الفترة الثانية من حياة القديس يوحنا ذهبى الفم - فترة الرهبنة (370- 380 م)
وظل يوحنا بعد إنتهائه من الدراسة يعمل محامياً واصبح مرشحاً لمنصب قاضى غير أنه اتجه للتكريس والخدمة ولما سمع به ملاتيوس Melatius أسقف أنطاكية الأرثوذكسى قربه إليه وتلمذه لمدة ثلاث سنوات فتعمد ما بين سنة 369 م- 370م
ويذكر المؤرخون عن سبب تأخيره فى العماد ، وقد تكون أحداث أنطاكية هي التي تسببت في هذا التأخر إذ أن اسقف أنطاكية الأرثوذكسى ملاتيوس كان قد نفى وكان كل الأساقفة والكهنة من الأريوسيين كما أن الأسقف ملاتيوس كان صديقاً شخصياً له فكان أيضا يريد عماده على يد صديقه الأسقف ، كما أن هناك سبباًُ آخر كان بعض المسيحيون في ذلك الوقت يهابون سرّ المعمودية خوفاً من عواقب الوقوع في الخطيئة بعدها. فآثروا تأجيل ممارسة هذا السر حتى سن متأخرة. . ويعلق بلاديوس (4) Palladius صديق ذهبى الفم عقب عمادة قائلاً : " منذ أن نال ذهبى الفم هذا السر لم ينطق بكلمة بطالة " .
وكان عمادة بداية إنطلاقة لخدمة المسيح
كما كان العماد بالنسبة له هو باب الدخول إلى الكنيسة، وباب التعرف إلى رجالاتها ، فقد اكتشف آنئذٍ يوحنا كيف كان ملاتيوس بطريرك أنطاكية يناضل من أجل الإيمان .
إنطلق يوحنا إلى الدير وترهبن بعد وفاة والدته ومن ثم ذهب إلى وادي العاصي وسكن فى مغارة في الفترة ما بين (374-381) وكان ديئودور الشيخ الحكيم المختبر هو الذى قاد يوحنا فى حياته الديرية ودربه على الرهبنة
وفى الدير سجل لنا القديس يوحنا ذهبى الفم مقالة الأول
ومقالة بعنوان :
مقارنة بين الملك والراهب Comparatio regis et monachi ملخص النقاط بها :
*** الملك يتحكم فى مدن وشعوب ، أما الراهب فيتحكم فى شهواته وغرائزه
*** الملك يحارب البرابرة للتوسع ، أما الراهب فيحارب الشياطين ويرشد النفوس .
*** الملك حياته ملآنه بالألام والمشكلات ، أما الراهب فيعيش فى فرح وسلام .
*** الملك يهدى ذهباً ، أما الراهب فيقدم نعمة وتعزية .
*** الملك يصعب عليه إستعادة إمبراطوريته إن فقدت ، أما الراهب يسهل عليه أن يقوم من سقطته .
ثم يحث القديس يوحنا الشعب على تكريس حياتهم للرهبنة فى وقت كان الناس تسعى للسلطة والحكم
وفي سنة 373 غضب والنس جاش على الأرثوذكسيين فأكره النساك على الخدمة العسكرية والمدنية. واعتبر بعض المسيحيين أن تقشفات النساك ضرب من الجنون. فضحك الوثنيون على الطرفين. فأخذت الكآبة في نفس يوحنا كل مأخذ. فعلم أحد أصدقاءه بهذا. فحض يوحنا أن يقيم كلامه حصناً يدرأ نار الاضطهاد فتردد يوحنا ثم أنشأ ثلاثة كتب في إطراء السيرة النسكية. لا تزال من أفضل ما صُنف في موضوعها.
وفى عام 373م قامت حملات عنيفة من السلطة الحاكمة ضد الرهبنة فألف ذهبى الفم ثلاث كتب تحت إسم
Adversus oppugnatores vitae monasticas
وهاجم فى كتاباته أعداء الرهبنة ودحض حججهم : وفى هذا الكتاب يقول : طعامهم فى غاية البساطة ، ينامون على مرقد من القش ، ولا يحتاجون لشئ ، متحررين من كل قلق وهم ، لا يعرفون " لى ولك " اللتان تسببان كثيراً من المشاكل فى العالم .
إن رحل أحدهم لا ينوحون عليه ، بل يقدمون الشكر للرب ، يحملونه للقبر وسط تسابيح الحمد ، إذ هو لم يمت بل صار كاملاً ، فقد سمح له بأن يرى وجه المسيح .. بإختصار الحياة بالنسبة لهم هى المسيح والموت هو ربح .
*******************
المــــــــــراجع
(1) محاضرة للمطران يوحنا يازجي - ليون انتيباس – قنشرين
(2) ليبانيوس Libanius فيلسوف وثنى سوفسطائى ولد فى أنطاكية سنة 315 م
(3) كتاب القديس يوحنا ذهبى الفم ، القديسة الشهيدة مارينا - مكتبة المحبة - 1998م - بقلم ملاك لوقا ، قام بكتابة العشرات من الكتيبات الصغيرة عن حياة القديسين وغيرها التى يقدر على شرائها متوسطى الدخل مما أثرت فى نفوس الشباب وفى نشر المعرفة المسيحية فى مدارس الأحد بالكنيسة القبطية والكاتب له تاريخ طويل فى خدمة الكنيسة
(4) سيرة القديس ذهبى الفم وصلت إلينا عن طريق بلاديوس أسقف هيلينوبوليس Palladius of Helenopolis ويعد بلاديوس أشهر مؤرخ للرهبنة فى مصر حيث ألف كتاب " تاريخ الرهبنة فى مصر " The History of the monks in Egypt .
وقد ولد الأسقف القديس بلاديوس أسقف هيلينوبوليس فى غلاطية سنة 364م وفى عام 388م زار مصر وتعرف على الكثير من الرهبان وإلتقى بالقديس مكاريوس الكبير عاو 390م
(5) فم الذهب أو ذهبى الفم فى اليونانية Chrysostom - وبالإنجليزية Golden Mouthed - وبالفرنسية Bouche D or
(6) راجع كتاب أبونا تادرس يعقوب عن ذهبى الفم
(7) راجع كتاب أقوال الآباء وكتاراتهم للقمص تادرس يعقوب الملطى
مـــراجع أخرى للبحث
* القديس يوحنا - القمص تادرس يعقوب
* كتاب القديس يوحنا الذهبي الفم لـ لأب فيرجبيل جيورجيو
* الأقمار الثلاثة وآباء القرون الأربعة الأولى لـ إيما غريب خوري
* كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى الدكتورأسد رستم
* يوحنا الذهبي الفم بقلم الأنبا غريغوريوس [1], [2], [3]
* في توبة أهل نينوى للقدّيس يوحنا الذهبي الفم [4]
(8) تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا طبع مكتبة المحبة سنة 1983 م