عمرو بن العاص ثانيًا على مصر وكان تولاها فى المرة الأولى من قبل الخليفة عمر بن الخطاب وكانت مدة ولايته على مصر خمسة سنوات
وولاية عمرو بن العاص هذا في هذه المرة من قبل معاوية بن أبى سفيان وكان دخوله إلى مصر في شهر ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين وجمع إليه معاوية الصلاة والخراج في ولايته هذه.
وسبب انتماء عمرو إلى معاوية أن عمرًا كان لما عزله عثمان بن عفان عن مصر بعبد الله بن سعد بن أبي سرح المقدم ذكره توجه عمرو وأقام بمكة منكفًا عن الناس حتى كانت وقعة الجمل .
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي قال جويرية بن أسماء حدثني عبد الوهاب ابن يحيى بن عبد الله بن الزبير حدثنا أشياخنا: أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش له نباهة أعمى فيها من عمرو بن العاص وما زال مقيمًا بمكة ليس في شيء مما فيه الناس حتى كانت وقعة الجمل فلما فرغت بعث إلى ولديه عبد الله ومحمد فقال : إني قد رأيت رأيًا ولستما باللذين ترداني عن رأيي ولكن أشيرا علي إني رأيت العرب صاروا عنزين يضطربان وأنا طارح نفسي بين جزاري مكة ولست أرضى بهذه المنزلة فإلى أي الفريقين أعمد قال له ابنه عبد الله : إن كنت لا بد فاعلًا فإلى علي قال : إني إن أتيت عليًا قال : إنما أنت رجل من المسلمين وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره فأتى معاوية .
وعن عروة وغيره قال: دعا عمرو ابنيه فأشار عليه عبد الله أن يلزم بيته لأنه أسلم له فقال محمد: أنت شريف من أشراف العرب وناب من أنيابها لا أرى أن تتخلف فقال عمرو لابنه عبد الله: أما أنت فأشرت علي بما هو خير لي في آخرتي وأما أنت يا محمد فأشرت علي بما هو أنبه لذكري.
ارتحل فارتحلوا إلى الشام غدوة وعشية حتى أتوا الشام.
فقال: يا أهل الشام إنكم على خير وإلى خير تطلبون بدم عثمان خليفة قتل مظلومًا فمن عاش منكم فإلى خير ومن مات فإلى خير. وقال عامر بن أبي واثلة الكناني لمعاوية: أما عمرو بن العاص فأقطعته مصر - المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار المقريزى - الجزء الأول 5 / 167
قال: فأعطاه مصر يعطي ويروى أن عليًا كتب إلى عمرو يتألفه فلما أتاه الكتاب أقرأه معاوية وقال: قد ترى فإما أن ترضيني وإما أن ألحق به! قال: فما تريد قال: مصر فجعلها له.
وعن يزيد بن أبي حبيب وغيره أن الأمر لما صار لمعاوية استكثر طعمة مصر لعمرو ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره وعنائه وظن أن معاوية سيزيده الشأم مع مصر فلم يفعل معاوية فتنكر له عمرو فاختلفا وتغالظا فدخل بينهما معاوية بن حديج فأصلح بينهما وكتب بينهما كتابًا: إن لعمرو ولاية مصر سبع سنين وأشهد عليهما شهودًا ثم مضى عمرو إليها سنة تسع وثلاثين أعني في ولايته الثانية فما مكث نحو ثلاث سنين حتى مات. قال: وكان عمرو من أفراد الدهر دهاء وجلادة وحزمًا ورأيًا وفصاحة.
********************
هذه القصيدة المسماة بالجلجلية كتبها عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان في جواب كتابه إليه يطلب خراج مصر ويعاتبه على امتناعه عنه، توجد منها نسختان في مجموعتين في المكتبة الخديوية بمصر كما في فهرستها المطبوع سنة 1307 ج 4 ص 314 وروى جملة منها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2 ص 522 وقال : رأيتها بخط أبي زكريا يحيى (أحد أئمة اللغة والنحو قال ابن ناصر : كان ثقة في النقل وله المصنفات الكثيرة . كذا ترجم له ابن كثير في تاريخه 12 ص 171) بن علي الخطيب التبريزي المتوفى 502 .
وقال الاسحاقي في " لطايف أخبار الدول " ص 41 : كتب معاوية إلى عمرو بن العاص : إنه قد تردد كتابي إليك بطلب خراج مصر وأنت تمتنع وتدافع ولم تسيره فسيره إلي قولا واحدا وطلبا جازما، والسلام .
وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبى سوفيان جوابا وهي القصيدة الجلجلية المشهورة التي أولها :
معــــاويــــــة الفضل لا تنس لي * وعــــن نهــــــج الحــــــق لا تعــــدل
نسيــــت احتــــيالي فــــي جــلق * عــــلى أهلها يــــوم لــــبس الحلي ؟
وقد أقبلوا زمــــرا يهــــرعــون * ويــــأتون كــــالبــقــــر الــــمهــــــــل
ومنها أيضا :
ولــــولاي كنــــــت كمثل النساء * تعــــــاف الخـــــروج مــــن المنـــزل
نسيــــت محــــاورة الأشعــــري * ونحــــن عــــلى دومــــة الجــــنـدل ؟
وألعــــقــــتــــه عــــسلا بـــاردا * وأمــــزجــــت ذلــــك بالحــــنظــل(في رواية الخطيب التبريزي)
فألمظه عسلا باردا * وأخبأ من تحته حنظلي
أليــــن فيطمع فــــي جــــانـــبي * وسهــــمي قــــد غــــاب فـي المفصل
وأخلعــــتها منــــه عــن خدعة * كخــــلع النــعــــال مــــن الأرجــــــــل
وألبستها فــــيك لمــــا عجــزت * كــــلبس الخــــواتيم فــــي الأنــــمـــل
ومنها أيضا :
ولــــم تــــك والله مــــن أهــلها * ورب الــــمــــقام ولــــم تــــكــــمـــــل
وســــيرت ذكــرك في الخافقين * كــــسير الجــــنوب مــــع الشــــمـــأل
نصــــرناك من جهلنا يا بن هند * عــــلى البطــــل الأعــــظم الأفــــضـل
وكــــنت ولــــن ترها في المنام * فــــزفت إلــــيك ولا مــــهـــــــر لــــي
وحــــيث تـــركنا أعالي النفوس * نــــزلنا إلــــى أســــفــــل الأرجـــــــل
وكــــم قـد سمعنا من المصطفى * وصــــايــــا مخــــصصة فــــي عــلي
ومنها أيضا :
وإن كــــان بــــيــــنكمــــا نـسبة * فــــأين الحــــسام مــــن المــــنجل ؟
وأيــــن الثــــريا وأيــن الثرى ؟ * وأيــــن معــــاوية مــــن عــــلــــي ؟
فلما سمع معاوية هذه الأبيات لم يتعرض له بعد ذلك . ا ه .
وذكر الشيخ محمد الأزهري في شرح مغني اللبيب 1 ص 82 هذه الأبيات برمتها حرفيا نقلا عن تاريخ الاسحاقي غير أنه حذف قوله :
وحيث تركنا أعالي النفـــــوس * نــــزلنا إلى أسفـــــل الأرجــــل
وذكر منها ثلاث عشر بيتا ابن شهر آشوب في " المناقب " 3 ص 106 .
وأخذ منها السيد الجزايري في " الأنوار النعمانية " ص 43 عشرين بيتا .
وذكر برمتها الزنوزي في الروضة الثانية من رياض الجنة وقال : هذه القصيدة تسمى بالجلجلية لما في آخرها : وفي عنقي علق الجلجل .
وخمسها بطولها الشاعر المفلق الشيخ عباس الزيوري البغدادي، وقفت عليه في ديوانه المخطوط المصحح بقلمه، ويوجد التخميس في إحدى نسختي المكتبة الخديوية بمصر .
***********************************
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة النجوم الزاهرة ( 8من 273 ) : "
ولاية عمرو بن العاص ثانيًا على مصر قد تقدم الكلام في أول ولايته على نسبه وصحبته للنبي " ص " ثم أخذه مصر ثانيًا في ترجمة محمد بن أبي بكر الصديق وكيفية قتاله وكيف ملك مصر منه.
وولاية عمرو بن العاص هذا في هذه المرة من قبل معاوية بن أبى سفيان وكان دخوله إلى مصر في شهر ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين وجمع إليه معاوية الصلاة والخراج في ولايته هذه.
وسبب انتماء عمرو إلى معاوية أن عمرًا كان لما عزله عثمان بن عفان عن مصر بعبد الله بن سعد بن أبي سرح المقدم ذكره توجه عمرو وأقام بمكة منكفًا عن الناس حتى كانت وقعة الجمل.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي قال جويرية بن أسماء حدثني عبد الوهاب ابن يحيى بن عبد الله بن الزبير حدثنا أشياخنا: أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش له نباهة أعمى فيها من عمرو بن العاص وما زال مقيمًا بمكة ليس في شيء مما فيه الناس حتى كانت وقعة الجمل فلما فرغت بعث إلى ولديه عبد الله ومحمد فقال: إني قد رأيت رأيًا ولستما باللذين ترداني عن رأيي ولكن أشيرا علي إني رأيت العرب صاروا عنزين يضطربان وأنا طارح نفسي بين جزاري مكة ولست أرضى بهذه المنزلة فإلى أي الفريقين أعمد قال له ابنه عبد الله: إن كنت لا بد فاعلًا فإلى علي قال: إني إن أتيت عليًا قال: إنما أنت رجل من المسلمين وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره فأتى معاوية.
وعن عروة وغيره قال: دعا عمرو ابنيه فأشار عليه عبد الله أن يلزم بيته لأنه أسلم له فقال محمد: أنت شريف من أشراف العرب وناب من أنيابها لا أرى أن تتخلف فقال عمرو لابنه عبد الله: أما أنت فأشرت علي بما هو خير لي في آخرتي وأما أنت يا محمد فأشرت علي بما هو أنبه لذكري.
ارتحل فارتحلوا إلى الشام غدوة وعشية حتى أتوا الشام.
فقال: يا أهل الشام إنكم على خير وإلى خير تطلبون بدم عثمان خليفة قتل مظلومًا فمن عاش منكم فإلى خير ومن مات فإلى خير.
فما زال مع معاوية حتى وقع من أمره ما حكيناه في أول ترجمته وغيرها.
ودخل مصر ووليها بعد محمد بن أبي بكر الصديق ومهد أمورها.
ثم خرج منها وافدًا على معاوية بالشام واستخلف على مصر ولده عبد الله بن عمرو - وقيل خارجة بن حذافة - وحضر أمر الحكمين ثم رجع إلى مصر على ولايته ودام بها إلى أن كانت قصة الخوارج الذين خرجوا لقتل علي ومعاوية وعمرو هذا.
فخرج عبد الرحمن بن ملجم لقتل علي رضي الله عنه وقيس إلى معاوية ويزيد إلى عمرو بن العاص وسار الثلاثة كل واحد إلى جهة من هو متوجه لقتله وتواعد الجميع أن يثب كل واحد على صاحبه في سابع عشر شهر رمضان فأما عبد الرحمن فإنه وثب على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتله حسبما نذكره في ترجمته وأما قيس فوثب على معاوية وضربه فلم تؤثر فيه الضربة غير أنه جرح وأما يزيد فإنه توجه إلى عمرو هذا فعرضت لعمرو علة تلك الليلة منعته من الصلاة فصلى خارجة بالناس فوثب عليه يزيد يظنه عمرًا فقتله وأخذ يزيد وأدخل على عمرو فقال يزيد: أما والله ما أردت غيرك فقال عمرو: ولكن الله أراد خارجة فصار مثلًا: أردت عمرًا وأراد الله خارجة.
وأقام عمرو بعد ذلك مدة سنين حتى مات بها فيما نذكره إن شاء الله تعالى في آخر هذه الترجمة.
قيل: إنه لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى فقال له ابنه عبد الله: أتبكي جزعًا من الموت فقال: لا والله ولكن مما بعده وجعل ابنه يذكره بصحبته رسول الله " ص " وفتوحه الشام فقال عمرو: تركت أفضل من ذلك: شهادة أن لا إله إلا الله إني كنت على ثلاثة أطباق ليس منها طبقة إلا عرفت نفسي فيها: كنت أول شيء كافرًا وكنت أشد الناس على رسول " ص " فلو مت حينئذ لوجبت لي النار فلما بايعت رسول الله " ص " كنت أشد الناس منه حياءً ما ملأت عيني منه فلو مت حينئذ لقال الناس: هنيئًا لعمرو أسلم على خير ومات على خير أحواله ثم تلبست بعد ذلك بأشياء فلا أدري أعلي أم لي فإذا أنا مت فلا يبكى علي ولا تتبعوني نارًا وشدوا علي إزاري فإني مخاصم فإذا أوليتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها أستأنس بكم حتى أعلم ما أراجع به رسل ربي.
قال الذهبي: أخرجه أبو عوانة في مسنده.
وفي رواية: أنه بعدها حول وجهه إلى الجدار وهو يقول: اللهم أمرتنا فعصينا ونهيتنا فما انتهينا ولا يسعنا إلا عفوك.
وفي رواية: أنه وضع يده على موضع الغل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم لا قوي فأنتصر ولا بريء فأعتذر ولا مستكبر بل مستغفر لا إله إلا أنت فلم يزل يرددها حتى مات رضي الله عنه.
وقال الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو أن أباه قال: اللهم أمرت بأمور ونهيت عن أمور فتركنا كثيرًا مما أمرت ووقعنا في كثير مما نهيت.
اللهم لا إله إلا أنت.
ثم أخذ بإبهامه فلم يزل يهلل حتى توفي.
قال الذهبي وأيده الطحاوي: حدثنا المزني سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال: كيف أصبحت قال: أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلًا وأفسدت من ديني كثيرًا.
فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت.
ولو كان ينفعني أن أطلب لطلبت ولو كان ينجيني أن أهرب لهربت.
فعظني بموعظة أنتفع بها يا بن أخي فقال: هيهات يا أبا عبد الله! فقال: اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك فخذ مني حتى ترضى.
وكانت وفاة عمرو المذكور في ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين فصلى عليه ابنه ودفنه ثم صلى بالناس صلاة العيد.
قاله أبو فراس مولى عبد الله بن عمرو.
وقال الليث بن سعد والهيثم بن عدي والواقدي وابن بكير: وسنه نحو مائة سنة.
وقال أحمد العجلي وغيره: تسع وتسعون سنة.
وقال ابن نمير: توفي سنة اثنتين وأربعين.
قلت: والأول هو المتواتر.
وكان عمرو رضي الله عنه من أدهى العرب وأحسنهم رأيًا وتدبيرًا.
قيل: إنه اجتمع مع معاوية بن أبي سفيان مرة فقال له معاوية: من الناس فقال: أنا وأنت والمغيرة بن شعبة وزياد قال معاوية: كيف ذلك قال عمرو: أما أنت فللتأني وأما أنا فللبديهة وأما المغيرة فللمعضلات وأما زياد فللصغير والكبير قال معاوية: أما ذانك فقد غابا فهات بديهتك يا عمرو قال: وتريد ذلك قال نعم قال: فأخرج من عندك فأخرجهم معاوية فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أسارك فأدنى معاوية رأسه منه فقال عمرو: هذا من ذاك من معنا في البيت حتى أسارك! ولما مات عمرو ولي مصر عتبة بن أبي سفيان من قبل أخيه معاوية.
********************************
وقال المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 60 من 167 )
ثم وليها: عمرو بن العاص: ولايته الثانية من قبل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فاستقبل بولايته شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وجعل إليه الصلاة والخراج جميعًا وجعلت مصر له طعمة بعد عطاء جندها والنفقة في مصلحتها