Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة سبع وخمسين وخمسمائة سنة ثمان وخمسين وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة555
سنة556
سنة557 وسنة558
سنة559
سنة560 وسنة561
سنة562 وسنة 563
سنة564
سنة565 وسنة566

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة سبع وخمسين وخمسمائة
ذكر فتح المؤيد طوس وغيرها

في هذه السنة، في السابع والعشرين من صفر، نازل المؤيد أي أبه أبا بكر جاندار بقلعة وسكره خوي من طوس وكان قد تحصن بها، وهي حصينة منيعة لا ترام، فقاتله وأعانه أهل طوس على أبي بكر لسوء سيرته فيهم وظلمه، فلما رأى أبو بكر ملازمة المؤيد ومواصلة القتال عليه خضع وذل واستكان، ونزل من القلعة بالأمان في العشرين من ربيع الأول من السنة، فلما نزل منها حبسه المؤيد وأمر بتقييده. (5/84)
ثم سار منها إلى كرستان، وصاحبها أبو بكر فاخر، فنزل من قلعته، وهي من أمنع الحصون على رأس جبل عال، وصار في طاعة المؤيد، ودان له ووافقه، وسير جيشاً في جمادى الآخرة منها إلى أسفرايين، فتحصن رئيسها عبد الرحمن بن محمد بن علي الحاج بالقلعة، وكان أبوه كريم خراسان على الإطلاق، ولكن كان عبد الرحمن هذا بئس الخلف، فلما تحصن أحاط به العسكر المؤيدي، واستنزلوه من الحصن، وحملوه مقيداً إلى شاذياخ وحبس فيها؛ وقيل في ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.
وملك المؤيد أيضاً قهندز نيسابور، واستدارت مملكة المؤيد حول نيسابور وعادت إلى ما كانت عليه قبل، إلا أن أهلها انتقلوا إلى شاذياخ، وخربت المدينة العتيقة.
وسير المؤيد جيشاً إلى خواف، وبها عسكر مع بعض الأمراء اسمه أرغش، فكمن أرغش جمعاً في تلك المضايق والجبال، وتقدم إلى عسكر المؤيد فقاتلهم وطلع الكمين، فانهزم عسكر المؤيد وقتل منهم جمع، وعاد الباقون إلى المؤيد بنيسابور.
وسير جيشاً إلى بوشنج هراة، وهي في طاعة الملك محمد بن الحسين الغوري، فحصروها، واشتد الحصار عليها، ودام القتال والزحف، فسير الملك محمد الغوري جيشاً إليها ليمنع عنها، فلما قاربوا هراة فارقها العسكر الذي يحصرها، وعاودوا عنها وصفت تلك الولاية للغورية.
ذكر أخذ ابن مردنيش غرناطة من عبد المؤمن وعودها إليه
في هذه السنة أرسل أهل غرناطة من بلاد الأندلس، وهي لعبد المؤمن، إلى الأمير إبراهيم بن همشك صهر ابن مردنيشن فاستدعوه إليهم ليسلموا إليه البلد؛ وكان قد وحد، وصار من أصحاب عبد المؤمن، وفي طاعته، وممن يحرضه على قتل ابن مردنيش. ففارق طاعة عبد المؤمن وعاد إلى موافقة ابن مردنيش. فامتنعوا بحصنها، فبلغ الخبر أبا سعيد عثمان بن عبد المؤمن وهو بمدينة مالقة، فجمع الجيش الذي كان عنده وتوجه إلى غرناطة لنصرة من فيها من أصحابهم، فعلم بذلك إبراهيم بن همشك فاستنجد ابن مردنيش، ملك البلاد بشرق الأندلس، فأرسل إليه ألفي فارس من أنجاد أصحابه ومن الفرنج الذين جندهم معه، فاجتمعوا بضواحي غرناطة، فالتقوا هم ومن بغرناطة من عسكر عبد المؤمن قبل وصول أبي سعيد إليهم، فاشتد القتال بينهم فانهزم عسكر عبد المؤمن، وقدم أبو سعيد، واقتتلوا أيضاً، فانهزم كثير من أصحابه، وثبت معه طائفة من الأعيان والفرسان المشهورين، والرجالة الأجلاد، حتلا قتلوا عن آخرهم وانهزم حينئذ أبو سعيد ولحق بمالقة.
وسمع عبد المؤمن الخبر، وكان قد سار إلى مدينة سلا، فسير إليهم في الحال ابنه ابا يعقوب يوسف في عشرين ألف مقاتل، فيهم جماعة من شيوخ الموحدين، فجدوا المسير، فبلغ ذلك ابن مردنيش فسار بنفسه وجيشه إلى غرناطة ليعين ابن همشك، فاجتمع منهم بغرناطة جمع كثير، فنزل ابن مردنيش في الشريعة بظاهرها، ونزل العسكر الذي كان أمد به ابن همشك أولاًن وهم ألفا فارس، بظاهر القلعة الحمراء، ونزل ابن همشك بباطن القلعة الحمراء بمن معه، ووصل عسكر عبد المؤمن إلى جبل قريب من غرناطة، فأقاموا في سفحه أياماً ثم سيروا سرية أربعة ألاف فارس، فبينوا العسكر الذي بظاهر القلعة الحمراء، وقاتلوهم من جهاتهم، فما لحقوا يركبون، فقتلوهم عن آخرهم.
وأقبل عسكر عبد المؤمن بجملته، فنزلوا بضواحي غرناطة، فعلم ابن مردنيش وابن همشك أنهم لا طاقة لهم بهم، ففروا في الليلة الثانية، ولحقوا ببلادهم، واستولى الموحدون على غرناطة في باقي السنة المذكورة، وعاد عبد المؤمن من مدينة سلا إلى مراكش.
ذكر حصر نور الدين حارم
في هذه السنة جمع نور الدين بن محمود بن آقسنقر، صاحب الشام، العساكر بحلب، وسار إلى قلعة حارم، وهي للفرنج غربي حلب، ، فحصرها وجد في قتالها، فامتنعت عليه بحصانتها، وكثرة من بها من فرسان الفرنج ورجالتهم وشجعانهم، فلما علم الفرنج ذلك جمعوا فارسهم وراجلهم من سائر البلاد، وحشدوا، واستعدوا، وساروا نحوها ليرحلوه عنها، فلما قاربوه طلب منهم المصاف، فلم يجيبوه إليه، وراسلوه، وتلطفوا الحال معه، فلما رأى أنه لا يمكنه أخذ الحصن، ولا يجيبونه إلى المصاف، عاد إلى بلاده (5/85)
وممن كان معه في هذه الغزوة مؤيد الدولة أسامة بن مرشد بن منقذ الكناني، وكان من الشجاعة في الغاية، فلما عاد إلى حلب دخل إلى مسجد شيزر، وكان قد دخله في العام الماضي سائراً إلى الحج، فلما دخله الآن كتب على حائطه:
لك الحمد يا مولاي كم لك منة ... علي وفضلاً لا يحيط به شكري
نزلت بهذا المسجد العام قافلاً ... من الغزو موفور النصيب من الأجر
ومنه رحلت العيس في عامي الذي ... مضى نحو بيت الله والركن والحجر
فأديت مفروضي وأسقطت ثقل ما ... تحملت من وزر الشبيبة عن ظهري
ذكر ملك الخليفة قلعة الماهكي
في هذه السنة، في رجب، ملك الخليفة المستنجد بالله قلعة الماهكي، وسبب ذلك أن سنقر الهمذاني، صاحبها، سلمها إلى أحد مماليكه ومضى إلى همذان، فضعف هذا المملوك عن مقاومة ما حولها من التركمان والأكراد، فأشير عليه ببيعها من الخليفة، فراسل في ذلك، فاستقرت على خمسة عشر ألف دينار وسلاح وغير ذلك من الأمتعة، وعدة من القرى، فسلمها واستلم ما استقر له، وأقام ببغداد. وهذه القلعة لم تزل من أيام المقتدر بالله بأيدي التركمان والأكراد وإلى الآن.
ذكر الحرب بين المسلمين والكرج
في هذه السنة، في شعبان، اجتمعت الكرج في خلق كثير يبلغون ثلاثين ألف مقاتل، ودخلوا بلاد الإسلام، وقصدوا مدينة دوين من أذربيجان، فملكوها ونهبوها، وقتلوا من أهلها وسوادها نحو عشرة آلاف قتيل، وأخذوا النساء سبايا، وأسروا كثيراً، وأعروا النساء وقادوهم حفاة عراة، وأحرقوا الجوامع والمساجد؛ فلما وصلوا إلى بلادهم أنكر نساء الكرج مافعلوا بنساء المسلمين، وقلن لهم: قد أحوجتم المسلمين أن يفعلوا بنا مثل ما فعلتم بنسائهم؛ وكسونهن.ولما بلغ الخبر إلى شمس الدين إيلدكز، صاحب أذربيجان والجبل وأصفهان، جمع عساكره وحشدها، وانضاف إليه شاه أرمن بن سكمان القطبي، صاحب خلاط، وابن آقسنقر، صاحب مراغة وغيرها، فاجتمعوا في عسكر كثير يزيدون على خمسين ألف مقاتل، وساروا إلى بلاد الكرج في صفر سنة ثمان وخمسين ونهبوها، وسبوا النساء والصبيان، وأسروا الرجال، ولقيهم الكرج، واقتتلوا أشد قتال صبر فيه الفريقان، ودامت الحرب بينهم أكثر من شهر، وكان الظفر للمسلمين، فانهزم الكرج وقتل منهم كثير وأسر كذلك.
وكان سبب الهزيمة ان بعض الكرج حضر عند إيلدكز، فأسلم على يديه، وقال له: تعطيني عسكراً حتى أسير بهم في طريق أعرفها وأجيء إلى الكرج من ورائهم وهم لا يشعرون! فاستوثق منه، وسير معه عسكراً وواعده يوماً يصل فيه إلى الكرج، فلما كان ذلك اليوم قاتل المسلمون الكرج، فبينما هم في القتال وصل ذلك الكرجي الذي أسلم ومعه العسكر، وكبروا وحملوا على الكرج من ورائهم، فانهزموا، وكثر القتل فيهم والسر، وغنم المسلمون من أموالهم ما لا يدخل تحت الإحصاء لكثرته، فإنهم كانوا متيقنين النصر لكثرتهم، فخيب الله ظنهم، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون ثلاثة أيام بلياليها، وعاد المسلمون منصورين قاهرين.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة، وصل الحجاج إلى منى، ولم يتم الحج لأكثر الناس لصدهم عن دخول مكة والطواف والسعي، فمن دخل يوم النحر مكة وطاف وسعى كمل حجه، ومن تأخر عن ذلك منع دخول مكة لفتنة جرت بين أمير الحاج وأمير مكة. كان سببها أن جماعة من عبيد مكة أفسدوا في الحاج بمنى، فنفر عليهم بعض أصحاب أمير الحاج فقتلوا منهم جماعة، ورجع من سلم إلى مكة، وجمعوا جمعاً وأغاروا على جمال الحاج، واخذوا منها قريباً من ألف جمل، فنادى أمير الحاج في جنده، فركبوا بسلاحهم، ووقع القتال بينهم، فقتل جماعة، ونهب جماعة من الحاج وأهل مكة، فرجع أمير الحاج ولم يدخل مكة، ولم يقم بالزاهر غير يوم واحد، وعاد كثير من الناس رجالة لقلة الجمال، ولقوا شدة.
وممن حج في هذه السنة جدتنا أم أبينا، ففاتها الطواف والسعي، فاستفتي لها الإمام الشيخ أبو القاسم بن البرري، فقال: تدوم على ما بقي عليها من إحرامها إلى قابل، وتعود إلى مكة، فتطوف وتسعى، فكمل الحجة الأولى، ثم تحرم إحراماً ثانياً، وتعود إلى عرفات، فتقف وترمي الجمار، وتطوف وتسعى، فتصير لها حجة ثانية؛ فبقيت على إحرامها إلى قابل، وحجت وفعلت كما قال، فتم حجها الأول والثاني.(5/86)
وفيها نزل بخراسان برد كثير عظيم المقدار، أواخر نيسان، وكان أكثره بجوين ونيسابور وما والاهما، فأهلك الغلات، ثم جاء بعده مطر كثير دام عشرة أيام.
وفيها في جمادى الآخرة، وقع الحريق ببغداد، احترق سوق الطيوريين والدور التي تليه مقابله إلى سوق الصفر الجديد، والخان الذي في الرحبة، ودكاكين البزورين وغيرها.
وفيها توفي الكيا الصباحي، صاحب الموت، مقدم الإسماعيلية، وقام ابنه مقامه، فأظهر التوبة، وأعاد هو ومن معه الصلوات وصيام شهر رمضان، وأرسلوا إلى قزوين يطلبون من يصلي بهم، ويعلمهم حدود الإسلام، فأرسلوا إليهم.
وفيها في رجب، درس شرف الدين يوسف الدمشقي في المدرسة النظامية ببغداد؛ وفيها توفي شجاع الفقيه الحنفي ببغداد، وكان مدرساً بمدرسة أبي حنيفة، وكان موته في ذي القعدة.
وفيها توفي صدقة بن وزير الواعظ.
وفيها، في المحرم، توفي الشيخ عدي بن مسافر الزاهد المقيم ببلد الهكارية من أعمال الموصل، وهو من الشام، من بلد بعلبك، فانتقل إلى الموصل، وتبعه أهل السواد والجبال بتلك النواحي وأطاعوه، وحسنوا الظن فيه، وهو مشهور جداً.


ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وخمسمائة
ذكر وزارة شاور للعاضد بمصر ثم وزارة الضرغام بعده

في هذه السنة، في صفر، وزر شاور للعاضد لدين الله العلوي صاحب مصر، وكان ابتداء أمره ووزارته أنه كان يخدم الصالح بن رزيك ولزمه، فأقبل عليه الصالح وولاه الصعيد، وهو أكبر الأعمال بعد الوزارة، فلما ولي الصعيد ظهرت منه كفاية عظيمة وتقدم زائد، واستمال الرعية والمقدمين من العرب وغيرهم، فعسر أمره على الصالح، ولم يمكنه عزله، فاستدام استعماله لئلا يخرج عن طاعته. فلما جرح الصالح كان من جملة وصيته لولده العادل: إنك لا تغير على شاور، فإنني أنا أقوى منك وقد ندمت على استعماله، ولم يمكنّي عزله، فلا تغيروا ما به فيكون لكم منه ما تكرهون.
فلما توفي الصالح من جراحته وولي ابنه العادل الوزارة حسن له أهله عزل شاور واستعمال بعضهم مكانه، وخوفوه منه إن أقروه على عمله، فأرسل إليه بالعزل، فجمع جموعاً كثيرة وسار إلى القاهرة بهم، فهرب منه العادل ابن الصالح بن زريك فأخذ وقتل، فكانت مدة وزارته ووزارة أبيه قبله تسع سنين وشهراً وأياماً، وصار شاور وزيراً، وتلقب بأمير الجيوش، وأخذ أموال بني رزيك وودائعهم وذخائرهم، وأخذ منه أيضاً طي والكامل ابنا شاور والمصريين إلى الأتراك.
ثم إن الضرغام جمع جموعاً كثيرة، ونازع شاور بالوزارة في شهر رمضان، وظهر أمره، وانهزم شاور منه إلى الشام، على ما نذكره سنة تسع وخمسين وخمسمائة، وصار ضرغام وزيراً.
وكان هذه السنة ثلاثة وزراء: العادل بن زريك، وشاور ، وضرغام، فلما تمكن ضرغام من الوزارة قتل كثيراً من الوزراء المصريين لتخلو له البلاد من منازع، فضعفت الدولة بهذا السبب حتى خرجت البلاد عن أيديهم.
ذكر وفاة عبد المؤمن وابنه يوسف
في هذه السنة، في العشرين من جمادى الآخرة، توفي عبد المؤمن بن علي، صاحب بلاد المغرب، وإفريقية، والأندلس، وكان قد سار من مراكش إلى سلا، فمرض بها ومات.
ولما حضره الموت جمع شيوخ الموحدين من أصحابه، وقال لهم: قد جربت ابني محمداً، فام أره يصلح لهذا الأمر، وإنما يصلح له ابني يوسف، وهو أولى بها، فقدموه لها، ووصاهم بها، وبايعوه ودعي بأمير المؤمنين، وكتما موت عبد المؤمن، وحمل فمن سلا في محفة بصورة أنه مريض إلى أن وصل إلى مراكش.
وكان ابنه أبو حفص في تلك المدة حاجباً لأبيه، فبقي مع أخيه على مثل حاله مع أبيه يخرج فيقول للناس: أمير المؤمنين أمر بكذا، ويوسف لم يقعد مقعد أبيه إلى أن كملت المبايعة له في جميع البلاد، واستقرت قواعد الأمور له، ثم أظهر موت أبيه عبد المؤمن، فكانت ولايته ثلاثاً وثلاثين سنة وشهوراً، وكان عاقلاً، حازماً، سديد الرأي، حسن السياسة للأمور، كثير البذل للأموال، إلا أنه كان كثير السفك لدماء المسلمين على الذنب الصغير.
وكان يعظم أمر الدين ويقويه، ويلزم الناس في سائر بلاده بالصلاة، ومن رؤي وقت الصلاة غير تصل قتل وجمع الناس على مذهب مالك في الفروع، وعلى مذهب أبي الحسن الأشعري في الأصول، وكان الغالب على مجلسه أهل العلم والدين، المرجع إليهم، والكلام معهم ولهم. (5/87)
ذكر ملك المؤيد أعمال قومس والخطبة للسلطان أرسلان بخراسان
في هذه السنة، سار المؤيد أي أبه، صاحب نيسابور إلى بلاد قومس، فملك بسطام ودامغان، واسنناب بقومس مملوكه تنكز، فأقام تنكز بمدينة بسطام، فجرى بين تنكز وبين شام مازندران اختلاف أدى إلى الحرب، فجمع كل منهما عسكره، والتقوا أوائل ذي الحجة في هذه السنة، واقتتلوا، فانهزم عسكر مازندران، وأخذت أسلابهم، وقتل منه طائفة كبيرة.
ولما ملك المؤيد بلاد قومس أرسل إليه السلطان أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه خلعاً نفيسة، وألوية معقودة، وهدية جليلة، وأمره أن يهتم باستيعاب بلاد خراسان ويتولى ذلك أجمع، وأن يخطب له، فلبس المؤيد الخلع، فخطب له في البلاد التي هي بيده.
وكان السبب في هذا أتابك شمس الدين إيلدكز، فانه كان هو الذي يحكم في مملكة أرسلان، وليس لأرسلان غير الاسم؛ وكان بين إيلدكز وبين المؤيد مودة عظيمة ذكرناها عند قتل المؤيد، فلما أطاع المؤيد السلطان أرسلان خطب له ببلاده، مهي بلاد قومس ونيسابور وطوس وأعمال نيسابور جميعها، ومن نسا إلى طبس كنكلي، وكان يخطب لنفسه بعد أرسلان، وكانت الخطبة في جرجان ودهستان لخوارزم شاه أيل أرسلان بن أتسز، وبعده للأمير إيثاق؛ وكانت الخطبة في مرو وبلخ وهراة وسرخس، وهذه البلاد بيد الغز، إلا هراة فكانت بيد الأمير ايتكين، وهو مسالم للغز، فكانوا يخطبون للسلطان سنجر فيقولون: اللهم اغفر للسلطان السعيد المبارك على المسلمين سنجر، وبعده للأمير الذي هو حاكم على تلك البلاد.
ذكر قتل الغز ملك الغور
في هذه السنة، في رجب، قتل سيف الدين محمد بن الحسين الغور، ملك الغور، قتله الغز.
وسبب ذلك أنه جمع عساكره وحشد فأكثر، وسار في بلاد الغور يريد الغز وهم ببلخ، واجتمعوا، وتقدموا إليه، فاتفق أن ملك الغور خرج من معسكره في جماعة من خاصته، جريدة، فسمع به أمراء الغز، فساروا يطلبونه مجدين قبل أن يعود إلى معسكره، فأوقعوا به، فقاتلهم أشد قتال رآه الناس، فقتل ومعه نفر ممن كانوا معه، واسر طائفة، وهربت طائفة، فلحقوا بمعسكرهم وعادوا إلى بلادهم منهزمين لا يقف الأب على ابنه ولا الولد على أخيه، وتركوا كل ما معهم بحاله ونجوا بنفوسهم.
فكان عمر ملك الغور لما قتل عشرين سنة، وكان عادلاً حسن السيرة، فمن عدله وخوفه عاقبة الظلم انه حاصر أهل هراة، فلما ملكها أراد عسكره أن ينهبوها، فنزل على درب المدينة، وأحضر الأموال والثياب، فأعطى جميع عسكره منها، وقال: هذا خير لكم من أن تنهبوا أموال المسلمين وتسخطوا الله تعالى، فإن الملك يبقى على الكفر ولا يبقى على الظلم؛ ولما قتل عاد الغز إلى بلخ ومرو وقد غنموا من العسكر الغوري الشيء الكثير لأن أهله تركوه ونجوا.
ذكر انهزام نور الدين محمود من الفرنج
في هذه السنة انهزم نور الدين محمود بن زنكي من الفرنج، تحت حصن الأكراد، وهي الوقعة المعروفة بالبقيعة، وسببها أن نور الدين جمع عساكره دخل بلاد الفرنج ونزل في البقيعة تحت حصن الأكراد، محاصراً له عازما على قصد طرابلس ومحاصرتها، فبينما الناس يوماً في خيامهم، وسط النهار، لم يرعهم إلا ظهور صلبان الفرنج من وراء الجبل الذي عليه حصن الأكراد، وذلك أن الفرنج اجتمعوا واتفق رأيهم على كبسة المسلمين نهاراً، فإنهم يكونوا آمنين، فركبوا من وقتهم، ولم يتوقفوا حتى يجمعوا عساكرهم، وساروا مجدين، فلم يشعر بذلك المسلمين إلا وقد قربوا منهم، فأرادوا منعهم، فلم يطيقوا ذلك، فأرسلوا إلى نور الدين يعرفونه الحال، فرهقهم الفرنج بالحملة، فلم يثبت المسلمون، وعادوا يطلبون معسكر المسلمين، والفرنج في ظهورهم، فوصلوا معاً إلى العسكر النوري، فلم يتمكن المسلمون من ركوب الخيل، وأخذ السلاح، إلا وقد خالطوهم، فأكثروا القتل والأسر.
وكان أشدهم على المسلمين الدوقس الرومي، فإنه كان قد خرج من بلاده إلى الساحل في جمع كثير من الروم، فقاتلوا محتسبين في زعمهم، فلم يبقوا على أحد، وقصدوا خيمة نور الدين وقد ركب فيها فرسه ونجا بنفسه، ولسرعته ركب الفرس والشبحة في رجله، فنزل إنسان كردي قطعها، فنجا نور الدين، وقتل الكردي، فأحسن نور الدين إلى مخلفيه، ووقف عليهم الوقوف. (5/88)
ونزل نور الدين على بحيرة قدس بالقرب من حمص، وبينه وبين المعركة أربعة فراسخ، وتلاحق به من سلم من العسكر، وقال له بعضهم ليس من الرأي أن تقيم هاهنا، فإن الفرنج ربما حملهم الطمع على المجيء إلينا، فنؤخذ ونحن على هذه الحال؛ فوبخه وأسكته، وقال: إذا كان معي ألف فارس لقيتهم ولا أبالي بهم، ووالله لا أستظل بسقف حتى آخذ بثأري وثأر الإسلام؛ ثم أرسل إلى حلب ودمشق، وأحضر الأموال والثياب والخيام والسلاح والخيل، فأعطى اللباس عوض ما أخذ منهم جميعه بقولهم، فعاد العسكر كأن لم تصبه هزيمة، وكل من قتل أعطى أقطاعه لأولاده.
وأما الفرنج فإنهم كانوا عازمين على قصد حمص بعد الهزيمة لأنها أقرب البلاد إليهم، فلما بلغهم نزول نور الدين بينها وبينهم قالوا: لم يفعل هذا إلا وعنده قوة يمنعنا بها.
ولما رأى أصحاب نور الدين كثرة خرجه قال له بعضهم: إن لك في بلادك إدرارات وصدقات كثيرة على الفقهاء والفقراء والصوفية والقراء وغيرهم، فلو استعنت بها في هذا الوقت لكان أصلح؛ فغضب من ذلك وقال: والله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم؛ كيف أقطع صلات قوم يدافعون عني، وأنا نائم على فراشي، بسهام لا تخطئ، وأصرفها إلى من لا يقاتل عني إلا إذا رآني بسهام قد تصيب وقد تخطئ، وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال كيف يحل لي أن أعطيه غيرهم؟ ثم إن الفرنج راسلوا نور الدين يطلبون منه الصلح، فلم يجبهم، وتركوا عند حصن الأكراد من يحميه وعادوا إلى بلادهم.
ذكر إجلاء بني أسد من العراق
في هذه السنة أمر الخليفة المستنجد بالله بإهلاك بني أسد أهل الحلة المزيدية، لما ظهر من فسادهم، ولما كان في نفس الخليفة منهم من مساعدتهم السلطان محمداً لما حصر بغداد، فأمر يزدن بن قماج بقتالهم وإجلائهم عن البلاد، وكانوا منبسطين في البطائح، فلا يقدر عليهم، فتوجه يزدن إليهم، وجمع عساكر كثيرة من راجل وفارس، وأرسل إلى ابن معروف مقدم المنتفق، وهو بأرض البصرة، فجاء في خلق كثير فحصرهم وسد عليهم الماء، وصابرهم مدة، فأرسل الخليفة إلى يزدن يعتب عليه ويعجزه وينسبه إلى موافقتهم في التشيع، وكان يزدن يتشيع، فجد هو وابن معروف في قتالهم والتضييق عليهم، وسد مسالكهم في الماء ، فاستسلموا حينئذ، فقتل منهم أربعة آلاف قتيل، ونادى فيمن بقي: من وجد بعد هذا في المزيدية فقد حل دمه؛ فتفرقوا في البلاد، ولم يبق منهم في العراق من يعرف، وسلمت بطائحهم وبلادهم إلى ابن معروف.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة وقع في بغداد حريق في باب درب فراشا إلى مشرعة الصباغين من الجانبين.
وفيها، في رجب، توفي سديد الدولة أبو عبد الله مجمد بن عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم المعروف بابن الأنباري، كاتب الإنشاء بديوان الخليفة، وكان فاضلاً أديباً ذا تقدم كثير عند الخلفاء والسلاطين، وخدم من سنة ثلاثين وخمسمائة إلى الآن في ديوان الخلافة، وعاش حتى قارب تسعين سنة.
وتوفي في رمضان هبة الله بن الفضل بن عبد العزيز بن محمد أبو القاسم المتوثي، سمع الحديث؛ وهو من الشعراء المشهورين، إلا أنه كثير الهجو، ومن شعره:
يا من هجرت ولا تبالي ... هل ترجع دولة الوصال
هل أطمع يا عذاب قلبي ... أن ينعم في هواك بالي
الطرف كما عهدت بالي ... والجسم كما ترين بال
ما ضرك أن تعلليني ... في الوصل بموعد المحال
أهواك وأنت حظ غيري ... يا قاتلتي فما احتيالي
وهي أكثر من هذا.

This site was last updated 07/28/11