Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

سنة تسع وتسعين ومائة وسنة مائتين

 إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
الخليفة المأمون وهرم خوفو
سنة 199 وسنة200
سنة201
سنة202
سنة203
سنة204 وسنة205
سنة206
سنة207 وسنة 208
سنة209 وسنة 210
سنة211
سنة213 وسنة214
سنة 215 وسنة 216 وموت المأمون

 

الجزء التالى من كتاب: الكامل في التاريخ المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ) تحقيق: عمر عبد السلام تدمري الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م عدد الأجزاء:  10

**************************************************************************************************************************

حوادث سنة تسع وتسعين ومائة
ذكر ظهور ابن طباطبا العلوي

وفيها ظهر أبوعبد الله محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، لعشر خلون من جمادى الآخرة، بالكوفة، يدعوإلى الرضى من آل محمد، صلى الله عليه وسلم، والعمل بالكتاب والسنة، وهوالذي يعرف بابن طباطبأن وكان القيم بأمره في الحرب أبوالسرايا السري بن منصور، وكان يذكر انه من ولد هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود الشيباني. (3/143)
وكان سبب خروجه أن المأمون لما صرف طاهراً عما كان إليه من الأعمال التي افتتحهأن ووجه الحسن بن سهل إليهأن تحدث الناس بالعراق أن الفضل ابن سهل قد غلب على المأمون، وأنه أنزله قصراً حجبه فيه عن أهل بيته وقواده، وأنه يستبد بالأمر دونه، فغضب لذلك بنوهاشم ووجوه الناس، واجترأوا على الحسن بن سهل، وهاجت الفتن في الأمصار، فكان أول من ظهر ابن طباطبا بالكوفة.
وقيل كان سبب اجتماع ابن طباطبا بأبي السرايا أن أبا السرايا كان يكري الحمير، ثم قوي حاله، فجمع نفرأن فقتل رجلاً من بني تميم بالجزيرة، وأخذ ما معه، فطلب، فاختفى، وعبر الفرات إلى الجانب الشامي، فكان يقطع الطريق في تلك النواحي، ثم لحق بيزيد بن مزيد الشيباني بأرمينية، ومعه ثلاثون فارسأن فقوده، فجعل يقاتل معه الخرمية، وأثر فيهم، وفتك وأخذ منهم غلامه أبا الشوك.
فلما عزل أسد عن أرمينية صار أبوالسرايا إلى أحمد بن مزيد، فوجهه أحمد طليعةً إلى عسكر هرثمة في فتنة الأمين والمأمون، وكانت شجاعته قد اشتهرت، فراسله هرثمة يستميله، فمال إليه، فانتقل إلى عسكره، وقصده العرب من الجزيرة، واستخرج لهم الأرزاق من هرثمة فصار معه نحوألفي فارس وراجل، فصار يخاطب بالأمير.
فلما قتل الأمين نقصه هرثمة من أرزاقه وأرزاق أصحابه، فاستأذنه في الحج، فأذن له، وأعطاه عشرين ألف درهم، ففرقها في أصحابه ومضى، وقال لهم: اتبعوني متفرقين، ففعلوأن فاجتمع معه منهم نحومن مائتي فارس، فسار بهم إلى عين التمر، وحصر عاملهأن وأخذ ما معه من المال وفرقه في أصحابه.
وسار ، فلقي عاملاً آخر ومعه مال، على ثلاثة بغال، فأخذها وسار، فلحقه عسكر كان قد سيره هرثمة خلفه، فعاد إليهم، وقاتلهم، فهزمهم، ودخل البرية، وقسم المال بين أصحابه، وانتشر جنده، فحلق به من تخلف عنه من أصحابه وغيرهم، فكثر جمعه، فسار نحودقوقأن وعليها أبوضرغامة العجلي، في سبع مائة فارس، فخرج إليه، فلقيه، فاقتتلوأن فانهزم أبوضرغامة، ودخل قصر دقوقأن فحضره أبوالسرايأن وأخرجه من القصر بالأمان وأخذ ما عنده من الأموال.
وسار إلى الأنبار، وعليها إبراهيم الشروي، مولى المنصور، فقتله أبوالسرايأن وأخذ ما فيها وسار عنها؛ ثم عاد غليها بعد إدراك الغلال، فاحتوى عليهأن ثم ضجر من طول السرى في البلاد، فقصد الرقة، فمر بطوق بن مالك التغلبي وهويحارب القيسية، فأعانه عليهم، وأقام معه أربعة أشهر يقاتل على غير طمع إلا للعصبية للربعية على المضرية، فظفر طوق واقادت له قيس.
وسار عنه أبوالسرايا إلى الرقة، فلما وصلها لقيه محمد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبأن فبايعه، وقال له: انحدر أنت في الماء، وأسير أنا على البر، حتى نوافي الكوفة؛ فدخلاهأن وابتدأ أبوالسرايا بقصر العباس ابن موسى بن عيسى فأخذ ما فيه من الأموال والجواهر، وكان عظيماً لا يحصى، وبايعهم أهل الكوفة.
وقيل كان سبب خروجه أن أبا السرايا كان من رجال هرثمة، فمطله بأرزاقه، فغضب، ومضى إلى الكوفة فبايع ابن طباطبأن وأخذ الكوفة، واستوسق له أهلهأن وأتاه الناس من نواحي الكوفة والأعراب، فبايعوه، وكان العامل عليها للحسن بن سهل سليمان بن المنصور، فلامه الحسن، ووجه زهير بن المسيب الضبي إلى الكوفة في عشرة آلاف فارس وراجل، فخرج إليه ابن طباطبا وأبوالسرايأن فواقعوه في قرية شاهي، فهزموه، واستباحوا عسكره، وكانت الوقعة سلخ جمادى الآخرة.
فلما كان الغد، مستهل رجب، مات محمد بن إبراهيم بن طباطبا فجأة، سمه أبوالسرايا؛ وكان سبب ذلك أنه لما غمن ما في عسكره زهير منع عنه أبا السرايأن وكان الناس له مطيعين، فعلم أبوالسرايا أنه لا حكم له معه، فسمه فمات، وأخذ مكانه غلاماً أمرد يقال له محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، فكان الحكم إلى أبي السرايا.
ورجع زهير إلى قصر ابن هبيرة، فأقام به، ووجه الحسن بن سهل عبدوس بن محمد بن أبي خالد المرورذي، في أربعة آلاف فارس، فخرج إليه أبوالسرايأن فلقيه بالجامع لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب، فقتل عبدوسأن ولم يفلت من أصحابه أحد، كانوا بين قتيل وأسير. (3/144)
وانتشر الطالبيون في البلاد، وضرب أبوطالب الدراهم بالكوفة وسير جيوشه إلى البصرة، وواسط، ونواحيهمأن فولى البصرة العباس بن محمد بن عيسى بن محمد الجعفري؛ وولى مكة الحسين بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي الذي يقال له الأفطس، وجعل إليه الموسم؛ وولى اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر؛ وولى فارس إسماعيل بن موسى بن جعفر؛ وولى الأهواز زيد بن موسى بن جعفر، فسار إلى البصرة، وغلب عليهأن وأخرج عنها العباس بن محمد الجعفري، ووليها مع الأهواز، ووجه أبوالسرايا محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي إلى المدائن، وأمره أن يأتي بغداد من الجانب الشرقي، فأتى المدائن، وأقام بها وسير عسكره إلى ديالى.
وكان بواسط عبد الله بن سعيد الحرشي والياً عليها من قبل الحسن بن سهل، فانهزم من أصحاب أبي السرايا إلى بغداد، فلما رأى الحسن أن أصحابه لا يلبثون لأصحاب أبي السرايأن أرسل إلى هرثمة يستدعيه لمحاربة أبي السرايأن وكان قد سار إلى خراسان مغاضباً للحسن، فحضر بعد امتناع، وسار إلى الكوفة في شعبان، وسير الحسن إلى المدائن وواسط علي بن سعيد، فبلغ الخبر أبا السرايا وهوبقصر ابن هبيرة، فوجه جيشاً إلى المدائن، فدخلها أصحابه في رمضان، وتقدم حتى نزل بنهر صرصر، وجاء هرثمة فعسكر بإزائه، بينهما النهر، وسار علي بن سعيد في شوال إلى المدائن، فقاتل بها أصحاب أبي السرايأن فهزمهم واستولى على المدائن.
وبلغ الخبر أبا السرايأن فرجع من نهر صرصر إلى قصر ابن هبيرة، فنزل به؛ وسار هرثمة في طلبه فوجد جماعة من أصحابه، فقتلهم، ووجه رؤوسهم إلى الحسن بن سهل، ونازل هرثمة أبا السرايأن فكانت بينهما وقعة قتل فيها جماعة من أصحاب أبي السرايأن فانحاز إلى الكوفة، ووثب ن معه من الطالبيين على دور بني العباس ومواليهم وأتباعهم، فهدموهأن وانتهبوهأن وخربوا ضياعهم، وأخرجوهم من الكوفة، وعملوا أعمالاً قبيحة، واستخرجوا الودائع التي كانت لهم عند الناس.
وكان هرثمة يخبر الناس أنه يريد الحج، وحبس من قدم للحج من خراسان وغيرها ليكون هوأمير الموسم، ووجه إلى مكة داود بن عيسى بن موسى بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهم، وكان الذي وججه أبوالسرايا إلى مكة حسين بن حسن الأفطس بن علي بن علي بن الحسين بن علي، ووجه أيضاً إلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن علي، فدخلهأن ولم يقاتله بها أحد.
ولما بلغ داود بن عيسى توجيه أبي السرايا حسين بن حسن إلى مكة لإقامة الموسم، جمع أصحاب بني العباس ومواليهم، وكان مسرور الكبير قد حج في مائتي فارس، فتعبأ للحرب، وقال لداود: أقم إلي شخصك، أوبعض ولدك، وأنا أكفيك، فقال: لا أستحل القتال في المحرم، والله لئن دخلوها في هذا الفج لأخرجن من غيره.
وانحاز داود إلى ناحية المشاش، وافترق الجمع الذي كان جمعهم، وخاف مسرور أن يقاتلهم، فخرج في أثر داود راجعاً إلى العراق، وبقي الناس بعرفة، فصلى بهم رجل من عرض الناس بغير خطبة، ودافعوا من عرفه بغير إمام.
وكان حسين بن حسن بشرف يخاف دخول مكة، حتى خرج إليه قوم أخبروه أن مكة قد خلت من بني العباس، فدخلها في عشرة أنفس، فطافوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، ومضوا إلى عرفة، فوقفوا ليلاً ثم رجعوا إلى مزدلفة، فصلى بالناس الصبح، وأقام بمنى أيام الحج، وبقي بمكة إلى أن انقضت السنة، وكذلك أيضاً أقام محمد بن سليمان بالمدينة، حتى انقضت السنة.
وأما هرثمة فإنه نزل بقرية شاهي، ورد الحاج، واستدعى منصور بن المهدي إليه، وكاتب رؤساء أهل الكوفة.
وأما علي بن سعيد فإنه توجه من المدائن إلى واسط، فأخذهأن وتوجه إلى البصرة، فلم يقدر على أخذها هذه السنة.
ذكر قوة نصر بن شبث العقيلي
وفيها قوي أمر نصر بن شبث العقيلي، وكثر جمعه، وحصر حران، وأتاه نفر من شيعة الطالبيين، فقالوا له: قد وترت بني العباس، وقتلت رجالهم، وأعلقت عنهم العرب، فلوبايعت لخليفة كان أقوى لأمرك. (3/145)
فقال: من أي الناس؟ فقالوا: نبايع لبعض آل علي بن أبي طالب؛ فقال: أبايع بعض أولاد السوداوات فيقول إنه لوخلقني ورزقني؟ قالوا: فنبايع لبعض بني أمية؛ فقال: أولئك قد أدبر أمرهم، والمدبر لا يقبل أبدأن ولوسلك علي رجل مدبر لأعداني إدباره، وإمنا هواي في بني العباس، وإمنا حاربتهم محاماة على العرب لأنهم يقدمون عليهم العجم.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة توفي الحسين بن مصعب بن زريق أبوطاهر بن الحسين بخراسان، وكان طاهر بالرقة، وحضر المأمون جنازته، ونزل الفضل بن سهل قبره، ووجه المأمون يعزيه بأبيه.
وفيها توفي أبوعون معاوية بن أحمد الصمادحي، مولى آل جعفر بن أبي طالب، الفقيه المغربي الزاهد.
وفيها توفي سهل بن شاذويه أبوهارون، وعبد الله بن منير الهمداني الكوفي، وكنيته أبوهاشم، وهووالد محمد بن عبد الله بن منير شيخ البخاري ومسلم.


حوادث سنة مائتين
ذكر هرب أبي السرايا

في هذه السنة هرب أبوالسرايا من الكوفة، وكان قد حصره فيها ومن معه هرثمة، وجعل يلازم قتالهم، حتى ضجروأن وتركوا القتال؛ فلما رأى ذلك أبوالسرايأن تهيأ للخروج من الكوفة، فخرج في ثمامنائة فارس، ومعه محمد بن محمد بن زيد، ودخلها هرثمة فأمن أهلهأن ولم يتعرض إليهم؛ وكان هربه سادس عشر المحرم، وأتى القادسية وسار منها إلى السوس بخوزستان فلقي مالاً قد حمل من الأهواز، فأخذه، وقسمه بين أصحابه.
وأتاه الحسن بن علي المأموني، فأمره بالخروج من عمله، فكره قتاله فأبى أبوالسرايا إلا قتاله، فقاتله، فهزمه المأموني وجرحه، وتفرق أصحابه، وسار هوومحمد بن محمد وأبوالشوك نحومنزل أبي السرايا برأس عين، فلما انتهوا إلى جلولاء ظفر بهم حماد الكندغوش، فأخذهم، وأتى بهم الحسن بن سهل، وهوبالنهروان، فقتل أبا السرايأن وبعث رأسه إلى المأمون، ونصبت جثته على جسر بغداد، وسير محمد بن محمد إلى المأمون.
وأما هرثمة فإنه أقام بالكوفة يوماً واحداً وعاد، واستخلف بها غسان بن أبي الفرج أبا إبراهيم بن غسان، صاحب حرس والي خراسان.
وسار علي بن سعيد إلى البصرة، فأخذها من العلويين. وكان بها زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي، عليه السلام، وهوالذيث يسمى زيد النار، وإمنا سمي بها لكثرة ما أحرق بالبصرة من دور العباسيين وأتباعهم، وكان إذا أتى رجل من المسودة أحرقه؛ وأخذ أموالاً كثيرة من أموال التجار سوى أموال بني العباس؛ فلما وصل علي إلى البصرة استأمنه زيد فأمنه، وأخذه، وبعث إلى مكة، والمدينة، واليمن جيشأن فأمرهم بمحاربة من بها من العلويين، وكان بين خروج أبي السرايا وقتله عشرة أشهر.
ذكر ظهور إبراهيم بن موسى
في هذه السنة ظهر إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد، وكان بمكة، فلما بلغه خبر أبي السرايا وما كان منه سار إلى اليمن، وبها إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أملاً للمأمون، فلما بلغه قرب إبراهيم من صنعاء، سار منها نحومكة فأتى المشاش، فعسكر بهأن واجتمع بها إليه جماعة من أهل مكة هربوا من العلويين، واستولى إبراهيم على اليمن، وكان يسمى الجزار لكثرة من قتل باليمن، وسبى، وأخذ الأموال.
ذكر ما فعله الحسين بن الحسن الأفطس بمكة والبيعة لمحمد بن جعفر
وفي هذه السنة، في المحرم، نزع الحسين كسوة الكعبة، وكساها كسوة أخرى، أنفذها السرايا من الكوفة، من القز، وتتبع ودائع بني العباس وأتباعهم، وأخذهأن وأخذ أموال الناس بحجة الودائع، فهرب الناس منه، وتطرق أصحابه إلى قلع شبابيك الحرم، وأخذ ما على الأساطين من الذهب، وهونزر حقير، وأخذ ما في خزانة الكعبة، فقسمه مع كسوتها على أصحابه.
فلما بلغه قتل أبي السرايأن ورأى تغير الناس لسوء سيرته وسيرة أصحابه، أتى هووأصحابه إلى محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، عليه السلام، وكان شيخاً محبباً للناس، مفارقاً لما عليه كثير من أهل بيته من قبح السيرة، وكان يروي العلم عن أبيه جعفر، رضي الله عنه، وكان الناس يكتبون عنه، وكان يظهر زهدأن فلما أتوه قالوا له: تعلم منزلتك من الناس، فهلم نبايع لك بالخلافة، فإن فعلت لم يختلف عليك رجلان. (3/146)
فامتنع من ذلك، فلم يزل به ابنه علي والحسين بن الحسن الأفطس، حتى غلباه على رأيه، وأجابهم، وأقاموه في ربيع الأول، فبايعوه بالخلافة، وجمعوا له الناس، فبايعوه طوعاً وكرهأن وسموه أمير المؤمنين، فبقي شهوراً وليس له من الأمر شيء، وابنه علي والحسين بن الحسن وجماعتهم أسوأ ما كانوا سيرة وأقبح فعلاً؛ فوثب الحسين بن الحسن على امرأة من بني فهر كانت جميلة، وأرادها على نفسهأن فامتنعت منه، فأخاف زوجهأن وهومن بني مخزوم، حتى توارى عنه، ثم كسر باب دارهأن وأخذها إليه مدة ثم هربت منه.
ووثب علي بن محمد بن جعفر على غلام أمرد، وهوابن قاضي مكة، يقال له إسحاق بن محمد، وكان جميلأن فأخذه قهرأن فلما رأى ذلك من أهل مكة ومن بها من المجاورين اجتمعوا بالحرم، واجتمع معهم جمع كثير، فأتوا محمد بن جعفر، فقالوا له: لنخلعنك، أولنقتلنك، أولتردن غلينا هذا الغلام! فأغلق بابه وكلمهم من شباك، وطلب منهم الأمان ليركب إلى ابنه ويأخذ الغلام، وحلف لهم أنه لم يعلم بذلك، فأمنوه، فركب إلى ابنه وأخذ الغلام منه وسلمه إلى أهله.
ولم يلبثوا إلا يسيراً حتى قدم إسحاق بن موسى العباسي من اليمن فنزل المشاش واجتمع الطالبيون إلى محمد بن جعفر، وأعلموه، وحفروا خندقأن وجمعوا الناس من الأعراب وغيرهم، فقاتلهم إسحاق، ثم كره القتال، فسار نحوالعراق، فلقيه الجند الذين أنفذهم هرثمة، إلى مكة، ومعهم الجلودي ورجاء بن جميل، فقالوا لإسحاق: ارجع معنأن ونحن نكفيك القتال، فرجع معهم، فقاتلوا الطالبيين، فهزموهم، فأرسل محمد بن جعفر يطلب الأمان، فأمنوه، ودخل العباسيون مكة في جمادى الآخرة وتفرق الطالبيون من مكة.
وأما محمد بن جعفر فسار نحوالجحفة، فأدركه بعض موالي بني العباس، فأخذ جميع ما معه، وأعطاه دريهمات يتوصل بهأن فسار نحوبلاد جهينة، فجمع بهأن وقاتل هارون بن المسيب والي المدينة، عند الشجرة وغيرهأن عدة دفعات، فانهزم محمد، وفقئت عينه بنشابة، وقتل من أصحابه بشر كثير، ورجع إلى موضعه.
فلما انقضى الموسم طلب الأمان من الجلودي، ومن رجاء بن جميل وهوابن عمة الفضل بن سهل، فأمنه، وضمن له رجاء عن المأمون وعن الفضل الوفاء بالأمان، فقبل ذلك، فأتى مكة لعشر بقين من ذي الحجة، فخطب الناس، وقال: إنني بلغني أن المأمون مات، وكانت له في عنقي بيعة، وكانت فتنة عمت الأرض، فبايعني الناس، ثم إنه صح عندي أن المأمون حي صحيح، وأنا أستغفر الله من البيعة، وقد خلعت نفسي ن البيعة التي بايعتموني عليهأن كما خلعت خاتمي هذا من إصبعي، فلا بيعة لي في رقابكم.
ثم نزل وسار سنة إحدى ومائتين إلى العراق، فسيره الحسن بن سهل إلى المأمون بمرو، فلما سار المأمون إلى العراق صحبه، فمات بجرجان، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ذكر ما فعله إبراهيم بن موسى
وفي هذه السنة وجه إبراهيم بن موسى بن جعفر من اليمن رجلاً من ولد عقيل بن أبي طالب في جند ليحج بالناس، فسار العقيلي حتى أتى بستان ابن عامر، فبلغه أن أبا إسحاق المعتصم قد حج في جماعة من القواد، فيهم حمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان، وقد استعمله الحسن بن سهل على اليمن، فعلم العقيلي أنه لا يقوى بهم، فأقام ببستان ابن عامر، فاجتاز قافلة من الحاج، ومعهم كسوة الكعبة وطيبهأن فأخذ أموال التجار، وكسوة الكعبة وطيبهأن وقدم الحجاج مكة عراة منهوبين.
فاستشار المعتصم أصحابه، فقال الجلودي: أنا أكفيك ذلك، فانتخب مائة رجل، وسار بهم إلى العقيلي، فصبحهم، فقاتلهم، فانهزموأن واسر أكثرهم، وأخذ كسوة الكعبة، وأموال التجار، إلا ما كان مع من هرب قبل ذلك، فرده وأخذ الأسرى، فضرب كل واحد منهم عشرة أسواط، وأطلقهم، فرجعوا إلى اليمن يستطعمون الناس، فهلك أكثرهم في الطريق.
ذكر مسير هرثمة إلى المأمون وقتله
لما فرغ هرثمة من أبي السرايا رجع فلم يأت الحسن بن سهل، وكان بالمدائن، بل سار على عقرقوف حتى أتى البردان، والنهروان، وأتى خراسان، فأتته كتب المأمون في غير موضع أن يأتي إلى الشام والحجاز، فأبى، وقال: لا أرجع حتى ألقى أمير المؤمنين، إدلالاً منه عليه، ولما يعرف من نصيحته له ولآبائه، وأراد أن يعرف المأمون ما يدبر عليه الفضل ابن سهل، وما يكتم عنه من الأخبار، وأنه لا يدعه حتى يرده إلى بغداد ليتوسط سلطانه. (3/147)
فعلم الفضل بذلك، فقال للمأمون: إن هرثمة قد أثقل عليك البلاد والعباد، ودس أبا السرايأن وهومن جنده، ولوأراد لم يفعل ذلك، وقد كتب إليه أمير المؤمنين عدة كتب ليرجع إلى الشام والحجاز، فلم يفعل وقد جاء مشاقاً يظهر القول الشديد فإن أطلق هذا كان مفسدة لغيره.
فتغير قلب المأمون، وأبطأ هرثمة إلى ذي القعدة، فلما بلغ مروخشي أن يكتم قدومه عن المأمون، فأمر بالطبول فضربت لكي يسمعها المأمون، فسمعها فقال: ما هذا؟ قالوا: هرثمة قد أقبل يرعد ويبرق، فظن هرثمة أن قوله المقبول، فأمر المأمون بإدخاله، فلما دخل عليه قال له المأمون: مالأت أهل الكوفة العلويين، ووضعت أبا السرايأن ولوشئت أن تأخذهم جميعاً لفعلت.
فذهب هرثمة يتكلم ويعتذر، فلم يقبل منه، فأمر به فديس بطنه، وضرب أنفه، وسحب من بين يديه، وقد أمر الفضل الأعوان بالتشديد عليه، فحبس فمكث في الحبس أياماً ثم دس إليه من قتله، وقالوا مات.
ذكر وثوب الحربية ببغداد
وفيها كان الشغب ببغداد بين الحربية والحسن بن سهل، وكان سبب ذلك أن الحسن بن سهل كان بالمدائن حين شخص هرثمة إلى المأمون، فلما اتصل ببغداد، وسمع ما صنعه المأمون بهرثمة، بعث الحسن بن سهل إلى علي بن هشام، وهووالي بغداد من قبله، أن ماطل الجند من الحربية أرزاقهم ولا تعطهم.
وكانت الحربية قبل ذلك حين خرج هرثمة إلى خراسان قد وثبوأن وقالوا: لا نرضى حتى نطرد الحسن وعماله عن بغداد، فطردوهم، وصيروا إسحاق بن موسى الهادي خليفة المأمون ببغداد، واجتمع أهل الجانبين على ذلك ورضوا به.
فدس الحسن إليهم، وكاتب قوادهم حتى يبعثوا من جانب عسكر المهدي، فحول الحربية إسحاق إليهم، وأنزلوه على دجيل، وجاء زهير بن المسيب، فنزل في عسكر المهدي، وبعث الحسن علي بن هشام في الجانب الآخر هوومحمد بن أبي خالد، ودخلوا بغداد ليلاً في شعبان، وقاتل الحربية ثلاثة أيام على قنطرة الصراة، ثم وعدهم رزق ستة اشهر، إذا أدركت الغلة، فسألوه تعجيل خمسين درهماً لكل رجل منهم ينفقونها في رمضان، فأجابهم إلى ذلك.
وجعل يعطيهم فلم يتم العطاء حتى أتاهم خبر زيد بن موسى من البصرة، المعروف بزيد النار، وكان هرب من الحبس، وكان عند علي بن سعيد، فخرج بناحية الأنبار هووأخوأبي السرايا في ذي القعدة سنة مائتين، فبعثوا إليه فأتي به إلى علي بن هشام، وهرب علي بن شهام بعد جمعة من الحربية، ونزل بصرصر لأنه لن يف لهم بإعطاء الخمسين إلى أن جاء الأضحى، وبلغهم خبر هرثمة وأخرجوه.
وكان القيم بأمر هرثمة محمد بن أبي خالد لأن علي بن هشام كان يستخف به، فغضب من ذلك، وتحول إلى الرحبية، فلم يقربهم علي، فهرب إلى صرصر، ثم هزموه من صرصر.
وقيل كان السبب في شغب الأبناء أن الحسن بن سهل جلد عبد الله بن علي بن ماهان الحد، فغضب الأبناء، وخرجوا.
ذكر الفتنة بالموصل
وفيها وقعت الفتنة بالموصل بين بني سامة وبني ثعلبة، فاستجارت ثعلبة بمحمد بن الحسين الهمداني، وهوأخوعلي بن الحسين، أمير البلد، فأمرهم بالخروج إلى البرية، ففعلوأن فتبعهم بنوسامة في ألف رجل إلى العوجاء، وحصروهم فيهأن فبلغ الخبر علياً ومحمداً ابني الحسين، فأرسلا الرجال إليهم، واقتتلوا قتالاً شديدأن فقتل من بني سامة جماعة، وأسر جماعة منهم، ومن بني تغلب، وكانوا معهم فحبسوا في البلد.
ثم إن أحمد بن عمروبن الخطاب العدوي التغلبي أتى محمدأن وطلب إليه المسالمة، فأجابه إلى ذلك، وصلح الأمر، وسكنت الفتنة.
ذكر الغزاة إلى الفرنج
وفي هذه السنة جهز الحكم أمير الأندلس جيشاً مع عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج بالأندلس، فسار بالعساكر حتى دخل بأرضهم، وتوسط بلادهم، فخربهأن ونهبها وهدم عدة من حصونهأن كلما أهلك موضعاً وصل إلى غيره، فاستنفد خزائن ملوكهم.
فلما رأى ملكهم فعل المسلمين ببلادهم كاتب ملوك جميع تلك النواحي مستنصراً بهم، فاجتمعت إليه النصرانية من كل أوب، فأقبل في جموع عظيمة بإزاء عسكر المسلمين، بينهم نهر، فاقتتلوا قتالاً شديداً عدة أيام، المسلمون يريدون يعبرون النهر، وهم يمنعون المسلمين من ذلك. (3/148)
فلما رأى المسلمون ذلك تأخروا عن النهر، فعبر المشركون إليهم، فاقتتلوا أعظم قتال، فانهزم المشركون إلى النهر، فأخذهم السيف والأسر، فمن عبر النهر سلم، وأسر جماعة من كنودهم وملوكهم وقماصتهم، وعاد الفرنج ولزموا جانب النهر، يمنعون المسلمين من جوازه، فبقوا كذلك ثلاثة عشر يومأن يقتتلون كل يوم، فجاءت الأمطار، وزاد النهر، وتعذر جوازه، فقفل عبد الكريم عنهم سابع ذي الحجة.
ذكر خروج البربر بناحية مورور
وفي هذه السنة خرج خارجي من البربر بناحية مورور، من الأندلس، ومعه جماعة، فوصل كتاب العامل إلى الحكم بخبره، فأخفى الحكم خبره، واستدعى من ساعته قائداً من قواده، فأخبره بذلك سرأن وقال له: سر من ساعتك إلى هذا الخارجي فأتني برأسه، وإلا فرأسك عوضه، وأنا قاعد مكاني هذا إلى أن تعود.
فسار القائد إلى الخارجي، فلما قاربه سأله عنه، فأخبر عنه باحتياط كثير، واحتراز شديد، ثم ذكر قول الحكم: إن قتلته، وإلا فرأسك عوضه، فحمل نفسه على سبيل المخاطرة فأعمل الحيلة، حتى دخل عليه، وقتله، وأحضر رأسه عند الحكم، فرآه بمكانه ذلك لم يتغير منه، وكانت غيبته أربعة أيام.
فلما رأى أحسن إلى ذلك القائد، ووصله وأعلى محله.
مورور بفتح الميم وسكون الواووضم الراء وسكون الواوالثانية وآخره راء ثانية.
ذكر عدة حوادث
في هذه السنة وجه المأمون رجاء بن أبي الضحاك علي بن موسى بن جعفر بن محمد، وأحصي في هذه السنة ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفاً ما بين ذكر وأنثى، وفي هذه السنة قتلت الروم ملكها أليون وكان ملكه سبع سنين وستة أشهر وملكوا عليهم ميخائيل بن جورجيش ثانية، وفيها خالف علي بن أبي سعيد على الحسن بن سهل فبعث المأمون إليه بسراج الخادم وقال له: إن وضع يده في يد الحسن بن سهل أوشخص إلي بمرووإلا فاضرب عنقه، فسار إليه سراج فأطاع وتوجه إلى المأمون بمرومع هرثمة، وفيها قتل المأمون يحيى بن عامر بن إسماعيل لأنه قال له يا أمير الكافرين، وحج بالناس هذه السنة المعتصم، وفيها توفي القاضي أبوالبختري وهب بن وهب، ومعروف الكرخي الزاهد، وصفوان بن عيسى الفقيه، والمعافى بن داود الموصلي وكان فاضلاً عابداً.

This site was last updated 07/13/11