Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر 71/ 9 خ.م

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
جدول ولاة الأمويين
بن العاص 9/ 1 خ. ع
عبدالله 10/ 2 خ.م
بن حديج
عتبه 11/ 3 خ.م
الوردان12/ 4 خ.م
الجهنى13/ 5 خ.م
الأنصارى 14/ 6 خ.م
الأزدى 15/ 7 خ.م
جحدم 16/ 8 خ.م
عبد العزيز 17/ 9 خ.م
زياد  18/ 10 خ.م
عبدالله 19/ 11 خ.م
بن مخزوم 20/ 12 خ.م
بن شريك 21/ 13 خ.م
عبد الملك 22/ 14 خ.م
بن شرحبيل 22/ 15 خ.م
بشر 23/ 16 خ.م
حنظلة24/ 17 خ.م
عقبة 25/ 18 خ. م
محمد 26/ 19 خ.م
الحر 27/ 20 خ.م
حفص 28/ 21 خ.م
عبد الملك 29/ 22 خ.م
الوليد 30/ 23خ زم
بن الحبحاب 31/ 24 خ.م
بن خالد 32/ 25 خ.م
حنظلة 33/ 26 خ.م
حفص 34/ 27 خ.م
بن عتاهيه 35/ 28 خ.م
حفص 36/ 29 م.خ
الحوثرة 37/ 30م.خ
أبا الجراح 38/ 31 خ.م
المغيرة 39/ 32 خ.م
الوليد 40/ 33 خ.م
مروان 41/ 34 خ.م

ولاية عبد العزيز بن مروان فى خلافة أبيه مروان بن عبد الحكم سنة  65 هـ
ولى مروان ابنه عبد العزيز بن مروان على مصر وجمع له الصلاة والخراج معًا‏.‏
ثم خرج منها مروان يريد الشأم بعد أن أوصى ولده عبد العزيز بوصايا كثيرة مضمونها الرفق بأهل مصر (يقصد العرب المسلمين ) ‏.‏
وكان خروج مروان من مصر في أول يوم من شهر رجب‏.‏
وقال ابن كثير‏:‏ وفيها يعني سنة خمس وستين دخل مروان بن الحكم وعمرو بن سعيد الأشدق إلى مصر فأخذاها من نائبها لعبد الله بن الزبير‏.‏
وكان سبب ذلك أن مروان قصدها فخرج إليه نائبها عبد الرحمن بن جحدم فقابله مروان ليقاتله فاشتغل به وخلص عمرو بن سعيد بطائفة من الجيش من وراء عبد الرحمن بن جحدم فدخل مصر وملكها وهرب عبد الرحمن بن جحدم‏.‏
ودخل مروان إلى مصر فتملكها وجعل عليها ولده عبد العزيز بن مروان‏.‏
انتهى كلام ابن كثير برمته‏.‏

ولما أقام عبد العزيز بمصر وقع بها الطاعون في سنة سبعين فخرج عبد العزيز من مصر ونزل بحلوان فأعجبته فاتخذها سكنًا وجعل بها الحرس والأعوان وبنى بها الدور والمساجد وعمرها أحسن عمارة وغرس نخلها وكرمها‏

ثم جهز البعث لقتال ابن الزبير في البحر في سنة اثنتين وسبعين‏.‏

ثم لما طالت أيام عبد الملك في الخلافة بعد قتل عبد الله بن الزبير ثقل عليه أمر عبد العزيز وأراد أن يخلعه من ولاية العهد ويجعلها عبد الملك لولديه الوليد وسليمان من بعده فمنعه قبيصة بن ذؤيب من ذلك وكان قبيصة على خاتم عبد الملك وقال له ‏:‏ لا تفعل ذلك فإنك باعث على نفسك صوتًا ولعل الموت يأتيه فتستريح منه فكف عن ذلك ونفسه تنازعه حتى دخل عليه روح بن زنباع الجذامي وكان أجل الناس عند عبد الملك فشاوره في ذلك فقال روح‏ :‏ لو خلعته ما انتطح فيها عنزان فبينما هما على ذلك وقد نام عبد الملك وروح تلك الليلة عنده إذ دخل عليهما قبيصة ليلًا وكان لا يحجب عن عبد الملك وكانت الأخبار والكتب تأتيه فيقرؤها قبل عبد الملك فقيل له ‏:‏ قد جاء قبيصة فدخل قبيصة فقال ‏:‏ آجرك الله يا أمير المؤمنين في عبد العزيز‏.‏
فاسترجع عبد الملك وقال لروح ‏:‏ يا أبا زرعة كفانا الله ما أجمعنا عليه فقال له قبيصة ‏:‏ فداك ما أردت ولم تقطع رحم أبيك ولم تأت مات عاب به ولم يظهر منك غدر‏ .‏
وقيل غير ذلك‏:‏ وهو أن عبد الملك كتب لأخيه عبد العزيز هذا ‏:‏ يا أخي إن رأيت أن تصير الأمر لابن أخيك الوليد فافعل فأبى عبد العزيز فكتب إليه عبد الملك ثانية‏:‏ فاجعله من بعدك فإنه أعز الخلق إلي فكتب إليه عبد العزيز ‏:‏ إني أرى في أبي بكر بن عبد العزيز يعني ابنه ما تراه في الوليد فكتب عبد الملك إليه ثالثة ‏:‏ فاحمل خراج مصر إلي فكتب إليه عبد العزيز‏:‏ إني وإياك قد بلغنا سنًا لم يبلغها أحد من أهلنا وإنا لا ندري أينا يأتيه الموت أولًا فإن رأيت آلا تغنث علي بقية عمري ولا يأتيني الموت إلا وأنت واصل فافعل فرق له عبد الملك وقال ‏:‏ لا أغنث عليه بقية عمره وقال لابنيه الوليد وسليمان ‏:‏ إن يرد الله أن يعطيكماها لم يقدر أحد من الخلق على ردها عنكما ثم قال لهما‏:‏ هل قارفتما حرامًا قط‏.‏
قالا‏:‏ لا والله فقال عبد الملك ‏:‏ نلتماها ورب الكعبة‏.‏
وقيل‏:‏ إن عبد العزيز لمارد كلام عبد الملك قال عبد الملك‏:‏ اللهم إنه قد قطعني فاقطعه‏.‏
فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام
‏:‏ رد على أمير المؤمنين أمره فدعا عليه فاستجيب له فيه‏.‏
قلت‏:‏ وكانت وفاة عبد العزيز في ثالث عشر جمادى الأولى سنة ست وثمانين من الهجرة وقيل سنة خمس وثمانين فكانت ولايته على مصر عشرين سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يومًا‏.‏

وتولى مصر من بعده عبد الله بن عبد الملك بن مروان‏.

قال ابن سعد‏:‏ مات بمصر سنة خمس وثمانين قبل أخيه عبد الملك بسنة‏.‏
وقال الحافظ ابن يونس‏:‏ ولي مصر عشرين سنة‏.‏
وقال الليث بن سعد‏:‏ توفي في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين وله حديث وهو‏:‏ سمعت أبا هريرة يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع ‏"‏ انتهى كلام الذهبي باختصار‏.‏

عبد العزيز وحلوان

ذكر المؤرخ المسلم المقريزى فى لمواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار البلاد التالية فى الجزء الأول  42 / 167 : قال ابن عبد الحكم‏:‏ وكان الطاعون قد وقع بالفسطاط فخرج عبد العزيز بن مروان من الفسطاط فنزل بحلوان داخلًا في الصحراء في موضع منها يقال له‏:‏ أبو قرقورة وهو رأس العين التي احتفرها عبد العزيز بن مروان وساقها إلى نخيلة التي غرسها بحلوان فكان ابن خديج يرسل إلى عبد العزيز في كل يوم بخبر ما يحدث في البلد من موت وغيره فأرسل إليه ذات يوم رسولًا فأتاه فقال له عبد العزيز‏:‏ ما اسمك‏.‏
فقال‏:‏ أبو طالب فثقل ذلك على عبد العزيز وغاظه فقال له عبد العزيز‏:‏ أسألك عن اسمك فتقول أبو طالب ما اسمك فقال‏:‏ مدرك فتفاءل بذلك ومرض في مخرجه ذلك ومات هنالك فحمل في البحر يُراد به الفسطاط حتى تغير فأنزل في بعض خصوص ساحل مريس فغسل فيه وأخرجت من هنالك جنازته وخرج معه بالمجامر فيها العود لما كان قد تغير من ريحه وأوصى عبد العزيز أن يُمرّ بجنازته إذا مات على منزل جناب بن مرثد بن زيد بن هانئ الرعينيّ صاحب حرسه وكان صديقًا له وقد توفي قبل عبد العزيز فمر بجنازته على باب جناب وقد خرج عيال جناب ولبسن السواد ووقفن على الباب صائحات ثم اتبعنه إلى المقبرة وكان لنصيب من عبد العزيز ناحية فقدم عليه في مرضه فأذن له فلما رأى شدة مرضه أنشأ يقول‏:‏ ونزور سيدنا وسيد غيرنا ليت التشكي كان بالعوّاد لو كان يقبل فدية لفديته بالمصطفى من طارفي وتلادي فلما سمع صوته فتح عينيه وأمر له بألف دينار واستبشر بذلك آل عبد العزيز وفرحوا به ثم مات‏.‏
وقال الكندي‏:‏ ووقع الطاعون بمصر في سنة سبعين فخرج عبد العزيز بن مروان منها إلى الشرقية منتديًا فنزل حلوان فأعجبته فاتخذها وسكنها وجعل بها الحرس والأعوان والشرط فكان عليهم جناب بن مرثد بحلوان وبنى عبد العزيز بحلوان الدور والمساجد وعمرها أحسن عمارة وأحكمها وغرس نخلها و رمها فقال ابن قيس الرقيات‏:‏ سقيًا لحلوان في الكروم وما صنف من تينه ومن عنبه نخل مواقير بالفناء من ال برنيّ يهتز ثم في سربه ولما غرس عبد العزيز نخل حلوان وأطعم دخله والجند معه فجعل يطوف فيه ويقف على غروسه ومساقيه فقال يزيد بن عروة الجملي‏:‏ ألا قلت أيها الأمير كما قال العبد الصالح‏:‏ ما شاء الله لا قوّة إلا بالله فقال‏:‏ أذكرتني شكرًا يا غلام قل لأنيتاس‏:‏ يزيدُ في عطائه عشرة دنانير‏.‏
عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشيّ الأمويّ أبو الأصبغ أمّه ليلى ابنة زبان بن الأصبغ الكنديّ روى عن أبي هريرة وعقبة بن عامر الجهني وروى عنه عليّ بن رباح وبحير بن داخرة وعبيد الله بن مالك الخولانيّ وكعب بن علقمة ووثقه النسائي وابن سعد‏.‏
ولما سار أبوه مروان إلى مصر بعثه في جيش إلى أيلة ليدخل مصر من تلك الناحية فبعث إليه ابن جحدم أمير مصر بجيش عليهم‏:‏ زهير بن قيس البلويّ فلقي عبد العزيز ببصاق وهي سطح عقبة أيلة فقاتله فانهزم زهير ومن معه فلما غلب مروان على مصر في جمادى الآخرة سنة خمس وستين جعل صلاتها وخراجها إلى ابنه عبد العزيز بعدما أقام بمصر شهرين فقال عبد العزيز‏:‏ يا أمير المؤمنين كيف المقام ببلد ليس به أحد من بني أبي‏.‏
فقال له مروان‏:‏ يا بني عُمهم بإحسانك يكونوا كلهم بني أبيك واجعل وجهك طلقًا تصف لك مودّتهم وأوقع إلى كل رئيس منهم إنه خاصتك دون غيره يكن لك عينًا على غيره وينقاد قومه إليك وقد جعلت معك أخاك بشرًا مؤنسًا وجعلت لك موسى بن نصير وزيرًا أو مشيرًا وما عليك يا بنيّ أن تكون أميرًا بأقصى الأرض أليس ذلك أحسن من إغلاق بابك وخمولك في منزلك وأوصاه عند مخرجه من مصر إلى الشام فقال‏:‏ أوصيك بتقوى الله في سرّ أمرك وعلانيته فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأوصيك أن لا تجعل لداعي الله عليك سبيلًا فإن المؤذن يدعو إلى فريضة افترضها الله إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا وأوصيك أن لا تعد الناس موعدًا إلا أنفذته لهم وإن حملته على الأسنة وأوصيك أن لا تعجل في شيء من الحكم حتى تستشير فإن الله لو أغنى أحدًا عن ذلك لأغنى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم عن ذلك بالوحي الذي يأتيه قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وشاورهم في الأمر ‏"‏ آل عمران‏.‏
وخرج مروان من مصر لهلال رجب سنة خمس وستين فوليها عبد العزيز على صلاتها وخراجها وتوفي مروان لهلال رمضان وبويع ابنه عبد الملك بن مروان فأقرّ أخاه عبد العزيز ووفد على عبد الملك في سنة سبع وستين وجعل له الحرس والخيل والأعوان جناب بن مرثد الرعينيّ فاشتد سلطانه وكان الرجل إذا غلظ لعبد العزيز وخرج تناوله جناب ومن معه فضربوه وحبسوه وعبد العزيز أوّل من عَرف بمصر في سنة إحدى وسبعين‏.‏

قال يزيد بن أبي حبيب‏:‏ أوّل من أحدث القعود يوم عرفة في المسجد بعد العصر عبد العزيز بن مروان‏.‏ ,

وقال ابن عفير‏:‏ كان لعبد العزيز ألف جفنة كل يوم تنصب حول داره وكانت له مائة جفنة يُطاف بها على القبائل تُحمل على العجل وكتب عبد الملك إليه أن ينزل له عن ولاية العهد ليعهد إلى الوليد وسليمان فأبى ذلك وكتب إليه إن يكن لك ولد فلنا أولاد ويقضي الله ما يشاء فغضب عبد الملك وقال‏:‏ فرّق الله بيني وبينه فلم يزل به عليّ حتى رضي فقدم على عبد العزيز فأخبره عن عبد الملك وعن حاله ثم أخبره بدعوته فقال‏:‏ أفعل أنا والله مفارقه واللّه ما دعا دعوة قط إلا أجيبت وكان عبد العزيز يقول‏:‏ قدمت مصر في إمرة مسلمة بن مخلد فتمنيت بها ثلاث أمانيّ فأدركتها تمنيت ولاية مصر وأن أجمع بين امرأتي مسلمة ويحجبني قيس بن كليب حاجبه فتوفي مسلمة وتدم مصر فوليها وحجبه قيس وتزوج امرأتي مسلمة وتوفي ابنه الأصبغ بن عبد العزيز لتسع بقين من ربيع الآخر سنة ست وثمانين فمرض عبد العزيز وتوفي ليلة الإثنين لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ست وثمانين فحمل في النيل من حلوان إلى الفسطاط فدفن بها‏.‏
وقال ابن أبي مليكة‏:‏ رأيت عبد العزيز بن مروان حين حضره الموت يقول‏:‏ ألا ليتني لم أك شيئًا مذكورًا ألا ليتني كنابتة من الأرض أو كراعي إبل في طرف الحجاز ولما مات لم يوج

د له مال ناض إلا سبعة آلاف دينار وحلوان والقيسارية وثياب بعضها مرقوع وخيل ورقيق وكانت ولايته على مصر عشرين سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يومًا ولم يلها في الإسلام قبله أطول ولاية منه‏.‏ وكان بحلوان في النيل معدية من صوّان تُعدّي بالخيل تحمل فيها الناس وغيرهم من البر الشرقيّ بحلوان إلى البرّ الغربيّ فلما كان وهذا من الأسرار التي في الخليقة فإن جميع الأجسام المعدنية كالحديد والنحاس والفضة والرصاص والنصب والقصدير إذ عمل من شيء منها إناء يسع من الماء أكثر من وزنه فإنه يعوم على وجه الماء ويحمل ما يمكنه ولا يغرق وما برح المسافرون في بحر الهند إذا أظلم عليهم الليل ولم يروا ما يهديهم من الكواكب إلى معرفة الجهات يحملون حديدة مجوّفة على شكل سمكة ويبالغون في ترقيقها جهد المقدرة ثم يعمل في فم السمكة شيء من مغناطيس جيدًا ويحك فيها بالمغناطيس فإن السمكة إذا وضعت في الماء دارت واستقبلت القطب الجنوبيّ بفمها واستدبرت القطب الشماليّ وهذا أيضًا من أسرار الخليقة فإذا عرفوا جهتي الجنوب والشمال تبين منهما المشرق والمغرب فإن من استقبل الجنوب فقد استدبر الشمال وصار المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره فإذا تحدّدت الجهات الأربع عرفوا مواقع البلاد بها فيقصدون حينئذٍ جهة الناحية التي يريدونها‏.‏  عبد الملك أول خليفة تضرب الدنانير العربية فى عصره بعد أن كانوا يستعملون عمله بيزنطية 
 بضرب الدراهم والدنانير فضربها في سنة ست وسبعين ‏.‏  وعبد الملك أول من أحدث ضربها في الإسلام فانتفع الناس بذلك‏.‏
وكان سبب ضربها أنه كتب في صدر كتاب إلى الروم‏:‏ ‏"‏ قل هو الله أحد ‏"‏ وذكر النبي صلى الله عليه وسلم مع التاريخ فكتب إليه ملك الروم‏:‏ إنكم قد أحدثتم كذا وكذا فاتركوه وإلا أتاكم في دنانيرنا من ذكر نبيكم ما تكرهون فعظم ذلك عليه فأحضر خالد بن يزيد بن معاوية فاستشاره فيه فقال‏:‏ حرم دنانيرهم واضرب للناس سكة وفيها ذكر الله تعالى ‏"‏ ولا تعفهم مما يكرهون في الطوامير ‏"‏‏.‏
ثم استشار أخاه عبد العزيز فأشار عليه أيضًا بذلك فضرب الدنانير والدراهم‏.‏
ثم إن الحجاج ضرب الدراهم ونقش فيها‏:‏ ‏"‏ قل هو الله أحد ‏"‏ فكره الناس ذلك لمكان القرآن فإن الجنب والحائض يمسها ونهى أن يضرب أحد غيره فضرب سمير اليهودي فأخذه الحجاج ليقتله فقال له‏:‏ عيار دراهمي أجود من عيار دراهمك فلم تقتلني‏.‏
فلم يتركه فوضع للناس سنج الأوزان ليتركه فلم يفعل وكان الناس لا يعرفون الوزن بل يزنون بعضها ببعض فلما وضع لهم سمير السنج كف بعضهم عن غبن بعض‏.‏
وأول من شدد في أمر الوزن وخلص الفضة أبلغ من تخليص من كان قبله عمر بن هبيرة أيام يزيد بن عبد الملك وجود الدراهم ثم خالد بن عبد الله القسري أيام هشام بن عبد الملك فاشتد فيه أكثر من ابن هبيرة‏.‏
ثم ولي يوسف بن عمر فأفرط في الشدة وامتحن يومًا العيار فوجد درهمًا ينقص حبة فضرب كل صانع ألف سوط‏.‏
وكانوا مائة صانع فضرب في حبة واحدة مائة ألف سوط‏.‏
وكانت الدراهم الهبيرية والخالدية واليوسفية أجود نقود بني أمية ولم يكن أبو جعفر المنصور يقبل في الخراج غيرها فسميت الدراهم الأولى مكروهة‏.‏
وقيل‏:‏ إن الدراهم المكروهة هي الدراهم التي ضربها الحجاج ونقش عليها‏:‏ ‏"‏ قل هو الله أحد ‏"‏ فكرهها العلماء‏.‏
وكانت دراهم الأعاجم مختلفة كبارًا وصغارًا فكانوا يضربون منها المثقال وزن عشرين قيراطًا واثني عشر قيراطًا وعشرة قراريط وهي أصناف المثاقيل فلما ضربوا الدراهم في الإسلام أخذ الوسط من ثلث هذا العدد وهو أربعة عشر قيراطًا فصار الدرهم العربي أربعة عشر قيراطًا ووزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل‏
.‏

المسلمين ضربوا الدنانير ( العملة الإسلامية ) بعد نبشهم القبور

بعد نشفت موارد الشعوب من الذهب والأموال أتجه الإستعمار العربى الإستيطانى الإسلامى إلى نبش قبور الموتى فى البلاد المستعمرة ويقول المقريزى فى الخطط (3) : " ولمصر أخبار عجيبة فى المدافن والمبانى وما يوجد فى المدافن من ذخائر الملوك التى أستودعوها فى الأرض وتسمى " المطالب " وذكر يحى بن بكير قال كان عبد العزيز بن مروان عاملا (واليا) بمصر لأخيه الخليفة عبد الملك بن مروان فأتاه رجل متنصح فسأله عن نصحه فقال : " بالقبة الفلانية كنز عظيم " .. فقال عبد العزيز وما مصداق ذلك قال : " هو أن يظهر بلاط من المرمر والرخام عند يسير من الحفر ثم ينتهى بنا الحفر إلى بار من الصخر تحته عمود من ذهب على أعلاه ديك عيناه ياقوتتان تساويان ملك الدنيا والزمرد على رأسه على صفائح من ذهب على أعلى العمود "

فأمر عبد العزيز بنفقة لأجره من يحفر من الرجال فى ذلك ويعمل فيه وكان هناك تل كبير فحفروا حفرة عظيمة فى الأرض ووجدوا الرخام والمرمر ظهر فإزداد عبد العزيز حرصاً على ذلك وأوسع فى النفقة وأكثر من الرجال ثم أستمروا فى الحفر إلى أن ظهر الديك فبرق عند ظهوره لمعان عظيم لما فى عينه من ياقوت ثم ظهرت جناحاه ثم بانت جوانبه وظهر حول العمود عمود من البناء بأنواع من الحجارة والرخام وقناطر مقنطرة وطاقات على أبواب معقودة ولاحت منها تماشيل وصور أشخاص من أنواع الصور الذهب وأجرية من احجار قد أطبق عليها أغطيتها وسبكت فركب (حصانه) عبد العزيز بن مروان حتى أشرف على الموضع فنظر إلى ما ظهر من ذلك فأسرع بعضهم ووضع قدمه على درجة من نحاس ينتهى إلى ما هناك

فلما أستقرت قدماه على المرفأ ظهر سيقان عاديان عن يمين الدرجة وشمالها فألتقيا على الرجل فلم يدرك حتى جزآه قطعا وهوى جسمه أسفل فلما أستقر جسمه على درجات السلم أهتز العمود وصفر الديك صفيراً عجيباً سمعه من كان على بعد من هناك وحرك جناحية وظهرت من تحته أصوات عجيبة قد عملت بالكواكب والحركات والحركات إذا مال وقع على بعض الدرجات وأنقلبت فتهاوى من هناك من الرجال إلى أسفل الحفرة وكان فيها من يحفر ويعمل وينقل التراب وينظر ويحول ويأمر وينهى حوالى ألف رجل فهلكوا جميعاً فخرج عبد العزيز وقال : " هذا ردم عجيب " وأخرجوا التراب على من هلك من الناس فكان الموضع قبر لهم "

وقد أعتاد المسلمون ينبشون القبور من حديث عبدالله بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا من الطائف فمررنا بقبر فقال هذا قبر أبى رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التى أصابت قومه بهذا المكان ودفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه عصا من ذهب إن نبشتم عليه أصبتموه معه فإبتدره الناس فأخرجوا العصا الذى كان معه

وفي سنة 75 هـ فى ولاية عمر بن عبد العزيز على مصر السنة العاشرة فى حكمه قال جمال الدين أبو المحاسن فى كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (1) : "  ضرب عبد الملك بن مروان على الدينار والدرهم اسم الله تعالى‏ , وسببه أنه وجد دراهم ودنانير تاريخها قبل الإسلام بثلاثمائة سنة أو بأربعمائة سنة مكتوب عليها‏:‏ باسم الأب والابن وروح القدس‏.‏
قال الزهري‏:‏ كانت الدراهم على ثلاثة أصناف‏:‏ الوافية وزن الدرهم مثقال والبغلية وزن الدرهم نصف مثقال والزيادية وزن العشرة ستة مثاقيل‏.‏
فجمع عبد الملك هذه الأصناف وضربها على ما هي الآن عليه‏.‏ "

المختار الكذاب
بن مروان على مصر وهي سنة ست وستين‏:‏ فيها عزل عبد الله بن الزبير عن الكوفة أميرها وأرسل عليها عبد الله بن مطيع وفي أثناء هذا الأمر خرج المختار الكذاب من السجن والتف عليه خلق من الشيعة وقويت شوكته وضعف أمر عبد الله بن مطيع معه ثم إنه توثب بالكوفة فقاتله طائفة من أهل الكوفة فهزمهم وقتل منهم رفاعة بن شداد وعبد الله بن سعد بن قيس وغلب على الكوفة وهرب منه عبد الله بن مطيع إلى ابن الزبير وجعل المختار يتتبع قتلة الحسين بن علي فقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص وشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين بن علي ثم افترى المختار على الله أنه يأتيه جبريل بالوحي فلهذا قيل عنه‏:‏ المختار الكذاب‏.‏
وفيه يقول سراقة بن مرداس‏:‏ الوافر كفرت بوحيكم وجعلت نذرًا علي هجاءكم حتى الممات أري عيني ما لم ترأياه كلانا عالم بالترهات وفيها أيضًا التقى المختار مع عبيد الله بن زياد فقتل عبيد الله بن زياد وقتل معه شرحبيل بن ذي الكلاع وحصين بن نمير السكوني واصطلم المختار جيشهم وقتل خلقًا كثيرًا وطيف برؤوس هؤلاء وقيل إن ذلك في الآتية‏.‏
وكان عامله على المدينة أخاه مصعب بن الزبير وعامله على البصرة عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وكان بالكوفة المختار متغلبًا عليها وبخراسان عبد الله بن خازم‏.‏
وفى سنة 66 هـ كان الطاعون بمصر ومات فيه خلائق عظيمة وهذا خامس طاعون مشهور في الإسلام‏.

وهذا  الطاعون يكون سابع طاعون في الإسلام فإن الأول كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والثاني طاعون عمواس في عهد عمر رضي الله عنه والثالث بالكوفة في زمن أبي موسى الأشعري والرابع بالكوفة أيضًا في زمن المغيرة بن شعبة والخامس الطاعون الذي مات فيه زياد ثم الطاعون بمصرفي سنة ست وستين‏.‏

الخليفة عبد الملك بن مروان قبة الصخرة حيث لم تكن موجودة من قبل
وفي 72 هـ  شرع الخليفة عبد الملك بن مروان في عمارة القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة جامع الأقصى وقيل‏:‏ بل كان شروعه في ذلك سنة سبعين‏.‏

وفي سنة 69 هـ عقد عبد العزيز بن مروان صاحب الترجمة لحسان الغساني على غزو إفريقية‏.‏
وفيها اجتمعت الروم واستجاشوا على من بالشام فصالح الخليفة عبد الملك بن مروان ملكهم على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار خوفًا منه على المسلمين‏
وسبب بناء عبد الملك أن عبد الله بن الزبير لما دعا لنفسه بمكة فكان يخطب في أيام منى وعرفة وينال من عبد الملك ويذكر مثالب بني أمية ويذكر أن جده الحكم كان طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه فمال أكثر أهل الشأم إلى ابن الزبير فمنع عبد الملك الناس من الحج فضجوا فبنى لهم القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليصرفهم بذلك عن الحج والعمرة فصاروا يطوفون حول الصخرة كما يطوفون حول الكعبة وينحرون يوم العيد ضحاياهم وصار أخوه عبد العزيز بن مروان صاحب مصر يعرف بالناس بمصر ويقف بهم يوم عرفة‏.‏

وفى سنة 70 هـ وكان عبد العزيز بن مروان واليا على مصر أنتشر:‏ فيها الوباء بمصر وقيل فيها كان طاعون الجارف المقدم ذكره في لماضية‏.‏

وفيها تحول عبد العزيز بن مروان صاحب الترجمة من مصر إلى حلوان حسبما ذكرناه في أول ترجمته واشتراها من القبط بعشرة آلاف دينار‏.‏

وفيها تحركت الروم على أهل الشام وعجز عبد الملك بن مروان عنهم لاشتغاله بقتال عبد الله بن الزبير فصالح ملك الروم على أن يؤدي له في كل جمعة ألف دينار‏

خليفة واحد على المسلمين وقتل الثانى - إذلال الصحابة وختمهم فى أعناقهم

وفى سنة 71 هـ من ولاية عبد العزيز على مصر كانت الخلافة مقسومة بين خليفتين‏:‏ عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان‏:‏ أما الحرمان والعراق كله فبيد عبد الله بن الزبير والشام ومصر وما يليهما بيد عبد الملك بن مروان والفتن قائمة بينهما والحروب واقعة في كل سنة‏.‏
وفيها كانت الوقعة بين عبد الملك بن مروان وبين مصعب بن الزبير وقتل مصعب في المعركة وكان مصعب من أجمل الناس وأشجعهم وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة وكنيته أبو عبد الله والمشهور أبو عيسى وكان مصعب يجالس أبا هريرة ورآه جميل بثينة بعرفات فقال‏:‏ إن هاهنا لشابا أكره أن تراه بثينة أعني لجماله‏.‏
ولما قتل مصعب بن الزبير أخذ أمر أخيه عبد الله بن الزبير في إدباره‏.‏
وقيل‏:‏ إن قتلة مصعب كانت في سنة اثنتين وسبعين و
وفى سنة 73 هـ أثناء السنة الثامنة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر قتل أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو بكر وقيل أبو خبيب القرشي الأسدي أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق له صحبة ورواية حاصره الحجاج بن يوسف الثقفي بالبيت الحرام أشهرًا ونصب على الكعبة المنجنيق ورمى به على البيت غير مرة حتى قتل ابن الزبير
وبعد قتل عبد الله بن الزبير صار في الإسلام خليفة واحد وهو عبد الملك ابن مروان‏
وفى 74 هـ أثناء السنة التاسعة من ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر ذهب الحجاج مكة بعد أنقطاع بعدما بنى البيت الحرام إلى المدينة فأقام بها ثلاثة أشهر يتعنت أهلها وبنى بها مسجدًا في بني سلمة يعرف به وأخذ بعض الصحابة وختم عليهم في أعناقهم روى الواقدي عن ابن أبي ذؤيب عمن رأى جابر بن عبد الله مختومًا في يده ورأى أنس بن مالك مختوما في عنقه يذلهما بذلك‏.‏
قال الواقدي‏:‏ وحدثني شرحبيل بن أبي عون عن أبيه قال‏:‏ رأيت الحجاج أرسل إلى سهل بن سعد الساعدي فقال‏:‏ ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان فقال‏:‏ قد فعلت قال‏:‏ كذبت ثم أمر به فختم في عنقه برصاص‏.‏

وقال المقريزى فى  المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 60 من 167 ) : " وجعل مروان صلات مصر عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص أبو الأصبغ ولي من قبل أبيه لهلال رجب سنة خمس وستين على الصلات والخراج ومات أبوه  وبويع من بعده عبد الملك بن مروان فأقر أخاه عبد العزيز ووقع الطاعون بمصر سنة سبعين فخرج عبد العزيز منها ونزل حلوان فاتخذها دارًا وسكنها وجعل بها الأعوان وبنى بها الدور والمساجد وعمرها أحسن عمارة وغرس نخلها وكرمها وعرف بمصر وهو أول من عرف بها في سنة إحدى وسبعين وجهز البعث في البحر لقتال ابن الزبير في سنة اثنتين وسبعين ثم مات لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ست وثمانين فكانت ولايته عشرين سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يومًا‏.‏

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

الجزء الثالث

ثم دخلت سنة أربع وثمانين

ذكر موت عبد العزيز بن مروان
والبيعة للوليد بولاية العهد

كان عبد الملك بن مروان أراد أن يخلع أخاه عبد العزيز من ولاية العهد ويبايع لابنه الوليد بن عبد الملك، فنهاه عن ذلك قبيصة بن ذوئيب وقال: لا تفعل فإنك تبعث على نفسك صوت عار، ولعل الموت يأتيه فتستريح منه. فكف عنه ونفسه تنازعه إلى خلعه.
فدخل عليه روح بن زنباع، وكان أجل الناس عند عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين لو خلعته ما انتطح فيه عنزان، وأنا أول من يجيبك إلى ذلك. قال: نصبح إن شاء الله. ونام روح عند عبد الملك، فدخل عليهما قبيصة بن ذؤيب وهما نائمان، وكان عبد الملك قد تقدم إلى حجابه أن لا يحجبوا قبيصة عنه، وكان إليه الخاتم والسكة تأتيه الأخبار قبل عبد الملك والكتب. فلما دخل سليم عليه، قال: آجرك الله ما كنا نريد، وكان ذلك مخالفاً لك يا قبيصة. فقال قبيصة: يا أمير المؤمنين إن الرأي كله في الأناة، فقال عبد الملك: وربما كان في العجلة خير كثير، رأيت أمر عمرو بن سعيد، ألم تكن العجلة فيه خيراً من الأناة؟ وكانت وفاة عبد العزيز في جمادى الأولى في مصر، فضم عبد الملك عمله إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك وولاه مصر. [ج3 (2/326)]
وقيل: إن الحجاج كتب إلى عبد الملك يزين له بيعة الوليد وأوفد في ذلك وفداً، فلما أراد عبد الملك خلع عبد العزيز والبيعة للوليد كتب إلى عبد العزيز: إن رأيت أن يصير هذا الأمر لابن أخيك. فأبى، فكتب إليه ليجعل الأمر له ويجعله له أيضاً من بعده. فكتب إليه عبد العزيز: إني أرى في ابني أبي بكر ما ترى في الوليد. فكتب إليه عبد الملك ليحمل خراج مصر، فأجابه عبد العزيز: إني وإياك يا أمير المؤمنين قد بلغنا سناً لم يبلغها أحد من أهل بيتك إلا كان بقاؤه قليلاً، وإنا لا ندري أينا يأتيه الموت أولاً، فإن رأيت أن لا تفسد علي بقية عمري فافعل. فرق له عبد الملك وتركه، وقال للوليد وسلميان: إن يرد الله أن يعطيكما الخلافة لا يقدر أحد من العباد على رد ذلك. فقال عبد الملك حيث رده عبد العزيز: اللهم إنه قطعني فاقطعه.
فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام: رد على أمير المؤمنين أمره. فلما أتى خبر موته إلى عبد الملك أمر الناس بالبيعة لابنيه الوليد وسلميان، فبايعوا، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان. وكان على المدينة هشام بن إسماعي، فدعا الناس إلى البيعة فأجابوا، إلا سعيد بن المسيب فإنه أبى وقال: لا أبايع وعبد الملك حي، فضربه هشام ضرباً مبرحاً وطاف به وهو في تبان شعر حتى بلغ رأس الثنية التي يقتلون ويصلبون عندها ثم ردوه وحبسوه. فقال سعيد: لو ظننت أنهم لا يصلبونني ما لبست ثياب مسوح ولكنني قلت يصلبونني فيسترني. فبلغ عبد الملك الخبر فقال: قبح الله هشاماً، إنما كان ينبغي أن يدعوه إلى البيعة، فإن أبى أن يبايع فيضرب عنقه أو يكف عنه. وكتب إليه يلومه ويقول له: إن سعيداً ليس عنده شقاق ولا خلاف.
وقد كان سعيد امتنع من بيعة ابن الزبير وقال: لا أبايع حتى يجتمع الناس. فضربه جابر بن الأسود عامل ابن الزبير ستين سوطاً، فبلغ ذلك ابن الزبير فكتب إلى جابر يلومه وقال: ما لنا ولسعيد، دعه لا تعرض له.
وقيل: إن بيعة الوليد وسليمان كانت سنة أربع وثمانين، والأول أصح، قبل قدوم عبد العزيز على أخيه عبد الملك من مصر، فلما فارقه وصاه عبد الملك فقال: ابسط بشرك وألن كنفك وآثر الرفق في الأمور فهو أبلغ بك، وانظر حاجبك وليكن من خير أهلك، فإنه وجهك ولسانك، ولا يفن أحد ببابك إلا أعلمك مكانه لتعلم أنت الذي تأذن له أو ترده، فإذا خرجت إلى مجلسك فابدأ جلساءك بالكلام يأنسوا بك وتثبت في قلوبهم محبتك، وإذا انتهى إليك مسكل فاستظهر عليه بالمشاورة فإنها تفتح مغاليق الأمور المهمة، واعلم أن لك نصف الرأي ولأخيك نصفه، ولن يهلك امرؤ عن مشورة، وإذا سخطت على أحد فأخر عقوبته فإنك على العقوبة بعد التوقف عنها أقدر منك على ردها بعد إمضائها. والسلام.
ذكر عدة حوادث
حج بالناس هذه السنة هشام بن إسماعيل المخزومي. وكان العامل على العراق والمشرق الحجاج بن يوسف. وفيها غزا محمد بن مروان أرمينية فصاف فيها وشتى.
وفي هذه السنة مات عمرو بن حريث المخزومي. وفيها مات عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وقيل سنة سبع، وقيل سنة ثمان وثمانين، وفيها مات عبد الله بن عامر بن ربيعة حليف بني عدي، وكان له لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ، وأربع سنين.ج3 (2/327)]

 
 

This site was last updated 06/17/11