Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الفترة الرابعة من حياة القديس يوحنا ذهبى الفم : فترة الأسقفية 398- 403 م

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
يوحنا ذهبى الفم للأنبا غريغوريوس
يوحنا يترهبن
يوحنا شماساً وقساً
فترة الأسقفية
نفى يوحنا ونياحتة
ثورة بقيصرية كبادوكية
ذهبى الفم بالقوقاز
رسائل القديس يوحنا
ألامه بالمنفى بالقوقاز
موقف أسقف روما
نياحة القديس يوحنا
أقوال وكتابات يوحنا

 

الفترة الرابعة من حياة القديس يوحنا ذهبى الفم - فترة الأسقفية (398- 403 م)

في 27 سبتمبر أيلول 397 توفي نكتاريوس بطريرك القسطنطينية (398-404) Nectarius  , وأشتهر القديس يوحنا في تلك الفترة كثيراً , وكان مركز بطيرك القسطنطينية مركزا هاماً فى العالم المسيحى لأنه بطريرك العاصمة , فأصبح كرسي رومة الجديدة محل خلاف ومطمع من جهات كثيرة ليكون خليفة البطريرك نكتاريوس , ولكنه لم يكن فى مستوى كرسى الأسكندرية لأنه كان أحدث منه فى القدم كما أن بطرك الأسكندرية كان يختاره الشعب والأساقفة ،ولكن فى القسطنطينية كان القصر والأمبراطور يقومون بتعيين البطريرك فأراد القصر الإمبراطوري أن يبحث عن الشخص اللائق أكثر

الأمبراطور الذى عين يوحنا ذهبى الفم بطريركاً

في بداية سنة 395 م توفي ثيودوسيوس مخلفاً أزمة الحكم زكان له ولدين ضعيفين فقسما الأمبراطورية اركاديوس في الشرق واونوريوس في الغرب. وكان إمبراطور الشرق اركاديوس ضعيف الشخصية تسلط على اركاديوس وزيره الأكبر روفينوس ثم قوي على هذا الخصي اتروبيوس Eutropius  فأسقطه وجلس مكانه وزيراً. وكان اتروبيوس قد عرف الذهبي الفم في أثناء عمله إلى الشرق فأُعجب بفصاحته وقدر فضله فلم يجد أجدر منه بإعادة شعب العاصمة إلى الفضائل المسيحية.، ولاقى إختياره موافقة وإستحسان الجميع فإن شهرة ذهبى الفم كانت قد ذاعت فى جميع أرجاء الإمبراطورية وعندما أقترح اسم الذهبي الفم استصوب الجميع هذا الاختيار. وعرف الخصي تعلّق الأنطاكيين بمرشحه. فكتب إلى والي الشرق فيكتور استيروس  أن يرسل يوحنا خفية دون أن يعرف أحد من الأنطاكيين ذلك خوفا من تمسك الإنطاكيين به. فنفذ الوالي الأمر ووجد أن أيسر الطرق هو الاحتيال بإخراج يوحنا إلى خارج البلد ليتمكن من تسفيره سراً. وفى في أواخر تشرين الثاني دعا الوالي الكاهن يوحنا إلى زيارة كنيسة الشهداء حيث مدفون أجساد الشهداء في خارج أسوار المدينة . فلم يرفض يوحنا هذه الرحلة خدمة مقدساً وذهب الذهبي الفم لمكان اللذان إتفقا عليه ليذهبا سوياً إلى الكنيسة. وفي الموعد المحدد جاء استيروس راكباً في عربة كونتية مفروشة بالحرير، تجرّها جياد أصيلة. وقبل القديس الذهبي الفم دعوة استيروس للركوب وركب إلى جانبه. وتحركت العربة خارج البلدة ولكنها لم تتجه إلى كنيسة الشهداء وعندما تسائل يوحنا حتى فتح الكونت "استيروس" فمه قائلاً: "بالحقيقة، ليست غايتي زيارة كنيسة الشهداء. أرجو القديس أن يغفر كذبي عليك". واتجهت العربة إلى القسطنطينية فأخذوه خطفاً وبحراسة إمبراطورية إلى القسطنطينية .

ورغب الأمبراطور ومن حوله أن يستقبلوا المرشح الأنطاكي بما استطاعوا من العظمة والأبهة والإجلال لأنه سيتبوأ أسمى المناصب في الكنيسة . فدعا الأمبراطور إلى مجمع محلي للانتخاب وجمع أغنياء وعظماء العاصمة

 واستدعى ثيوفيلوس أسقف الإسكندرية ، ليضع يده عليه ويسلمه عكاز (عصا) الرعاية. وتمت سيامته أسقفاً في 26  ويقول بعض المؤرخين في الثاني والعشرون شباط من عام 398، ويقول السنكسار اليوناني في منتصف كانون الأول من سنة 379 م  وبقى بطريركاً مدة ستة سنوات فقط ، ويقول الملكيين (الأروام) : " كان ثيوفيلوس الفرعون الإسكندري يكره الذهبي الفم وقد أُجبر على سيامة يوحنا أسقفاً على القسطنطينية. ".

 

*****************

يوحنا ذهبى الفم فى القصر الأسقفى بالقسطنطينية 

وأرسل يوحنا رسائل سلامية إلى رؤساء الكنائس. وفي أول يوم بعد دخوله القصر الأسقفي وجد أن هذا القصر غريباً عن أن يكون مكاناً لراهب بسيط ولكنه ملئ بالبذخ. وكانت فيه بعض الأشياء التي تغضب الرب.  وكان نكتاريوس يعمل محافظاً لمدينة القسطنطينية وبعد أن تقاعد عين بطريرك القسطنطينية ، ولم يشأ نكتاريوس عندما أصبح أسقفاً أن يترك حياته القديمة كمحافظ فاحتفظ بالقصر وجعله القصر الأسقفي وكان كعادته عندما كان محافظاً أن يدعوا الإمبراطور والحاشية ووجهاء وأغنياء القسطنطينية لمآدب يطعمهم فيها ويناقشون أمور المملكة . فكان مليئاً بالذهب ومظاهر الترف. وعندما جلس يوحنا ذهبى الفم على كرسى القسطنطينية وهو راهب فقير ودخل القصر الأسقفى فأمر  ببيع جميع الأواني الفضية والذهبية وتوزيعها على الفقراء. ثم باع السجاد وشيّد بثمنه مستشفى للفقراء. وباع المقاعد الحريرية والمغاطس الرخامية والشماعدين وأقام بأثمانها مأوى للغرباء. باع المرايا واللوحات والأعمدة وترك الجدران عارية. وأخيراً باع السرير: الحرير والمخمل النادر. وأتى بسرير من ألواح الخشب. وبعد ذلك صرف جميع الخدام على اختلاف وظائفهم بعد أن دفع لهم ما يحق لهم من المال. وأرسل جميع أدوات المطبخ إلى المأوي والفقراء.
أما القائمين على الرعاية فى القصر الأسقفي لم يروا مثيلاً لما يجري أمامهم. وتكلموا باحترام مع الأسقف البطريرك يوحنا ذهبى الفم  قائلين: إن أسقف القسطنطينية ثاني أسقف في العالم، وعليه واجبات رسمية. عليه أن يقيم مآدب، وأدوات المطبخ لازمة. عليه أن يدعو الأمبراطور والأمبراطورة والأعيان. هكذا البروتوكول!
وأبدى القديس أسفه قائلاً: إن الأسقف طبيب روحي وأب. وليس صاحب مطعم يدعو الناس ليملأوا بطونهم. ولكي يعطي لكلامه وزناً عملياً أصدر أمره ببيع غرفة الطعام بكاملها. وأعلن أنه لن يدعو أحداً إلى الطعام وأنه سيأخذ طعامه وحيداً كما كان يفعل طيلة حياته. وأنه غير محتاج إلى طاهٍ وأدوات. سيهيئ، بنفسه وبمساعدة أحد الرهبان، الخضار التي يتناولها مرةً واحدة في اليوم.
أسقف يريد الإنتقام لكرامته وضيق أفقه
 الأسقف أكاسيوس. كان صديقاً للقديس، وأسقفاً في الملحقات "خوراسقف". قدم لأشغال خاصة في القسطنطينية. وعرف الذهبي الفم بقدومه فدعاه للحلول ضيفاً عليه. وسر الأسقف أكاسيوس بهذه الدعوة، فكان يعرف القصر السقفى والبذخ الذى فيه وكان بالنسبة له دخول القصر الأسقفي موازٍ للدخول للقصر الأمبراطوري. وقاده الراهب إلى الغرفة المخصصة له. كانت شبيهة بغرفة الذهبي الفم تماماً. فيها سرير من الخشب وعليه غطاء، والجدران عارية. وفتح أكاسيوس فاه عجباً، وظن أن صديقه الذهبي الفم يسخر منه. وللحال ترك أكاسيوس القصر الأسقفي غاضباً. ومن تلك اللحظة أصبح عدواً لدوداً للذهبي الفم. وعبثاً حاولوا أن يفسروا له أن أسقف القسطنطينية ينام في غرفة مماثلة. لم يصدق أكاسيوس أن صديقه الذهبي الفم سخر منه وهو لن ينسى له هذه الاهانة طالما فيه عرق ينبض. وسيحاول الانتقام لكرامته.

وعني القديس بإصلاح الاكليروس. فإنتقد بعضهم بكلماته سلقاً. وعندما لم يرتدعوا أوجب عليهم الزهد في الملبس والمأكل والقيام بالواجب المقدس. وكان لكلامه وقع شديد في قلوب السامعين فانقاد اكليروس القسطنطينية لصوته وعاد عدد كبير منهم إلى ما اعتاد عليه آباء الكنيسة الأولون من التواضع والفقر والقناعة والقداسة.

وكان الارشدياكون سرابيون أشد من الذهبي الفم غيرة على الإصلاح فأفرط في التوبيخ والتأنيب فأخطئ ضد بعض من الشعب وأصبح عثرة في سبيل القديس. فحقد بعض رجال الاكليروس على الأسقف والأرشدياكون واضطر الأسقف بعد أن يئس من إصلاحهم أن يقطعهم (يحرمهم ) من جسم الكنيسة. وتفقد القديس بنفسه جميع الأديرة فأثنى على المحافظين على فرائض الدعوة وأكره الرهبان الذين تركوا الأديرة وسكنوا بجانب المدن والقرى ودخل العالم فى قلوبهم وطمعوا فى ريح العالم على الرجوع إلى الأديرة والتقيّد بقوانينها وتقاليدها. وحرم على الكهنة قبول العذارى المصونات في بيوتهم. وأنشأ للعذارى مآوي انقطعن فيها للصلاة والفضائل ولنسج ثياب الفقراء وتزيين الكنائس وجعل عليها أمّاً واحدة لتدبير أمورهن وإحتياجهن إسمها  نيكارتية النقوميذية. أما الأرامل وهن من  فئات الكنيسة العاملة في أوائل عهدها. فمنعهن من التردد إلى البيوت والحمامات والملاعب وأمرهن أن يمارسن بدلاً  منها التأمل والصلاة ومواساة الفقراء وعيادة المستشفيات. وحتم أنهن إن استثقلن الترمل فليتقيدن بزاج ثان خير لهن وأولى.

وفاقت أولمبيادة جميع الأرامل بفضائلها وكثرة إحساناتها. وكانت قد ترمّلت وهي في العشرين من عمرها فالتحقت بأحد الملاجئ لتخدم الرب . فلما أتى يوحنا إلى القسطنطينية كان لها من العمر خمسون عاماً. فأثرت شخصيته في نفسها فعرضت عليه خدماتها وأموالها. فأنفق القديس عن سعة في سبيل تبشير القوط والروس وبعض الفينيقيين وفي تلال لبنان وإنشاء المؤسسات الخيرية. وسعى  بكل الطرق لحماية الأرثوذكس من حملات الهراطقة - الآريوسيين والأفنوميين والمانيين والمركونيين والفالنتينيين.

إنقلابات داخل الجيش الإمبراطورى
إستطاع  الوزير افتروبيوس أن يثبت وجوده فى الحكم وكان ثاقب الفكر متمرس فى حل المشاكل فيدخل من أبواب لم يستطع غيره الوصول إليها. فكبرت منزلته في عين الإمبراطور أركاديوس. ورأى أنه الوحيد الذي لاغنى عنه في الحكم والسلطة. وتكبر الوزير افتروبيوس بسبب هذا الاحترام فتغير الخصي وأصبح قاسياً صلفاً .
وكان الأمبراطور ثيودوسيوس أبى الإمبراطور أركاديوس قد إستخدم  عدداً كبير من القوط  كجنوداً في صفوف الجيش ولا سيما في أقوى سلاح به وهو سلاح الخيالة. وخدموا الجيش بإخلاص فرُقي بعضهم إلى رتبة عالية. ووصل واحداً منهم وهو غايناس القوطي إلى أعلى المناصب . وكان يقود فرقته من  القوط ( كان عددهم كبيراً في العاصمة) ويهتم  بشؤون أبناء جنيسه. . وإشتهر وأصبح أحد زعماء السياسة. وطمع غايناس القوطي فى مركز  افتروبيوس الوزير . وكان لـ غايناس القوطي نسيب اسمه تربيجلد كان قائداً لجيوش الإمبراطورية في آسيا الصغرى. فوضع غايناس خطة أن يجتاح تربيجلد وجيوشة فى آسيا سهول فريجية. ففعل ، وتظاهر غايناس القوطي بالغضب  واستأذن بالإنطلاق بجيش وسلاح الخيالة القوطى لإطفاء نار ثورة والعصيان. فسار إلى آسية الصغرى وجمع جيوش آسيا والجيوش التى قادها من العاصمة  تحت أمرته وزحف إلى القسطنطينية. فخاف الإمبراطور اركاديوس وفاوض غايناس فكان من أهم شروط الصلح أن يقيل الأمبراطور وزيره افتروبيوس وينفيه. فأمر الأمبراطور بنفي افتروبيوس ثم بقتله بالتجأ هذا إلى الكنيسة وهرع إلى المذبح والتزق به. وتابعه الجنود لإلقاء القبض عليه فتصدى لهم القديس الذهبي الفم. وفي اليوم التالي بينما كان افتروبيوس لا يزال بجانب المذبح إرتقى الذهبي الفم المنبر ووعظ وعظته الأولى في حادث افتروبيوس. واحتمى افتروبيوس بالقديس ثلاثة أيام. وأصدر بعدها الأمبراطور عفوه عنه متأثراً بالذهب الذي يخرج من فم الذهب.

وكان افتروبيوس وهو فى مركزه القوى كوزير يعاند القديس يوحنا ذهبى الفم لأنه هاجم الأغنياء وفهم من كلماته أنه يقصده بها فحقد عليه وألغى حق اللجوء الكنسى وتمر الأيام ويسقط افتروبيوس من مركزه ويفقد سطوته بمكيدة عسكرية من غايناس القوطي ويطارد فلم يجد ملجأ إلا أن يتعلق الوزير افتروبيوس بقرون المذبح لاجئا إلى حق اللجوء الكنسى الذى ألغاه هو. وانتظار الجميع ماذا سيفعل يوحنا فى هذا الموقف، واستغلال القديس لهذه الفرصة الذهبية ليوضح فى عظة ذهبية أمرين : الأول، زوال العالم وكل ما فيه. والثانى، حب الكنيسة كوصية محبة الأعداء.
أما افدوكسيا زوجة الإمبراطور فكانت تكره الوزير افتروبيوس وتريد قتله فقامت بتلفيق تهمة جديدة غير التى التهم التى شملت العفو الأمبراطوري لكي يحكم بإعدامه. وكان لها ما أرادت ، فألقى يوحنا ذهبى الفم عظة أخرى على الشعب يقارن فيها بين ما يعمله العالم لمن يحبه، وما يعمله الله لمن يحبهم.

وكان غايناس القوطي قائد الجيوش أريوسيا ، وإذ شجع الأريوسيين على التجمع فى الليل ينشدون الترانيم الأريوسية ، رد يوحنا بالتسابيح والترانيم الروحية الحلوة

وقد طلب غايناس القوطي من فم الذهب عن طريق الإمبراطور كنيسة ليصلى فيها الأريوسيون، ولكن يوحنا رفض، وطلب أن يلتقى مع غايناس أمام الإمبراطور، وفى هذا اللقاء أفحم يوحنا غايناس الذى كان يطلب أن تكافئه الإمبراطورية على جهوده وخدماته مثبتا له أنه كوفئ بأكثر مما قدم، داعيا إياه أن يقارن كيف كان وكيف أصبح ؟ وإذ خرج غايناس غاضبا  وحاقدا أرسل رهط من أتباعه ليحرقو القصر البطريركى ولكنهم فوجئوا بملاك عظيم يحرسه.
خشي الروم من أهل القسطنطينية مطامع غايناس فعاهدوا قوطياً آخر. فدبروا خطة بأن أرسلوا غايناس لقتال قبائل الهون وعندما خرج من العاصمة فى  أوائل سنة 400 م هجموا على من تبقى من عساكره من القوط في داخل المدينة وقتلوهم. وعبر غايناس الدانوب ووقع أسيراً في يد الهون وقُتل في أواخر سنة  م400.
وأصبح الحكم الإمبراطورى بلا سند قوى فقد قتل كلاً من الوزير افتروبيوس والوزير غايناس ، وأصبح النساء فى القصر لهم اليد الطولى فى تدبير المؤامرات فى البلاط بدون معارضة وتدخلن فى أمور الحكم ، ولم يكن هناك رجلاً قوياً فى العاصمة إلا يوحنا ذهبى الفم ، وكان فى ذلك الوقت راهباً إسمه اسحق الراهب حضر إلى القسطنطينية وإشتهر بالحق والدفاع عن الأرثوذكسية والإيمان المسيحى وقد قام بتهديدة والنس الأريوسى بالقتل ،  وكان قد أسس لنفسه مقرّاً عند مدخل العاصمة أصبح فيما بعد من اهم وأكبر الأديرة فيها. ولم يرضَ الراهب عن إصلاحات الذهبي الفم، فلما زالت سطوة حكم الوزراء بدأ يطعن في الأسقف القديس فكان لكلامه ودعاياته أسوأ الأثر ضد ذهبى الفم .
وكانت هناك إمرأة كان القديس يوحنا ذهبى الفم قد وبخها لأنها كانت وهي كهلة تتصابى وتقلد الشابات في الملبس والمظهر. إذ كانت تفضل أن يقول لها أنت صبية أو على الأقل يتركها تفعل ما تريد ،  فحملت فى نفسها وكادت له مكائد النساء وقد لعبت دوراً هاماً في الدس والمؤامرات والوشاية في البلاط وانضم إليها عدد من الأرامل كمرسة وكستريكية وافغرافية وأصبحن مع الأمبراطورة افذوكسيا قوة لا يستهان بهن.
 

ذهبى الفم يكسر قاعدة عدم التدخل فى الإبروشيات الأخرى
وفي أيلول سنة 400 م دعا ذهبي الفم لعقد مجمعاً محلياً برئاسته ، وقبل أثناء الجلسات الأخيرة جاء أسقف غريب لم يكن تابعاً لبطريركيته اسمه اوزيبيوس. عرض الأسقف الجرائم التي يرتكبها بعض أساقفة آسيا ، وأن الكنيسة هناك إنتشرت فيها البدعة السيمونية وأن الكرامات الكنائسية والدرجات الكهوتية تُباع بالمال. وأن الصولجان الأسقفي صار للتجارة. وأن الذى نشر هذا الفساد فى الكنيسة هو أنطونيوس أسقف أفسس. وراح يتكلم ويشكو للذهبي الفم أوضاع الكنيسة في آسيا. وكان يوحنا ذهبى الفم يسمع الكلام ورأسه بين يديه. وكانوقت القداس وجاء الشماس ينبهه ويدعوه للكنيسة للصلاة. ولكنه رفض، بعد سماع مثل هذه السقطات إذ أنه لا يقدر أن يخدم القداس وأذناه مازلتا متألمتين من تردى حال الكنيسة.
والقديس يعرف أن ابرشية أفسس لا تخضع لسلطته. وأن أساقفة القسطنطينية لم يتدخلوا مطلقاً في شؤونها. ولكن الذهبي الفم إعتقد فيما يبدوا أن أسقفيته تعلوا جميع الأسقفيات وأنه يترأسهم وأنه من واجبه أن يكسر الحدود دفاعاً عن كنيسة المسيح. وفتح تحقيقاً ليتأكد من صحة هذه الاتهامات. بإرساله أسقفين للبحث والتدقيق. و جاءت النتيجة مصدقة لما قاله الأسقف اوزيبيوس . فقد كتب أحد مؤمني آسيا إلى يوحنا ذهبى الفم يقول: "منذ سنوات، أيها الأب الجليل، والقيادة فينا ينقصها العدالة والحق. نسترحمك اذن أن تأتي إلينا".
وفي التاسع من شباط 401 أبحر إلى آسيا. وفي أفسس دعا إلى مجمع حضره من سبعين أسقفاً. وأحضر أمامهم المتهمين. ولكن كان الأسقف أنطونيوس قد مات قبل وصوله. وأعلن الكهنة أنهم انخدعوا ووقعوا في الضلال وأن نيتهم حسنة!!!
فحرم الذين اشتروا الكهنوت من أنطونيوس. وأعطاهم وثيقة يستطيعون ملاحقة ورثة أنطوينوس بها. وأقام خلفاً لأنطونيوس الشماس هيراقليدس أسقفاً. ثم انتقل إلى ولايات مجاورة وحرم ستة عشر أسقفاً وأقام خلفاء لهم.
المكائد والمؤامرات تحاك ضد يوحنا ذهبى الفم
وفى القسطنطينية بدأت خيوط مؤامرة تحاك ضد القديس يوحنا ذهبى الفم وللأسف إشترك فيها أساقفة، أكاكيوس صديقه ، وسفيريانوس وبعض الأساقفة القادمين من أنطاكية. وكان مكان التأمر فكان بيت افغرافية. وإشتركت الأمبراطورة فى هذه المؤامرة. ولم يكن القديس يوحنا ذهبى الفم يهتم بالمؤامرات الخارجية حتى ولو سمع أن الإمبراطورة مشتركة فيها  ولكن إنصب كل إهتمامه على شئون الكنيسة وإصلاحها  .
المجمع المحلى وأسقف سليط اللسان
وحدث أن نشب خلاف بين الأسقف سفيريانوس وسيرابيون وهو شماس مصرى كان شديد الإخلاص لذهبي الفم، والذي كان من مصر. فقد مرّ به ذات يوم  الأسقف سفيريانوس فلم يشأ سيرابيون أن يقوم بتحيته اللائقة كأسقف . فوبخه الأسقف على عدم إستقباله إستقبالاً حسناً وكان عنيفاً وتلفظ ألفاظاً لا يجوز لأسقف أن يتلفظ بها حتى لو غضب حسب قول الإنجيل "اغضبوا ولا تخطئوا" ومن جملة ما قال عبارة غريبة : "إذا مات سيرابيون مسيحياً فإن الله لم يتأنس". وتم عقد مجمعاً لفحص للنظر بهذا الأسقف وفحص المجمع عبارته. فاعتبر كلامه هرطقة. فحرم من الخدمة. ولما كان هذا الأسقف سليط اللسان فقد طال لسانه هذه المرة القديس الذهبي الفم. فهاج أهل القسطنطينية ولم يحتملوا خطأ÷ فى القديس يوحنا ذهبى الفم لمحبتهم الشديدة له وأرادوا قتله إلا أن الأسقف سفيريانوس ذو اللسان الطويل استطاع أن يفلت منهم وهرب في البحر ليلاً.
أما الإمبراطورة افدوكسيا فحاولت التدخل فى الأمر فطلبت من الأسقف سفيريانوس بالعودة بصفتها الإمبراطورة . فخاف الأسقف الهارب من العودة لأن أن الشعب كان يريد أن يراه فقط ليفتك به لإهانة القديس، فلم يكن أمام أفدوكسيا حلّ إلا أن تذهب إلى القداس وتركع أمام الذهبي الفم وتطلب منه أن يغفر لسفيريانوس خطيئته، ففعل. وهدئ الشعب.
الشماس صرابيون المقرب للقديس يوحنا، والذى كان من أسباب اتساع فجوة الخلاف بين القديس والإكليروس ببعض تصرفاته. فيقول مثلا المؤرخ سقراط : " حدث مرة أن صرخ بأعلى صوته مخاطبا الأسقف فى حضرة كل الكهنة الـمجتمعين معا قائلا : لن تقدر يا سيدى أن تضبط هؤلاء الرجال إن لم تحكمهم بالعصا!!"

الإمبراطورة وذهبى الفم

- ووقعت حادثة والى الأسكندرية بولاسيوس، الذى اختلس من أرملة إسكندرية 500 دينار واعتزل الولاية. ولما شكته الأرملة للإمبراطورة حكمت لها بـ 36 دينار فقط، فلجأت إلى الأب البطريرك، الذى ترقب دخول الوالى إلى الكنيسة وأمر باحتجازه، فاضطرت الإمبراطورة لدفع المبلغ للأرملة حتى يطلق سراحه.
- ثم الحادثة الثانية حيث اغتصبت الإمبراطورة حقلا من أرملة، وطالبها القديس برده فلم تجبه، وفى يوم عيد الصليب إذ حضرت الإمبراطورة إلى الكنيسة، منعها فم الذهب من الدخول. وإذ حاول أحد الجنود تحطيم الباب يبست يده، إلى أن خرج له القديس بعد الصلاة وصلى له فشفى.
غضب الإمبراطورة وطلبها من الإمبراطور الانتقام لكرامتها، واستغلال مشكلة الإخوة الطوال، والأسقف سفريان، والبابا ثاوفيلس،

وعقد مجمع السنديان الذى حكم بعزل ذهبى الفم واستبعاده، ووافق الإمبراطور.
ورغم عدم قانونية الحكم فى الـمجمع إلا أن يوحنا خرج متجها للمنفى.
+ هاج الشعب، وحدوث زلزلة أرعبت الإمبراطورة والإمبراطور، حيث أرسل وأعاد القديس.

سنة 403 م أقام أركاديوس تمثالا من الفضة لزوجته أفدوكسيا. وفى حفل تنصيبه بجوار كنيسة آجيا صوفيا، اجتمع الشعب وحول المكان إلى حفلة راقصة ماجنة لم يطقها يوحنا فم الذهب فأخذ ينهى عن هذه الأعمال ويحرمها.
ثارت الإمبراطورة، وعقد الإمبراطور مجمعا حضره حوالى 100 أسقف، الذين إذ لم يجدوا ما يدينوا به فم الذهب، حكموا ببطلان عودته واستلامه الخدمة بعد قرارات مجمع السنديانة بدون مجمع آخر.
+ حظر على يوحنا الخروج من قلايته، وطرد رجال الإكليروس الذين يميلون إليه من الكنائس.
+ محافظة منه على أولاده خرج يوحنا إلى النفى دون أن يراه الشعب. حيث سجن فى نيقية 40 يوما.
+ وفى يوليو سنة 404 م صحبه الجنود بقسوة إلى كوكوزة فى رحلة شاقة استغرقت 70 يوما فى تعب ومرض.
+ وفى كوكوزة لم يكف عن الاهتمام بالخدمة. ولكن قسوة البرودة والحرارة التى لم يتعودها أضرت بصحته كثيرا.
+ لإنهاء كل فرصة لعودته، سعى المتآمرون لدى الإمبراطور لنقله من كوكوزة إلى بيتوس ، مع وعد للجند بمكافأة سخية إذا مات فى الطريق. وقد كان حيث عامله الجنود بقسوة حتى أسلم الروح فى كنيسة صغيرة فى كومانة مدفون فيها الأسقف الشهيد باسيليكس، الذى ظهر له يقول تشدد وتقو يا أخى يوحنا، فإننا غدا نكون سويا. وقبل نياحه لبس ثوبا أبيضا وتناول الأسرار المقدسة، ونطق عبارته المفضلة (ليكن الله مباركا فى كل شيء آمين). وكان هذا فى 14 سبتمبر سنة 407م.
+ فى سنة 438 م وبعد حوالى 31 سنة من نياح القديس. أرسل الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير جماعة لنقل جسد القديس من كومانا إلى القسطنطينية، حيث احتفلوا به احتفالا مهيبا، وحملوه إلى كنيسة الرسل، حيث خر الإمبراطور أمامه فى انسحاق ودموع، يطلب الغفران عن نفسه وعن والديه أركاديوس وأفدوكسيا.

*******************

المــــــــــراجع

(1) محاضرة للمطران يوحنا يازجي - ليون انتيباس – قنشرين

(2) ليبانيوس Libanius فيلسوف وثنى سوفسطائى ولد فى أنطاكية سنة 315 م

(3) كتاب القديس يوحنا ذهبى الفم ، القديسة الشهيدة مارينا - مكتبة المحبة  - 1998م  - بقلم ملاك لوقا ، قام بكتابة العشرات من الكتيبات الصغيرة عن حياة القديسين وغيرها التى يقدر على شرائها متوسطى الدخل مما أثرت فى نفوس الشباب وفى نشر المعرفة المسيحية فى مدارس الأحد بالكنيسة القبطية والكاتب له تاريخ طويل فى خدمة الكنيسة

(4) سيرة القديس ذهبى الفم وصلت إلينا عن طريق بلاديوس أسقف هيلينوبوليس  Palladius of Helenopolis ويعد بلاديوس أشهر مؤرخ للرهبنة فى مصر حيث ألف كتاب " تاريخ الرهبنة فى مصر " The History of the monks in Egypt .

وقد ولد الأسقف القديس بلاديوس أسقف هيلينوبوليس فى غلاطية سنة 364م وفى عام 388م زار مصر وتعرف على الكثير من الرهبان وإلتقى بالقديس مكاريوس الكبير عاو 390م

(5) فم الذهب أو ذهبى الفم فى اليونانية Chrysostom - وبالإنجليزية Golden Mouthed - وبالفرنسية Bouche D or

(6) راجع كتاب أبونا تادرس يعقوب عن ذهبى الفم

(7) راجع كتاب أقوال الآباء وكتاراتهم للقمص تادرس يعقوب الملطى

مـــراجع أخرى للبحث

* القديس يوحنا - القمص تادرس يعقوب 

 * كتاب القديس يوحنا الذهبي الفم لـ لأب فيرجبيل جيورجيو
* الأقمار الثلاثة وآباء القرون الأربعة الأولى لـ إيما غريب خوري
* كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى الدكتورأسد رستم
* يوحنا‏ ‏الذهبي‏ ‏الفم بقلم‏ ‏الأنبا‏ ‏غريغوريوس [1], [2], [3]
* في توبة أهل نينوى للقدّيس يوحنا الذهبي الفم [4]

(8)  تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا طبع مكتبة المحبة سنة 1983 م

This site was last updated 12/19/11