Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

 سنة ست وأربعين ومائتين وسنة سبع وأربعين ومائتين

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة 232 وسنة 233
سنة234
سنة 235
سنة 236 وسنة 237
سنة238
سنة239
سنة 240 وسنة241
سنة242 وسنة243 وسنة245
سنة246 وسنة247

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

حوادث سنة ست وأربعين ومائتين
وفيها غزا عمرو بن عبد الله الأقطع الصائفة، فأخرج سبعة عشر ألف راس، وغزا قريباس، وأخرج خمسة آلاف رأس، وغزا الفضل ابن قارن بحراً في عشرين مركبأن فافتتح حصن أنطاكية، وغزا بلكاجور، فغمن، وسبى، وغزا علي بن يحيى الأرمني، فأخرج خمسة آلاف رأس، ومن الدواب، والرمك، والحمير، ونحواً من عشرة آلاف رأس.
وفيها تحول المتوكل إلى الجعفرية.
وفيها كان الفداء على يد علي بن يحيى الأرمني، ففودي بألفين وثلاثمائة وسبعة وستين نفساً.
وفيها مطر أهل بغداد نيفاً وعشرين يومأن حتى نبت العشب فوق الاجاجير؛ وصلى المتوكل صلاة الفطر بالجعفرية، وورد الخبر أن سكة بناحية بلخ تعرف بسكة الدهاقين مطرت دماً عبيطاً؛ وحج بالناس هذه السنة محمد بن سليمان الزينبي، وضحى أهل سامرا يوم الاثنين على الرؤية، وأهل مكة يوم الثلاثاء.
وفيها سار محمد بن عبد الرحمن، صاحب الأندلس، في جيوش عظيمة، وأهبة كثيرة إلى بلد بنبلونة فوطئ بلادهأن ودوخهأن وخربهأن ونهبهأن وقتل فيها فأكثر، وافتتح حصن فيروس، وحصن فالحسن، وحصن القشتل، وأصاب فيه فرتون بن غرسية، فحبسه بقرطبة عشرين سنة، ثم أطلقه إلى بلده، وكان عمره لما مات ستاً وتسعين سنة، وكان مقام محمد بنبلونة اثنين وثلاثين يوماً.
وفيها توفي دعبل بن علي الخزاعي الشاع وكان مولده سنة ثمان وأربعين ومائة، وكان يتشيع.
وفيها توفي السري بن معاذ الشيباني بالري، وكان أميراً عليهأن حسن السيرة، من أهل الفضل؛ وتوفي أحمد بن إبراهيم الدورقي ببغداد، ومحمد بن سليمان الأسدي الملقب بكوين.


حوادث سنة سبع وأربعين ومائتين
ذكر مقتل المتوكل
وفي هذه السنة قتل المتوكل، وكان سبب قتله أنه أمر بإنشاء الكتب بقبض ضياع وصيف بأصبهان والجبل، وإقطاعها الفتح بن خاقان، فكتبت وصارت إلى الخاتم، فبلغ ذلك وصيفأن وكان المتوكل أراد أن يصلي بالناس أول جمعة في رمضان، وشاع في الناس، واجتمعوا لذلك، وخرج بنوهاشم من بغداد لرفع القصص وكلامه إذا ركب. (3/235)
فلما كان يوم الجمعة، وأراد الركوب للصلاة، قال له عبيد الله بن يحيى والفتح بن خاقان: إن الناس قد كثروا من أهل بيتك ون غيرهم، فبعض متظلم، وبعض طالب حاجة، وأمير المؤمنين يشكوضيق الصدر، وعلة به، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بعض ولاة العهود بالصلاة، ونكون معه، فليفعل.
فأمر المنتصر بالصلاة، فلما نهض للركوب قالا له: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تأمر المعتز بالصالة، فقد اجتمع الناس لتشرفه بذلك، وقد بلغ الله به؛ وكان قد ولد للمعتز قبل ذلك ولد، فأمر المعتز، فركب فصلى بالناس، وأقام المنتصر في داره بالجعفرية، فزاد ذلك في إغرائه.
فلما فرغ المعتز من خطبيه قام إليه عبيد الله والفتح بن خاقان فقبلا يديه ورجليه، فلا فرغ من الصلاة انصرف ومعه الناس في موكب الخلافة، حتى دخل على أبيه، فأثنوا عليه عنده، فسره ذلك.
فلما كان عيد الفطر قال: مروا المنتصر يصلي بالناس! فقال له عبيد الله: قد كان الناس يتطلعون إلى رؤية أمير المؤمنين، واحتشدوا لذلك؛ فلم يركب؛ ولا يأمن إن هولم يركب اليوم، أن يرجف الناس بعلته، فإذا رأى أمير المؤمنين أن يسر الأولياء، ويكبت الأعداء بركوبه فليفعل.
فركب وقد وصف له الناس نحوأربعة أميال، وترجلوا بين يديه، فصلى، ورجع، فأخذ حفنة من التراب، فوضعها على رأسه وقال: إني رأيت كثرة هذا الجمع، ورأيتهم تحت يدي، فأحببت أن أتراضع لله؛ فلما كان اليوم الثالث افتصد، واشتهى لحم جزور، فأكله، وكان قد حضر عنده ابن الحفصي وغيره، فأكلوا بين يديه. قال: ولم يكن يوم أسر من ذلك اليوم، ودعا الندماء والمغنين، فحضروأن وأهدت له أم المعتز مطرف خز أخضر، لم ير الناس مثله، فنظر إليه، فأطال، وأكثر تعجبه منه، وأمر فقطع نصفين ورده عليهأن وقال لرسولها: والله إن نفسي لتحدثني أني لا ألبسه، وما احب أن يلبسه أحد بعدي، ولهذا أمرت بشقه.
قال فقلنا: نعيذك بالله أن تقول مثل هذا؛ قال: وأخذ في الشرب واللهو. ولج بأن يقول: أنا والله مفارقكم عن قليل! ولم يزل في لهوه وسروره إلى الليل.
وكان قد عزم هوالفتح أن يفتكا بكرة غد بالمنتصر ووصيف وبغا وغيرهم من قواد الأتراك، وقد كان المنتصر واعد الأتراك ووصيفاً وغيره على قتل المتوكل.
وكثر عبث المتوكل، قبل ذلك بيوم، بابنه المنتصر، مرة يشتمه، ومرة يسقيه فوق طاقته، ومرة يأمر بصفعه، ومرة يتهدده بالقتل، ثم قال للفتح: برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إن لم تلطمه يعني المنتصر فقام إليه فلطمه مرتين، ثم أمر يده على قفاه، ثم قال لمن حضره: اشهدوا عليّ جميعاً أني قد خلعت المستعجل يعني المنتصر ثم التفت إليه فقال: سميتك المنتصر، فسماك الناس، لحمقك، المنتظر، ثم صرت الآن المستعجل.
فقال المنتصر: لوأمرت بضرب عنقي كان أسهل عليّ مما تفعله بي؛ فقال: اسقوه، ثم أمر بالعشاء فأحضر، وذلك في جوف الليل، فخرج المنتصر من عنده، وأمر بناناً غلام أحمد بن يحيى أن يلحقه، وأخذ بيد زرافة الحاجب، وقال له: امض معي! فقال: إن أمير المؤمنين لم يمن، فقال: إنه قد أخذ منه النبيذ، والساعة يخرج بغا والندماء، وقد أحببت أن تجعل أمر ولدك إلي، فإن أوتامش سألني أن أزوج ولده من ابنتك، وابنك من ابنته؛ فقال: نحن عبيدك فمر بأمرك! فسار معه إلى حجرة هناك، وأكلا طعامأن فسمعا الضجة والصراخ، فقامأن وإذا بغا قد لقي المنتصر، فقال المنتصر: ما هذا؟ فقال: خير يا أمير المؤمنين، قال: ما تقول ويلك؟ قال: أعظم الله أجرك في سيدنا أمير المؤمنين، كان عباً لله دعاه فأجابه.
فجلس المنتصر، وأمر بباب البيت الذي قتل فيه المتوك فأغلق، وأغلقت الأبواب كلهأن وبعث إلى وصيف يأمره بإحضار المعتز والمؤيد عن رسالة المتوكل. (3/236)
وأما كيفية قتل المتوكل، فإنه لما خرج المنتصر دعا المتوكل بالمائدة، وكان بغا الصغير المعروف بالشرابي قائماً عند الستر، وذلك اليوم كان نوبة بغا الكبير، وكان خليفته في الدار ابنه موسى، وموسى هوابن خالة المتوكل، وكان أبوه يومئذ بسميساط، فدخل بغا الصغير إلى المجلس، فأمر الندماء بالانصراف إلى حجرهم، فقال له الفتح: ليس هذا وقت انصرافهم، وأمير المؤمنين لم يرتفع؛ فقال بغا: إن أمير المؤمنين أمرني أنه إذا جاوز السبعة لا أترك أحدأن وقد شرب أربعة عشر رطلأن وحرم أمير المؤمنين خلف الستارة. وأخرجهم، فلم يبق إلا الفتح وعثعث، وأربعة من خدم الخاصة، وأبوأحمد بن المتوكل، وهوأخوالمؤيد لأمه.
وكان بغا الشرابي أغلق الأبواب كلهأن إلا باب الشط، ومنه دخل القوم الذين قتلوه، فبصر بهم أبوأحمد، فقال: ما هذا يا سفل! وإذا سيوف مسللة، فلما سمع المتوكل صوت أي أحمد رفع رأسه، فرآهم فقال: ما هذا يا بغا؟ فقال: هؤلاء رجال النوبة؛ فرجعوا إلى ورائهم عند كلامه، ولم يكن واجن وأصحابه وولد وصيف حضروا معهم، فقال لهم بغا: يا سفل! أنتم مقتولون لا محالة، فموتوا كراماً! فرجعوأن فابتدره بغلون فضربه على كتفه وأذنه فقده، فقال: مهلاً! قطع الله يدك، وأراد الوثوب به، واستقبله بيده، فضربها فأبانهأن وشاركه باغر، فقال الفتح: ويلكم! أمير المؤمنين... ورمى بنفسه على المتوكل، فبعجوه بسيوفهم، فصاح: الموت! وتنحى، فقتلوه.
وكانوا قالوا لوصيف ليحضر معهم، وقالوا: إنا نخاف؛ فقال: لا بأس عليكم، فقالوا له: أرسل معنا بعض ولدك، فأرسل معهم خمسة من ولده: صالحأن وأحمد، وعبد الله، ونصرأن وعبيد الله.
وقيل إن القوم لما دخلوا نظر إليهم عثعث، فقال للمتوكل: قد فرغنا من الأسد، والحيات، والعقارب، وصرنا إلى السيوف، وذلك أنه ربما أسلى الحية والعقرب والأسد، فلما ذكر عثعث السيوف قال: يا ويلك! أي سيوف؟ فما استتم كلامه حتى دخلوا عليه وقتلوه، وقتلوا الفتح، وخرجوا إلى المنتصر، فسلموا عليه بالخلافة، وقالوا: مات أمير المؤمنين، وقاموا علي رأس زرافة بالسيوف، وقالوا: بايع، فبايع.
وأرسل المنتصر إلى وصيف: إن الفتح قد قتل أبي فقتلته، فاحضر في وجوه أصحابك! فحضر هووأصحابه، فبايعوا. وكان عبيد الله بن يحيى في حجرته ينفذ الأمور ولا يعلم، وبين يديه جعفر بن حامد، إذ كلع عليه بعض الخدم فقال: ما يحسبك والدار سيف واحد؟ فأمر جعفراً بالنظر، فخرج، وعاد وأخبره أن المتوكل والفتح قتلأن فخرج فيمن عنده من خدمه وخاصته، فأخبر أن الأبواب مغلقة، وأخذ نحوالشط، فإذا أبوابه مغلقة، فأمر بكسر ثلاثة أبواب، وخرج إلى الشط، وركب في زورق، فأتى منزل المعتز، فسأل عنه، فلم يصادفه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قتل نفسه وقتلني.
واجتمع إلى عبيد الله أصحابه غداة يوم الأربعاء، من الأبناء، والعجم، والأرمن والزواقيل، وغيرهم، فكانوا زهاء عشرة آلاف، وقيل كانوا ثلاثة عشر ألفأن وقيل ما بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف، فقالوا: ما اصطنعتنا إلا لهذا اليوم، فمرنا بأمرك، وأذن لنا منل على اللوم ونقتل المنتصر ومن معه! فأبى ذلك، وقال: المعتز في أيديهم.
وذكر عن علي بن يحيى المنجم أنه قال: كنت أقرأ على المتوكل، قبل قتله بأيام، كتاباً من كتب الملاحم، فوقفت على موضع فيه أن الخليفة العاشر يقتل في مجلسه، فتوقفت عن قراءته، فقال: مالك؟ فقلت: خير! قال: لا بد من أن تقرأه، فقرأته، وحدث عن ذكر الخلفاء، فقال: ليت شعري من هذا الشقي المقتول؟ قال أبوالوارث، قاضي نصيبين: رأيت في النوم آتياً وهويقول:
يا نائم العين في جثمان يقظان ... ما بال عينك لا تبكي بتهتان
أما رأيت صروف الدهر ما فعلت ... بالهاشمي وبالفتح بن خاقان؟
فأتى البريد بعد أيام بقتلهما.
وكان قتله ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال، وقيل ليلة الخميس؛ وكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة أيام، وكان مولده بفم الصلح في شوال سنة ست ومائتين، وكان عمره نحوأربعين سنة.
وكان أسمر، حسن العينين، نحيفأن خفيف العارضين، ورثاه الشعراء فأكثروأن ومما قيل فيه قول علي بن الجهم:
عبيد أمير المؤمنين قتله ... وأعظم آفات الملوك عبيدها (3/237)
بني هاشم صبرأن فكل مصيبة ... سيبلى على وجه الزمان جديدها
ذكر بعض سيرته
ذكر أن أبا الشمط مروان بن أبي الجنوب قال: أنشدت المتوكل شعراً ذكرت فيه الرافضة فعقد لي على البحرين واليمامة، وخلع علي أربع خلع، وخلع علي المنتصر، وأمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار، فنثرت علي، وأمر ابنه المنتصر وسعداً الإيتاخي أن يلقطاها لي، ففعلأن والشعر الذي قلته:
ملك الخليفة جعفر ... لدين والدنيا سلامه
لكم تراث محمد ... وبعد لكم تشفى الظلامة
يرجوالتراث بنوالبنا ... ت وما لهم فيها قلامه
والصهر ليس بوارث ... والبنت لا ترث الإمامه
ما للذين تنحلوا ... ميراثكم إلا الندامة
أخذ الوراثة أهلها ... فعلام لومكم علامه
لوكان حقكم لما ... قامت على الأنس الثيامه
ليس التراث لغيركم ... لا والإله، ولا كرامه
أصبحت بين محبكم ... والمبغضين لكم علامه
ثم نثر علي، بعد ذلك، لشعر قلته في هذا المعنى عشرة آلاف درهم.
وقال يحيى بن أكثم: حضرت المتوكل، فجرى بيني وبينه ذكر المأمون، فقلت بتفضيله، وتقريظه، ووصف محاسنه وعلمه ومعرفته قولاً كثيرأن لم يقع لموافقة من حضر، فقال المتوكل: كيف كان يقول في القرآن؟ فقلت: كان يقول: ما مع القرآن حاجة إلى علم فرض، ولا مع السنة وحشة إلى فعل أحد، ولا مع البيان والأفهام حجة لتعلم، ولا بعد الجحود للبرهان والحق إلا السيف، لظهور الحجة.
فقال المتوكل: لم أرد منك ما ذهبت إليه، فقال يحيى: القول بالمحاسن في المغيب فريضة على ذي نعمة.
قال: فا كان يقول خلال حديثه، فإن أمير المؤمنين المعتصم بالله، رحمه اله، كان يقوله وقد أنسيته؛ قال كان يقول: اللهم إني أحمدك على النعم التي لا يحصيها غيرك، وأستغفرك من الذنوب التي لا يحيط بها إلا عفوك.
قال: فما كان يقول إذا استحسن شيئأن أوبشر بشيء؟ فقد نسيناه؛ قال يحيى: كان يقول إن ذكر آلاء الله وكثرتهأن وتعداد نعمه، والحديث بها فرض من الله على أهلهأن وطاعة لأمره فيهأن وشكر له عليهأن فلا حمد لله العظيم الآلاء السابغ النعماء بما هوأهله ومستوجبه من محامده القاضية حقه، البالغة شكره، المانعة غيره، الموجبة مزيده على ما لا يحصيه تعدادنأن ولا يحيط به ذكرنا من ترادف منته، وتتابع فضله، ودوام طوله، حمد من يعلم أن ذلك منه، والشكر له عليه، فقال المتوكل: صدقت، هذا هوالكلام بعينه.
وقدم في هذه السنة محمد بن عبد الله بن طاهر من مكة في صفر فشكا ما ناله من الغم بما وقع من الخلاف في يوم النحر، فأمر المتوكل بإنفاذ خريطة من الباب إلى أهل الموسم برؤية هلال ذي الحجة، وأمر أن يقام على المشعر الحرام، وسائر المشاعر، الشمع مكان الزيت والنفط.
وفيها ماتت أم المتوكل في شهر ربيع الآخر، وصلى عليها المنتصر، ودفنت عند المسجد الجامع، وكان موتها قبل المتوكل بستة أشهر.
ذكر بيعة المنتصر
قد ذكرنا قتل المتوكل، ومن بايع المنتصر أبا جعفر محمد بن جعفر المتوكل تلك الليلة، فلما أصبح يوم الأربعاء حضر الناس الجعفرية من القواد، والكتاب، والوجوه، والشاكرية، والجند، وغيرهم، فقرأ عليهم أحمد بن الخصيب كتاباً يخبر فيه عن المنتصر أن الفتح بن خاقان قتل المتوكل فقتله به، فبايع الناس، وحضر عبيد الله بن يحيى بن خاقان، فبايع وانصرف.
قيل وذكر عن أبي عثمان سعيد الصغير أنه قال: لما كانت الليلة التي قتل فيها المتوكل، كنا في الدار مع المنتصر، فكان كلما خرج الفتح خرج معه، وإذا رجع قام لقيامه، وإذا ركب أخذ بركابه، وسوى عليه ثيابه في سرجه. (3/238)
وكان اتصل بنا الخبر أن عبيد الله بن يحيى قد أعد قوماً في طريق المنتصر، ليغتالوه عند انصرافه، وكان المتوكل قد أسمعه، وأحفظه، ووثب عليه، وانصرف غضبان، وانصرفنا معه إلى داره؛ وكان واعد الأتراك على قتل المتوكل إذا ثمل من النبيذ، قال: فلم ألبث أن جاءني رسوله أن احضر، فقد جاءت رسل أمير المؤمنين إلى الأمير ليركب. قال: فوقع في نفسي ما كنا سمعنا من اغتيال المنتصر، فركبت في سلاح وعدة، وجئت باب المنتصر، فإذا هم يموجون، وإذا واجن قد جاءه فأخبره أنهم قد فرغوا من المتوكل، فركب فلحقته في بعض الطريق وأما مرعوب، فرأى ما بي، فقال: ليس عليك بأس؛ أمير المؤمنين قد شرق بقدح شربه فمات، رحمه الله تعالى.
فشق علي، ومضينا ومعنا أحمد بن الخصيب وجماعة من القواد حتى دخلنا القصر، ووكل بالأبواب، فقلت له: يا أمير المؤمنين! لا ينبغي أن تفارقك مواليك في هذا الوقت. قال: أجل، وكن أنت خلف ظهري، فأحطنا به، وبايعه من حضر، وكل من جاء يوقف، حتى جاء سعيد الكبير، فأرسله خلف المؤيد، قال لي: امض أنت إلى المعتز حتى يحضر، فأرسلني، فمضيت وأنا آيس من نفسي، ومعي غلامان لي، فلما صرت إلى باب المعتز لم أجد به أحداً من الحرس والبوابين، فصرت إلى الباب الكبير، فدققته دقاً عنيفأن فأجبت بعد مدة: من أنت؟ فقلت: رسول أمير المؤمنين المنتصر؛ فمضى الرسول، وأبطأن وخفت، وضاقت علي الأرض، ثم فتح الباب، وخرج بيدون الخادم، وأغلق الباب، ثم سألني عن الخبر، فأخبرته أن المتوكل شرق بكأس شربه، فمات من ساعته، وأن الناس قد اجتمعوأن وبايعوا المنتصر، وقد أرسلني لأحضر الأمير المعتز ليبايع.
فدخل، ثم خرج، فادخلني على المعتز، فقال لي: ويلك ما الخبر؟ فأخبرته، وعزيته وبكيت وقلت: تحضر، وتكون في أول من يبايع، وتأخذ بقلب أخيك، فقال: حتى يصبح، فما زلت به أنا وبيدون حتى ركب، وسرنا وأنا أحدثه، فسألني عن عبيد الله بن يحيى، فقلت: هويأخذ البيعة على الناس، والفتح قد بايع، فأيس، وأتينا باب الخير، ففتح لنأن وصرنا إلى المنتصر، فلما رآه قربه، وعانقه، وعزاه، وأخذ البيعة عليه.
ثم وافى سعيد الكبير بالمؤيد، ففعل به مثل ذلك، فأصبح الناس، وأمر المنتصر بدفن المتوكل والفتح.
ولما أصبح الناس شاع الخبر في الماخورة، وهي المدينة التي كان بناها المتوكل، وفي أهل سامرأن بقتل المتوكل، فتوافى الجند والشاكرية بباب العامة وبالجعفرية، وغيرهم من الغوغاء والعامة، وكثر الناس، وتسامعوأن وركب بعضهم بعضأن وتكلموا في أمر البيعة، فخرج إليهم عتاب بن عتاب، وقيل زرافة، فوعدهم عن أمير المؤمنين المنتصر، فأسمعوه، فدخل عليه فأعلمه، فخرج المنتصر وبين يديه جماعة من المغاربة، فصاح بهم وقال: خذوهم! فدفعوهم إلى الأبواب، فازدحم الناس وركب بعضهم بعضأن فتفرقوا وقد مات منهم ستى أنفس.
ذكر ولاية خفاجة بن سفيان صقلية
وابنه محمد وغزواتهما
قد ذكرنا سنة ست وثلاثين ومائتين أن أمير صقلية العباس توفي سنة سبع وأربعين، فلما توفي ولى الناس عليهم ابنه عبد الله بن العباس، وكتبوا إلى الأمير بإفريقية بذلك، وأخرج عبد اله السرايأن ففتح قلاعاً متعددة منها: جبل أبي مالك وقلعة الأرمنين وقلعة المشارعة، فبقي كذلك خمسة أشهر.
ووصل من إفريقية خفاجة بن سفيان أميراً على صقلية، فوصل في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين ومائتين، فأول سرية أخرجها سرية فيها ولده محمود، فقصد سرقوسة فغمن، وخرب وأحرق، وخرجوا إليه فقاتلهم فظفر، وعاد فاستأمن إليه أهل رغوس؛ وقد جاء سنة اثنتين وخمسين أن أهل رغوس استأمنوا فيهأن على ما نذكره، ولا نعلم أهذا اختلاف من المؤرخين أم هما غزاتان، ويكون أهلها قد غدروا بعد هذه الدفعة، والله أعلم.
وفي سنة خمسين ومائتين فتحت مدينة نوطس، وسبب ذلك أن بعض أهلها أخبر المسلمين بموضع دخلوا منه إلى البلد في المحرم، فغمنوا منها أموالاً جليلة، ثم فتحوا شكلة بعد حصار.
وفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين سار خفاجة إلى سرقوسة، ثم إلى جبل النار، فأتاه رسل أهل طبرمين يطلبون الأمان، فأرسل إليهم امرأته وولده في ذلك، فتم الأمر، ثم غدروأن فأرسل خفاجة محمداً في جيش إليهأن ففتحها وسبى أهلها. (3/239)
وفيها أيضاً سار خفاجة إلى رغوس، فطلب أهلها الأمان ليطلق رجل من أهلها بأموالهم، ودوابهم، ويغمن الباقي، ففعل وأخذ جميع ما في الحصن من مال، ورقيق، ودواب، وغير ذلك، وهادنه أهل الغيران وغيرهم، وافتتح حصوناً كثيرة، ثم مرض، فعاد إلى بلرم.
وفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين سار خفاجة من بلرم إلى مدينة سرقوسة وقطانية، وخرب بلادهأن وأهلك زروعهأن وعاد وسارت سراياه إلى أرض صقلية، فغمنوا غنائم كثيرة.
وفي سنة أربع وخمسين ومائتين ار خفاجة في العشرين من ربيع الأول، وسير ابنه محمداً على الحراقات، وسر سرية إلى سرقوسة فغمنوأن وأتاهم الخبر أن بطريقاً قد سار من القسطنطينية في جمع كثير، وغمن المسلمون منهم غنائم كثيرة؛ ورحل خفاجة إلى سرقوسة فأفسد زرعهأن وغمن منهأن وعاد إلى بلرم، وسير ابنه محمداً في البحر، مستهل رجب، إلى مدينة غيطة، فحصرهأن وبث العساكر في نواحيهأن فغمن وشحن مراكبه بالغنائم، وانصرف إلى بلرم في شوال.
وفي سنة خمس وخمسين ومائتين سير خفاجة ابنه محمداً إلى مدينة طبرمين، وهي من أحسن مدن صقلية، فسار في صفر إليهأن وكان قد أتاهم من وعدهم أن يدخلهم إليها من طريق يعرفه، فسيره مع ولده، فلما قربوا منها تأخر محمد، وتقدم بعض عساكره رجالة مع الدليل، فأدخلهم المدينة، وملكوا بابها وسورهأن وشرعوا في السبي والغنائم، وتأخر محمد بن خفاجة فيمن معه من العسكر عن الوقت الذي وعدهم أنه يأتيهم فيه، فلما تأخر ظنوا أن العدوقد أوقع بهم فمنعهم من السبي، فخرجوا عنها منهزمين، ووصل محمد إلى باب المدينة ومن معه من العسكر، فرأى المسلمين قد خرجوا منهأن فعاد راجعاً.
وفيها في ربيه الأول خرج خفاجة وسار إلى مرسة، وسير ابنه في جماعة كثيرة إلى سرقوسة، فلقيه العدوفي جمع كثير فاقتتلوأن فوهن المسلمون، وقتل منهم، ورجعوا إلى خفاجة، فسار إلى سرقوسة فحصرهأن وأقام عليهأن وضيق على أهلهأن وأفسد بلادهأن وأهلك زرعهم، وعاد عنها يريد بلرم، فنزل بوادي الطين وسار منه ليلأن فاغتاله رجل من عسكره، فطعنه طعنة فقتله، وذلك مستهل رجب، وهرب الذي قتله إلى سرقوسة، وحمل خفاجة إلى بلرم، فدفن بها وولى الناس عليهم بعده ابنه محمداً وكتبوا بذلك إلى الأمير محمد بن أحمد، أمير إفريقية، فأقره على الولاية، وسير له العهد والخلع.
ذكر ولاية ابنه محمد
لما قتل خفاجة استعمل الناس ابنه محمد أن وأقره بن أحمد بن الأغلب، صاحب القيروان، على ولايته، فسير جيشاً في سنة ست وخمسين ومائتين إلى مالطة، وكان الروم يحاصرونهأن فلما سمع الروم بمسيرهم رحلوا عنها.
وفي سنة سبع وخمسين ومائتين في رجب قتل الأمير محمد، قتله خدمه الخصيان وهربوأن فطلبهم الناس فأدركوهم فقتلوهم.
ذكر عدة حوادث
وفيها ولي المنتصر أبا عمرة أحمد بن سعيد، مولى بني هاشم، بعد البيعة له بيوم، المظالم، فقال الشاعر:
يا ضيعة الإسلام لما ولي ... مظالم الناس أبوعمرة
صير مأموناً على أمة ... وليس مأموناً على بعره
وحج بالناس محمد بن سليمان الزينبي، واستعمل على دمشق عيسى بن محمد النوشري.
وفيها سار جيش للمسلمين بالأندلس إلى مدينة برشلونة، وهي للفرنج، فأوقعوا بأهلهأن فراسل صاحبها ملك الفرنج يستمده، فأرسل إليه جيشاً كثيفأن وأرسل المسلمون يستمدون، فأتاهم المدد، فنازلوا برشلونة، وقاتلوا قتالاً شديداً فملكوا أرباضهأن وبرجين من أبراج المدينة، فقتل من المشركين بها خلق كثير، وسلم المسلمون، وعادوا وقد غمنوا.
وفيها توفي أبوعثمان بكر بن محمد المازني النحوي، الإمام في العربية.

This site was last updated 07/14/11