Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة إحدى ومائتين

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
الخليفة المأمون وهرم خوفو
سنة 199 وسنة200
سنة201
سنة202
سنة203
سنة204 وسنة205
سنة206
سنة207 وسنة 208
سنة209 وسنة 210
سنة211
سنة213 وسنة214
سنة 215 وسنة 216 وموت المأمون

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

حوادث سنة إحدى ومائتين
ذكر ولاية منصور بن المهدي ببغداد

وفي هذه السنة أراد أهل بغداد أن يبايعوا المنصور بن المهدي بالخلافة، فامتنع عن ذلك، فأرادوه على الإمرة عليهم، على أن يدعوللمأمون بالخلافة، فأجابهم إليه.
وكان سبب ذلك ما ذكرناه قبل من إخراج أهل بغداد علي بن هشام من بغداد. فلما اتصل إخراجه من بغداد بالحسن بن سهل سار من المدائن إلى واسط تبعه محمد ابن أبي خالد بن الهندوان، مخالفاً له، وقد تولى القيام بأمر الناس، وولى سعيد بن الحسن بن قحطبة الجانب الغربي، ونصر بن حمزة بن مالك الجانب الشرقي.
وكان ببغداد منصور بن المهدي، والفضل بن الربيع، وخزيمة بن خازم؛ وقدم عيسى بن محمد بن أبي خالد من أرقة من عند طاهر، في هذه الأيام، فوافق أباه على قتال الحسن بن سهل، فمضيا ومن معهما إلى قرية أبي قريش قريب واسط، ولقيهما في طريقهما عساكر الحسن، في غير موضع، فهزماهم.
ولما انتهى محمد إلى دير العاقول أقام به ثلاثأن وزهير بن المسيب مقيم بإسكاف بني الجنيد، عاملاً للحسن على جوخي، وهويكاتب قواد بغداد، فركب إليه محمد، وأخذه أسيرأن وأخذ كل ماله، وسيره أسيراً إلى بغداد، وحبسه عند أبيه جعفر.
ثم تقدم محمد إلى واسط، ووجه محمد ابنه هارون من دير العاقول إلى النيل، وبها نائب للحسن، فهزمه هارون، وتبعه إلى الكوفة.
ثم سار المنهزمون من الكوفة إلى الحسن بواسط، ورجع هارون إلى أبيه وقد استولى على النيل، وسار محمد وهارون نحوواسط، فسار الحسن عنهأن ونزل خلفها.
وكان الفضل بن الربيع مختفياً كما تقدم إلى الآن، فلما رأى أن محمداً قد بلغ واسطاً طلب منه الأمان فأمنه، وظهر، وسار محمد إلى الحسن على تعبئة فوجه إليه الحسن قواده وجنده، فاقتتلوا قتالاً شديدأن فانهزم أصحاب محمد بعد العصر، وثبت محمد حتى جرح جراحات شديدة، وانهزموا هزيمة قبيحة، وقتل منهم خلق كثير، وغمنوا مالهم، وذلك لسبع بقين من شهر ربيع الأول. (3/149)
ونزل محمد بفم الصلح، وأتاهم الحسن، فاقتتلوأن فلما جنهم الليل رحل محمد وأصحابه، فنزلوا المنازل، فأتاهم الحسن، فاقتتلوأن فلما جنهم الليل ارتحلوأن حتى أتوا جبل، فأقاموا بهأن ووجه محمد ابنه عيسى إلى عرنايا، فأقام بهأن محمد بجرجرايأن فاشتدت جراحات محمد فحمله ابنه أبوزنبيل إلى بغداد، وخلف عسكره لست خون من ربيع الآخر، ومات محمد بن أبي خالد في داره سراً.
وأتى أبوزنبيل خزيمة بن خازم، فأعلمه حال أبيه، وأعلم خزيمة ذلك الناس، وقرأ عليهم كتاب عيسى بن محمد إليه، يبذل فيه القيام بأمر الحرب مقام أبيه، فرضوا به، وصار مكان أبيه؛ وقتل أبوزنبيل زهير بن المسيب من ليلته، ذبحه ذبحأن وعلق رأسه في عسكر أبيه.
وبلغ الحسن بن سهل موت محمد، فسار إلى المبارك، فأقام به، وبعث في جمادى الآخرة جيشاً له، فالتقوا بأبي زنبيل بفم الصراط، فهزموه، وانحاز إلى أخيه هارون بالنيل، فتقدم جيش الحسن إليهم، فلقوهم، فاقتتلوا ساعة، وانهزم هارون وأصحابه، فأتوا المدائن، ونهب أصحاب الحسن النيل، ثلاثة أيام، وما حولها من القرى.
وكان بنوهاشم والقواد، حين مات محمد بن أبي خالد، قالوا: نصير بعضنا خليفةً ونخلع المأمون؛ فأتاهم خبر هارون وهزيمته، فجدوا في ذلك، وأرادوا منصور بن المهدي على الخلافة فأبى، فجعلوه خليفة للمأمون ببغداد والعراق، وقالوا: لا نرضى بالمجوسي بن المجوسي الحسن بن سهل.
وقيل إن عيسى لما ساعده أهل بغداد على حرب السحن بن سهل علم الحسن أنه لا طاقة له به، فبهث إليه، وبذل المصاهرة ومائة ألف دينار، والأمان له ولأهل بيته، ولأهل بغداد، وولاية أي النواحي احب، فطلب كتاب المأمون بخطه، وكتب عيسى إلى أهل بغداد: إني مشغول بالحرب عن جباية الخراج، فولوا رجلاً من بني هاشم، فولوا منصور بن المهدي، وقال: أنا خليفة أمير المؤمنين المأمون حتى يقدم، أويولي من أحب، فرضي به الناس.
وعسكر منصور بكلواذي، بعث غسان بن عباد بن أبي الفرج إلى ناحية الكوفة، فنزل بقصر ابن هبيرة، فلم يشعر غسان إلا وقد أحاط به حميد الطوسي، فأخذه أسيرأن وقتل من أصحابه، وذلك لأربع خلون من رجب.
وسير منصور بن المهدي محمد بن يقطين في عسكر إلى حميد، فسار حتى أتى كوثى، فلم يشعر بشيء حتى هجم عليه حميد، وكان بالنيل، فقاتله قتالاً شديداً وانهزم ابن يقطين، وقتل من أصحابه، وأسر، وغرق بشر كثير، ونهب حميد ما حول كوثى من القرى، ورجع حميد إلى النيل، وابن يقطين أقام بنهر صرصر؛ وأحصى عيسى بن محمد بن أبي خالد من في عسكره، وكانوا مائة ألف وخمسة وعشرين ألفاً بين فارس وراجل، فأعطى الفارس أربعين درهماً والراجل عشرين درهماً.
ذكر أمر المتطوعة بالمعروف
وفي هذه السنة تجردت المتطوعة للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وكان سبب ذلك أن فساق بغداد والشطار آذوا الناس أذىً شديدأن وأظهروا الفسق، وقطعوا الطريق، وأخذوا النساء والصبيان علانيةً، وكانوا يأخذون ولد الرجل وأهله، فلا يقدر أن يمتنع منهم، وكانوا يطلبون من الرجل أن يقرضهم، أويصلهم، فلا يقدر على الامتناع، وكانوا ينهبون القرى لا سلطان يمنعهم، ولا يقدر عليهم، لأنه كان يغريهم، وهم بطانته، وكانوا يمسكون المجتازين في الطريق، ولا يعدي عليهم أحد، وكان الناس معهم في بلاء عظيم.
وآخر أمرهم أنهم خرجوا إلى قطربل، وانتهبوها علانية، وأخذوا العين والمتاع والدواب، فباعوها ببغداد ظاهرأن واستعدى أهلها السلطان، فلم يعدهم، وكان ذلك آخر شعبان.
فلما رأى الناس ذلك قام صلحاء كل ربض ودرب، ومسى بعضهم إلى بعض، وقالوا: إمنا في الدرب الفاسق والفاسقان إلى العشرة، وأنتم أكثر منهم، فلواجتمعتم لقمعتم هؤلاء الفساق، ولعجزوا عن الذي يفعلونه؛ فقام رجل يقال له خالد الدريوش، فدعا جيرانه وأهل محلته، على أن يعاونوه على الأمر المعروف والنهي عن المنكر، فأجابوه إلى ذلك، فشد على من يليه من الفساق والشطار، فمنعهم، وامتنعوا عليه، وأرادوا قتاله، فقاتلهم، فهزمهم وضرب من أخذه من الفساق، وحبسهم، ورفعهم إلى السلطان إلا أنه كان لا يرى أن يغير على السلطان شيئاً. (3/150)
ثم قام بعده رجل من الحربية يقال له سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان، ويكنى أبا حاتم، فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعمل بالكتاب والسنة، وعلق مصحفاً في عنقه، وأمر أهل محلته ونهاهم، فقبلوا منه، ودعا الناس جميعاً الشريف والوضيع من بني هاشم وغيرهم، فأتاهم خلق عظيم فبايعوه على ذلك، وعلى القتال معه لمن خالفه، وطاف ببغداد وأسواقها؛ وكان قيام سهل لأربع خلون من رمضان وقيام الدريوش قبله بيومين أوثلاثة.
وبلغ خبر قيامهم إلى منصور بن المهي وعيسى بن محمد بن أبي خالد، فكسرهما ذلك، لأن أكثر أصحابهما كان الشطار ومن لا خير فيه؛ ودخل منصور بغداد، وكان عيسى يكاتب الحسن بن سهل في الأمان، فأجابه الحسن إلى الأمان ولأهل بغداد، وأن يعطي جنده وأهل بغداد رزق ستة أشهر إذا أدركت الغلة، ورحل عيسى، فدخل بغداد لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال وتفرقت العساكر، فرضي أهل بغداد بما صالح عليه، وبقي سهل على ما كان عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ذكر البيعة لعلي بن موسى عليه السلام بولاية العهد
في هذه السنة جعل المأمون علي بن موسى الرضي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، ولي عهد المسلمين والخليفة من بعده، ولقبه الرضي من آل محمد، صلى الله عليه وسلم، وأمر جنده بطرح السواد ولبس الثياب الخضر، وكتب بذلك إلى الآفاق، وكتب الحسن بن سهل إلى عيسى بن محمد بن أبي خالد بعد عوده إلى بغداد يعلمه أن المأمون قد جعل علي بم مسوى ولي عهده من بعده.
وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي، فلم يجد أحداً أفضل ولا أروع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضي من آل محمد، صلى الله عليه وسلم، وأمره بطرح السواد ولبس الخضرة، وذلك لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين، وأمر عيسى بن محمداً أن يأمر من عنده من أصحابه، والجند، والقواد، وبني هاشم بالبيعة له، ولبس الخضرة، ويأخذ أهل بغداد جميعاً بذلك؛ الخلافة من ولد العباس، وإمنا هذا من الفضل بن سهل، فمكثوا كذلك أيامأن وتكلم بعضهم وقالوا: نولي بعضنأن ونخلع المأمون، فكان أشدهم فيه منصور وإبراهيم ابنا المهدي.
ذكر الباعث على البيعة لإبراهيم بن المهدي
وفي هذه السنة في ذي الحجة خاض الناس في البيعة لإبراهيم بن المهدي بالخلافة وخلع المأمون ببغداد.
وكان سبب ذلك ما ذكرناه من إنكار الناس لولاية الحسن بن سهل والبيعة لعلي بن موسى، فأظهر العباسيون ببغداد أنهم كانوا قد بايعوا لإبراهيم بن المهدي، لخمس بقين من ذي الحجة، ووضعوا يوم الجمعة رجلاً يقول: إنا نريد أن ندعوللمأمون، ومن بعده لإبراهيم، ووضعوا من يجيبه بأننا لا نرضى إلا أن تبايعوا لإبراهيم بن المهدي بالخلافة، ومن بعده لإسحاق بن موسى الهادي، وتخلعوا المأمون، ففعلوا ما أمروهم به، فلم يصل الناس جمعة، وتفرقوأن وكان ذلك لليلتين بقيتا من ذي الحجة من السنة.
ذكر فتح جبال طبرستان والديلم
في هذه السنة افتتح عبد الله بن خرداذبة والي طبرستان البلاذر، والشيزر، من بلاد الديلم، وافتتح جبال طبرستان، فأنزل شهريار بن شروين عنهأن وأشخص مازيار بن قارن إلى المأمون، واسر أبا ليلى ملك الديلم.
ذكر ابتداء بابك الخرمي
وفيها تحرك بابك الخرمي في الجاويدانية، أصحاب جاويدان بن سهل، صاحب البذ، وادعى أن روح جاويدان دخلت فيه، وأخذ في العيث والفساد، وتفسير جاويدان الدائم الباقي، ومعنى خرم فرج، وهي مقالات المجوس، والرجل منهم ينكح أمه، وأخته، وابنته، ولهذا يسمونه دين الفرج، ويعتقدون مذهب التناسخ، وأن الأرواح تنتقل من حيوان إلى غيره.
ذكر ولاية زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إفريقية
وفي هذه السنة سادس في ذي الحجة توفي أبوالعباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب، أمير إفريقية، وكانت إمارته خمس سنين ونحوشهرين. (3/151)
وكان سبب موته أنه حدد على كل فدان في عمله ثمانية عشر ديناراً كل سنة، فضاق الناس لذلك وشكا بعضهم إلى بعض، فتقدم إليه رجل من الصالحين، اسمه حفص بن عمر الجزري، مع رجال من الصالحين، فنهوه عن ذلك، ووعظوه، وخوفوه العذاب في الآخرة، وسوء الذكر في الدنيأن وزوال النعمة، فإن الله تعالى اسمه وجل ثناؤه (لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد بقوم فلا مرد له، ومالهم من دونه من وال) الرعد: 11.
فلم يجبهم أبوالعباس عبد اله بن إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية المذكور إلى ما طلبوأن فخرجوا من عنده إلى القيروان، فقال لهم حفص: لوأننا نتوضأ للصلة ونصلي، ونسأل الله تعالى أن يخف عن الناس؟ ففعلوا ذلك، فما لبث إلا خمسة أيام حتى خرجت قرجة تحت أذنه، فلم ينشب أن مات منهأن وكان من أجمل زمانه، ولما مات ولي بعده أخوه زيادة الله بن إبراهيم، وبقي أميراً رخي البال وادعأن والدنيا عنده آمنة.
ثم جهز جيشاً في أسطول البحر، وكان مراكب كثيرة، إلى مدينة سردانية، وهي للروم، فعطب بعضهأن بعد أن غمنوا من الروم، وقتلوا كثيرأن فلما عاد من سلم منهم أحسن إليهم زيادة الله ووصلهم.
فلما كان سنة سبع ومائتين خرج عليه زياد بن سهل المعروف باب الصقلبية، وجمع جمعاً كثيرأن وحصر مدينة باجة، فسير إليه زياد الله العساكر، فأنالوه عنهأن وقتلوا من وافقه على المخالفة.
وفي سنة ثمان ومائتين نقل إلى زيادة الله أن منصور بن نصير الطنبذي يريد المخالفة عليه بتونس، وهويسعى في ذلك، ويكاتب الجند، فلما تحققه سير إليه قائداً اسمه محمد بن حمزة في ثلاث مائة فارس، وأمره أن يخفي خبره، ويجد السير إلى تونس، فلا يشعر به منصور حنى يأخذه فيحمله إليه.
فسار محمد ودخل تونس، فلم يجد منصوراً بهأن كان قد توجه إلى قصره بطنبذة، فأرسل إليه محمد قاضي تونس، ومعه أربعون شيخأن يقبحون له الخلاف، وينهونه عنه، ويأمرونه بالطاعة، فساروا إليه واجتمعوا به وذكروا له ذلك؛ فقال منصور: ما خالفت طاعة الأمير، وأنا سائر معكم إلى محمد، ومن معه إلى الأمير، ولكن أقيموا معي يومنا هذأن حتى نعمل له ولمن معه ضيافة.
فأقاموا عنده، وسير منصور لمحمد ولمن معه الإقامة الحسنة الكثيرة من الغمن والبقر وغير ذلك من أنواع ما يؤكل، فكتب إليه يقول: إنني صائر إليك مع القاضي والجماعة؛ فركن محمد إلى ذلك، وأمر بالغمن فذبحت، وأكل هوومن معه، وشربوا الخمر.
فلما أمسى منصور سجن القاضي ومن معه وسار مجداً فيمن عنده من أصحابه سراً إلى تونس فدخلوا دار الصناعة، وفيها محمداً وأصحابه، فأمر بالطبول فضربت، وكبر وهووأصحابه، فوثب محمد وأصحابه إلى سلاحهم، وقد عمل فيهم الشراب، وأحاط بهم منصور ومن معه، وأقبلت العامة من كل مكان، فرجوهم بالحجارة، واقتتلوا عامة الليل، فقتل من كان مع محمد، ولم يسلم منهم إلا من نجا إلى البحر فسبح حتى تخلص وذلك في صفر.
وأصبح منصور، فاجتمع عليه الجند وقالوا: نحن لا نثق بك، ولا نأمن أن يخليك زيادة الله، ويستميلك بدنياه، فتميل إليه، فإن أحببت أن نكون معك فاقتل أحداً من أهله ممن عندك، فأحضر إسماعيل بن سفيان بن سالم بن عقال، وهومن أهل زيادة الله، فكان هوالعامل على تونس، فلما حضر أمر بقتله.
فلما سمع زيادة الله الخبر سير جيشاً كثيفأن واستعمل عليهم غلبون، واسمه الأغلب بن عبد الله بن الأغلب، وهووزير زيادة الله، إلى منصور الطنبذي، فلما ودعهم زيادة الله تهددهم بالقتل إن انهزموا؛ فلما وصلوا إلى تونس خرج إليهم منصور، فقاتلهم، فانهزم جيش زيادة الله عاشر ربيع الأول، فقال القواد الذين فيه لغلبون: لا نأمن زيادة الله على أنفسنأن فإن أخذت لنا أماناً حضرنا عنده، وفارقوه واستولوا على عدة مدن، فأخذوهأن منها: باجة، والجزيرة، وصطفورة ومسر والأربس وغيرهأن فاضطربت إفريقية، واجتمع الجند كلهم إلى منصور؛ أطاعوه لسوء سيرة زيادة الله معهم.
فلما كثر جمع منصور سار إلى القيروان فحصرها في جمادى الأولى، وخندق على نفسه، وكان بينه وبين زيادة الله وقائع كثيرة؛ وعمر منصور سور القيروان فوالاه أهلهأن فبقي الحصار عليه أربعون يوماً. (3/152)
ثم إن زيادة اله عبأ أصحابه، وجمعهم، وسار معهم الفارس والراجل، فكانوا خلقاً كثيرأن فلما رآهم منصور راعه ما رأى وهاله، ولم يكن يعرف ذلك من زيادة الله، لما كان فيه من الوهن، فزحف المنصور إليه بنفسه أيضأن فالتقوأن واقتلوا قتالاً شديدأن وانهزم منصور ومن معه، ومضوا هاربين، وقتل منهم خلق كثير، وذلك منتصف جمادى الآخرة، وأمر زيادة الله أن ينتقم من أهل القيروان بما جنوه من مساعدة منصور والقتال معه، بما تقدم أولاً من مساعدة عمران بن مجالد لما قاتل أباه إبراهيم بن الأغلب، فمنعه أهل العلم والدين، فكف عنهم، وخرب سور القيروان.
ولما نهزم منصور فارقه كثير من أصحابه الذين صاروا معه، منهم: عامر بن نافع، وعبد السلام بن المفرج، إلى البلاد التي تغلبوا عليها؛ ثم إن زيادة الله سير جيشأن سنة تسع ومائتين، وإلى مدينة سبيبة، واستعمل عليهم محمد بن عبد الله بن الأغلب، وكان بها جمع من الجند الذين صاروا مع منصور، عليهم عمر بن نافع، فالتقوا في العشرين من المحرم، واقتتلوأن فانهزم ابن الأغلب، وعاد هوومن معه إلى القيروان، فعظم الأمر على زيادة الله، وجمع الرجال، وبذل الأموال.
وكان عيال الجند الذين مع منصور بالقيروان، فلم يعرض لهم زيادة الله، فقال الجند لمنصور: الرأي أن تحتال في نقل العيال من القيروان لنأمن عليهم، فسار بهم منصور إلى القيروان، وحصر زيادة الله ستى عشر يومأن ولم يكن منهم قتال، وأخرج الجند نساءهم وأولادهم من القيروان، وانصرف منصور إلى تونس، ولم يبق بيد زيادة الله من إفريقية كلها إلا قابس، والساحل، ونفزاوة، وطرابلس، فإنهم تمسكوا بطاعته وأرسل الجند إلى زيادة الله: أن ارحل عنأن وخل إفريقية، ولك الأمان على نفسك، ومالك، ومن ضمه قصرك؛ فضاق به وغمه الأمر، فقال له سفيان بن سوادة: مكني من عسكرك لأختار منهم مائتي فارس وأسير بهم إلى نفزاوة، فقد بلغني أن عامر بن نافع يريد قصدهم، فإن ظفرت كان الذي تحب، وإن تكن الأخرى عملت برأيك، فأمره بذلك فأخذ مائتي فارس وسار إلى نفزاوة، فدعا برابرها إلى نصرته، فأجابوه، وسارعوا إليه، وأقبل عامر بن نافع في العسكر إليهم، فالتقوأن واقتتلوأن فانهزم عامر ومن معه، وكثر القتل فيهم، ورجع عامر إلى قسطيلية، فجبى أموالها ليلاً ونهاراً في ثلاثة أيام، وساروا عنهأن واستخلف عليها من يضبطهأن فهرب منها أيضاً خوفاً من أهلهأن فأرسل أهل قسطيلية إلى ابن سوادة، وسألوه أن يجيء إليهم، فسار إليهم، وملك قسطيلية وضبطها.
وقد قيل إن هذه الحوادث المذكورة سنة ثمان وتسع ومائتين إمنا كانت سنة تسع وعشر ومائتين.
طنبذة بضم الطاء المهملة وسكون النون وضم الباء الموحدة وبذال معجمة وآخره هاء وصطفورة بفتح الصاد وسكون الطاء وضم الفاء وسكون الواووآخره هاء، وسبيبة بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء تحتها نقطتان وفتح الباء الثانية الموحدة وآخره هاء، ونفزاوة بالنون والفاء الساكنة وفتح الزاي وبعد الألف واوثم هاء.
ذكر ما فتحه زيادة الله بن الأغلب من جزيرة صقلية وما كان فيها من الحروب إلى أن توفي
في سنة اثنتي عشرة ومائتين جهز زيادة الله جيشاً في البحر، وسيرهم إلى جزيرة صقلية، واستعمل عليهم أسد بن الفرات، قاضي القيروان، وهومن أصحاب مالك، وهومصنف الأسدية في الفقه على مذهب مالك؛ فلما وصلوا إليها ملكوا كثيراً منها.
وكان سبب إنفاذ الجيش أن ملك الروم بالقسطنطينية استعمل على جزيرة صقلية بطريقاً اسمه قسطنطين سنة إحدى عشرة ومائتين، فلما وصل إليها استعمل على جيش الأسطول إنساناً رومياً اسمه فيمي، كان حازمأن شجاعأن فغزا إفريقية، وأخذ من سواحلها تجارأن ونهب، وبقي هناك مديدة. (3/153)
ثم إن ملك الروم كتب إلى قسطنطين يأمره بالقبض على فيمي، مقدم الأسطول، وتعذيبه، فبلغ الخبر إلى فيمي، فأعلم أصحابه، فغضبوا له، وأعانوه على المخالفة، فسار في مراكبه إلى صقلية، واستولى على مدينة سرقوسة، فسار إليه قسطنطين فالتقوأن واقتتلوأن فانهزم قسطنطين إلى مدينة قطانية، فسير إليه فيمي جيشأن فهرب منهم، فاخذ وقتل، وخوطب فيمي بالملك، واستعمل على ناحية من الجزيرة رجلاً اسمه بالطه، فخالف على فيمي، وعصى، واتفق هووابن عم له اسمه ميخائيل، وهووالي مدينة بلرم،وجمعا عسكراً كثيرأن فقاتلا فيمي، وانهزم، فاستولى بلاطه على مدينة سرقوسة.
وركب فيمي ومن معه في مراكبهم إلى إفريقية، وأرسل إلى الأمير زيادة الله يستنجده، ويعده بملك جزيرة صقلية، فسير معه جيشاً في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة ومائتين، فوصلوا إلى مدينة مارز من صقلية، فساروا إلى بلاطه الذي قاتل فيمي، فلقيهم جمع الروم، فانهزمت الروم، وغمن المسلمون أموالهم ودوابهم، وهرب بلاطه إلى قلورية، فقتل لها.
واستولى المسلمون على عدة حصون من الجزيرة ووصلوا إلى قلعة تعرف بقلعة الكراث وقد اجتمع إليها خلق كثير، فخدعوا القاضي أسد بن الفرات أمير المسلمين، وذلوا له، فلما رآهم فيمي مال إليهم، وراسلهم أن يثبتوأن ويحفظوا بلدهم، فبذلوا لأسد الجزية، وسألوه أن لا يقرب منهم، فأجابهم إلى ذلك، وتأخر عنهم أيامأن فاستعدوا للحصار، ودفعوا إليهم ما يحتاجون إليه، فامتنعوا عليه، وناصبهم الحرب، وبث السرايا في كل ناحية، فغمنوا شيئاً كثيرأن وافتتحوا عمراناً كثيراً حول سرقوسة، وحاصروا سرقوسة براً وبحرأن ولحقته الأمداد من إفريقية، فسار إليهم والي بلرم في عساكر كثيرة، فخندق المسلمون عليهم، وحفروا خارج الخندق حفراً كثيرة، فحمل الروم عليهم، فسقط في تلك الحفر كثير منهم، فقتلوا.
ز ضيق المسلمون على سرقوسة، فوصل أسطول من القسطنطينية فيه جمع كثير، وكان قد حل بالمسلمين وباء شديد سنة ثلاث عشرة ومائتين، هلك فيه كثير منهم، وهلك فيه أميرهم أسد بن الفرات، وولي الأمر على المسلمين بعده محمد بن أبي الجواري، فلما رأى المسلمون شدة الوباء ووصول الروم، تحملوا في مراكبهم ليسيروأن فوقف الروم في مراكبهم على باب المرسي، فمنعوا المسلمين من الخروج.
فلما رأى المسلمون ذلك أحرقوا مراكبهم، وعادوأن ورحلوا إلى مدينة ميناو، فحصروها ثلاثة أيام، وتسموا الحصن، فسار طائفة منهم إلى حصن جرجنت، فقاتلوا أهله، وملكوه، وسكنوا فيه، واشتدت نفوس المسلمين بهذا الفتح وفرحوا.
ثم ساروا إلى مدينة قصريانة ومعهم فيمي، فخرج أهلها إليه، فقبلوا الأرض بين يديه، وأجابوا إلى أن يملكوه عليهم، وخدعوه، ثم قتلوه.
ووصل جيش كثير من القسطنطينية مدداً لمن في الجزيرة، فتصافوا هم والمسلمون، فانهزم الروم، وقتل منهم خلق كثير، ودخل من سلم قصريانة، وتوفي محمد بن أبي الجواري أمير المسلمين، وولي بعده زهير ابن غوث.
ثن إن سرية المسلمين سارت للغنيمة، فخرج عليها طائفة من الروم، فاقتتلوأن وانهزم المسلمون، وعادوا من الغد، ومعهم جمع العسكر، فخرج إليهم الروم، وقد اجتمعوا وحشدوأن وتصافوا مرة ثاينة، فانهزم المسلمون أيضأن وقتل منهم نحوألف قتيل، وعادوا إلى معسكرهم، وخندقوا عليهم، فحصرهم الروم، ودام القتال بينهم، فضاقت الأقوات على المسلمين، فعزموا على بيات الروم، فعلموا بهم، ففارقوا الخيم، وكانوا بالقرب منهأن فلما خرج المسلمون لم يروا أحداً.
وأقبل عليهم الروم من كل ناحية، فأكثروا القتل فيهم، وانهزم الباقون، فدخلوا ميناو، ودام الحصار عليهم، حتى أكلوا الدواب والكلاب.
فلما سمع من مدينة جرجنت من المسلمين ما هم عليه هدموا المدينة، وساروا إلى مازر، ولم يقدروا على نصرة إخوانهم، ودام الحال كذلك إلى أن دخلت سنة أربع عشرة ومائتين، وقد اشرف المسلمون على الهلاك، وإذ قد أقبل أسطول كثير من الأندلس، خرجوا غزاة، ووصل في ذلك الوقت مراكب كثيرة من إفريقية مدداً للمسلمين، فبلغت عدة الجميع ثلاثمائة مركب، فنزلوا إلى الجزيرة، فانهزم الروم عن حصار المسلمين، وفرج الله عنهم، وسار المسلمون إلى مدينة بلرم، فحصروهأن وضيقوا على من بهأن فطلب صاحبها الأمان لنفسه ولأهله ولماله، فأجيب إلى ذلك، وسار في البحر إلى بلاد الروم. (3/154)
ودخل المسلمون البلد في رجب سنة ست عشرة ومائتين، فلم يروا فيه إلا أقل من ثلاثة آلاف إنسان، وكان فيه، لما حصروه، سبعون ألفأن وماتوا كلهم؛ وجرى بين المسلمين: أهل إفريقية، وأهل الأندلس، خلف ونزاع، ثم اتفقوأن وبقي المسلمون إلى سنة تسع عشرة ومائتين، وسار المسلمون إلى مدينة قصريانة، فخرج من فيها من الروم، فاقتتلوا أشد قتال، ففتح اله على المسلمين وانهزم الروم إلى معسكرهم؛ ثم رجعوا في الربيع، فقاتلوهم، فنصر المسلمون أيضأن ثم ساروا سنة عشرين ومائتين وأميرهم محمد بن عبد الله إلى قصريانة، فقاتلهم الروم، فانهزموأن وأسرت امرأة لبطريقهم وابنه، وغمنوا ما كان في عسكرهم وعادوا إلى بلرم.
ثم سير محمد بن عبد الله عسكراً إلى ناحية طبرمين، عليهم محمد بن سالم، فغمن غنائم كثيرة، ثم عدا عليه بعض عسكره، فقتلوه، ولحقوا بالروم، فأرسل زيادة الله من إفريقية الفضل بن يعقوب عوضاً منه، فسار في سرية إلى ناحية سرقوسة، فأصابوا غنائم كثيرة وعادوا؛ ثم سارت سرية كبيرة، فغمنت وعادت، فعرض لهم البطريق ملك الروم بصقلية، وجمع كثير، فتحصنوا من الروم في أرض وعر، وشجر كثيف، فلم يتمكن من قتالهم، وواقفهم إلى العصر، فلما رأى أنهم لا يقاتلونهم عاد عنهم، فتفرق أصحابه وتركوا التعبئة.
فلما رأى المسلمون ذلك حملوا عليهم حملة صادقة، فانهزم الروم وطعن البطريق، وجرح عدة جراحات، وسقط عن فرسه، فأتاه حماة أصحابه، واستنقذوه جريحأن وحملوه، وغمن المسلمون ما معهم من سلاح ومتاع ودواب فكانت وقعة عظيمة.
وسير زيادة الله من إفريقية إلى صقلية أبا الأغلب إبراهيم بن عبد الله أميراً عليهأن فخرج إليهأن فوصل إليها منتصف رمضان، فبعث أسطولأن فلقوا جمعاً للروم في أسطول، فغمن المسلمون ما فيه، فضرب أبوالأغلب رقاب كل من فيه. وبعث أسطولاً آخر إلى قوصرة، فظفر بحراقة فيها رجال من الروم، ورجل متنصر من أهل إفريقية، فأتى بهم فضرب رقابهم. وسارت سرية أخرى إلى جيل النار والحصون التي في تلك الناحية، فأحرقوا الزرع وغمنوا وأكثروا القتل.
ثم سير أبوالأغلب سنة إحدى وعشرين ومائتين سرية إلى جبل النار أيضأن فغمنوا غنائم عظيمة، حتى بيع الرقيق بأبخس الأثمان، وعادوا سالمين، وفيها جهز أسطولأن فساروا نحوالجزائر، فغمنوا غنائم عظيمة، وفتحوا مدناً ومعاقل، وعادوا سالمين، وفيها سير أبوالأغلب أيضاً سرية إلى قسطلياسة فغمنوا وسبوأن ولقيهم العدو، فكانت بينهم حرب استظهر فيها الروم، وسير سرية إلى مدينة قصريانة، فخرج إليهم العدو، فاقتتلوأن فانهزم المسلمون، وأصيب منهم جماعة.
ثم كانت وقعة أخرى بين الروم والمسلمين، فانهزم الروم، وغمن المسلمون منهم تسعة مراكب كبار برجالها وشلندس، فلما جاء الشتاء وأظلم الليل رأى رجل من المسلمين غرة من أهل قصريانة، فقرب منه، ورأى طريقأن فدخل منه، ولم يعلم به أحد، ثم انصرف إلى العسكر، فأخبرهم فجاؤوا معه، فدخلوا من ذلك الموضع وكبروأن وملكوا ربضه، وتحصن المشركون منهم بحصنة، فطلبوا الأمان فأمنوهم، وغمن المسلمون غنائم كثيرة، وعادوا إلى بلرم.
وفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين وصل كثير من الروم في البحر إلى صقلية، وكان المسلمون يحاصرون جفلوذى، وقد طال حصارهأن فلما وصل الروم رحل المسلمون عنهأن وجرى بينهم وبين الروم الواصلين حروب كثيرة، ثم وصل الخبر بوفاة زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب، أمير إفريقية، فوهن المسلمون ثم تشجعوات، وضبطوا أنفسهم.
سرقوسة بسين مفتوحة وقاف وواووسين ثانية، وبلرم بفتح الباء الموحدة واللام وتسكين الراء وبعدها ميم، وميناوبميم وياء تحتها نقطتان ونون وبعد الألف واو، وجرجنت بجيم وراء وجيم ثانية مفتوحة ونون وتاء فوقها نقطتان، وقصريانة بالقاف والصاد المهملة والراء والياء تحتها نقطتان وبعد الألف نون مشددة وهاء.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة مات محمد بن محمد صاحب أبي السرايا. وفيها أصاب أهل خراسان وأصبهان والري مجاعة شديدة، وكثر الموت فيهم؛ وحج بالناس هذه السنة إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.

This site was last updated 07/13/11