الله ليس إله المسيحية واليهودية
سِلْسِلَةُ هِدَايَةِ المؤمنين للحق المبين العدد الرابع
نرجو من القراء قطع هذا الجزء من هذا العدد والأعداد التالية والإحتفاظ به هذا الكتاب للمؤمنين والمؤمنات بالرب يسوع المبارك العظيم الحكيم طبع بمصر سنة 1900م وكتبه المستشرقين وقد كان فى أربعة أجزاء ثم زيد إلى ستة ولكن اليوم آلاف من الأبحاث حول القرآن موجودة فى شبكة الإنترنت وننقل لكم هذا الكتاب لأن السيد المسيح أمرنا بتفتيش الكتب ونكون مستعدين كل حين لنجاوب حين يسألوننا
**********************************
تعليقات على سورة آل عِمران (3) - الجزء الثانى
متوفّيك ورافعك:
قال الرازي: يوجد مشكل، وهو قول القرآن ما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم . فإن كان الله قادراً على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء، فما الفائدة من إلقاء شبهه على غيره؟ وهل فيه إلا إلقاء مسكينٍ في القتل من غير فائدة إليه؟ وثانياً: إذا ألقى شَبَهه على غيره، ثم أنه رُفع بعد ذلك إلى السماء، فالقوم اعتقدوا إنه هو عيسى، مع أنه ما كان عيسى. فهذا كان إلقاءً لهم في الجهل والتلبيس، وهذا لا يليق بحكمة الله تعالى. وثالثاً: إن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها، وشدّة محبتهم للمسيح عليه السلام وغلوّهم في أمره، أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً. فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوّة محمد ونبوّة عيسى، بل في وجودهما ووجود سائر الأنبياء. وكل ذلك باطل.
ثم ردّ الرازي على ذلك رداً ضعيفاً، بقوله: لو رفعه إلى السماء لبلغت تلك المعجزة إلى حد الإلجاء، وثانياً إن تلاميذ المسيح كانوا يُزيلون التلبيس. وثالثاً: إن الحاضرين كانوا قليلين ودخول الشُّبهة إلى القليل جائزة (الرازي في تفسير الآية).
فالقرآن تارة يسلّم بموته، وأخرى ينكره. وذهب ابن عباس (ترجمان القرآن عندهم) إلى أن المسيح مات، والرازي يسلّم بأن المسيحيين أجمعوا بالتواتر على إنه صُلب. فالمعوّل عليه هو الإنجيل والتواتر. وعبارة القرآن تفيد أن الله يرضى بالغش والتدليس والتعمية والتلبيس. فإنه قال إن الله ألقى شبَهَه على غيره، وحاشا لله من ذلك.
*****************************
المسيح وآدم:
“إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ; (آية 59).
- 1 - أجمع أهل التفسير على أن هذه العبارة قيلت في محاجّة نصارى وفد نجران. قال ابن عباس: إن رهطاً من أهل نجران قدموا على محمد، وكان فيهم السيد والعاقب. فقالوا لمحمد: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ تزعم أنه عبد الله . فقال محمد: أجل إنه عبد الله . فقالوا له: هل رأيت له مثلاً، أو أُنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده. فجاءه جبريل فقال له قل لهم إذا أتوك: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية). والظاهر أن مسيحيي نجران حاجوا محمداً وأفحموه فعجز عن الجواب. وقيل إنه قال لهم إن المسيح عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فغضبوا، وقالوا: يا محمد، هل رأيت إنساناً قط من غير أب؟ فأتى بهذه العبارة المتقدمة.
- 2 اعتقاد المسيحيين في عصر محمد كان مثل اعتقادهم الآن، فالمسيح كلمة الله الأزلي، والخالق الرازق. وقد أفحم نصارى نجران محمداً حتى عجز عن الإجابة. ولكنه بعد التفكير والتروّي ومضيّ زمن قال إن مَثَل المسيح كمثَل آدم. وقد أخطأ أيضاً في هذا التمثيل، فإن آدم من التراب ترابي، والمسيح هو كلمة الله الأزلي وروح منه، وشتان بين الاثنين. وآدم عصى ربَّه وجرَّ البشر للخطأ، والمسيح لم يخطئ أبداً، وفتح أمام المؤمنين به أبواب الخلود قال الإنجيل: “صَارَ آدَمُ الْإِنْسَانُ الْأَّوَلُ نَفْساً حَيَّةً، وَآدَمُ الْأَخِيرُ رُوحاً مُحْيِياً .,, الْإِنْسَانُ الْأَّوَلُ مِنَ الْأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الْإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ ; (1 كورنثوس 15: 45 ، 47). وقال يوحنا: في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان . والقرآن ناطق في عدد 45 بأنه كلمة منه وفي النساء 4: 171 يقول: كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وهذا يعني أنه كان موجوداً قبل أن يُحبَل به.
- 3 - وهنا خطأ لغوي، فالأصحّ أن يُقال قال له كن فكان .
- 4 - خُلق آدم من تراب، أما المسيح فهو روح الله وكلمته.
- 5 - عصى آدم وغوى، أما المسيح فكان باراً تقياً.
- 6 - القرآن يقول إن الله نفخ في آدم نسمة الحياة. ولكن المسيح لم تُنفخ فيه هذه النسمة، بل كانت في مريم، ثم أنه (المائدة 110) نفخ في الطين فصار طيراً!
- 7 - ألم يكن من الأبلغ أن يقول: إن مثل مريم عند الله كمثل آدم، كلاً نفخنا فيه من روحنا .
*****************************
حقه أم على قدر طاقتكم؟
“ا تَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ; (آية 102).
مع قوله “فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ; (التغابن 64: 16) أي على قدر طاقتكم.
لما قال محمد اتقوا الله حق تقاته . سألوه: يا رسول الله: ما حق تقاته؟ فقال: حق تقاته أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفَر. فقالوا: يا رسول الله، ومن يطيق ذلك؟ فانزعجوا لنزولها انزعاجاً عظيماً. ثم أتى بعد مدة بعبارة تؤكد حكمها. وهي قوله: وجاهدوا في الله حق جهاده . فكان عليهم أعظم من الأولى. ومعناها: اعملوا لله حق عمله. فكادت عقولهم تذهل (الطبري في تفسير آل عمران 3: 102). فلما رأى محمد ذلك، وكان ذا سياسة، نسخها بالعبارة التي في التغابن وهي فاتقوا الله ما استطعتم فكان هذا تخفيفاً.
*****************************
أخذ محمد أقوال النساء:
“وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ; (آية 140).
لما أبطأ محمد على النساء في وقعة أُحد، خرجن ليستخبرن، فإذا رجلان مقبلان على بعير. فقالت امرأة: ما فعل محمد؟ فقالا: حي. قالت: فلا أبالي. يتخذ الله من عباده الشهداء .
فأخذ محمد عبارتها وقال إنها وحي. فلم يقتصر على إيراد أقوال عمر في القرآن، بل أخذ أيضاً أقوال النساء (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية).
*****************************
أخذ محمد أقوال الصحابة:
“وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ; (آل عمران 144).
قال ابن عباس ومجاهد والضحّاك: لما نزل النبيُّ بأُحُد، أمر الرماة أن يلزموا أصل الجبل، وأن لا ينتقلوا عن ذلك سواء كان الأمر لهم أو عليهم، فلما وقفوا وحملوا على الكفار وهزموهم وقُتل صاحب لوائهم، حمل محمد مع أصحابه فهزموا أبا سفيان، فبادر قومٌ من الرماة إلى الغنيمة. وكان خالد بن الوليد صاحب ميمنة الكفّار، فلما رأى تفرُّق الرماة حمل على المسلمين فهزمهم وفرّق جمعهم وكثُر القتل في المسلمين، ورمى عبد الله بن قميئة الحارثي محمداً بحجر فكسر رباعيَّته وشجَّ وجهه، وأقبل يريد قتله، فذبَّ عنه مصعب بن عمير (وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أُحد) حتى قتله ابن قميئة، فظن أنه قتل محمداً، فقال: قد قتلت محمداً وصرخ صارخ: ألا إن محمداً قد قُتل! ففشا في الناس خبر قتله، فهنالك قال بعض المسلمين: ليت عبد الله بن أُبيّ يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان . وقال قوم من المنافقين: لو كان نبياً لما قُتل، ارجعوا إلى إخوانكم وإلى دينكم . فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك: يا قوم، إن كان محمد قد قُتل فإن ربَّ محمد لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعد محمد؟ قاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه . ثم قال: اللهم، إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء . ثم سلَّ سيفه فقاتل حتى قُتل. ومرَّ بعض المهاجرين بأنصاريٍّ يتشحَّط في دمه، فقال: يا فلان، أشعرت أن محمداً قد قُتل؟ فقال: إن كان قد قُتل فقد بلغ، قاتلوا على دينكم . ولما شُجَّ وجه محمد وكُسرت رباعيته، احتمله طلحة بن عبد الله، ودافع عنه أبو بكر وعلي ونفر آخرون معهم. ثم أن محمداً جعل ينادي ويقول: إليَّ عبادَ الله حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه، فلامهم على هزيمتهم، فقالوا: يارسول الله، فديناك بآبائنا وأمهاتنا. أتانا خبر قتلك فاستولى الرعب على قلوبنا فولَّينا مُدْبرين . ومعنى الآية وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل فسيخلو كما خلوا، وكما أن أتباعهم بقوا متمسِّكين بعد خُلوِّهم، فعليكم أن تتمسكوا بدينه بعد خلوّه، لأن الغرض من بعثة الرسل تبليغ الرسالة وإلزام الحجة، لا وجودهم بين أظهر قومهم أبداً (الرازي في تفسير آل عمران 3: 144).
هذا بالإضافة إلى أن هذه الآية كان قد قالها مصعب ابن عمير، حتى أن السيوطي يقول إن هذه الآية لم تُسمع إلا من مصعب، ثم بعد ذلك قال محمد إن الله أنزلها عليه (الإتقان في علوم القرآن - باب ما نزل من القرآن على لسان الصحابة).
********************************************************************************************************
الله ليس إله المسيحية واليهودية
سِلْسِلَةُ هِدَايَةِ المؤمنين للحق المبين العدد الرابع
نرجو من القراء قطع هذا الجزء من هذا العدد والأعداد التالية والإحتفاظ به هذا الكتاب للمؤمنين والمؤمنات بالرب يسوع المبارك العظيم الحكيم طبع بمصر سنة 1900م وكتبه المستشرقين وقد كان فى أربعة أجزاء ثم زيد إلى ستة ولكن اليوم آلاف من الأبحاث حول القرآن موجودة فى شبكة الإنترنت وننقل لكم هذا الكتاب لأن السيد المسيح أمرنا بتفتيش الكتب ونكون مستعدين كل حين لنجاوب حين يسألوننا
*************************
مذهب التناسخ:
“وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ; (آية 169).
قال ابن عباس إن محمداً قال لأصحابه: لما أُصيب إخوانكم بأُحد جُعلت أرواحهم في أجواف طيرٍ خُضرٍ ترِدُ أنهارَ الجنّة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظل العرش. فلما وجدوا طِيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون صنع الله لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكثوا عن الحرب. فقال الله: أنا أبلغهم عنكم. فقال: ولا تحسبنّ الخ (الطبري في تفسير هذه الآية).
راجع تعليقنا على النساء 4: 156.
*****************************
معجزات محمد:
“إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ; (آية 190).
قال ابن عباس: أتت قريش اليهود فقالوا: بم جاءكم موسى من الآيات؟ قالوا: عصاه، ويده بيضاء للناظرين. وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى؟ قالوا: يبرئ الأكمه والأبرص ويُحيي الموتى. فأتوا محمداً فقالوا: ادعُ لنا ربك يجعل الصفا ذهباً، فقال إن في خلق السموات... (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول آل عمران 3: 190).
وهو جواب عجز ومراوغة، فإنهم طلبوا منه أن يأتيهم بمعجزة كباقي الأنبياء الصادقين فلم يأتهم بذلك، بل حوَّل نظرهم إلى خلق السموات.
*****************************
- أهل الكتاب مؤمنون:
“وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ; (آية 199).
قال جابر بن عبد الله وأنس وابن عباس وقتادة: نزلت في النجاشي، وذلك لما مات نعاه جبريل لمحمد في اليوم الذي مات فيه، فقال محمد لأصحابه: اخرجوا فصلّوا على أخٍ لكم مات بغير أرضكم، فقالوا: من هو؟ فقال: النجاشي. فصلّى عليه وكبّر أربع تكبيرات واستغفر له. وقال لأصحابه: استغفروا له. فقال المنافقون: انظروا إلى هذا، يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط، وليس على دينه . فقال محمد: وإن من أهل الكتاب الخ. وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد: نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم (القرطبي في تفسير آل عمران 3: 199).
**********************************************************************************************
تعليقات على سورة النساء (4)
ضياع نصوص:
“وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ; (آية 3).
رُوي عن جعفر الصادق أنه سُئل في هذه الآية، ما بال الجواب فيها بعيداً عن الشرط لا تربطه مناسبة؟ فكان رده لقد سقط من بين الشرط والجواب حمل بعير من القرآن .
وقدَّم المفسرون آراء عجيبة حول هذه الآية. وننقل هنا ما رواه الرازي:
- 1 - قال أهل التحقيق فانكحوا ما طاب لكم من النساء لا يتناول العبيد، وذلك لأن الخطاب يتناول إنساناً متى طابت له امرأة قدر على نكاحها، والعبد ليس كذلك بدليل أنه لا يتمكن من النكاح إلا بإذن مولاه، ويدل عليه القرآن والخبر. أما القرآن فقوله “ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ; (النحل 16: 75) فقوله لا يقدر على شيء ينفي كونه مستقلاً بالنكاح. وأما الخبر فقوله أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر فثبت بما ذكرناه أن هذه الآية لا يندرج فيها العبد.
وذهب أكثر الفقهاء إلى أن نكاح الأربع مشروعٌ للأحرار دون العبيد. وقال مالك: يحلّ للعبد أن يتزوّج بالأربع وتمسّك بظاهر هذه الآية.
والجواب الذي يُعتمد عليه: أن الشافعي احتجّ على أن هذه الآية مختصَّة بالأحرار بوجهين آخرين سوى ما ذكرناه: أن القرآن قال بعد هذه الآية: فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم وهذا لا يكون إلا للأحرار، والثاني: أنه قال: فإنْ طبْنَ لكم عن شيءٍ منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً . والعبد لا يأكل ما طابت عنه نفس امرأته من المهر، بل يكون لسيده.
- 2 - ذهب قومٌ إلى أنه يجوز التزوّج بأيِّ عددٍ أُريد، واحتجّوا بالقرآن والخبر. أما القرآن فقد تمسكوا بهذه الآية من ثلاثة أوجه: (1) أن قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء إطلاق في جميع الأعداد، بدليل أنه لا عدد إلا ويصبح استثناؤه منه، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لكان داخلاً. (2) أن قوله مثنى وثلاث ورباع لا يصلح تخصيصاً لذلك العموم، لأن تخصيص بعض الأعداد بالذكر لا ينفي ثبوت الحكم في الباقي، بل نقول: إن ذكر هذه الأعداد يدل على رفع الحرج والحجْر مطلقاً.
فإذا ذكر بعض الأعداد بعد قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء كان ذلك تنبيهاً على حصول الإذن في جميع الأعداد.
(3) أن الواو للجمع المطلق، فقوله مثنى وثلاث ورباع يفيد حل هذا المجموع. وهو يفيد تسعة، بل الحق أنه يفيد ثمانية عشر، لأن قوله مثنى ليس عبارة عن اثنين فقط، بل عن اثنين اثنين وكذا القول في البقية.
**************************
وأما الخبر فمن وجهين:
(1) ثبت بالتواتر أن النبي مات عن تسع. ثم إن الله أمرنا باتّباعه فقال فاتبعوه وأقل مراتب الأمر الإباحة.
(2) كان التزوج بأكثر من الأربع طريقة النبي، فكان ذلك سنَّة له، ثم إنه قال فمن رغب عن سُنَّتي فليس منّي فظاهر هذا الحديث يقتضي توجيه اللوم على من ترك التزوّج بأكثر من الأربعة، فلا أقل من أن يثبت أصل الجواز (الرازي في تفسير النساء 3).
ولكن بعض الفقهاء قرَّروا الحَصْر، وبنوه على الخبر، وهو ما رُوي أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال الرسول: أمسك أربعاً وفارق باقيهن. وروي أن نوفل بن معاوية أسلم وتحته خمس نسوة، فقال الرسول: أمسك أربعاً وفارق واحدة .
**************************
إلى أجلٍ مسمَّى !
“فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ; (آية 24).
رُوي عن سعيد بن جبير: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمَّى وقال هذه قراءة أُبيّ بن كعب (كتاب المصاحف للساجستاني فصل مصحف أُبيّ). وأُبيّ هذا هو أحد الأربعة الذين أُخذ عنهم القرآن (البخاري باب جمع القرآن).
وهذه القراءة هي ما يستدل به الشيعة على إباحة زواج المتعة، وهو أن يتزوج الرجل بأيّ امرأةٍ لفترةٍ محدودة وبأجر محدّد دون عقد أو شهود (كتاب الفقه على المذاهب الخمسة الفقه الجعفري).
وإن كانت هذه القراءة صحيحة أو غير صحيحة. فهي تبين أن القرآن قد حُذف أو أُضيف إليه أشياء أثناء الجمع لأسباب يعلمها جامعوه.
**************************
ولا تتمنّوا
“وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ; (آية 32).
قال ابن عباس: أتت امرأةٌ للنبي، فقالت إنك تقول: للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل أفنحن في العمل هكذا؟ إذا عملت المرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة (أسباب النزول للسيوطي في النساء 4: 32). وقال المثنى: لما نزلت للذكر مثل حظ الأنثيين قال الرجال: إنّا لنرجو أن نزيد على النساء في الثواب كما في الميراث. وقالت النساء: لهم نصيبان من الذنوب، كما لهم نصيبان من الميراث (الطبري تفسير النساء 4: 32). فقال لهم محمد: ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض .
فهذا القول هو أشبه بأقوال الساسة لا الأنبياء، فهو يحاول أن يحلّ مشكلة كان هو السبب فيها نتيجة تفرقته بين الناس على أساس النوع، فالرجل عنده أفضل من المرأة، والمرأة أفضل من العبد المسلم، والعبد المسلم أفضل من الجارية المسلمة، والجارية المسلمة أفضل من الرجل الكتابي (يهودي أو مسيحي). (راجع كتاب أحكام أهل الذمة ابن القيّم).
**************************
واضربوهنّ :
“الرِّجَالُ قَّوَامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ; (آية 34).
جاءت امرأة إلى محمد تستعدي على زوجها أنه لطمها، فقال: القصاص، فأنزل الله الرجال قوَّامون على النساء (الآية) ، فرجعت بغير قصاص.
وأخرج ابن جرير من طُرُقٍ عن الحسن، وفي بعضها أن رجلاً من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص، فجعل محمد بينهما القصاص، فنزلت فتعالى اللهُ الملكُ الحقُّ، ولا تَعْجَلْ بالقرآنِ من قبل أن يُقضَى إليك وحيُه، وقُلْ ربِّ زِدْني عِلماً .وأخرج نحوه عن ابن جريج والسدي.
وأخرج ابن مردويه عن علي قال: أتى محمداً رجلٌ من الأنصار بامرأة له، فقالت: يارسول الله، إنه ضربني فأثّر في وجهي، فقال محمد ليس له ذلك. فأنزل الله الرجال قوَّامون على النساء (الآية).
فرض المنطق السليم على محمد أن يعاقب الرجل الذي اعتدى على زوجته. ولكن رغبته في إرضاء رجاله جعله يعكس المنطق السليم، معتمداً على ما جاءه من وحي .
**************************
لا تقربوا الصلاة :
“لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ; (آية 43).
روى أبو داود عن علي قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً، فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا. وحضرت الصلاة فقدَّموني (والقول لعلي) إماماً فقرأت قل يا أيها الكافرون نحن نعبد ما تعبدون فبلغ ذلك محمداً فقال إن الله أنزل عليه لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول النساء 4: 43).
وهذا القول لا يصل إلى درجة الوحي، فهو مجرد خبر. ولنفرض أن جاءك أُناس وقالوا: لقد ذهبنا للعمل ونحن سكارى فتشاجرنا مع رؤسائنا، فقلتَ لهم لا تذهبوا للعمل وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تفعلون. فهل هذا وحي؟
**************************
التيمُّم:
“فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ; (آية 43).
قال البخاري: عن عائشة، قالت خرجنا مع النبي في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول الله على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر، ورسول الله واضعٌ رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبسْتِ رسول الله والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرُّك إلا مكان رأس رسول الله على فخذي. فقام رسول الله على غير ماءٍ حين أصبح، فأنزل الله آيةَ التيمُّم، فتيمموا. فقال أُسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه فوجدنا العقد تحته. وقد رواه البخاري أيضاً عن قتيبة عن اسماعيل، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك (ابن كثير في تفسير النساء 4: 43).
فهذا الأمر لا يخرج عن كونه مهادنة للناس من أجل خاطر عائشة، فكان كلما حدثت متاعب بسببها عمل جبريل على إرضاء الناس عليها.
**************************
علامَ يحسدون محمداً؟
“أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ; (آية 54).
قال ابن عباس: قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أُوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة، وليس همُّه إلا النكاح، فأي مَلِك أفضل من هذا؟ فقال محمد: أم يحسدون الناس (أسباب النزول للواحدي سبب نزول النساء 4: 54). فقولهم لم يكن حسداً بل كان مجرد انتقاد، فإنهم رأوا أن صفات الأنبياء الصادقين غير منطبقةعلى صفاته، فردَّ عليهم موافقاً على ما قالوه فيه، مدَّعياً أن كثرة النساء من فضل الله.
**************************
غير أوليا لضرر :
“لَايَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; (آية 95).
قال زيد بن ثابت: أملى عليَّ محمد: لا يستوي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ والمجاهدونَ في سبيلِ الله . فجاءهُ ابنُ أُم مكتومٍ وهو يُمِلُّها. قال: يارسولَ اللهِ، واللهِ لو أستطيعُ الجهادَ لجاهدتُ. وكان أعمى فأنزلَ اللهُ على محمد وفخذُهُ على فخذي، فثَقُلَتْ عليَّ حتى خِفْتُ أن تَرُضَّ فَخذِي. ثم سُرِّيَ عنه فأنزلَ اللهُ: غيرَ أُولِي الضرَرِ . وقال البَرَاء: لما نَزَلَتْ: لا يستوِي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ دعا محمد زيداً فكتبها. فجاء ابن أم مكتومٍ فَشَكا ضرارَتَهُ، فأنزلَ اللهُ غيرُ أُولِي الضَّرَرِ . وقال البَرَاء: لما نزلت: لا يستوي القاعدونَ من المؤمنينَ قال محمد: ادْعُوا فُلاناً. فجاءهُ ومعهُ الدَّواةُ والَّلوحُ أو الكَتِفُ، فقال: أكْتُبْ: لا يَستَوِي القاعدونَ من المؤمنينَ والمجاهدونَ في سبيل اللهِ، وخَلْفَ النبي ابنُ اُم مكتُومٍ، فقال يارسولَ اللهِ أنا ضَريرٌ. فنزَلَتْ مكانَها: لا يَستَوي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ غيرُ أولي الضرر، والمجاهدونَ في سبيل الله . (أخرجه البخاري والسيوطي في أسباب نزول النساء 95).
ونحن نسأل: ألم يكن الله عارفاً بابن أم مكتوم وأمثاله من المعوَّقين، فيُنزل على محمد آية مُحكمة، لا تحتاج أن يكملها ابن أم مكتوم؟ وهل كانت التكملة في اللوح المحفوظ، أم هي من إنشاء الأعمى؟
**************************
خصيم الخائنين:
“وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً ; (أي: مدافعاً عنهم) (آية 105).
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يُقال له طعمة، سرق درعاً من جار له يُقال له قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرْقٍ في الجراب حتى انتهى إلى داره، ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له زيد بن المين، فالتُمِسَت الدرع من عند طعمة، فحلف بالله ما أخذها وما له به من علم، فاتَّبع أصحاب الدرع أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي، فأخذوها منه. فقال اليهودي: دفعها إليَّ طعمه. وشهد بذلك جماعة من اليهود. وجاء قوم طعمه وسألوا محمداً أن يجادل عن صاحبهم طعمه. فهمَّ محمد أن يقطع يد اليهودي بلا حق. وهرب طعمه لمكَّة وارتد بعد ذلك. ولما رأى محمد ما حدث قال إن الله أنزل عليه: ولا تكن للخائنين خصيماً (الكشاف في تفسير النساء 4: 105 ، 106).
**************************
قتلنا رسول الله :
“وَقَوْلِهِمْ ;(أي اليهود) ; إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ; (آية 157).
- 1 - لقد قوَّل القرآن اليهود ما لم يقُولُوه، فمن المفترض (عقلاً ومنطقياً) أن اليهود لم يقولوا إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله فلو أنهم اعتقدوا أنه رسول الله لما صلبوه وقتلوه.
- 2 - أليس من المنطقي أن الصلب يسبق القتل؟ فكان الأصوب أن يقول وما صلبوه وما قتلوه .
- 3 - صلب المسيح حادثة حقيقية مؤيَّدة بالنبوات والتواريخ والمؤرخين اليهود والرومان من أمثال فيلو ويوسيفوس فكيف ينكرها القرآن بعد 600 سنة من حدوثها، والبيّنة على من ادَّعى؟
- 4 - ناقض القرآن نفسه، فهو يقول ما قتلوه ولكنه يقول إني متوفِّيك (آل عمران 3: 55) ويقول فلما توفَّيتني (المائدة 5: 117) و يقول السلام عليَّ يوم وُلدت ويوم أموت (مريم 19: 33).
- 5 - ونقول إن قتلوه ترجع لليهود. فلماذا ينكر المسلمون تاريخية الصليب؟ ولماذا لا يكون المعنى أن اليهود صلبوا المسيح فعلاً (تاريخياً). ولكن لم يصلبوه أثراً، أي لم تتحقق لهم النتيجة المرجوَّة من صلبه وهي اندثار دعوته. إن القرآن نفسه يعترف بقتل بعض الناس دون أن يعترف بوفاتهم، فيقول: “وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ; (البقرة 2: 154).
(6) انظر تعليقنا على آل عمران 55
**************************
الوحي للأسباط:
“وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعَقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ... ; (آية 163).
- 1 - نسب القرآن إلى الأسباط (أبناء يعقوب) وحياً. ونحن لا نعلم ما هو. والقرآن نفسه ينسب لهم في يوسف 12: 8 10 عدّة خطايا لا تخرج من مؤمنين، فما بالك بالأنبياء (وقد تحدثنا عما نُسب إليهم تفصيلاً في الجزء الأول من هذه السلسلة). فهل يُعقل أن الله يتَّخذ مثل هؤلاء أدواتٍ لتبليغ رسالته؟
- 2 - في الآية لم يُراعَ الترتيب التاريخي للأنبياء، فذكر المسيح قبل أيوب ويونس، ثم ذكر هارون وسليمان، ثم عاد لداود دون أي انسجام في ترتيب الأسماء.
**********************************************************************************************
تعليقات على سورة المائدة (5)
جبريل والكلاب:
“يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ; (آية 4).
روى الطبري بسنده عن أبي رافع قال: جاء جبريل إلى محمد يستأذن عليه فأُذن له فلم يدخل، فقال: قد أذنّا لك. فقال جبريل: أجل. ولكنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب، قال أبو رافع: فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة، ففعلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها، فتركته رحمةً لها. ثم جئتُ إلى محمد فأخبرته، فأمرني بقتله. فأتى عاصم بن عدي وعويم بن ساعده وسعد بن خيثمة وقالوا له: إنَّا قومٌ نصيد بالكلاب وبالبُزاة، وإن كلاب آل ذريح تصيد البقر والحمير والظباء، فماذا يحلّ لنا؟ فسكت، ثم قال: أُحلّ لكم... . قال: كلب الصيد وكلب الماشية، بعد أن قتل الجميع (الطبري في تفسير المائدة 5: 4).
نقول: (1) لو افترضنا أن هذا الرأي صحيح وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، فكيف يتفق هذا مع ما جاء في الكهف 18: 18 ونقلِّبُهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه ؟ فكيف كانت الملائكة تقلّبهم في أثناء وجود الكلب؟
(2) كانت الكلاب في المدينة بل في بيت محمد قبل هذا الوقت، فكيف كان يأتيه جبريل بالوحي؟ إما أن الذي كان يأتيه قبل قَتل الكلاب غير جبريل، أو أن هذه الأمور كلها أوهام، فإن جبريل كان يأتي أنبياء العهد القديم والعهد الجديد ولم يأمر بقتل كلب ولا كلاب!
**************************
منصوبة أم مجرورة؟
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ; (آية 6).
في القرآن كثير من الاختلافات الناشئة عن القراءات. قال العلماء: تعارُض القراءتين بمنزلة تعارض الآيتين، وهذه الآية مثال لذلك. فقوله وأرجلكم قُرئت بالنصب والجر، ولهذا جمع بينهما، فحمل النصب على الغسل، والجر على مسح الخف. فالقراءات هي من أعظم الاختلافات والمناقضات، فإن المعنى ينعكس بها، وتترتَّب عليها أحكام متناقضة. ومع هذا فالقرآن مشحون منها. قال السيالكوتي وحسن جلبي في الحاشية على المواقف من الجزء الثاني: يوجد في القرآن من الاختلافات ما يزيد على اثني عشر ألفاً كما تسمع أصحاب القراءات يتلونها عليك (أنظر الفصل الرابع من القسم الأول من هذا الكتاب). (القرطبي في تفسير الآية).
**************************
الاثنا عشر نقيباً:
“وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الّزَكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَّزَرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ; (آية 12).
قال المفسرون إن الله عز وجل وعد موسى أن يورثه وقومه الأرض المقدسة (وصوابه إن الله وعد إبراهيم) وكان يسكنها الكنعانيون والجبارون، فأمر الله موسى أن يسير ببني إسرائيل للاستيلاء عليها، ووعده بالنصر، وأمره أن يأخذ من قومه اثني عشر نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء منهم على ما أُمروا به. فاختار موسى النّقباء وسار ببني إسرائيل حتى قربوا من أريحا، فبعث هؤلاء النقباء يتجسّسون له الأخبار. فلقيهم رجلٌ يُقال له عوج بن عنق، وكان طوله 3330 ذراعاً وثلث ذراع (هكذا نقله البغوي) وفيه نظر لأن آدم كان طوله (على ما ورد في الأحاديث الصحيحة) ستين ذراعاً. وكان عوج يحتجز بالسحاب ويشرب من مائه، ويتناول الحوت من قعر البحر ويشويه في عين الشمس. ومن خرافاتهم أنه اقتلع الصخرة من الجبل على قدر عسكر موسى، وكانت فرسخاً في فرسخ، وحملها على رأسه ليطبقها عليهم، فبعث الله الهدهد فنقب الصخرة وقوّرها بمنقاره، فوقعت في عنق عوج فصرعته، فقتله موسى النبي. ولما لقي عوج النقباء عزم على طحنهم برجله، ولكن أخبرته امرأته أن يتركهم ليرجعوا ويخبروا قومهم بما رأوا، فرجعوا وأزعجوا قومهم ما عدا يوشع وكالب (الطبري في تفسير المائدة 5: 12).
وتذكر التوراة القصة في سفر العدد 13 فتقول: إن موسى أرسل اثني عشر رجلاً من بني إسرائيل ليتجسسوا أرض كنعان، فذهبوا إليها وتجسسوها، وأفادوا أنها أرض تفيض لبناً وعسلاً كناية عن خصبها. غير أن سكانها أشدَّاء ومدنها حصينة، فضعفت عزيمتهم. أما يشوع بن نون وكالب بن يفنة فسكّنا روع بني إسرائيل، ولكنهم زادوا هياجاً واضطراباً. وضرب الله عشرة من الذين أثبطوا همة الشعب بالوبأ.
**************************
بنو إسرائيل وأرض كنعان:
“قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ; (آية 22). وفي (عدد 24) “يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ .
قال المفسرون إن اليهود قالوا هذه المقالة لأن مذهبهم التجسيم، فكانوا يجوّزون الذهاب والمجيء على الله (أي أنهم يعتقدون أن لله جسماً، وهو افتراء محض عليهم).
قال بعض علماء الإسلام: إن كانوا قالوا هذا على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فهو كفر، وإن كانوا قالوه على وجه الخلاف لأمر الله وأمر نبيه موسى فهو فسق. وقال بعضهم: قالوهعلىوجه المجاز، والمعنى اذهب أنت، وربك معين لك . ولكن قوله: فقاتلا يفسد هذا التفسير. وقال بعضهم: أرادوا بقولهم وربك أخاه هارون لأنه كان أكبر من موسى. قالوا والأصح أنهم قالوا ذلك جهلاً منهم بالله وصفاته. وقد ورد قوله: “وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ; (الأنعام 6: 91) (الطبري القرطبي الرازي في تفسير الآية).
ونقول إن القول الحق الذي يغني عن هذا التأويل والتكلّف هو أن بني إسرائيل لم يقولوا لموسى لا ندخل أرض الموعد ما لم تُخرِج أهلها، ولم يقولوا فاذهب أنت وربك فقاتلا. نعم تذمّروا على موسى وقالوا له: ليتنا متنا في مصر أو في القفر . وقال بعضهم بإقامة رئيس لإرجاعهم إلى مصر، وكاد الله أن يلاشيهم. غير أن موسى صلى للرب صلاة طويلة بأن لا يؤاخذ بني إسرائيل على شرِّهم وعنادهم. وأمات الله الرجال العشرة الذين بثّوا الرعب (العدد أصحاح 13 ، 14).
**************************
قايين وهابيل:
لما قتل قايين أخاه هابيل، بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سَوْأة أخيه. قال: “يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ; (آية 31).
روى ابن أبي حاتم لما أراد أن يقتله أخذ برأسه وجعل يغمز رأسه وعظامه ولا يدري كيف يقتله. فجاءه إبليس فقال: أتريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه. فأخذها وألقاها عليه فقتله. ثم جاء إبليس إلى حواء وقال لها إن قابيل قتل هابيل، فقالت له: ويحك، وأي شيء يكون القتل؟ قال: لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك. فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم، فقال: مالك؟ فلم تردّ. فقال: عليك الصيحة وعلى بناتك وأنا وبنيَّ منها براء.
فلما قتل قابيل هابيل تركه في العراء، ولم يدْرِ ما يصنع به، لأنه أول ميت من بني آدم على وجه الأرض، فقصدته السِّباع لتأكله، فحمله قابيل على ظهره في جرابٍ أربعين يوماً، وقال ابن عباس سنة، حتى أرْوَح وأنْتَن. فأراد الله أن يُري قابيل سُنّته في موتى بني آدم في الدفن، فبعث غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه حفيرة ثم ألقاه فيها وواراه بالتراب، وقابيل ينظر. فهذا معنى قوله فبعث الله غراباً (ابن كثير تفسير المائدة 5: 31).
أما قوله قابيل فصوابه قايين، ثم إن مراعاة القرآن للسجع مقدَّمةٌ عنده على الحقائق، فقال قابيل لأنه على وزن هابيل، كما قال طالوت لأنه على وزن جالوت.
وقول القرآن إن الغراب علّم قايين كيفية دفن أخيه مأخوذ من خرافات اليهود القديمة. وهل نتصوّر أن قايين كان يجهل هذا الأمر وقد كان يرى مدة حياته الذبائح تُقدّم لله؟ وهل يُعقل أنه لم يرَ في مدة حياته الطويلة أن دفن الطير أو الحيوان في الأرض ومواراته في التراب يكون واقياً للإنسان من رائحته المنتنة الكريهة، وقد أتى الله الإنسان عقلاً به يعقل ويدرك؟ وكتاب الله لا يتكلم عن هذه الخرافة
**************************
القرآن مصدّق على التوراة والإنجيل:
“وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَا لْمُؤْمِنِينَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَا حْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ; (آيات 43 - 48).
قال الزمخشري: يحكم بها النبيون أي الأنبياء بين موسى والمسيح وهم ألف نبي (الكشاف في تفسير 5: 43). نقول: وهذا ظاهر البطلان، فالمدة بين المسيح وموسى ألف وستمائة عام، فكيف يكون فيها ألف نبي؟
وقال النسفي: لما بين يديه أي لِما تقدمه. وقوله مهيمناً عليه شاهداً عليه، لأنه يشهد له بالصحة والثبات. فالقرآن لم يقل ما صدّقته فصدّقوه، وما كذّبته فكذّبوه، وما سكتُّ عنه فلا تصدّقوه ولا تكذّبوه .
بل قال: من لم يحكم بالتوراة والإنجيل فهم الكافرون والظالمون والفاسقون .
وقال محمد: أنا أول من أُحيي أمر الله وكتابه أي التوراة والإنجيل (النسفي في تفسير المائدة 5: 43 48).
ومحمد هو الذي وضع التوراة على الوسادة وقال: آمنتُ بك وبمن أنزلك
(تفسير ابن كثير على المائدة 43 48 وسنن أبي داود حديث رقم 4449).
ولما كان حضّه لأهل الكتاب على إقامة شريعتهم يُغني عن القرآن وعن رسالته قال: لكلٍ جعلنا منكم شِرْعة ومِنهاجاً، ولو شاء لجعلكم أمةً واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم . قال المفسرون: لكل أمة شريعة، فللتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة يحلّ الله عز وجل فيها ما يشاء. وكل عبارة دلّت على عدم التباين فهي دالة على أصول الدين من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسُله واليوم الآخِر، وكل ذلك جاءت به الرسل من عند الله ولم يختلفوا فيه. وأما العبادات الدالة على حصول التباين بينهم فمحمولة على الفروع وما يتعلق بظواهر العبارات. فجائز، أن يتعبّد الله عباده في كل وقت بما يشاء. وقوله لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً يدل على أن كل رسول جاء بشريعة خاصة، فلا يُلزِم أمةَ رسولٍ الاقتداءَ بشريعةِ رسولٍ آخر . (الخازن جزء أول).
ونحن نختلف مع هذا المبدأ، لأن طريقة الخلاص واحدة في التوراة والإنجيل، وفحواها واحد.
**************************
إن الصابئون:
“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ; (آية 69).
وورد في البقرة 2: 62 “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى ;، وكذلك في الحج 22: 17.
فهل الصابئون صحيحة أم الصابئين ؟ هنا ثلاث آيات بنفس النصّ تقريباً ووردت كلمة الصابئون في نفس الموقع الإعرابي في سورة المائدة والحج، ورغم ذلك رُفعت هنا ونُصبت في الموضعين الآخرين، فكيف رُفعت هنا وهي اسم إن ومعطوفة على منصوب؟
**************************
ما هي الطيبات؟
“لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ; (آية 87).
روى البخاري عن عبد الله قال: كنا نغزو مع النبي وليس معنا نساء، فقلنا له: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ورخَّص لنا بعد ذلك أن نتزوّج المرأة بالثوب، ثم قرأ لا تحرموا... (البخاري كتاب تفسير المائدة). فكما ترى أن محمداً كان يُبيح لأصحابه أشياء غريبة كهذا الحديث الذي أباح لهم فيه زواج المتعة، الذي قال عنه كثيرون إنه زنا. ثم تراه يقول لهم إن هذا هو طيّبات ما أحلّ الله.
**************************
أسئلة بلا إجابات:
“لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ; (آية 101).
لما رأى محمد أن أصحابه بدأوا يسألونه أسئلةً لا يجد عنده لها جواباً، خشي من ذلك فقال إن الله أنزل عليه قوله لا تسألوا... .
**************************
مائدة المسيح:
“إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَّزِلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الَّلهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَاِئدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَّوَلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَّزِلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ ; (آيات 112 - 115).
ورد في الحديث أن محمداً قال: أُنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً، وأُمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا لغدٍ، فخانوا وادَّخروا ورفعوا لغدٍ، فمُسخوا قردةً وخنازير . أخرجه الترمذي. وقال ابن عباس: إن عيسى قال لهم صوموا ثلاثين يوماً ثم اسألوا الله ما شئتم يعطيكموه، فصاموا. فلما فرغوا قالوا: يا عيسى إنّا لو عملنا عملاً لأحدٍ فقضينا عمله لأطعمنا، وسألوا المائدة. فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعوها بين أيديهم، فأكل منها آخرُ الناس كما أكل أوَّلُهم. وقيل نزلت سفرةٌ حمراء بين غمامتين فأكل منها 1300 من أهل الفاقة والمرض البرص والجذام والمقعَدين فشُفوا مما بهم، وغير ذلك (ابن كثير في تفسير المائدة 5: 112 - 115).
وحقيقة القول إنه لما أبصرت الجماهير معجزات المسيح الباهرة تبعه جمع كثير إلى بحيرة طبرية. وكان مع غلام خمسة أرغفة شعير وسمكتان، فأخذها المسيح وباركها، فأكل منها خمسة آلاف شخص، وجمعوا مما بقي اثنتي عشرة قفة من الكِسر التي فضلت عن الآكلين (يوحنا 6: 1-15).
(1) فلم يطلب الرسل من المسيح أن يُنزّل عليهم مائدة من السماء ليأكلوا وتطمئن قلوبهم، ولم تنزل هذه المائدة وكان فيها اللحم والخبز.
(2) المائدة التي نزلت من السماء نزلت على الرسول بطرس، وكانت الغاية منها أن يعلّمه الله أن دعوة الإنجيل عامة (أعمال الرسل 10). هذا بالإضافة إلى أنها لم تكن مائدة حقيقية، بل كانت رؤيا رآها الرسول بطرس.
تعليقات على سورة الأنعام (6)
يكتمون أو لا يكتمون؟
“ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ; (آيتا 22 ، 23).
قال عبد الرازق في تفسيره: جاء رجلٌ إلى ابن عباس فقال: رأيت أشياء مختلفاً عليّ من القرآن . قال ابن عباس: هات ما اختلف عليك من ذلك . قال: أسمع القرآن يقول: ثم نقول للذين أشركوا: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: واللهِ ربِّنا ما كنا مشركين مع أنه ورد في النساء 4: 42 “يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَّوَى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ; مع أنهم كتموا ففي العبارة الأولى قال إنهم كتموا، وفي العبارة الثانية قال إنهم لا يكتمون. فأجاب ابن عباس بما حاصله أنهم يكتمون بألسنتهم، فتنطق أيديهم وجوارحهم (الطبري في الأنعام 6: 23 والرازي في النساء 4: 42).
**************************
أبو إبراهيم:
“وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ; (آية 74).
والصواب أن أبا إبراهيم هو تارح (التكوين 11: 26). وقال محمد بن اسحق والكلبي والضحاك: اسم أبي إبراهيم وهو تارح، ضبطه بعضهم بالحاء المهملة، وبعضهم بالخاء المعجمة (ابن كثير في تفسير الأنعام 6: 74). والحقيقة هي تارح فقط، فإن الواجب أخذ هذه الأسماء من الأمة اليهودية ومن التوراة.
وقال أهل السيرة: آزر هو اسمٌ كان ينادي به إبراهيم أباه، بمعنى يا شيخ أو يا مخرِّف. وإن اسم أبي إبراهيم هو تارح. وقالوا إنه كان له اسمان، وغير ذلك كثير (قصص الأنبياء عبد الوهاب النجار فصل قصة إبراهيم).
ولا يُفهم من التوراة أن إبراهيم كان يعبد الأصنام، بل العكس. والدليل على ذلك قول التكوين 11: 31 : ; وَأَخَذَ تَارَحُ أَبْرَامَ ابْنَهُ، وَلُوطاً بْنَ هَارَانَ ابْنَ ابْنِهِ، وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَأَةَ أَبْرَامَ ابْنِهِ، فَخَرَجُوا مَعاً مِنْ أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتُوا إِلَى حَارَانَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ “والظاهر أنهم هاجروا من وطنهم لأنهم تضايقوا من تمادي قومهم على عبادة الأصنام واقتراف الرذائل، فلو لم يكن تارح رجلاً تقياً يخاف الله لما ترك وطنه وهو عزيز عنده. ولو لم يكن تارح تقياً لما أطاع الأمر الإلهي. فطاعته من أقوى الأدلة على معرفته بالإله الحي الحقيقي.
**************************
إبراهيم والكواكب:
“فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ; (أي على إبراهيم) ; اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ; (آيات 76 - 78).
ولمفسّريهم في هذه الأقوال آراء شتى:
(1) فمنهم من قال إن إبراهيم قال هذا القول قبل البلوغ، أي في حال طفوليته قبل قيام الحجة عليه. واستدل أصحاب هذا من القول: لئن لم يهدني ربي لأكوننّ من القوم الضالين . وهذا يدل على تحيُّر. وقيل إن كلامه هذا كان بعد بلوغه، وفسَّروا عبارة القرآن بأن إبراهيم أراد أن يعرّفهم جهلهم وخطأهم في تعظيم النجوم وعبادتها، بأن أراهم النقص الداخل عليها بسبب الأفول.
(2) قالوا إنه قال هذا القول على سبيل الاستفهام، وهو استفهامٌ استنكاري. وإسقاط حرف الاستفهام كثير في كلام العرب.
(3) إنه قال هذا على وجه الإحجاج، كأنه قال لهم: لو كان إلهاً كما تزعمون لما غاب.
وغير ذلك من الأوجه التي اعتذروا بها عن وقوع إبراهيم في عبادة الكواكب (الرازي في تفسير الأنعام 6: 76 - 78).
والقول الحق الذي يغني عن كثرة التفسير هو الوارد في التوراة، من أن إبراهيم كان يعبد الله، وكذلك كان والداه. وكانوا من شعب الله المعترفين بوحدانيته المطيعين لأوامره، فلا يقول إبراهيم الذي تربَّى في مخافة الله عن الكواكب إنها ربه، حتى وإن قصد إقناعهم ببُطلان معبودهم، فإنه توجد طرق كثيرة لإدراك المقصود بغير هذه الطريقة.
أسماء الأنبياء:
“وَوَهَبْنَا (لإبراهيم) ; لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ; (آيات 84 - 86).
المطّلع على الكتاب المقدس يرى أن محمداً يجهل أزمنة ظهور هؤلاء الأنبياء الكرام، ولذا قدّم المتأخر وأخّر المتقدّم، فكان ذكره لهم في غاية التشويش. هذا فضلاً عن أخطائه في أسمائهم فيحيى صوابه يوحنا، وإلياس صوابه إيليا، واليسع صوابه إليشع، ويونس صوابه يونان.
كاتب محمد:
“وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ; (آية 93).
قالوا: المراد بالقسم الأول من هذه العبارة مسيلمة الكذّاب، والمراد بالقسم الثاني عبد الله بن أبي سَرْح الذي كان يكتب الوحي لمحمد، ثم ارتدّ ولَحِق بالمشركين. وسبب ذلك فيما ذكر المفسرون أنه لما نزلت المؤمنون 23: 12 “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ; دعاه النبي فأملاها عليه، فلما انتهى إلى قوله “ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ; (المؤمنون 23: 14) عَجِب عبد الله في تفصيل خلق الإنسان فقال: “تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ! ; (المؤمنون 14). فقال محمد: هكذا أُنزلت عليّ . فشكّ عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقاً، لقد أُوحي إليّ كما أُوحي إليه، ولئن كان كاذباً لقد قلتُ كما قال. فارتدّ عن الإسلام ولحِق بالمشركين، فذلك قوله: ومن قال سأُنزل مثل ما أنزَل الله رواه الكلبي عن ابن عباس. وذكره محمد بن إسحاق، قال: حدّثني شرحبيل قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرْح ومَنْ قال سأُنزل مثل ما أنزَل الله ارتدّشّعن الإسلام، فلما دخل محمد مكة أمر بقتله وقتل عبد الله بن خَطَل ومِقْيَس بن صُبَابة ولو وُجدوا تحت أستار الكعبة، ففرّ عبد الله بن أبي سرح إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة، أرضعت أمُّه عثمانَ، فغيّبه عثمان حتى أتى به إلى محمد بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له، فصمَت طويلاً ثم قال: نعم . فلما انصرف عثمان قال محمد: ما صَمَتُّ إلا ليقوم إليه بعضُكم فيضربَ عُنُقَه . فقال رجل من الأنصار: فهلاّ أومأتَ إليَّ؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين (القرطبي في تفسير الأنعام 6: 109).
ولقد كان عبد الله معذوراً في ترك محمد فإنه ساعد محمداً في أقواله، بل كان يأخذ جُملاً برُمّتها ويضعها في القرآن ويقول إنها وحي، فقال: إذا كان الوحي بهذه الصفة فأنا أكون نبياً أيضاً، لأنني ساعدته على تأليفه . وشهادة عبد الله مهمة لأنه كان كاتباً له، عاشره وعرف أسراره، وتأكد أن تأليف عبارات القرآن لم يكن بطريقةٍ خارقةٍ للعادة بل كان بطريقة عادية، وإلا لما أخذ محمد أقواله ووضعها في القرآن! كما أن أسلوب عبد الله يشبه أسلوب القرآن، فأين إعجاز القرآن؟!
معجزات محمد:
“وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ ; (آية 109).
قالت قريش: يا محمد إنك تخبرنا أن موسى كانت له عصا يضرب بها الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عيناً، وتخبرنا أن عيسى كان يُحيي الموتى، وأن ثمود لهم الناقة. فأْتنا بآيةٍ حتى نصدّقك ونؤمن بك . فقال محمد: أي شيء تحبون؟ قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً، وابعث لنا بعض موتانا نسألهم عنك أحقٌّ ما تقول أم باطل، وأرِنا الملائكة يشهدون لك . قال محمد: إن فعلتُ بعضَ ما تقولون أتصدقونني؟ قالوا: نعم. والله لئن فعلتَ لنتبعنَّك أجمعين . وسأل المسلمون محمداً أن يُنزِلها عليهم حتى يؤمنوا، فقام محمد وجعل يدعو الله أن يجعل الصفا ذهباً. فجاءه جبريل فقال: ما شئت إن شئت أصبح ذهباً، ولكن إن لم يصدّقوك لنعذبنَّهم. وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم . فقال محمد: بل يتوب تائبهم . (الطبري في تفسير الأنعام 6: 109).
فجميع الأنبياء كانوا يعملون المعجزات الباهرة ثم يطلبون من الناس أن يصدِّقوا رسالتهم، ولم يقتفِ محمدٌ أثرهم. ولما طلبوا منه أن يعمل معجزةً كموسى أو عيسى أو غيرهما قال: إنكم لا تؤمنون .
- تعليقات على سورة الأعراف (7)
سقوط آدم:
من قارن بين ماورد في الأعراف 7: 20 - 23 وما ورد في التوراة عن سقوط آدم وجد أخطاءً كثيرة في القرآن. قال القرآن إن الشيطان قال: “مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ .
والتوراة تعلّمنا أن الشيطان اختلى بحواء واستفهم منها بمكره وغدره عن الشجرة ثم قال لحواء: إنكما إذا أكلتما منها تكونان كالله ذاته وتعرفان الخير والشر.
ومن أخطائه قوله إن الله قال لآدم وحواء: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة؟ وإنها أجابا: ربنَّا ظلمنا أنفسنا، وإنْ لم تغفرْ لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين . مع أن التوراة أفادت أنه لما أكل آدم وامرأته من الشجرة اختبئا. “فَنَادَى الرَّبُّ الْإِلهُ آدَمَ: أَيْنَ أَنْتَ؟ . فَقَالَ: سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لِأَنِّي عُرْيَانٌ فَا خْتَبَأْتُ . فَقَالَ: مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لَا تَأْكُلَ مِنْهَا؟ فَقَالَ آدَمُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ ; (تكوين 3: 8 - 20).
ريشاً ولباس التقوى :
“يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ; (آية 26).
تُرى ما هو ذلك اللِّباس الذي يواري السوءات؟ وما هو الريش ولباس التقوى؟ إنه خيرٌ. إنه من آيات الله. ولكن القرآن لا يشرح لنا شيئاً عنه، مع أنه في غاية الأهمية لسَتْر الإنسان الذي أزلَّه الشيطانُ وعرَّاه وفضَحَه! ولكن حسناً نصح القرآن أصحابه: فا سْألوا أهل الذِّكر إن كنتُم لا تعلمون (النحل 16: 43). فإن سفر التكوين في التوراة يقول لنا إن آدم وحواء لم يُفلِحا في سَتْر نفسيهما وهما يَخْصِفان عليهما من ورق الجنَّة، فصنع الربُّ الإلهُ لآدمَ وامرأته أقمصةً مِن جلدٍ وألبسهما (تكوين 3: 21). إذاً كانت هناك ذبيحةٌ سُفك دمها وأُخِذ جِلْدُها لستر آدم وحواء. لقد فداهما الله بذبحٍ عظيم لأنّه بدون سَفْك دمٍ لا تحصل مغفرة (الصافات 37: 107 والعبرانيين 9: 22). وهذا رمزٌ للمسيح المخلِّص الآتي الذي هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يوحنا 1: 29 ، 36). ويقول نبيُّ الله إشعياء في التوراة: فرحاً أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي. لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر (إشعياء 61: 10).
(انظر تعليقنا على البقرة 2: 37).
يأمر بالفحشاء!
“إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ; (آية 28) مع أنه ورد في (الإسراء 17: 16) أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها . ولتبرير ذلك قال علماء الإسلام: الأولى في الأمر الشرعي، والثانية في الأمر الكوني، بمعنى القضاء والقَدَر.
هود وعاد:
وَإِلَى عَادٍ (أرسلنا) ; أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ 66 قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ... قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَّزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَا نْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ; (آيات 65 و66 و 70 - 72).
قال مفسِّرو المسلمين كلاماً طويلاً في عاد وهود، وملخّص أقوالهم إن هوداً هو ابن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح. وقيل هو شالح بن أرفخشد بن سام بن عم أبي عاد. وكان قوم عاد يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم هوداً فكذّبوه وازدادوا عتوّاً، فأمسك الله المطر عنهم ثلاث سنين حتى جَهِدَهم. وكان الناس حينئذ مُسْلمهم ومُشركهم إذا نزل بهم بلاءٌ توجّهوا إلى البيت الحرام وطلبوا من الله الفرج، فجهزوا إليه، قيل بن عثر ومرثد بن سعد في سبعين من أعيانهم. وكان إذ ذاك بمكة العمالقة أولاد عماليق بن لاوذ بن سام، وسيدهم معاوية بن بكر. فلما قدموا عليه وهو بظاهر مكة أنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره، فلبثوا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قِينتان له. فلما رأى ذهولهم بالله عما بُعثوا له أهمَّهُ ذلك واستحَى أن يكلّمهم فيه مخافة أن يظنّوا به ثقل مقامهم، فعلَّم القِينتين:
لا يا قيلُ ويحك قم فهينم لعل الله يسقينا الغماما
فيسقي أرض عادٍ إن عاداً قد أمسوا ما يُبينون الكلاما
حتى غنّتا به، فأزعجهم ذلك. فقال مرثد: والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيّكم وتُبتم إلى الله سُقيتم . فقالوا لمعاوية: احبسه عنا. لا يَقْدُمنّ معنا مكة، فإنه قد اتّبع دين هود وترك ديننا . ثم دخلوا مكة فقال قيل: اللهم اسق عاداً ما كنتَ تسقيهم . فأنشأ الله سحابات ثلاثاً بيضاء حمراء وسوداء، فناداه منادٍ من السماء: يا قيل، اختر لنفسك ولقومك فقال: اخترت السوداء فإنها أكثرهنّ ماء، فخرجت على عاد من وادي المغيث، فاستبشروا بها وقالوا: هذا عارضٌ مُمطِرنا، فجاءتهم منها ريحٌ عقيم أهلكتهم، ونجا هود والمؤمنون معه، فأتوا مكة وعبدوا الله فيها حتى ماتوا (الطبري في تفسير الأعراف 7: 65 - 70).
قلنا: (1) ورد في تكوين 10: 22 أن أولاد سام هم عيلام وأشور وأرفكشاد ولود وأرام، فالظاهر أن كلمة هود محرّفة عن لود.
(2) ولم يرد في التوراة أن هوداً أو لوداً كان نبياً، وإنه أُرسل إلى قومه. وكذلك لم يرد أن قومه هم عاد.
(3) لم يصرّح القرآن بالرجس الذي أنزله الله على قوم هود، ولو كان شيئاً حقيقياً لصرّح به.
غير أن المفسرين قالوا إن الله أمسك عنهم المطر ثلاث سنين لأنهم كذّبوا هوداً. والحق أن إيليا النبي هو الذي أمسك المطر عن بني إسرائيل مدة ثلاث سنين وستة أشهر في عهد الملك أخآب (1 ملوك 17 و18). فخلطوا إيليا بهود، واخترعوا أسماء وهمية لا أصل لها.
- صالح وثمود:
73 وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ (أي وأرسلنا) ; يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْو. َذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ,.. فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ; (آيات 73 و77 و78).
قال المفسرون: ثمود هو ابن عابر بن أرم بن سام بن نوح، وهو أخو جديس بن عابر. وكانت مساكن ثمود الحِجْر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وقد عمَّر ثمود إعماراً طوالاً لا تفي بها الأبنية، فنحتوا البيوت من الجبال، وكانوا في خصب وسعة فعتوا وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحاً من أشرافهم فأنذرهم، فسألوه آية، فقال: أيّة آيةٍ تريدون؟ قالوا: اخرج معنا إلى عيدنا فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فمن استُجيب له اتُّبع. فخرج معهم فدعوا أصنامهم فلم تجبهم، ثم أشار أميرهم جندع بن عمرو إلى صخرة منفردة يُقال لها الكائبة، وقال له أَخرِج من هذه الصخرة ناقةً مخترجة جوفاء وَبْراء، فإن فعلت صدّقناك. فأخذ عليهم صالح مواثيقهم: لئن فعلتُ ذلك لتؤمنُنّ، فقال نعم. فصلّى ودعا ربه، فتمخّضت الصخرة تمخّض النتوج بولدها، فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا وهم ينظرون، ثم نتجت ولداً مثلها في العِظم، ولذا سُمّيت ناقة الله لأنها لا من ذكر ولا من أنثى، فآمن به جندع في جماعة، ومنع الباقين من الإيمان ابن ذواب بن عمرو والحباب، صاحبا أوثانهم، ورباب بن صغر كاهنهم. فمكثت الناقة وولدها ترعى الشجر وترد الماء غباً، فما ترفع رأسها من البئر حتى تشرب كل ما فيها، ثم تتفحج فيحلبون ما شاءوا حتى تملأ أوانيهم فيشربون ويدّخرون. وكانت تصيّف بظهر الوادي فتهرب منها بهائمهم إلى بطنه، وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشقّ ذلك عليهم. وزيَّنت عقرها لهم عنيزة أم غنم وصدقة بنت المختار، فعقروها واقتسموا لحمها، فرقي ولدها جبلاً اسمه قارة، فرغا ثُلاثاً، فقال صالح: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه إذ انفجرت الصخرة بعد رُغائه فدخلها. فقال لهم صالح: تصبح وجوهكم غداً مصفرّة، وبعد غد محمرّة، واليوم الثالث مسودَّة، ثم يصبحكم العذاب. فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله إلى أرض فلسطين. فلما كان ضحوة اليوم الرابع تحنّطوا بالصبر وتكفّنوا بالأنطاع، فأتتهم صيحة من السماء فتقطّعت قلوبهم فهلكوا (الرازي في تفسير الأعراف 7: 73).
ولم يرد في التوراة ولا في الإنجيل أن الله أرسل نبياً اسمه صالح إلى ثمود من قبائل العرب، فإن جميع الأنبياء والمرسلين كانوا من الأمة الإسرائيلية في أرض اليهود، لأن الله فضّلها على العالمين بأن جعل منها الأنبياء والمرسلين. ودعواهم أن صالحاً من ذرّية سام يدل على عدم معرفةٍ بالأنساب والتواريخ، وأقدم تاريخ في الدنيا لمعرفة أنساب نوح وإبراهيم وغيرهما هو التوراة.
امرأة لوط:
“فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَا نْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ; (آيتا 83 ، 84).
فقوله من الغابرين أي الباقين الذين بقوا في ديارهم فهلكوا، مع أن كتاب الله يعلّمنا أن الله أرسل ملاكين أخرجا لوطاً وامرأته وابنتيه خارج المدينة لشفقة الرب عليه، ونبّها عليهم أن لا ينظر أحد إلى ورائه، فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً. وأما امرأته فنظرت من ورائه بسبب تعلُُّق قلبها بالمدينة، فصارت عمود ملح.
شُعَيْب ومَدْيَن:
“وَإِلَى مَدْيَنَ ;(أي وأرسلنا) ; أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ; (آية 85) إلى عدد 91.
قال ابن عباس وغيره: فتح الله على مدين باباً من جهنم فأرسل عليهمحراً شديداً، فأخذ بأنفسهم فلم ينفعهم ظلٌ ولا ماءُ، فدخلوا في الأسراب ليهربوا فيها فوجدوها أشد حراً من الظاهر، فخرجوا هرباً من البرية، فبعث الله عليهم سحابة فيها ريح طيبة باردة فأظلَّتهم، وهي الظُلَّة، فوجدوا لها برداً ونسيماً. فنادى بعضهم بعضاً حتى إذا اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله عليهم ناراً، ورجفت بهم الأرض من تحتهم فاحترقوا كاحتراق الجراد في المقلى . وقال قتادة: بعث الله شعيباً إلى أصحاب الأيكة وإلى أهل مدين، فأما أصحاب الأيكة فأُهلكوا بالظلَّة، وأما أهل مدين فأخذتهم الرَّجفة. صاح بهم جبريل صيحةً فهلكوا جميعاً . ووردت قصة أصحاب الأيكة هذه بالتفصيل في (الشعراء 26: 176 190) وأُشير إليها في (ص 38: 13 والحِجْر 15: 78 ، ق 50: 14) (الطبري في تفسير الأعراف 7: 91).
ثعبانٌ أم جان؟
; 107 فَأَلْقَى عَصَاهُ ;(أي موسى) ; فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ; (آية 107). مع أنه ورد في (النمل 27: 10) : وألقِ عصاك. فلما رآها تهتزُّ كأنها جانٌّ .
فقالوا: الجان الصغير من الحيّات، والثعبان الكبير منها. وقالوا لأن خلقها كخلق الثعبان العظيم، واهتزازها وخفَّتها كاهتزاز الجان وخفته. فترى أنهم يتصرفون في اللغة كيف شاءوا.
فرعون والسحرة وموسى:
“وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ ; (آيات 113 - 116). “وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ; (آيات 120 - 125). وقد تكررت هذه القصة يونس 10: 80 ، 81 وفي طه 20: 60 97 وفي الشعراء وغيرها.
قال المفسرون المراد بالسحر العظيم هو أن السحرة ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً، فإذا هي حيّات كأمثال الحبال قد ملأت الوادي، ويقال إنهم طلوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا داخل تلك العصي زئبقاً أيضاً وألقوها على الأرض، فلما أثَّر حرُّ الشمس فيها تحركت والتوى بعضُها على بعضٍ، حتى تخيّل للناس أنها حيّات. ويقال إن الأرض كانت سعتها ميلاً في ميل، فصارت كلها حيّات وأفاعي، ففزع الناس من ذلك حتى فزع موسى أيضاً فأوجس في نفسه خِيفةٍ موسى. قلنا لا تخف (طه 20: 67 ، 68) (المنار في تفسير الأعراف 7: 113 - 116).
(1) لم يقل السحرة لفرعون إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين، وأنه أجاب سؤلهم. فإن مثل هذا لا يحدث، لأن فرعون كان ملكاً مستبداً يفعل بقومه كما يشاء، والذوق والأدب يقضيان بعدم إبرام شروط مع الملك. وانظر إلى عبارة التوراة فدعا فرعون أيضاً الحكماء والسحرة ففعل عرّافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك .
(2) لم يرد في التوراة أن موسى جزع وخاف من شعوذة السحرة وهو يعرف كذبها، هذا فضلاً عن بسالته وثقته في عناية الله به.
(3) لم يقل السحرة لموسى: إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين، وكذلك لم يقل لهم: ألقوا أنتم أولاً. بل إن الله أمره أن يطلب من فرعون أن يطلق بني إسرائيل، وإذا سأل آيةً فافعل كذا وكذا.
(4) أخطأ القرآن في قوله إن السحرة آمنوا برب موسى، فإن التوراة صرّحت بأن الله قسّى قلب فرعون وقلوب عبيده ليُظهِر قوّته وقدرته. ولا نظن أن عبيد فرعون يؤمنون برب موسى ويخالفون فرعون الملك المطاع، وموسى كان بلا جاهٍ ولا قوه.
(5) أخطأ في تهديد فرعون للسحرة بأن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ ثم يصلبهم.
قتل فرعون للإسرائيليين:
“وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ; (آية 127).
وتعلمنا التوراة في الخروج 1: 16 أن قتل الذكور واستحياء البنات كان قبل ولادة موسى، فإنه لما رأى فرعون أن بني إسرائيل زادوا خشي من انضمامهم إلى أعدائه ، فنبّه على قابلتي العبرانيين بإماتة الذكور. فوُلد موسى في هذا الوقت فوضعته أمه في سَفَط من البَردي وألقته في النهر، فالتقطته ابنة فرعون. والقرآن يقول إن المصريين اشتكوا لفرعون من تصرّف موسى، فنبّه بقتل أبناء العبرانيين واستحياء نسائهم.
بنو إسرائيل ومصر:
ورد في آية 128 أن موسى حضّ قومه على الاعتصام بالصبر، وأخبرهم “إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ “ثم قال لهم في عدد 129 “عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُّوَكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ “فأجمع مفسِّرو المسلمين على أن هذه العبارة تقول إنه لما يهلك الله عدوهم (يعني فرعون وقومه) يجعل بني إسرائيل يخلفونهم في أرضهم، أي أرض مصر بعد هلاكهم، ويأخذونها. ولم يأخذ بنو إسرائيل أرض مصر مطلقاً، لا في زمن داود كما قال البيضاوي، ولا في زمن غيره. وقوله يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض منافٍ للحقيقة التاريخية. ولم يقل موسى لبني إسرائيل شيئاً من هذا.
الضربات على المصريين:
“فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ; (آية 133).
(1) لم يذكر القرآن الضربات التي ضرب بها الله المصريين حسب ترتيب حدوثها.
(2) أخطأ في قوله الطوفان، فإن الله لم يرسل على المصريين طوفاناً فأغرقهم. والصواب أن الله ضرب المصريين بعشر ضربات لإطلاق بني إسرائيل، وهي حسب ترتيب حدوثها:
(1) تحويل الماء إلى دم (2) الضفادع (3) البعوض (4) الذباب (5) موت المواشي (6) الدمامل (7) البَرَد (8) الجراد (9) الظلام (10) موت الأبكار (الخروج 7 12). ولما كان لا يوجد طوفان أخذوا في تأويله فقال مجاهد: وعطاء الطوفان الموت . وقال وهب: الطوفان الطاعون بلغة أهل اليمن . وقال أبو قلابة: الطوفان الجدري، وهم أول من عُذِّبوا به وقال مقاتل: الطوفان الماء طفا فوق حروثهم . وقال ابن عباس: الطوفان المطر (ابن كثير في تفسيرالأعراف 7: 132).
لوحا الوصايا:
“وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ ; (آية 145). قال ابن عباس: يريد ألواح التوراة. والمعنى: وكتبنا لموسى في ألواح التوراة تفاصيل كل شيء . وفي الحديث: كانت من سدر الجنة، طول اللوح اثنا عشر ذراعاً . وقال بعضهم: كانت الألواح من خشب، وقيل من زبرجد خضراء، وقيل من ياقوتة حمراء، وقيل من زمرد جاء بها جبريل من جنة عدن، وقيل أمره الله بقطع ألواح من صخرة صمّاء ليّنها له، فقطعها بيده ثم شقها بأصبعه. وسمع موسى صريف الأقلام.
واختلفوا في عدد الألواح، فقال ابن عباس: كانت سبعة ألواح، وقيل عشرة ألواح، وقيل تسعة، وقيل لوحان. والحق أن الله كتب الوصايا العشر على لوحين فقط من حجر.
العجل له خوار:
“وَا تَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً ; (آية 148). “وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ; (طه 20: 85). “فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ 88 فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى ; (عددا 87 ، 88). ; قَالَ ;(أي موسى) ;فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا ; (عددا 95 ، 96). وفي الأعراف (150) أن موسى ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، قال: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني .
قوله له خُوار هو صوت البقر، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة وجمهور أهل التفسير. وقيل إنه خار مرّة، وقيل كان يخور كثيراً، وكلما خار سجدوا له، وإذ سكت رفعوا رؤوسهم. أما السامري فاختلفوا فيه، فتارةً قالوا إنه من عظماء بني إسرائيل من قبيلة، يقال لها السامرة، وقيل كان من القبط، وكان جاراً لموسى فآمن به، وقيل كان علجاً من علوج كرمان رفع إلى مصر وكان من قوم يعبدون البقر. فهذا السامري قذف من تراب حافر فرس جبريل في فم العجل، فخار. فإن قلتَ كيف عرف السامريُّ جبريلَ ورآه دون سائر الناس؟ فالجواب إنهم قالوا إن أمه ولدته في السنة التي كان يُقتل فيها البنون، فوضعته في كهفٍ حذراً عليه من القتل، فبعث الله إليه جبريل ليربّيه لما قضى الله على يديه من الفتنة.
الوجه الثاني أنه لما نزل جبريل إلى موسى ليذهب به إلى الطور رآه السامري من بين سائر الناس، فلما رآه قال: إن لهذا شأناً. فقبض القبضة من أصل تربة أثرٍ موطئه. فلما سأل موسى قال: قبضت قبضة في أثر الرسول إليك يوم جاء للميعاد. وقيل رآه يوم فلق البحر، فأخذ القبضة وجعلها في عمامته لِمَا يريد الله أن يظهره من الفتنة على يديه (الطبري في تفسير طه 20: 85 - 96 ، الرازي في تفسير الأعراف 7: 150).
فالأخطاء في النص الأصلي وأقوال المفسرين كثيرة:
(1) قوله إن العجل له خوار مأخوذ من خرافات اليهود القديمة. ولا يخفى أن الله لا يساعد على الإشراك به، وهو منزّه عما يقولون.
(2) قوله إن السامري أضلّهم، مع أنه لم يكن في عصر موسى شيء يقال له سامرة ولا سامري، فهو من التخيُّلات البعيدة المستحيلة كما يدل عليه تاريخ بني إسرائيل بل تواريخ العالم قاطبة.
(3) أقبح من الغلطة السابقة قوله إن هذا السامري ألقى في فم العجل من تراب أثر فرس جبريل. فهل لجبريل فرس؟ وهل لفرسه أثر؟ لأنه ظنَّ أن جبريل إنسانٌ يركب فرساً.
(4) لم يجرّ موسى أخاه من رأسه كما يفعل السفهاء. إن القصة الحقيقية موجودة في الخروج 32: 1 - 35.
(5) ورد في كتاب يهودي يسمّى ترجوم يوناثان بن عزيا نفس هذه القصة، ولكن كان اليهود يقولون الربي يهوداه إسمائيل كان مختبئاً دخل العجل، وكان يخور لغش إسرائيل . فيبدو أن محمداً قد سمع هذه القصة من يهود عصره، ولما كان لا يعرف أن كلمة إسمائيل تعني ملك الموت بالعبرانية، ظن أنهم يقصدون السامرة، وخاصة أنه كان يعرف هذه البلدة نتيجة لأسفاره السابقة إلى الشام.
هل انكسر اللوحان:
“وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ; (آية 154).
قال الإمام الرازي: ظاهر هذا يدل على أن الألواح لم تتكسّر ولم يُرفع من التوراة شيء (في تفسير الأعراف 7: 154).
وتعلّمنا التوراة أن الرب قال لموسى: “انْحَتْ لَكَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ مِثْلَ الْأَّوَلَيْنِ، فَأَكْتُبَ أَنَا عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْأَّوَلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَسَرْتَهُمَا ; (خروج 34: 1). هذا وقد ذُكر لفظ الألواح في كل موضع في القرآن بصيغة الجمع (لا بصيغة المثنَّى) وهو دليل على أنه كان يظن أن الألواح كانت أكثر من اثنين.
اختيار موسى سبعين رجلاً:
“وَا خْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ; (آية 155).
قال السُّدي: أمر الله موسى أن يأتيه في ناسٍ مِن بني إسرائيل يعتذرون إليه عن عبادة العجل، فامتثل الأمر. فلما ذهب بهم إلى ميقات ربه قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً، فأخذتهم الصاعقة فماتوا. فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم وقد أهلكت خيارهم؟ رب لو شئتَ أهلكتَهم من قبل وإياي.
فعبارة القرآن تفيد أن موسى أخذ السبعين رجلاً بعد نزول الشريعة وبعد عمل العجل، والحقيقة هي أن موسى أصعد السبعين رجلاً قبل نزول اللوحين وقبل عمل العجل (خروج 24: 1).
محمد الأمي:
“وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الّزَكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ; (آيتا 156 ، 157).
يقول القرآن هنا إن موسى وقومه في ميقاتهم أخذتهم الرَّجْفةُ فأخذوا يصلّون ويقولون .. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة، إنّا هُدْنا إليك . كان اليهود يشتقُّون اسمهم من الهُدى، والهدى كناية عن موسى ولقد آتينا موسى الهدى . أو يشتقّون الهدى من اسمهم، فموسى وقومه يطلبون من الله تسجيل يهوديتهم حسنةً لهم، فيجيبهم الله بقوله أولاً: إن الحسنة لأهل التقي والزكاة والإيمان، وهذه الحسنة ستُكتب للذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. فهل كان موسى وقومه ينتظرون ألفي سنة حتى تقوم لهم حسنةٌ بالإيمان بمحمد!! أمِن المعقول أن يجيب الله على دعاء موسى وقومه لربهم بأن الهداية ليست في الموسوية بل في اتِّباع محمد النبي الأمي ؟!! وأن يقول الله في ردّه على صلاة موسى إن محمداً مكتوبٌ في التوراة والإنجيل.. وأين كان الإنجيل في زمن موسى حتى يحدّث الله قومه به؟!
وكلمة الأمي الواردة في النصّ لا تعني (بحسب القرآن) عدم الإلمام بالقراءة والكتابة، إنما تعني من ليس له كتاب مُنزَّل، فاليهود أتباع اسحاق بن إبراهيم هم كتابيون في حين أن العرب أبناء اسماعيل بن إبراهيم هم أميون . ودلَّ القرآن على هذا دلالة واضحة وصريحة، فهو يدعو الكتابيين والأميين إلى اتِّباع الإسلام قل للذين أوتوا الكتاب والأميين: أأسلمتم؟ (آل عمران 3: 20) ثم يشير إلى تمنّي الأميين لمعرفة الكتاب: ومنهم أُميُّون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيَّ (البقرة 2: 78) ويفخر بأن بعثه الله رسولاً من غير الكتابيين فيقول: هو الذي بعث في الأُمّيين رسولاً منهم (الجمعة 62: 2). وقد عرَّف أهل الكتاب بأن التمييز بينهم وبين الأميين شيء محتوم: قالوا ليس علينا في الأميين سبيل (آل عمران 3: 75). بهذا المعنى القرآني يجب أن نفهم قول القرآن عن أُمِّية محمد. فالأميون هم العرب أبناء إسماعيل، والكتابيون هم اليهود أبناء اسحاق، وبالتالي فإن أمّية محمد لا تعني جهله بالقراءة والكتابة بقدر ما تعني انتماءه إلى العرب الأميين أبناء إسماعيل الذين ليس لهم من الله كتاب مُنزَّل. (راجع تفسير ابن كثير للأعراف 7: 157 - ولم نعثر على تفسيرٍ إسلامي يشرح ذكر الإنجيل في هذا الموقف، ولكنهم جميعاً يصمتون عن هذا تماماً).
قطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً:
وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً (آية 160). هذه الجملة خطأ، وصوابها اثني عشر سبطاً لأن مميَّز ما فوق العشرة مفرد، فما وجه جمعه هنا؟ وقد اعتذر المفسرون عن ذلك اعتذارات شتى فقالوا إنه يقصد اثنتي عشرة قبيلة، ولما كانت كل قبيلة أسباطاً فحذف قبيلة ووضع كلمة أسباطاً التي تساويها (راجع الرازي في تفسير الأعراف 7: 160).
القرية والحيتان:
اسكنوا هذه القرية (أي بيت المقدس) وكلوا منها حيث شئتُم، وقولوا حِطَّةٌ، وادخلوا الباب سُجّداً نغفر لكم خطيئتكم (آية 161)
أمرهم أن يطلبوا من الله أن يحط عنهم ذنوبهم، فبدَّل الذين ظلموا منهم هذا الكلام بأن قالوا حنطة في شعيرة . فأرسل الله عليهم عذاباً من السماء. ووردت هذه القصة أيضاً في سورة البقرة. ولم يرد في تاريخ بني إسرائيل شيء من هذا.
حاضرة البحر:
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرةَ البحرِ إذ يَعْدون في السبت إذ تأتيهم حيتانُهم يوم سبْتِهم شُرَّعاً، ويوم لا يَسْبِتون لا تأتيهم. كذلك نبلوهم بما كانوا يَفْسُقون.. فلما عَتَوْا عن ما نُهوا عنه قلنا لهم: كونوا قِردةً خاسئين (آيتا 163 و166).
اختلفوا في القرية، فقيل هي بين مصر والمدينة والمغرب، وقيل بين مدين والطور، وقال الزهيري هي طبرية الشام. ولهم أقوال غير هذه. فكانت تأتيهم الحيتان ظاهرةً على الماء كثيرة متتابعةً يتبع بعضها بعضاً.
قال أهل التفسير: إن اليهود أُمروا بيوم الجمعة فتركوه، واختاروا يوم السبت فابتُلوا به، وهو أن الله أمرهم بتعظيمه ونهاهم عن العمل فيه وحرّم عليهم فيه الصيد. فلما أراد أن يبتليهم كانت الحيتان تظهر لهم في يوم السبت، ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تُرَ إلا في السبت المقبل. فوسوس إليهم الشيطان إن اصطادوا، فاصطادوا. قال قتادة: لما عتوا عما نُهوا عنه مسخهم الله فصيّرهم قردة تتعاوى بعد ما كانوا رجالاً ونساء (الطبري في تفسير الأعراف 7: 163). وحاشا لله أن يجرّب عباده بالشر، وهو يودّ أن الجميع يحفظون وصاياه. (راجع تعليقنا على ما أوردناه عن البقرة 2: 65).
من ظهورهم:
وإذْ أخذ ربُّك من بني آدم من ظهورِهِم ذُرِّيتهم وأشهدهم على أنفسهم (آية 172).
روى سعيد بن جبير لما خلق الله آدم، أخذ ذريته من ظهره مثل الذرّ، فقبض قبضتين، فقال لأصحاب اليمين ادخلوا الجنة بسلام، وقال للآخرين ادخلوا النار ولا أبالي (الطبري في تفسير الأعراف 7: 172).
فهل هذا هو طريق الخلاص الذي عندهم؟
رفع الطور:
وإذْ نَتَقْنا الجبل فوقهم كأنه ظُلَّةٌ وظنوا أنه واقعٌ بهم (آية 171). وهو يشبه ما ورد في النساء 4: 154 ورَفَعْنا فوقهم الطُّورَ بميثاقهم .
قال الخازن (جزء 2) إن أصحاب الأخبار قالوا إن بني إسرائيل لما أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة، لما فيها من التكاليف الشاقة، أمر الله جبريل فرفع جبلاً عظيماً حتى صار على رؤوسهم كالظّلَّة. فلما نظروا إلى الجبل فوق رؤوسهم خرّوا ساجدين، فسجد كل واحد منهم على خدّه وحاجبه الأيسر، وجعل ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل خوفاً أن يسقط عليه، ولذلك لا تسجد اليهود إلا على شق وجوههم الأيسر.
فهذه الأقوال من الخرافات القديمة اليهودية. أما كتاب الله فيعلّمنا أنه لما أنزل الله الشريعة على موسى بمرأى من بني إسرائيل، رأوا الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخّن، ففزعوا وارتعدوا ووقعت هيبة الله وموسى في قلوبهم (خروج 20: 18).
حبل حواء:
هو الذي خلقكم مِن نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تَغَشَّاها حَملَتْ حَملاً خفيفاً فمرّت به، فلما أَثْقَلتْ دعوا الله ربهما: لئِن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشاكرين. فلما آتاهما صالحاً، جعلا له شركاء فيما آتاهما، فتعالى الله عما يُشْرِكون (آيتا 189 ، 190).
قال المفسرون لما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل، فقال لها: ما يدريك ما في بطنك، لعله بهيمة أو كلب؟ وما يدريك من أين يخرج؟ فخافت من ذلك وذكرته لآدم. ثم عاد إليها وقال: إني من الله بمنزلة، فإن دعوتُ الله أن يجعله خلقاً سوياً مثلك ويسهّل عليك خروجه تسمّيه عبد الحرث. وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث. وقال ابن عباس: كانت حواء تلد لآدم، فيسمّيه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال: إنْ سَرَّكما أن يعيش لكما ولد فسمِّياه عبد الحرث. فولدت، فسمَّياه عبد الحرث فعاش. قال محمد: لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سمِّيه عبد الحرث، فسمّته فعاش. وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره. فهذا معنى قول القرآن وجعلا له شركاء (الطبري في تفسير الأعراف 7: 189 ، 190).
والتوراة تعلِّمنا أن آدم عرف حواء امرأته فحبلت وولدت قايين، ثم عادت فولدت أخاه هابيل، وبعد ذلك عرف آدم امرأته أيضاً فولدت ابناً ودعت اسمه شيثاً. وتأمَّل كيف تعبِّر التوراة بكلمة عرف عن معنى الجماع، وهي ألطف وأرقّ من عبارة القرآن. وانظر إلى عبارة التوراة تجدها لم تنسب إلى آدم وحواء الإشراك بالله. والمسلمون يعتقدون بنبوَّة آدم. فكيف يكون نبياً ومشركاً؟
- تعليقات على سورة الأنفال (8)
تصيب الذين ظلموا:
واتَّقوا فتنةً لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصّةً (آية 25).
- 1 - روى أحمد في مسنده إن الله ليعُذِّب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكربين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، ولا ينكروخ. فإذا فعلوا ذلك عذّب الله الخاصة والعامة(المنار في تفسير الأنفال 8: 25).
- 2 - ورد في الإسراء 17: 15 لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أخرى . فكيف تتفق هذه الآية مع ما جاء في الحديث؟
- 3 - علّمنا الله أن النفس التي تخطئ هي تموت، لأنه لا يوجد إنسان كامل حتى يزِر وازرة إنسانٍ آخر، ولكن الله بمحبته أرسل لنا المسيح الذي حمل كل أوزارنا وصالحنا مع الله إلى الأبد.
يعذبهم وأنت فيهم:
وإذْ قالوا اللهمَّ إنْ كان هذا هو الحقُّ من عندك فأَمطِر علينا حجارةً من السماء، أو ائْتِنا بعذابٍ أليم. وما كان الله ليُعذِّبهم وأنت فيهم وما كان الله ليعذّبهم وهم يستغفرون (آيتا 32 ، 33). (هذه الآية مكية بالرغم من وجودها في سورة مدنيّة الطبري).
- 1 - طلب أهل مكة من محمد أن يأتيهم بمعجزة فلم يفعل، فطلبوا منه أن يأتي بالخير لنفسه فلم يفعل. ولما يئس القوم منه. قالوا له: اللهم، إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء. فأورد محمد كلامهم وقال إن الله أنزله عليه. ثم قال لهم: وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم . ولما هاجر للمدينة وخشي أن ينكشف أمره قال: وما كان الله ليعذّبهم وهم يستغفرون (الطبري في تفسير الآيتين 32 و33 والسيوطي والواحدي في سبب نزولهما).
- 2 - تعلمنا التوراة أن الخطية فعل شنيع، فالله قد عاقب اليهود لأن واحداً منهم أخطأ وخالف أمر الله (أنظر قصة عخان بن كرمى في يشوع 7). ولم يحاول أيُّ نبيٍّ أن يجد أعذاراً للكفَّار من قومه، خاصةً وأنهم طلبوا العذاب بأنفسهم.
أسرى النبي:
ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى (آية 67).
رُوي إنه جيء لمحمد بسبعين أسيراً، فيهم عمه العباس وابن عمه عقيل، فاستشار فيهم أصحابه فقال له أبو بكر: دعهم. وأشار عليه عمر بقتلهم. فأخذ برأي أبي بكر. ولما رأى أن هذا الرأي ليس في صالحه، قال إن الله أنزل عليه هذه الآية (راجع أسباب نزول هذه الآية للواحدي والسيوطي).
- تعليقات على سورة التوبة (9)
آية السيف والبسملة:
تبدأ سورة التوبة دون بسملة، وقد أفرد علماء الإسلام لهذه القضية صفحات عدة، وفي النهاية لم يتفقوا على رأي. فقد قيل إن سورتي التوبة والأنفال سورة واحدة ولذا لم تُكتب بينهما بسملة. وعن مالك إنها كانت تعادل البقرة في الطول، وإن أولها لما سقط سقطت معه البسملة (الإتقان باب جمع القرآن وترتيبه، وباب عددسوره وآياته وكلماته وحروفه).
وقد كان محمد في مبدأ الأمر يأتي بكل ما يُشعِر باللطف لا العنف، والإحسان لا العدوان، ولكن لما قوي أمره وتمكّن من غايته ألغى ذلك بآية السيف (التوبة 5). قال ابن حزم: من الآيات المنسوخة قوله في البقرة 2: 192 فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم . وهذا من الأخبار التي معناها الأمر، تأويله: فاغفروا لهم واعفوا عنهم. ثم أخبار العفو منسوخة بآية السيف وهي: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم (التوبة 9: 5) فلو كان المقصود إظهار الصرامة الكبرى لمن قاوم محمداً لقال ذلك في مبدأ الأمر، ولكنه لم يفعل ذلك.
وقد وردت آيات كثيرة يُؤخذ منها الرفق واللين واللطف، ولكنه نسخها، فصار القرآن كله قسوة شديدة. فمن ذلك ما ورد في النساء 4: 63 فأَعرِضْ عنهم وعِظْهُم . نُسخت بآية السيف المتقدمة، وورد فيها: ستجدون آخَرين يريدون أن يأمَنوكم ويأمَنوا قومهم (النساء 4: 91) نُسخت بآية السيف.
ومن طالع كتاب ابن حزم وغيره من الكتب الموضوعة في الناسخ والمنسوخ ظهر له أنه إذا وُجد في القرآن قول يحضّ على اللطف ومكارم الأخلاق نُسخ بآية السيف، فصار القرآن مبنيّاً على السيف فقط (راجع كتاب الحِكم الجديرة بالإذاعة في شرح حديث بُعِثتُ بالسيف بين يدي الساعة لابن رجب الحنبلي).
فتنته بالنساء:
ومنهم مَن يقول ائْذَن لي ولا تَفْتنِّي (آية 49).
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن النبي قال: اغْزُوا تغنموا بنات الأصفر . فقال ناس من المنافقين: إنه ليفتنكم بالنساء. فلما علم محمد بذلك قال: ومنهم من يقول ائْذن لي ولا تَفْتنِّي (السيوطي في سبب نزول هذه الآية).
نقول: هؤلاء الناس صادقون فيما قالوا، فإن الله لا يغري الناس بالنساء لكي يجاهدوا. فكان محمدٌ يأمر بأن يُذبح الرجالُ فقط، وتُؤخذَ النساءُ سبايا والأطفال عبيداً (السيوطي - أسباب نزول الآية).
استغفار إبراهيم لأبيه:
وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيه إلاّ عن مَوْعِدَةٍ وعدها إياه.فلمّا تبيَّن له أنه عدوٌّ للّه تبرّأ منه. إن إبراهيم لَأََّواهٌ حليم (آية 114).
قال علي ابن أبي طالب: لما أنزل الله خبراً عن إبراهيم أنه قال سلام عليك سأستغفر لك ربي، سمعت رجلاً يستغفر لوالديه. فقلت: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: أَوَلم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فأتيتُ محمداً فذكرتُ ذلك له، فأنزل الله: قد كانت لكم أُسْوَةٌ حسنةٌ في إبراهيم...إلاّ قَوْلُ إبراهيمَ لأبيه لَأَسْتَغْفِرَنَّ لك (الممتحنة 60: 4).
قال البخاري: رُوي عن أبي هريرة أن محمداً قال: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغيرة، فيقول إبراهيم: ألم أقُل لك لا تعْصَني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يارب إنك قد وعدتني أن لا تخزيني يوم يُبعَثون، فأيُّ خزيٍ أخزى من أبي؟ فيقول الله تبارك وتعالى: إني حرَّمت الجنة على الكافرين. ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو ذيخٌ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيُلقى في النار (القترة غبرة يعلوها سواد والذيخ، هو ذَكَر الضباع والأنثى ذيخة). (الطبري في تفسير التوبة 9: 114).
قلنا: (1) حاشا لإبراهيم مما نُسب إليه من أنه وعد أباه أن يستغفر الله له، فإنه يعرف أنه لا تنفع بعد الموت شفاعة. ولما رأى محمد أن الاستغفار بعد الموت يكون موجباً لتمادي المشرك على إشراكه، تلافى الأمر وقال: اقتدوا بإبراهيم في كل شيء، ما عدا مسألة الاستغفار. مع أنه لم يقع من إبراهيم شيء من ذلك.
(2) لم يكن أبو إبراهيم مشركاً، بل أذعن لأمر الله وترك وطنه وعشيرته مع ابنه إبراهيم ولوط ابن أخيه امتثالاً لأمر الله، وفارقوا أهل وطنهم لانغماسهم في الشر والرذائل.
- تعليقات على سورة يونس (10)
موسى وفرعون:
ثم بعَثْنا من بَعْدهم موسى وهارون إلى فرعون وملإيْهِ بآياتنا، فاستكبروا (آية 75).
لم يُرسَل موسى ليدعو فرعون وقومه إلى ديانته، بل لإنقاذ بني إسرائيل من العبودية، وإخراجهم من أرض مصر.
أجئْتَنا لتَلْفِتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا وتكونَ لكما الكبرياءُ في الأرض؟ (آية 78 - يعني تستوليان على أرض مصر - الجلالان في تفسير يونس 10: 78).
يعلمنا سفر الخروج 5: 1 5 أنه لما طلب موسى وهارون من فرعون أن يطلق بني إسرائيل قال فرعون: مَنْ هو الرب حتى أستمع لقوله فأُطلق إسرائيل؟ لا أعرف الرب، وإسرائيل لا أطلقه. لماذا يا موسى وهارون تبطّلان الشعب من أعماله؟ اذهبا إلى أثقالكما . ولم يقل لهما: وتكون لكما الكبرياء في الأرض.
وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوَّءا لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قِبلة (آية 87).
اختلف المفسرون في معنى هذه القِبلة ومعنى هذا الكلام، فقال بعضهم: كانت الكعبة قِبلة لموسى وهارون. وقيل: كانت القِبلة إلى جهة بيت المقدس. وقيل: إنه قصد أن يجعلوا بيوتهم قِبلة يصلّون إليها. وعلى كل حال لم يأمر الله موسى وأخاه أن يتبوّءا بيوتاً في مصر، بل أمر موسى بإخراج بني إسرائيل من أرض العبودية ليرثوا أرض الموعد (القرطبي في تفسير يونس 10: 87).
دعاء موسى على فرعون:
وقال موسى: ربَّنا إنك آتيتَ فرعون وملأَهُ زينةً وأموالاً في الحياة الدنيا، ربنا ليُضِلّوا عن سبيلك. ربنا اطمس على أموالهم واشدُد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يَرَوُا العذاب الأليم. قال: قد أُجيبت دعوتُكما فاستقيما ولا تتَّبعانِ سبيل الذين لا يعلمون (آيتا 88 ، 89).
قال المفسرون: الطّمس إزالة أثر الشيء بالمحو، ومعنى اطمس على أموالهم أزل صورها وهيئاتها. وقال أكثر المفسرين: مسخها وغيَّرها عن هيئتها. قال ابن عباس: إن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقرشة كهيئتها صحاحاً وأنصافاً وأثلاثاً. وقيل إن عمر بن عبد العزيز دعا بكيس فيه شيء من بقايا آل فرعون فأخرج منه البيضة منقوشة والجوزة مشقوقة وهي حجارة (ابن كثير في تفسير يونس 10: 88).
قلنا لم يرد أن موسى دعا على فرعون وقومه بهذه الدعوة وأن الله استجاب له، وأنه أزال صور أموالهم أو أهلكها. بل قالت التوراة إن موسى وهارون طلبا من فرعون أن يأذن بخروج بني إسرائيل من مصر، فاستعمل المراوغة والمخاتلة، فضربه الله ليُظهر قدرته، وليوضّح للمصريين أن أصنامهم لا تفيدهم شيئاً. ولكن أموال المصريين التي طمس الله عليها تعمِّر متاحف العالم، وهي غير مطموسة!.
إيمان فرعون:
وجاوَزْنا ببني إسرائيل البحر، فأَتْبَعهم فرعونُ وجنوده بَغْياً وعَدْواً، حتى إذا أدركه الغرق قال: آمنتُ أنه لا إله إلاّ الذي آمنَتْ به بنو إسرائيل، وأنا مِن المسلمين. الآن وقد عصَيْتُ قبْلُ وكنتُ من المفسِدين. فاليومَ ننجِّيك ببدنِك لتكون لمَن خلْفَك آيةً (آيات 90 92).
قال المفسرون: اجتمع يعقوب وبنوه وهم 72 وخرجوا مع موسى من مصر، وهم 600 ألف. وأدركهم فرعون وكان معه في عسكره 800 ألف حصان على لون حصانه سوى سائر الألوان، ولما دخلوا في البحر انطبق عليهم. فلما أدرك فرعون الغرق أتى بكلمة الإخلاص ظناً منه أنها تنجّيه.
ورُوي عن ابن عباس أن محمداً قال: لما أغرق الله فرعون قال آمنتُ أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل. قال جبريل: يا محمد، فلو رأيتني وأنا آخذ من حمأة البحر فأَدُسُّه في فمه مخافة أن تدركه الرحمة. وفي رواية أخرى أن جبريل جعل يدسّ في فرعون الطين خشية أن يقول لا إله إلاّ الله فيرحمه الله، أو خشية أن يرحمه الله (الطبري في تفسير يونس 10: 90 92).
اعترض الإمام الرازي فقال: هل يصحُّ أن جبريل أخذ يملأ فم فرعون بالطين لئلا يتوب غضباً عليه؟ والجواب الأقرب أنه لايصحّ، لأن في تلك الحالةإما أن يُقال: هل التكليف كان ثابتاً أم لا؟ فإن كان ثابتاً، لا يجوز لجبريل أن يمنعه من التوبة، بل يجب عليه أن يعينه على التوبة وعلى كل طاعة. وإن كان التكليف زائلاً عن فرعون في ذلك الوقت، فحينئذٍ لا يبقىلهذاالذي نُسب إلى جبريل فائدة. ولومنعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر، والرضا بالكفر كفر. وكيف يليق بجلال الله أن يأمر جبريل أن يمنعه من الإيمان؟ ولو قيل إن جبريل فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله، فهذا يبطله قول جبريل: وما نتنزَّلُ إلاّ بأمر ربك (مريم 19: 64). فرُدَّ على الإمام الرازي بأن هذا الحديث صحيح، وأن الله يحول بين المرء وقلبه وغير ذلك (الرازي في تفسير يونس 10: 90 92).
والتوراة تعلّمنا أن فرعون لم يؤمن بربِّ موسى حتى في الساعة الأخيرة، فإنه رأى بعينيه الضربات التي حلّت به وبقومه ولم يرقّ قلبه. ولم يؤمن، بل أرسل جنوده لإعادة بني إسرائيل إلى أرض مصر ليستعبدهم ويذلهم ثانية.
ويقول القرآن إن فرعون خُصَّ بمزية فقيل له: فاليوم ننجِّيك . ولما كانت نجاته منافية لقول القرآن إن الله استجاب دعاء موسى عليه بالبوار، فسَّروا عبارة فاليوم ننجيك بقولهم: ننقذك ممّا وقع فيه قومك من قعر البحر، ونجعلك طافياً، أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل. ومعنى قوله ببدنك أي عارياً عن الروح، أو كاملاً سوياً، أو عرياناً من غير لباس، أو بدرعك، حتى يكون آيةً لبني إسرائيل، إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خُيِّل إليهم أنه لا يهلك، حتى كذبوا موسى حين أخبرهم بغرقه (الرازي في تفسير الآية).
ولكن التوراة تعلّمنا أن الله أغرق كل الذين اقتفوا أثر بني إسرائيل ليردّوهم ثانية، ولم يميّز بين كبير ولا صغير، ولما رأى بنو إسرائيل هذا الخلاص العظيم سبّحوا الله وشكروه. ولم تُلْقَ جثة فرعون على الساحل وأُغرقت جثث غيره في البحر، بل كان الحكم على الكل على حد سواء، فإنه متى امتلأت الجثة غازات طَفَت من ذاتها على البحر.
ولم يرد خبر في التوراة عن غرق فرعون. وقد أيّدت التواريخ أن فرعون موسى لم يغرق، لأنه لم يخرج مع جيشه.
مُبَوَّأ صِدق:
ولقد بوَّأْنا بني إسرائيل مُبَوَّأَ صِدْقٍ (آية 93).
المعنى أن الله بوَّأ بني إسرائيل منزلاً صالحاً مرضياً، فأجمع المفسرون على أن المراد بذلك مصر والشام، وقالوا إن الله أورث بني إسرائيل جميع ما كان تحت يد فرعون وقومه من ناطقٍ وصامتٍ وزرعٍ وغيره. وهذا منافٍ للوحي والتاريخ (تفسير الجلالين والطبري على الآية).
إكراه أو لا إكراه:
ولو شاء ربُّك لآمَنَ مَن في الأرض كلِّهم، أفأنت تُكرِه الناسَ حتى يكونوا مؤمنين (آية 99).
قاتلوهم حتى لا تكونَ فتنةٌ ويكون الدِّينُ كلّه لله (الأنفال 8: 39).
نقول: كيف تتفق آيات الإكراه وعدم الإكراه؟
في بداية دعوة محمد في مكة رأى أنه ليس من صالحه إعلان الحرب على خصومه. ولكن حينما استتبَّ له الأمر في المدينة أعلن هذه الحرب، حتى قال في الحديث أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (متفق عليه مشكاة المصابيح حديث رقم 12). وغاية ما اعتذر به المسلمون عن هذا قولهم إن بعض هذه الآيات ناسخ للآخر.
- تعليقات على سورة هود (11)
نوح وقومه:
وردت في سورة هود المجادلة التي جرت بين نوح وقومه: فقال الملأُ الذين كفروا من قومه: ما نراك إلاّ بشراً مثلنا، وما نراك اتَّبعك إلا الذين هم أراذلُنا، باديَ الرأيِ، وما نرى لكم علينا من فضلٍ بل نظنُّكم كاذبين... (فقال نوح لهم) : ولا أقول لكم عندي خزائنُ الله، ولا أعلمُ الغَيْبَ، ولا أقول إني مَلَكٌ (آيات 27 39).
لم يرد في التوراة خبرٌ عن هذه المجادلة، وإنما ورد أن نوحاً كان كارزاً للبر، يحضُّ قومه على الإقلاع عن المنكرات وترك الآثام والمفاسد.
ولا ورد في التوراة أن أراذل الناس تبعوا نوحاً، فلم يتبعه أراذلهم ولا أفاضلهم، ولذا أغرقهم الله بالطوفان. إنما يحكي محمد بعضاً مما كان يجادله به العرب، وذكر ما كان يردّ به عليهم، فذكر حكاية حاله مع قومه، وقوله لهم: إنما أنا بشرٌ مثلُكم (الكهف 18: 110) وغايته من ذلك أن يخبر قومه أنه قد حصل للأنبياء السالفين مثل ما حصل له، وأن الأَوْلَى الإقلاع عن معارضته ومقاومته لئلا يحلّ بهم مثل ما حلّ بقوم نوح، ومثل ما حلّ بغيرهم. ولكن شتان بين محمد ونوح، فقد حلّ بقوم نوح الطوفان، ولكن لم يحلّ بالعرب الذين قاوموه أو أبطنوا النفاق شيئاً من عقاب الله.
ابن نوح:
ونادى نوحٌ ابنَه وكان في مَعْزلٍ: يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، قال: سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء. قال: لا عاصمَ اليوم من أمر الله إلاّ من رحم. وحال بينهما الموجُ، فكان من المغْرَقين... ونادى نوحٌ ربَّه فقال: ربِّ، إن ابني من أهلي، وإنّ وعدَك الحقُّ، وأنت أحكم الحاكمين. قال: يا نوحُ إنه ليس من أهلك. إنه عَمَلٌ غير صالح، فلا تسألني ما ليس لك به علمٌ (آيات 42 46).
رمى القرآن زوجة نوح بالزنا، فقال في التحريم 66: 10 في امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما . ولما وجد المفسرون أن هذا لا يليق بالأنبياء، حاولوا الخروج من المأزق بقولهم إنه ليس من أهلك الذين وعدتُك أن أنجّيهم، أو تعني أنه كافر فلا قرابة بينكما. واستقبحوا ما رمى به القرآن زوجة نوح، مع أن القرآن قال ذلك (الرازي في تفسير هود 11: 45).
وقالوا إن الذي غرق هو كنعان بن نوح. ولو سلّمنا بصحة هذا لما كان يجوز لنوح أن يتأوَّه ويقول إنه من أهلي وهو يعرف أن كل نفسٍ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت (البقرة 2: 286). وناهيك أن الله زجره. ونتعلم من التوراة أنه لما تحلّ بالأتقياء مصيبة يسلّمون الأمر لله. فهذا عالي الكاهن لما أخبره صموئيل بما يحلّ بولديه من القتل بسبب شرهما، وما يحلّ ببيته من البوار، لم يقل لله: إنهما من أهلي بل قال: هو الرب، ما يحسن في عينيه يعمل (1 صموئيل 3: 18) فسلّم لإرادة الرب.
والحق أنه لم يغرق أحدٌ من أولاد نوح بالطوفان، ولم يطلب نوحٌ هذه الطلبة. فكيف يهلك الله كنعان (كما قالوا) قبل أن يولد! وبعد الطوفان قال الله: وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساماً وحاماً ويافث. وحام هو أبو كنعان (تكوين 9: 18).
البشرى لإبراهيم:
ولقد جاءت رسُلُنا إبراهيمَ بالبُشرى، قالوا: سلاماً قال: سلامٌ. فما لبث إن جاء بعجلٍ حنيذٍ. فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكِرَهُم وأوجس منهم خِيفَةً. قالوا: لا تخَفْ، إنّا أُرسِلنا إلى قومِ لوطٍ. وامرأته قائمةٌ فضحكت. فبشّرناها بإسحق، ومن وراء إسحق يعقوب (آيات 69 71).
فأقبلت امرأتُه في صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وجهَها وقالت: عجوزٌ عقيم (الذاريات 51: 29).
قال المفسّرون: ضحكت لأنهم لم يمدّوا أيديهم إلى الطعام ليأكلوا. وقال قتادة: ضحكت من غفلة قوم لوط وقُرب العذاب منهم. وقيل: ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثةٍ وهو بين خدمه وحشمه وخواصه. وقال ابن عباس ووهب: ضحكت تعجُّباً من أن يكون لها ولدٌ على كِبر سنِّها وسنّ زوجها. فعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير وتقدير.
وقيل: ضحكت بمعنى حاضت. وقال في المحكم ضحكت المرأة حاضت . وقال القرآن لما بُشِّرت أقبلت في صَرَّةٍ أي صيحة من الصَّرير، ولطمت وجهها.
واختلفوا في عدد الرسل، فقالوا: ثلاثة: جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقال الضحاك: كانوا تسعة. وقال مقاتل: كانوا اثني عشر مَلَكاً. وقال محمد بن كعب القرظي: كان جبريل ومعه سبعة أملاك. وقال السدّي: كانوا أحد عشر مَلَكاً (الطبري في تفسير هود 69 71).
وتروي لنا التوراة القصة في (تكوين 18: 1 16) وتقول إن الرجال الثلاثة أكلوا، ثم سألوا إبراهيم عن سارة فقال: ها هي في الخيمة. فقال: إني أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة امرأتك ابن. وكانت سارة سامعة في باب الخيمة وهو وراءه. فضحكت سارة في باطنها قائلة: أبعد فنائي يكون لي تنعّم وسيدي قد شاخ؟ فقال الرب لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة؟ هل يستحيل على الرب شيء؟ فأعاد لها الوعد. وأنكرت سارة الضحك لأنها خافت.
وقصة التوراة تكشف خطأ القرآن:
- 1 - في قوله إن الرجال لم يأكلوا. والحقيقة أنهم أكلوا، ولم يخَفْ إبراهيم من شيء.
- 2 - إنهم بشّروه بابنٍ قبل أن يكلّموه عن قوم لوط.
- 3 - إن امرأته لم تُقبِل في صَرَّةٍ ولم تصكَّ وجهها، إذ لا يخفى أن من أعظم العار أن تصخب المرأة أو تصك وجهها، وعند زوجها ضيوفٌ من أفاضل الناس. والكتاب المقدس يضرب المثل بحشمة سارة وأدبها وطاعتها لزوجها.
- 4 - عبارة القرآن تفيد أنها كانت مع الضيوف تخدمهم، مع أن هذا خلاف عادات الشرقيين. وأنهم بشّروها بغلام، والحقيقة هي أنها كانت في الخِباء، لأنها من المخدَّرات. والرجال بشّروا إبراهيم فقط، وهي كانت تسمع من بُعد.
- 5 - لم يذكر القرآن عدد ضيوف إبراهيم.
التكفير عن الخطية:
وأَقَمَ الصلاة طرفيِ النهار وزُلفاً من الليل، إنَّ الحسنات يُذهِبْن السيّئات (آية 114).
روى الترمذي عن أبي اليسر قال: أتتني امرأةٌ تبتاع تمراً فقلت: إن في البيت تمراً أطيب من هذا، فدخلتْ معي في البيت فأهويْتُ عليها فقبَّلتُها. فأتيتُ أبا بكر فذكرت ذلك له، فقال: استُر على نفسك وتُبْ ولا تخبر أحداً. فلم أصبر. فأتيتُ عمر فذكرتُ ذلك له، فقال: استُر على نفسك وتُبْ ولا تخبر أحداً. فلم أصبر. فأتيتُ النبي فذكرت ذلك له، فأطرق النبي ساعة حتى أوحى الله إليه أقِمِ الصلاة طرفيِ النهار وزُلفاً من الليل، إنَّ الحسنات يُذهِبْن السيِّئات، ذلك ذكرى للذاكرين . قال أبو اليسر: فأتيتُه فقرأها عليَّ النبي، فقال أصحابه: ألهذا خاصةً أمْ للناس عامةً؟ فقال: بل للناس عامة (القرطبي في تفسير هود 11: 114).
فوضع محمد قانوناً عمومياً للناس مقتضاه التكفير بالصلوات الخمس، وهذا منافٍ لقداسة الله وعدله، فإنه لا يمكن التكفير عن الخطية إلا بسفك الدم. إن الخطيئة هي أفظع وأشنع شيء أمام الله. قال المسيح: كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه (متى 5: 29) كما قال: متى فعلتُم كل ما أُمرتُم به فقولوا: إننا عبيدٌ بطالون لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا (لوقا 17: 10 و11). إن صلاة الإنسان وصومه لا يكفّران عن خطيته، لأنه إنما عمل الواجب عليه، ولا تكفير عن الخطية إلا بقبول ما عمله المسيح الفادي بعمله الكفاري على الصليب.
- تعليقات على سورة يوسف (12)
قصة يوسف:
إنَّا أنزلناه قرآناً عربياً (آية 2).
لما قالت اليهود لمشركي مكة: سَلُوا محمداً عن أمر يعقوب وقصة يوسف،وكانت عند اليهود بالعبرانية، نزلت هذه السورة فيها قصة يوسف بالعربية لتفهمها العرب ويعرفوا معانيها. فقوله قرآناً من إطلاق الكل على الجزء. فالمسلمون يعترفون أن قصة يوسف مذكورة باللغة العبرية في الأصل، وأن القرآن ذكرها باللغة العربية ليفهمها العرب (الرازي في تفسير يوسف 12: 2).
ولكن نقول إنها كانت مترجمة إلى العربية قبل ظهور محمد بأجيال عديدة، وقد تصرّف محمد في هذه القصة تارة بالزيادة وأخرى بالحذف، فذكر في عدد (4) أن يوسف رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين، وهذه العبارة مثل العبارة الواردة في تكوين 37: 9 11. لكنه حذف الحُلم المذكور قبل هذا فقال لإخوته إنهم كانوا حازمين حُزماً في الحقل: وإذا حزمتى قامت وانتصبت، فاحتاطت حُزمكم وسجدت لحزمتي فترك القرآن هذا ولم يذكر سوى الحلم الثاني.
يوسف وإخوته:
قالوا: يا أبانا مالك لا تأمَنَّا على يوسف وإنّا له لناصحون. أرسِلْهُ معنا غداً يرتعْ ويلعبْ وإنّا له لحافظون. قال: إني ليَحْزُنُني أن تذهبوا به، وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون (آيات 11 13).
لم يطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يرسله معهم للّعب، ولا كان هو متردداً مخافة أن يأكله الذئب. فالحقيقة هي في تكوين 37: 12 42 أن إخوة يوسف توجّهوا إلى شكيم لرعي مواشيهم، فغابوا مدة. فطلب أبوهم مِن يوسف أن يذهب ليرى سلامة إخوته وسلامة الغنم. فتوجّه فلم يهتدِ إليهم، فاستفهم عنهم وعرف أنهم في دوثان، فتوجَّه إليهم. فلما أبصروه من بعيدٍ عزموا على قتله بأن يطرحوه في أحد الآبار، ويقولوا إن وحشاً رديئاً أكله. فأنقذه رأوبين من أيديهم، وقال: لا تسفكوا دماً. اطرحوه في هذه البئر (وكانت فارغة ليس فيها ماء) لينقذه ثم يردّه إلى أبيه. فلما وصل يوسف إليهم نزعوا قميصه الملون وطرحوه في البئر.
وقال القرآن إن أولاد يعقوب لعنوا أباهم لأنه كان يحب يوسف أكثر منهم، وقالوا: إن أبانا لفي ضلال مبين (يوسف 8).
وقد أورد الرازي شبهة قوية في هذه المسألة، لم يستطع الإجابة عليها، فقال:
(1) إن كان أولاد يعقوب مُقرِّين بكونه رسولاً، فكيف اعترضوا عليه وزيّفوا طريقته؟ وإن كانوا مكذِّبين لنبوته، فهذا يوجب كفرهم. وقال في الإجابة إنهم كانوا مؤمنين بنبوَّة أبيهم، إلا أنهم جوَّزوا منه الخطأ.
(2) إنهم نسبوا إلى أبيهم الضلال المبين وذلك مبالغة في الذمّ والطعن، مما يستوجب الكفر. وكان جواب الرازي: المراد الضلال عن رعاية المصالح في الدنيا (الرازي في تفسير يوسف 12: 11 13).
لقد قال القرآن عن إخوة يوسف ما لم يقولوه، ولذا وقع مفسروه في هذا المأزق! ثم كيف تتَّفق أفعالهم تلك مع كونهم أنبياء كما يقول القرآن: وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ؟ (النساء 4: 163).
ويقول القرآن إنهم لما رأوا أباهم يحب يوسف، اتفقوا على قتله وإلقائه في غيابة الجب ليلتقطه بعض السيارة. والحقيقة أنهم تداولوا بعد أن أرسل إسرائيل يوسف إلى إخوته. فهذه خمس أخطاء:
1.
2. إنهم لم يلعنوا أباهم.
3.
4. لم يتفقوا في قتله إلا بعد إرساله إليهم.
5.
6. لم يطلبوا من أبيهم أن يرسله معهم، بل أبوهم هو الذي أرسله إليهم من تلقاء ذاته.
7.
8. لم يذكر أبوهم شيئاً عن ذئب.
9.
10. لم يظن يعقوب السوء في أولاده كما قال: بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً (آية 18). فإنه صدّق كلامهم وبكى على ابنه.
(6) نسب القرآن إلى إخوة يوسف الذين يصفهم بالنبوّة عدة أخطاء، منها أنهم سبّوا أباهم وضربوا أخاهم (الطبري في تفسير يوسف 12: 15).
بيع يوسف:
وجاءت سيَّارةٌ فأرسلوا واردَهم فأدلى دَلْوَهُ. قال: يا بُشرى! هذا غلامٌ. وأَسَرُّوهُ بضاعةً (آية 19).
في قراءة جاءت يا بشراي! . و واردهم هو الذي يتقدّم الرفقة إلى الماء والدلاء. يُقال: أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر، ودلوتها إذا أخرجتها. فقال الوارد: أبشروا .
والتوراة تقول: إن يهوذا أشار على إخوته أن يبيعوا يوسف وقال لهم إنه أخونا من لحمنا. ولما مرّت قافلة من المديانيين سحبوا أخاهم وباعوه. وعبارة القرآن تفيد أن رجال القافلة هم الذين سحبوه.
ويقول القرآن إن الذي اشتراه من مصر قال: نتَّخذه ولداً (آية 22). والحقيقة هي أنه كان عبداً غريب الجنس.
امرأة فوطيفار ويوسف:
ولقد هَمَّت به وهَمَّ بها، لولا أن رأى برهان ربه. كذلك لنصرفَ عنه السُّوءَ والفحشاء. إنه من عبادنا المخْلَصين (آية 24).
قال المفسرون: إن همّ يوسف كان معصية، وإنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم، فيما ذكر القُشيريّ أبو نصر، وابن الأنباريّ والنحاس والماورديّ وغيرهم. قال ابن عباس: حلّ الهِميان وجلس منها مجلس الخاتن، وعنه: استلقت على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه. وقال سعيد بن جُبير: أطلق تِكَّة سراويله. وقال مجاهد: حلّ سراويله. وقال مجاهد: حلّ السراويل حتى بلغ الإليتين، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته. قال ابن عباس: ولما قال: ذلك ليعلم أني لم أَخُنْهُ بالغَيْب (يوسف 52) قال له جبريل: ولا حين هممت بها يا يوسف؟! فقال عند ذلك: وما أبَرِّئُ نفسي (يوسف 53). قالوا: والانكفاف في مثل هذه الحالة دالّ على الإخلاص، وأعظم الثواب (القرطبي في تفسير يوسف 12: 24).
وأما تفسير قوله لولا أن رأى برهان ربِّهِ (آية 24) فقال قتادة وأكثر المفسرين: إن يوسف رأى صورة يعقوب وهو يقول له: يا يوسف، أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب من الأنبياء! . وقال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك: انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضاً على أصبعه. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: مثل له يعقوب، فضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله . وقال السدّي: نودي يا يوسف أتواقعها؟ إنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق عليه. وإن واقعْتَها كمثله إذا وقع على الأرض، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه شيئاً. ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُطاق، ومثلك إن واقعتها كمثله إذا مات ودخل النمل في قرنه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه (الكشاف في تفسير يوسف 12: 24).
أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: البرهان الذي أرى يوسف هو ثلاث آيات من كتاب الله وإنَّ عليكم لَحَافِظِين، كِراماً كاتِبِين، يعلمون ما تفعلون (الانفطار 82: 10 12). وقوله: وما تكونُ في شأْنٍ وما تتلو منه من قرآنٍ (يونس 10: 61). وقوله: أفمَنْ هو قائمٌ على كلِ نفسٍ بما كسَبَت (الرعد 13: 33). زاد غيره آية أخرى ولا تَقْرَبوا الزنا (الإسراء 17: 32). وأخرج ابن أبي حاتم أيضاً عن ابن عباس في قوله لولا أن رأى آية من كتاب الله نهته مثلت له في الحائط (الإتقان للسيوطي فصل ما نزل على غير محمد).
نقول: (1) كيف نزلت هذه الآيات على يوسف؟ هل باللغة العربية؟ فكيف فهمها وهو عبراني؟! أم بالعبرانية؟ فكيف تتفق مع إنّا أنزلناه قرآناً عربياً ؟ (يوسف 12: 2). (2) كيف نزلت الآيات القرآنية ليوسف قبل مولد محمد؟
والكتاب المقدس يشهد أن يوسف منزّهٌ عن قوله هَمَّت به وهَمَّ بها . فورد في تكوين 39: 9 أنه لما طلبت امرأة فوطيفار من يوسف أن يضطجع معها، قال: إن سيدي سلّم كل شيء ليدي في هذا البيت، ولم يُمسك عني شيئاً غيرك، لأنك امرأته، فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟ وكانت تكلمه من يوم إلى آخر فلم يلتفت إليها.
مسك ثياب يوسف:
واسْتَبقا الباب، وقَدَّت قميصَه من دُبُرٍ. وألفيا سيّدها لدى الباب. قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يُسجَن أو عذابٌ أليم؟ قال: هي راودتني عن نفسي. وشهد شاهد من أهلها: إن كان قميصُه قُدَّ من قُبُلٍ فصدقت، وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قُدَّ من دُبُرٍ فكذبت، وهو من الصادقين. فلما رأى قميصه قُدّ من دُبُرٍ قال: إنه من كيدكنَّ. إن كيدكنّ عظيم.
يوسف أعرض عن هذا (آيات 25-29) يعني: اترك هذا الحديث ولا تذكره لأحدٍ حتى لا ينتشر بين الناس. أو: لا تكترث به، فقد بانت براءتك.
والتوراة تعلمنا خلاف هذا، ففي ذات يوم دخل يوسف البيت ليعمل عمله، ولم يكن أحد في البيت، فأمسكت بثوبه قائلة: اضطجع معي فترك ثوبه في يدها وهرب. فنادت أهل بيتها وقالت: جاء إلينا برجلٍ عبراني ليداعبنا . فأخبرت زوجها فحبسه (التكوين 39).
ومن هذا نرى:
- 1 - لم يجد فوطيفار زوجته ويوسف عند الباب.
- 2 - لم يقدّ قميصه لا من دُبُر ولا من قُبُل، لأنه ترك ثيابه في يدها وهرب.
- 3 - من الغرائب تبرئة فوطيفار ليوسف وتوبيخ امرأته، وتوسُّله إلى يوسف ألاّ يُشيع الفضيحة، فالرجل الذي يُثبِت على امرأته الفسق والخيانة لا يبقيها في بيته، ولا يستمر على اقتناء العبد ليكون أحبولةً لامرأته الشريرة، ولا يسجنه بعد ظهور براءته. فالحق هو ما ذُكر في التوراة لأنها هي الأصل، ولأنها توافق الذوق والعقل السليم.
نساء المدينة:
وقال نِسْوَةٌ في المدينة: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه. قد شغفها حباً. إنّا لنراها في ضلال مبين. فلما سمعت بمكرهنّ أرسلت إليهنّ وأعْتَدَت لهنّ متكأ. وأتت كل واحدةٍ منهنّ سكيناً وقالت: اخرج عليهنّ. فلما رأينه أكبَرْنه وقطَّعْن أيديَهنّ وقلن: حاش لله! ما هذا بشراً. إن هذا إلا مَلَكٌ كريم. قالت: فذلكُن الذي لُمْتُنَّني فيه، ولقد راودتُهُ عن نفسه فاستَعْصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليُسْجَننّ ولَيَكونشّمن الصاغرين (آيات 30 32).
يقول المفسرون: سمعت نِسْوةٌ من أشراف مصر أن امرأة العزيز تراود عبدها عن نفسه. فلما سمعت أنهنّ يلُمْنَها على محبته صنعت لهنّ وليمة بألوان الفواكه والأطعمة، ووضعت الوسائد ودعت النسوة وأعطت كل واحدة منهنّ سكّيناً، لأنه كانت عادتهنّ أن يأكلن اللحم والفواكه بالسكين. وقالت ليوسف اخرج عليهنّ. وكانت قد زيَّنته وخبَّأته في مكانٍ آخر. فلما رأته النسوة حِضْن منالفرح، وجعلن يقطّعن أيديهنّ بالسكاكين التي معهنّ وهنّ يحسبن أنهنّ يقطعن الأترج، ولم يجدن الألم لدهشتهنّ. وقال قتادة: أَبَنَّ أيديهنّ حتى ألقَيْنها. وقال وهب: مات جماعة منهنّ، وأن النساء قلن ليوسف: أطع مولاتك فيما دعتك إليه. وقيل: طلبت كل واحدة أن تخلو بهوكانت تقول له: يا يوسف اقضِ لي حاجتي فأناخيرٌ لك من سيدتك. فقال: يارب كانت واحدةً فصرن جماعة. فاختار يوسف السجن على المعصية (القرطبي في تفسير يوسف 12: 31).
ولكن التوراة تعلّمنا:
- 1 - لم تُقِم امرأة فوطيفار وليمةً لنساء أشراف المدينة وتعترف لهنّ بما اقترفت، فلا نتصوَّر أن تفضح نفسها.
- 2 - لا نتصور أنها تزيِّن يوسفَ ثم تدخِله عليهنّ لفتنتهنّ، ويطيعها يوسف مع صلاحه وتقواه.
- 3 - لا نتصور أن النساء يقطعن أيديهنّ ولا يشعرن لدهشتهنّ من جمال يوسف. ولو قال إنهنّ نسين طعامهنّ أو غير ذلك لكان مقبولاً. ولكن دعواه أن البعض قتلن أنفسهنّ ولم يشعرن هو من الأقوال المستحيلة.
- 4 - كيف يجوز سَجْنه بعد أن تأكد فوطيفار من براءته ونزاهته؟
- 5 - قوله ما هذا بشراً خطأ لغوي، صوابه: بشرٌ.
- 6 - يقول القرآن إن فوطيفار وبّخ امرأته، وترجّى يوسف أن لا يفضح أمره، ثم يقول بعد سطرين إن امرأته أشاعت هذا الخبر وهتكت نفسها بنفسها، واعترفت أنها هي الخاطئة وأنها معذورة بسبب جمال يوسف، وبعد هذا كله قال القرآن بحبس يوسف.
وقال المفسرون: إن امرأة فوطيفار قالت بعد ظهور براءة يوسف: سأحبسك مع السُّرّاق والسُّفّاك والأُبّاق، كما سُرق قلبي وأبق مني، وسُفك دمي بالفراق، فلا يهنأ ليوسف الطعام والشراب والنوم هنالك، كما منعني هنا كل ذلك. ومن لم يرضَ بمثلي في الحرير على السرير أميراً، حصل في الحصير على الحصير أسيراً .
حلما السارق والخباز:
ودخل معه السجن فَتَيان. قال أحدُهما: إني أراني أعصِر خمراً، وقال الآخَر: إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطيرُ منه. نبِّئْنا بتأويله إنّا نراك من المحسنين. قال: لا يأتيكما طعامٌ تُرزَقانِهِ إلا نبَّأتُكما بتأويله قبل أن يأتيكما. ذلكما مما علّمني ربي...يا صاحِبَيِ السجن، أمّا أحدُكما فيسقي ربَّه خمراً، وأما الآخر فيُصلَب فتأكل الطير من رأسه. قُضيَ الأمرُ الذي فيه تستفتيان (آيات 36 و37 و41).
والحقيقة هي ما جاء في تكوين 40 ، فقد أذنب رئيس السقاة ورئيس الخبَّازين إلى فرعون، فحبسهما في المكان الذي كان يوسف مسجوناً فيه. وحلم كل منهما حلماً في ليلة واحدة فكدّرهما، فقصَّ رئيس السُّقاة حلمه على يوسف وقال له: كنتُ في حلمي وإذا كرمةٌ أمامي وفي الكرمة ثلاثة قضبان، وهي إذا أفرخت طلع زهرُها وأنضجت عناقيدها عنباً. وكانت كأس فرعون في يدي، فأخذتُ العنب وعصرته في كأس فرعون وأعطيت في يد فرعون. فقال له يوسف: الثلاثة قضبان هي ثلاثة أيام. في ثلاثة أيام يرفع فرعون رأسك ويردّك إلى مقامك. ثم قال رئيس الخبازين ليوسف: كنت أنا أيضاً في حلمي وإذا ثلاثة سلال حُوَّارَى (بيضاء) على رأسي، وفي السل الأعلى من جميع طعام فرعون من صنعة الخباز، والطيور تأكله من السل عن رأسي. فأجاب يوسف: الثلاثة السلال هي ثلاثة أيام. في ثلاثة أيام أيضاً يرفع فرعون رأسك عنك ويعلّقك على خشبة وتأكل الطيور لحمك.
التماس يوسف:
وقال للذي ظنّ إنه ناجٍ منهما: اذكرني عند ربك. فأنساه الشيطان ذكر ربه. فلبث في السجن بضع سنين (آية 42).
قال أكثر المفسرين: إن الشيطان أنسى يوسف ذِكر ربه حتى ابتغى الفرج من غيره، واستعان بمخلوقٍ مثله في دفع الضرر. وتلك غفلةٌ عرضت ليوسف، بشغل الخاطر وإلقاء الوسوسة، فإنه ورد في الحديث أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وقوله بضع سنين اختلفوا فيه، فقيل هو ما بين الثلاث إلى السبع، وقيل هو ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل هو ما دون العشر. وقال أكثر المفسرين إن البضع في هذه الآية سبع سنين، وكان يوسف لبث قبلها خمس سنين، فجملة ذلك 12 سنة. قال محمد: رحم الله يوسف، لولا كلمته التي قالها وهي اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث (الرازي في تفسير يوسف 12: 42).
ولكن التوراة تعلمنا أن يوسف قال لرئيس السقاة: حينما يصير لك خير تصنع إليّ إحساناً وتذكرني لفرعون، وتخرجني من السجن . وهذا الالتماس جائز في حد ذاته، بل واجب، لأن الله جعل لكل شيء سبباً. وأيُّ حرجٍ على يوسف في طلبه هذا الطلب العادل؟ والعاقل يرى أن سلوك يوسف هذا كان مرضياً لله فإنه من باب التوكّل على الله. وقد ورد في تكوين 39: 21 أن الرب كان مع يوسف وبسط إليه لطفاً وجعل نعمة له في عيني رئيس بيت السجن، فسلّم له كل شيء، لأن الرب كان معه، ومهما صنع كان الرب ينجحه .
حلم فرعون:
ذُكر في القرآن حلم فرعون، وهو ينقص عما في التوراة جملة أشياء. فلم يذكر أن البقرات التي رآها في الحلم كانت طالعةً من النهر، ولم يقل إن السبع سنابل كانت في ساق واحد. وقال إن رئيس السقاة طلب من فرعون أن يرسله إلى يوسف (كما في عدد 45) وإنه أرسله ففسّر له يوسف الحلم ثم رجع إلى الملك. وفي عدد (50) وقال الملِكُ ائْتوني به. فلما جاءه الرسول قال: ارجع إلى ربك فاسْأله: ما بالُ النِّسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ؟ إن ربّي بكيدهنّ عليم . وفي عدد (54) وقال الملك ائْتوني به استخلصْهُ لنفسي. فلما كلّمه قال: إنك اليوم لدينا مكينٌ أمين .
وهذا يعني أنه لما أخبر الساقي الملك بتفسير الرؤيا، أمر الملك بإخراج يوسف من السجن، فأبى يوسف أن يخرج مع رسول الملك حتى تظهر براءته وكيد النساء، فجمع فرعون النساء وخاطبهن، فاعترفت امرأةُ العزيز أنها راودته عن نفسه وحدها، وغير ذلك من الكلام، ثم دعا فرعونُ يوسفَ فأجاب الطلب.
والحقيقة هي كما في التوراة، أنه لما حلم فرعون اعترف رئيس السُّقاة لسيده بتقصيره في عدم ذِكر يوسف، وأخبره بما حدث له مع رفيقه في السجن. فأرسل فرعون ودعا يوسف من السجن، فأبدل ثيابه ودخل على فرعون، فأخبره بأحلامه ففسّرها له، وأشار عليه بتخزين القمح أيام الرخاء والخصب، استعداداً لأيام القحط. ولما انذهل من حكمته ومهارته جعله وزير مصر الأول (أنظر تكوين 41).
وهنا نرى:
- 1 - ذهب رئيس السقاة إلى السجن واستفهم من يوسف عن تعبير حلمَي فرعون.
- 2 - لما أرسل فرعونُ إلى يوسف رفض يوسف أن يلبّي الدعوة مع أن يوسف هو الذي ترجَّى رئيس السقاة أن يتوسّط في إخراجه من السجن. ولا يُعقل أن يوسف يخالف أمر الملك ويُصِرّ على البقاء في السجن إلى أن يبرىء فرعون ساحته، مع أنه عبد أسير. قال محمد: لو لبثْتُ في السجن طول ما لبث يوسف، لأجبْتُ الداعي (أي رسول الملك) (صحيح البخاري كتاب التفسير باب سورة يوسف).
- 3 - ذكر يوسف تقطيع النساء أيديهن. وهذا غريب. فكيف يذكره وهو لم يصرّح بشيءٍ مما حصل له من ظلم إخوته؟ وأغرب من هذا قول القرآن إن فرعون جمع النساء واستفهم منهنّ عن حقيقة ما حدث.
- 4 - قال القرآن إن امرأة فوطيفار اعترفت بذنبها، وهو بعيد عقلاً. وهذه مسألة عرضٍ وشرف.
- 5 - كانت هذه المسألة قد نُسيت بمضي سنوات، وعبارة القرآن تفيد أنه مضى على يوسف في السجن سبع سنين أو 12 سنة.
افتراء على يوسف:
وما أُبرِّئ نفسي. إن النفس لَأَمَّارةٌ بالسوء (آية 53).
لما قال يوسف: لم أخُنْهُ بالغيب (آية 52). قال له جبريل: ولا حين هممت بها؟ فقال يوسف: وما أُبرّئ نفسي . هذه هي رواية ابن عباس، وهو قول الأكثرين. والتوراة تعلمنا أنه منزّه عن أنه همّ بها. وكيف يساعده الله على الارتقاء وقلبه فاسد؟ والقرآن قال إنه لما نسي ذِكر ربه لبث في السجن جملة سنين (الطبري في تفسير هذه الآية).
طلب يوسف الرئاسة:
قال: اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظٌ عليم (آية 55).
ونقول:
(1) ورد في الحديث قول محمد: يرحم الله أخي يوسف، لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته، ولكنه أخّر ذلك سنة . (القرطبي في تفسير الآية).
(2) مدح يوسف نفسه مع أن القرآن يقول: فلا تزكّوا أنفسكم (النجم 53: 33).
(3) والصواب هو ما ذُكر في التوراة (التكوين 41: 37 45). فإنه لما فسّر يوسف الحلم لفرعون، حسُن الكلام في عيني فرعون وفي عيون جميع عبيده، فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله؟ ثم قال فرعون ليوسف: بعد ما أعلمك الله كل هذا، ليس بصيرٌ وحكيمٌ مثلك . وجعله على كل أرض مصر، وفوّض له الأمر.
مجيء إخوة يوسف:
وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له مُنْكِرون، ولما جهّزهم بجهازهم قال: ائْتوني بأخٍ لكم من أبيكم. ألا ترَوْن إني أوفي الكَيْل وأنا خير المُنْزِلِين؟ فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربونِ (آيات 58 60).
قال فخر الدين الرازي: هذا الكلام يضعف قول المفسرين إنه اتهمهم ونسبهم إلى أنهم جواسيس، لأن مَن يتهمهم بأنهم جواسيس لا يليق به أن يقول لهم: ألا ترون إني أوفي الكيل وأنا خير المنزِلين (الرازي في تفسير هذه الآيات).
وهنا نرى:
(1) قال يوسف: ائتوني بأخٍ لكم، بدون استفهامٍ منهم.
(2) قوله: إني أوفي الكيل . والحق هو ما ورد في تكوين 42 أنه لما اشتد الجوع في كنعان وعرف يعقوب بوجود قمحٍ في مصر، أرسل أولاده ليشتروا قمحاً، فأتوا إلى يوسف وخرّوا له ساجدين. فتنكّر يوسف وقال لهم: أتيتم لتتجسَّسوا الأرض . وكانت غايته من ذلك أن يستدلّ منهم عما إذا كان أبوه وأخوه على قيد الحياة أم لا. فأجابوه: إننا اثنا عشر رجلاً بنو رجل واحد، والصغير عند أبينا اليوم، وواحد مفقود . فقال لهم: لا أصدّق كلامكم ما لم تأتوا بأخيكم، وإلا فأنتم جواسيس . وحبسهم ثلاثة أيام، ثم حجز شمعون إلى أن يأتوا بأخيهم، فتذكّروا يوسف وضيقة نفسه، وظنّوا أن يوسف لم يفهم كلامهم، فتحوَّل عنهم وبكى، وأمر أن تُملأ أوعيتهم قمحاً وتُردّ الفضة، وأن يُعطوا زاداً للطريق لأنه كلّفهم بمأمورية. فلا يتصوّر أحد إنهم يذهبون إلى أبيهم ويطلبون منه أن يُرسل أخاهم بنيامين بدون سبب. ولكن التوراة ذكرت سبب ذلك، وهو رغبتهم في تبرئة أنفسهم مما نُسب إليهم أنهم جواسيس، وشرعوا في إقامة البرهان على صدق كلامهم بإحضار أخيهم. ومن الأسباب الموجِبة لإحضار أخيهم بنيامين حجز يوسف لأخيهم شمعون. ولا يُفهَم من عبارة القرآن شيءٌ من ذلكفهي مقتضبة وموجزة.
شرُّ العين:
وقال: يا بَنِيَّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبوابٍ متفرّقةٍ، وما أُغني عنكم مِن الله مِن شيءٍ (آية 67).
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور والمفسرين: أمَرَهم أن يتفرّقوا في دخولهم المدينة لئلا يُصابوا بالعين،فإن العين حق . ووردت أحاديث كثيرة تثبت أن العين حق. وكان محمد يقول: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامه (القرطبي في تفسير هذه الآية).
واعترض العقلاء اعتراضات جمّة على ذلك، فردّ أصحاب الوسوسة وقالوا: لا يبعد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من عين العائن لتتصل بالمعين فتتخلل مسام جسمه، فيخلق الله الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السم عادة .
والحق أنه لا يعتقد عاقل بالعين، ويعقوب كان من المتوكلين على الله. ولم يرد في التوراة شيء من هذا، بل ورد قول يعقوب لبنيه: والله القدير يعطيكم رحمة أمام الرجل حتى يطلق لكم أخاكم الآخَر، وبنيامين (تك 43: 14).
مقابلة يوسف لإخوته:
ولما دخلوا على يوسفَ آوى إليه أخاه. قال: إني أنا أخوك فلا تَبْتَئِسْ بما كانوا يعملون. فلما جهَّزَهم بجِهازهم جعل السِّقاية في رَحْل أخيه. ثم أذَّن مُؤذِّنٌ: أيتها العير، إنكم لسارقون. قالوا وأقبَلوا عليهم: ماذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صُوَاعَ المَلِكِ، ولِمَنْ جاء به حِمْلُ بعيرٍ (آيات 69 72).
قال القرآن إن يوسف عرَّف نفسه لأخيه دون باقي إخوته، والحقيقة هي أنهم لما وصلوا أكرمهم وأطعمهم واستفهم منهم عن سلامة أبيهم. ولما أزمعوا الرحيل أمر بوضع الطاس في فم عِدْل بنيامين. ولما انصرفوا أرسل وراءهم من فتَّش عِدالهم، ولما وجدوا الطاس في فم عِدل بنيامين أمر بالقبض عليه، وكانت غايته من ذلك أن يعرف: هل كانوا يبغضونه، أم غيَّرت الأيام طباعهم؟ فاستعطفه إخوته وقصّوا عليه حكايتهم المبكية، مما برهن تغيُّر قلوبهم. وأخيراً كشف لهم يوسف الأمر. (تكوين 44 ، 45).
سرقة يوسف:
قالوا: إنْ يَسْرِق فقد سَرَق أخٌ له مِن قَبُْل. فأَسرَّها يوسف في نفسه ولم يُبْدِها لهم. قال: أنتم شرٌّ مكاناً (آية 77).
يؤخذ من عبارة القرآن أن بنيامين سرق الصاع مثل أخيه يوسف، فإن المسلمين قالوا إن يوسف سرق صنم جدّه أبي أمه. وقيل سرق بيضةً أعطاها للفقراء، وقيل دجاجة. وقيل كان يخبىء الطعام ليتصدّق به، وغير ذلك (الكشاف في تفسير هذه الآية) وهو غير صحيح، فإن يوسف لم يسرق شيئاً. والحقيقة هي أنه لما وجد عبيدُ يوسف الطاسَ في عِدل بنيامين، مزّق إخوتُه ثيابهم، وتحدث يهوذا حديثاً مؤثراً جداً، وقال ليوسف: خذني عِوضاً عنه، لأني إذا صعدتُ إلى أبيه بدونه يموت والدي. وبذلك ظهرت محبتهم لبنيامين، وأن طباعهم تغيّرت عما كانوا عليه وقت يوسف. فتأثر يوسف من أقوالهم وتصرفاتهم وأمر بإخراج الحاضرين وبكى، وعرّفهم نفسه، وسكّن روعهم.
رجوع إخوة يوسف إلى أبيهم:
يُستفاد من يوسف 80 82 أن إخوة يوسف تركوا بنيامين في مصر وتوجّهوا إلى أبيهم وأخبروه أن ابنه بنيامين سرق، وأن حاكم مصر حجزه عنده. فأرسلهم ثانية إلى مصر لشراء قمح.
والتوراة تختلف مع هذا، فإنهم لو رجعوا إلى أبيهم بغير أخيهم لما عاش والدُهم. والحق هو أن يوسف عرّف نفسه لإخوته، وأرسل المركبات واستدعى أباه إلى أرض مصر. ومن رغب في معرفة هذه القصة فعليه بمطالعة التوراة.
قميص يوسف:
اذهبوا بقميصي هذا فأَلْقوه على وجه أبي يأتِ بصيراً، وأْتوني بأهلكم أجمعين. ولما فَصَلَتِ العِيرُ قال أبوهم: إني لَأَجِدُ ريحَ يوسف لولا أن تُفنّدونِ. قالوا: تَاللهِ إنك لَفِي ضلالِك القديم. فلمّا أن جاء البشيرُ ألقاهُ على وجهَهُ فارتدَّ بصيراً (آيات 93 96).
قال الضحّاك: كان هذا القميص من نسيج الجنة وقال مجاهد: أمره جبريل أن يرسل إليه قميصه، وكان ذلك القميص قميص إبراهيم، وذلك إنه لما جُرِّد من ثيابه وأُلقي في النار عرياناً أتاه جبريل بقميصٍ من حرير الجنة، فألبسه إياه، فكان ذلك القميص عند إبراهيم. فلما مات ورثه إسحق، فلما مات ورثه يعقوب، فلما شبّ يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في قَصَبةٍ من فضَّة وسدّ رأسها وجعلها في عنق يوسف كالتعاويذ، لما كان يخاف عليه من العين، وكانت لا تفارقه. فلما أُلقي يوسف في البئر عُرياناً أتاه جبريل وأخرج له ذلك القميص وألبسه إياه. فلما كان هذا الوقت جاءه جبريل وأمره أن يرسل هذا القميص إلى أبيه، لأن فيه ريح الجنة، فلا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عُوفي في الوقت. فدفع يوسف ذلك القميص إلى إخوته وقال: اذهبوا بقميصي هذا وضعوه على وجه أبي. فلما فعلوا ذلك رُدَّ إليه بصره (القرطبي في تفسير يوسف 12: 93).
أما صواب قصة القميص فنقرأه في تكوين 37: 3 . كان يعقوب يحب يوسف فصنع له قميصاً ملوناً. ولما باع أولاد يعقوب أخاهم يوسف أخذوا هذا القميص الملوّن وذبحوا تيساً من المعز وغمسوا القميص في الدم، وأرسلوه إلى أبيهم وقالوا: وجدنا هذا القميص، فحقِّقْه: أقميص ابنك هو؟ فقال: قميص ابني. وحشٌ رديءٌ أكله. فناح.
وفي تكوين 37: 35 أرسل يوسف لطلب أبيه عَجَلاتٍ وعشر حمير حاملة من خيرات مصر، وعشرة أُتُنٍ حاملةً حنطة وخبزاً وطعاماً لأبيه في الطريق. ولم يرسل إليه قميصاً.
ونسب القرآن إلى هذا القميص تفتيح عيني يعقوب!
- تعليق على سورة الرعد (13)
الرعد:
ويسبّح الرعد بحمده والملائكة من خِيفَته (آية 13).
قال ابن عباس: أقبلت اليهود إلى محمد فقالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: مَلَكٌ من الملائكة موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار، يسوقه بها حيث يشاء الله. قالوا: فما هذا الصوت الذي يُسمع؟ قال: زجره السحاب حتى تنتهي حيث أُمرَت. قالوا: صدقت . أخرجه الترمذي (الرازي في تفسير هذه الآية).
والرعد كما لا يخفى تصادم الكهربائية بين السحاب وبين بعضه، أو بين السحاب والأرض.
- تعليقات على سورة الحِجْر (15)
خلق الجان:
والجانَّ خلقناه مِن قَبْلُ من نار السَّموم (آية 27).
وقالوا: الجان أبو الجن كما أن آدم أبو البشر. وفي الجن مسلمون وكافرون يأكلون ويشربون ويحيون ويموتون كبني آدم. وأما الشياطين فليس منهم مسلمون ولا يموتون. ومعنى نار السَّموم نار جهنم. وقال ابن مسعود: هذه السموم جزء من سبعين جزءاً من السموم التي خُلق منها الجان. وهي تقدر أن تتولَّج في بواطن الحيوانات وتنفذ في منافذها الضيقة نفوذ الهواء المستنشَق (الرازي في تفسير هذه الآية). ولكن ذهب العقلاء إلى أنه إذا كان للجن أجسامٌ وأنهم يتوالدون دون أن نراهم، جاز أن يكن بحضرتنا جبالٌ وبلاد لا نراها، وأبواقٌ وطبولٌ لا نسمعها!
والحق هو ما ورد في التوراة من أنه لا يوجد سوى الملائكة الأخيار والملائكة الأشرار، أو أرواح طاهرة وأرواح شريرة. ولا وجود لشيء يُقال له جن.
تبشير إبراهيم:
إنّا نبشّرك (يعني إبراهيم) بغلام (آية 53).
مع أنه في هود 11: 74 يقول: إن الملائكة بشّروا امرأته ولكننا نعلم أن الإنباء بهلاك سدوم هو بخلاف البشارة بميلاد اسحق.
سبعة أبواب جهنم والصراط:
وإنّ جَهنَّم لَمَوْعِدُهم أجمعين، لها سبعةُ أبوابٍ، لكل بابٍ منهم جزءٌ مقسوم (آيتا 43 ، 44).
قال علي بن أبي طالب: تَدْرون كيف أبواب جهنم؟ ووضع إحدى يديه على الأخرى، أي سبعة أبواب بعضها فوق بعض. قال ابن جريج: النار دركات، أوّلها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية . قال الضحاك: في الدركة الأولى أهل التوحيد الذين دخلوا النار يُعذَّبون فيها بقدر ذنوبهم، ثم يُخرَجون منها. وفي الثانية النصارى، وفي الثالثة اليهود، وفي الرابعة الصابئون، وفي الخامسة المجوس، وفي السادسة أهل الشِرك، وفي السابعة المنافقون .
ويقول المسلمون إن الصراط ممدود على ظهر جهنم، يعبر عليه جميع الخلائق، المؤمن وغير المؤمن. ولذا ورد قوله: وإنْ منكم إلا واردُها، كان على ربك حَتْماً مَقْضياً (مريم 19: 71) يعني يدخل البَرُّ والفاجر في جهنم، ثم ينجّي الله الذين اتَّقوا. كان على ربك حتماً مقضياً أي كان ورود جهنم قضاء لازماً قضاه الله عليكم، وأوجبه. قال القرآن ثم ننجّي الذين اتَّقوا .
وقد أنكر المعتزلة هذا. وقالوا إن من كان أدقّ من الشعر وأحدّ من غرار السيف لا يمكن عقلاً العبور عليه. وإن أمكن العبور فلا يمكن إلا مع مشقّة عظيمة، ففيه تعذيب للمؤمنين. فردّوا على ذلك بأن القادر المختار يسهّل على المؤمنين (أنظر الطبري في مريم 19: 70 ، 71).
- تعليقات على سورة النحل (16)
عدم تحرّك الأرض:
وألقى في الأرض رواسيَ أن تميدَ بكم (آية 15). أي أنه ثبَّتها بالجبال كيلا تميل بكم وتضطرب.
ولكنه يقول: والأرضَ مدَدْناها وألقَيْنا فيها رواسيَ (الحِجْر 15: 19) ، وفي ق 50: 7 ، ونوح 71: 18 والله جعل لكم الأرض بساطاً مع أن الأرض متحرّكة وكرة مستديرة.
برج بابل:
قد مكر الذين مِن قَبْلهم، فأتى الله بُنيانهم مِن القواعد، فخَرَّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون (آية 26).
قال المفسرون إن نمرود كنعان بنى صرحاً ببابل ليصعد إلى السماء ويقاتل أهلها. قال ابن عباس: كان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع . وقال غيره: كان طوله فرسخين، فهبّت ريح فقصفته وألقت رأسه في البحر، وخرّ عليهم الباقي فأهلكهم وهم تحته. ولما سقط تبلبلت ألسن الناس من الفزع، فتكلّموا يومئذ بثلاثة وسبعين لساناً فلذلك سُمّيت بابل. وكان لسان الناس قبل ذلك السريانية (الطبري والقرطبي في تفسير الآية).
والتوراة تعلمنا (تكوين 11) أنه بعد الطوفان عزم الناس على بناء مدينةٍ في شنعار وبرجٍ عظيم، فبلبل الله لسانهم فتشتَّتوا، لأن غاية الله كانت أن يعمِّروا الأرض، ففرّقهم. ودُعيت هذه المدينة بابل.
يعلّمه بشر:
ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلِّمه بشرٌ. لسانُ الذي يُلحِدون إليه أعجميٌّ وهذا لسان عربيٌّ مُبين (آية 103).
قال عرب مكة إن محمداً يتعلم هذه القصص والأخبار من إنسانٍ آخر، وهو آدميّ مثله، وليس هو من عند الله كما يزعم. واختلفوا في ذلك الإنسان، من هو؟ فقد روى القرطبي عن ابن عباس: كان محمد يعلم قيناً بمكة اسمه بلعام، وكان نصرانياً، فكان المشركون يرون محمداً يدخل عليه ويخرجمن عنده، فكانوا يقولون: إنما يعلّمه بلعام . وقال عكرمة: كان محمد يُقرىء غلاماً لبني المغيرة اسمه يعيش، فكان يقرأ الكتب. فقالت قريش: إنما يعلّمه وقيل: كان محمد فيما بلغني كثيراًما يجلس عند المروة إلىغلام رومي نصراني، عبدٌ لبعض بني الحضرمي، اسه جبر. وكان يقرأ الكتب . وقال عبيد الله بن مسلمة: كان لنا عبدان من أهل عين التمر، يقال لأحدهما يسار، ويُكنى أبا فكيهة، ويُقال للآخر جبر، وكانا يصنعان السيوف بمكة وكانا يقرآن التوراة والإنجيل بمكة. فمرّ بهما محمد وهما يقرآن، فوقف يستمع. وكان محمد إذا آذاه الكفار يقعد إليهما فيتروّح بكلامهما. فقال المشركون: إنما يتعلم محمد منهما . وقال الفراء: قالت العرب إنما يتعلم محمد من عائش، مملوك كان لحويطب بن عبد العزى كان نصرانياً وقد أسلم، وكان أعجمياً . وقيل: هو عداس غلام عتبة بن ربيعة (السيوطي في سبب نزول الآية).
قال البيضاوي: يعنون جبرا الرومي غلام عامر بن الحضرمي، وقيل جبراً ويساراً، كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل، وكان محمد يمرّ عليهما ويسمع ما يقرآنه. وقيل: عاشا غلام حويطب بن عبد العزى، قد أسلم وكان صاحب كتب. وقيل سلمان الفارسي (الطبري والرازي في تفسير هذه الآية). فكان يأخذ من كل واحد كلاماً ويدوّنه. وكان هذا معلوماً عند أهل عصره حسب قوله وشهادته الصريحة، فلا عجب إذا جاءت الاختلافات والمتناقضات.
جواز الكفر باللسان:
مَن كفر بالله مِن بعد إيمانه، إلا مَن أُكرِهَ وقلبه مطمئنٌ بالإيمان. ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله (آية 106).
نزلت في عمار بن ياسر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه وأمه وغيرهم فعذّبوهم، وقتلوا أباه وأمه، وأما عمار فوافقهم وكفر بمحمد وقلبه كاره. فأتى عمارُ محمداً وهو يبكي فقال له محمد: كيف وجدت قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان فجعل محمد يمسح عينيه وقال: إن عادوا فعُدْ لهم بما قلت (الرازي في تفسير هذه الآية). يعني يجوز الكفر باللسان إذا كان في القلب الإيمان.
وهذا تعليم فاسد، فهل يرضى الله بالشِرْك به باللسان؟ قال المسيح: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم... مَن ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضاً قدَّام أبي الذي في السموات (متى 10: 28 ، 33).
- تعليقات على سورة الإسراء (17)
الإسراء:
سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المَسْجِدِ الحرام إلى المسجد الأقصى (آية 1).
اختلف المفسرون فيما يتعلق بالإسراء فقالوا إنه كان من الكعبة أو من الحِجْر، أو من بيت أم هانئ.
وقال محمد: بينما كنت نائماً في بيت أم هانئ بعد صلاة العِشاء، أُسري بي . فارتدّ كثير من قريش ورأوا أن هذا من أضغاث الأحلام، أو الأوهام. ومن أقواله في الحديث إن الصلاة كانت خمسين، فتوسّط لدى الله وجعلها خمسة وقت الإسراء (ابن كثير في تفسير هذه الآية).
وقد أورد الرازي عدة شبهات حول أحاديث الإسراء والمعراج:
- 1 - الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحدّ غير معقولة. وصعود الجرم الثقيل إلى السموات غير معقول. وصعوده إلى السموات يوجب انخراق الأفلاك، وذلك محال.
- 2 - هذا المعنى لو صحّ لكان أعظم من سائر المعجزات. وكان يجب أن يظهر ذلك عند اجتماع الناس حتى يستدلّوا به على صدقه في ادّعاء النبوّة. فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه أحد ولا يشاهده أحد، فإنه يكون عبثاً، وذلك لا يليق بالحكيم.
- 3 - تمسّكوا بقوله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فِتْنةً للناس (الإسراء 60). وما تلك الرؤيا إلا حديث المعراج، وإنما كان فتنة للناس لأن كثيراً ممن تبع محمداً لما سمع هذا الكلام كذَّبه وكفر به، فكان حديث المعراج سبباً لفتنة الناس، فثبت أن ذلك رؤيا رآها في المنام.
- 4 - اشتمل حديث المعراج على أشياء بعيدة منها ما روي من شق بطنه وتطهيره بماء زمزم وهو بعيد، لأن الذي يمكن غسله بالماء هو النجاسات العينية، ولا تأثير لذلك في تطهير القلب من العقائد الباطلة والأخلاق المذمومة. ومنها ما روي من ركوب البُراق وهو بعيد، لأن الله لما سيّره من هذا العالم إلى عالم الأفلاك، فأيّ حاجةٍ إلى البراق. ومنها ما رُوي أنه تعالى أوجب خمسين صلاة ثم إن محمداً لم يزل يتردد بين الله وبين موسى إلى أن أعاد الخمسين إلى خمس بسبب شفقة موسى. قال القاضي: وهذا يقتضي نسخ الحكم قبل حضوره، وإنه يوجب البداء وذلك على الله محال، فثبت أن ذلك الحديث مشتمل على ما لا يجوز قبوله، فكان مردوداً (الرازي في تفسير الإسراء 17: 1).
وبالإضافة إلى كل ما قاله المفسرون عن هذه القصة، فهي باطلة من أصلها لأن بيت المقدس (هيكل سليمان أو المسجد الأقصى) كان قد هُدم عام 70م ولم يُبْنَ إلا في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، بعد محمد بنحو مئة عام. فبعد أن بدأت دولة الأمويين بحكم معاوية، آلت الخلافة لعبد الملك بن مروان عام 65 ه (684م) فنالت مدينة القدس عنايةً كبرى في عهده. وبعد أن زارها بعث إلى وُلاته في أرجاء العالم الإسلامي يقول إن الله وجَّهه لبناء قبَّة الصخرة والمسجد الأقصى، وأنه لا يريد أن ينفذ هذا الأمر إلا إذا إمرته الرعية. فجاءته الرسائل من أنحاء العالم الإسلامي تحبِّذ الأمر، وتقول إن عليه أن يمضي في ما عزم عليه. ويقول كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل لمؤلفه قاضي القضاء مجيد السيد الحنبلي (وقد كتبه سنة 90ه) إن عبد الملك بن مروان جدَّ في بناء القبة والمسجد الأقصى ليصرف الناس عن الحج إلى مكة وقت سيطرة عبد الله بن الزبير على الحجاز.
وجمع عبد الملك بن مروان أمهر رجال الهندسة والبناء والزخرفة فأقاموا نموذجاً لقبة الصخرة عُرض على الخليفة ، فشاور أعوانه وأقرّوه وتمّ تنفيذه. (عن كتاب القدس ومعاركنا الكبرى لمحمد صبيح).
وقصة المعراج هذه أُخذت من كتب الفرس ومن خرافاتهم القديمة، فإنها مذكورة في كتبهم 400 سنة قبل الهجرة في كتاب يسمى ارتيوراف نامك (معراج).
أمرنا مُترَفيها ففسقوا:
وإذا أرَدْنا أن نهلك قريةً أمرنا مُتْرَفيها ففسَقوا فيها فحقَّ عليها القولُ فدمَّرْناها تدميراً (آية 16).
مع أنه يقول في الأنعام 6: 131 ذلك أن لم يكن ربُّك مهلكَ القرى بظلمٍ وأهلها غافلون .
فكيف يأمرنا الله بالفسق لكي تكون له ذريعة لإهلاك الناس مع أن هناك من لم يخطئ فيهم؟
سبع سماوات:
تُسبِّحُ له السمواتُ السَّبْعُ والأرضُ (آية 44).
وكذلك ورد في المؤمنين 23: 17 ولقد خَلَقْنا فوقَكم سَبْعَ طرائِقَ وفي فصّلت 41: 12 فقَضاهُنَّ سَبْعَ سمواتٍ في يومين وفي الطلاق 65: 12 اللهُ الذي خلق سَبْعَ سمواتٍ، ومن الأرضِ مِثْلَهُنّ وفي المَلك 67: 3 الذي خَلق سبْعَ سمواتٍ طِباقاً وفي نوح 71: 15 ألم تَرَوْا كيف خلق الله سبع سموات طِباقاً .
والظاهر أن محمداً حسب السماء الدنيا هي المركز، ويليها كوكب القمر، ثم كوكب عطارد، ثم كوكب الزهرة، ثم كوكب الشمس، ثم المريخ، ثم كوكب المُشتَرَى، ثم كوكب زُحَل. أما كوكب الثوابت فهو المعبَّر عنه في القرآن بالكرسي، وقال علماؤهم: وكوكب الأطلس هو الذي عبَّر عنه بالعرش المجيد . فدعواه أن السموات سبع وأن الأرض سبع هو حسب طريقة بطليموس التي أظهرت الاكتشافات الفلكية خطأها.
- أشراف قريش ومحمد:
وقالوا: لن نؤمن لك حتى تَفْجُر لنا من الأرض ينبوعاً، أو تكونُ لك جَنَّةٌ من نخيلٍ وعنب، فتُفجِّر الأنهارَ خلالها تفجيراً، أو تُسقِطَ السماءَ كما زعَمْتَ علينا كِسَفاً، أو تأتي بالله والملائكة قَبِيلاً، أو يكونَ لك بيتٌ من زُخْرفٍ، أو تَرْقَى في السماء. ولن نؤمنَ لِرُقِيِّك حتى تُنَزِّلَ علينا كتاباً نقرؤه. قل: سبحان ربي، هل كنتُ إلا بشراً رسولاً؟ (آيات 90 93).
قال ابن عباس إن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، والنضر بن الحرث، وأبا البختري والأسود بن عبد المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومنبّهاً ابني الحجاج، اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلّموك. فجاءهم محمد سريعاً، وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بدء. وكان حريصاً يحب رشدهم حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد، إنّا بُعثنا إليك لنُعذَر فيك، وإنّا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك. لقد شتمتَ الآباء، وعِبْتَ الدين، وسفّهت الأحلام، وشتمْتَ الآلهة، وفرَّقت الجماعة، وما بقيَ من قبيحٍ إلاّ وقد جئتَه فيما بيننا وبينك. فإن كنتَ جئتَ بهذا الحديث تطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنتَ تريد الشرفَ سوَّدناك علينا. وإن كان هذا الذي بك رئى تراه قد غلب عليك لا تستطيع ردّه، بذلْنا لك أموالنا في طلب الطب، حتى نبرئك منه، ونُعذَر فيك . (وكانوا يسمّون التابع من الجن الرئى) فقال محمد: ما بي ما تقولون. ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم، ولا للشرف عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليّ كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً . قالوا: يا محمد، إن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك، فقد علمتَ أنه ليس أحدٌ أضيق بلاداً ولا أشدّ عَيْشاً منا، فسَلْ لنا ربك الذي بعثك فليُسيِّر عنا هذه الجبال التي قد ضيَّقت علينا، ويبسط لنا بلادنا، ويفجّر لنا الأنهار كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن منهم قُصيّ بن كلاب، فإنه كان شيخاً صَدوقاً، فنسألهم عما تقول: أحق هو أم باطل؟ فإن صدَقوك صدّقناك. فقال محمد: ما بهذا بُعثت، فقد بلغتكم ما أُرسلت به . قالوا: فإن لم تفعل هذا فسَلْ لنا ربك أن يبعث مَلَكاً يصدقك، واسأله أن يجعل لك جناتٍ وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضةً يعينك بها على ما تريد، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمس . فقال: ما بُعثتُ بهذا . قالوا: فأسقِط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل، فإنّا لا نؤمن لك إلا أن تفعل . وقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلاً . فلما قالوا ذلك قام محمد، وقام معه عبد الله بن أبي أمية، وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب، فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم. ثم سألوك لأنفسهم أموراً يعرفون بها منزلتك من الله فلم تفعل. ثم سألوكأن تعمل ماتُخوِّفهم به من العذاب فلم تفعل. فوالله ما أؤمن لك أبداً حتى تتَّخذ إلى السماء مَرْقى ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها، فتأتي بنسخةٍ منشورة معك، ونفرٍ من الملائكة . وفي رواية وأربعةٍ من الملائكة يشهدون لك بما تقول . فانصرف محمد إلى أهله حزيناً (الطبري في تفسير هذه الآيات).
ومن تأمل في أقوال أشراف العرب رأى أنها مبنيّة على حكمة وفطنة، فإنهم عقلاء الأمة. لقد طلبوا منه أن يأتيهم بمعجزةٍ يؤيّد بها دعوته، فعجز عن ذلك واعتراه الغم. فلو فعل شيئاً مما نسبه إليه أصحابه من انشقاق القمر ونبع الماء بين أصابعه وغير ذلك لاحتجَّ بها عند عقلاء قومه، ولكنه لم يدَّع بشيء من هذا، فأفحمه العرب، وانصرف والغم ملء فؤاده. وهم معذورون إذا قاوموه فإن الله لم يؤيده بمعجزة كما فعل مع الأنبياء الصادقين. وليس ذلك فقط، بل إنه كثيراً ما كان يعجز عن إجابة أسئلة المستفهمين، وكان يقول إن جبريل كان يغيب عنه. روى البخاري أن محمداً سأل جبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فقال: وما نتنزّل إلا بأمر ربك (مريم 19: 64). وكان جبريل قد أبطأ عنه أربعين يوماً. ولما سأله قريش عن أصحاب الكهف أبطأ 15 ليلة لا يعطيه الله في ذلك وحياً.
تسع آيات موسى:
ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيِّنات، فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم، فقال له فرعون: إني لأظنُّك يا موسى مسحوراً. قال: لقد علمتَ ما أنزل هؤلاء إلاّ ربُّ السموات والأرض بَصَائِرَ، وإني لأظنك يا فرعون مَثْبوراً. فأراد أن يَسْتَفِزَّهُم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً، وقلنا من بعده لبني إسرائيل، اسكنوا الأرض (آيات 101 104).
قال ابن عباس: هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه فحلَّها، وفلق البحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم . وقيل: عوض فلق البحر واليد السنون ونقص من الثمرات وقيل: الطمي والبحر بدل السنين والنقص. قيل: كان الرجل منهم مع أهله في الفراش وقد صارا حجرين، والمرأة تخبز وقد صارت حجراً . ورُوي أن يهودياً قال لصاحبه: تعال حتى نسأل هذا النبي فقال الآخر: لا تقُل نبي، فإنه لو سمع صارت له أربعة أعين . فسألناه عن معنى قوله: ولقد آتينا موسى تسع آيات فقال: لا تشرِكوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تأكلوا الربا، ولا تسحروا، ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله، ولا تسرقوا، ولا تقذفوا المحصَّنات، ولا تفرقوا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت (الطبري في تفسير الإسراء 101).
قلنا: (1) إن الضربات التي ضرب بها الله المصريين هي عشر (خروج أصحاحات 7 12). هذا خلاف المعجزات التي صنعها موسى، منها وضع يده في عبّه وصيرورتها برصاء، وصيرورة العصا حية، وفَلْق البحر الأحمر، ونزول المنّ والسلوى، وضرب الصخرة بعصاه فخرج الماء منها، وابتلاع الأرض لدوثان ورفيقيه، وصعوده إلى الجبل وغيره.
(2) وإذا كان مراده بالتسع آيات الوصايا التي أنزلها الله، فنقول إنها عشر، مذكورة في سفر الخروج 20.
وقد ذكر القرآن أن موسى وفرعون تشاتَماً، مع أن موسى لم يشتم فرعون، كما أن فرعون لم يلعن موسى. ولا يُعقل أن موسى المشهور بالحلم والوداعة يتطاول على ملكٍ مستبد.
(3) قوله فأراد فرعون أن يستفزّهم من الأرض أي يُخرج موسى وبني إسرائيل من أرض مصر، فأغرقه ربنا، وأمر بني إسرائيل أن يسكنوا أرض مصر. مع أن مُنية بني إسرائيل كانت الخروج من مصر، أرض العبودية، ولم يَرْضَ فرعون أن يُخرجهم إلا رغماً عن أنفه، فإن الله أخرجهم بيدٍ قوية وذراعٍ رفيعة، كما قالت التوراة.
- تعليقات على سورة الكهف (18)
أصحاب الكهف:
أَمْ حسِبْتَ أن أصحاب الكهف والرَّقيم كانوا من آياتنا عجباً، إذْ أوى الفتيةُ إلى الكهف، فقالوا: ربنا آتِنا من لدُنك رحمة وهيِّىء لنا من أمرنا رشَداً. فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً، ثم بعثناهم لنعلم أيَّ الحزبين أَحْصَى لِما لبثوا أمداً. نحن نقصُّ عليك نبأَهم بالحقِّ، إنهم فتيةٌ آمنوا بربِّهم وزِدْناهم هُدى... وتحسَبهم أَيْقاظاً وهم رقودٌ ونُقلِّبهم ذات اليمين وذات الشمال، وكلبُهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد .. وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم. قال قائل منهم: كم لبِثتُم؟ قالوا: لبِثنا يوماً أو بعض يوم. قالوا: ربُّكم أَعْلمُ بما لبِثتم، فابعثوا أحدَكم بورقِكم هذه إلى المدينة فلينظر أيُّها أزكى طعاماً فليأْتِكم برزقٍ منه ... سيقولون ثلاثةٌ رابعُهم كلبهم، ويقولون خمسةٌ سادسهم كلبهم، رَجْماً بالغيب. ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم... ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعاً (آيات 9 - 25).
شرح المفسرون هذه القصة شرحاً مطوّلاً ملخّصه أن أهل الإنجيل عظمت فيهم الخطايا، وطغت الملوك حتى عبدوا الأصنام، وفيهم بقايا على دين المسيح. وكان ممن فعل ذلك من ملوكهم دقيانوس ملك الروم عبد الأصنام، وقتل كل من رفض عبادتها. فلما نزل مدينة أصحاب الكهف واسمها فسوس اضطهد المسيحيين وقطّعهم إرباً إرباً، فلما عظمت الفتنة. ورأى الفتية ذلك فحزنوا وصلّوا وصاموا. فلما طلب منهم الملك أن يعبدوا آلهته قال أكبرهم: إن لنا إلهاً عظمته ملء السموات والأرض. لن ندعو من دونه إلهاً أبداً. وأما الطواغيت فلن نعبدها أبداً . فنزع ثيابهم وأعطاهم مهلة. ثم سافر دقيانوس إلى مدينة أخرى، فهرب الفتية إلى كهف قريب من المدينة، وتبعهم كلب. وقال ابن عباس: هربوا من دقيانوس وكانوا سبعة، فمرّوا براعٍ معه كلب فتبعهم على دينهم، وتبعهم الكلب. وكانوا يرسلون أحدهم إلى المدينة ليشتروا لهم الطعام. ولما رجع دقيانوس واستفهم عنهم أمر أن يُسدَّ الكهفُ عليهم ليموتوا جوعاً وعطشاً، ويكون كهفهم قبراً لهم. وقد توفى الله روحهم وفاة نوم، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف قد غشيه ما غشيهم. ووضع أحد الناس كوم رصاص على كهفهم يشرح قصتهم. وناموا ثلثمائة سنة وسعاً، كما قال القرآن. فمات دقيانوس وتولى ملكٌ بعد آخر. وكان من الملوك الصالحين بيدروس، فجعل يدعو الناس إلى الحق، فانقسموا إلى قسمين: أهل الباطل وأهل الحق، فكثر أصحاب الباطل، فأراد الله أن يظهر على الفتية أصحاب الكهف آيةً، فاتفق أن راعياً فتح باب الكهف، فأيقظ الله الفتية، فخرج أحدهم يشتري لهم طعاماً بالنقود التي كانت عندهم. ولما أبرز النقود استغربها الناس وظنوا أنه وجد كنزاً، فأمسكوه ثم اطّلعوا على حقيقة الأمر، وأن الله جعلهم آيةً لتأييد أنصار الحق ولخذلان أنصار الباطل. قال ابن عباس: اسم كلبهم قطمير، وليس في الجنة دواب سوى كلب أصحاب الكهف وحمار بلعم (الرازي، ابن كثير، الطبري في تفسير الكهف 18: 9 22).
ونقول: (1) حقيقة هذه الحادثة أنه لما تولّى دقلديانوس حكم روما اضطهد المسيحيين وأذاقهم العذاب، ولا سيما الذين كانوا في الإسكندرية. فارتدّ كثير منهم. غير أن الأمناء احتملوا النار ولا العار، وهرب كثير إلى الجبال والكهوف وماتوا جوعاً. ومن الذين التجأوا إلى الكهوف شاب اسمه أنبا بولا، أول عابد متوحِّد، فعاش في كهف 90 سنة، وكان النخل يظلل مغارته، وكان يشرب من ينبوع ماء قريب منها.
(2) هناك قصة تشبه قصة القرآن وردت في كتاب بعنوان قصة السبعة النيام وهي من خرافات اليونان القديمة.
(3) واضح من هذا أن القرآن يتبع المشهور من الروايات. ومن العرض السابق لقصة أصحاب الكهف كما وردت في القرآن ندرك أنه لا يسجل الحقيقة التاريخية، بل يتبع في رواياته المشهور في بيئته. فلم يقطع القرآن بعدد الفتية الذين لبثوا في الكهف، ولا الفترة الزمنية التي مكثوها فيه، لا لشيء إلا لأن ذلك لم يكن مقطوعاً به في البيئة العربية حينذاك، بل كانت الروايات مختلفة متضاربة غير جازمة. قال الإمام النيسابوري في سبب نزول هذه الآيات إن قريشاً أرسلت من يأتيهم بخبر محمد من أهل الكتاب في المدينة: هل محمدٌ نبي أم مُدَّعي نبوّة؟ فلما أتى مندوب قريش المدينة وقابل يهودها، قالوا: سلوه عن ثلاث: عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم؟ فإن حديثهم عجب. وسَلوه عن رجلٍ طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان خبره؟ وسَلوه عن الروح، ما هو؟ فإن أخبركم فهو نبي، وإلا فهو متقوِّل. وعندما سُئل محمد هذه الأسئلة ردّ بما كان معلوماً عنده من إجابات غير مقطوعة ولا جازمة، فلم يكن متوقَّعاً من محمد أن يفوق علمه علم أساتذته. ولذلك وقفت إجابات القرآن عند حد قالوا ربُّكم أعلمُ بما لبثتُم قُلْ ربّي أعلمُ بِعِدَّتهم . (آيتا 19 ، 22)
(4) عندما انقطع الوحي عن محمد قال له جبريل إنه لا يدخل بيتاً فيه كلب. (راجع التعليق على المائدة 4). فإن صدق هذا فكيف تمَّ تقليب أهل الكهف وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد؟
ماذا منع الإيمان؟
وما مَنَعَ الناسَ أن يؤمنوا إذْ جاءهمُ الهُدى ويستغفروا ربهم إلاّ أن تأتيهم سُنَّةُ الأوَّلِين أو يأتيهم العذاب قُبُلاَ (أي عياناً) (آية 55).
تحصر هذه الآية المانع من الإيمان في أحد هذين السببين، مع أنه قال: وما منع الناس أن يؤمنوا إذْ جاءهمُ الهُدى إلاّ أن قالوا: أَبَعَثَ الله بشراً رسولاً؟ (الإسراء 17: 94). وهذا سبب ثالث. وأجاب مفسرو المسلمين أن الحصر الأول هو حقيقي، لأن الله هو المانع في الحقيقة، ومعنى الآية الثانية هو استغراب بَعْثه بشراً، فهو مانع عادي غير حقيقي.
موسى والخضر:
وإذْ قال موسى لفتاهُ لا أبرحُ حتى أبلُغَ مَجْمعَ البَحْرَيْن، أو أمضِي حُقُباً (أي دهراً طويلاً). فلما بلغا مجمع بينِهَما نسيَا حوتَهما، فاتخذ سبيلَه في البحر سَرَباً (أي مسلكاً). فلما جاوزا قال لفتاه: آتِنا غداءنا. لقد لَقِينا من سفرنا هذا نَصَباً. قال: أرأيت إذْ أوينا إلى الصخرةِ فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطانُ أن أذكره، واتَّخذ سبيله في البحر عَجَباً. قال: ذلك ما كنا نبغِ. فارتدّا على آثارهما قصَصاً (أي رجعا يتبعان الذي جاءا منه). فوجداعبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدُنّا علماً (هو الخضر). قال له موسى: هل أَتَّبعك على أن تعلّمنِ مما عُلِّمْتَ رُشْداً؟ قال: إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تُحِط به خُبْراً. قال: ستجدني إن شاء اللهُ صابراً ولا أعصِي لك أمراً. قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتى أُحدِثَ لك منه ذِكراً. فانطلقا حتى إذا ركِبا في السفينة خَرَقَها. قال: أَخَرَقْتَها لتُغرِق أهلها؟ لقد جئتَ شيئاً إمْراً. قال: ألم أقُل إنك لن تستطيع معي صبراً. قال: لا تؤاخذني بما نسيتُ ولا ترهقني من أمري عُسْراً. فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله. قال: أَقتلتَ نفساً زكيَّة بغير نفسٍ؟ لقد جئتَ شيئاً نُكراً. قال: ألم أقُل لك إنك لن تستطيع معي صبراً. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تُصاحبني، قد بلغتَ من لدُني عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأَبَوْا أن يُضَيِّفوهما، فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه. قال: لو شئتَ لاتَّخذت عليه أجْراً. قال: هذا فِراقٌ بيني وبينِك. سأُنبِّئُك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً. أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر، فأردتُ أن أَعيبها، وكان وراءهم مَلِكٌ يأخذ كلَّ سفينةٍ غَصْباً. وأما الغلام فكان أبواه مؤمنَيْن، فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً، فأردنا أن يُبْدلهما ربُّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رُحْماً. وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنزٌ لهما، وكان أبوهما صالحاً، فأراد ربُّك أن يبلغا أشُدَّهما ويستخرجا كنزَهما رحمةً مِن ربّك وما فعلتُه عن أمري. ذلك تأويل ما لم تسطِعْ عليه صبراً (آيات 60 82).
وهذا يعني:
(1) أن الخضر خرق السفينة حتى لا يأخذها الملك نهباً.
(2) إنه رأى غلاماً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين لئلا يضل والديه.
(3) كان الجدار لرجل صالح له ولدان، وكان تحت الجدار كنز فأخفاه إلى أن يبلغ هذان الولدان، فإن الله يحفظ أبناء العبد الصالح.
ورد في الحديث أن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل فسُئل: أي الناس أعلم؟ فقال أنا. فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يارب، فكيف لي به؟ قال: فخذ معك حوتاً فاجعله في مكتل، فحيث فقدت الحوت فهو هناك. وقيل إن موسى خطب في الناس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة بليغة فأُعجب منها، فقيل له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: لا. فأوحى الله إليه: بل أَعْلم منك عبدنا الخضر، وهو بمجمع البحرين. وكان الخضر في أيام أفريدون، وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر. وبقى إلى أيام موسى (تفسير الكشاف على هذه الآيات).
ولا نعرف أساساً لهذه القصة الخرافية، فإن موسى لم يدَّعِ أنه أعلم أهل عصره:
(1) نعم إنه كان علاّمة، إلا أنه كان حليماً متواضعاً كما تشهد التوراة.
(2) الخضر اسم أو لقب عربي، وموسى كان إسرائيلياً. ولا مناسبة بينهما. وكذلك قولهم إن ذا القرنين كان معاصراً لموسى مع أن بينهما مئات السنين. ومن الغرائب تفضيلهم الخضر على موسى.
ذو القرنين والشمس:
ويسألونك عن ذي القرنين، قُل: سأتلو عليكم منه ذِكراً. إنّا مكنّا له في الأرض وآتيناه من كل شيءٍ سبباً. فأَتْبع سبباً. حتى إذا بلغ مَغْرب الشمس وجدها تَغْرُبُ في عينٍ حِمئة، ووجد عندها قوماً. قلنا: ياذا القرنين، إما أن تُعذِّب وإما أن تتَّخذ فيهم حُسْناً (آيات 83 86).
حتى إذا بلغ بين السدَّيْن وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً. قالوا: ياذا القرنين، إن يأجوج ومأجوج مُفْسِدون في الأرض (آيتا 93 و94).
(1) ورد في الحديث عن ابن عباس قال: إن الشمس تغرب في عينٍ حمئة، وإنه سأل كعباً فقال له إنها تغرب في طينة سوداء (تفسير الطبري على الكهف 86).
(2) جعل محمدٌ الاسكندرَ الأكبرَ نبياً، لأن الله لا يخاطب إلا نبياً. (كما يقولون). والحقيقة هي أنه كان ملكاً فاتحاً للبلاد سافكاً للدماء، عابداً للوثن.
(3) قال إن أمة صالحة أخبرت ذا القرنين أن بين هذين الجبلين خَلْقاً أشباه البهائم، يفترسون الدواب والوحوش والسباع ويأكلون الحيَّات والعقارب، وطلبت منه أن يجعل بينها وبينهم سدّاً. فطلب منهم أن يأتوه بزُبَر الحديد يسيل مكانه حتى لزم الحديد النحاس، وكان عرضه خمسين ذراعاً وارتفاعه مائة ذراع وطوله فرسخاً. قال: هذا (السدّ) رحمةٌ من ربي، فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء (آية 98).
- تعليقات على سورة مريم (19)
خوف زكريا:
وإني خِفْت الموالي (من يخلفونه) من ورائي (آية 5). أي بعد موتي، والموالي هم بنو العم، وقيل العصبة، وقيل جميع الورثة. والمعنى أن زكريا طلب من الله أن يرزقه بولد يرثه، لأنه خاف الموالي.
و يعلّمنا الإنجيل أن زكريا وامرأته كانا بارّين، وسلّما الأمر لله، ولم يخشيا أحداً.
مريم والنخلة:
فأجاءها المخاضُ إلى جذع النخلة. قالت: يا ليتني مِتُّ قبلَ وكنتُ نَسْياً منسيّاً. فناداها من تحتها: ألاّ تحزني، قد جعل ربُّك تحتك سَرِيّاً، وهُزّي إليكِ بجذع النخلة تُساقِطْ عليك رُطباً جنياً، فكُلي واشربي وقَرّي عيناً، فإمّا ترينَّ من البشر أحداً فقولي: إني نذرتُ للرحمن صوماً فلن أكلّم اليوم إنسيّاً (آيات 23 26).
قالوا إن وجع الولادة ألجأ القديسة مريم إلى الاستناد على نخلةٍ لتستمسك بها من شدة الطلق ووجع الولادة، فناداها جبريل (وقيل عيسى) بأن لا تحزني. وضرب برِجْله في الأرض فظهرت عين ماء عذبة وجرت، وقيل: كان هناك نهرٌ يابس فجرى فيه الماء بقدرة الله. وحنَّت النخلة اليابسة فأورقت وأثمرت وأرطبت، فأتاها الله بالأكل والشرب. وقيل معنى تحتك أي تحت أمرك، إن أمرتيه أن يجري جرى، وإن أمرتيه بالإمساك أمسك. وأضربت عن كلام الناس لأن عيسى تكلم عنها (ابن كثير في تفسير هذه الآيات).
فالقرآن نسب ما حصل لهاجر أم إسماعيل إلى مريم، فإن هاجر أخذت إسماعيل وتاهت في برية بئر سبع. ولما فرغ الماء من القِربة طرحت الولد تحت شجرة وبعُدت قليلاً عنه، لأنها قالت: لا أنظر موت الولد. وبكت، فأرسل الله إليها ملاكاً شجعها وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء، فذهبت وملأت القربة وسقت الغلام.
ولم يأتِ المخاضُ مريمَ تحت جذع النخلة، فإنها ولدت المسيح في بيت لحم ولم تكن في البرية. ولم تهزّ مريمُ جذع نخلة ولا غيرها، ولم يضرب ملاكٌ ولا غيره برجله، وكذلك لم تنذر لله السكوت.
أخت هارون:
يا أختَ هارونَ، ما كان أبوك امرأَ سوءٍ، وما كانت أمُّك بَغِيّاً (آية 28). ثم توهّم أن المسيح كلمهم وهو طفل قائلاً: والسلام عليَّ يوم وُلِدتُ ويوم أموت، ويوم أُبعَث حياً (آية 33).
ولما كان قوله يا أخت هارون من أعظم الأخطاء قال علماء المسلمين مرّة إنه كان أخا مريم لأبيها. وقيل إنه كان أمثل رجل في بني إسرائيل. وقيل إنما عنوا هارون أخا موسى لأنها كانت من نسله. وقيل كان هارون في بني إسرائيل فاسقاً فشبّهوها به (الرازي في تفسير مريم 19: 28).
ومما يؤكد هذه الغلطة ادعاؤه أن مريم هي بنت عمرام، وما درى أن مريم بنت عمرام هي أخت موسى، أما مريم التي هنا فهي من ذرية داود.
حديث المسيح في المهد:
فأشارت إليه (إلى المسيح) قالوا: كيف نكلِّم من كان في المهد صبياً؟ قال: إني عبدُ اللهِ آتاني الكتاب وجعلني نبياً، وجعلني مباركاً أين ما كنت، وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبرّاً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقياً (آيات 29 32).
هذا هو حديث المسيح في المهد كما صوّره القرآن، غير أن الإمام الرازي اعترض على هذه الرواية القرآنية بقوله: اليهود والنصارى يُنكرون أن عيسى تكلم في زمان الطفولة، واحتجّوا عليه بأن هذا من الوقائع العجيبة التي تتوافر الدعاوى على نقلها، فلو وُجدت لنُقلت بالتواتر. ولو كان ذلك لعرفه النصارى، لاسيما وهم من أشد الناس غلواً فيه، حتى زعموا كونه إلهاً. ولا شك أن الكلام في الطفولة من المناقب العظيمة والفضائل التامة، فلما لم تعرفه النصارى، مع شدة الحب وكمال البحث عن أحواله، علمنا أنه لم يوجد (الرازي في تفسير مريم 19: 29).
الأصنام وإبراهيم:
قال: أَراغبٌ أنت عن آلهتي يا إبراهيم؟ لئِن لم تنتهِ لأرجُمنّك واهجُرني مَلِيّاً. قال: سلامٌ عليك سأستغفر لك ربي (آيتا 46 و47).
تقدم في تعليقنا على الأنعام 6: 74 أن أبا إبراهيم كان تقياً، والكتاب يقول إنه أخذ ابنه إبراهيم، ولوطاً ابن أخيه، وتركوا بلادهم، وانفصلا عن قومهما خوفاً من التنجُّس برذائلهم. وقلنا إن إبراهيم كان يعرف أن الاستغفار للشقي أو للكافر لا ينفع.
كما أن القرآن أخطأ في الكلام على إبراهيم أيضاً، فورد في الأنبياء 21: 57-63 وتَاللهِ لَأَكيدنَّ أصنامَكم بعد أن تُوَلّوا مُدْبرين. فجعلهم جُذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون. قالوا: من فعل هذا بآلهتنا؟ إنه لمن الظالمين. قالوا: سمعنا فتى يذكرهم يُقال له إبراهيم. قالوا: فَأْتوا به على أعين الناس لعلَّهم يشهدون. قالوا: أَأَنت فعلتَ هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال: بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوهم إن كانوا ينطقون .
وورد في الحديث: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، اثنتين منهنّ في ذات الله: قوله إني سقيم وقوله فعله كبيرُهم هذا وقوله لسارة هذه أختي (ابن كثير في تفسير الأنبياء 21: 63). وادّعوا أن أبا إبراهيم أخبره أن يخرج معهم إلى عيدهم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه إلى الأرض وقال: إني سقيم. وثانياً لما كسّر الأصنام ادّعى أن الصنم الكبير هو الذي كسرها، وهما غلطتان. ومن أغلاطه ادعاؤه في الأنبياء 21: 68 و69 قالوا: حرِّقوه وانصروا آلهتَكم إن كنتُم فاعلين. قُلنا يا نارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم . والحقيقة هي أن إبراهيم لم يُلقَ في النار بل الفتية الثلاثة شدرخ وميشخ وعبد نغو، لأنهم لم يسجدوا لتمثال نبوخذنصر، وليس لأنهم كسروا الأصنام، فأمر نبوخذنصر بإلقائهم في أتون النار فلم يصِبْهم ضرر (دانيال 3).
إسماعيل:
واذكر في الكتابِ إسماعيلَ،إنه كان صادقَ الوعدِ وكان رسولاً نبياً (آية 54).
وتعلمنا التوراة في تكوين 16: 12 أن إسماعيل يكون وحشياً، يده على كل واحد، ويد كلواحد عليه. والقرآن جعله رسولاً ونبياً، وادّعوا أنه أُرسل إلى جرهم، وهم قبيلة من عرب اليمن، ولم يُسمع أن الله أرسل رسولاً إلى العرب. وأين نبواته ورسائله؟
إدريس:
واذكر في الكتابِ إدريسَ، إنه كان صِدِّيقاً نبيّاً، ورفعناه مكاناً عليّاً (آيتا 56 و57).
قال مفسّرو المسلمين إن المراد به أخنوخ، وسُمّي إدريس لكثرة درسه الكتب، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، وإنه أول من خطّ بالقلم، وأول من خاط الثياب، وكانوا قبلاً يلبسون الجلود. رُفع إلى السماء الرابعة، ورآه محمد ليلة المعراج.
فإذا كان المقصود أخنوخ فيكون قد أخطأ اسمه. وما نسبوه إليه فهو خطأ أيضاً.
احتباس جبريل:
وما نَتَنَزَّلُ إلّا بأمرِ ربِّكَ (آية 64).
قيل احتبس جبريل عن محمد حين سأله اليهود عن أمر الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين، فقال: أخبركم غداً. ولم يقل إن شاء الله، حتى شق، ثم نزل جبريل بعد أيام. فقال له محمد: أبطأت عليّ حتى ساء ظني واشتقت إليك. فقال له جبريل: وإني كنت أَشْوق إليك ولكني عبدٌ مأمور، إذا بُعثت نزلت، وإذا حُبست احتبست. فنزل قوله: وما نتنزل إلا بأمر ربك (أسباب نزول هذه الآية للسيوطي).
والحقيقة هي أن اليهود كانوا يوقفون محمداً في المسائل فكان يعجز عن الإجابة إلى أن يستفهم من هذا وذاك، ثم يقول إن جبريل علَّمه. وحاشا لجبريل أن يلقّنه الأخطاء أو يتأخر عليه ليفضحه.
ورودهم جهنم:
وإنْ منكُم إلاّ واردُها. كان على ربّك حَتْماً مَقْضياً (آية 71).
لقد حكم هذا النص على العالمين بورودهم جهنم، بارَّهم وفاجرهم، تقيَّهم وعاصيهم، مُوحِّدهم ومُشرِكهم، ولم يقل بصدورهم عنها! جاء في تفسير هذه الآية وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها قضاءً مقضياً. وقد قضى ذلك وأوجبه في أم الكتاب (الطبري في تفسير الآية).
جاء في مسند الدرامي عن عبد الله بن مسعود أن محمداً قال: يرِدُ الناسُ النارَ ثم يصدرون منها بأعمالهم، فمنهم كلمح البصر، ثم كالريح، ثم كحُضْر الفرس، ثم كالراكب المُجِدّ في رَحْله، ثم كشدّ الرجل في مشيته (عن تفسير القرطبي لهذه الآية). وفي تفسير الطبري: حدثنا أبو كريب، قال ثنا بن يمان، عن مالك بن مغول، عن أبي إسحاق، قال: كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه، قال: يا ليت أمي لم تلدني. فقيل: وما يُبكيك ياأبا ميسرة؟ قال: أَخبرنا أَنّا واردوها، ولم يُخبرنا أَنّا صادرون عنها .
حدَّثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن إسماعيل، عن قيس، قال: بكى عبد الله بن رُواحة في مرضه، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيكِ؟ قالت: رأيتُكَ تبكي فبكيتُ. قال ابن رواحة: إني قد علمتُ أني وارد النار فما أدري أناجٍ منها أنا أم لا (راجع الطبري والقرطبي والكشاف في تفسير الآية).
إذاً لابد أن كل شخص يدخل النار ثم يخرج منها حسب أعماله. ولو شاء ربُّكَ لَجَعَل الناسَ أُمةً واحدةً، ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربُّك ولذلك خلقهم. وتمَّتْ كلمةُ ربِّك: لأَمْلأَنَّ جَهَنَّم مِن الجِنَّةِ والناسِ أجمعين (هود 11: 118 و119).
- تعليقات على سورة طه (20)
جئت لتُخرِجنا:
قال (فرعون) : أجئتَنا لتُخرِجنا من أرضِنا بسِحْرِك ياموسى؟ (آية 57).
هذا غير معقول، فكتاب الله يعلّمنا أن موسى لم يأتِ لمصر ليُخرج فرعون وقومه منها، بل جاء ليُخرِج بني إسرائيل، لأن مصر كانت أرض عبودية لهم.
إن هذان:
قالوا: إن هذان لساحران (آية 63).
الأصحُّ أن يقول إن هذين لساحران. وقد حاول المفسرون تبرير هذا الخطأ فزادوه إبهاماً (الرازي في تفسير هذه الآية).
أضلَّهم السامري:
قال: فإِنّا قد فتنَّا قومَك من بعدِك وأضلَّهم السامري (آية 85).
نسب القرآن ضلال اليهود وعبادتهم العجل إلى الله، لأنه هو الذي فتنهم. وجاء القرآن بالسامري من حيث لا ندري، فلم تكن السامرة موجودة على خريطة العالم إلا بعد خروج اليهود بأكثر من أربع مائة عام.
أثر حافر جبريل:
قال بَصُرْتُ بما لم يَبْصُروا به، فقبضْتُ قبضةً من أثر الرسول فنبذتُها (آية 96).
وعن ابن جريج قال: لما قتل فرعون الولدان قالت أمُّ السامريّ: لو نحيتُه عني حتى لا أرى موته، فجعلَتْه في غار. فأتى جبريل فجعل أصبعه في فم السامريّ وأخذ يُرضِعه لبناً وعسلاً، فلم يزل يأتي إليه حتى عرفه، فمن هنا معرفته إياه حين قال: قبضت قبضةً مِن أثر الرسول.
وعن ابن عباس قال: لما قذفت بنو إسرائيل ما كان معهم من زينة آل فرعون في النار وتكسَّرت، رأى السامريّ أثر فرس جبريل، فأخذ تراباً من أثر حافره. ثم أقبل إلى النار فقذفه فيها وقال: كن عِجْلاً جسداً له خُوار . فكان. (الطبري في تفسير طه 20: 96).
- تعليقات على سورة الأنبياء (21)
داود وسليمان والغنم:
وداودُ وسليمانُ إذْ يحكمان في الحَرْث إذْ نَفَشَت فيه غنمُ القوم، وكنّا لحكمهم شاهدين. ففهَّمْناها سليمانَ، وكلاًّ آتينا حُكماً وعِلماً، وسخَّرْنا مع داودَ الجبالَ يسبِّحْن والطيرَ وكنّا فاعلين (آيتا 78 ، 79).
قال ابن عباس وغيره إن رجلين دخلا على داود، أحدُهما صاحب زرعٍ، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الزرع: إن غنم هذا دخلت زرعي ليلاً فوقعَتْ فيه فأفسدَتْه فلم تُبقِ منه شيئاً. فأعطاه رقاب الغنم بالزرع. فخرجا، فمرّا على سليمان فقال: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه. فقال سليمان: لو رأيتُ أمركما لقضيتُ بغير هذا. ويُروى أنه قال: غير هذا أرفق بالفريقين . فأُخبر بذلك داود فدعا سليمان واستفهم منه عن الأرفق بالفريقين، قال: أدفع الغنم للمزارع ينتفع بدرّها ونسلها وصوفها ومنافعها، ويزرع صاحب الغنم لصاحب الأرض مثل حرثه، فإذا صار الحرث كهيئته يوم أُكل دُفع إلى صاحبه وأخذ صاحب الغنم غنمه . فقال داود: القضاء ما قضيت . وكان عمر سليمان يوم حكم إحدى عشرة سنة (الكشاف، ابن كثير في تفسير هاتين الآيتين).
ولا يعقل أن سليماناً كان يتعقب أحكام والده، ووالده من الرجال المدرَّبين. هذا فضلاً عمّا خصّه الله به من الوحي الإلهي. وكيف يعجز عن الحكم في هذه القضية ويرضى بتغير الحكم أمام رعيته؟ ولكن هذا خَلْطُ أبشالوم بسليمان. جاء في 2 صموئيل 15: 1 6 أن أبشالوم لما دبَّر للانقلاب الفاشل ضد والده، كان يستميل رجال بني إسرائيل، ويقول: من يجعلني قاضياً في الأرض، لأُنصف المظلوم؟ وكان يقبّل ويكرم طرفي النزاع. فاستمال الأفئدة، وثار على والده.
وقال القرآن إن الجبال تسبّح مع داود! فقال ابن عباس: كان يفهم تسبيح الحجر والشجر . وقيل: كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير .
الريح والشياطين وسليمان:
ولسليمانَ الريحَ عاصفةً تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها، وكنّا بكل شيءٍ عالمين. ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك، وكنا لهم حافظين (آيتا 81 ، 82).
قالوا: يعني أن الله سخّر الريح تجري بأمره، وكانت الشياطين يدخلون تحت الماء فيُخرِجون له من قعر البحر الجواهر، ويعملون عملاً دون ذلك، أي دون الغواص، وهو اختراع الصنائع العجيبة. وكان الله يحفظ العمل لئلا يفسده الشياطين، الذين دأبهم إفساد ما يعملون! (القرطبي في تفسير هذه الآية). ولا يخفى أن الشياطين أرواحٌ شريرة لا شغل لها سوى إغراء الناس على اقتراف كل منكر. ولا نتصور أنهم يخترعون ما ينفع الإنسان. ومن الخطأ قوله إن الله سخّر الريح لسليمان، وإنها تجري بأمره، كأن الله أشرك سليمان في مُلكه، وهو لا يليق بحكمته وقدرته!
ذو الكِفْل:
تقول آية 85 إن هناك نبياً اسمه ذو الكِفْل . ولم يهتدِ مفسّروهم إلى حقيقة هذا النبي، فذهب بعضهم إلى أنه إلياس، وغيرهم إلى أنه يوشع، وغيرهم إلى أنه زكريا، وقيل إنه نبي من بني إسرائيل، وأن الله أوحى لملِكٍ أني أريد قبض روحك، فاعرض ملُكك على بني إسرائيل، فمن تكفَّل أن يصلي الليل ولا يفتر، ويصوم النهار ولا يفطر، ويقضي بين الناس ولا يغضب، فادفع ملكك إليه. ففعل ذلك. فقام شاب فقال: أنا أتكفّل لك بهذا . فتكفَّل ووفَّى. فشكر الله له ونبأه فسُمِّي ذو الكِفْل (الرازي في تفسير هذه الآية).
حَصَب جهنم:
إنكم وما تعبدون مِن دونِ الله حَصَبُ جَهنم، أنتم لها واردون (آية 98).
قال مفسرو المسلمين إن محمداً لما تلا هذه الآية، سأله عبد الله بن الزبعري: ألم تقل إن اليهود عبدوا عُزَيْراً، والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة، والصابئين الكواكب؟ فهل هؤلاء وقود النار؟ (الرازي في تفسير هذه الآية).
وقد اعتذر الرازي عن ذلك بقوله إنه كان يخاطب العرب فقط، بدليل قوله إنكم .
ولكن القرآن في مواضع كثيرة استخدم نفس اللفظ للجميع، فقال في مريم 19: 71 وإنْ منكم إلا واردها فهل يعني العرب فقط؟ ثم إن العرب كانوا يعبدون الشمس والقمر والكواكب والنجوم. فهل كل هذه في النار؟
وقد اعتذر الرازي بقوله إن لفظ ما تستخدم لغير العاقل. نقول جاء في القرآن ونفسٍ وما سوَّاها، فألْهَمها فجورَها وتقواها (الشمس 91: 8). فهل ما هنا لغير العاقل.
- تعليقات على سورة الحج (22)
قال الشيخ أبو القاسم هبة الله: سورة الحج من أعاجيب سور القرآن، لأن فيها ليليّاً ونهاريّاً، ومكيّاً ومدنيّاً، وسَفَرياً وحَضَرياً، وحَرْبياً وسِلْمياً، وناسخاً ومنسوخاً ومتشابهاً. والعدد فيها مختلف، فعدّها الشاميون 74 آية، وعدّها المدنيون 76 والبصريون 75 والمكيون 77 وعدّها الكوفيون 78 .
ألف أم خمسون ألفاً:
وإن يوماً عند ربّك كألفِ سنةٍ ممّا تَعُدُّون (آية 47).
وقال: يُدَبِّر الأمرَ من السماء إلى الأرضِ ثم يعْرُجُ إليه في يومٍ كان مقداره ألفَ سنةٍ مما تَعُدُّون (السجدة 32: 5). مع أنه ورد تعرُجُ الملائكةُ والروحُ إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة (المعارج 70: 4).
ولما سُئل ابن عباس عنهما توقّف. قال أبو عبيد سأل رجل ابن عباس عن يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه. الله أعلم بهما. ما أدري ما هي، وأكره أن أقول فيها ما لا أعلم . فقال ابن أبي مليكة: فضربت البعير حتى دخلت على سعيد بن المسيب، فسُئل عن ذلك فلم يدر ما يقول، فقلت له: ألا أخبرك بما حضرت مِن ابن عباس؟ فأخبرته. فقال ابن المسيب للسائل: هذا ابن عباس قداتّقى أن يقول فيها وهو أعلم مني (القرطبي في تفسير السجدة 32: 5 الرازي في تفسير المعارج70: 4).
ألقى الشيطان:
وما أرسلنا مِن قبلِك مِن رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنَّى (أيإذا قرأ، أو إذا جال في نفسه ما يهواه) ألقى الشيطان في أمنيته. فينسَخ الله ما يُلقي الشيطانُ، ثمّ يُحْكِم الله آياته (آية 52).
تمنَّى محمد أن ينزِّل الله عليه ما يقرِّب قومَه إليه. ولما كان في ناديهم قرأ سورة النجم 53 فلما بلغ مناة الثالثة الأخرى قال: تلك الغرانيقُ العُلى وإن شفاعتهنّ لتُرتجَى (النجم 53: 20). ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لما سجد في آخرها. ولما رأى غلطه اغتمّ وقال إن الله عزّاه بهذه العبارة، مع أنها افتراء على الله وعلى أنبيائه ورسُله. وقد أشار إلى هذه الحادثة في الزمر 39: 45 فقال وإذا ذُكر اللهُ وحده اشمأزَّت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخِرة. وإذا ذُكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون . فقالوا إنها قيلت في قراءة النجم عند الكعبة، وفرحهم عندما ذكر محمدٌ أصنامهم. وكذلك قوله في الإسراء 17: 73 وإنْ كادوا لَيَفْتِنونك عن الذي أَوحيْنا إليك لتفتريَ علينا غيره، وإذاً لاتَّخذوك خليلاً (الرازي في تفسير الحج 22: 52 الطبري في تفسير الزمر 39: 45).
- تعليق على سورة المؤمنون (23)
يتساءلون ولا يتساءلون؟
فإذا نُفِخ في الصُّورِ فلا أنسابَ بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون (آية 101).
مع أنه ورد وأقْبَل بعضُهم على بعضٍ يتساءلون (الصافات 37: 27) ففي العبارة الأولى قال إنهم لا يتساءلون، وفي العبارة الثانية قال إنهم يتساءلون، وهذا هو التناقض. فقال علماؤهم: نفي المسألة فيما قبل النفخة الثانية في الصور، وإثباتها بعد ذلك.
- تعليقان على سورة الفرقان (25)
أساطير الأولين:
وقالوا: أساطيرُ الأوَّلين اكْتَتَبَها فهي تُمَلى عليه بُكرةً وأصيلاً. قل: أنزله الذي يعلم السرَّ في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً (آيتا 5 ، 6).
اتَّهم المشركون محمداً بورود أساطير الأولين في القرآن. ومن يدقِّق النظر فيها لا يجد نفياً لهذا الاتهام، أو محاولة للدفاع والرد، إنما يجدونه ينفي فقط أن تكون هذه الأساطير من عند محمد، يكتبها أو تُملى عليه، فيؤكد أنها وإن كانت أساطير فهي من عند الله!!
وقد تعجّب الإمام فخر الدين الرازي مِن ردّ القرآن وموقفه في هذه القضية، فتساءل: كيف يكون قول القرآن: قُل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إجابةً عن اتهام المشركين للقرآن بأنه أساطير الأولين ؟ (الرازي في تفسير هذه الآية). وذلك لأن المتبادَر إلى الذهن، والذي كان يتوقّعه الرازي وغيره، أن يكون ردّ القرآن نفياً لهذه التهمة لا تأكيدها.
أصحاب الرَّسّ:
وعاداً وثمُوداً وأصحابَ الرَّسِّ، وقروناً بين ذلك كثيراً (آية 38).
قال مفسرو المسلمين: أصحاب الرَّسّ قومٌ كانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إليهم شُعيباً فكذّبوه. فبينما هم حول الرَّسّ (وهي البئر غير المطوية) انهارت فخسف بهم وبديارهم. وقيل: الرَّسّ قرية بجهة اليمامة، كان فيها بقايا ثمود، فبُعث إليهم نبي فقتلوه فهلكوا. وقيل: الأخدود، وقيل: بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار. وقيل: هم أصحاب حنظلة بن صفوان النبي، ابتلاهم الله بطيرٍ عظيم كان فيها من كل لون، وسمّوها عنقاء لطول عنقها، وكانت تسكن جبلهم الذي يُقال له فتخ أو دمخ، وتنقضُّ على صِبيانهم فتخطفهم إذا أعوزها الصيد، ولذلك سمّيت مغرباً، فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة. ثم أنهم قتلوه فأُهلكوا. وقيل هم قومٌ كذّبوا نبيَّهم ورسُّوه أي دسّوه في بئر (الرازي في تفسير هذه الآية).
لما كان العرب يقاومون محمداً ويضايقونه في مبدأ أمره أتاهم بقصصٍ أنذرهم فيها أنهم إذا تمادوا على مقاومته أتتهم الصاعقة أو الصَّيْحة، أي يصيح بهم جبريل فيهلكهم، أو الخسف أو الطمس أو المسخ أو الجدب أو الوباء أو البرد أو الحر. ولما تقوّى وزاد بطشه أرهبهم بالسيف والسلب والنهب.
- تعليقات على سورة النمل (27)
سليمان والجن والطيور:
ووَرِث سليمانُ داودَ وقال: يا أيها الناس عُلِّمنا منطقَ الطير وأُوتينا من كل شيء إنّ هذا لهُو الفضل المبين. وحُشِر لسليمانَ جنودُهُ من الجنّ والإنس والطير، فهم يُوزَعون. حتى إذا أَتَوْا على وادي النمل قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم، لا يحطمنَّكم سليمانُ وجنودُهُ وهم لا يشعرون. فتبسَّم ضاحكاً من قولها وقال: ربِّ أَوْزِعْني أن أشكر نعمتك عليَّ وعلى والديَّ (آيات 16 19).
قال المفسرون: صاح ورشان عند سليمان، فسأل سليمان: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول: ليت الخلق لم يُخلقوا. وصاح طاووس، فسأل: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول كما تدين تُدان. وصاح هدهد فسأل: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول استغفروا ربكم يا مذنبون. وصاح طيطوي فسأل: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول كل حيّ ميت وكل جديد بالٍ. وصاح خطاف فسأل: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا. قال: إنها تقول سبحان ربي الدائم. (اختصرنا العبارات فيما يأتي) قال والغراب يدعو على العشار، والحدأة تقول: كل شيء هالكٌ إلاّ وجهه، والقطاة تقول: من سكت سلم. والببغاء تقول: ويل لمن كانت الدنيا همَّه. والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس. والبازي يقول: سبحان ربي وبحمده. والضفدعة تقول: سبحان المذكور بكل لسان.
وعن مكحول قال: صاح دراج عند سليمان، فسأل: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا. قال: إنه يقول الرحمن على العرش استوى (القرطبي في تفسير النمل 27: 16).
(1) لقد خصّ الله الإنسان فقط بالنطق والعقل والبيان، وعليه يكون سليمان كذب على الناس والطيور، أو يكون ما نُسب إليه هو الكذب.
(2) هل كانت الطيور والحشرات في عصره تعقل وتدرك، ثم جرّدها الله من العقل الآن؟ إن الذي نَسَب إليها الإدراك هو الذي غلط.
(3) لم يكن لسليمان جنود من الجنّ، بل كانت جنوده من بني إسرائيل فقط.
الهدهد وملكة سَبأ:
وتفقَّد الطير فقال: مالي لا أرى الهدهد، أمْ كان من الغائبين؟ لأعذِّبنَّه عذاباً شديداً أو لأذْبَحنَّهُ أو لَيَأتيني بسُلطان مبين. فمكث غيرَ بعيدٍ. فقال: أحطتُ بما لم تُحِط به، وجئتُك من سبإ بنبإ يقين. إني وجدتُ امرأةً تملكهم، وأُوتيَتْ مِن كل شيءٍ، ولها عرشٌ عظيم. وجدتُها وقومَها يسجدون للشمس مِن دون الله (20 - 24). وذكر القرآنُ أن سليمانَ أرسل جواباً على يد الهدهد يدعو الملكةوقومَها إلى الإيمان، وأنها استشارت قومها فسلَّموا لها الأمر، فأرسلت هديةً، ثم أمر سليمانُ عفريتاً من الجن يأتي بعرشها قبل أن تصل إليه، فأتاه به. ثم أتت إليه فأراها إياه فأسلمت (آيات 20 45).
وحقيقة هذه الحادثة هي ما ورد في (1 ملوك 10: 1 13) أن ملكة سبأ سمعت بعظمة سليمان ونعمة الله عليه، فأتت بموكبٍ عظيم إلى أورشليم بهدايا عظيمة أهدتها لسليمان وامتحنته بمسائل، فاندهشت من حكمته ومن نظامه، وترتيب مأكله ومشربه، وحسدت رجاله على سماع حكمته كل ساعة. وقالت: لم أصدِّق ما بلغني إلا بعد أن شاهدت بعيني، ولم يبلغني نصف ما رأيت . وأهداها الملك سليمان هدايا جمّة فانصرفت إلى وطنها. فلا أرسل سليمان عفريتاً من الجن سرق عرشها، ولا أتاه هدهدٌ بأخبارها ويبدو أن ذلك الهدهد أعلم من سليمان!
الجسَّاسة:
وإذا وقع القولُ عليهم أخرجنا لهم دابّةً من الأرضِ تكلِّمهم أن الناسَ كانوا بآياتِنا لا يوقِنون (آية 82).
قال علي بن أبي طالب إن الدابة لها ريش وزغب وحافر، وليس لها ذنَب، ولها لحِية، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً وما خرج ثلثها (رواه ابن أبي حاتم). وقال ابن جريج إن أبا الزبير وصف الدابة بقوله إن رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن إيّل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هرّ، وذنَبها ذنَب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصلين إثنا عشر ذراعاً تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان فلا يبقى مؤمنٌ إلا نكتت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يبيضّ لها وجهه، ولا يبقى كافرٌ إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان، فتفشو تلك النكتة حتى يسْودّ بها وجهه، حتى أن الناس يتبايعون في الأسواق: بكم ذا يا مؤمن؟ بكم ذا يا كافر؟ وحتى إن أهل البيت يجلسون على مائدتهم فيعرفون مؤمنهم من كافرهم، ثم تقول لهم الدابة: يا فلان أبشِر، أنت من أهل الجنة، ويا فلان، أنت من أهل النار (ابن كثير في تفسير هذه الآية).
نقول: تتبّع محمدٌ ما اشتهر من الخرافات والأساطير التي أُغرم بها العرب، فكان يروي لهم عن دوابٍ ذات أشكالٍ غريبة تتكلم وتدير الكون وتقسم الناس هكذا.
- تعليقان على سورة القصص (28)
امرأة فرعون وموسى:
وقالت امرأةُ فرعون: قرّةُ عينٍ لي ولك. لا تقتلوه عسى أن ينفعَنا أو نتَّخذَه ولداً، وهم لا يشعرون (آية 9).
وتخبرنا التوراة أن ابنةَ فرعون نزلت إلى نهر النيل لتغتسل، لأنهم كانوا يعتبرون النيل إلهاً يطهّرهم من النجاسة. فرأت سفطاً بين الحَلْفاء ففتحته، وإذا صبي يبكي، فاتَّخذته ابنة فرعون ابناً لها فليست هي امرأة فرعون، بل ابنة فرعون.
موسى وصداق امرأته:
قال: إني أريد أن أُنكِحك إحدى ابنتيَّ هاتين على أن تأْجُرَني ثماني حِججٍ، فإن أتممْتَ عشْراً فمن عندك، وما أريد أن أَشُقّ عليك. ستجدني إن شاء اللهُ مِن الصالحين (آية 27).
وتعلّمنا التوراة أنه لما فعل موسى عملاً جميلاً مع بنات كاهن مديان وكنّ سبعاً لا اثنتين، أعطاه إحداهنّ زوجةً بدون أن يخدمه ثماني سنوات ولا عشراً. والذي خدم حماه على امرأته هو يعقوب، خدمه سبع سنين.
- تعليقان على سورة العنكبوت (29)
عمر نوح:
ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه، فلبِثَ فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً، فأخذهم الطوفان وهم ظالمون (آية 14).
قال ابن عباس: بُعث نوح لأربعين سنة، وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً،وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس، فكان عمره ألفاً وخمسين عاماً (ابن كثير في تفسير هذه الآية). ولكن عمر نوح هو 950 سنة كما في التوراة لا غير، فلم يلبث ألف سنةإلا خمسين، يعني غير المدة التي عاشها بعد الطوفان.
هامان وقارون وفرعون:
وقارونُ وفرعونُ وهامانُ، ولقد جاءهم موسى بالبَّيِنات (آية 39).
جعل القرآن هامان وزيراً لفرعون فيجملة سور. والحقيقة أنه كان وزيراً للملك أحشويروش، وكانت مملكة هذا الملك تمتد من الهند إلى كوش.
وفي نفس الآية ورد أن موسى أُرسل إلى قارون وفرعون وهامان، وأن الأرض خسفت بقارون.
والحقيقة هي أن قورح وداثان وأبيرام ثاروا على موسى، وكادوا أن يحدثوا انقلاباً، ففتحت الأرض فاها وابتلعتهم (سفر العدد 16).
- تعليق على سورة الروم (30)
غُلبت الرومُ في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيَغْلِبون في بضع سنين (آيات 1 4).
قال المسلمون إن هذه الآية نبوّة تنبأ بها محمد وتحققت بالفعل. ولكن من يتأملها يجد أنها قراءة مستقبلية، كما يفعل العسكريون اليوم، فإن محمداً كان يعلم قوة الرومان، وكان ينظر للأمر كرجل عسكري، فرأى أن من الممكن أن يفوز الرومان بعد فترة. هذا بالإضافة إلى أن بعض المسلمين قرأها غَلبت ويُغلبون والبعض غُلبت ويَغلبون. ومن يقارن بين هذه النبوّة ونبوّة حزقيال النبي عن مدينة صور، يجد أن احتمال أن يفوز الروم على الفرس هو 50 % لأن الروم أقوياء، وكان من الممكن أن يفوزوا في حربهم ضد الفرس، كما حدث قبلاً. ولكن من يراجع تاريخ مدينة صور في الموسوعة البريطانية، يجده مطابقاً تماماً لما تنبأ به حزقيال، مع أن حزقيال قاله في وقت كانت صور فيه مدينة قوية جداً بتجارتها وثروتها (حزقيال 27: 27). فكلام القرآن متوقَّع الحدوث، بينما كلام حزقيال غير متوقَّع الحدوث، لدرجة أن العلماء حددوا أن نسبة تحقيق نبوة حزقيال هو 1\75 مليون!
- تعليق على سورة لقمان (31)
لقمان الحكيم:
اتخذ محمدٌ شخصيةً خيالية من الجاهلية ليجعل منها نبياً حكيماً يعظ ابنه. ولقمان هذا هو المعروف بالمعمري، والذي قالوا إنه عاش عمراً بلغ عمر سبعة نسور! وكان العرب يضربون الأمثال بطول حياة النسور. وقال الطبري إن لقمان من قبيلة عاد وإنه أول من عاقب الزنا بالرجم، وإنه رجم زوجته وعشيقها. كما أنه أول من عاقب السرقة بقطع اليد، وكان ملكاً على اليمن، وكان مشهوراً بالحكمة.
- تعليقان على سورة السجدة (32)
يوم ألف أو خمسون ألف سنة:
يدبِّر الأمرَ من السماءِ إلى الأرضِ، ثم يَعْرُجُ إليه في يومٍ كان مقداره ألفَ سنةٍ مما تَعُدُّون (آية 5).
يعني مسافة ما بين السماء والأرض خمسمائة سنة، فيكون مقدار نزوله إلى الأرض ثم صعوده إلى السماء استغرق ألف سنة، لو ساره أحدٌ من بني آدم. ولكن جبريل ينزل ويصعد في مقدار يوم من أيام الدنيا وأقل من ذلك. وقيل: معنى هذه العبارة هو أنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا، ثم يعرج إليه، أي يرجع الأمر والتدبير إليه بعد فناء الدنيا في يومٍ كان مقداره ألف سنة. تَعْرُجُ الملائكةُ والروحُ إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة (المعارج 70: 4). فقالوا إن الخمسين ألف سنة هي مدة المسافة بين الأرض وسدرة المنتهى، التي هي مقام جبريل. وقيل: إن المراد في العبارتين يوم القيامة. أما ابن عباس فقال: أيامٌ سمّاها الله تعالى لا أدري ما هي، وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم, يعني أنها من الطلاسم المجهولة (القرطبي في تفسير السجدة 32: 5 الرازي في تفسير المعارج 70: 4).
التوراة هدى
ولقد آتينا موسى الكتابَ فلا تكن في مِرْيةٍ من لقائه، وجعلناه هدى لبني إسرائيل، وجعلنا منهم أئمَّةً يَهْدون بأمرنا لمَّا صَبَروا وكانوا بآياتنا يوقِنون. إن ربَّك هو يفصِل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (آيات 23 25).
المراد بالكتاب التوراة. فلا تكن في شك من تلقّي موسى الكتاب، أو لقائك موسى ليلة المعراج، أو من لقاء موسى ربَّه يوم الآخرة. وجعلنا الكتاب المنزَل على موسى لقومه هدى، وإن أئمتهم يدعون الناس إلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه. وقوله بآياتنا أي التوراة يعلّمون علماً لا يخالجه شك. وقوله يفصل بينهم يوم القيامة أي بين الأنبياء وأممهم، أو بين المؤمنين والمشركين . والمعنى ظاهر وصريح فإذا كانت التوراة فُقدت قبل عصر محمد فكيف يقول إنها هُدَى، وكيف يُمعنون فيها النظر وهي مفقودة؟
- تعليقات على سورة الأحزاب (33)
ضاع منها:
عن در بن حبيس قال: قال لي أُبيّ بن كعب كم تُعد سورة الأحزاب؟ قلت اثنتين وسبعين آية أو ثلاثاً وسبعين. قال: إنها (أي سورة الأحزاب) كانت لتعدل سورة البقرة وإنّا كنا نقرأ فيها آية الرجم. قلت: وما آية الرجم؟ قال: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم (الإتقان للسيوطي. باب الناسخ والمنسوخ).
هذا كلام أئمتهم، وهم يُقرّون بحذف وضياع كثير من القرآن. فهل الله ليس قادراً على حفظ كلامه؟ فلو كان القرآن من عند الله ما ضاع منه حرف، فلله وعد في كتابه السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول (متى 24: 35).
طاعة الكافرين:
يا أيها النبيُّ اتّقِ الله ولا تُطِعِ الكافرين والمنافقين (آية 1).
لما هاجر محمد إلى المدينة كان يحب إسلام اليهود، فكان يلين لهم جانبه، ويكرم صغيرهم وكبيرهم، وإذا أتى منهم قبيحٌ تجاوز عنه، وكان يسمع منهم.
ورُوي أن أهل قريش بعثوا لمحمد وفداً وهو في المدينة قالوا له: قل إن لآلهتنا شفاعةً، وندعك وربك. فشقّ ذلك على النبي، فقد مال محمد ليرضي قومه، فنهره الله بقوله: اتّق الله ولا تطع الكافرين .
محمد يأخذ زوجة زيد:
وإذْ تقولُ للذي أنعم اللهُ عليه وأنعمْتَ عليه: أمسِكْ عليك زوجَك، واتّقِ الله، وتخفي في نفسك ما الله مُبْديه، وتخشى الناسَ واللهُ أحقّ أن تخشاه. فلما قضى زيدٌ منها وطراً زوَّجناكَها، لكيلا يكون على المؤمنين حَرجٌ في أزواج أدعيائهم إذا قَضَوْا منهنّ وطراً. وكان أمر الله مفعولاً (آية 37).
قالها في زينب، وذلك أن محمداً أتى زيداً ذات يوم لحاجةٍ، فأبصر زينب في درعٍ وخمارٍ، وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش، فوقعت في نفسه وأعجبه حسنُها. فقال: سبحان الله مقلِّب القلوب، وانصرف. فلما جاء زيدٌ ذكرت له ذلك، ففطن زيدٌ وأتى محمداً فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي. فقال له: ما لك؟ أَرَابك منها شيء؟ قال: لا والله. ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعظم عليَّ بشرفها، وتؤذيني بلسانها. فقال له محمد: أمسك عليك زوجك واتّق الله في أمرها (أي لا تفارقها). غير أن محمداً قال بعد ذلك إن الله عاقبه وقال له: لِمَ قلتَ أمسِكْ عليك زوجك؟ هل خفتَ من لائمة الناس أن يقولوا: أمر رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها؟ فلا تخشَ الناس يا محمد.
قال أنس: كانت زينب تفتخر على أزواج محمد. تقول: زوّجكنَّ آباؤكن وزوّجني الله من فوق سبع سموات. وكانت تقول لمحمد: إني لأدل عليك بثلاث، ما من امرأة من نسائك تدل بهنّ، جدّي وجدّك واحد، وإني أنكحنيك الله في السماء، وإن السفير جبريل (الطبقات الكبرى ابن سعد ح 8 باب زوجات محمد).
امرأة تهب نفسها لمحمد:
وامرأةً مؤمنةً إن وهبَتْ نفسها للنبي، إن أراد النبي أن يستنكحها خالصةً لك من دون المؤمنين (آية 50).
أخرج ابن سعد عن منير بن عبد الله الدؤلي: أن أم شُرَيْك الدوسية عرضت نفسها على النبي وكانت جميلة، فقبلها. فقالت عائشة: ما في امرأة حين تهب نفسَها لرجلٍ خير! قالت أم شريك: فأنا تلك. فسمّاها محمد مؤمنة فقال: وامرأةً مؤمنةً الخ . فلما قال محمد هذا قالت عائشة: إن الله يسارع لك في هواك (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية).
تخيير محمد في أمر نسائه:
تُرجِي من تشاءُ منهنّ وتؤوي إليك من تشاء، ومَن ابتغيتَ ممن عزلت، فلا جُناح عليك. ذلك أدنى أن تَقَرَّ أعينُهنّ ولا يحزنّ ويرضَيْن بما آتيتهنّ كلهنّ (آية 51). (أرجَى أي أخَّر).
قال الحسن: معنى هذه العبارة أن الله فوّض له أن يترك نكاح من شاء من نسائه، وينكح من شاء منهن وأخرج الشيخان عن عائشة أنها كانت تقول: أَمَا تستحي المرأة أن تهب نفسها؟ (أي لرجل آخر) فقال محمد هذه العبارة، فقالت عائشة: أرى ربك يسارع لك في هواك . وقد آوى محمد إليه من نسائه عائشة وحفصة وأم سلَمَة وزينب، وكان يقسم بينهن سواء، وأرجى من نسائه خمساً: أم حبيبة وميمونة وسودة وجويرية وصفية، فكان يقسم لهن ما يشاء (الكشاف في تفسير هذه الآية).
فإذا طعِمْتُم فانتشروا:
يا أيها الذين آمنوا، لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يُؤذَن لكم إلى طعامٍ غيرَ ناظرين إِناه. ولكن إذا دُعيتم فادخلوا، فإذا طعِمْتُم فانتشروا، ولا مُسْتَئْنِسين لحديثٍ. إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم، والله لا يستحي من الحق (آية 53).
أقام محمد وليمةً ليلة زواجه بزينب، ودعا القوم وأطعمهم، وكان يتمنَّى أن ينصرفوا لانشغال باله بالعروس، فتهيّأ للقيام، فقام البعض. ثم تهيأ للقيام ثانية فبقي البعض، وتهيأ ثالثة للقيام فانصرفوا. فدخل بيته، فتبعه أنس، فمنعه بإلقاء الحجاب، وقال: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يُؤذَن لكم . نعم الذوق واجب، ولكن لا يجوز أن يشتغل الوحي بمثل هذه الأمور! وهل هذا كان في اللوح المحفوظ! (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول الأحزاب 53).
ولا تنكحوا أزواجه من بعده:
وما كان لكم أن تُؤْذوا رسول الله، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً. إن ذلكم كان عند الله عظيماً (آية 53).
صرَّح هنا بعدم جواز اقتران أحدٌ بإحدى نسائه، وأتى طلحة إحدى زوجات محمد، فكلَّمها، وهو ابن عمِّها. فقال محمد: لا تقومنّ هذا المقام بعد يومك فقال: إنها ابنة عمي. والله ما قلتُ لها منكراً ولا قالت لي . فقال محمد: ليس أحدٌ أغْيَر من الله، وإنه ليس أحد أغْيَر مني . فمضى، ثم قال: إذا مات محمد لأتزوجنَّ عائشة من بعده . فقال: ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية).
- تعليق على سورة سبأ (34)
فضل داود وسليمان:
ولقد آتينا داودَ منّا فضلاً. يا جبال أوِّبي معه والطيرَ، وأَلَنَّا لَهُ الحديد أنِ أعمل سابغاتٍ وقدِّرْ في السَّرْد واعملوا صالحاً، إني بما تعملون بصير. ولسليمانَ الريحَ غُدُوَّها شهرٌ ورَوَاحها شهرٌ، وأسَلْناله عيْنَ القِطر، ومِن الجنّمَن يعمل بين يديه بإذن ربه، ومَن يَزِغْ منهم عن أمرنا نُذِقْه من عذاب السّعير، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجِفَانٍ كالجواب وقدورٍ راسياتٍ. اعملوا آل داود شكراً، وقليلٌ من عباديَ الشَّكورُ. فلما قضينا عليه الموتَ ما دلَّهم على موته إلاّ دابةُ الأرض، تأكل مِنْسَأته. فلما خرَّ تبيَّنتِ الجِنّ أنْ لو كانوا يعلمون الغَيْبَ ما لبثوا في العذاب المهين (آيات 10 14).
معنى هذه الأقوال:
- 1 - آتى اللهُ داودَ تأويبَ الجبال والطير، فكانت الجبالُ تُرَجِّع التسبيح أو النوحة على الذنب، بخلق صوت مثل صوته فيها.
- 2 - ألان الله لداود الحديد بأن جعله في يده كالشمع، يصوغه كيف يشاء من غير إحماءٍ وطَرْق، فعمل منه دروعاً.
- 3 - تسخير الرياح لسليمان فكانت تسير به كل يوم مسيرة شهرين، قيل كان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر، وبينهما مسيرة شهر. ثم يروح من اصطخر فيبيت بكابل، وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع. وقيل إنه كان يتغدَّى بالري ويتعشّى بسمرقند.
- 4 - إذابة النحاس له كجري الماء، وكان بأرض اليمن.
- 5 - أمر الله الجن أن يعملوا له قصوراً حصينة ومساكن وتماثيل الملائكة والأنبياء على ما اعتادوا من العبادات، وصحون كالحياض التي يُجمع فيها الماء.
- 6 - لم يعرف أحد بموت سليمان إلا دابة الأرض (أي الأرضة) فإنها أكلت عصاه. فقال مفسرو المسلمين إن داود أسس بيت المقدس في موضع فسطاط موسى، فمات قبل تمامه، فوصّى به إلى سليمان، فاستعمل الجنَّ فيه فلم يتم بعد إذ دنا أجله، وأعلم به، فأراد أن يُعمّي عليهم موته ليُتِمّوه. فدعاهم فبنوا عليه صرحاً من قوارير ليس له باب، فقام يصلي متكئاً على عصاه فقبض روحه وهو متكئ عليها، فبقى كذلك حتى أكلتها الأرْضة، فخرَّ. ثم فتحوا عنه وأرادوا أن يعرفوا وقت موته، فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت يوماً وليلة مقداراً، فحسبوا على ذلك فوجدوه قد مات منذ سنة. (ابن كثير في تفسير هذه الآيات).
فهذه ست أخطاء:
- 1 - لم تسبِّح الجبال والطير، وإنما لسان حالها ناطق بحكمة الله وقدرته.
- 2 - لم يُسمع أن داود كان حداداً وأن الله ألاَنَ له الحديد.
- 3 - لم يسمع أحد أن سليمان كان يطير على الرياح، وأنه كان ينتقل من مكانٍ إلى آخر في طرفة عين.
- 4 - لم يسمع تليين النحاس لسليمان أو أنه كان بأرض اليمن، فإنه كان في أورشليم.
- 5 - الذين بنوا الهيكل هم البناؤون لا الجن، فإن الجنَّ اسمٌ بلا مسمّى.
- 6 - لم يكن موت سليمان بهذه الطريقة.
- تعليقان على سورة فاطر (35)
من تراب أم من صلصال، أم من طين لازب؟
ورد في عدة سور من القرآن أن الله خلق الإنسان من تراب. والله خلقكم من تراب (آية 31). وكذلك في الروم والحج والكهف. ولقد خلقنا الإنسان مِن صلصالٍ مِن حمأٍ مسنون (الحجر 15: 26). إنّا خلقناكم مِن طين لازب (الصافات 37: 11). خلق الإنسان من صلصالٍ كالفخار (الرحمن 55: 14). فقالوا سبب هذا الاختلاف وقوع الخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتّى.
التوراة بيّنات:
جاءتهم رسُلهم بالبيِّنات وبالزُّبُر وبالكتاب المنير (آية 25).
قال المفسرون إن الأنبياء أتوا بالمعجزات الدالة على نبوَّتهم. قوله وبالزبر أي بالصُّحف، وقوله بالكتاب المنير أي التوراة والإنجيل والزبور. وذكر الكتاب بعد الزبر تأكيداً. هو الحق مصدقاً لما بين يديه (آية 31) (الجلالان في تفسير فاطر 25 ، 31).
فهل يصدِّق على شيء مفقود أو ملفّق؟
- تعليق على سورة يس (36)
الرسولان والقرية:
واضرب لهم مثلاً أصحابَ القرية إذ جاءها المرسَلون، إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذّبوهما فعزَّزْنا بثالثٍ فقالوا إنّا إليكم مرسَلون (آيتا 13 ، 14) (حتى عدد 27).
قالوا إن عيسى أرسل إلى أنطاكية اثنين، فلما قربا من المدينة رأيا حبيباً النجار يرعى، فسألهما فأخبراه. فقال: أمعكما آية؟ فقالا: نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص. وكان له ولدٌ مريض فمسحاه فبرأ، فآمن حبيب وفشا الخبر، فشُفي على حديثهما خلقٌ. وبلغ حديثهما إلى الملك وقال لهما: ألنا إلهٌ سوى آلهتنا؟ قالا: من أوجدك وآلهتك؟ قال: انتظرا حتى أنظر في أمركما. فحبسهما. ثم بعث عيسى شمعونَ، فدخل متنكراً وعاشر أصحاب الملك حتى استأنسوا به وأوصلوه إلى الملك فأنس به، فقال له يوماً: سمعتُ أنك حبستَ رجلين، فهل سمعت ما يقولانه؟ قال: لا. فدعاهما فقال شمعون: من أرسلكما؟ قالا الله الذي خلق كل شيء. فقال صِفَاه وأوجِزا. قالا: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. قال: وما آيتكما؟ قالا: ما يتمنى الملك. فدعا بغلامٍ مطموس العينين، فدعَوَا الله حتى انشقّ له بصر، وأخذا بُنْدُقَتَيْن فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مُقلتين. فقال شمعون: أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا حتى يكون لك وله الشرف؟ قال: ليس لي عنك سر. إلهنا لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع. فإنْ قَدِر إلهُكما على إحياء ميتٍ آمنّا به . فدعوا بغلام مات منذ سبعة أيام فقام، وقال: إني أُدخلت في ستة أودية من النار، وإني أحذّركم ما أنتم فيه، فآمِنوا. وقال: فُتحت أبواب السماء فرأيت شاباً حسناً يشفع لهؤلاء الثلاثة. قال الملك: من هم؟ قال شمعون وهذان. فلما رأى شمعون أن قوله أثّر فيه نصحه فآمن في جمع، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل فهلكوا (القرطبي في تفسير هاتين الآيتين).
وكتاب الله يعلمنا أن المسيح أرسل رسُله اثنين اثنين ليبشّروا بالإنجيل، فعملوا الآيات والمعجزات الباهرة، وأنبأهم بأنهم سيُسجَنون، ولكن لم يرد في الإنجيل أن اثنين حُبسا، وأن المسيح أرسل شمعون على الملك بهذه الحيلة.
- تعليقان على سورة الصافات (37)
يسألون أو لا يسألون؟
قالوا: من أسباب تناقض القرآن لبعضه اختلاف الموضع كقوله وقِفُوهم إنهم مسئولون (آية 24) أي احبسوهم. فلنسألنّ الذين أُرسل إليهم ولنسألنّ المرسَلين (الأعراف 7: 6). مع أنه ورد فيومئذٍ لا يُسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانّ (الرحمن 55: 39).
قال الحليمي: تحمل العبارات الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل، والثانية على ما يستلزمه الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه، ولكن حمله غيره على اختلاف الأماكن، لأن في القيامة مواقف كثيرة، ففي موضعٍ يُسألون وفي آخر لا يُسألون.
إبراهيم والكواكب وابنه:
جاء في آيات 88-103 أن إبراهيم نظر في الكواكب، وأنه سقيم، وأنهم ألقوه في النار، وأنه رأى في المنام أنه يذبح ابنه. ولكن التوراة تقول إن إيمان إبراهيم كان حقيقياً فلم ينظر إلى الكواكب، ولم يرَ في الرؤيا أنه يذبح ابنه، بل إن الله أمره بذلك.
تعليقات على سورة ص (38)
داود النبي:
وهل أتاك نبأُ الخصمِ إذْ تسوَّروا المحراب إذْ دخلوا على داودَ ففزِع منهم. قالوا: لا تخَفْ. خصمان بَغَى بعضُنا على بعضٍ، فاحكُم بيننا بالحق ولا تُشطِط، واهدنا إلى سواءِ الصِّراط. إن هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجة ولي نعجةٌ واحدة، فقال أَكْفِلْنِيها وعزَّني في الخطاب. قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيراً من الخُلطاء لَيَبْغِي بعضُهم على بعضٍ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقليلٌ ما هُمْ. وظنّ داود أَنَّما فتنَّاه، فاستغفر ربه وخرّ راكعاً وأناب (آيات 21 24). (راجع تفسير هذه الآيات في الرازي والطبري والقرطبي والكشاف).
هذا يشتمل على أخطاء شتى، منها قوله إن الخصم تسوّروا المحراب ودخلوا على داود، ومنها أنهم استفتوه في مسألة مُبهمة. ومن اطّلع على ما ورد في التوراة في هذه القضية ظهرت له الأخطاء (راجع 2 صموئيل 12: 1 15).
سليمان والخيل:
ووهبْنا لداودَ سليمانَ نِعْم العبدُ إنه أوَّاب، إذْ عُرض عليه بالعَشِيّ الصافِناتُ الجِياد، فقال: إني أحببتُ حبَّ الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب. رُدُّوها عليَّ. فطفِقَ مَسْحاً بالسُّوق والأعناق. ولقد فتنَّا سليمانَ وأَلْقيْنا على كرسيِّهِ جسداً ثم أناب. قال: ربِّ اغفر لي وهَبْ لي مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ مِن بعدي، إنك أنت الوهَّاب. فسخَّرنا له الريحَ تجري بأمره رُخاءً حيث أصاب، والشياطينَ كلَّ بَنَّاءٍ وغَوَّاصٍ وآخرين مُقرَّنين في الأصفاد (آيات 38: 30 38).
الصافن من الخيل هو الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل، وهو مِن الصفات المحمودة في الخيل. يعني أن سليمان استعرض الخيل حتى غربت الشمس، وغفل عن صلاة العصر، يمسح يده بأعناقها وسوقها حباً فيها، وإنه قال لأطوفنّ على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس، ولم يقل إن شاء الله. فطاف عليهنّ فلم تحمل إلا امرأةٌ جاءت بشق رجل. قال محمد: فوالذي نفس محمد بيده، لو قال إن شاء الله لجاهدوا فرساناً . وقيل: وُلد له ابن فأجمعت الشياطين على قتله، فكان يغدوه في السحاب، فما شعر به إلا أنه أُلقي على كرسيه ميتاً، فتنبَّه على خطيئته بأنه لم يتوكّل على الله. وقيل غير ذلك (طبقات ابن سعد ح 8 باب تفسير الآيات التي في ذكر أزواج النبي).
ولم يرد في التوراة أن الخيل أشغلت سليمان عن ذكر ربه، ولا أن امرأته جاءت بشق رجل، أو أنه رُزق بولد أماتته الشياطين.
خُذْ بيدِك ضِغْثاً:
وخُذْ بيدِكَ ضِغْثاً فاضْرِب به ولا تحنَثْ (آية 44).
يعني أن امرأة أيوب ذهبت لحاجةٍ وأبطأت، فحلف إنْ بَرِىءَ ليضربنَّها مائة سوط، فحلّل الله يمينه بأن أخذ ضِغْثاً، وهي حزمةٌ صغيرة من الحشيش بها مائة عود ليضربها بها ضربة واحدة فلا تقع يمينه. وهذه القصة من خرافات اليهود (ابن كثير في تفسير هذه الآية).
تعليقان على سورة غافر (40)
اقتلوا أبناء الذين آمنوا:
ولقد أرسلنا موسى بآياتِنا وسلطانٍ مُبين، إلى فرعونَ وهامانَ وقارونَ فقالوا: ساحرٌ كذّاب. فلما جاءهم بالحقِّ من عندنا قالوا: اقتلوا أبناءَ الذين آمنوا معه واستَحْيوا نساءهم (آيات 23 25).
وضع القرآن فرعون مع هامان مع أنه كان بعد فرعون بأكثر من خمسمائة عام، وفي نفس الآية وضع قارون، وهو شخص لا وجود له. ثم يختتم هذه الآيات بقصة المذبحة التي أمر فرعون فيها بقتل أطفال اليهود. بالرغم من أن هذه المذبحة كانت عند ولادة موسى. ولكي يعتذر المسلمون عن ذلك قالوا إن هناك أكثر من مذبحة وقعت في عهد فرعون لليهود.
ياهامان، ابْنِ لي:
وقال فرعونُ يا هامانُ ابْنِ ليصَرْحاً لعلّي أبْلُغُ الأسباب، أسبابَ السمواتِ فأَطَّلِعَ إلى إله موسى (آيتا 36 ، 37).
أورد الفخر الرازي عدة شبهات حول هذه الآيات، فقال إن هذا القول المنسوب لفرعونيحتمل أحدأمرين: إما أن فرعون قاله أم لا. فإن لم يكن قد قاله يكون القرآن كاذباً. وإن كان قاله ففيه وجهان: إما يكون فرعون عاقلاً أو مجنوناً. فلو كان مجنوناً فكيف يرسل الله إليه رسولاً؟ وإن كان عاقلاً، فكيف لم يعلم أنه ليس في قدرة البشر (آنذاك) وضع بناء يكون أعلى من الجبل العالي. ويعلم أيضاً أنك لو نظرت للسماء من فوق جبل لن يختلف كثيراً عن النظر من على الأرض. فإذا كانت هذه الأشياء بديهية امتنع أن يقصد العاقل إقامة بناءٍ يصعد منه إلى السماء. وإذا كان فساد هذا الرأي واضحاً امتنع إسناده إلى فرعون.
ويقول الرازي أيضاً: لقد أجمع الباحثون في تواريخ بني إسرائيل والفراعنة أن هامان ما كان موجوداً في زمان موسى وفرعون، وإنما جاء بعدهما بنحو ألف سنة. فالقول إن هامان كان موجوداً في زمان فرعون خطأ في التاريخ. وليس لأحدٍ أن يقول إن وجود شخص آخر يسمّى بهامان بعد زمان فرعون لا يمنع وجود شخص آخر بهذا الاسم في زمانه، لأن هذا الشخص المسمّى هامان وزير فرعون لم يكن شخصاً خسيساً غير معروف بل كان وزير فرعون. ومثل هذا الشخص لا يكون مجهول الوصف، فلو كان موجوداً لعُرِفت أخباره. فمثل هذا كالذي يقول إن أبي حنيفة كان موجوداً في زمن محمد.
ثم يجيب الرازي بقوله إن تواريخ موسى وفرعون طال بها العهد واضطربت بها الأحوال فلم يبق على أهل التواريخ اعتماد في هذا الباب (الرازي في تفسير الآيتين).
نقول إن الرازي ظن أن المؤرّخين يعتمدون في بحثهم على كلام أشخاصٍ أيّاً كانوا، ولذا حدث اضطرابٌ في كلامهم. ولكن المؤرخين يعتمدون على الآثار والحفريات التي سجلتها الأحجار لتبقى شاهدةً على صدق كلمة الله، ولتقوم بفضح كل كذّاب.
وليس من الإعجاز في شيء أن يجمع القرآن قصة برج بابل وفرعون وموسى في آيةٍ واحدة!
تعليق على سورة فُصِّلت (41)
السماء أولاً أم الأرض:
قُل: أَئِنّكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين، وتجعلون له أنداداً. ذلك ربُّ العالمين. وجعل فيها رواسيَ من فوقها وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها في أربعة أيامٍ سواءً للسائلين، ثم استوى إلى السماء وهي دخانٌ، فقال لها وللأرضِ: ائْتِيا طوْعاً أو كرْهاً، قالتا أتينا طائعين، فقضاهُنّ سبع سمواتٍ في يومين (آيات 9 12).
وقال في النازعات 79: 27 ، 30 أَمِ السماءُ بناها... والأرضَ بعد ذلك دحاها فيُفهم من فُصِّلت أنه خلق الأرض أولاً ثم السماء، ويُستفاد من النازعات أنه خلق السماء أولاً ثم الأرض. فقال علماؤهم إنه خلق الأرض في يومين غير مدحوّة، ثم خلق السموات فسواهنّ في يومين، ثم دحى الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين، فتلك أربعة أيام (الرازي في تفسير فُصِّلت 9 11).
ومن طالع الأصحاح الأول من سفر التكوين وجد أن الله خلق السموات والأرض وبعد خرابها عملها واعاد نظامها في ستة أيام العمل في اليوم الأول قال ليكن النور، وفي الثاني الجَلَد، وفي الثالث الأرض وجعلها تنبت العشب، وفي الرابع الشمس، وفي الخامس الطيور والزحافات، وفي السادس البهائم والوحوش والإنسان.
تعليق على سورة الجاثية (45)
التوراة حكم ونبوة:
ولقد آتَيْنا بني إسرائيل الكتابَ والحُكم والنبوّة، ورزقناهم من الطيبات، وفضّلناهم على العالمين، وآتيناهم بيّناتٍ من الأمر، فما اختلفوا إلا بعد ما جاءهمُ العِلم بَغْياً بينهم. إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (آيتا 16 ، 17).
فقوله الكتاب يعني التوراة وقوله الحُكم أي معرفة أحكام الله (كما قال الخازن). وقال النسفي: الحكمة والفقه أو فصل الخصومات بين الناس لأن المُلك كان فيهم، وإنما اختلفوا لبغْيٍ حدث بينهم، أي لعداوةٍ وحسدٍ بينهم، لأن مقصودهم كان طلب الرياسة والتقدم . فلم يقل إن التوراة فُقدت بل كانت موجودة، وإنما هو الاختلاف الناشىء عن حب الرياسة كالمشاهَد الآن، فإن كل طائفةٍ تنابذ الأخرى طمعاً في الرياسة، وتؤيّد طريقتها ومذهبها من التوراة. وهذا الاختلاف يكون من أقوى الأسباب لصيانة التوراة وحفظها.
تعليقان على سورة الأحقاف (46)
التوراة إمام ورحمة:
وإذْ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفكٌ قديم، ومِن قَبْلِهِ كتابُ موسى إماماً ورحمةً، وهذا كتابٌ مصدِّقٌ لساناً عربياً لينذرَ الذين ظلموا، وبُشرى للمحسنين (آيتا 46: 11 ، 12).
قال النسفي: كتاب موسى أي التوراة، ومعنى إماماً قدوة يؤتمّ به في دين الله وشرائعه كما يؤتمّ بالإمام. وقوله رحمة أي لمن آمن به وعمل بما فيه. وقوله كتاب مصدِّق أي أن القرآن مصدق لكتاب موسى أو لما بين يديه وتقدمه من جميع الكتب .
فهل سمعتم أو رأيتم شخصاً يصف كتاباً مفقوداً بهذه الأوصاف؟
الجن ينذرون قومهم:
قالوا يا قومَنا إنّا سمعنا كتاباً أُنزل من بعد موسى مُصدِّقاً لما بين يديه (آية 30).
قال الخازن: يعني من الكتب الإلهية المنزّلة من السماء، وذلك أن كتب الأنبياء كانت مشتملة على الدعوة إلى التوحيد وتصديق الأنبياء والإيمان بالمعاد والحشر والنشر. جاء القرآن كذلك، فذلك هو تصديقه لما بين يديه من الكتب (الجلالان في تفسير هاتين الآيتين).
تعليق على سورة محمد (47)
جنة المسلمين:
فيها أنهارٌ مِن ماءٍ غير آسِن، وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيَّر طعمه، وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين، وأنهارٌ من عسلٍ مصفَّى، ولهم فيها من كل الثمرات (آية 15).
وقال عن المتَّقين إنهم على سُرُرٍ موضونة، متَّكئين عليها مُتقابلين، يطوف عليهم وِلْدان مُخلَّدون بأكوابٍ وأباريقَ وكأسٍ من مَعين، لا يُصدَّعون عنها ولا يُنزِفون، وفاكهةٍ مما يتخيَّرون، ولحمِ طيرٍ مما يشتهون، وحورٌ عِينٌ كأمثال اللؤلؤ المكنون... وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سِدْرٍ مخْضود، وطلْحٍ منضود، وظلٍ ممدود، وماءٍ مسكوب، وفاكهةٍ كثيرة لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ، وفُرُشٍ مرفوعةٍ. إنّا أنشأناهنَّ إنشاءً، فجعلناهنَّ أبكاراً، عُرُباً أتراباً (الواقعة 56: 15 37). وقال: فيهِنّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لم يطمِثهُنَّ إنسٌ قبلهم ولا جانّ (الرحمن 55: 56).
فجنَّة المسلمين فيها حدائق من شجر نبق لا شوك فيه، وشجر موز منتظم الثمر، وفي ظلٍّ ممتدٍّ عليهم، وماءٍ منصبٍّ بين أيديهم، وفاكهةٍ كثيرةِ الأجناس لا تنقطع، ولا يمنعهم أحد من تناولها، ونساءٍ جالسات على الأرائك أنشأهنَّ اللهُ إنشاءً جديداً، فجعلهنَّ أبكاراً، مُتحبِّباتٍ لأزواجهن، كلهن من سنٍّ واحدة، وقد قصرْنَ عيونهن على أزواجهن لم يطمثهن أو يمسسهنّ قبلهم إنس ولا جان، كأنهن الياقوت واللؤلؤ في حمرة الوجنة وبياض البشرة وصفائها.
أما وعد المسيح فهو بيت الله وهناك التسبيح والتقديس، بيت منزّهة عن الأكل والشرب والشهوات. لأنهم في القيامة لا يزوِّجون ولا يتزوَّجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء (متى 22: 29 ، 30).
الإسلام يسوّغ لأتباعه الاقتران بأربع وكل ما ملكت أيْمانهم (النساء 4: 3) أما المسيح فقال: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى؟... ويكون الاثنان جسداً واحداً. فالذي جمعه الله لا يفرّقه إنسان . وقال لليهود: موسى أذن لكم أن تطلّقوا نساءكم من أجل قساوة قلوبكم وإنه لا يجوز الطلاق إلا لعلة الزنا (متى 19: 4 9) يعني أن الله خلق آدم وخلق له حواء واحدة، فلم يخلق امرأتين ولا ثلاثة لآدم، وهو برهان مقنع. وفي الإسلام إذا قال الرجل لامرأته ثلاث مرات: أنت طالق، فلا تحلّ له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره (البقرة 2: 230).
ولا نستغرب هذه الأفكار إذا نظرنا إلى سيرة واضع شريعة الإسلام، وقد رماه أهل عصره بأن ليس همُّه إلا النكاح، فقال للمعترضين عليه: أم يحسُدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (النساء 4: 54 راجع تعليقنا هناك). وكانت له نحو 16 زوجة، وسوّغ لنفسه أن ينكح كل من وهبته نفسها (الأحزاب 33: 50). وحلّل لنفسه من يهواها (التحريم 66: 1). ولم يستقبح أخذ امرأة زيد الذي تبنّاه.
أما المسيح فهو منزّه عن كل خطية وشبه الخطية. وقد شهد أعداؤه بأنّه قدوس طاهر، ومحمد قال: كل ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد، غير عيسى بن مريم . وقال القرآن: وإني سمّيتها مريم، وإني اُعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم (آل عمران 3: 36). فالمسيح طاهر قدوس وهكذا يجب أن يكون تابعوه.
تعليق على سورة الرحمن (55)
هل يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان؟
مَرَج البحريْن يلتقيان، بينهما برْزخٌ لا يبغِيان، فبأيِّ آلاء ربكما تكذّبان، يخرج منهما اللؤلؤ والمَرْجان (آيات 55: 19 23).
ومن كلٍ تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حِلْيةً تلبسونها (فاطر 35: 12).
أخطأ القرآن في تقرير أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من الماء المالح لا من العذب، ثم يقرر أنهما يخرجان من الاثنين معاً يخرج منهما أي العذب والمالح. وفي آية فاطر قرر نفس المعنى إذ قال ومن كلٍ (أي من البحرين) تأكلون لحماً طرياً وهذا صواب، لكنه أضاف وتستخرجون حِلْيةً تلبسونها أي اللؤلؤ والمرجان.
تعليق على سورة التحريم (66)
محمد يغدر بحفصة:
يا أيُّها النبيُّ لِمَ تحرّمُ ما أحلَّ الله لك؟ تبتغي مرضاة أزواجك والله غفورٌ رحيم (آية 1).
قال المفسرون إن محمداً كان يقسم بين نسائه، فلما كان يوم حفصة استأذنت محمداً في زيارة أبيها، فأذن لها. فلما خرجت أرسل محمدٌ إلى جاريته مارية القبطية فأدخلها بيت حفصة وخلا بها. فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقاً، فجلست عند الباب. فخرج محمدٌ ووجهه يقطر عرقاً، وحفصة تبكي. فقال: ما يبكيك؟ قالت: إنما أذنتَ لي من أجل هذا. أدخلْتَ أَمَتَك بيتي ووقعتَ عليها في يومي وعلى فراشي. أما رأيتَ لي حُرمة وحقاً؟ ما كنتَ تصنع هذا بامرأةٍ منهن. فقال محمد: أليس هي جاريتي، قد أحلّها الله لي؟ اسكتي فهي عليَّ حرام. ألتمس بذلك رضاكِ، فلا تخبري بهذا امرأةً منهن . فلما خرج محمدٌ قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشّرك أن محمداً قد حرّم عليه أمتَه مارية، وقد أراحنا الله منها . وأخبرتعائشة بما رأت، وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج محمد. فغضبت عائشة، فلم تزل بمحمد حتى حلف أن لا يقربها. ثم نكث وعده بأن قال إن الله قال له: لِمَ تحرّم ما أحلَّ الله لك؟ (السيرة الحلبية باب ذكر أزواجه وسراريه ح 3).
وكان محمد مغرماً بحب عائشة،فأرسل فيأول تزوُّجه بها بنات الأنصار يلعبْنَ معها، لأنها كانت صغيرة. وإذا شربت عائشة من الإناء يأخذه فيضع فمه على موضع فمها ويشرب، إشارةً إلى مزيد حبها، وإذا تعرَّقت عَرْقاً (وهو العظم الذي عليه اللحم) أخذه فوضع فمه على موضع فمها، وكان يتكئ في حِجْرها ويُقبِّلها وهو صائم (رواه الشيخان). وروى أصحاب السُّنن أنه كان يقبّل نساءه وهو صائم، ووقف لعائشة يسترها وهي تنظر إلى الحبشة يلعبون بالحِراب وهي متكئة على منكبه، فسألها: أما شبعتِ أما شبعتِ؟ فتقول: لا لا! (رواه الترمذي). وقال علماء المسلمين إنه كان يدور على نسائه (أي يجامعهن) في الساعة الواحدة من النهار والليل وهنَّ إحدى عشرة. قال قتادة بن دعامة لأنَس بن مالك: أَوَكَان يطيق الدوران عليهن؟ فقال أنس: كنا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين (وفي رواية أربعين) رجلاً من رجال الجنة . وورد في الحديث: قال محمد أُعطيت قوة أربعين رجلاً من أهل الجنة في البطش والجماع . ورووا أن الرجل من أهل الجنة ليُعطَى مائة قوة في الأكل والشرب والجماع والشهوة. وذكر ابن العربي: إنه كان له القوة في الوطء، الزيادة الظاهرة على الخلق. وروى ابن سعد عن أنَس أنه طاف على نسائه التسع في الليلة. وقال محمد: أتاني جبريل بِقِدْرٍ فأكلتُ منها، فأُعطِيتُ قوة أربعين رجلاً من رجال الجنة . وشكا محمد إلى جبريل قلة الجِماع، فتبسَّم جبريل حتى تلألأ مجلس محمد من بريق ثنايا جبريل، فقال له: أين أنت من أكل الهريسة؟ (صحيح مسلم باب فضل عائشة طبقات ابن سعد، باب ذكر زوجاته، فضل عائشة إحياء علوم الدين باب النكاح).
تعليق على سورة نوح (71)
وَدّ وسُواع ويَغُوث ويَعُوق ونَسْر:
وقالوا لا تَذَرُنّ آلهتَكم ولا تذرُنّ وَدّاً ولا سُوَاعاً ولا يَغوثَ ويَعوقَ ونَسْراً (آية 23).
زعم القرآن أن حواراً دار بين نوح وقومه، حذّرهم فيه نوح من عبادة غير الله. وأصرّ قومه على عبادة الأصنام وحذّروا من ترك أصنامهم الخمسة وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً . وقد وقع القرآن في خلط تاريخي، فقد نسب أصنام العرب في شبه الجزيرة والتي كانوا يعبدها قومه إلى قوم نوح، فهذه الأصنام الخمسة كان يعبدها قوم محمد. فكيف عبدها قوم نوح؟ ولقد أوقع القرآن المفسرين في مأزقٍ عسير الخروج منه أعسر وأصعب! قال أحدهم إن هذه الأصنام كانت تُعبد في قوم نوح قبل أن يعبدها العرب، وانتقلت بعد ذلك من قوم نوح إلى شبه الجزيرة العربية، فاتّخذها قوم محمد آلهة يتقربون بها إلى الله !
ثم وضح كيفية الانتقال هذه، فقال: ويحتمل أن تكون قد انتقلت إلى ديارهم عن طريق الطوفان الذي أغرق البلاد والعباد . وقد علَّق الرازي على هذا الكلام بقوله إن نقل نوحٍ للأصنام إلى ديار العرب عمل لا يجيزه عقل، فكيف ينقل نوح أصناماً معه في السفينة بعد أن ظل طيلة ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً حسب رواية القرآن يحاربها؟ وهل يقبل عقل أن يكون نوح سبباً لإضلال قوم وهداية آخرين؟ (الرازي في تفسير هذه الآية).
كما فات المفسرين أن انتقال الأصنام إلى العرب عن طريق الطوفان أمرٌ لا يمكن حدوثه إلا إذا كانت المادة التي صُنعت منها الأصنام غير قابلة للتحلل في الماء، ولاسيما أن فترة غرق تلك الأصنام كانت طويلة جداً. ولو فرضنا إمكانية انتقالها عن طريق الطوفان، فكيف عرف العرب أسماء هذه الأصنام؟ فهل كُتب على كل صنمٍ اسمه؟ وهل كُتبت باللغة العربية التي بدونها يصبح الوصول إلى حقيقة أسمائها أمراً بعيد المنال في أمَّة أمِّية؟
وقد أورد القرطبي قصة أخرى حول هذه الأصنام عن محمد بن كعب قال: كان لآدم خمس بنين هم ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرا. وكانوا عُبَّاداً فمات واحد منهم فحزنوا عليه. فقال الشيطان: أنا أصوّر لكم مثله. إذا نظرتم إليه ذكرتموه . فقالوا له: افعل. فصوّره في المسجد من صُفْر ورصاص. ثم مات آخر فصوّروه، حتى ماتوا كلهم فصوّروهم. واندثرت أخبارهم بمرور الوقت وترك الناس عبادة الله. فقال لهم الشيطان: ما لكم لا تعبدون شيئاً؟ فقالوا: وما نعبد؟ قال: آلهتكم وآلهة آبائكم. ألا ترونها في مُصلاكم؟ فعبدوها من دون الله، حتى بعث الله نوحاً فقالوا: لا تذرنَّ آلهتكم ولا تذرنّ وَداً... (القرطبي في تفسير الآية).
نقول لقد فات المفسر أن وجود الأنبياء والصالحين في بني إسرائيل لم ينقطع من أول آدم حتى ملاخي آخر أنبياء العهد القديم، وحتى فترة انقطاع الرسل وقت السبي. نعم كان هناك رجال صالحون كعزرا ونحميا وغيرهم، فلم يكن هناك اندثار لأخبار النبوّة كما قال. ثم من قال إن هذه الأسماء هي أسماءٌ لأولاد آدم؟
تعليق على سورة الجن (72)
الجن يعلمون الغيب؟
وأنَّهُ كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رَهَقاً، وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً، وأنّا لمسنا السماء فوجدناها مُلئت حرساً شديداً وشُهُباً، وأنّا كنا نقعد منها مقاعدَ للسَّمْع، فمن يستمع الآن يجد له شِهاباً رَصَداً (آيات 6 9).
يؤكد القرآن أن الجن كان لديهم القدرة على الاستماع إلى غيب السماء، وأنهم يذهبون بها إلى الكهان. لكن بعد أن أُرسل محمد أصبحت غير قادرة، لأن السماء مُلئت حرساً شديداً وشهباً ولأنها جعلت (أي السماء) رجوماً للشياطين . لكن القرآن يؤكد أن الجن لا يعلمون الغيب. ففي قصة سليمان قال: فلما خرَّ تبيَّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين (سبأ 34: 14) بعد أن فارق سليمان الحياة!
وعلَّق الإمام الرازي على قصة الجن بقوله: .. ومن الناس من طعن في هذه من وجوه:
(1) كيف يجوز لهؤلاء الجن أن يشاهدوا واحداً وألفاً من جنسهم يسترقون السمع فيحترقون، ثم إنهم مع ذلك يعودون لمثل صنيعهم؟
(2) اطلّع الملائكة على الأحوال المستقبلية والتي كان الشياطين يأخذونها منهم، إما لأنهم طالعوها في اللوح المحفوظ، أو لأنهم تلقنوها من وحي الله إليهم، وعلى التقدير فلم يسكتوا عن ذكرها حتى لا يتمكن الجن من الوقوف عليها.
(3) الشياطين مخلوقون من نار، والنار لا تحرق النار بل تقوّيها، فكيف يُعقل أن يُقال إن الشياطين زُجروا عن استرقاق السمع بهذه الشهب؟
(4) إن كان قذف الشياطين لأجل ظهور النبوّة المحمدية، فلماذا دام بعد وفاة النبي؟
(5) لو كان يمكن لهؤلاء الشياطين أن ينقلوا أخبار الملائكة من المغيبات إلى الكهنة، فلماذا لا ينقلون أسرار المؤمنين إلى الكفار حتى يتوصل الكفار إلى اللحاق بهم؟
(6) لماذا لم يمنعهم الله ابتداءً من الصعود إلى السماء حتى لا يحتاج في دفعهم إلى هذه الشهب؟ (الرازي في تفسير الملك 67: 5).
تعليق على سورة البلد (90)
يقسم أو لا يقسم؟
لا أُقسم بهذا البلد (آية 1).
يقول هنا إنه أُخبر ألاّ يقسم، لكنه أقسم به في قوله: وهذا البلدِ الأمينِ (التين 95: 3). فلم يذكروا وجهاً شافياً للاعتذار عن هذا التناقض.
تعليقات على سورة الإخلاص (112)
قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كُفُواً أحد (112: 1 4).
يتفق المسيحيون مع المسلمين في ما جاء بهذه السورة. ولو أننا كنا نصوغها بصورة جديدة: قل هو الله أحد، الله الصمد، ما وُلد ولا ولدْ، وما له كفو أحد للأسباب التالية:
(1) في لم يلد ولم يولد خطأ زمني، فلا يمكن أن كائناً يلد قبل أن يولد!
(2) لم يلد ولم يولد تنفي الميلاد في الماضي فقط. أما ما وُلِد ولا وَلَدْ فتشمل كل زمان ومكان.
(3) ثم أليس اقتراحنا أبلغ، علاوة على أنه أصحّ؟!
ونحن المسيحيين نفضّل أن نتلو كلمات هذه السورة مصحَّحة. فالله بالمعنى الحرفي ما وُلد، ولا وَلَدْ!
تعليق على سورتي الفلق والناس (113 ، 114)
المعوَّذتان لسحر محمد:
قال المفسرون: كان غلام من اليهود يخدم محمداً، فأتت إليه اليهود ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطةَ محمد وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها. وكان الذي تولّى ذلك لُبيد بن الأعصم اليهودي، ثم دسَّها في بئرٍ لبني زُريق يقال لها ذروان . فمرض محمد وانتثر شعر رأسه، وكان يظن أنه يأتي نساءه ولا يأتيهن، وجعل يدور ولا يدري ما عراه، وكان يتخيّل أنه فعل الشيء وما فعله. فبينما هو نائم ذات يوم أتاه ملاكان، فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه. فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال طب (أي سُحر) قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي. قال: وبِمَ طبَّه؟ قال: بمشطٍ ومشاطة. قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان (والجف قشر الطلع، والراعوفة حجر في أسفل البئر يقوم عليه الماء). فانتبه محمد ثم بعث علياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نُقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف، فإذا هو مشاطة رأسه، وأسنان مشطه، وإذا وترٌ معقّد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر. فقرأ المعوَّذتين وفيهما إحدى عشرة آية. فكان كلما قرأ آيةً انحلّت عقدة، فقام كأنما نشط من عقال. وجعل جبريل يقول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن حاسدٍ. وعين الله تشفيك . فقالوا: يا رسول الله، أَوَلا نأخذ الخبيث فنقتله؟ فقال: أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أُثير على الناس شراً (صحيح البخاري كتاب الطب باب السحر).
ولنا هذه الملاحظات:
(1) لقد أثّر فيه السحر وكان يغيِّب عقله، فهل يبعُد عليه أن ينسى أو يخلط؟ والقرآن يقول سنقرئك فلا تنسى (الأعلى 87: 6).
(2) ماذا يكون حال النبي الذي سحره أحد اليهود حتى أمرضه وأثَّر فيه؟ إن القوي هو الذي يؤثر في الضعيف. فهل اليهودي أقوى من محمد حتى سحره؟ ثم إن المؤثِّر الحقيقي في كل شيء هو الله، ولو كان محمد نبياً لحافظ الله عليه لأنه خصَّه بالوحي والنبوَّة.
(3) كان بمحمد داء، وبما أن عقله كان مشحوناً بالاعتقادات في الجن والعين والسحر، ظن أن اليهود سحروه.
(4) لا نتصوّر أن ملائكة الله يعتقدون بالسحر وهو من الأكاذيب، فإذاً يكون محمد قد توهّم فيعقله وجود ملاكين عندقدميه. ومن المعلوم أن سحرة مصر مع براعتهم وحكمتهم لم يقدروا أن يقفوا أمام النبي موسى، لأن السحر كذب، بل لم يقدروا أن يمسوا موسى بضرر، مع أنه كان فييدهم قوة الحكومة وسطوتها. ولكن قوة الله كانت مع النبي موسى فعجزوا أمامه