى للتدريس فى «المدرسة السلطانية» ببيروت، وبعد وساطات من سعد زغلول والأميرة نازلى صدر العفو عنه سنة ١٨٨٩، وعاد لمصر، وعمل على إصلاح العقيدة، والمؤسسات الإسلامية كالأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، ووضع تقريرًا حول الإصلاحات التى يريدها ورفعه إلى اللورد كرومر.
وتم تعيينه قاضيًا أهليًا فى محكمة بنها، ثم الزقازيق، ثم عابدين، ثم عُين مستشاراً فى محكمة الاستئناف سنة ١٨٩٥، وتُوفى الخديو توفيق سنة ١٨٩٢، وتولى الخديو عباس، ووثق صلته به وأتيحت الفرصة للشيخ محمد عبده لتحقيق حلمه بإصلاح الأزهر، وفى عام ١٨٩٩ تم تعيينه مفتيًا للبلاد، ثم ساءت علاقته بالخديو عباس بعدما اعترض على ما أراده الخديو من استبدال أرض من الأوقاف بأخرى له، إلا إذا دفع الخديو للوقف عشرين ألفاً فرقًا بين الصفقتين، وتحول الموقف إلى عداء سافر من الخديو، حتى اضطر إلى الاستقالة من الأزهر فى سنة ١٩٠٥، وأحس الشيخ بالمرض، واشتدت عليه وطأة المرض وتُوفى فى مثل هذا اليوم ١١ من يوليو ١٩٠٥