Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

 البابا ألكسندروس والهرطوقى آريوس

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
البابا أسكندر وآريوس
ما قبل نيقية
موضوعات مجمع نيقية
مناظرة أثناسيوس وآريوس
جلسات مجمع نيقية
القرار الأول لمجمع نيقية
قوانين مجمع نيقية
أثناسيوس ومجمع الأسكندرية
المسيح الإله والأبن
أسماء الاباء الأساقفة 318 ج1
New Page 2334
New Page 4485

 

الجزء التالى  من كتاب الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة للأسقف الأنبا أيسذورس - الجزء الأول ص 286 - 288

****************************************************************************************************************
مجمع محـــلى بالأسكندرية يوقف آريوس عن التعليم

أشتهر البابا ألأكسندروس فى الكنيسة فى العالم القديم بمحاربة بدعة آريوس وبداية ذلك وتفاصيله أنه عندما جلس البابا ألكسندروس على الكرسى السكندرى تقدم كاهنان من ثغر (ميناء) الأسكندرية بشكوى ضد آريوس متهمينه بأنه : " أنكر مراراً لاهوت المسيح فى عظاته وخطبه العلنية "

وكان أرشلاوس البابا السابق قد قبله فى شركته بالرغم من نصيحة ووصية سلفه البابا بطرس الشهيد الذى أوصى كل من أرشيلاوس والأسكندروس قائلاً لهما لا تقبلا آريوس فى الشركة وذكر لهما الرؤيا التى رآها البابا بطرس الشهيد بأنه رأى ثوب المسيح ممزق وذكر له الرب يسوع فى الرؤيا أن الذى مزقه هو آريوس , وبمجرد إطلاع البابا ألكسندروس على الدعوى المقدمة له من الكاهنين دعا رهطــاً من الأساقفة الذين يتولون إيبروشيات قريبة من الأسكندرية , وفحصوا تلك الدعوى فحكم آباء هذا المجمع المحلى بأن : -

*** يكف آريوس عن تعليمه الهرطوقى

 ولكن آريوس لم يخضع لهذا الحكم بل تمرد وإزداد عتواً وقحة ونشط ينادى بتعليمه المخالف للكنيسة فى السر والعلن , فتضايق البابا الكسندروس من جسارة آريوس فدعى لعقد مجمع محلى آخر موسع فحضر مائة أسقف من مصر وليبيا التى كانت تابعة لمصر وبعد مناقشة الموضوع وقعوا على قرار : -

*** بطرد آريوس وأسقفين معه وحرمهم من درجات الكهنوت .

لم يقبل آريوس هذا الحرم وكان له شخصية جذابة وكان رجلاً حاذقاً يتظاهر بالتقوى محبوباً من كثيرين فتمادى فى تمرده فإستمر يقيم الخدمات الكنسية والقداسات ويلقى العظات والخطب ضد تعليم الكنيسة المستقيم ويحرض الشعب على قبول فكره حتى جذب الكثيرين , ولما رأى البابا الكسندروس شدة تأثيره إضطر أن يطردة من الثغر , وينشر قرار المجمع المحلى فى جميع كنائس الأمبراطورية البيزنطية .

غادر آريوس الأسكندرية وأتجه إلى فلسطين حيث وجد من ينضم إليه , ومن هناك بدأ يتكلم مع الأساقفة فى كل مكان فكون جبهة ضد البابا الكسندروس وكانت تقوى وتتكاثر يوما بعد يوم , وقام آريوس بعرض أضاليله التى لاتوافق التعليم الأرثوذكسى فإنضم إليه ثاغوتوس أسقف نيقيا , وأسوابيوس أسقف نيكوميديا , وكان أسقف نيكوميديا يتمتع بشخصية مؤثرة ( لأنه فيما يقول المؤرخين من أقارب أسرة الأمبراطور قسطنطين الحاكمة كما كان رجلاً مخادعاً لا يظهر ما يبطنه )

وحدث أن الإمبراطور ذهب إلى هذه المدينة فقابله اسقفها وظل يكلمة حتى أستماله إلى جانب آريوس الهرطوقى .

ولم يكن آريوس بالرجل الذى يهدأ فقد ألف بعض الأغانى وضع فيها ضلالته وسموم أفكاره ووضعت لها ألحان شجية ونشرها بين عامة الشعب فحفظها العامة  وترنموا بها فى المنازل والإجتماعات شاربين سموم أفكارة الضالة القتالة بدون أن يتفحصوا كلماتها . 

**********************************************************************************************

الجزء التالى من كتاب التاريخ الكنسى لسوزمينوس  THE ECCLESIASTICAL HISTORY - OF Sozomen .. ترجمه من اليونانية : Chester d. Hartranft .. ونقله الى العربية : الدكتور/ بولا سـاويرس نقلا عن : NPNF, II, 1890 A.D.
**********************************************************************************************
الكتاب الأول: الفصل الخامس عشر
(الهرطقة الاريوسية. منشأها، وتطورها، والنزاع الذى سببته بين الأساقفة).

(1/15/1) على الرغم من أن الديانة كانت، كما رأينا، فى حالة مزدهرة إلا أن الكنائس كانت فى نزاع مرير. لأنه تحت زعم التقوى والبحث عن الاكتشاف الأكثر كمالا لله، ثارت مسألة معينة لم تكن قد نوقشت حتى الآن بعد.
(1/15/2) وكان اريوس مُنشِىء هذه المنازعات. لقد كان كاهنا بكنيسة الاسكندرية فى مصر، وكان فى البداية مفكرا غيورا فى العقيدة ومشايعا لابتداعات مليتيوس Melitius. وفى الحقيقة، مع أنه قد هجر رأى هذا الأخير وسيم شماسا بيد بطرس اسقف الاسكندرية([121]) الذى طرده فيما بعد من الكنيسة. لأنه عندما حرم مشايعو مليتيوس ورفض معموديتهم، هاجمه اريوس بسبب ذلك، ولم يستطع الصبر.
(1/15/3) وبعد استشهاد بطرس، طلب اريوس المغفرة من اخيلاس([122]) Achillas الذى رده إلى رتبته كشماس ثم رقاه فيما بعد إلى كاهن. وفيما بعد رفع الكسندروس([123]) من شأنه كثيرا إذ كان منطقيا لامعا، فقد قيل عنه أنه لم تكن تعوزه هذه المعرفة، فسقط فى مناقشات سخيفة لدرجة أنه كان يعظ فى الكنيسة بأى شىء لم يثيره أحدٌ من قبله. أى أن ابن الله لم يكن له وجود سابق، وأنه كان هناك وقت لم يكن موجودا فيه، وأنه لمَّا كان يملك إرادة حرة فقد كان قادرا على فعل الرذيلة والفضيلة. وأنه مخلوق ومصنوع. والى جانب ذلك أضاف مزاعم أخرى كثيرة مع ازدياد مجادلاته وتفاصيل خطابه.
(1/15/4) وقد لام أولئك الذين سمعوا هذه الأفكار، الكسندروس لعدم اعتراضه على الابتداعات التى لا تتفق مع العقيدة. ولكن هذا الاسقف رأى أنه من الحكمة أن يدع كل طرف حرا فى مناقشة الموضوعات محل الشك، حتى يمكن بالاقناع وليس بالقوة توَّصل كلا الطرفين إلى أن يكفَّا عن النزاع. ومن ثم جلس كقاضى مع بعض كهنته وقاد الطرفين فى مناقشة.
(1/15/5) ولكن حدث فى هذه المناسبة كما هو الحال فى حالة أى منازعة كلامية، أن إدعى كل طرفٍ الانتصار[لرأيه]. فقد أكد اريوس مزاعمه، أما الآخرون فقد أقروا بوحدانية الابن مع الاب وأزليته. والتأم المجمع لثانى مرة، ونوقشت فيه نفس المسألة. ولكنهم لم يتوصلوا فيما بينهم إلى أية نتيجة. وخلال الجدل بدا أن الكسندروس يميل إلى أحد الجانبين تارة وإلى الجانب الآخر تارة أخرى. وأخيرا أعلن أنه مناصر لأولئك الذين يؤكدون أن الابن مساوٍ للآب وأزلى معه. وأمر اريوس بقبول هذه العقيدة ورذل آرائه السابقة.
(1/15/6) ولكن اريوس لم يُبدِ مع ذلك أيَّ قبولٍ، واعتبر كثيرون من الاكليروس والاساقفة عبارته العقيدية صواب. ولذلك حرمه الكسندروس هو والكهنة الذين شايعوه فى بدعته من الكنيسة.
(1/15/7) وكان ممن شايعوه من كهنة ايبارشية الاسكندرية، اشيلاوس واخيلاوس وكاربونس وسارناتس واريوس والشمامسة يوزويوس ومكاريوس ويوليوس وميناس وهيلاديوس. وكثيرون من الناس أيضا شايعوهم. البعض لأنهم ظنوا أن تعليمهم من الله، وآخرون، كما يحدث مرارا فى مثل هذه الحالات. لأنهم اعتقدوا أنهم عوملوا معاملة سيئة وحُوكِموا بغير عدلٍ. وهكذا كانت أحوال كنيسة الاسكندرية.
(1/15/8) لذلك رأى حزب اريوس أنه من الفطنة البحث عن مساندة اساقفة المدن الأخرى، فأرسلوا التماسات إليهم ورسالة مكتوبة بعقائدهم سائلين اياهم، إذا رأوا أنها من الله فعليهم أن يُخطروا الكسندروس ألا يزدرى بهم. ولكن إذا لم يوافقوا على هذا التعليم فعليهم أن يُعلِموهم بما هى الاراء السليمة التى يتعيَّن الأخذ بها.
(1/15/9) ولم يكن هذا الاحتياط بالفائدة القليلة لهم إذ صارت مفاهيمهم هكذا منتشرة على نطاق واسع وصارت المسائل التى أثاروها محل جدل بين سائر الاساقفة. فالبعض كتب إلى الكسندروس يلتمس منه عدم قبول حزب اريوس فى التناول ما لم يرذلوا آرائهم. بينما كتب إليه آخرون يحثونه على منحى آخر مضاد.
(1/15/10) وعندما أدرك الكسندروس أن كثيرين من المعتبرين بسلوكهم التقوى المظهرى، ولهم وزنهم فى البلاغة والاقناع قد انحازوا إلى اريوس، وبصفة خاصة يوسبيوس رئيس كنيسة نيقوميديا، وهو رجل متعلم وله شهرة عاليه فى القصر. كتَب إلى اساقفة سائر الكنائس طالبا اياهم عدم قبول شركتهم فى التناول الأمر الذى أضرم الغيرة أكثر لدى كل طرف.
(1/15/11) وكما كان الامر متوقعا تزايد النزاع، ورجا يوسيبيوس [النيقوميدى] وحزبه الكسندروس مرار، ولكنه لم يقتنع لدرجة أنهم اعتبروا ذلك اهانة لهم فصاروا عنيدين وأيدوا بالأكثر تعليم اريوس. فعقدوا مجمعا فى بثينية وكتبوا إلى جميع الاساقفة يُرِّغبوهم فى التناول مع الاريوسيين بإعتبارهم أنهم يأخذون بتعليم الحق، وأن يطلبوا من الكسندروس التناول معهم بالمثل.
(1/15/12) وإذ لم يوافق الكسندروس على هذه الشكوى أرسل اريوس رسلا إلى بولينوس اسقف صُور وإلى يوسيبيوس بامفيلوس رئيس كنيسة قيصرية فى فلسطين([124])، والى باتروفيلوس اسقف سكيثوبوليس([125]) يلتمس التصريح له ولمشايعيه بإعتبار أنهم نالوا سابقا رتبة الكهنوت أن يشكلوا هم والشعب الذين معهم كنيسة.
(1/15/13) لأن العادة فى الاسكندرية كانت وما زالت فى أيامنا الحالية([126]) أن تكون سائر الكنائس تحت اشراف اسقف واحد. ولكن كل كاهن له كنيسته التى يجتمع فيها مع شعبه. فمنح هؤلاء الاساقفة الثلاثة بالاتفاق مع آخرين من الذين اجتمعوا فى فلسطين اريوس ما قد طلبه وسمحوا له بالاجتماع مع الشعب كما كان قبلا على أن يخضع لالكسندروس. وأمروا اريوس أن يجاهد بشدة من أجل إعادة السلام والشركة معه([127]).
********
المراجع
121) هو البابا بطرس الأول : الـ 17 - فى عداد باباوات الأسكندرية ، والذى كانت حبريته فى حوالى (303- 312م)
122) البابا الـ 18 فى عداد باباوات الإسكندرية ويلفظ أيضا أرشيلاوس
123) البابا السكندرى الـ 19 من عداد باباوات الإسكندرية (312- 328)
124) هو الأسقف الأريوسى المعروف فى الكتب العربية بإسم يوسابيوس القيصرى أول من كتب تاريخ الكنيسة بصفة عامة ، فرغم أننا نعتمد إلى حد ما على تاريخه إلا أننا بالطبع نتحفظ بشدة على أى رأى عقيدى يبدية صراحة أو ضمنا ، كما نتحفظ فى آرائه التاريخية ذاتها فى مناصرة طرف ما أو هجوم على طرف ىخر حيث أن الحيادية المطلقة أمر غير وارد للبشر
125) "أسكيثوبوليس" باليونانية هى مدينة "بيت شان" بالعبرية وبيسان بالعربية ، وهى حاليا فى شمال شرق أورشليم / القدس ، بدولة غسرائيل الحالية
126) أى أثناء كتابة سوزمينوس فى عمله
127)  غريب حقا أن يطلبوا منه ذلك ، وقد نقضوا هم أبسط القواعد الكنسية وهى عدم التدخل فى إيبارشية الآخرين ، سواء على مستوى الكراسى ، أو على مستوى ألأساقفة الخاضعين لأسقف الكرسى الرئيسى  فى كل قطر ، لقد كانوا بذلك أول من خلق النزاع المسكونى فى نظرى
 الجزء التالى من كتاب "الـتـاريـخ الـكنسـى" المؤرخ سُقراتيس سكولاستيكوس (ق4م) عـن الفترة 306م - 43  ترجمهُ من اليونانية إلى الانجليزية ايه. سى. زينوس
تعريب الدكتور الأب/ بـولا ساويرس  مراجعة نيافة الحَبْر الجليل الأنبا/ إبيفانيوس اسقف ورئيس دير الأنبا مقار
****************************

الكتاب الأول: الفصل الخامس
(نزاع بين أريوس والكسندروس اسقف الأسكندرية)

(1/5/1) بعد أن نال بطرس اسقف الأسكندرية([6]) الشهادة فى عصر دقلديانوس، تم تنصيب اخيلاس([7]) فى الخدمة الاسقفية، ثم خلفه الكسندروس([8]) خلال فترة السلام المشار إليها عاليه. هذا أدار الكنيسة، ومارس مهامه فى التعليم بلا خوف.
(1/5/2) وفى ذات يوم حاول أن يشرح السر اللاهوتى العظيم، ربما بدقة فلسفية جدا فى حضور الكهنة وبقية الاكليروس، آلا وهو وحدانية الثالوث القدوس([9]) فظن أحد الكهنة الذين تحت اشرافه ويُدعى اريوس، وكان ذا لوذعية منطقية ليست بقليلة، أن الأسقف يعلِّم نفس آراء سابيليوس الليبى([10])، فرد على ما قاله الاسقف وقال إذا كان الآب قد ولد الابن، فإن المولود يكون له بداية وجود، وأنه اتخذ وجوده من العدم.

الكتاب الأول: الفصل السادس
(بداية الانقسام فى الكنيسة الجامعة. حرْم الكسندروس اسقف الأسكندرية لآريوس وأتباعه)

(1/6/1) وإذ أدلى بمداخلته هذه انطلاقا من تدريب ذهنه الادبى، فقد أثار بذلك الكثيرين إلى التفكير فى المسألة، وهكذا من شرارة صغيرة اندلعت نار كبيرة لأن الشر الذى بدأ فى كنيسة الأسكندرية قد انتشر فى سائر ارجاء مصر وليبيا وطيبة العليا، وأخيرا امتدت إلى باقى المقاطعات والمدن. وتبنى آخرون كثيرون آراء آريوس، وبصفة خاصة يوسيبيوس اسقف كنيسة بيرتس([11])، ثم إلى حد ما اسقفية نيقوميديا فى بيثينية.
(1/6/2) وعندما صار الكسندروس واعيا بهذه الأمور من كل من ملاحظته الذاتية، ومن التقارير، وأنها جاوزت سائر الحدود؛ عقد مجمعا من المدبرين الكثيرين، وحرم أريوس وهرطقته.
(1/6/3) وفى نفس الوقت كتب ما يلى إلى الاساقفة الثابتين فى المدن العديدة.
(رسالة الكسندروس اسقف الأسكندرية )
"لما كانت الكنيسة الجامعة جسدا واحدا، وقد أُمِرنا فى الكتاب المقدس أن نحافظ على رباط الوحدانية والسلام([12])، كان لزاما علينا أن نكتب لبعضنا بعضا ونحيط بعضنا بعضا علما بطبيعة الأمور لدى كل منا، لكى ما إذا تألم عضو أو ابتهج نتعاطف مع بعضنا بعضا([13]).
لذلك اعلموا أنه قد قام حديثا فى ايبارشيتنا رجال بلا ناموس وأضداد للمسيح يعلمون بتجديف ما يجعل المرء يعتبرهم بصواب كسابقين لضد المسيح.
لقد وددتُ فى الحقيقة الصمت على هذا التشويش لكى ما ينحصر الشر، إذا ما أمكن، فى المجدِّف وحده، ولا ينتشر إلى مناطق أخرى ويصطك آذان البسطاء.
ولكن لما كان يوسيبيوس الذى هو الآن فى نيقوميديا([14]) يظن أن أمور الكنيسة تحت سيطرته، ولذا هجر ايبارشيته فى بيرتس ونصَّب نفسه على كنيسة نيقوميديا بلا حصانة، وجعل نفسه رأسا للمجدفين، بل وتجاسر بإرسال رسائل توصية من أجلهم لسائر الأنحاء، لكى ما يجذب بوسيلة ما وبأى نحو، بعض الجهلاء إلى هذه البدعة الأكثر كفرا ضد المسيح.
فشعرتُ أنه لا يجب علىَّ الصمت أكثر من ذلك، عالما بما هو مكتوب فى الناموس لكى ما أخبركم جميعا بهذه الأمور لكى تعرفوا مَن هم هؤلاء المجدفين وأيضا سمات هرطقتهم المزرية، كى لا تلتفتوا إلى أى شىء يكتبه يوسيبيوس لكم. لأنه إذ يريد الآن أن يجدد حقده القديم الذى كان يُظَن أنه قد زوى بمرور الوقت، قام بالكتابة نيابة عنهم. بينما الحقيقة تُظهر أنه قد فعل ذلك لأغراضه الخاصة.
وهؤلاء هم المجدفون: اريوس، اخيلاس، اثالس، كربونس، اريوس آخر، سارماتس، يوزيوس([15])Euzoïus ، لوكيوس، جوليان، ميناس، هيلادس، جايوس. وإلى جانب هؤلاء يمكن أيضا إضافة سيكوندس وثيوناس اللذين كانا ذات مرة اساقفة([16]).
أما العقائد التى ابتدعوها وأكدوا عليها ضدا للكتاب المقدس فهى كالآتى:
أن الله لم يكن دائما آب، ولكن كان هناك وقت لم يكن فيه آب. وأن "كلمة الله" لم يكن منذ الأزل، ولكنه مصنوع من العدم لأن الله الدائم الوجود("أنا هو"، الأزلى) صنع من العدم ذاك الذى لم يكن له وجود سابق. لذلك كان هناك وقت لم يكن موجودا فيه([17])، ومن ثم الإبن مخلوق ومصنوع. وأنه ليس مثل الآب بالنظر إلى جوهره. ولا هو، من حيث الطبيعة، كلمة الآب الحقيقى. ولا الحكمة الحقيقى. ولكنه فى الحقيقة أحد أعماله وخلائقه. وأنه دُعِىَّ "كلمة" و"حكمة" على نحو غير صحيح من حيث أنه هو نفسه قد صُنِع من كلمة الله وحكمة الله التى بها صنع الله جميع الأشياء، وهو أيضا.
ولذلك هو من حيث الطبيعة متقلب وخاضع للتغير مثل باقى المخلوقات العاقلة. ومن ثم الكلمة غريب عن جوهر الله ومختلف عنه، والآب لا يمكن للإبن أن يعرفه، فهو غير مرئى له. لأن الكلمة لا يعرف بالكمال وعلى وجه الدقة الآب، ولا يمكنه أن يراه بتدقيق. والإبن لا يعرف طبيعة جوهره، لأنه صُنِع من أجلنا، لكى ما يخلقنا الله به، كما بأداة، وما كان ليوجد قط ما لم يكن الله قد أراد أن يخلقنا.
ولمّا سألهم شخص ما هل يمكن لكلمة الله أن يتغير مثلما حدث للشيطان؟. فلم يخشوا من القول "نعم يمكنه، لأنه مخلوق وخاضع للتغير".
لذلك اجتمعنا نحن اساقفة مصر وليبيا، حوالى مائة بالعدد، وحرمنا اريوس لنطقه بلا خجل بهذه البدع. وكل مؤيدى مثل هذه الآراء. ولكن أنصار يوسيبيوس استقبلوهم، وسعوا إلى ربط الزيف بالحق والى الكفر بالمقدس. ولكنهم جميعا لن يسودوا لأن الحق لابد وأن ينتصر، وليس هناك شركة للنور مع الظلمة، ولا للمسيح مع بليعال([18]). فمن سمع قط بهذه التجاديف؟، أو يسمع الآن أى رجل تقى ما يصك الأذن ولا يسدها لئلا تُدنِس هذه العبارة حاسة سمعه؟. مَن يسمع يوحنا وهو يقول "فى البدء كان الكلمة"([19])، ولا يدين أولئك الذين يقولون "كانت هناك فترة، لم يكن فيها الابن موجودا".
أو مَن يسمع فى الانجيل "الإبن الوحيد"([20]) و"كل شىء به كان"([21]) ولا يشجب أولئك الذين يقولون أن الإبن أحد هذه الأشياء. كيف يكون أحدَ هذه الأشياء التى قد صُنِعت بواسطته؟. أو كيف يكون الابن الوحيد إذا كان محسوبا بين المخلوقات؟!. وكيف يتخذ وجوده من العدم، والآب يقول "فاض قلبى كلمة صالحة"([22]) و"أنا ولدتك قبل الفجر من حضنى"؟([23]). أو كيف لا يكون من جوهر الآب وهو "صورة الله"([24]) و"بهاء مجده"([25])، ويقول من رآنى فقد رأى الآب" وأيضا كيف إذا كان الإبن كلمة الله وحكمة الله، كانت هناك فترة لم يكن موجودا فيها. إن ذلك يعادل قولهم أن الله كان ذات مرة محروما من الكلمة والحكمة. كيف كان متغيرا وخاضعا للتقلب ذاك الذى يقول عن نفسه "أنا فى الآب والآب فىَّ"([26]) و"أنا والآب واحد"([27]) وأيضا يقول بالنبى "لأنى أنا الرب لا أتغير"([28]). ولكن إذا طبق أى شخصٍ الكلام على الآب نفسه فإنه سيكون مناسبا فى ذات الآن على الكلمة لأنه لم يتغير بصيرورته إنسانا، ولكن كما يقول الرسول "يسوع المسيح، هو هو أمس واليوم وغدا"([29]). ولكن من ذا الذى أغواهم بالقول أنه جُعِل من أجلنا بينما يعلن بولس صراحة أن "كل الأشياء به وله"([30]).
إن المرء ليس فى حاجة لأن يتعجب حقا من تجاديفهم وهم يزعمون أن الإبن لا يعرف تماما الآب، لأنهم إذ عزموا أن يحاربوا ضد المسيح، رفضوا حتى كلام الرب نفسه عندما يقول "كما أن الآب يعرفنى، هكذا أنا أعرف الآب"([31]). فإذا كان الآب يعرف لذلك الإبن جزئيا، فمن الثابت إذن أن الإبن جزء. ولكن إذا كان من الكفر قول هذا فإنه من المسلم به أن الآب يعرف الإبن تماما. ولما كان من الثابت أن الآب يعرف كلمته، هكذا الكلمة يعرف أباه الذى هو كلمته.
ونحن بتقريرنا لهذه الأمور وشرحنا للكتب المقدسة، قد دحضناهم مرارا ولكنهم كانوا يتغيرون ثانية بلا خجل مجاهدين على أن يطبقوا على أنفسهم ما قد كُتِب "إذا وصل الشرير إلى قاع الرذيلة صار مزدرِيا"([32]).
لقد ثارت هرطقات كثيرة قبل هذه تجاوزت كل الحدود فى الجسارة ثم صارت لا شىء بتاتا، ولكن هؤلاء وهم يحاولون فى أحاديثهم هدم ألوهية الكلمة إنما يقتربون من ضد المسيح، وأصغوا بالكلية إلى خزى السابق. ولهذا رُذِلوا علانية من الكنيسة، وحُرِموا.
نحن فى الحقيقة، حزانى بسبب هؤلاء الأشخاص وخاصة لأنهم بعدما تعلَّموا عقائد الكنيسة، يجدفون عليها الآن. ومع ذلك لسنا مندهشين من ذلك، لأن هيمانس وفيلتس([33]) قد سقطا فى مثل ذلك، ومن قبلهما يوداس الذى كان أولا تابعا للمخلص ولكنه هجره بعد ذلك وصار خائنا له.
ولم نتوان من تحذير أولئك الأشخاص لأن الرب نفسه يقول "احترسوا لئلا يخدعكم أحد لأن كثيرين سيأتون بإسمى قائلين أنا المسيح ويخدعون الكثيرين"([34]) و"انظروا لا تضلوا"([35]). وإذ علِم بولس بهذه الأمور مِن المخلِّص كتب يقول" وفى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحا مُضلة وتعاليم شياطين"([36]) الذين يحرِّفون الحق. وها هو ربنا ومخلصنا يسوع المسيح نفسه قد سبق وأعطانا أيضا بواسطة الرسول إخطارا بشأن أمثال هؤلاء الأشخاص. وإذ قد سمعنا بأنفسنا تجاديفهم فقد حرمناهم نتيجة لذلك، كما قلنا سابقا وأعلنا أنهم غرباء عن الايمان وعن الكنيسة الجامعة.
وأكثر من ذلك فإننا نخطر تقواكم أيها الأحباء والمكرَّمين شركائنا لكى لا تقبلوا أيا منهم إذا فكر فى الحضور إليكم، ولا تنخدعوا بالثقة فى يوسيبيوس أو أى أحد آخر يكتب لكم عنهم. لأنه من المحتم علينا نحن المسيحيين أن نبتعد عن جميع أولئك الذين يتكلمون أو يعتقدون فكرا ضد المسيح، بإعتبارهم يقاومون الله ويدمرون نفوس الناس، ولا يليق بنا حتى تحية مثل هؤلاء الأشخاص مثلما يحذرنا يوحنا المبارك "لئلا نكون فى أى وقتٍ شركاء آثامهم"([37]) .
التحية للإخوة الذين معكم. الذين معى يحيونكم.".
(1/6/4) وعندما خاطب الكسندروس([38]) الأساقفة فى كل مدينة بهذا، صار الشر أسوأ حيث صار هؤلاء الذين تواصل معهم مستعدون للنزاع. وفى الحقيقة اقتنع البعض بالمفاهيم الواردة فى الرسالة، واتفقوا معها، بينما كان آخرون على النقيض.
(1/6/5) ولكن يوسيبيوس النيقوميدى كان أكثر الجميع استعدادا للجدال حيث أشار إليه الكسندروس شخصيا وانتقده فى رسالته.
(1/6/6) وفى هذه النقطة كان يوسيبيوس ذا تأثير كبير لأن الإمبراطور قد أقامه على نيقوميديا حيث كان دقلديانوس قد أقام هناك قصرا منذ وقت قليل مضى، ومن ثم كان كثيرون من الاساقفة يترددون على يوسيبيوس.
(1/6/7) لذلك كتب مرارا إلى الكسندروس أن يضع جانبا المناقشة التى ثارت مع أريوس ويقبله ثانية هو وأنصاره فى شركة التناول، كما كتب أيضا إلى اساقفة كل مدينة ألاَّ يتفقوا مع اجراءات الكسندروس.
(1/6/8) وبهذه الوسيلة انتشر النزاع فى كل مكان، فكان المرء لا يشاهد الجدل بين مدبرى الكنائس فحسب، بل وأيضا بين الناس إذ انقسموا إلى فريقين، هؤلاء مع طرف وأولئك مع الآخر.
(1/6/9) إلى هذا الحد من الخزى وصلت الأمور، وصارت المسيحية موضع سخرية العامة حتى فى المسارح. فأولئك الذين فى الاسكندرية جاهدوا بشدة من أجل أركان العقيدة الأسمى، وأرسلوا الوفود إلى أساقفة الايبارشيات العديدة. بينما أثار أولئك الذين كانوا تابعين للحزب المضاد المنازعات المماثلة. وانضم الميليتيون الذين كانوا قد انفصلوا منذ قليل عن الكنيسة إلى الأريوسيين، وكانوا قد استقروا الآن.
(1/6/10) ففى أيام بطرس اسقف الأسكندرية الذى نال الشهادة فى ايام دقلديانوس كان مليتيوس اسقف إحدى مدن مصر قد عُزِل لأنه خلال فترة الاضطهاد أنكر الإيمان وقدَّم الذبائح، هذا إلى جانب تهم أخرى.
(1/6/11) وإذ جُرِّد هذا الشخص من رتبته وكان له تابعون كثيرون، صار رأسا للهرطقة التى تُعرَف فى سائر أرجاء مصر حتى اليوم([39]) بالميليتيين. ولما كان ليس لديه أى عذر مقبول للإنفصال عن الكنيسة تظاهر بأنه قد خُلِع ظلما، ونسب إلى بطرس افتراءات شنيعة.
(1/6/12) ولما توفى بطرس شهيدا خلال الاضطهاد، نقل مليتيوس اتهامه إلى اخيلاس أولا الذى خلف بطرس فى الاسقفية، ثم بعد ذلك إلى الكسندروس خليفة أخيلاس. وفى ظِل الأمور هذه تشيع مليتيوس ومناصروه لآريوس([40]) متحالفين معه ضد الاسقف.
(1/6/13) لكن عندما اعتبر الكثيرون آراء آريوس لا يمكن تأييدها برروا قرار الكسندروس ضده، ورأوا أن أولئك الذين يقبلون آرائه قد أدينوا بعدل.
(1/6/14) وفى نفس الوقت طلب يوسيبيوس النيقوميدى وأتباعه بوصفهم مشايعين لمفاهيم أريوس، إلغاء الحرم الصادر ضده، وإعادة قبول المستبعدين إلى الكنيسة بإعتبارهم لا يعتقدون بمفاهيم خاطئة. وهكذا أُرسِلَت رسائل الحزب المعارض إلى اسقف الأسكندرية. وجمع اريوس لنفسه تلك الخاصة به، وفعل الكسندروس بالمثل. وأدى ذلك فى الواقع إلى فرصة مواتية للشيع التى سادت آنذاك وهى الاريوسية والانومية([41]) للدفاع، وتلك التى أخذت اسمها من مقدنيوس لأنهم استخدموا مرارا هذه الرسائل لتعزيز هرطقتهم.

الكتاب الأول: الفصل السابع
(قنسطنطين يحزن من القلاقل بين الكنائس. يرسل هوسيوس الاسبانى إلى الأسكندرية. حضه لآريوس والكسندروس على المصالحة والوحدة)

(1/7/1) وعندما أُحيط قنسطنطين عِلما بهذا القلق، حزن بشدة واعتبر الأمر كسوء حظ له شخصيا. واجتهد فى الحال بفحص هذا النزاع الذى اضطرم، وأرسل رسالة إلى اريوس والكسندروس بيد شخص موثوق فيه يدعى هوسيوس Hosiusالذى كان اسقف كوردوفا([42]) Cordova بأسبانيا. فلقد احب الإمبراطور هذا الرجل جدا وكرَّمه بأكثر تقدير. ولن يكون فى خارج محله أن نورد هنا جزءًا من خطابه. فالخطاب كله قد أورده يوسيبيوس [القيصرى] فى كتابه "حياة قنسطنطين"([43]):
(1/7/2) "المنتصر([44]) قنسطنطين مكسيمم أوغسطوس إلى الكسندروس وآريوس.
لقد علِمتُ بجدلكم الحالى الذى نشأ عندما سألتَ يا الكسندروس كهنتك عن فكر كل واحدٍ بخصوص فقرة معينة غامضة فى الكلمة المكتوبة([45])، أو بالأحرى عن موضوع لا يصح مناقشته. فعبَّرت يا اريوس بإندفاع عن وجهة نظر ما كان ينبغى بتاتا أن تُقال، أو إن وردت على خاطرك كان ينبغى وأدها فى صمت. وإذ ثار هذا النزاع بينكما أنكرتما شركة التناول، وانشق الشعب المقدس إلى فريقين وابتعدوا عن اتساق الجسد الواحد. لذلك فليُظهِر كل منكما الاعتبار للآخر، وأن يُصغى إلى وعظ شريكه فى الخدمة وأى مشورة يُقدمها، فليس من الفطنة أن تُثَار مثل هذه المسألة أولا، ولا أن يُرَّد على سؤال مثل هذا عندما يُطرَح. لأن ادعاء عدم وجود ناموس يتطلب فحص مثل هذه الموضوعات، هو نقاش فارغ ناجم عن مناسبات تسلية لا طائل لها. وحتى إن كان من أجل تدريب الملكات الطبيعية لنا، إلاَّ أنه كان ينبغى أن نحصرها فى فكرنا، وألاَّ نعرضها بعدم حرص فى الاجتماعات العامة. ولا أن نطرحها على مسامع كل شخص بعدم اكتراث.
ففى الحقيقة ما أقل أولئك الذين يستطيعون شرحها بدقة أو فهمها بالتدقيق، فهى أمور عميقة وواسعة جدا. وحتى إذا أُعتُبِر شخص ما أنه قادر على تناول مثل هذا الأمر بشكل مُرضِى، فكم من الناس سينجح فى اقناعهم؟. أو من ذا الذى سيقع فى شراك هذه الأبحاث بدون خطر الزلل فى أخطاء؟. لذلك صارت مثل هذه الموضوعات بالنسبة لنا ثرثرة، لئلا نكون غير كفاة بسبب ضعف الطبيعة البشرية لشرح المسائل المطروحة، أو أن الفهم الضعيف للعامة يجعلهم غير قادرين على الإدراك بوضوح لذلك المطلوب تعليمهم إياه. وفى حالة إحدى هذه الضعفات ينهمك الناس إما فى تجديف وإما فى شقاق.
لذلك فليسعَ كل منكما إلى طلب الغفران عن السؤال غير المحترص وعن الإجابة غير المعتبرة. فلا علة للخلاف الذى اندلع بينكما يشهد لها الناموس بأى نحو من الأنحاء، ولا يتعين إدخال هرطقة جديدة بشأن عبادة الله. ولكن ليكن لكما نفس المفاهيم فى هذه النقاط التى هى قانون الإيمان. وعلاوة على ذلك بينما تتنازعان فى أمور زهيدة وغير مهمة ليس من المناسب لكما أن تتهما العديدين من رجال الله لأنكما انقسمتما فى الرأى، ولا يجب أن يكون هذا، فهذا غير قانونى.
ولكى ما أذكركما بواجبكما بمثال من نوع أدنى فإننى أقول: أنتما تعلمان أنه حتى الفلاسفة([46]) وهم ينضوون كلهم فى طائفة واحدة، يختلفون مع ذلك فيما بينهم فى بعض النقاط، أو النظريات. ولكن على الرغم من أنهم يختلفون فى فروع المعرفة الأعلى إلا أنهم لكى ما يظلوا متحدين فى جسم واحد، يظلون متفقين على الاندماج. والآن، إذا كان ذلك يتم بينهم، فكم بالأحرى، أنتما اللذان أُعتبُرتما خدام الله الحى، أن تكونا بإتفاق فى أمور دينية كهذه.
لكننا دعونا إلى فحص بأكثر تدقيق وبإنتباه شديد لما قد تقرر بالفعل. وما إذا كان من الصواب بسبب نزاع زهيد وتافه بينكما بشأن كلام، أن يقوم الإخوة ضد بعضهما بعضا، وتنفصم الشركة المكرمة بنزاع غير مقدس من خلال جدالنا مع بعضنا بسبب هذه الأمور غير المهمة، وليست بجوهرية بأى حال من الأحوال. هذه المشاجرات مبتذلة، وتتسم بالأحرى بعدم فطنة، عن الفكر الملائم للكهنة والفطناء. ينبغى علينا أن نبتعد فى الحال عن تجارب الشيطان فقد وهبنا كلنا الله العظيم مخلص الجميع نوره. اسمحوا لى أنا الخادم، تحت عنايته، أن أدعوكم أنتم شعبه بحرارة إلى العودة إلى إتحاد الشركة. لأنه كما قلتُ مادام لكما إيمان واحد ومفهوم واحد بشأن الدين، ولمَّا كانت وصايا الناموس فى سائر أجزائه تربط الجميع بنفس واحدة، فليبعد الاختلاف فى الرأى ذلك الذى أثار النزاع بينكما وأدى بلا سبب إلى الشقاق، حتى لا يؤثر ذلك على الناموس ككل.
إننى أقول هذا لا كمن يجبركم على رؤية مماثلة بالضبط لموضوع الجدل الزهيد هذا، أيا كان، إذ أن كرامة الشركة ستُحفظ بلا تأثر ونفس الإخوة مع الجميع ستظل مصونة حتى لو كان بينكما بعض الخلاف فى الرأى فى أمور ليست هامة. لأننا بالطبع لا نرغب جميعا نفس الشىء فى كل الأمور، ولا هناك طبيعة غير متغيرة أو معيار حكم ثابت فينا. لذلك، ليكن هناك ايمان واحد بشأن العناية الإلهية، ومفهوم واحد وعهد واحد للألوهية. ولكن هذه الاستفسارات الدقيقة التى تثيرونها فيما بينكما بهذا الشكل الدقيق، حتى إذا لم تكونا فى اتفاق واحد بشأنها، فلتكن فى نطاق تأملاتكما الخاصة، وفى مخادع أذهانكما. وليكن رباط الصداقة غير المنفصم والمختار، والإيمان بالحق، والإكرام لله، والمراعاة التقوية للناموس دائما بينكما بلا اهتزاز. أعيدا الصداقة والنعمة المتبادلة، ورُدَّا للشعب الألفة المعتادة ولأنفسكما أيضا. واعترفا لبعضكما بعضا بقوة لتطهير نفسيكما، لأن الصداقة تصير أحلى بعد إزالة العداوة. وبهذا تردان لى الأيام الهادئة، وتخلو الليالى من الهم، ويكون لى أنا أيضا بعض المسرة بالنور النقى المحفوظ والمحبة الخالصة خلال بقية حياتى. وإلاَّ سأضطر إلى النواح وذرف الدموع، ولا تبقى لى راحة فى وجودى على الأرض، لأنه إذ ينفصل شعب الله (أعنى شركائى فى الخدمة) عن بعضهم بعضا بهذا النزاع غير التقوى، فكيف يكون لى حفظ الهدوء المعتاد؟. ولكن لكى تكون لديكما فكرة ما عن شدة الحزن الذى لدىَّ بسبب هذا الخلاف غير السعيد اصغيا إلى ما سأقرره.
عندما وصلتُ إلى نيقوميديا كان فى نيتى التوجه إلى الشرق فى الحال، ولكن بينما أنا اتعجل الذهاب إليكم وقطعت مسافة معتبرة من طريقى غيَّرت هذه الأمور كلها من عزمى لئلا أكون مضطرا لأن أرى بعينى حالة تلك الأمور التى بالكاد استطعتُ أن أتحمل سماع التقرير عنها. فإفسحا لى الطريق بتصالحكما من جديد للوصول إلى الشرق الذى عرقلتموه بنزاعكما مع بعضكما بعضا. ودعونى ألتقى بسرعة بكما وبكل الشعب بإبتهاج معا لكى ما أقدم لله الشكر الواجب عن الانسجام العام والحرية لسائر الأطراف المصاحبة للإتفاق الودى معا بفضلكما".

 

 

 

This site was last updated 12/28/17