Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة ست وخمسين وخمسمائة

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
بقية سنة555
سنة556
سنة557 وسنة558
سنة559
سنة560 وسنة561
سنة562 وسنة 563
سنة564
سنة565 وسنة566

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

ثم دخلت سنة ست وخمسين وخمسمائة
ذكر الفتنة ببغداد

في هذه السنة ، في ربيع الأول، خرج الوزير ابن هبيرة من داره إلى الديوان، والغلمان يطرقون له، وأرادوا أن يردوا باب المدرسة الكمالية بدار الخليفة، فمنعهم الفقهاء وضربوهم بالآجر، فشهر أصحاب الوزير السيوف وأرادوا ضربهم، فمنعهم الوزير، ومضى إلى الديوان، فكتب الفقهاء مطالعة يشكون أصحاب الوزير، فأمر الخليفة بضرب الفقهاء وتأديبهم ونفيهم من الدار، فمضى أستاذ الدار وعاقبهم هناك، واختفى مدرسهم الشيخ أبو طالب، ثم إن الوزير أعطى كل فقير ديناراً، واستحل منهم، وأعادهم إلى المدرسة وظهر مدرسهم.
ذكر قتل ترشك
في هذه الأيام قصد جمع من التركمان إلى البندنيجين، فأمر الخليفة بتجهيز عسكر إليهم، وأن يكون مقدمهم الأمير ترشك، وكان في أقطاعه بلد اللحف، فأرسل إلى الخليفة يستدعيه، فامتنع من المجيء إلى بغداد وقال: يحضر العسكر فأنا أقاتل بهم؛ وكان عازماً على الغدر؛ فجهز العسكر وساروا إليه، وفيهم جماعة من الأمراء، فلما اجتمعوا بترشك قتلوه، وأرسلوا رأسه إلى بغداد، وكان قتل مملوكاً للخليفة، فدعا أولياء القتيل وقيل لهم: إن أمير المؤمنين قد اقتص لأبيكم ممن قتله.
ذكر قتل سليمان شاه والخطبة لأرسلان (5/79)
في هذه السنة، في ربيع الآخر، قتل السلطان سليمان شاه ابن السلطان محمد بن ملكشاه، وسبب ذلك أنه كان فيه تهور وخرق، وبلغ به شرب الخمر حتى أنه شربها في رمضان نهاراً، وكان يجمع المساخر ولا يلتفت إلى الأمراء، فأهمل العسكر أمره، وصاروا لا يحضرون بابه، وكان قد رد جميع الأمور إلى شرف الدين كردبازو الخادم، وهو من مشايخ الخدم السلجوقية يرجع إلى دين وعقل وحسن تدبير، فكان الأمراء يشكون إليه وهو يسكنهم.فاتفق أنه شرب يوماً بظاهر همذان في الكشك الأخضر فحضر عنده كردبازو، فلامه على فعله، فأمر سليمان شاه من عنده من المساخر فعبثوا بكردبازو، حتى أن بعضهم كشف له عن سوءته، فخرج مغضباً، فلما صحا سليمان أرسل له يعتذر، فقبل عذره، إلا أنه تجنب الحضور عنده، فكتب سليمان إلى إينانج صاحب الري يطلب منه أن ينجده على كردبازو، فوصل الرسول وإينانج مريض، فأعاد الجواب يقول: إذا أفقت من مرضي حضرت إليك بعسكري؛ فبلغ الخبر كردبازو، فازداد استيحاشاً، فأرسل إليه سليمان يوماً يطلبه، فقال: إذا جاء إينانج حضرت؛ وأحضر الأمراء واستحلفهم على طاعته، وكانوا كارهين لسليمان، فحلفوا له، فأول ما عمل أن قتل المساخرة الذين لسليمان، وقال: إنما أفعل ذلك صيانة لملكك؛ ثم اصطلحا، وعمل كردبازو دعوة عظيمة حضرها السلطان والأمراء، فلما صار السلطان سليمان شاه في داره قبض عليه كردبازو وعلى وزيره ابن القاسم محمود بن عبد العزيز الحامدي، وعلى أصحابه، في شوال سنة خمس وخمسين وخمسمائة، فقتل وزيره وخواصه، وحبس سليمان شاه في قلعة، ثم أرسل إليه من خنقه؛ وقيل بل حبسه في دار مجد الدين العلوي رئيس همذان، وفيها قتل؛ وقيل بل سقي سماً فمات، والله اعلم.
وأرسل إلى إيلدكز، صاحب آران وأكثر بلاد أذربيجان، يستدعيه إليه ليخطب للملك أرسلان شاه الذي معه، وبلغ الخبر إلى إينانج صاحب بلاد الري، فسار ينهب البلاد إلى أن وصل إلى همذان، فتحصن كردبازو، فطلب منه إينانج أن يعطيه مصافاً، فقال: أنا لا أحاربك حتى يصل الأتابك الأعظم إيلدكز. وسار إيلدكو في عساكره جميعاً يزيد على عشرين ألف فارس، ومعه أرسلان شاه بن طغرل بن محمد بن ملكشاه، فوصل إلى همذان، فلقيهم كردبازو، وأنزله دار المملكة، وخطب لأرسلان شاه بالسلطنة بتلك البلاد، وكان إيلدكز قد تزوج بأم أرسلان شاه، وهي أم البهلوان بن إيلدكز، وكان إيلدكز أتابكه، والبهلوان حاجبه، وهو أخوه لأمه، وكان إيلدكز هذا أحد مماليك السلطان مسعود واشتراه في أول أمره، فلما ملك أقطعه أران وبعض أذربيجان؛ واتفق الحروب والاختلاف، فلم يحضر عنده أحد من السلاطين السلجوقية، وعظم شأنه وقوي أمره، وتزوج بأم الملك أرسلان شاه، فولدت له أولاداً منهم البهلوان محمد، وقزل أرسلان عثمان.
وقد ذكرنا سبب انتقال أرسلان شاه إليهن وبقي عنده إلى الآن، فلما خطب له بهمذان أرسل إيلدكز إلى بغداد يطلب الخطبة لأرسلان شاه أيضاً، وأن تعاد القواعد إلى ما كانت عليه أيام السلطان مسعود، فأهين رسوله وأعيد إليه على أقبح حالة؛ وأما إيناننج صاحب الري فإن إيلدكز راسله ولاطفه فاصطلحا وتحالفا على الاتفاق، وتزوج البهلوان بن إيلدكز بابنة إينانج ونقلت إليه بهمذان.
ذكر الحرب بين ابن آقسنقر وعسكر إيلدكز
لما استقر الصلح بين إيلدكز وإينانج أرسل إلى ابن آقسنقر الأحمديلي، صاحب مراغة، يدعوه إلى الحضور في خدمة السلطان أرسلان شاه، فامتنع من ذلك وقال: إن كففتم عني، وإلا فعندي سلطان، وكان عنده ولد محمد شاه بن محمود، كما ذكرناه، وكان الوزير ابن هبيرة قد كاتبه يطمعه بالخطبة لولد محمد شاه، فجهز إيلدكز عسكراً مع ولده البهلوان، فبلغ الخبر إلى ابن آقسنقر فأرسل إلى شاه أرمن، صاحب خلاط، وحالفه، وصارا يداً واحدة، فسير إليه شاه أرمن عسكراً كثيراً، واعتذر عن تأخره بنفسه لأنه في ثغر لا يمكنه مفارقته، فقوي بهم ابن آقسنقر، وكثر جمعه، وسار نحو البهلوان، فالتقيا على نهر اسبيرود، فاشتد القتال بينهم، فانهزم البهلوان أقبح هزيمةن ووصل هو وعسكره إلى همذان على أقبح صورة، واستأمن أكثر أصحابه إلى أقسنقر، وعاد إلى بلده منصوراً.
ذكر الحرب بين إيلدكز وإينانج (5/80)
لما مات ملكشاه ابن السلطان محمود، كما ذكرناه، أخذ طائفة من أصحابه ابنه محموداً وانصرفوا به نحو بلاد فارس، فخرج عليهم صاحبها زنكي بن دكلا السلغري فأخذه منهم وتركه في قلعة إصطخر، فلما ملك إيلدكز والسلطان أرسلان شاه الذي معه البلاد، وأرسل إيلكز إلى بغداد يطلب الخطبة للسلطان، كما ذكرناهن شرع الوزير عون الدين أبو المظفر يحيى بن هبيرة، وزير الخليفة، في إثارة أصحاب الأطراف عليه، وراسل الأحمديلي، وكان ما ذكرناه، وكاتب زنكي بن دكلا صاحب بلاد فارس يبذل له أن يخطب للملك الذي عندهن وهو ابن ملكشاه، وعلق الخطبة له بظفره بإيلدكزن فخطب ابن دكلا للملك الذي عنده، وأنزله من القلعة، وضرب الطبل على بابه خمس نوب، وجمع عساكره وكاتب إينانج صاحب الري يطلب منه الموافقة.
وسمع الخبر إيلدكز، فحشد وجمع، وكثر عسكره وجموعه فكانت أربعين ألفاً، وسار إلى أصفهان يريد بلاد فارس، وأرسل إلى زنكي بن دكلا يطلب منه الموافقة على أن يعود يخطب لأرسلان شاه، فلم يفعل، وقال: إن الخليفة قد أقطعني بلاده وأنا سائر إليه، فرحل إيلدكز، وبلغه أن لأرسلان بوقا، وهو أمير من أمراء زنكي، وفي أقطاعه أرجان، بالقرب منه، فأنفذ سرية للغارة عليه، فاتفق أن أرسلان بوقا عزم على تغيير الخيل التي معه لضعفها، وأخذ عوضها من ذلك الجشير، فسار في عسكره إلى الجشير، فصادف العسكر الذي سيره إيلدكز لأخذ دوابه، فقاتلهم وأخذهم وقتلهم، وأرسل الرؤوس إلى صاحبه، فكتب بذلك إلى بغداد وطلب المدد، فوعد بذلك.
وكان الوزير عون الدين أيضاً قد كاتب الأمراء الذين مع إيلدكز يوبخهم على طاعته، ويضعف رأيهم، ويحرضهم على مساعدة زنكي ابن دكلا وإينانج؛ وكان إينانج قد برز من الري في عشرة آلاف فارس، فأرسل إليه ابن آقسنقر الأحمديلي خمسة آلاف فارس، وهرب ابن البازدار، صاحب قزوين، وابن طغيرك وغيرهما، فلحقوا بإينانج وهو في صحراء ساوة.
واما إيلدكز فإنه استشار نصحائه، فأشاروا بقصد إينانج لأنه أهم، فرحل إليه، ونهب زنكي بن دكلا سهيرم وغيرها، فرد إيلدكز إليه أميراً في عسرة آلاف فارس لحفظ البلاد. فسار زنكي إليهم، فلقيهم وقاتلهم، فانهزم عسكر إيلدكز إليه، فتجلد لذلك وأرسل يطلب عساكر أذربيجان، فجاءته مع ولده قزل أرسلان.
وسير زنكي بن دكلا عسكراً كثيراً إلى إينانج، واعتذر عن الحضور بنفسه عنده لخوفه على بلاده من شملة، صاحب خوزستان، فسار إيلدكز إلى إينانج وتدانى العسكران، فالتقوا تاسع شعبان وجرى بينهم حرب عظيمة أجلت عن هزيمة إينانج، فانهزم أقبح هزيمة وقتلت رجاله ونهبت أمواله، ودخل الري، وتحصن في قلعة طبرك، وحصر إيلدكز الري، ثم شرع في الصلح، واقترح إينانج أقتراحات، فأجابه إيلدكز إليها، وأعطاه جرباذقان وغيرها، وعاد إيلدكو إلى همذان؛ كان ينبغي أن تتأخر هذه الحادثة والتي قبلها، وإنما قدمت لتتبع أخواتها.
ذكر وفاة ملك الغور وملك ابنه محمد
في هذه السنة، في ربيع الآخر، توفي الملك علاء الدين الحسين بن الحسين الغوري ملك الغور بعد انصرافه عن غزنة؛ وكان عادلاً من أحسن الملوك سيرة في رعيته، ولما مات ملك بعده ابنه سيف الدين محمد، وأطاعه الناس وأحبوه، وكان قد صار في بلادهم جماعة من دعاة الإسماعيلية، وكثر أتباعهم، فأخرجوا من تلك الديار جميعها، ولم يبق فيها منهم أحداً، وراسل الملوك وهاداهم، واستمال المؤيد أي أبه، صاحب نيسابور، وطلب موافقته.
ذكر الفتنة بنيسابور وتخريبها
كان أهل العيث والفساد بنيسابور قد طمعوا في نهب الأموال وتخريب البيوت، وفعل ما أرادوا، فإذا نهوا لم ينتهوا، فلما كان الآن تقدم المؤيد أي أبه بقبض أعيان نيسابور، منهم نقيب العلويين أبو القاسم زيد بن الحسن الحسيني وغيره، وحبسهم في ربيع الآخر سنة ست وخمسين، وقال: أنتم الذين أطمعتم الرنود والمفسدين حتى فعلوا هذه الفعال، ولو أردتم منعهم لامتنعوا.
وقتل من أهل الفساد جماعة، فخربت نيسابور بالكلية، ومن جملة ما خرب مسجد عقيل، كان مجمعاً لأهل العلم، وفيه خزائن الكتب الموقوفة، وكان من أعظم منافع نيسابور؛ وخرب أيضاً من مدارس الحنفية ثماني مدارس، ومن مدارس الشافعية سبع عشرة مدرسة، وأحرق خمس خزائن للكتب، ونهب سبع خزائن كتب وبيعت بأبخس الأثمان؛ هذا ما أمكن إحصاؤه سوى ما لم يذكر. (5/81)
ذكر خلع السلطان محمود ونهب طوس وغيرها من خراسان
في هذه السنة، في جمادى الآخرة، قصد السلطان محمود بن محمد الخان، وهو ابن أخت السلطان سنجر، وقد ذكرنا أنه ملك خراسان بعده، ففي هذه السنة حصر المؤيد صاحب نيسابور بشاذياخ، وكان الغز مع السلطان محمود، فدامت الحرب إلى سنة ست وخمسين وخمسمائة.
ثم إن محموداً أظهر أنه يريد دخول الحمام، فدخل إلى شهرستان، آخر شعبان، كالهارب من الغز، وأقاموا على نيسابور إلى أخر شوال، ثم عادوا راجعين، فعاثوا في القرى ونهبوها، ونهبوا طوس نهباً فاحشاً، وحضروا المشهد الذي لعلي بن موسى، وقتلوا كثيراً ممن فيه ونهبوهم، ولم يعرضوا للقبة التي فيها القبر.
فلما دخل السلطان محمود إلى نيسابور أمهله المؤيد إلى أن دخل رمضان منسنة سبع وخمسين وخمسمائة وأخذه وكحله وأعماه، وأخذ ما كان معه من الأموال والجواهر والأعلاق النفيسةن وكان يخفيها خوفاً عليها من الغز، لما كان معهم، وقطع المؤيد خطبته من نيسابور وغيرها مما هو في تصرفه، وخطب لنفسه، بعد الخليفة المستنجد بالله، وأخذ ابنه جلال الدين محمداً الذي كان قد ملكه الغز أمرهم قبل أبيه، وقد ذكرنا ذلك، وسلمه أيضا، وسجنهما، ومعهما جواريهما وحشمهما ، وبقيا فيها فلم تطل أيامهما، ومات السلطان محمود، ثم مات ابنه بعده من شدة وجده لموت أبيه، والله أعلم.
ذكر عمارة شاذياخ نيسابور
كانت شاذياخ قد بناها عبد الله بن طاهر بن الحسين، لما كان أميراً على خراسان للمأمون، وسبب عمارتها أنه رأى امرأة جميلة تقود فرساً تريد سقيه، فسألها عن زوجها، فأخبرته به، فأحضره وقال له: خدمة الخيل بالرجال أشبه، فلما تقعد أنت في دارك وترسل امرأتك مع فرسك؟ فبكى الرجل، وقال له: ظلمك يحملنا على ذلك. فقال: وكيف؟ قال: لأنك تنزل الجند معنا في دورنا، فإن خرجت أنا وزوجتي بقي البيت فارغاًن فيأخذ الجندي ما لنا فيه، وإن سقيت أنا الفرس فلا آمن على زوجتي من الجندي، فرأيت أن أقيم أنا في البيت وتخدم زوجتي الفرس.
فعظم الأمر عليه وخرج من البلد لوقته، ونزل في الخيام، وأمر الجند فخرجوا من دور الناس، وبنى شاذياخ داراً له ولجنده وسكنها وهم معه، ثم إنها دثرت بعد ذلك.
فلما كان أيام السلطان ألب أرسلان، ذكرت له هذه القصة فأمر بتجديدها، ثم إنها تشعثت بعد ذلك، فلما كان الآن وخربت نيسابور ولم يمكن حفظها، والغز تطرق البلاد وتنهبها، وأمر المؤيد حينئذ بعمل سورها، وسد ثلمه وسكناه، ففعل ذلك وسكنها هو والناس وخربت حينئذ نيسابور كل خراب، ولم يبق فيها أنيس.
ذكر قتل الصالح بن رزيك ووزارة ابنه زريك
في هذه السنة، في شهر رمضان، قتل الملك الصالح أبو الغارات طلائع بن رزيك الأرمني، وزير العاضد العلوي، صاحب مصر ، وكان سبب قتله أنه تحكم بالدولة التحكم العظيم، واستبد بالأمر والنهي وجباية الأموال إليه، لصغر العاضد، ولأنه هو الذي ولاه، ووتر الناس، فإنه أخرج كثيراً من أعيانه وفرقهم في البلاد ليأمن وثوبهم عليه؛ ثم إنه زوج أبنته من العاضد فعاداه أيضاً الحريم من القصر،فأرسلت عمة العاضد الأموال إلى الأمراء المصريين، ودعتهم إلى قتله.
وكان أشدهم في ذلك إنسان يقال له ابن الراعي، فوقفوا في دهليز القصر، فلما دخل ضربوه بالسكاكين على دهش منه فجرحوه جراحات مهلكة، إلا أنه حمل إلى داره وفيه حياة، فأرسل إلى العاضد يعاتبه على الرضى في قتله مع أثره في خلافته، فأقسم العاضد بأنه لا يعلم بذلك، ولم يرضى به. فقال : إن كنت بريئاً فسلم عمتك إلي حتى انتقم منها؛ فأمر بأخذها، فأرسل إليها قهراً، وأحضرت عنده فقتلها ووصى بالوزارة لابنه رزيك ولقب العادل، فانتقل الأمر إليه بعد وفاة والده. وللصالح أشعار حسنة بليغة تدل على فضل غزير، فمنها في الأفتخار:
أبى الله إلا أن يدوم لنا الدهر ... ويخدمنا في ملكنا العز والنصر
علمنا بأن المال تفنى ألوفه ... ويبقى لنا من بعده الأجر والذكر
خلطنا الندى بالبأس حتى كأننا ... سحاب لديه البرق والرعد والقطر
قرانا إذا رحنا إلى الحرب مرة ... يرانا ومن أضيافنا الذئب والنسر
كما أنا في السلم نبذل جودنا ... ويرتع في إنعامنا العبد والحر
وهي طويلة. (5/82)
وكان الصالح كريماً فيه أدب، وله شعر جيد، وكان لأهل العلم عنده أنفاق، ويرسل إليهم العطاء الكثير، بلغه أن الشيخ أبا محمد الدهان النحوي البغدادي المقيم بالموصل قد شرح بيتاً من شعره وهو هذا:
تجنب سمعي ما يقول العواذل ... وأصبح لي شغل من الغزو شاغل
فجهز إليه هدية سنية ليرسلها إليه، فقتل قبل إرسالها.
وبلغه أيضاً أن إنساناً من أهل الموصل قد أثنى عليه بمكة، فأرسل إليه كتاباً يشكره ومعه هدية.
وكان الصلح إمامياً لم يكن على مذهب العلويين المصريين، ولما ولي العاضد الخلافة؛ ركب سمع الصالح ضجة عظيمة، فقال: ما الخبر؟ فقيل: إنهم يفرحون بالخليفة . فقال: كأني بهؤلاء الجهلة وهم يقولون ما مات الأول حتى استخلف هذا، وما علموا أنني كنت من ساعة أستعراضهم استعراض الغنم.
قال عمارة: دخلت إلى الصالح قبل قتله بثلاثة أيام، فناولني قرطاساً فيه بيتان من شعره وهما:
نحن في غفلة ونوم وللمو ... ت عيون يقظانة لا تنام
قد رحلنا إلى الحمام سنيناً ... ليت شعري متى يكون الحمام
فكان آخر عهدي به. وقال عمارة أيضاً: ومن عجيب الاتفاق أنني أنشدت ابنه قصيدة أقول فيها.
أبوك الذي تسطو الليالي بحده ... وأنت يمين إن سطا وشمال
لرتبته العظمى وإن طال عمره ... إليك مصير واجب ومنال
تخالسك اللحظ المصون ودونها ... حجاب شريف لا انقضا وحجال
فانتقل الأمر إليه بعد ثلاثة أيام.
ذكر الحرب بين العرب وعسكر بغداد
في هذه السنة، في شهر رمضان، اجتمعت خفاجة إلى الحلة والكوفة، وطالبوا برسومهم من الطعام والتمر وغير ذلك، فمنعهم أمير الحاج أرغش، وهو مقطع الكوفة، ووافقه على قطعه الأمير قيصر شحنة الحلة، وهما من مماليك الخليفة، فأفسدت خفاجة، ونهبوا سواد الكوفة والحلة، فأسرى إليهم الأمير قيصر، شحنة الحلة، في مائتين وخمسين فارساً، وخرج إليه أرغش في عسكر وسلاح، فانتزحت خفاجة من بين أيديهم، وتبعهم العسكر إلى رحبة الشام، فأرسل خفاجة يعتذرون ويقولون: قد قنعنا بلبن الإبل وخبز الشعير، وأنتم تمنعوننا رسومنا؛ وطلبوا الصلح، فلم يجبهم أرغش وقيصر.
وكان قد اجتمع مع خفاجة كثير من العرب، فتصافوا واقتتلوا، وأرسلت العرب طائفة إلى خيام العسكر وخيامهم فحالوا بينهم وبينها، وحمل العرب حملة منكرة، فانهزم العسكر، وقتل كثير منهم، وقتل الأمير قيصر، وأسرت جماعة أخرى، وجرح أمير الحاج جراحة شديدة، وخل الرحبة، فحماه شيخها وأخذ له الأمان وسيره إلى بغداد، ومن نجا مات عطشاً في البرية.
وكان إماء العرب يخرجن بالماء يسقين الجرحى، فإذا طلبه منهن أحد من العسكر أجهزن عليه. وكثر النوح والبكاء ببغداد على القتلى، وتجهز الوزير عون الدين بن هبيرة والعساكر معه، فخرج في طلب خفاجة فدخلوا البر وخرجوا إلى البصرة، ولما دخلوا البر عاد الوزير إلى بغداد، وأرسل بنو خفاجة يعتذرون ويقولون: بغي علينا، وفارقنا البلاد، فتبعونا واضطررنا إلى القتال وسألوا العفو عنهم، فأجيبوا إلى ذلك.
ذكر حصر المؤيد شارستان
في هذه السنة حصر المؤيد أي أبه مدينة شارستان، قرب نيسابور، وقاتله أهلها، وبصب المجانيق والعرادات، فصبر أهلها خوفاً على أنفسهم من المؤيد، وكان معه جلال الدين المؤيد الموفقي الفقيه الشافعي، فبينما هو راكب إذ وصل إليه حجر منجنيق فقتله خامس جمادى الآخرة من السنة، وتعدى الحجر منه إلى شيخ من شيوخ بيهق فقتله، فعظمت المصيبة بقتل جلال الدين على أهل العلم، وخصوصاً أهل السنة والجماعة، وكان في عنفوان شبابه رحمه الله لما قتل .
ودام الحصار إلى شعبان سنة سبع وخمسين وخمسمائة، فنزل خواجكي صاحبها بعد ما كثر القتل، ودام الحصر، وكان لهذه القلعة ثلاثة رؤساء هم أصحاب النهي والأمر، هم الذين حفظوها وقاتلوا عنها، أحدهم خواجكي هذا، والثاني داعي بن محمد بن أخي حرب العلوي، والثالث الحسين بن أبي طالب العلوي الفارسي، فنزلوا كلهم أيضاً إلى المؤيد أي أبه، فيمن معهم من أشياعهم وأتباعهم. فأما خواجكي فإنه ثبت عليه بأنه قتل زوجته ظلماً وعدواناً وأخذ مالها، فقتل بها وملك المؤيد شارستان، وصفت له، فنهبها عسكره إلا انهم لم يقتلوا امرأة ولا سبوها. (5/83)
ذكر ملك الكرج مدينة آني
في هذه السنة، في شعبان، اجتمعت الكرج مع ملكهم، وساروا إلى مدينة آني من بلاد آران وملكوها، وقتلوا فيها خلقاً كثيراً، فانتدب لهم شاه أرمن بن إبراهيم بن سكمان صاحب خلاط، وجمع العساكر، واجتمع معه من المتطوعة خلق كثير، وسار إليهم، فلقوه وقاتلوه، فانهزم المسلمون، وقتل أكثرهم، وأسر كثير منهم، وعاد شاه ارمن مهزوماً لم يرجع معه غير أربع مائة فارس من عسكره.
ذكر ولاية عيسى مكة حرسها الله
كان أمير مكة، هذه السنة، قاسم بن فليتة بن قاسم بن أبي هاشم العلوي الحسنين فلما سمع بقرب الحجاج من مكة صادر المجاورين وأعيان أهل مكة، وأخذ كثيراً من أموالهم، وهرب من مكة خوفاً من أمير الحاج أرغش.
وكان قد حج هذه السنة زين الدين علي بن بكتكين، صاحب جيش الموصل، ومعه طائفة صالحة من العسكر، فلما وصل أمير الحاج إلى مكة رتب مكان قاسم بن فليتة عمه عيسى بن قاسم بن أبي هاشم، فبقي كذلك إلى شهر رمضان، ثم إن قاسم بن فليتة جمع جمعاً كثيراً من العرب أطمعهم في مال له في مكة، فاتبعوه، فسار بهم إليها، فلما سمع عمه عيسى فارقها، ودخلها قاسم فأقام بها أميراً أياماً، ولم يكن له مال يوصله إلى العرب، ثم إنه قتل قائداً كان معه أحسن السيرة، فتغيرت نيات أصحابه عليه، وكاتبوا عمه عيسى، فقدم عليهم، فهرب وصعد جبل أبي قبيس، فسقط عن فرسه، فأخذه أصحاب عيسى وقتلوه، فعظم عليه قتله، فأخذه وغسله ودفنه بالمعلى عند أبيه فليتة، واستقر الأمر لعيسى، والله أعلم.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة سار عبد المؤمن، صاحب المغرب، إلى جبل طارق، وهو على ساحل الخليج مما يلي الأندلس، فعبر المجاز إليه، وبنى عليه مدينة حصينة، وأقام بها عدة شهور، وعاد إلى مراكش.
وفيها، في المحرم، ورد نيسابور جمع كثير من التركمان بلاد فارس ومعهم أغنام كثيرة للتجارة فباعوها وأخذوا الثمن وساروا ونزلوا على مرحلتين من طابس كنكلي، وناموا هناك، فنزل إليهم الإسماعيلية وكبسوهم ليلاً، ووضعوا السيف فيهم، فقتلوا وأكثروا، ولم ينجو منهم إلا الشريد، وغنم الإسماعيلية جميع ما معهم من مال وعروض، وعادوا إلى قلاعهم.
وفيها كثرت الأمطار في أكثر البلاد، ولا سيما خراسان، فإن الأمطار توالت فيها من العشرين من المحرم إلى منتصف صفر لم تنقطع، ولا رأى الناس فيها شمساً.
وفيها كان بين الكرج وبين الملك صلتق بن علي، صاحب أرزن الروم، قتال وحرب انهزم فيه صلتق وعسكره، وأسر هو، وكانت أخته شاه بانوار قد تزوجها شاه أرمن سكمان بن ابراهيم بن سكمان صاحب خلاط، فأرسلت إلى ملك الكرج هدية جليلة المقدار، وطلبت منه أن يفاديها بأخيها، فأطلقه، فعاد إلى ملكه.
وفيها قصد صاحب صيدا من الفرنج نور الدين محمود، صاحب الشام، ملتجئاً إليه، فأمنه وسير معه عسكراً يمنعه من الفرنج أيضاً، فظهر عليهم في الطريق كميناً للفرنج، فقتلوا من المسلمين جماعة وانهزم الباقون.
وفيها ملك قرا أرسلان، صاحب حصن كيفا، قلعة شاتان، وكانت لطائفة من الأكراد يقال لهم الجونيه، فلما ملكها خربها وأضاف ولايتها إلى حصن طالب.
وفيها توفي الكمال حمزة بن علي بن طلحة صاحب المخزن، كان جليل القدر أيام المسترشد بالله، وولي المقتفي، وبنى مدرسة لأصحاب الشافعي بالقرب من داره، ثم حج وعاد وقد لبس الفوط وزي الصوفية وترك الأعمال، فقال بعض الشعراء به:
يا عضد الإسلام يا من سمت ... إلى العلا همته الفاخرة
كانت لك الدنيا، فلم ترضها ... ملكاً فأخلدت إلى الآخرة
وبقي منقطعاً في بيته عشرين سنة، ولم يزل محترماً يغشاه الناس كافة.

This site was last updated 07/28/11