توزيع العطـــــــــــــــــــاء
العطاء هو النقود أو الأموال أو حتى الأشياء العينية مثل الطعام والغذاء والملابس وغيرها للمسلمين وقد ذكر لمقريزى فى كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار - الجزء الأول - 21 / 167 طرق توزيع الجزية والخراج على المسلمين فقال :
" وكان الناس أعشارًا فكانت العرفاء ثلاثة آلاف عريف كل عريف على عشرة ورزق الخيل على أعرافها فما زالوا كذلك حتى اختطت الكوفة والبصرة فغيرت العرفاء والأعشار وجعلت أسباعًا وجعل مائة عريف على كل مائة ألف درهم عريف وكانت كل عرافة من القادسية خاصة ثلاثة وأربعين رجلًا وثلاثًا وأربعين امرأة وخمسين من العيال لهم مائة ألف درهم وكل عرافة من أهل الأيام عشرين رجلًا على ثلاثة آلاف وعشرين امرأة ولكل عيل مائة على مائة ألف درهم وكل عرافة من الرادفة الأولى ستين رجلًا وستين امرأة وأربعين من العيال ممن كان رجالهم ألحقوا على ألف وخمسمائة على مائة ألف درهم وكان العطاء يدفع إلى أمراء الأسباع وأصحاب الرايات والرايات على أيادي العرب فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء فيدفعونه إلى أهله في دورهم.
فمات عمر رضي اللّه عنه والأمر على ذلك وقد عزم قبل موته أن يجعل العطاء أربعة آلاف أربعة آلاف وقال: لقد هممت أن أجعل العطاء أربعة آلاف أربعة آلاف ألف يخلفها الرجل في أهله وألف يتزوّدها معه في سفره وألف يتجهز بها وألف يترفق بها فمات وهو في ارتياد ذلك قبل أن يفعل وكان يقري البعوث على قدر المسافة إن كان بعيدًا فسنة وإن كان دون ذلك فستة أشهر فإذا أخل الرجل بثغره نزعت عمامته وأقيم في مسجد حيه فقيل هذا فلان قد أخل.
وقال سيف بن عمر: أول عطاء أخذ سنة خمس عشرة وكان عمرو بن العاص رضي اللّه عنه يبعث من مصر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجزية بعد حبس ما كان يحتاج إليه فلما استخلف عثمان رضي اللّه عنه لثلاث مضين من المحرّم سنة أربع وعشرين زاد الناس مائة وكان أوّل من زاد ورفد أهل الأمصار وهو أوّل من رفدهم وصنع فيهم الصنائع فاستن به الخلفاء في الزيادة.
وكان عمر قد فرض لكل نفس منفوسة من أهل الفيء في رمضان درهمًا في كل يوم وفرض لأمهات المؤمنين درهمين.
فقيل له: لو صنعت لهم به طعامًا فجمعتهم عليه فقال: اشبعوا الناس في بيوتهم فأقرّ عثمان رضي اللّه صلى الله عليه وسلم عنه ذلك وزاد فوضع لهم طعام رمضان.
وقال: هو للمتعبد الذي يتخلف في المسجد ولابن السبيل وللمعترين بالناس في رمضان فاقتدى به الخلفاء من بعده.
في خلافة معاوية بن أبي سفيان
وكان بمصر في خلافة معاوية بن أبي سفيان أربعون ألفًا وكان منهم أربعة آلاف في مائتين مائتين وكان إنما يحمل إلى معاوية ستمائة ألف دينار عن فضل أعطيات الجند وما يصرف إلى الناس وكان معاوية قد جعل على كل قبيلة من قبائل العرب بمصر رجلًا يصبح كل يوم فيدور على المجالس فيقول: هل ولد الليلة فيكم مولود.
وهل نزل بكم نازل فيقال: ولد لفلان غلام ولفلان جارية فيكتب أسماءهم ويقال: نزل بهم رجل من أهل كذا بعياله فيسميه وعياله فإذا فرغ من القيل أتى الديوان حتى يثبت ذلك وأعطى مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر أهل الديوان أعطياتهم وأعطيات عيالهم وأرزاقهم ونوائبهم ونوائب البلاد من الجسور وأرزاق الكتبة وحملان القمح إلى الحجاز وبعث إلى معاوية ستمائة ألف دينار فضلًا.
فى ولاية عمرو بن العاص
وأوّل تدوين كان بمصر على يد عمرو بن العاص رضي اللّه عنه ثم دوّن عبد العزيز بن مروان تدوينًا ثانيًا ودوّن قرّة بن شريك التدوين الثالث ثم دون بشر بن صفوان تدوينًا رابعًا ثم لم يكن بعد تدوين بشر شيء له ذكر إلا ما كان من إلحاق قيس بالديوان في خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان.
فى خلافة بنى العباس
فلما انقرضت دولة بني أمية وغلبت المسودة بنو العباس أحدثوا أشياء حتى إذا مات عبد الله المأمون بن هارون الرشيد لسبع خلون من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين وبويع أخوه المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون كتب إلى كندر بن نصر الصفدي أمير مصر يأمره بإسقاط من في ديوان مصر من العرب وقطع العطاء عنهم ففعل ذلك وكان مروان بن محمد الجعدي آخر خلائف بني أمية قطع عن أهل مصر العطاء سنة ثم كتب إليهم كتابًا يعتذر فيه: إني إنما حبست عنكم العطاء في السنة الماضية لعدوّ حضرني فاحتجت إلى المال وقد وجهت إليكم بعطاء السنة الماضية وعطاء هذه السنة فكلوه هنيئًا مريئًا وأعوذ بالله أن أكون أنا الذي يجري اللّه قطع العطاء على يديه ولما قطع كندر عطاء أهل مصر خرج يحيى بن الوزير الجرويّ في جمع من لخم وجذام وقال له: هذا أمر لا يقوم فينا أفضل منه لأنا منعنا حقنا وفيئنا فاجتمع إليه نحو خمسمائة رجل.
إيقاف العطاء بمنح أقطاعات أراضى على أمراء الجيش وقواده
واعلم أنه كانت عادة الخلفاء من بني أمية وبني العباس والفاطميين من لدن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أن تجبى أموال الخراج ثم تفرّق من الديوان في الأمراء أو العمال والأجناد على قدر رتبهم وبحسب مقاديرهم وكان يقال لذلك في صدر الإسلام العطاء وما زال الأمر على ذلك إلى أن كانت دولة العجم فغير هذا الرسم وفرّقت الأراضي إقطاعات على الجند وأوّل من عرف أنه فرّق الإقطاعات على الجند نظام الملك أبو عليّ الحسن بن عليّ بن إسحاق بن العباس الطوسي وزير البرشلان بن داود بن ميكال بن سلجوق ثم وزر ابنه ملكشاه بن البرشلان وذلك أن مملكته اتسعت فرأى أن يسلم إلى كل مقطع قرية أو أكثر أو أقلّ على قدر إقطاعه لأنه رأى أن في تسليم الأراضي إلى المقطعين عمارتها لاعتناء مقطعيها بأمرها بخلاف ما إذا شمل جميع أعمال المملكة ديوان واحد فإن الخرق يتسع ويدخل الخلل في البلاد ففعل نظام الملك ذلك وعمرت به البلاد وكثرت الغلات واقتدى بفعله من جاء بعده من الملوك من أعوام بضع وثمانين وأربعمائة إلى يومنا هذا وكانت الخلفاء ترزق من بيت المال.
فذكر عطاء بن السائب في حديث: أن أبا بكر رضي اللّه عنه لما استخلف فرض له كل يوم شطر شاة وما يكسى به الرأس والبطن وذكر عن حميد بن هلال: أنه فرض له بُردان إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وطهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف.
وذكر ابن الأثير في تاريخه: أن الذي فرضوا له ستة آلاف درهم في السنة وفرض لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استخلف ما يصلحه ويصلح عياله بالمعروف وقال له عليّ رضي الله عنه: ليس لك غيره فقال القوم: القول ما قال عليّ يأخذ قوته وفرض عمر لمعاوية بن أبي سفيان على عمله في الشام عشرة آلاف دينار في السنة وقيل: بل رزقه ألف دينار وهو أشبه.
ذكر القطائع والإقطاعات يقال: اقتطع طائفة من الشيء: أخذها والقطيعة ما اقتطعه منه وأقطعني إياها أذن لي في اقتطاعها واستقطعه إياهما: سأله أن يقطعه إياها وأقطعه نهرًا وأرضًا أباح له ذلك وقد أقطع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتألف على الإسلام قومًا وأقطع الخلفاء من بعده من رأوا في إقطاعه صلاحًا.
روى ابن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقطع أناسًا من مزينة أو جهينة أرضًا فلم يعمروها فجاء قوم فعمروها فخاصمهم الجهينيون أو المزينيون إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر: لو كانت مني أو من أبي بكر لرددتها ولكنها قطيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من كانت له أرض ثم تركها ثلاث سنين لا يعمرها فعمرها قوم آخرون فهم أحق بها.
وقال هشام بن عروة عن أبيه: أقطع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الزبير أرضًا فيها نخل من أموال بني النضير وذكر أنها أرض يقال لها الجرف.
وذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أقطع العقيق: أجمع الناس حتى جازت قطيعة عروة فقال ابن الزبير: المستقطعون فند اليوم فإن يك فيه خير فتحت قدمي.
قال خوّات بن جبير: أقطعنيه فأقطعه إياه وقال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: لما قدم النبيّ أقطع أبا بكر وأقطع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنهما وقال أشعث بن سوار عن حبيب بن أبي ثابت عن صلت المكيّ عن أبي رافع قال: أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم قومًا أرضًا فعجزوا عن عمارتها فباعوها في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثمانية آلاف دينارًا وبثمانمائة ألف درهم فوضعوا أموالهم عند عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه فلما أخذوها وجدوها ناقصة فقالوا: هذا ناقص قال: احسبوا زكاته قال: فحسبوا زكاته فوجدوه وافيًا فقال: أحسبتم أن أمسك مالًا ولا أزكيه وقد سأل تميم الداري رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يقطعه عيون البلد الذي كان منه بالشام قبل فتحه ففعل.
وسأله أبو ثعلبة الخشني أن يقطعه أرضًا كانت بيد الروم فأعجبه ذلك وقال: ألا تسمعون ما يقول فقال: والذي بعثك بالحق ليفتحن عليك فكتب له بذلك كتابًا وقال ثابت بن سعد عن أبيه عن جده: إن الأبيض بن جمال استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملح مأرب فأقطعه فقال الأقرع بن حابس التميمي: يا رسول الله إني وردت هذا الملح في الجاهلية وهو بأرض ليس فيها ملح من ورده أخذه وهو مثل الماء العذب بالأرض فاستقال الأبيض فقال: قد أقلتك على أن تجعله مني صدقة فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " هو منك صدقة وهو مثل الماء العنب مَن ورده أخذه.
وقال كثير بن عبد اللّه بن عوف المزنيّ عن أبيه عن جده: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث المعادن القبلية جليتها وغورتها وقال مالك عن ربيعة عن قوم من علمائهم: إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحرث المزني معادن بناحية الفرع.
وعن ربيعة عن الحرث بن بلال عن أبيه بلال بن الحرث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيق أجمع وعن حماد بن سلمة عن أبي مكين عن أبي عكرمة مولى بلال بن الحرث قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا أرضًا فيها جبل معدن فباع بنو بلال: عمر بن عبد العزيز أرضًا منها فظهر فيها معدن أو قال: معدنان فقالوا: إنما بعناك أرض حرث ولم نبعك المعادن وجاءوا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في جريدة فقبلها عمر وفتح ومسح بها عينيه وقال لقيمه: انظر ما خرج منها وما أنفقت فقاصهم بالنفقة ورد عليهم الفضل واصطفى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أرض السواد أموال كسرى وأهل بيته وما هرب عنه أربابه أو هلكوا فكان مبلغ غلته تسعة آلاف ألف درهم كان يصرفها في مصالح المسلمين ولم يقطع شيئًا منها ثم إن عثمان رضي الله عنه أقطعها لأنه رأى إقطاعها أوفر لغلتها من تعطيلها وشرط على من أقطعها أن يأخذ منه حق الفيء فكان مبلغ غلته خمسين ألف ألف درهم كان منها صلاته وعطاياه ثم تناقلها الخلفاء بعده فلما كان عام الجماجم سنة اثنتين وثمانين في فتنة عبد الرحمن بن الأشعث أحرق الديوان وأخذ كل قوم ما يليهم وأقطع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ابن سندر منية الإصبغ فحاز منها لنفسه ألف فدّان وقال وكيع عن سفيان عن جابر الجعفي عن عامر: لم يقطع أبو بكر ولا عمر ولا عليّ رضي الله عنهم وأول من أقطع القطائع عثمان رضي اللّه عنه وبيعت الأرضون في خلافة عثمان.
قال الليث بن سعد: ولم يبلغنا أن عمر بن الخطاب أقطع أحدًا من الناس شيئًا من أرض مصر إلا ابن سندر فإنه أقطعه أرض منية الأصبغ فلم تزل له حتى مات فاشتراها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان من ورثته فليس بمصر قطيعة أقدم منها ولا أفضل.
وقال الأعمش عن إبراهيم بن المهاجر عن موسى بن طلحة قال: أقطع عثمان رضي عنه عبد اللّه ابن مسعود النهرين وعمار بن ياسر إسنسا وأقطع خبابًا وصهيبًا وأقطع سعد بن أبي وقاص قرية هرمز وكان عبد الله بن مسعود وسعد يعطيان أرضهما بالثلث والربع.
وقال سيف بن عمر عن عمرو بن محمد عن عمر قال: أقطع الزبير وخباب وعبد الله ابن مسعود وعمار بن ياسر وابن هبار أزمان عثمان فإن يكن عثمان أخطأ فالذين قبلوا منه الخطأ أخطأوا وهم الذين أخذنا عنهم ديننا وأقطع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه طلحة وجرير بن عبد اللّه والربيل بن عمرو وأقطع أبا مفرز دار النيل في عدّة ممن أخفنا عنه وإنما القطائع على وجه النفل من خمس ما أفاء اللّه.
وكتب عمر رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف مع جرير بن عبد الله البجلي: أما بعد فأقطع جرير بن عبد الله قدر ما يقوته ولا وكس ولا شطط فكتب عثمان إلى عمر: إن جرير قدم علي بكتاب منك نقطعه ما يقوته فكرهت أن أمضي ذلك حتى أراجعك فيه فكتب إليه صدق جرير فأنفذ ذلك وقد أحسنت في مؤامرتي وأقطع أبي موسى الأشعري وأقطع علي بن أبي طالب رحبة كردوس بن هاني وأقطع سويد بن غفلة الجعفي.
قال سيف بن ثابت بن هزيمة عن سويد بن غفلة قال: استقطت عليًا فقال: اكتب هذا ما أقطع علي سويدًا أرضًا لدوابه ما بين كذا وكذا ما شاء الله وذكر أبا القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ما أقطعه معاوية بن أبي سفيان ومن بعده من الخلفاء من دور مصر فأورد شيئًا كثيرًا.
فى عصر خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس
وقد كان خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس يقطعون الأراضي من أرض مصر والنفر من خواصهم لا كما هو الحال اليوم بل يكون مال خراج أهل مصر يصرف من أعطية الجند وسائر الكلف ويحمل ما يفضل إلى بيت المال وما أقطع من أراضي فإنه بيد من أقطعه.
وأما منذ كانت أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى يومنا هذا. فإن أراضي مصر كلها صارت تقطع للسلطان وأمرائه وأجناده.
طريقة تقسيم أراضى مصر
وأرض مصر اليوم على سبعة أقسام:
قسم يجري في ديوان السلطان وهذا القسم ثلاثة أقسام منه ما يجري في ديوان الخاص ومنه ما يجري في ديوان المفرد
وقسم من أراضي مصر قد أقطع الأمراء والأجناد وقد ذكر تفصيل ذلك عند ذكر الروك الناصري
وقسم ثالث جعل وقفًا محبسًا على الجوامع والمدارس والخوانك وعلى جهات البر وعلى ذراري واقفي تلك الأراضي وعتقائهم وقسم رابع يقال له: الأحباس يجري فيه أراض بأيدي قوم يأكلونها.
إما عن قيامهم بمصالح مسجد أو جامع وإما يكون لهم لا في مقابلة عمل وقسم خامس قد صار ملكًا يباع ويشتري ويورث ويوهب لكونه اشترى من بيت المال وقسم سادس لا يزرع للعجز عن زراعته فترعاه المواشي أو ينبت الحطب ونحوه وقسم سابع لا يشمله ماء النيل فهو قفر وهذا القسم منه ما لم يزل كذلك منذ عرفت أحوال الخليفة ومنه ما كان عامرًا في الدهر الأول ثم خرب وسائر هذه الأقسام في هذا الكتاب تجدها إن أنت تأملته إن شاء الله تعالى.
وقال أبو عبد الله القاسم بن سلام في كتاب الأموال في الكلام على حديث معمر عن عبد اللّه بن طاوس عن أبيه طاوس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم ".
قلت: ما معنى ذلك قال: تكون إقطاعًا هذا الخبر أصل في الإقطاع والعادي كل أرض كان لها سكان فانقرضوا أي صارت خرابًا فإن حكمها إلى الإمام قال: وأما الأرض التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الناس وهي عامرة لها أهل فإعطاء الإمام يكون على وجه النفل ومن ذلك ما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم تميمًا الداري فإنه أعطاه أرضًا بالشام من قبل أن يفتح الشام وقبل أن يملكها المسلمون فجعلها له نفلًا من أموال أهل الحرب إذا ظهر عليهم كما فعل نائبه نفيلة لما وهبها الشيباني قبل افتتاح الحيرة فأمضاها له خالد بن الوليد رضي الله عنه وكذلك أمضى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لتميم الداري لما فتحت فلسطين ما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم نفله انتهى.
فقد خرّج أبو عبد اللّه هذه العطية المعلقة مخرج النفل الذي ينفله الإمام بعض المقاتلة.
وقال أبو الحسن عليّ بن محمد بن حبيب الماوردي في الأحكام السلطانية: والإقطاع ضربان: إقطاع استغلال إقطاع تمليك.
والثاني ينقسم إلى موات وعامر والثاني ضربان: أحدهما: ما يتعين مالكه ولا نظر للسلطان فيه إلا بتلك الأرض في حق لبيت المال إذا كانت في دار الإسلام فإن كانت في دار الحرب حيث لم يثبت للمسلمين عليها يد فأراد الإمام أن يقطعها ليملكها المقطع عند الظفر بها فإنه يجوز فقد سأل تميم الداري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيه عيون البلد الذي كان منه قبل أن يفتح الشام ففعل وسأله أبو ثعلبة الخشني أن يقطعه أرضًا كانت بيد الروم فأعجبه ذلك وقال: ألا تسمعون ما يقول هذا.
فقال: والذي بعثك بالحق ليفتحنّ عليك فكتب له بذلك كتابًا.
قال الماورديّ: وهكذا لو استوهب أحد من الإمام مالًا في دار الحرب وهو على ملك أهلها أو استوهبه شيئًا من سبيها أو ذراريها ليكون أحق به إذا فتحت جاز وصحت العطية منه مع الجهالة بها لتعلقها بالأمور العامة.
وقد روي الشعبيّ: أن خزيمة بن أوس الطائيّ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن افتح اللّه عليك الحيرة فأعطني بنت نفيلة فلما أراد خالد صلح أهل الحيرة قال له خزيمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني بنت نفيلة فلا تدخلها في صلحك فشهد له بشر بن سعد ومحمد بن مسلمة فاستثناها من الصلح ودفعها إلى خزيمة فاشتريت بألف درهم وكانت عجزت وحالت عما عهد منها فقيل له: قد أرخصتها وكان أهلها يدفعون لك أضعاف ما سألت فقال: ما كنت أظنّ أن عددًا يكون أكثر من ألف.
قال الماورديّ: وإذا صح الإقطاع والتمليك على هذا الوجه نظر حال الفتح فإن كان صلحًا خلصت الأرض لمقطعها وكانت خارجة عن حكم الصلح بالإقطاع السابق وإن كان الفتح عنوة كان المقطع والمستوهب أحق بما استقطعه واستوهبه من الغانمين ونظر في الغانمين فإن كانوا علموا بالإقطاع أو الهبة قبل الفتح فليس لهم المطالبة بعوض وإن لم يعلموا حتى فتحوا عاوضهم الإمام بما يستطيب نفوسهم من غير ذلك من الغنائم.
وقال أبو حنيفة رحمه اللّه تعالى: لا يلزم الإمام استطابة نفوسهم منه ولا من غيره من الغنائم إذا رأى المصلحة في ذلك.
ذكر ديوان الخراج والأموال يقال لكتابة الخراج: قلم التصريف وأوّل ما دوّن هذا الديوان في الإسلام بدمشق والعراق على ما كان عليه قبل الإسلام وكان ديوان الشام بالرومية وديوان العراق بالفارسية وديوان مصر بالقبطية فنقلت دواوين هذه الأمصار إلى العربية والذي نقل ديوان مصر من القبطية إلى العربية: عبد الله بن عبد الملك بن مروان أمير مصر في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة سبع وثمانين ونسخها بالعربية وصرف أنتناش عن الديوان وجعل عليه ابن يربوع الفزاريّ من أهل حمص وأوّل من نقل الدواوين من الفارسية إلى العربية: الوليد بن هشام بن مخزوم بن سليمان بن ذكوان وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين والأكثرون على أن الذي نقل ديوان العراق إلى العربية صالح بن عبد الرحمن كاتب الحجاج وكان مولى لبني سعد وهو يومئذٍ صاحب دواوين العراق وذلك بعد سنة ثمانين وسبب ذلك أن صالح بن عبد الرحمن هذا كان أبوه من سبي سجستان ومهر صالح في الكتابة وكتب لزادان فروح كاتب الحجاج بن يوسف الثقفيّ وخط بين يديه بالفارسية والعربية فخف على قلب الحجاج فخاف من زادان وقال له: أنت الذي رقيتني حتى وصلت إلى الأمير وأراه قد استخفني ولا آمن أن يقدّمني عليك فتسقط منزلتك فقال زادان: لا تظنّ ذلك هو أحوج إليّ مني إليه لأنه لا يجد من يكفيه حسابه غيري فقال صالح: واللّه لو شئت أن أحوّل الحساب إلى العربية لحوّلته قال: فحوّل منه أسطرًا حتى أرى ففعل فقال له: تمارض فتمارض فبعث إليه الحجاج بطبيبه فشق ذلك على زادان وأمره أن لا يظهر للحجاج فاتفق عقيب ذلك أن زادان قتل في فتنة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وهو خارج من موضع كان فيه إلى منزله فاستكتب الحجاج بعده صالحًا فأعلم الحجاج بما جرى له مع زادان في نقل الديوان فأعجبه ذلك وعزم عليه في إمضائه فنقله من الفارسية إلى العربية وشق ذلك على الفرس وبذلوا له مائة ألف درهم على أن لا يظهر النقل فأبى عليهم فقال له مروان شاه بن زادان فروح: قطع الله أصلك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية وكان عبد الحميد بن يحيى يقول: لله در صالح ما أعظم منته على الكتاب.
وأما ديوان الشام فإن الذي نقله من الرومية إلى العربية أبو ثابت سليمان بن سعد كاتب الرسائل واختلف في وقت نقله فقيل: نقل في خلافة عبد الملك بن مروان وقيل: في خلافة هشام بن عبد الملك وكان الذي يكتب على ديوان الشام سرجون بن منصور النصراني في أيام معاوية بن أبي سفيان ثم كتب بعده ابنه منصور بن سرجون.
.
=======================================================================