Home Up الجزية لنهب الشعوب كتاب الجزية في مصر المال الخراجى والهلالى مقاومة الأقباط للجزية العرب المسلمين يسرقون الأقباط هل مصر فتحت عنوة؟ الجزية لـ آل عثمان تاريخ الجزية والخراج خطابات بين الخطاب والعاص القرطبى والجزية نظام جمع الجزية الديوان/وتوزيع الجزية توزيع العطاء خراج مصر المقس أو المكس أو العشور الجزية هى الأتاوة مصطلحات الجزية | | كتب بقلم: د. يونان لبيب رزق فى جريدة الأهرام بتاريخ الخميس 27/7/2006م السنة 130 العدد 43697 استقر في أفهام المصريين أن ما تجمعه السلطة القائمة في القاهرة منهم, سواء علي شكل أموال في العصور الحديثة, أو علي شكل مشاركة في حاصلاتهم الزراعية فيما قبل, إنما هو نوع من الإتاوة تحصل عليها الحكومة مقابل حمايتهم, سواء بقواتها العسكرية من أي عدوان خارجي, أو برجال أمنها من أية مخاطر داخلية,وليس أكثر. زاد من تأكيد هذا المفهوم ذلك الانفصال الذي ظل قائما بين هؤلاء وحكامهم بامتداد القرون السابقة علي قدوم الحملة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر(1798), سواء من المماليك أو العثمانيين, وقد امتد حكم الأخيرين لنحو ثلاثة قرون, فلم يكن للمصريين أي نصيب في شئون حماية بلادهم, سواء كان هذا النصيب بحمايتها من العدوان الخارجي, وهو الدور الذي أوكل أساسا لأوجاق( فرقة) الانكشارية, أو بتوفير الأمن الداخلي, وهو ما قامت به فرقة عثمانية أخري هي أوجاق العزبان. ويختلف مفهوم الإتاوة عن مفهوم الضريبة في أنه ليس لدافعيها أن يحاسبوا جامعيها علي طرق إنفاقها, علي اعتبار أنهم قد تقاضوا مقابلها مقدما, وأنهم الجانب الضعيف الذي لا يستطيع أن يحاسب الحكام, علي عكس الحال في العالم الغربي حيث قنن العهد الأعظمMagnacarta, الذي انتزعه البارونات من الملك جون حاكم إنحلترا, مفهوم( الضريبة) قبل زمن بعيد, وفي عام1512 علي وجه التحديد, وهو العهد الذي تضمن المبدأ المشهور أنه' لا ضريبة بدون تمثيلNoTaxationwithnorepresentation' مما اعتبره المؤرخون بمثابة الميلاد الحقيقي للحياة الدستورية. ولا يمكن القول أن التحول من مفهوم الإتاوة إلي مفهوم الضريبة قد حدث فجأة في مصر, بل أكثر من ذلك أننا نزعم أنه لم يستكمل أركانه حتي وقتنا هذا.. بالنسبة( للحدوث) فهو قد بدأ يتزعزع منذ قدوم الحملة الفرنسية إلي البلاد, فدور الحماية الذي قام به الحكم العثماني-المملوكي, استقر في أعماق المصريين بأنه تجاه' الفرنجة الكفار' الذين كان آخر عهدهم بهم كعسكريين في الحملة الصليبية التي قادها لويس التاسع, أما أن تأتي الطبعة الجديدة من هؤلاء بقيادة نابليون بونابرت وتنزل الهزيمة تلو الأخري بهؤلاء الحكام الذين لم يملكوا في النهاية سوي الفرار من وجهها, سواء جنوبا إلي الصعيد أو شرقا إلي الشام, فقد سقط مع ذلك السبب الرئيسي للقبول باستمرار الإتاوة, الأمر الذي بدا في الثورات التي تتالت علي الحكام القدامي الذين عادوا إلي البلاد خلال الفترة القصيرة التي أعقبت خروج الفرنسيين من البلاد(1801-1805), وهي الثورات التي كان دافعها الأساسي مبالغة الحكام العائدين في إتباع نفس الطرق القديمة في جمع الأموال من المصريين, وكان أظهرها ما قام به هؤلاء ضد المماليك, والتي رفعوا خلالها النداء الشهير' إيش تاخد من تفليسي يابرديسي' بكل دلالاته الاقتصادية! أما بالنسبة( لاستكمال الأركان) فهو ما لا نستطيع أن نزعم بحدوثه علي الرغم من كل التأثيرات التي خلفتها الحملة الفرنسية, وعلي الرغم من الاتفاق علي أن محمد علي باشا(1805-1848) قد صنع' دولة حديثة', وكان مفروضا أن يكون التحول من الإتاوة إلي الضريبة أحد أسسها. صحيح أن الجوانب التي كان يقبل معها المصريون بفكرة الإتاوة قد تضعضعت, سواء المتمثلة في القوات العسكرية الغريبة عنهم خاصة بعد أن تكون الجيش المصري الحديث من أبناء الفلاحين, أو الناتجة عن المخاوف التقليدية الموروثة من الفرنجة من العصور الوسطي, بعد أن ملأ هؤلاء الدوائر الحكومية كخبراء, وبعد أن انبثوا بين صفوف الشعب كتجار وأرباب أعمال, أو المتمثلة في المخاوف من غزوهم بعد أن أثبتت لهم الحملة الفرنسية حقيقة كانت غائبة عنهم, وهي أن الفرنجة الذين جاءوهم في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر' حاملين العلم والتقدم' مما اكتشفه الشيخ الجبرتي والشيخ العطار وغيرهم بعد أن خالطوا علماء الحملة, غير الفرنجة الذين داهموهم قبل ذلك بسبعة قرون' حاملين الصليب'!! كل هذا صحيح, ولكن الصحيح أيضا أن نظام الحكم لم يكن قابلا للتغيير بين يوم وليلة, فالإتاوة يصنعها حكم الفرد والضريبة تقوم علي الحكم النيابي, وهو ما لم يكن قابلا للاختفاء بعد أن استقر في وجدان الحكام والمحكومين هذا الزمن الطويل. يظهر ذلك في تصرفات الحكام جنبا إلي جنب مع سلوكيات رجال الإدارة, فالأولون حريصون علي ألا تشغل مسألة موازنة الدولة وقتا طويلا من أعمال المجالس النيابية علي اختلاف أطوارها منذ أن نشأ مجلس شوري النواب عام1866 وحتي يومنا هذا, ويلاحظ أن المسئولين عن إعداد الموازنة بامتداد ذلك التاريخ حرصوا طول الوقت علي أن تمتلئ بالأرقام علي نحو تستغلق معه علي فهم أعضاء المجالس النيابية, إلا المتخصصين منهم, أما عن رجال الإدارة فهم يتصرفون مع الجمهور العادي, وحتي يومنا هذا, علي أنهم أصحاب سلطة, وهو المفهوم الذي يتعاظم مع فكرة الإتاوة, وليسوا خدامServants الشعب دافع مرتباتهم, مما يقترن بالقبول بفكرة الضريبة. فضلا عن ذلك فقد استقرت هذه المفاهيم في وجدان المصريين, وتعاملوا بدورهم مع الحكام ورجال الإدارة من خلالها, وعلي حد التعبير الذي قال به الزعيم الشعبي الكبير سعد زغلول باشا أن هؤلاء ظلوا ينظرون لحكامهم نظرة' الطير للصائد لا نظرة الشعب للقائد', ولعل ذلك يفسر في النهاية الأسباب التاريخية التي تدفع المصريين إلي التهرب من أداء الضرائب بكل وسيلة, وهو ما يحاول وزير المالية الحالي, الدكتور يوسف بطرس غالي أن يزيله, سواء ببعض إجراءات تيسير دفع الضرائب, أو بالحملة الإعلامية التي دبرها رجال وزارته لتأكيد ذلك, غير أن المسألة تتطلب بعض الوقت!! ===================================================================== |